قراءة نقدية لمشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل
بقلم الاستاذ محمد الشمسي
طفت على السطح ونحن في عز الحرب الطاحنة مع الجائحة، أخبار زائفة وفيديوات مفبركة أنتجها قوم لم نجد لهم وصفا، وأذاعوها عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فخلقت رعبا وفزعا في الأمة أقرب من خطر الفيروس ، وشتت جهد السلطات التي وجدت نفسها “ماحيلتها لكرونا ما حليتها لأخبار مغشوشة وتسجيلات مزورة”، فكان قرار التصدي لمثل هذه السلوكات غير الإنسانية ولا الحضارية، وذلك بوضع مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة والذي صادق عليه مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020.
نص مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي
ولأن كل الأنظار منشغلة حد الالتصاق بأنباء الوباء الفتاك، فإن مشروع القانون ذاك لا يطبخ على نار هادئة، بل جرى طبخه في “كوكوت”وتكتم ، سيما وأن تاريخ المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة( 19 مارس) تزامن مع فرض حالة الطوارئ الصحية، وإعلان الحجر الصحي، واضطراب الوضع داخل الدولة بفعل أثر الكارثة، لكن تبين من خلال تسريبات من هنا وهناك أن مشروع القانون ذاك تجاوز حدود معاقبة مزيفي الأخبار ومفبركي المشاهد، وموقظي الفتنة، ووصل إلى وضع نص بحمولة ومضمون خطيرين يعتبر الدعوة إلى مقاطعة منتوج أو سلعة جريمة، ويفرد لها عقابا قاسيا من ستة أشهر إلى 3 سنوات، ولا ندري علاقة الاستعمال السيئ لوسائل التواصل بمعاقبة “الدعوة لمقاطعة بضاعة”، ليظل قوس الاستفهام مفتوحا في انتظار من يقدم الشرح والتعليل، فأن يأخذ المواطن بصفته مستهلكا موقفا معينا سليبا أم إيجابيا من سلعة أو بضاعة أو منتوج لعيب في السعرأو في الجودة، أو لتصريف موقف معين منه هو حق يكفله له الدستور في مادته 29 لأنه شكل من أشكال التظاهر والاحتجاج السلميين، وكان يمكن أن نجد لهذه المادة الملغومة مبررا لو أنها تعني السلع والمنتجات الصادرة عن الدولة، لو أننا في دولة تساهم بمنتوجات وسلع في السوق، لكن أن توجه الدولة مدفعيتها القانونية والثقيلة لحماية شركات خاصة، لها كامل الأهلية والإمكانيات المادية في الدفاع عن مصالحها بنفسها، فلا نظن أنه قانون بريء وخالص “لوجه القانون”، بل هناك استغلال للكارثة لتصفية حساب قديم مع “قبيلة المقاطعين”، بل هناك من لا تروقه مساحة حرية التعبير التي وإن خرقها البعض فلا يمكن وضع كل البيض في سلة واحدة، والجنوح لعقاب جماعي، إنه قانون يخنق الدستور ويفرغه من كل قيمة، و يعدم قوانين حماية المستهلك ويجعل من هذا المستهلك مخيرا ما بين الاستهلاك القهري والجبري أو الحبس الطويل الأمد، وقد يتأزم هذا القانون عند الدعوة لمقاطعة منتجات وسلع دولة صدر عنها سلوك او تصريح يمس بالوحدة الوطنية، حينها يصبح “تجريم فعل المقاطعة” هو مناصرة لعداء تلك الدولة، ونخشى أنه حين ستزول غمة الوباء بعد أن نقهره بوحدة صفنا وقوة عزيمتنا، سنجد أنفسنا أمام هدية مسمومة وملغومة ملفوفة في ورقة مزركشة ومربوطة بخيط وردي، وقد “دسها الداسون” في غمرة الجائحة في قلب علبة قانون 22.20 ، وحين نفتحها سيسري سمها في العروق رويدا رويدا، ونحن الذين نعول على الخروج من نفق الجائحة في ثوب دولة جديدة وبعهد جديد، و في دولة أكثر تماسك وثبات وحرية وحقوق، إنه فصل يكاد يكون مقتطفا من قوانين “محاكم التفتيش”.
نص مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم