القائمة الرئيسية

الصفحات



تقادم دعوى مسئولية ناقل البضائع بحراً بين القضاء الوطني والتحكيم البحري

 


تقادم دعوى مسئولية ناقل البضائع بحراً بين القضاء الوطني والتحكيم البحري

أ.د. هاني دويدار أستاذ القانون التجاري كلية الحقوق

تمهيد:

 

1- تقضي المادة 244 فقرة (1) من قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990 بانقضاء دعوي مسئولية الناقل البحري بمضي سنتين. وقد أخذ الحكم المتقدم من المادة 20 فقرة أولي من قواعد هامبورج ([1][1]).

ويترتب على ذلك أن هناك تقاربا بين حكم التقادم في كلا النظامين اللذين يعدان النظام القانوني الجديد للنقل البحري. ومع ذلك هناك بعض أوجه الاختلاف بينهما، وأهمهما على الإطلاق هو عدم الإشارة صراحة في قانون التجارة البحرية إلى تقادم دعوي مسئولية الناقل التي اتفق بشأنها على إحالتها إلى التحكيم.

لذلك نعرض من جانب للمقارنة بين حكم التقادم في القانون الوطني وحكمه في الاتفاقية الدولية، ثم نبين مدي انقضاء دعوي المسئولية بمرور الزمن سواء أقيمت أمام القضاء الوطني أو أحيلت إلى التحكيم.

أ.د. هاني دويدار أستاذ القانون التجاري كلية الحقوق - جامعة الإسكندرية

عميد كلية الحقوق - جامعة بيروت العربية

من أوراق عمل المركز في التحكيم البحري 2007م


المبحث الأول: حكم التقادم بين قانون التجارة البحرية وقواعد هامبروج

2- أهم ما جاء بالنظام القانوني الجديد للنقل البحري للبضائع هو مضاعفة مدة تقادم دعوى مسئولية الناقل البحري عما كانت عليه الحال في ظل التقنين البحري الملغي وفي ظل معاهدة سندات الشحن لعام 1924 ([1][1]).

 

ولاشك أن في مضاعفة مدة التقادم حماية أوسع للشاحنين، نظراً لما كان يشير إليه الفقه من الأضرار البالغة التي تلحق بهم في ظل مدة السنة الواحدة للتقادم في النظام القانوني القديم للنقل البحري للبضائع ([1][2]).

3- ويبدأ سريان مدة التقادم من تاريخ تسليم البضائع أو من التاريخ الذي كان يجب أن يتم فيه التسليم. وبذلك يواجه القانون الفرضين اللذين يفضي إنجاز النقل البحري إليهما: فرض تسليم البضائع ويعتريها هلاك جزئي أو تلف أو تأخير في تسليمها. وفي هذا الفرض يبدأ سريان مدة التقادم من تاريخ التسليم. والعبرة هنا بالتسليم الفعلي للبضائع، أي بالميعاد الذي تم فيه تسليم البضائع بالفعل إلى المرسل إليه، وفيه يتمكن المرسل إليه من كشف ما يعتري البضائع من هلاك جزئي أو تلف أو تحديد قدر التأخير الذي تحقق في تسليم البضائع([1][3]).

والفرض الثاني هو فرض هلاك البضائع هلاكاً كلياً، وأيا كان سبب هذا الهلاك. فسواء كان الهلاك الكلي ثابتاً أو كان حكمياً من واقع عدم تسليم البضائع خلال الستين يوماً التالية ليوم ميعاد التسليم، يبدأ سريان التقادم من التاريخ الذي كان يجب أن يتم التسليم فيه. ونذكر أن هذا التاريخ يتحدد إما بميعاد التسليم المتفق عليه وإما الميعاد الذي يسلم فيه الناقل العادي البضائع في الظروف المماثلة اذا لم يوجد اتفاق على ميعاد التسليم ([1][4]).

4- وطبقا للمادة 380 من القانون المدني تحسب مدة التقادم بالأيام لا بالساعات. ولا يحسب اليوم الأول، وتكتمل المدة بانقضاء آخر يوم منها ([1][5]).

وبوصف مدة السنتين مدة تقادم فهي تخضع للوقف والانقطاع طبقا للقواعد العامة. وفضلا عن ذلك تنص المادة 244 فقرة (2) من قانون التجارة البحرية الجديد على انقطاع سريان المدة بالإضافة إلى الأسباب المقررة في القانون المدني، بأحد الأمور الآتية:

1- بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول.

2- بتسليم المستندات المتعلقة بالمطالبة.

3- يندب خبير لتقدير الأضرار ([1][6]).

5- وتجدر الإشارة إلى ما يكمن بين القانون المصري وقواعد هامبورج من اختلاف يتعلق نطاق التقادم المقرر فيهما. فقانون التجارة البحرية يقضي بتقادم الدعاوي الناشئة عن عقد النقل البحري بمضي سنتين. وبالتالي لا يسري التقادم القصير إلا على دعاوي المسئولية التعاقدية، فضلاً عن سائر المنازعات الأخرى الناشئة عن تنفيذ عقد النقل. ويشمل ذلك الدعاوي المرفوعة من قبل الشاحن أو المرسل إليه أو من حل محل أي منهما في حقوقه تجاه الناقل مثل شركة التأمين. أما إذا كانت دعوى المسئولية مرفوعة من الغير تأسيسا على قواعد المسئولية التقصيرية فلا تخضع الدعوى للتقادم المنصوص عليه في قانون التجارة البحرية وإنما تخضع للقواعد العامة في التقادم.

وعلي خلاف ذلك تقضي قواعد هامبورج بتقادم جميع الدعاوي المتعلقة بنقل البضائع بحراً والتي ترفع استناداً إلى أحكام هذه الاتفاقية بمضي سنتين. وإذ تجيز المادة السابعة فقرة أولي منها رجوع الغير على الناقل بالمسئولية التقصيرية فإن هذه الدعوى تخضع لحكم الاتفاقية في التقادم.

6- ويعد الدفع بتقادم دعوى مسئولية الناقل البحري دفعاً موضوعياً لا يتعلق بالنظام العام، لأنه مقرر لمصلحة الناقل البحري. ويترتب على ذلك جواز ابدائه في أي حال تكون عليه الدعوى ولو للمرة الأولي أمام محكمة الاستئناف ([1][7]). إلا أنه يتعين على الناقل البحري التمسك به، ولا يجوز للمحكمة أن تحكم بتقادم الدعوى من تلقاء نفسها. ونظراً لعدم تعلق الدفع بالتقادم بالنظام العام يمتنع على الناقل البحري التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.

ويلاحظ أنه في حالة إغفال المدعي إخطار الناقل البحري بالتأخير فإنه يستطيع الدفع بعدم قبول دعوى المسئولية. ولا يحول عدم إبداء الدفع بعدم قبول الدعوى دون إمكانية تمسك الناقل البحري بتقادم دعوى المسئولية.

 

 


(2) وبالإضافة إلي  ذلك تفادي  المشرع الخلاف الذي  كان دائراً بين المحاكم المصرية حول تكييف مدة السنة المنصوص عليها في  المادة الثالثة فقرة (سادساً) من معاهدة سندات الشحن لعام 1924، بسبب ما يعتري  صياغة هذه الفقرة من غموض وعدم دقة. فقد جاء نص المشرع صريحا علي  أن مدة السنتين هي  مدة تقادم. أما في  ظل معاهدة سندات الشحن اتجهت بعض المحاكم إلي  أن المدة المذكورة هي  مدة تقادم حقيقي ، وبالتالي  يرد عليها الوقف والانقطاع، بينما اتجهت بعض المحاكم الأخري  إلي  اعتبارها مدة سقوط بوصفها شرطا شكليا لقبول دعوي  مسئولية الناقل، مما يترتب عليه ألا يرد عليها وقف أو انقطاع.

انظر كمثال للاتجاه الأول: محكمة استئناف الاسكندرية، الدائرة الثانية بحري ، استئناف رقم 534 لسنة 40ق، جلسة 14/2/1990. وكمثال للاتجاه الثاني : محكمة الاسكندرية الابتدائية، الدائرة الرابعة تجاري ، الدعوي  رقم 3037 لسنة 1979، جلسة 31/12/1988.

(1) انظر في  ذلك: جلال وفاء محمدين: مدي  فعالية قواعد مسئولية الناقل البحري  للبضائع في  القانون المصري  الجديد في  حماية الشاحن المصري ، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق - جامعة الاسكندرية، العددان الأول والثاني  1993، ص 85 والإشارات التي  يحيل إليها.

(2) POURCELET, Le transport maritime sous connaissement, Diort canadier, 

  américain et anglais, Les Presses de l'Université de Montréal, 1972.

      محكمة استئناف الاسكندرية، الدائرة الثانية بحري ، استئناف رقم 534 لسنة 40ق، جلسة 14/2/1990.

(3) وكان الأوفق بالمشرع أن ينص علي  سريان مدة التقادم اعتبارا من تاريخ انقضاء الستين يوما التالية ليوم ميعاد التسليم في  حالة الرجوع بالمسئولية عن الهلاك الكلي  للبضائع. ذلك أن المرسل إليه يجهل مصير البضائع خلال هذه المدة فيحول ذلك دون رفعه لدعوي  المسئولية عن الهلاك الكلي :

CHAUVEAU, Traité de Droit maritime, librairies Technique , Paris, 1958.

    وفي  معنى  مقارب:

RIPERT, Droit maritime , libraries Technique , Paris, 40 édition 1950.                 =

=     ولذلك يتجه قضاء النقض الفرنسي  الحديث إلي  أنه يترتب علي  أي  سلوك يصدر عن الناقل أو من ينوب عنه من شأنه إثارة الشك لدي  المرسل إليه حول حقيقة مصير البضائع واعتقاده أن تسليمها له =

    لا يزال مقدرا يؤدي  إلي  وقف سريان تقادم دعوي  المسئولية عن الهلاك الكلي  الذي  يسري  اعتبارا من

    التاريخ الذي  كان يجب تسليم البضائع فيه.

Cassation commerciale, 4 Janvier 1994, Droit Maritime Français , No 539, Juin 1994 , P. 446 , observations TASSEL.

(1) ويلاحظ أن المادة 20 فقرة ثالثة من قواعد هامبورج تقضي  بعدم احتساب اليوم المحدد لبدء سريان مدة التقادم ضمن هذه المدة. ويتفق ذلك مع حكم القواعد العامة في  القانون المصري .

(2) أما قواعد هامبورج فهي  لا تتضمن أحكاماً خاصة بانقطاع مدة التقادم، لكن المادة 20 فقرة رابعة منها تنص علي  امتداد مدة التقادم بطلب كتابي  يوجهه المدعي  عليه إلي  طالب التعويض، ويمكن مد المدة أكثر من مرة بموجب طلبات متعددة. وتتفادي  الاتفاقية الدولية بذلك مماطلة الناقل في  التسوية الودية للنزاع حتي  فوات مدة تقادم دعوي  المسئولية.

ولذلك نري  وجود تفسير نص المادة 244 فقرة (2) من قانون التجارة البحرية علي  أن الأحوال الثلاثة الخاصة التي  ينقطع بها سريان مدة التقادم يستوي  في  شأنها صدورها من المضرور أو من المدعي  عليه بالمسئولية.

ونشير في  هذا الصدد إلي  ما يذهب إليه القضاء الفرنسي  أن تقديم الناقل البحري  عرضا بالتعويض إلي  المضرور يكون كافيا لقطع التقادم، ولو لم يحدد العرض قيمة التعويض:

RIPERT, op. cit, Tome II, No 1852. CHAUVEAU, op. cit, No 845.

(1) ويلاحظ أن المادة 271 من التقنين البحري  الملغي  كانت تقضي  بانقضاء دعوي  المسئولية علي  أية حالة كانت عليها الدعوي  إذا تمسك الناقل بالتقادم. وكان في  ذلك تأكيد لحكم القواعد العامة الواردة بالمادة 387 من القانون المدني . راجع: سميحة القليوبي ، موجز القانون البحري ، مكتبة القاهرة الحديثة، الطبعة الأولي  1969، ف 463.

 

 


(1) هى اتفاقية الأمم المتحدة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالنقل البحرى الدولى للبضائع، والتى تم التوقيع عليها بمدينة هامبورج بألمانيا فى 31/7/1978، ودخلت حيز النفاذ دوليا فى 1/12/1992.


المبحث الثاني: مدى انقضاء دعوى مسئولية الناقل بالتقادم أمام كل من القضاء الوطني والتحكيم البحري:

7- يثور التساؤل عما إذا كانت مدة التقادم المنصوص عليها في المادة 244 فقرة (1) من قانون التجارة البحرية الجديد تسري سواء تم رفع دعوى المسئولية أمام المحكمة أو تم الاتفاق على إحالتها إلى التحكيم. ونشير إلى أن المادة 20 فقرة أولي من قواعد هامبورج حرصت على تأكيد سريان مدة التقادم في الحالتين خشية تفاوت الأحكام الخاصة بالتحكيم في مختلف القوانين الوطنية.

وكنا قد ذهبنا أول الأمر إلى أن حكم تقادم دعوى المسئولية في القانون المصري يسري سواء تم رفع الدعوى أمام القضاء أو اتفق على إحالتها إلى التحكيم. واكتفينا في تأسيس هذا الرأي بالإشارة إلى أن حكم التقادم إنما يتعلق بدعوى المسئولية، مما لا يؤثر في سريانه طبيعة الجهة التي تنظر الدعوى سواء تمثلت في القضاء أو التحكيم ([1][1]).

8- إلا أن زميلنا الفاضل الدكتور جلال وفاء محمدين ذهب في بحثه القيم حول مدي فاعلية قواعد مسئولية الناقل البحري للبضائع في القانون البحري الجديد في حماية الشاحن المصري إلى خلاف ما اتجهنا إليه ([1][2]). فعند عقد المقارنة بين قواعد هامبورج وقانون التجارة البحرية الجديد وجد الباحث "أن النص الوارد في اتفاقية هامبورج يقضي بتقادم أي دعوى تتعلق بنقل البضائع إذا لم تتخذ إجراءات التقاضي أو (التحكيم) خلال مدة سنتين من يوم قيام الناقل بتسليم البضائع أو جزء منها.... بينما نجد أن النص المصري يقضي بسريان التقادم عند عدم اتخاذ أي إجراء من إجراءات التقاضي، دون ذكر للتحكيم. ومن ثم فإنه طبقا لاتفاقية هامبورج إذا تضمن عقد النقل البحري شرط التقديم للتحكيم، ولم تتخذ إجراءاته خلال سنتين، فمعني ذلك تقادم أي دعوى ترفع مثلاً لإجبار الناقل على التقديم للتحكيم أو لإنفاذ اتفاق التحكيم أو لإجبار الناقل مثلاً على تنفيذ حكم التحكيم (إذا كانت العملية التحكيمية بدأت هي الأخرى بعد مرور عامين). أما النص المصري فلقد جاء، كما قدمنا، خالياً من الإشارة إلى التحكيم، واقتصر فقط على الإشارة على أن التقادم يسري على الدعاوي الناشئة عن عقد النقل البحري بمرور عامين دون اتخاذ إجراءات رفع الدعوى مثلاً أو القيام بأي إجراء من شأنه قطع التقادم. وعليه، إذا تضمن عقد النقل البحري شرطاً يقضي بتقديم المنازعات التي تنشأ عنه إلى التحكيم، ومر عامان دون اتخاذ إجراءات التحكيم، فلا ينقضي حق الشاحن في الالتجاء إلى التحكيم، كما لا ينقضي حقه في اتخاذ بعض الإجراءات القضائية كالدعاوي التي تقام على الناقل مثلاً لإنفاذ الاتفاق على التحكيم أو لإجبار الناقل على تنفيذ حكم المحكم، حتى بعد مرور عامين. وإغفال المشرع لسريان مدة التقادم القصير على التحكيم، ينم عن فهم وتقدير للتحكيم باعتباره وسيلة غير قضائية لفض المنازعات، وبصفة خاصة، أن وقتاً طويلاً قد ينقضي في مفاوضات غير علنية بين الطرفين، وخاصة في الشحنات الضخمة، قبل البدء في اتخاذ إجراءات التحكيم. ولا شك أن هذه حماية أوسع يوفرها القانون المصري للشاحن بحيث لا يعدم كل الوسائل اللازمة لاقتضاء حقه في التعويض" ([1][3]).

ونظراً لخطورة الآثار المترتبة على الرأي المتقدم والجدل الذي تثيره الأسس التي بني عليها، يتعين علينا مناقشته بشيء من التفصيل.

9- لنطرح جانباً أولا تلك الحجة المستمدة من الفهم والتقدير للتحكيم كأداة غير قضائية لفض المنازعات. ذلك أن الفهم الأعمق للتحكيم في إطار دوره المنوط به في العلاقات الاقتصادية الدولية، وإزاء الحالة الراهنة للتقسيم الدولي للعمل، يفرض علينا التحفظ في قبول مبدأ التحكيم حرصاً على المصلحة الوطنية، وبفرض الاتفاق على مدلول ومضمون المصلحة الوطنية بطبيعة الحال.

فلنقبع إذن في حدود معطيات الفن القانوني ومقتضيات الصنعة القانونية. ونشير إلى أن اتجاه المشرع المصري في القانون الجديد هو بالفعل نحو إضفاء مزيد من الحماية للشاحنين، بوصف الدولة المصرية من دول الشاحنين. لكن الأمر لم يصل بالمشرع إلى إهدار مصالح الناقلين البحريين، وفي الواقع لا يطالبه أحد بذلك.

ففي معرض تنظيم مسئولية الناقل البحري، وبالنظر إلى الأضرار البالغة التي تنجم عن المخاطر البحرية، يكون على المشرع محاولة التوفيق بين اعتبارين يبدوان من عدة وجوه متناقضين: يتمثل الأول في ضرورة حماية مشروعات النقل البحري تشجيعا للاستثمارات في مجال التجارة البحرية، بينما يتمثل الثاني في وجوب توفير حماية معقولة لمتلقي خدمة النقل البحري أي الشاحنين. وإذا كان التوفيق بين الاعتبارين المتقدمين هو في نظرنا عماد التنظيم القانوني لعقد نقل البضائع بحراً، فلا يعني ذلك بالضرورة إمكان تحقيق التوازن الأمثل دائما. وقد مال المشرع المصري بالفعل إلى حماية الشاحنين، دون أن يهدر مع ذلك مصالح الناقلين. وأحكام تحديد مسئولية الناقل تشهد على ذلك ([1][4]). بل إن في إجازة الاتفاق على أن يلتزم الشاحن بالشحن والتفريغ ما يهدر جوانب عديدة لحماية مصالح الشاحنين.

10- ويلاحظ في شأن تقادم دعوى مسئولية الناقل البحري أن المدة القصيرة هي في الأصل تعبيراً عن مصلحة الناقل. وتعد مدة السنتين ميزة بالنسبة إلى الشاحن مقارنة بما كان عليه العهد فيما سبق من جعل مدة التقادم سنة واحدة. ولكن بالمقارنة مع مدة التقادم طبقاً للقواعد العامة، أي خمسة عشر عاماً، لا شك أن مدة تقادم دعوى مسئولية الناقل تعبر عن مصلحة له في عدم تعليق مركزه الناشئ عن عقد النقل مدة طويلة من الزمن، يحيط به القلق حول مطالبته بالتعويض.

ويستند الفقه في تبرير مدة التقادم القصير إلى خشية المشرع تبدد معالم وقائع النزاع وبالتالي تعذر إثباتها بعد مرور فترة طويلة من الزمان ([1][5]). ولاشك أن لهذا الاعتبار أهميته سوار تصدي القضاء للفصل في النزاع أو تصدي له المحكمون.

11- وعن مضمون نص المشرع المصري، نشير إلى أنه تولي تنظيم حكم التقادم في المادة 244 من قانون التجارة البحرية. ثم تولي تحديد اختصاص المحاكم بالفصل في الدعاوي الناشئة عن عقد النقل في المادة 245، وأعقب ذلك تناوله التحكيم في المادتين 246، 247.

وفي معرض الحديث عن التقادم ينص المشرع على أنه "تنقضي الدعاوي الناشئة عن عقد نقل البضائع بالبحر بمضي سنتين من تاريخ تسليم البضائع.. " إلى آخر النص. وفي المادة 245 ينص المشرع على أنه "ترفع الدعاوي الناشئة عن عقد نقل البضائع بالبحر أمام المحكمة المختصة وفقاً... " إلى آخر النص. وفي صدر المادة 246 يذهب المشرع إلى أنه "إذا اتفق في عقد نقل البضائع بالبحر على إحالة الدعاوي الناشئة عنه إلى التحكيم..." إلى آخر النص.

ورغم شكلية الحجة التي نسوقها إلا أن لها دلالة أكيدة على المنهج الذي اتبعه المشرع المصري. فمن جهة يتضح لنا أن حكم التقادم يستقل عن أي من حكم اختصاص المحاكم وحكم التحكيم. ومن جهة أخرى يستخدم المشرع في النصوص الثلاثة المشار إليها عبارة "الدعاوي الناشئة عن عقد نقل البضائع بالبحر". وكان في الإمكان تفسير اصطلاح "الدعاوي" على أنها تلك التي ترفع وحدها أمام القضاء، وتبعاً لا يسري حكم التقادم إلا في شأنها، لولا أن المشرع ذاته استخدم اصطلاح "الدعاوي" عند نصه على التحكيم. ويترتب على ذلك أن الحكم الخاص بتقادم "الدعاوي" يسري سواء تعلق الأمر بدعوى ترفع أمام القضاء أو بدعوى تم الاتفاق على إحالتها إلى التحكيم ([1][6]).

12- إن ما ذهب إليه الدكتور جلال وفاء محمدين يستند ضمنياً إلى التمييز بين الأحكام الموضوعية لمسئولية الناقل البحري وبين أحكامها الإجرائية، وتصنيف حكم التقادم بطبيعة الحال ضمن أحكامها الإجرائية. لكن هذا التقسيم لا يطمس حقيقة الدفع بالتقادم بوصفه دفعاً موضوعياً، وما الإشارة إلى تقادم الدعوى سوي تعبير عن ارتباط إعمال الدفع بالمطالبة الجبرية بالتعويض. أما محل التقادم حقيقة فهو الحق الشخصي الناشئ عن مسئولية الناقل والمتمثل في التعويض. ومتى قيل بانقضاء الحق في طلب التعويض بمرور الزمن فلا شأن لسبيل اقتضاء الحق في ترتيب هذا الأثر. وسواء تم رفع الدعوى أمام القضاء أو تم الاتفاق على إحالتها إلى التحكيم يكون الحق في المطالبة بالتعويض قد انقضي بمرور الزمن.

وينبغي في هذا الصدد عدم إغفال الحكم الذي تضمنته المادة 247 من قانون التجارة البحرية الجديد. ومؤداه التزام المحكمين بالفصل في النزاع على مقتضي الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون بشأن عقد البضائع بالبحر. وتشمل هذه الأحكام من بين ما تشمله الحكم الخاص بالتقادم. ولا يستثني منها سوي الحكم الخاص باختصاص المحاكم الذي لا يكون له مجال للإعمال في حالة إحالة الدعوى إلى التحكيم.

ولا يحتاج في ذلك بإمكانية الاتفاق بعد قيام النزاع على إعفاء المحكمين من التقيد بأحكام قانون التجارة البحرية الجديد. فأحكام مدد التقادم تتعلق أصلا بالنظام العام، فلا يجوز بالتالي الاتفاق على ما يخالفها ([1][7]). ويكفي في شأن عقد النقل للبضائع للبضائع بطلان كل اتفاق سابق على قيام النزاع يقضي بإعفاء المحكمين من التقيد بالأحكام المشار إليها. لكن المطروح في هذا الجدل العلمي هو مدي سريان حكم التقادم على حالة الاتفاق على التحكيم بغض النظر عن ثمة اتفاق يخالف أحكام التقادم.

13- أما الحجة المستمدة من طول المفاوضات غير العلنية حول التسوية الودية للنزاع فلا تكفي في ذاتها حجة لعدم تطبيق حكم التقادم في حالة التحكيم وتطبيقه مع ذلك في حالة رفع الأمر إلى القضاء.

فمن جهة يشهد العمل دخول الأطراف في مثل هذه المفاوضات بغض النظر عن الاتفاق على إحالة الدعوى إلى التحكيم أم خضوع الدعوى بحسب الأصل للقضاء ([1][8]). فلا وجه للتمييز بين الفرضين لتبرير تطبيق حكم التقادم القصير في فرض وتبرير عدم تطبيقه في فرض آخر.

ومن جهة أخرى واجه المشرع ما قد يترتب على المفاوضات بين الأطراف من خطر فوات مدة التقادم، وتوسع في تحديد الحالات التي ينقطع بها سريان التقادم ([1][9]). وبالتالي لا يحول طول هذه المفاوضات دون إمكانية حجز اللجوء إلى القضاء أو التحكيم كحل أخير إذا فشلت تلك المفاوضات، وإن كان الأمر يتطلب يقظة المضرور وهمته في قطع سريان التقادم ([1][10]).

14- ويلاحظ أخيراً أن استبعاد حكم التقادم القصير في حالة التحكيم يؤدي إلى تعليق مراكز قانونية أخرى غير ذلك المركز القانوني للناقل المدعي عليه في دعوى المسئولية. كما أنه قد يفضي في نهاية الأمر إلى الإضرار بحقوق الشاحن نفسه.

فالقول بعدم سريان حكم التقادم يفضي إلى استبعاد ما نصت عليه المادة 244 فقرة (3) من قانون التجارة البحرية الجديد: وينقضي حق من وجهت إليه المطالبة في الرجوع على غيره من الملتزمين بمضي تسعين يوماً من تاريخ إقامة الدعوى عليه أو من تاريخ قيامه بالوفاء ولو انقضت المدة المشار إليها في الفقرة (1) أي مدة السنتين ([1][11]). وعلي ذلك إذا اتفق بين الشاحن والناقل المتعاقد على إحالة الدعوى إلى التحكيم، لا يكون رجوع الشاحن مقيداً من حيث الزمان. ويستتبع ذلك إطلاق رجوع الناقل المتعاقد على الناقل الفعلي من حيث الزمان أيضاً. ومعني ذلك جواز الاحتجاج بشرط التحكيم الوارد في سند الشحن تجاه الناقل الفعلي رغم أنه لم يكن طرفا في عقد النقل، وقد يخلو تكليف الناقل له بإنجاز النقل أو جزء منه على التزامه بما جاء في سند الشحن من شروط تنظم بطبيعة الأمور علاقة الناقل المتعاقد بأي من الشاحن أو المرسل إليه ([1][12]).

كذلك قد يضر إطلاق رجوع المضرور على الناقل البحري من حيث الزمان بمصالح المضرور إذا تمكن الناقل البحري من إقامة الدليل على أن الضرر نشأ أثناء عملية التفريغ وكانت مدة تقادم دعوى مسئولية المقاول البحري قد انقضت. ويثور هذا الوضع في الفرض الغالب الذي يتضمن فيه سند الشحن شرط التسليم تحت الروافع، ويعد المرسل إليه أصيلا في التعاقد مع المقاول البحري وإن كلفه الناقل بالتفريغ بوصفه وكيلا عن المرسل إليه. فطبقاً للمادة 139 من قانون التجارة البحرية تنقضي دعوى صاحب العمل على المقاول البحري بمضي سنتين من تاريخ استحقاق الدين. وقد رأينا من قبل أن المشرع اتجه نحو تحقيق نوع من التوازي بين إثارة مسئولية الناقل البحري وإثارة مسئولية المقاول البحري. ومن بين مظاهر هذا التوازي مدة التقادم التي نص المشرع عليها في الحالتين، وهي مدة واحدة تنشأ تقريباً عن وقائع متعاصرة في الزمان أو متقاربة. ومن الراجح أن يولي المضرور رجوعه على الناقل البحري للإفادة من قرينة المسئولية التي تثقل كاهله. وقد يتراخي المضرور في هذا الرجوع متستراً وراء غياب مدة تقادم قصير لدعوى المسئولية في حالة التحكيم. فإذا أثبت الناقل دفعا لمسئوليته أن الضرر نشأ أثناء التفريغ يجد المضرور باب الرجوع على المقاول البحري قد انسد من أمامه لانقضاء الدعوى بالتقادم([1][13]). وفي مجال مسئولية المقاول لم يذكر المشرع التحكيم، ولا يثور بالتالي الشك حول انقضاء الدعوى بمضي سنتين من تاريخ استحقاق الدين.

 


(1) مؤلفنا: الوجيز في  القانون البحري ، الجزء الثاني ، النقل البحري  للبضائع، الاسكندرية، 1993، ص201.

(2) البحث سابق الاشارة إليه، ص 86 - 87.

(1) لقد عمدنا إلي  عرض رأي  الدكتور جلال وفاء محمدين كما عبر عنه لفظاً ومعني  في  بحثه سابق الإشارة إليه، حتي  يبقي  القارئ العزيز رقيباً علي  جدلنا العلمي  حوله.

(1) المادة 233 من قانون التجارة البحرية الجديد.

(2) مصطفي  كمال طه: القانون البحري  الجديد، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 1995، ف 420. علي  البارودي : مبادئ القانون البحري ، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1987، ف 293

RIPERT, op. cit, Tome II, 1843. FRAIKIN et BOQUET. "Digest" des prescriptions en Droit maritime, Droit Maritime Français, No 328 , avril 1976, P. 204.

(1) وتجدر الاشارة في  هذا الصدد إلي  أن القضاء الانجلوسكوني  انقسم فيما اتجه إليه حول خضوع التحكيم لأحكام التقادم الواردة في  معاهدة سندات الشحن لعام 1924. فينما يري  القضاء الأمريكي  أن عرض النزاع علي  التحكيم لا يمثل "دعوي " في  مفهوم المعاهدة اتجه القضاء البريطاني  إلي  خلاف ذلك. وتبعاً لذلك لا يري  القضاء الأمريكي  خضوع التحكيم لأحكام التقادم بينما يري  القضاء البريطاني  وجوب خضوع المنازعة المتفق علي  التحكيم في  شأنها لأحكام التقادم.

     راجع في  ذلك: POURCELET, op. cit, No 150.                                                  

(1) المادة 388 فقرة أولي  من القانون المدني . وقارن في  ظل القوانين الأنجلوسكسونية وتطبيقها في  مجال النقل البحري                                                       POURCELET, op. cit, No. 142.

    وقارن كذلك في  ظل القانون الفرنسي  للنقل البحري  لعام 1966:

Cassation commerciale, 21 Janvier 1992, JCP 1992 IV 885.                        

(2) راجع في  تفصيل ذلك:

SCAPEL: Interruption et suspension de la presciption annale du fait du transporteur maritime, Droit Maritime Français, No 341, mai 1977, P.259.

(3) وتجدر الاشارة في  هذا الصدد إلي  ما يجري  عليه العمل من مطالبة المضرور وكيل السفينة بوقف سريان التقادم لمدد يتم الاتفاق عليها وإصدار الوكيل ما يفيد وقف سريان التقادم. ولئن كان يتعين علي  الوكيل احترام تعليمات الناقل البحري  في  هذا الصدد، إلا أن القضاء الفرنسي  اعتد بهذه المادة=

= في  العمل لإلزام الناقل البحري ، بعمل الوكيل ما لم يصدر رفضه الصريح لوقف سريان التقادم. أنظر.

Tribunal de commerce de Nantes, 19 avril 1993, Droit Maritime Français, No 534, Janvier 1994, P.45.

     راجع أيضا: علي  جمال الدين عوض: النقل البحري  للبضائع، دار النهضة العربية، القاهرة 1992، ف562.

(1) أما عرض التسوية الودية بعد انقضاء مدة التقادم فيعد نزولا ضمنياً من الناقل عن التقادم بعد ثبوت الحق فيه: مصطفي  كمال طه: القانون البحري  الجديد، سابق الإشارة إليه، ف 420.

FRAIKIN et BOQUET, op. cit., P. 214.

(2) ويلاحظ أن المشرع المصري  جعل مبدأ سريان مدة رجوع الناقل علي  غيره من الملتزمين تاريخ رفع الدعوي  عليه وليس تاريخ صدور الحكم في  مواجهته. وبذلك يكون المشرع قد فصل بين دعوي  مسئولية الناقل ودعوي  الرجوع. ولا تتأثر بالتالي  هذه الدعوي  الأخيرة بالأثر القاطع للتقادم الذي  يترتب علي  رفع دعوي  مسئولية الناقل.

Cassation commerciale, 15 octobre 1991, Droit Maritime Français No 512, janvier 1992 , P. 45.

(1) انظر فيما يتعلق بالمشكلات القانونية التي  تثيرها دعوي  الرجوع وتطبيق الأحكام الخاصة بتقادمها:

FALL: La prescription de l'action récuroire née du contrat de transport de marchandises par mer, Droit Maritime Français, No 451, Juillet 1986, P. 397.

(2) انظر في  المخاطر الناجمة عن اختلاف موعد تقادم دعوي  مسئولية الناقل البحري  ودعوي  مسئولية المقاول البحري :

CHAUVEAU, op. cit, No 850.

 

خاتمة:

15- من كل ما تقدم نؤكد ما سبق لنا أن اتجهنا إليه دون عناء من سريان مدة التقادم القصير في حالة إحالة الدعوى إلى التحكيم. ولئن كان الرأي يبدو فيه التشدد في حماية مصلحة الشاحنين، إلا إننا مع حرصنا الشديد على ضمان حماية تلك المصالح لا نستطيع أن نتقول على المشرع المصري بما لم يأت به من أحكام.

وإن كنا نأمل جميعاً بسط أقصي قدر من الحماية على مصالح الشاحنين فلندعو المشرع المصري إلى إخضاع تقادم دعوى مسئولية الناقل البحري للقواعد العامة في التقادم، وذلك دون التمييز بين الدعوى التي ترفع أمام القضاء، وهو الأصل، وبين تلك التي يتفق على إحالتها إلى التحكيم، الذي ينبغي أن يبقي دائماً الاستثناء ([1][1]).

 

 


محامي احوال شخصية شاطر

افضل محامي طلاق في دبي

محامي احوال شخصية في الشارقة

محامي شاطر في دبي

محامي احوال شخصية ابوظبي

محامي متخصص في شؤون الأسرة

افضل محامي في الامارات

أفضل مكتب محاماة في دبي



تعليقات