📁 آخر الأخبار

محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أمام القضاء الدولي

محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أمام القضاء الدولي

محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أمام القضاء الدولي




محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أمام القضاء الدولي
الكاتب : علي عبدا لله الحمادة
القضاء الدولي ينبغي أن يكون الأداة والوسيلة في تحقيق العدالة الدولية. وقد تجسد هذا القضاء من خلال التكوينات الرسمية الدولية التالية:
1-  محاكم دولية متخصصة ومؤقتة والتي ستكون مادة الفصل الأول من هذه الدراسة.
2-  وكذلك محكمة الجزاء الدولية الدائمة والتي ستكون مادة الفصل الثاني من هذه الدراسة.

الدراسات العليا – جامعة حلب - كلية الحقوق – ماجستير القانون الجنائي
الكاتب : علي عبدا لله الحمادة

                       محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أمام القضاء الدولي
الفصل الأول: محاكم دولية متخصصة ومؤقتة
أولاً- المحاكم العسكرية الدولية
1
) المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ Nuremberg
2)
المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى TOKYO:
ثانياً- محاكم الجزاء الدولية بعد الحرب العالمية الثانية
1
) محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا القديمة:
2
) محكمة الجزاء الدولية لرواندا .
الفصل الثاني: محكمة الجزاء الدولية الدائمة
أولاً - كيفية تشكيلها:
ثانياً - ما تنظر فيه محكمة الجزاء الدولية .
1
) جرائم القتل الجماعي (الإبادة)
2
) جرائم ضد الإنسانية.
3
) جرائم الحرب .



تقديم :
القضاء الدولي ينبغي أن يكون الأداة والوسيلة في تحقيق العدالة الدولية. وقد تجسد هذا القضاء من خلال التكوينات الرسمية الدولية التالية:
1-  محاكم دولية متخصصة ومؤقتة والتي ستكون مادة الفصل الأول من هذه الدراسة.
2-  وكذلك محكمة الجزاء الدولية الدائمة والتي ستكون مادة الفصل الثاني من هذه الدراسة.

الفصل الأول: محاكم دولية متخصصة ومؤقتة

إن تأسيس هذه المحاكم وتعريف أهدافها أمر يكرس التوازن في العلاقة بين العدالة - كونها مفهوم إنساني ليس له حدود لا في الزمان ولا في المكان- وبين السيادة الدولية كونها مفهوم محدود جغرافياً وسياسياً.
نقول أيضا أن تأسيسها كان يمثل مرحله مهمة في تاريخ طويل تميز بحروب عالميه وإقليميه عديدة، على أثرها تبلور رأي ووعي عام تارةً متفرج لما حدث من دمار وضحايا وتارةً منحرج من آثار الجرائم والمذابح الجماعية التي ارتكبت.
وقد آل الرأي والوعي الجماعي إلى الخروج من حالة التفرج إلى حالة الفعل والرد. وتبلور هذا الأمر من خلال إنشاء المحاكم العسكرية الدولية في نيرونبيرغ وطوكيو Nuremberg et Tokyo(I) وكذلك المحاكم الجزائية المتخصصة(II) على أعقاب ما حدث وجرى أثناء الحرب العالمية الثانية.

(I)
المحاكم العسكرية الدولية
1
) المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ  Nuremberg
بوادر تأسيس المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية حيث كان مسؤولي وحكومات الدول المتحالفة ضد ألمانيا يجتمعون ويتبادلون الآراء حول ضرورة محاسبة ومعاقبة مرتكبي الجرائم العديدة التي ارتكبت إبان الحرب العالمية الثانية.
في المؤتمرات التي عقدت في موسكو وطهران عام 1943 وفي مالطا وبوتسدام عام 1945، اتفقت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وإنكلترا على لزوم محاسبة ومحاكمة مسؤولي جرائم الحرب. وعلى اثر ذلك تم تأسيس المحكمة العسكرية الدولية بموجب اتفاق لندن في 8 آب عام 1945 وبمشاركة فرنسا كطرف رابع.
المحكمة تتكون من أربعة أعضاء وكل بلد من البلدان الأربعة المذكورة أعلاه ترسل شخصين: أحدهما أصيل والآخر بديل واحتياط والهدف من المحكمة هو ضمان محاكمه عادلة وسريعة لمجرمي الحرب. رئاسة المحكمة تنسب على التوالي لكل عضو ممثل عن دولته أما بموجب اتفاق داخلي لأعضاء المحكمة أو بموجب التصويت. وقرارات المحكمة تصدر بأغلبية الأصوات وفي حالة تقاسم الأصوات، صوت رئيس المحكمة هو الحاسم في نتيجة التصويت.
مهمة المحكمة تحددت بالنظر في الجرائم التالية:
محاكمة الجرائم ضد السلام، جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
جرائم ضد السلام عُرفت من خلال ثلاث حالات:
-
التهيئة والقيام وإدارة ومواصلة حرب اعتداء على طرف آخر.
-
القيام بحرب مخالفة لمعاهدات واتفاقيات دولية.
-
المشاركة في خطة أو تنفيذ احد الحالات المذكورة أعلاه.
جرائم الحرب عُرفت بمخالفة وانتهاك قوانين وعادات الحرب،
وهذه المخالفات والانتهاكات تتمثل في القتل والمعاملة السيئة وتهجير المواطنين المدنيين لغرض العمل الشاق أو أي غرض آخر. والقتل يشمل وبطبيعة الحال قتل أسرى الحرب أو أشخاص في الحجز أو الرهائن. ومن جرائم الحرب أيضا نهب وسلب الأموال العامة والخاصة وتدمير وتخريب بدون مبرر المدن والقرى.
إما الجرائم ضد الإنسانية فتشمل:
-
قتل وتصفية واستعباد وتهجير المواطنين المدنيين قبل وخلال الحرب.
-
إلقاء القبض على المواطنين وبدوافع سياسية أو عنصرية أو دينية، بغض النظر كون هذه الاعتداءات مخالفة أو غير مخالفة للقانون الداخلي للدولة التي ارتُكبت بها هذه الاعتداءات طالما أنها
اعتداءات ارتُكبت على أعقاب جريمة ضد الإنسانية وتدخل ضمن صلاحيات المحكمة.
عٌرفت المحكمة وبصورة غير مباشرة المسئولية الجزائية للقادة والمسؤولين الذين يُنظمون أو يشاركون أو يتعاونون في إعداد وتنفيذ خطة ارتكاب جريمة من الجرائم التي عُرفت أعلاه واعتبرتهم مسؤولين عن كافة التصرفات التي ارتكبها الأشخاص الذين قاموا بتنفيذ الخطة.
المادة السابعة من قانون المحكمة تنص بصراحة على أن الموقع الرسمي للشخص المتهم بارتكاب إحدى الجرائم المذكورة أعلاه كونه رئيس دولة أو حكومة أو منصب آخر لا يكون مبرراً لعدم مثوله أمام المحكمة أو تخفيف العقوبات ضده.
والمادة الثامنة من القانون تنص أيضا على مسؤولية التابع أو المنفذ لأوامر رئيسه. حيث هذه العلاقة لا تخفف عنه العقوبة ولا تعفيه من مسؤوليته المباشرة.
بدأت المحكمة أعمالها ومرافعاتها في 18 أكتوبر 1945 برئاسة قاضي من الاتحاد السوفيتي وهو Lola T. Nikitchenko وبمحاكمة 24 متهم في جرائم النازية و6 منظمات.
الجلسة الأولى للمرافعات بدأت في 20 نوفمبر 1945 واستمرت حتى الأول من أكتوبر 1946 تحت رئاسة القاضي البريطاني Geoffrey Lawrence. وفي 218 يوم من المرافعات، استمعت المحكمة إلى 360 شاهد وراجعت 200.000 شهادة مكتوبة سواء بصورة مباشرة أو من خلال محاكم فرعية مُحلٌفة ومعتمدة من قبلها.
المتهمون تلاحقهم التهم التالية: حرب ضد السلام العالمي، حرب اعتداء، مخالفات لقوانين وعادات الحروب، حرب ضد الإنسانية.
الأحكام صدرت بحقهم وهي على الصورة التالية: 12 حكم إعدام، 9 حكم سجن مؤبد أو مؤقت وثلاث براءة.
بعد مرور 6 شهور على افتتاح محكمة Nuremberg وبالتحديد في تاريخ 3 /5/1946 بدأت محكمة عسكرية دولية أخرى أعمالها لمحاكمة 28 مجرم حرب ياباني وهي المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى ومقرها في طوكيو.

2) المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى TOKYO:

في الأول من شهر ديسمبر 1943 وبمناسبة انعقاد مؤتمر القاهرة، الدول المتحالفة الثلاث وهي الصين ، إنكلترا وأمريكا صرحت بان هدف الحرب ضد اليابان هو إنهاء الاعتداء الياباني ومحاكمة المجرمين. وبتصريح آخر في بوتسدام في تموز عام 1945 ، الحلفاء الثلاثة أكدوا على ضرورة إجراء محاكمة عادلة لمعاقبة مجرموا الحرب لاسيما أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد السجناء.
في 2 سبتمبر 1945 وعندما خسرت واستسلمت اليابان تم تحديد كافة القضايا والأمور المتعلقة بإلقاء القبض ومحاكمة مجرمي الحرب. في نفس الوقت، لجنة جرائم الحرب التابعة إلى الأمم المتحدة أوصت بإنشاء وتأسيس محكمة عسكرية للجرائم التي ارتكبت من قبل اليابان.
في مؤتمر موسكو لوزراء خارجية الدول العظمى الأربعة (الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، إنكلترا والصين) هذه الدول اتفقت لإنشاء المحكمة في طوكيو. وفي كانون الثاني 1946 أعلن القائد Douglas عن جدول أعمال المحكمة. تشكلت المحكمة من 11 قاضي من جنسيات مختلفة وقانون المحكمة يتألف من 17 مادة. ومحكمة طوكيو لم تختلف في فحواها وأهدافها عن محكمةNuremberg لاسيما بخصوص تعريفها للجرائم التي يجب معاقبتها وهي جرائم ضد السلام وجرائم ضد اتفاقيات وعادات الحروب وجرائم ضد الإنسانية.
بدأت المحاكمات في مبنى وزارة الحرب اليابانية في شهر مايو/أيار 1948 واستغرقت سنتين ونصف السنة، تم من خلالها الاستماع إلى 400 شاهد وفحص وقراءة 1000 وثيقة ومحاكمة 28 متهم منهم 9 مدنيين و 19 عسكري.
لائحة الاتهام تنص على قيام المتهمون بإعداد خطة احتلال, مبنية على تحقيق برنامج دمار وقتل شامل حتى للسجناء، وتنفيذ تجارب علمية على البشر وأعمال نهب وسلب للأموال العامة والخاصة دون تبريرات عسكرية. وبالرغم من وجود اختلاف بين اليابان والصين حول الحقيقة التاريخية لما حدث أثناء الحرب، لكن هنالك حدثين ذو دلالات معبرة عن طبيعة الأعمال التي ارتكبها المتهمون أمام المحكمة:
الحدث الأول هو مذابح Nankin في شهر ديسمبر 1937 حيث دخل الجيش الياباني العاصمة الصينية وبلغ عدد القتلى 300.000 شخص واغتصاب وقتل 20.000 امرأة .
الحدث الثاني هو التجارب الطبية التي أجريت على الأسرى الصينيين والروس والأمريكيين من قبل الفرقة (731)والتي تقع حول مدينةHarbin.
بطبيعة الحال هناك اختلاف في المضمون وفي الشكل أيضا بين المحكمتين العسكريتين الدوليتين المذكورة أعلاه. على سبيل المثال محكمة نيرونمبيرغNuremberg كانت مؤلفة من أربعة قضاة وكل قاضي له من ينوب عنه بينما محكمة طوكيو مؤلفة من 11 قاضي ولا يوجد قضاة نٌواب، أربعة لغات استعملت في محكمة بيغومبيرغ بينما في محكمة طوكيو فقط اللغة الإنكليزية و اليابانية هي التي استعملت. في محكمة نيرومبيرغ تم محاكمة أشخاص ومنظمات بينما في محكمة طوكيو تم محاكمة أشخاص فقط رغم وجود منظمات يابانية ساهمت إلى حد كبير في الترويج للسياسة التوسعية اليابانية.
نلاحظ أيضا بان القضاة في محكمة طوكيو قد انقسموا واختلفوا فيما بينهم بعد انتهاء المحكمة وكل قاضي أدلى بتصريح يختلف تماماً عن الآخر حول طريقة المرافعة والعقوبات التي أنزلت بالمتهمين، فمثلاً القاضي الفلبيني يرى بأن العقوبات التي صدرت كانت غير قاسية وغير اعتيادية فيما يرى القاضي الإنكليزي Sir William Webb بان العقوبات التي أنزلت بحق المتهمين كانت قاسية كما أن التهم التي وجهت إلى المتهمين تفتقر إلى تعريف لها في القانون الدولي.
كذلك القاضي الهندي الذي كان محط لانتقاد كافة زملاءه حيث يرى بأن القارة الهندية يجب أن تُستغل وتدار من قبل الآسيويون أنفسهم ولا داعي لتدخل الدول الأخرى، ويرى أيضا أن كافة المتهمين يجب إطلاق سراحهم. لذلك يرى البعض بان نتائج محكمة طوكيو لم تكن مقنعة.
إن قرارات عديدة تخص النزاع تم إصدارها من قبل لجان أميركية متفرقة هنا وهناك أصدرت أحكاما مختلفة بحق يابانيين: مثلاً 215 ياباني مثلوا أمام هذه اللجان في الفلبين تم إعدام 92 فرداً منهم.

يمكننا القول - في ختام الحديث عن هذه المحاكم العسكرية- بأنها شكٌلت الخطوات الأولى لبناء عدالة جزائية دولية رغم الانتقادات التي وُجهت للمحاكم العسكرية الدولية كونها محاكم للمنتصرين.

(II)
محاكم الجزاء الدولية بعد الحرب العالمية الثانية
إن قرار الجمعية العامة رقم 260 والصادر في 9 ديسمبر 1948 والذي يتناول في مادته 6 ضرورة إنشاء محكمة جرائم دولية، يشكل بدون شك الخطوة القانونية الأولى الضرورية لإنشاء هذه المحكمة.
ولكن هذه المحكمة لم ترى النور إلا بعد مرور نصف قرن من الزمن والسبب في تأخيرها يعود إلى عوامل سياسية دولية تتلخص في وجود قوتين مختلفتين هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي والحرب الباردة بينهما وتكتل الدول خلفهما. لذلك نلاحظ بان اختفاء الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى واختلاء الولايات المتحدة الأميركية كقوة وحيدة في الساحة الدولية وما تلا ذلك من سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا، ساهم بشكل كبير في تشكيل محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا عام 1993 ومحكمة الجزاء الدولية لرواندا عام 1994 ومحكمة الجزاء الدولية عام 1998.
عوامل أخرى ساهمت في بلورة فكرة تشكيل هذه المحاكم والبدء في ممارسة أعمالها في مقاضاة المتهمين من مجرمي الحروب والنزاعات الإقليمية، منها بشاعة وضخامة وتكرار الجرائم التي ارتكبت وتُرتكب هنا وهناك بحق المدنيين وممتلكاتهم وكذلك تنامي شعور ملاحقة ومعاقبة المجرمين ورفض فكرة عدم معاقبتهم (le refus de l'impunition). بخصوص رفض فكرة عدم معاقبة مجرمي الحرب, يقول روبر جاكسن Robert Jackson وهو احد القضاة الذين ساهموا في المرافعات الأولى لمحكمة Nuremberg بان الانتصار العسكري لوحده ليس جواباً كافياً لما قام به المتهمون من جرائم حرب، إن هذا الانتصار ليس إلا انتصاراً لقوة على قوة أخرى، لجيش على جيش آخر. إن الانتصار الحقيقي هو فرض العقوبات وجعل القانون يعلو على قوة وغطرسة المجرمين من اجل تحقيق هدفين هما: الحيلولة دون نسيان ما فعله المجرمون والحيلولة دون عدم ملاحقتهم. إن ترويج وتكريس مبدأ رفض عدم ملاحقة مجرمي الحرب يعتبر مهمة أساسية من مهام المركز الدولي لحقوق الأفراد والتطور الاقتصادي(CIPDD) والذي يقوم حتى الشهر الثاني من عام 1998 بنشر دوريه تحمل عنوان (معلومات دون عقاب Info -impunité ). العدد الأخير من هذه المجلة كُرس لموضوع كمبوجياCambodge والجيش الأحمر والجرائم التي ارتكبت وموقف الأمم المتحدة. من خلال القراءة لهذا الموضوع، نذكر الرأي القائل بضرورة إقامة محاكم عدالة ومرافعات لمقاضاة مجرمي الحرب وما قاموا به من أعمال غير إنسانية, حيث أن مقاضاة مجرمي الحرب تعتبر شرطاً جوهرياً لإقامة حياة عادلة ونظام ديمقراطي ودولة قانون وشرطاً لنسيان الحقد والكراهية بين الأفراد. القاضيWarren Allmand يقول آنذاك وقبل إن يصدر قرار بإنشاء محكمة الجزاء الدولية، إن مشروع تأسيس هذه المحكمة مرهون بالجهود والأفكار المبذولة من اجل شيوع وتطبيق مبدأ ملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب. كما إن المقرر في الأمم المتحدة M.
Joinet
يقول في تقريره الذي أعده إلى الأمم المتحدة والمتعلق بعدم ترك المجرمين دون حساب وعقاب " المصالحة الوطنية يجب أن تنبني على الاعتراف بحقوق الضحايا لمعرفة الحقيقة والرجوع إلى القانون والعدالة لتعويضهم عن الأضرار التي أصابتهم، وبدون ذلك لا يمكن إقامة عدل دائم". ونذكر أيضا بهذا الخصوص ما قالته السيدة Mary Robinson المعتمدة في الأمم المتحدة " انتهاكات اليوم لحقوق الإنسان هي مصدر لصرا عات الغد".
إن المستقبل سيكشف وسيبرهن لنا فيما إذا كانت محاكمة Slobodan Miloseviç ومعاقبته ستؤدي إلى تخفيف حدة الصراعات العرقية بين الصرب والألبان وسكان كوسوفو.
سيكشف المستقبل لنا أيضا فيما إذا كان صدام ونظامه وحدهم المسؤوليين عن الجرائم التي ارتكبت بحق العراق كمجتمع وكدولة أمام جهات ودول أخرى ساعدته في ارتكاب هذه الجرائم ووقوعها.

1) محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا القديمة:

في شهر أكتوبر 1992 قام السيد Tadensz Mazowieckiالبولوني الجنسية, والعامل كمقرر في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بنشر تقريره حول التنظيف العرقي كهدف عسكري يقوم به الصربيون في أقاليم يوغسلافيا. على ضوء هذا التقرير, شكل مجلس الأمن لجنة خبراء لتقصي الحقائق يرئسها الخبير العامل في الأمم المتحدة السيد شريف بسيوني المصري الجنسية. جاء في التقرير الذي تقدمت به اللجنة مجموعة من الحقائق التي تدل على أن من يقوم بإدارة وتدبير وتنظيم جرائم التنظيف العرقي هي جهة عليا في يوغسلافيا وليس مجرد عصابات أو مجموعات متفرقة.
إن ما ارتكب على ارض يوغسلافيا السابقة من مذابح وتهجير سكاني تعتبر انتهاكات صارخة ومتكررة لبنود اتفاقية جنيف وللقوانين الدولية مما حمل مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة بتطبيق الفصل( V II ) السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا يعني إصدار القرار رقم 827 في 25 مايو/ أيار 1993 القاضي بتشكيل محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا السابقة. إن تشكيل هذه المحكمة يعتبر الحدث الأول من نوعه بعد تشكيل محكمة نيرونمبيرغ. وهناك البعض الذين شككوا في مصداقية هذه المحكمة لاسيما وان آثارها وفاعليتها لا يمكن أن تكون آنية ومباشرة. كما اعتقد البعض بان تشكيلها لم يكن إلا إجراءا رمزياً، هدفه التغطية على عجز الدول العظمى بالتدخل أو بإيجاد حل لحماية وإنقاذ سكان بوسنيا من المذابح التي يتعرضون لها. لكن سرعان ما ثبتت المحكمة حقيقة وجودها وجديتها في العمل حيث أصدرت اتهاماتها إلى Slobodan Miloseviç وأربعة من مساعديه وهو يخوض حربه في كوسوفو. كما قامت بمحاكمته وكذلك العديد من اللذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تنظر المحكمة في المخالفات الكبرى لاتفاقية جنيف عام 1949 المادة الثانية وكذلك بانتهاكات قوانين وأعراف الحروب ( المادة الثالثة) وكذلك القتل الجماعي ( المادة الرابعة) وفي الجرائم ضد الإنسانية (المادة الخامسة) التي ارتكبت في أقاليم يوغسلافيا السابقة اعتباراً من الأول من الشهر الأول عام 1991. تشهد المحكمة ومنذ تأسيسها تطوراً ملحوظاً في نشاطاتها ويدل على ذلك الجدول التالي الذي يوضح حجم الميزانية السنوية:
1993 = 276 000 $
1994 = 10 800 000 $
1995 = 25 300 000 $
1996 = 35 430 000 $
1997 = 48 587 000 $
1998 = 64 775 300 $
1999 = 94 103 800 $
ووصل عدد اللذين تم اتهامهم لتاريخ 9/6/1999 ، 90 شخصاً في 27 مذكرة اتهام. وتم إتمام محاكمة 4 أشخاص أمام غرفة البداءة الأولى وكافة المحكومين تقدموا باستئناف أمام غرفة البداءة، ومعدل الوقت الذي تتطلبه كل هذه المحاكمات 6 شهور.
ومن أبرز المتهمين الماثلين أمام هذه المحكمة أو الذين تتم محاكمتهم Slobodan Miloseviç الرئيس السابق لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية القائد العام للقوات المسلحة وهو متهم بارتكاب الجرائم التالية: انتهاك قوانين وأعراف الحروب، جرائم ضد الإنسانية تتضمن القتل والتهجير. وصدرت ضده مذكرة اتهام في 22/5/1999 وتم تأكيدها من قبل القاضي في 24/5/1999 وصدرت بحقه قرارات التوقيف الدولي.

2
) محكمة الجزاء الدولية لرواندا(1)
شهدت هذه البلاد الإفريقية مذابح جماعية بشعة وقعت مابين شهر نيسان وشهر تموز 1994، راح ضحيتها مابين نصف مليون ومليون شخص. وقد عُرفت هذه المذابح الجماعية من قبل الأمم المتحدة بكونها جرائم قتل جماعية. لقد كان قتل الرئيس الراوندي وتحطيم طائرته وهو بصحبة الرئيس البورندي في 9 نيسان 1994 السبب المباشر في الأحداث التي عمت البلاد والاقتتال الذي جرى بين القبائل المتعددة والمختلفة في البلاد. حيث قامت قوات الحرس الرئاسي واغلبهم من قبائلHutus بنصب نقاط التفتيش في مختلف أرجاء العاصمة والقبض على أفراد قبائلTutsis وكذلك الغير متطرفين من قبائلHutus. البعض يُفسر ما قام به قبائل الهوتوسوس هو شعور أفراد هذه القبائل بالخطر والتهديد عندما وجدوا أنفسهم دون قيادة أمام السياسة العدائية التي تنتهجها الجبهة الوطنية الراوندية والمسندة من قبل أوغندا البلد المجاور لرواندا(2)، البعض الآخر يعتقد بان ما حدث وما جرى هو تنفيذاً لخطة معدة منذ أكثر من عام وهدفها هو القضاء على أفراد قبائل التوتسي. بعد أيام من بدء القتل والمجازر في العاصمة، شهدت كافة أنحاء وأرجاء البلاد عمليات قتل لأفراد التوتسي ولم تسلم من ذلك حتى المستشفيات والكنائس والجوامع، ولقد لقي عشرة أشخاص من العاملين في الأمم المتحدة حتفهم وهم يقومون بحماية رئيس الوزراء الذي تم قتله أيضا. وردود فعل المجتمع الدولي ممثلاً في منظماته الدولية لم تتأخر. ففي 24 حزيران 1994 باشرت وحدة عسكرية مكونة من 2500 جندي من الجيش الفرنسي المرابطة في زائير بالتحرك إلى راوندا مستندةً في تحركها هذا على قرار مجلس الأمن الصادر في 17/5/1994. وفي 30 حزيران 1994، نشرت لجنة حقوق الإنسان التابعة إلى الأمم المتحدة تقارير تؤكد فيها بان عمليات القتل والمجازر التي حصلت في روندا هي عمليات مبرمجه ومخطط لها بهدف القضاء على أفراد قبائل التوتسي. في 8 نوفمبر 1994 اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 955 بموجبه تم تشكيل المحكمة الدولية العسكرية لرواندا وذلك بناءاً على الفصلVII من ميثاق الأمم المتحدة. هدف المحكمة هو ملاحقة ومحاكمة كافة الأشخاص المسؤولون عن أفعال القتل الجماعي التي ارتكبت فوق أراضي رواندا وكذلك الأشخاص الراونديون الجنسية المسؤولون عن أفعال القتل الجماعي التي ارتكبت في البلدان المجاورة لرواندا واعتباراً من الأول من الشهر الأول لغاية 31 ديسمبر عام 1994. نلاحظ بان ما ينبغي أن تنظر به هذه المحكمة مُعرف ومحدد مقارنة بالمحكمة العسكرية الدولية التي شُكلت من اجل النظر في الجرائم التي حدثت في أقاليم يوغسلافيا السابقة: محددة من ناحية الوقت ومن ناحية الموضوع وحتى من ناحية جنسية الأشخاص المسؤولون عن ارتكاب الجرائم التي حصلت. لغاية أيلول عام 1999 هنالك ما يقارب من 667 شخص يمثلون 81 دولة يعملون في هذه المحكمة وقد حُددت ميزانية هذه المحكمة لنفس العام المذكور بمقدار68 531 900 $. بدأت المحكمة أعمالها في نوفمبر 1995 ولحد تاريخ آب 1999 أصدرت 25 مذكرة اتهام ضد 48 شخص من بينهم 38 في حالة توقيف وقتي ولتاريخ تموز 1999 أصدرت المحكمة 4 قرارات حكم تتراوح مابين السجن المؤبد والسجن المحدود لأشخاص تمت إدانتهم بجرائم القتل الجماعي وتهم انتهاك قوانين وعادات الحروب وتهم حرب ضد الإنسانية.
(1)
تقع رواندا في شرق إفريقيا وحصلت على استقلالها عام 1962، يبلغ عدد سكانها وحسب تعداد عام 1997 7.7 مليون نسمة ومؤلف من 80% من قبائل هوتو و20% من قبائل توتسي. قبائل الهوتو تعمل في الزراعة وجذورهم التاريخية تعود الى500 سنة قبل ميلاد المسيح. قبائل التوتسي جاؤوا من الشمال وبعض قبائل قريبة من الاثيبيين وغالبيتهم يهتمون بتربية الحيوانات، وجاؤوا إلى رواندا مابين عام 1400-1700م. العلاقة بين سكان هذه القبائل المختلفة لم تكن بسيطة والمنافسة فيهم حادة للسيطرة على السلطة والاقتصاد في البلاد.
(2) Thèse de Johin Philpot, secrétaire général adjoint de l’association américaine des juristes (Quebec).
رسالة دكتوراه


الفصل الثاني: محكمة الجزاء الدولية الدائمة


نتناول كيفية تشكيل هذه المحكمة(I) والجرائم التي تنظر فيها هذه المحكمة (II)

( I )
كيفية تشكيلها:
تبنت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بموجب القرار رقم 260 الصادر في 9/12/1984 اتفاقية العمل على مكافحة ومعاقبة جرائم القتل الجماعي (جرائم الإبادة). المادة السادسة من الاتفاقية تنص على أن الأشخاص المتهمين بجرائم القتل الجماعي يستوجب مثولهم أمام محاكم الدولة التي تم ارتكاب الجرائم على أرضها أو أمام محكمة جزاء دولية التي تعتبر مؤهلة قانونياً تجاه الجهة التي اعترفت بالمحكمة والتمستها. بموجب القرار المذكور، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة حقوق الإنسان إلى السعي لتشكيل منظمة أو هيئة مهمتها متابعة ومحاكمة الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم قتل جماعي. وقد دعت الجمعية العامة وبالتعاون مع لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة إلى تقديم المقترحات بخصوص الموضوع. مقترحين تم تبنيهما بشكل مشروعين، أحدهما عام 1950 وآخر عام 1953 وبسبب الوضع السياسي الدولي وصراع القطبين من خلال حربهما الباردة جُمدت هذه المشاريع ولم ترى النور. عام 1990 الجمعية العامة للأمم المتحدة طلبت مرة أخرى من لجنة حقوق الإنسان بدء أعمالها حيث قامت هذه اللجنة عام 1994 بتقديم توصية إلى الهيئة العامة تدعوها إلى الدعوة إلى انعقاد عام هدفه إقرار إنشاء محكمة الجزاء الدولية.
لكن الجمعية العامة لم تتبنى هذه التوصية مفضلةً إنشاء لجنة تحضيرية يمكن لكافة الدول والمنظمات المختصة في الأمم المتحدة المشاركة بشكل أو بآخر بهذه اللجنة. كلفت هذه اللجنة بتركيز دراستها حول 5 نقاط مهمة وحساسة لأنها تتعلق بسيادة الدول وهذه النقاط هي: تعريف الجرائم التي يجب أن تنظر بها المحكمة؛ العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة المزمع تشكيلها؛ القواعد العامة للإجراءات التي سوف تطبقها المحكمة؛ طرق تمويل المحكمة؛ السؤال الأخير هو كيفية خلق هذه المحكمة، هل بقرار من مجلس الأمن أم باتفاق أعضاء مجلس الأمن؟
عندما دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى انعقاد المؤتمر الدبلوماسيPlénipotential كان الشك يراود الكثير من الدول والمعنيين بالأمر بفرص نجاح مثل هذه الدعوة والتي يجب ان تتمخض عن تشكيل المحكمة. بعض الدول كانت معارضة جداً لتشكيل مثل هذه المحكمة ومن بين هذه الدول: الصين، الولايات المتحدة الأميركية، البحرين، الهند، إسرائيل، قطر وفيتنام.
تم انعقاد المؤتمر مابين 15-17 تموز 1998 في روما والهدف منه كما ذكرنا هو تشكيل محكمة الجرائم الدولية، كان النقاش حاداً بين المؤيدين والمعارضين والذي انتهى بموافقتهم على تشكيل المحكمة بعد أن قدم كل طرف بعض التنازلات في موقفه.
لا أحد يختلف على القول بان التجارب والخبرات التي تبلورت على اثر تشكيل محاكم الإجرام الدولية السابقة, وهي محكمة يوغسلافيا ومحكمة رواندا, ساعدت كثيراً وساهمت إلى قبول فكرة تشكيل محكمة عالمية دائمة تنظر في جرائم القتل وجرائم الحروب. بعبارة أخرى المحاكم السابقة كانت بمثابة مختبرات تحضيرية لخلق وتكوين المحكمة الدائمة. إن فكرة تشكيل المحاكم الدولية العسكرية ليوغسلافيا ورواندا وكذلك محكمة الجزاء الدولية الدائمة لن تخلو من انتقادات جوهرية ذات أبعاد قانونية ممكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: يعتبر البعض بان أعمال هذه المحاكم يؤدي إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول مما يعتبر انتهاكاً لمبدأ سيادة الدولة.
ثانياً: إن العدالة التي تسعى إلى تحقيقها هذه المحاكم تكاد تكون عدالة جزئية لأنها عدالة انتقاء في الزمان وفي المكان، بينما مفهوم العدالة هو مفهوم عام وليس جزئياً ومفهوم شامل ودائم بغض النظر عن المكان والزمان.
وحتى محكمة الجزاء الدولية الدائمة قد تكون دائمة ولكنها ليست شاملة وعامة فهي لا تنظر في الجرائم التي سبقت تشكيلها، وإنما فقط لما سيقع في المستقبل، أي في الفترة التي تلي تأسيسها. كما أنها لا تستطيع أن تتصرف إلا بخصوص الجرائم التي وقعت على أراضي الدول التي صادقت على ميثاق المحكمة. كما أن هنالك تناقض بين أمرين: من جهة وحسب ما جاء بقانون المحكمة - الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم غير قابلة للتقادم، ومن جهة أخرى المحكمة لا تنظر إلا في الجرائم التي وقعت بعد تاريخ تشكيلها. كما لو أن الجرائم التي تحصل في الوقت الحاضر والتي وقعت قبل سنوات قليلة لم يكن ضحاياها بشر يشملهم مفهوم العدالة رغم كون الذين ارتكبوا هذه الجرائم والمسؤولون عنها أحياء يرزقون.
بطبيعة الحال، لا يخفى على اللبيب السبب الذي يدفع بعض الدول من عدم قبول مبدأ شمولية عمل محكمة الجزاء الدولية كي تنظر في الجرائم التي وقعت قبل تشكيلها وهو عدم رغبة تلك الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية، إسرائيل، الصين برؤية بعض من مسؤوليها السياسيين والعسكريين مهددين بالمسألة والمقاضاة أمام محكمة الجزاء الدولية لما قاموا به من جرائم قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
في التاريخ الحديث يجب أن لا ننسى التمييز العنصري في جنوب إفريقيا ولا نسى ضحايا الثورة الثقافية في الصين، وضحايا الكمبوج على يد الجيش الأحمر واختفاء المعارضين السياسيين في تشيلي بين عام 1970-1980، ولا نسى جرائم صبرا وشاتلا والجرائم التي ترتكب كل يوم في فلسطين المحتلة ولا ننسى جرائم النظام البائد في العراق.

(II)
ما تنظر فيه محكمة الجزاء الدوليةCompétence
المادة 5 من اتفاقية روما الموقعة في 7 تموز 1998 حددت المخالفات أو القضايا التي تدخل في اختصاص محكمة الجزاء الدولية, حيث نصت هذه المادة على ما يلي: " اختصاص المحكمة محدود في الجرائم الكبرى التي تخص المجتمع الدولي: جرائم القتل الجماعي، جرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب وجرائم الاعتداء".
من الملاحظ بان المحاكم الدولية المؤقتة التي أنشئت خصيصاً لإقليم يوغسلافيا ورواندا تناولت ثلاث أنواع من الجرائم التي وردت في اختصاص محكمة الجزاء الدولية وهذه الجرائم هي: جرائم القتل الجماعي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. ونلاحظ أيضا بان المحاكم العسكرية الدولية التي شكلت بعد الحرب العالمية الثانية وهي محكمة نيغونبيرغ وطوكيو قد عالجت أيضا هذه الجرائم. وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقاً ( بان تجارب المحاكم السابقة قد ساهمت في بلورة فكرة إنشاء محكمة الجزاء الدولية.

1
) جرائم القتل الجماعي (الإبادة)
إن دافع Intention الإبادة في ارتكاب الجريمة عنصر مهم في تحديد الصفة القانونية للجريمة وعلى المدعي العام أن يتأكد من وجود البراهين القاطعة لوجود هذا الدافع لدى مرتكب الجريمة. بعبارة أخرى خلال نزاع عسكري بين بلدين تم من خلاله قتل لفئة معينه بدون دافع إبادة تلك الفئة، لا يمكن قانونياً اتهام مرتكب جرائم القتل بكونه مرتكباً لجريمة قتل جماعي بسبب - وهذا افتراض- عدم وجود أدلة قاطعة تثبت بان مرتكب هذه الجرائم كان مدفوعاً بهدف إبادة الفئة. وكذلك الأمر بخصوص استعمال الأسلحة النووية طالما لم يكن استعمالها بدافع إبادة فئة من البشر رغم كونها مُدمِرة.
وقد تم استشارة محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص، والتي أدلت برأيها بتاريخ 8 تموز 1996 قائلة بوجوب إظهار واثبات دافع ارتكاب القتل. فمهاجمة العدو والدخول في أراضيه لغرض تحقيق الانتصار هي أفعال تختلف عن إرادة قتل وإبادة فئة من الناس، ومن المفيد أن نستشهد بقرار محكمة الجزاء الدولية لأقاليم يوغسلافيا الصادر في 19 أكتوبر 1999 ضد المتهم Goran Jelisic والمكنى ب » « Adolf Serbe أدولف صرب, والذي وُجهت له تهم القتل الجماعي وتهمة جريمة الحرب وتهمة جرائم ضد الإنسانية عام 1995 للأفعال التي ارتكبها تجاه السجناء المسلمين والكروات في مدن Luk و Brcko عام 1992. لكن القضاة حكموا عليه فقط بتهم ارتكاب لجريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية وتبرئته من جريمة القتل الجماعي والسبب هو عدم وجود إثبات قاطع يدل على أن ارتكابه للجرائم هو بدافع الإبادة وقد تم الحكم عليه 40 عاماً.
من المفاهيم الأخرى التي تستحق التوضيح والاستفسار والتي وردت في المادة 6 موضوع النقاش هي عبارة " جميع أو جزء من الفئة" والتي تدل على عدد الضحايا. هل من المطلوب تحديد عدد أدنى من الضحايا كي يكون القضاة في المحكمة قادرين على وصف الفعل بجريمة قتل جماعي ؟ نعتقد بأنه ليس من الواجب – لتطبيق المادة السادسة – تحديد عدد معين حيث نص المادة المذكورة جاء واضحاً بسرده عبارة (جميع أو جزء من الفئة). كما أن محكمة الجزاء الدولية لإقليم يوغسلافيا السابقة أصدرت حكماً دالاً في هذا الموضوع أثناء محاكمتها للمتهمين Radovan Karadziç و Ratko Mladiç حيث صرحت بما يلي: ( حقيقة القتل الذي ارتُكب بحق الفئة كونه جزئياً أم كلياً ليس مهم، يكفي بان القتل تم بدافع الإبادة). ومن الجدير بالذكر بان القضاة هم أحرار في تقييمهم وتحليلهم لوجود دافع الإبادة لمرتكب الجريمة تبعاً لعناصر الحالة المعروضة للحكم دون التأثر بما تصفه وسائل الإعلام من تهويل لبعض الأعمال والحالات. على سبيل المثال نسرد أعمال التطهير العرقي في إقليم يوغسلافيا السابقة والذي تعرض إليه سكان إقليم البوسنة وبعدها كوسوفو حيث ما تعرض إليه السكان من تهجير قسري لقراهم ومنازلهم لا يعتبر عمل أو فعل يدخل في تعريف جريمة القتل الجماعي ووفق ما ورد في المادة 6 من قانون محكمة الجزاء الدولية لإقليم يوغسلافيا. ومع ذلك ونظراً لظروف كل حالة – موضوع النقاش أو الحكم - من الممكن اعتبار مثل هذه العمليات التي تهدف إلى تهجير السكان من منازلهم وتحت تهديد السلاح الخطوات الأولى لعملية ارتكاب جريمة القتل الجماعي. وقد بدأت محكمة الجزاء الدولية لإقليم يوغسلافيا السابقة توجيه قضاتها بهذا الاتجاه.
في قضية الاتهام المرفوعة ضد Radovan Karadziç أشارت المحكمة بان (التهجير الجماعي ممكن تفسيره كخطوة أولى في عملية الإبادة). نستنتج إذا من وجود دافع الإبادة لدى مرتكب الجريمة من الأعمال الإجرامية التي اقترفها والتي تميزت ببشاعتها. في كل حال من الأحوال ، الأعمال الإجرامية التي تُرتكب والتي تتميز بهولها وآثارها إذا لم تصنف بكونها جرائم قتل جماعي فإنها حتماً ستدخل في إطار تعريف الجرائم ضد الإنسانية.

2
) جرائم ضد الإنسانية Crime contre l'humanité .
ما ورد في المادة السابعة - الفقرة 1- من قانون عمل محكمة الجزاء الدولية يعتبر من أحدث التعريفات القانونية لمفهوم "جرائم ضد الإنسانية". وقد استند هذا التعريف بصورة أساسية على ما ورد في المادة السادسة فقرة 6 من قانون عمل المحكمة العسكرية الدولية نيرومبيرغ. وتنص المادة السابعة المشار إليها أعلاه على ما يلي: " يقصد بمفهوم جريمة ضد الإنسانية أحد الأفعال المذكورة أدناه في إطار هجوم عام أو تلقائي ضد مدنيين وبمعرفة بهذا الهجوم:
القتل،
التصفية الجسدية،
الاستعباد،
نقل وتهجير إلزامي للسكان،
سجن وحرمان من التمتع بالحريات الأساسية وبمخالفة القوانين الأساسية للقانون الدولي،
التعذيب،
الاغتصاب واستعباد جنسي وحمل قسري،
حرمان إلزامي من الإنجاب وكل نوع آخر من الاعتداء الجنسي وبدرجة مماثلة من القسوة،
اعتداء على أي فئة لأسباب سياسية، عرقية، وطنية، أخلاقية، ثقافية، دينية أو تمييزية(رجل/امرأة)،
اختطاف،
حرمان التمتع الجنسي،
أي فعل غير إنساني وبدرجة مماثلة من القهر ويسبب وبصورة متعمدة إلى معانات كبيرة وأضرار فادحة للصحة والسلامة الجسدية والعقلية ".
من التعريف المذكور أعلاه نستنتج الخصائص المادية للجريمة التي يمكن وصفها قانونياً بأنها جريمة ضد الإنسانية. وهذه الخصائص هي:
أولا؛ إن العنصر أو العناصر التي تؤلف وتؤسس هذه الجريمة يمكن تحديدها ببساطة لأنها وردت في التعريف على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال.
وثانياً؛ إن كل عنصر يؤلف الجريمة يجب أن يُعرف بشكل محدد ولا يمكن أن يُجتهد بمفهومه ويُفسر بصورة واسعة وذلك تطبيقاً للمبدأ العام القاضي بان القوانين الجزائية هي ذات تفسير حرفي محدد.
لكن وبالرغم مما ذُكر نستنتج أيضا بان الفقرة الأخيرة من التعريف المذكور والتي تنص بالقول " الأفعال الأخرى الغير إنسانية وبصفات مماثلة ل…" تترك الباب مفتوحاً لتفسيرات عديدة.
قبل أن نتناول شرح وتفصيل الأفعال التي وردت على شكل قائمة في التعريف والتي يشكل كل واحد منها جريمة ضد الإنسانية حالة ارتكابها, ينبغي القول وقبل كل شيء بوجوب القيام بهذا أو بذلك العمل الإجرامي (الفعل) "ضمن إطار هجوم عام أو تلقائي"، وجاءت الفقرة 2-9 من المادة السابعة بتوضيح وتحديد ما ينبغي فهمه من عبارة هجوم عام أو تلقائي، حيث يجب إثبات تكرار العمل الإجرامي "ضد المدنيين تطبيقاً لسياسة تنتهجها دولة أو منظمة ويكون ذلك الهدف المرجو من الهجوم". وبعبارة أخرى الأعمال الإجرامية التي يقوم بها فرد بصوره شخصية وبصورة متفرقة لا تدخل ضمن التعريف القانوني لمفهوم جريمة ضد الإنسانية.
إما بخصوص الأفعال الإجرامية التي يمكن أن يشكل كل واحد فيها جريمة ضد الإنسانية في حالة ارتكابها ضمن هجوم عام أو تلقائي, سنقوم بسرد تعريفها وعلى التوالي:
-
 مفهوم التصفية/ الإبادة Extermination
ويتجسد من خلال القيام بفرض شروط حياتية من شانها أن تؤدي إلى تدمير جزء من الشعب. عملية حرمان الشعب من الغذاء والدواء مذكورة في نص المادة السابعة ووردت بشكل عام وبدون تحديد، وهذا الأمر يترك مجالاً واسعاً للمدعي (الضحية) للدفاع ولكن شرط أن يكون ذلك ضمن إطار المفهوم "شروط حياتية مفروضة".
-
 مفهوم الاستعباد: ويتجسد من خلال القيام بحرمان الفرد من كافة حقوقه وإمكانية امتلاك شيء معين. والنص يقول بان معاملة الفرد وحصراً لغرض استخدام جنسي هو أيضا نوع من أنواع الاستعباد.
-
 مفهوم التهجير والنقل الإلزامي: ويتجسد من خلال القيام بطرد الأشخاص من الأماكن الذين يتواجدون عليها بشكل قانوني إلى أماكن أخرى. المدعي أو الضحية يجب أن يقوم بتقديم البرهان لإثبات أمرين: الأول هو استعمال القوة في طرده والثاني هو شرعية تواجده في المكان.
-
 مفهوم التعذيب: ويتجسد في العمل على تأليم الفرد وجعله يعاني، والتأليم والمعاناة ينبغي أن تكون قاسية. وهذا المفهوم يمكن أن يكون مصدراً للتقديرات والتأويلات والاجتهادات العديدة والمختلفة. والتأليم والمعانات ممكن أن تكون بدنية أو ذهنية. من المعلوم بأنه ليس من السهل العثور على أدلة وبراهين لممارسة التعذيب إذا لم يترك الأمر آثاراً في الجسم.
-
 مفهوم فرض الحمل: وهو لا يقتصر على الحمل الذي يتولد عن الاغتصاب وإنما ينبغي أن يصاحبه الاحتفاظ وإيقاف المر أه أثناء الحمل.
-Apartheid :
وهذا النوع من الأعمال الإجرامية ارتكابه ينطوي ضمناً على كافة الأعمال الإجرامية الأخرى التي ذُكرت في قائمة المادة السابقة, السالفة الذكر. طالما تم ارتكاب هذه الأعمال الإجرامية في إطار سياسة الدولة القمعية والهادفة إلى تسليط مجموعة عنصريه على مجموعة أخرى. في هذا الخصوص المُدعي (الضحية) يجب أن يثبت ليس فقط حقيقة تعرضه للأعمال الإجرامية وإنما أيضا ارتكابها ضمن سياسة قمعية وتسلطية تقودها الدولة.
-
 مفهوم الاختفاء: لا يقتصر فقط على توقيف وحبس الشخص وإنما يتطلب أيضا رفض الدولة بالاعتراف باختطاف الشخص والإفصاح عن مكان وجوده. وعلى المدعي (الضحية) أن يبرهن أيضا بان توقيفه وحبسه واختطافه تم بفعل الدولة أو بفعل منظمة سياسية ساهمت مباشرة أو بموافقة أو بمساعدة الدولة.
ومن الضروري أن نتطرق إلى مفهوم دافع ارتكاب الجريمة أو عنصر العمد في ارتكاب الجريمة حيث يجب أن يتم عنصر العمد في ارتكاب الجريمة بصفتين مختلفتين وهما صفة العمومية وصفة الخصوصية: صفة العمومية لان المادة 7 الفقرة السالفة الذكر تتطلب أن يكون الهجوم عام وشامل في المعنى الذي يدل على معرفة مرتكب الجريمة بشمولية وعمومية الهجوم، بان الهجوم هو حصيلة خطة سياسية منظمة والهجوم هو تجسيد لهذه الخطة.
أما صفة الخصوصية (خصوصية عنصر العمد في ارتكاب الجريمة) فتتمثل بإلزامية وجود عنصر العمد لكل فعل إجرامي، تم ذكره وتعريفه في القائمة التي أوردتها المادة 7 من قانون عمل المحكمة. عندما نتكلم عن العمل الإجرامي القتل فيجب أن يكون مرتكب الجريمة متعمداً في القتل، وعندما نتكلم عن الأعمال الإجرامية الأخرى فالمادة السابعة الفقرة 2 تذكر بعض التوضيحات وحسبما طبيعة العمل الإجرامي:
فالعمل الإجرامي الإبادة لا يمكن وصفة بجريمة ضد الإنسانية إلا إذا كانت شروط الحياة المفروضة على الشعب تسعى إلى تدمير جزء منهُ.
والعمل الإجرامي الآخر وهو الحمل القسري المفروض على المرأة، لا يمكن وصفه بجريمة ضد الإنسانية إلا إذا كان الهدف منه هو تغيير التركيبة العرقية للشعب، أو ارتكاب أعمال أخرى بشعة ومخالفة للقانون الدولي.
وكذلك الحال بالنسبة إلى جريمة الاختفاء أو الاختطاف حيث لا يمكن وصفها قانونياً بجريمة ضد الإنسانية إلا إذا كان منظمة بهدف إخفاء الشخص ومنعه من التمتع بالحماية القانونية.
نلاحظ ونستنتج مما تقدم بان مفهوم جريمة ضد الإنسانية هو أوسع من مفهوم جريمة القتل الجماعي.
في حقيقة الأمر أن مفهوم القتل الجماعي يقع ضمن مفهوم الجرائم ضد الإنسانية أو بعبارة أخرى جريمة القتل الجماعي ما هي إلا نوع خاص من الجرائم ضد الإنسانية ، وإذا كانت جريمة القتل الجماعي هي نوع من أنواع الجرائم ضد الإنسانية، فان أنواع الجرائم ضد الإنسانية لا يمكن اعتبارها قانونياً جريمة قتل جماعي.

3
) جرائم الحرب Les crimes de guerre
المادة 8 من قانون عمل محكمة الجزاء الدولية تنص على ان "المحكمة مؤهلة للنظر في جرائم الحرب خصوصاً تلك الجرائم التي يتم تنفيذها وفقاً لخطة أو سياسة أو عندما تكون تلك الجرائم جزء من سلسلة من الجرائم المماثلة ارتُكبت وبصورة واسعة".
ونفس المادة المذكورة تسرد في قائمة معينة الأفعال التي يمكن وصفها قانونياً بأنها جرائم حرب:
المخالفات الجسيمة لاتفاقية جنيف الموقعة في 12/08/1949 وقد عُرفت هذه المخالفات في قائمة ليس بوسعنا الدخول في تفاصيلها في إطار هذه الدراسة.
المخالفات الجسيمة لقوانين وعادات الحروب العسكرية الدولية وقد عُرفت هذه المخالفات في قائمة مفصلة ليس بوسعنا الدخول في تفاصيلها في إطار هذه الدراسة.
في حالة صراع مسلح غير دولي، جرائم الحرب تشمل المخالفات الجسيمة للمادة 3 المشتركة للاتفاقيات الأربعة الموقعة في جنيف في 12/08/1949 وهذه المخالفات هي الأفعال ( ….) التي ارتُكبت ضد الأشخاص المدنيين الذين لا يشاركون بصورة مباشرة في الصراع وكذلك الأفراد المسلحين الذين تخلو عن سلاحهم وكذلك الأفراد المسلحين الذين اعتبروا بحكم حالتهم خارج منطقة الصراع المسلح كونهم مرضى أو جرحى أو أسرى أو لآي سبب آخر (….).
المخالفات الجسيمة الأخرى لقانون وعادات الحروب والمطبقة في الصراعات المسلحة التي لا تتسم بالطابع الدولي والخاضعة لتطبيق القانون الدولي.
نستنتج من التعريف المفصل الذي أوردته المادة 8 والمذكور أعلاه، عدة ملاحظات:
أولا: إن المخالفات والجرائم التي ترتكب أثناء الحرب يجب أن تتسم بكونها مخططة وهائلة كي تكتسب صفة جريمة حرب خاضعة لتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. كما أن استعمال أو استخدام كلمة (خصوصاً) التي وردت في سياق التعريف المذكور أعلاه لا يعني تحديد تطبيق مفهوم "جرائم الحرب" وجعله محصوراً فقط في الجرائم المخططة والهائلة, فالمحكمة يمكن لها النظر في الجرائم الأخرى بشرط وبطبيعة الحال أن تكون جرائم ذات أبعاد واسعة.
ثانياً: نلاحظ أيضا بان قانون عمل محكمة الجزاء الدولية يسمح بتطبيق اتفاقيات جنيف حتى في حالات الصراعات التي تتسم بالطابع الدولي.
في الفقرات (d) و (f) من المادة الثامنة تنص على أن الفقرات (c) و (e) لا تطبق على "حالات أعمال الشغب والتوتر الداخلي مثل التمرد وأعمال العنف المتفرقة والمعزولة والأعمال المشابهة الأخرى", كون هذه الفقرات نافذة المفعول بخصوص النزاعات المسلحة حتى ولو كانت هذه النزاعات غير دولية.
المادة الثامنة تنص أيضا بان الفقرة (e) قابلة للتطبيق على النزاعات المسلحة التي لها طابع الديمومة القائمة على ارض دولة بين سلطة هذه الدولة ومجموعة مسلحة منظمة أو بين مجموعات مسلحة منظمة.
ثالثاً: نلاحظ أيضا بأنه وبموجب (المادة الثامنة –2- b,ii) الهجوم ضد ممتلكات مدنية والتي هي ليست أهداف عسكرية وكذلك استخدام طريقة التسميم أو سلاح تسميمي (غازات أو أي شي مشابه) أو الرصاص المطاطي هي أفعال غير خاضعة لمحكمة الجزاء الدولية طالما ارتُكبت هذه الأفعال في أعمال عسكرية ليس لها طابع دولي.
لا نعلم لماذا لا تعتبر هذه الأفعال جرائم حرب لمجرد كونها ارتُكبت في إطار نزاع عسكري غير دولي، وبعبارة أخرى استخدام الأسلحة الكيماوية الغازية ضد أكراد العراق ومن قبل النظام العراقي السابق لا يمكن اعتباره جريمة حرب كونه صراع ذو طابع محلي وليس ذو طابع دولي عالمي.
رابعاً: إن ذكر وتعداد جرائم الحرب التي يمكن النظر فيها من قبل محكمة الجزاء الدولية (CPI) تكون مقتبسة تقريباً كلياً من ما هو معروف في القانون الدولي (قانون جنيف وقانون لاهاي).
ونقصد بقانون جنيف هو اتفاقيات جنيف المبرمة في 12 آب 1949 وبروتوكولات جنيف الموقعة عام 1977. وبالذات المادة 50 من الاتفاق الأول والمادة 51 من الاتفاق الثاني وهذه المواد تتضمن على اعتبار جريمة حرب الأفعال التالية: " القتل المتعمد والتعذيب أو المعاملة الغير إنسانية وبضمنها التجارب البايولوجية والفعل الذي يسبب وبشكل متعمد تعذيب ومعاناة أو أضرار جسيمة لجسم الإنسان أو صحته وتدمير واستملاك الأموال وبصورة غير مبررة وليست ضرورية للأعمال العسكرية.
المادة 130 من اتفاق جنيف الثالث وكذلك المادة 147 من اتفاق جنيف الرابع تنص على اعتبار جريمة حرب: إلزام أو إجبار أسير الحرب أو أي شخص آخر في العمل والخدمة في جيش العدو، أو حرمانه من محاكمة عادلة ومنظمة وفقاً للقانون".
المادة 147 من اتفاق جنيف الرابع تنص على اعتبار جريمة حرب: "التهجير أو نقل السكان بطرق غير شرعية وكذلك احتجاز رهائن".
المادة 11 الفقرة 1 من البروتوكول الأول تنص على اعتبار جريمة حرب: "إخضاع الأشخاص إلى عمل طبي بدون أسباب تتعلق بصحتهم ودون مراعاة القواعد الطبية المعمول بها عالمياً والمعروفة عالمياً".
أما قانون لاهاي فيتعلق بحماية الممتلكات الثقافية والأثرية في حالة النزاع المسلح وهو قانون لاهاي في 14/5/1954.





المصادر الأساسية المعتمدة في هذه الدراسة:
1
ـ القانون الجزائي الدولي للمؤلف أندريه هوت ورنيه جولن ـ المطابع الجامعية الفرنسية ـ الطبعة الثانية، عام 2001.
2
ـ العدالة الجزائية الدولية للمؤلف سيموان كابريو وألن بوليا ـ المطبعة الجامعية لمدينة ليموج ـ الطبعة الأولى، عام 2001.
3
ـ المحاكم الجزائية الدولية للمؤلف آن ماري لوروزا ـ المطابع الجامعية الفرنسية ـ الطبعة الأولى، عام 2003.
4
ـ المحكمة الجزائية الدولية لروندا للمؤلف فريدريك ميكرة ـ مطبعة ديجون ـ أيلول عام 2002
تعليقات