القائمة الرئيسية

الصفحات



الشفعة في الفقه الإسلامي

الشفعة في الفقه الإسلامي

الشفعة في الفقه الإسلامي




العنوان : الشفعة في الفقه الإسلامي
المؤلف : جودة عبد الغني بسيوني علي


الشفعة في الفقه الإسلامي


بقلم
د/ جودة عبد الغني بسيوني علي
المدرس بقسم الفقه
بكلية الشريعة والقانون
بطنطا


الفصل الأول
في التعريف بالشفعة
الشفعة في اللغة: مشتقة من "الشفع" بمعنى: الضم، ومنه الشفع في الصلاة: وهو ضم ركعة إلى أخرى، وسمي هذا الباب بالشفعة في كتب الفقه لما في الشفعة من ضم العقار المشترى إلى عقار الشفيع، ومن ذلك أيضًا شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمذنبين، فإنه يضمهم بها إلى الطاهرين فيدركون الفوز بالجنة([1]).
وأما تعريف الشفعة شرعًا: فقد تناولها الفقهاء بالتعريف على الوجه التالي:
أولاً: عند الأحناف:
عرف فقهاء الأحناف الشفعة بأنها: «حق تملك العقار جبرا عن المشتري بما قام عليه لدفع ضرر الجوار»([2]).
ثانيًا: وعرفها المالكية فقالوا: «الشفعة استحقاق شريك أخذ ما عاوض به شريكه من عقار بثمنه أو قيمته بصيغة»([3]).
ثالثًا: أما الشافعية فعرفوها «بأنها حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث فيما ملك بعوض»([4]).
رابعًا: وعرفها الحنابلة بأنها «استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكة المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه بعوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد»([5]).
المختار من تعاريف الشفعة:
المختار هو ما عرفها به الأحناف؛ لأن هذا التعريف يشمل الخليط في نفس المبيع، والخليط في حق المبيع، والجار الملاصق، ويتبين هذا من شرح تعريفهم للشفعة تفصيلاً:
فكلمة «حق» تطلق في اللغة على معان، منها: الثبوت، والثابت، والمراد به هنا: الثبوت بالشرع، أو الوصف الثابت شرعًا لمن قام به مال أو منفعة أو تصرف.
وهي جنس يشمل كل حق: كحق التملك في العقار وغيره بالبيع، وحق الانتفاع بالإجارة، والعارية وغيرهما، وحق التصرف بالولاية والوصاية وغيرهما.
وخرج عنه ما ليس بحق: كالغصب والسرقة، وكل ما منه أكل لأموال الناس بالباطل.
أما كلمة «تملك» فالمقصود به ثبوت الملك، وإضافة الحق إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، أو السبب إلى مسببه، وهذه الإضافة قيد أول خرج به حق غير التملك كحق الانتفاع، وحق التصرف فليس بشفعة.
وأما كلمة «العقار» فالمراد به الأرض وما عليها من بناء، وشجر، وتمر، فهو يشمل: كل ما له أصل وقرار من دار، أو ضيعة، أو مصنع، أو مخزن وما في حكمها دون المنقول، فحق التملك في المنقول من ثياب، ودنانير، ودراهم وما شاكلها، ليس فيه شفعة.
وقولهم «جبرا عن المشتري» أي: دون رضاه، ورغما عنه.
وقولهم «بما قام عليه» أي: بمثل ما دفع المشتري إن كان الثمن مثليًا، وإلا فقيمته إن كان من ذوات القيمة.
وقولهم «لدفع ضرر الجوار»: اللام فيه للتعليل، والمعنى: ثبوت الملك؛ لأجل دفع ضرر الجوار، وهذا القيد يفيد أن الشفعة: إنما هي حق التملك لهذه العلة، وهو ما أثبته الشرع الإسلامي.
ومن الجدير بالملاحظة: أن التعبير بالجوار، وإن أفاد ثبوت الشفعة للجار بالمنطوق، فقد أفاد ثبوتها للخليط في نفس المبيع، وللخليط في حق المبيع بمفهوم الموافقة، أي إن ثبتت الشفعة للجار الملاصق فتثبت للشريك سواء في المبيع أو في حق المبيع من باب أولى([6]).
***

الفصل الثانيفي سبب الشفعة

السبب في تشريع الشفعة: اتصال ملك الشفيع بملك المشتري عند البيع، بشرط أن يكون المبيع عقارا في عقد معاوضة مالية.
إذن فاستحقاق الشفعة لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافر شرطين هما:
1- اتصال عقار الشفيع بالعقار المبيع عند البيع.
2- انتقال ملك الجار، أو حصة الشريك بمعاوضة مالية كالبيع مثلاً.
وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام من الحنفية؛ لأن حق الشفعة يوجد بوجود هذين الشرطين، ويرتفع بارتفاع أحدهما، ولكل منهما دخل في ثبوت حق الشفعة، فلو وجد أحدهما دون الآخر لا يوجد حق الشفعة، ولا يكون للشريك أو للجار الملاصق الحق في طلب المبيع، فكان مجموعها سببًا مركبا منهما، ولأن القول بسبية أحدهما دون الآخر مع أن لكل منهما دخلا في ثبوت الشفعة لمستحقها تحكم([7]).

الفصل الثالث
في أركان الشفعة
وأما ركنها: فهو أخذ الشفيع المشفوع فيه، من أحد المتعاقدين عند وجود سببها باتصال الأملاك العقارية في عقود المعاوضات المالية([8])، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط» أخرجه البزار من طريق جابر([9]).
وبالنظر في تعاريف الشفعة لدى الفقهاء يمكننا استنتاج أركان الشفعة على الوجه التالي:
1- الشفيع: وهو من يباح له الأخذ بالشفعة.
2- المشفوع منه: وهو المشتري الذي انتقل إليه العقار المبيع أو للبائع إذا كان لم يقبض الثمن بعد.
3- المشفوع فيه: وهو المبيع الذي يستحقه الشفيع بالشفعة.
4- المشفوع به: وهو العقار الذي يملكه الشفيع المختلط أو المتصل بالمبيع.
وقد أطلق البعض ما يدفعه الشفيع من الثمن أو القيمة للمشتري الجديد اسم المشفوع به([10]).

الفصل الرابعفي حكم الشفعة


اختلف الفقهاء في حكم الشفعة على قولين:
القول الأول: لجمهور الفقهاء من السلف والخلف فقالوا: إن حكم الشفعة الإباحة بمعنى: أنها حق اختياري للشفيع المطالبة بهذا الحق فور علمه بالبيع، كما له أن يتركه.
وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالسنة والإجماع.
أما السنة:
1- روى أحمد عن عبادة بن الصامت «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرض والدور»([11]).
2- كما استدلوا بما رواه البخاري وأحمد من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم- قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة»([12]).
3- وبما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم، قضى بالشفعة بين الشركاء في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به»([13]).
وأما الإجماع:
فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما يبيع من دار، أو حائط أي: بستان، ومن المعروف أن ابن المنذر الذي حكى الإجماع هو: إبراهيم بن المنذر بن عبد الله، أحد كبار العلماء المحدثين - بضم الميم وتشديد الدال وكسرها- عن مالك، وابن عيينة وقد توفى سنة 236هـ.
ولم يعلم خلافًا في ثبوت الشفعة إلا لأبي بكر الأصم وهو: محمد بن الأصم المتوفى سنة 320هـ([14]).
فعلى هذا يكون أبو بكر الأصم قد خالف الإجماع؛ لأنه وجد بعد إجماع أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم.. الذي حكاه ابن المنذر، ولا عبرة بقول من خالف الإجماع، أو نقول: لعل حكاية الإجماع هذه لم يعلم بها أبو بكر الأصم.
القول الثاني: عدم الإباحة بمعنى: أن الشفعة ليس حقًا للشفيع وليس له حق المطالبة بها، وذهب إلى هذا جابر بن زيد من التابعين، وأبو بكر الأصم([15]).
وأدلة أصحاب القول الثاني هي:
1) الكتاب:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾([16]).
فقد نهى سبحانه وتعالى عن أخذ أموال الناس بالباطل، أي: بما لم تبحه الشريعة الإسلامية، من نحو: السرقة، والخيانة، والنصب، والقمار، وعقود الربا.
ثم استثنى التجارة عن تراض، والاستثناء منقطع، ومعناه:
ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراض منكم، وقوله "عن تراض": صفة لتجارة، أي: تجارة صادرة عن تراض، وخص التجارة بالذكر؛ لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها([17])، فلو كانت الشفعة التي لا تراضي فيها مشروعة لكانت أحق بالاستثناء، ولأنها يتوهم دخولها أكثر؛ لعدم التراضي فيها، فعدم استثنائها دليل على عدم مشروعيتها، وعدم إباحتها.
ورد على هذا القول:
بأن الشفعة لم يتوهم فيها باطل؛ لأن الأخذ فيها بمثل الثمن أو القيمة التي استقر عليها البيع، أي: بما قامت على المشتري، بخلاف التجارة، فإن الإنسان قد يشتري بعشرة ويبيع بمائة، فيتوهم أن هذا داخل في الباطل، فاستثناه الله جل في علاه، رفقا ولطفا بعباده.
2) السنة:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه»([18]).
فإن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل مال امرئ مسلم..» نهي عن الأخذ والانتفاع بأي مال مملوكا للغير دون رضاه، أو بغير طيب نفسه، ومن ذلك: العقار الذي يبيعه الشريك أو الجار لأجنبي، فلا يحل لشريكه أو لجاره الملاصق أن يأخذه من الأجنبي بغير رضاه.
ورد على هذا الاستدلال:
بأن المنهي عنه هو أخذ المال الذي حصل عليه صاحبه باستعمال حقه الذي رسمه الشارع، كالبيع، والهبة، والإجارة، والإرث وغير ذلك، أما المال الذي حصل عليه الشخص بإساءة استعمال الحق وإلحاق الضرر بالغير بتملكه إياه، فأخذه الشفيع منه بالطريق الذي رسمه الشرع الإسلامي أيضًا ليس منهيًا عنه، فأخذ الشريك أو الجار المشفوع فيه بما قام على المشتري لدفع الضرر عن نفسه - الواقع أو الذي كان سيقع بسبب الجوار أو الشركة- يباح له شرعًا.
ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:  «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» بمعنى: أنه لا ضرر في الأخذ بالشفعة على المشتري؛ لأنه سيأخذ ما دفعه ثمنًا للعقار، وكل ما في الأمر أن الصفقة أخذت منه، فحاله بعد أخذ العين المشتراة بالشفعة هو حاله قبل أخذها منه.
ولو سلمنا الأخذ بالشفعة يلحق بالمشتري ضررًا فإن الضرر الذي سيلحق بالشفيع إن لم يبح له أخذ المشفوع فيه أعظم، بسبب التضييق عليه والظهور على عوراته، والاطلاع على عثراته، ومما لا شك فيه أن رفع أعظم الضررين واجب شرعًا.
ولهذا جاءت الأحاديث لإباحة الأخذ بالشفعة للشريك في نفس المبيع أو في حق المبيع، أو للجار الملاصق إذا طلبها المستحق لها فور العلم بالبيع، فكانت هذه الأحاديث مخصصة للعموم الذي ورد في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه».
والقول الراجح والذي أميل إليه:
هو ما ذهب إليه الجمهور بإباحة الأخذ بالشفعة لقوة أدلته، وملائمته لروح الشرع الإسلامي في سعيه لتحقيق العدل والإنصاف برفع الأضرار التي قد تصيب الشفيع إذا لم يبح له الأخذ بالشفعة.
وعدم إلحاق أي ضرر بالمشتري حيث إن حاله بعد الأخذ بالشفعة هو حاله قبل الأخذ بها؛ لأن ما دفعه ثمنًا سيعود إليه ثانية دون ما ضرر يذكر.

الفصل الخامس
في حكمة مشروعية الشفعة
شرعت الشفعة في الإسلام، من أجل دفع ضرر الدخيل، وهو المشتري، عن الشفيع على الدوام لسوء المعاشرة والمعاملة الواقعة أو المتوقعة لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام».
لهذا يتضح لنا جليًا أن مشروعية الشفعة تتفق مع الأصول العامة للشريعة الإسلامية وإن كانت على خلاف ما وضع من حدود للملكية، حيث إن إباحة الشفعة للشفيع واستعماله لها يترتب عليها أخذ ما في يد المشتري جبرا عنه، وهذا مما لا ريب فيه ينافي قاعدة اشتراط الرضا في انتقال الملكية بين الأشخاص.
فالشفعة بمثابة استثناء تدعو إليه المصلحة التي شرعت من أجلها الشفعة ولم يترتب عظيم ضرر لطرفي عقد البيع، لا للبائع ولا للمشتري، فقد توفر للبائع معه ما يبقى من المال عوضًا عن المبيع، كما أن المشتري كان في غنى عما اشتراه قبل شرائه، خاصة وقد وجد من هو أحق منه، ومن في صرف الصفقة عنه إلى غيره من الضرر ما لا يخفى على ذي عقل، فقدم عليه دفعًا للإضرار به، وتمكينه من حقه، خاصة وأن المشتري لم يخسر شيئًا؛ لأن الشرع أوجب له أخذ ما دفعه ثمنًا لما اشتراه.
فمشروعية الشفعة من أجل هذا متفقة تمامًا والأصول العامة للشرع الإسلامي، الذي يسعى دائمًا لتحقيق مثل هذه الغاية وغيرها من الغايات النبيلة والتي ما شرعت الشرائع السماوية إلا من أجل تحقيقها.

الفصل السادسفي من يثبت له حق الشفعة


اختلف الفقهاء فيمن يثبت له حق الشفعة على قولين:
الأول: للأحناف: وأثبتوا حق الشفعة على الوجه التالي:
1- الخليط في نفس المبيع: وهو الشريك الذي لم يقاسم.
2- للخليط في حق المبيع: وهو الشريك في الشرب والطريق الخاصين كنهر لا تجري فيه السفن، والطريق غير النافذة.
3- ثم للجار الملاصق([19]).
وأدلتهم على ما ذهبوا إليه السنة والمعقول:
السنة:
1- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الشفعة لشريك لم يقاسم»([20]).
2- وعن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «جار الدار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا»([21]) رواه الخمسة إلا النسائي.
3- وعن الشريد بن سويد قال: قلت: يا رسول الله أرض ليس فيها شرك ولا قسم إلا الجوار، فقال صلى الله عليه وسلم: «الجار أحق بسقيه ما كان» رواه أحمد والنسائي([22]).
وجه الدلالة:
إن هذه الأحاديث الثلاثة دليل واضح على ثبوت الشفعة للخليط في نفس المبيع بالحديث الأول، وللخليط في حق المبيع بالحديث الثاني، ثم للجار الملاصق بالحديث الثالث.
أما المعقول:
فلما كان ملك الشفيع متصلاً بملك المشتري الدخيل اتصال قرار، والاتصال على هذه الصفة سبب للمضار، وقد تحقق الاتصال في الخليط بنوعيه والجار الملاصق، فشرعت الشفعة لقطع ضرر الدخيل ورفع يده عن العقار وثبوت الملك لهؤلاء خلفا عنه.
القول الثاني: لا تثبت الشفعة لغير الشريك في الرقبة:
وهو الخليط في نفس المبيع، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد([23]).
واستدلوا على هذا:
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» رواه أحمد والبخاري، وفي لفظ: إنما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم - الشفعة، الحديث([24]).
وجه الدلالة:
إن اللام في الشفعة للجنس، فتحصر الشفعة فيما لم يقسم، ولا شك أن حق كل من الشريك في حق المبيع والجار مقسوم فلا شفعة لها.
ويرد على الأئمة الثلاثة بما يأتي:
1- إن الحديث الذي استدلوا به من باب تخصيص الشيء بالذكر وهو لا يدل على نفي ما عداه.
2- أو نقول: إن المراد بهذا الحديث أن الشفعة لا تجب للجار بقسمة الشركاء؛ لأن الشريك أحق منه، وحقه يتأخر عن حقهم، وهذا ما تلتزمه.
وبذلك يتم التوفيق بين الأدلة([25]).
الرأي المختار:
والقول المختار هو ما قال به الأحناف بثبوت الشفعة للشريك في نفس المبيع، وللشريك في حق المبيع، وللجار الملاصق؛ لقوة أداتهم، ولأن العمل به يحقق المقصود من الشريعة، وهو رفع الضرر ما أمكن، وخصوصًا عن الجار الذي أوصى الله ورسوله على رعايته ومعاملته بالحسنى، ومما لا شك فيه أن تشريع الشفعة لرفع الضرر عنه يعتبر من المعاملة الحسنة التي شرعها الله جل في علاه.

الفصل السابع
في اجتماع وترتيب الشفعاء
لاجتماع الشفعاء حالتان:
الأولى: كون الشفعاء من طبقة واحدة باتحادهم في سبب الاستحقاق كأن يكونوا شركاء في نفس المبيع، أو شركاء في حق المبيع، أو جيران ملاصقون للمبيع.
الثانية: كون الشفعاء من طبقات مختلفة، ويكون ذلك باختلافهم في سبب الاستحقاق للشفعة، ومثاله: أن يكون أحدهم شريكًا في نفس المبيع، والآخر شريكًا في حق المبيع، والثالث: جار ملاصق للمبيع.
وبمشيئة الله أتناول كل حالة منهما تفصيلاً في مبحث مستقل.
المبحث الأول
في اجتماع الشفعاء في درجة واحدة
إن اجتمع الشفعاء في درجة واحدة، كأن يكونوا شركاء في نفس المبيع فالشفعة بينهم على عدد رءوسهم، ولا معتبر لاختلافهم في حصة الملك في العقار المشفوع به([26]).
فلو فرضنا أن الضعيفة بين ثلاثة أفراد: لأحدهم نصفها، وللآخر ثلثها، وللثالث سدسها. فباع صاحب النصف نصيبه، وطلب الشريكان الشفعة قضي بينهما بذلك نصفين، وهذا الرأي للأحناف.
ويرى جمهور الفقهاء: أن المشفوع فيه يوزع على الشركاء في هذه المسألة بنسبة حصصهم التي يشفعون بها([27]).
وبناء على هذا فإن النصف المبيع يقسم بين الشريكين أثلاثا لصاحب الثلث اثنين، ولصاحب السدس واحدًا، نظرًا لما يملكه كل منهما من العقار المشفوع به، أي: بقدر حصة كل منهما في ملكية العقار.
الأدلة والرد عليها
أولاً: استدل الأحناف على ما ذهبوا إليه في توزيع المشفوع فيه بين الشفعاء إن كانوا من درجة واحدة على عدد رءوسهم بالتساوي.
فقالوا: إن اتصال الملك سبب كامل للشفعة، سواء قل الاتصال أو كثر؛ لأن صاحب القليل لو انفرد استحق المشفوع فيه كاملاً، كما يستحقه صاحب الكثير لو انفرد.
وبناء على هذا فإن كل جزء من أجزاء الاتصال علة تامة للشفعة، فإذا اجتمع في حق صاحب الكثير علل كثيرة، وفي حق صاحب القليل علل قليلة، فهما متساويان في سبب الاستحقاق، وهو اتصال ملك الشفيع بملك المشتري.
إذن فلا عبرة بكثيرة العلة؛ لأن الترجيح إنما يكون بالقوة في الدرجة كأن يكون أحدهما خليط في نفس المبيع والآخر خليط في حق المبيع وليس الترجيح بكثرة العلل.
وما دام الشفيعان شريكان في نفس المبيع، فلا قوة لأحد السببين على الآخر؛ لأن كل واحد مقابل بالآخر المساوي له، بدليل أنه لو انفرد صاحب السدس يحق له أن يأخذ الكل، ولو كان مرجوحًا استحق شيئًا في مقابل الراجح فاستويا([28]).
ثانيًا: أدلة أصحاب القول الثاني: على أن العقار المشفوع فيه يوزع بين الشفعاء بنسبة حصة ما يملكه كل منهما في العقار المشفوع به.
الدليل الأول: الشفعة حق يستفاد بسبب الملك، فتعد من مرافقه، فتقدر بقدر حصة الملك كالريح والثمرة بين الشركاء([29]).
ورد هذا: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الريح والثمرة متولدان عن الملك، فيراعى في توزيعها مقدار هذا الملك، وأما الشفعة فليست متولدة عن الملك؛ لأنها استحقاق تملك مال الغير دون رضاء، وفقا للضرر، وليس ذلك ثمرة من ثمرات الملك([30]).
الدليل الثاني: الشفعة حق كالديون، فكما يوزع مال المدين على الدائنين إذا تفاوتت ديونهم، ولم يتسع لها على قدر ديونهم، لا على عدد رءوسهم، فكذلك يوزع المشفوع، على قدر حصصهم لا على عدد رءوسهم.
ورد هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق أيضًا، فإن أصحاب الديون لو انفرد أحدهم لم يأخذ إلا دينه، وليس له الحق في جميع المال، بخلاف الشفعاء، فإن صاحب القليل لو انفرد استحق جميع المشفوع فيه، ومثله صاحب الكثير حين انفراده، فهما أشبه بأصحاب الديون الذين تساوت ديونهم، لا الذين تفاوتت ديونهم.
والمختار من القولين
      هو ما ذهب إليه الأحناف من القول بتوزيع المشفوع فيه على الشفعاء بالتساوي متى كانوا من درجة واحدة؛ وذلك لقوة دليل الأحناف، ولأن المساواة بين الشفعاء في هذه الحالة يقرب النفوس بعضها إلى بعض، وهذا مما يوصي به تعاليم ديننا الحنيف ويسعى دائما لتحقيقه.

المبحث الثانيفي اجتماع الشفعاء من درجات مختلفة

ذهب الأحناف إلى القول بثبوت الشفعة لطبقات ثلاث تتفاوت قوة وضعفا، وهذا مخالف لما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة، حيث إنهم أثبتوا الشفعة للشريك في ذات المبيع كما أسلفنا.
وبناء على مذهب الأحناف إذا تعدد من ثبتت لهم الشفعة من طبقات مختلفة، وأراد كل منهم الأخذ بالشفعة فمن الذي يقدم من الشفعاء؟ الذي يقدم ويجاب إلى طلبه هو صاحب الدرجة الأولى، وهو الشريك في نفس المبيع، فإن سلم أجيب إلى طلب صاحب الدرجة الثانية، وهو الشريك في حق المبيع، فإن سلم فهي لصاحب الدرجة الثالثة وهو الجار الملاصق([31]).
نخلص من هذا: إلى أن الأحناف أثبتوا الشفعة لطبقات ثلاث:
1- للشريك في نفس المبيع.
2- للشريك في حق المبيع.
3- للجار الملاصق.
فإن اجتمعوا على طلب الشفعة يقدم الأقوى فالأقوى حسب الترتيب السابق.
واستدلوا على ذلك: بأن المقتضي لثبوت الشفعة هو رفع ضرر الدخيل، وسبب الضرر هو اتصال الأملاك، واتصال الملك بالشركة في ذات المبيع أقوى من اتصال الملك بالشركة في حقوق المبيع؛ لأن الأول ثابت في كل جزء من أجزاء العقار، بخلاف الثاني فإنه شركة في المرافق، واتصال الملك في المرافق كالطريق المشترك والشرب المشترك بين الأملاك أقوى من اتصاله بالجوار الملاصق؛ لعدم الخلطة في الجوار، ووجودها في المرافق. فإن ترك الأقوى حقه في طلب الشفعة انتقل الحق إلى من يليه في الطبقة عند أبي حنيفة ومحمد، وأبي يوسف في ظاهر الرواية.
وقيل: لا ينتقل إلى من يليه مع وجود الأقوى الذي ترك حقه، وبه قال أبو يوسف في غير ظاهر الرواية.
واستدل أبو حنيفة ومن معه: بأن سبب الشفعة اتصال الملك، وهو ثابت في حق الجميع، وتقديم بعضهم على بعض إنما هو لمعنى في ذلك وهو: قوة التأثير في السبب، فإذا ترك الأقوى حقه انتقل لمن يليه في الطبقة لتقرر السبب.
ونظير ذلك: دين الصحة مع دين المرض المجهول السبب إذا لم تسع للتركة الجميع قدم دين الصحة، فلو أبرئ المدين من دين الصحة انتقلت التركة لصاحب دين المرض يستوفي منها دينه؛ لأن سبب الاستحقاق قائم.
أما دليل أبو يوسف في غير ظاهر الرواية: إن الأضعف محجوب بالأقوى كالميراث، فكما أن الأخ لا ميراث له مع الابن حتى ولو أسقط الابن حقه، فكذلك لا شفعة للأضعف مع وجود الأقوى عند تنازله عن حقه ورد على هذا: بأنه قياس مع الفارق، فإن الملك في الإرث قهري، فلا يسقط بإسقاط من يثبت له([32]).
والراجح:
هو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه؛ لقوة دليله؛ ولأن وجود الأقوى وطلبه للشفعة مانع فقط من أخذ الذي يليه في الطبقة، فتنازله كموته عدم للمانع، فينتقل حقه في الشفعة إلى من يليه في الطبقة لدفع الضرر المقصود من تشريع الشفعة.

الفصل الثامن
في محل الشفعة (المشفوع فيه)
تمهيد:
قبل البحث في محل الشفعة لدى فقهاء شريعتنا الغراء، تجدر الإشارة إلى تعريف كل من العقار والمنقول عندهم.
أولاً: تعريف العقار:
اختلف الفقهاء في تعريف العقار على قولين:
الأول: لجمهور فقهاء  الإسلام، قالوا: العقار هو ما لا يمكن نقله وتحويله عن مكانه.
والذي لا يمكن نقله وتحويله عن مكانه إنما هو الأرض سواء أكانت زراعية أم معدة للزراعة أو للبناء أو لأي انتفاع آخر، أم كانت فضاء.
والثاني: للمالكية: وتعريف العقار عندهم: هو ما له أصل ثابت لا يمكن نقله وتحويله من مكان لآخر مع بقاء هيئته وشكله.
فهو يتناول الأرض والبناء والشجر والنخل وغيره من كل ما له أصل ثابت مستقر.
ثانيًا: تعريف المنقول:
اختلف الفقهاء في تعريف المنقول أيضًا على قولين:
القول الأول لجمهور الفقهاء: والمنقول عندهم هو: "ما أمكن نقله وتحويله من مكان لآخر سواء أبقي مع ذلك النقل والتحويل على هيئته وشكله، أم تغيرت هيئته وشكله.
يندرج تحت هذا التعريف البناء والشجر دون الأرض، وجميع أنواع الحيوانات والعروض، والذهب والفضة، والمعادن في مناجمها، والزيوت في باطن الأرض، والسفن في البحار والأنهار، وغير ذلك من الأموال الأخرى التي يحتويها التعريف.
وأما القول الثاني فهو للمالكية: حيث قالوا: إن المنقول هو ما أمكن نقله وتحويله من مكان لآخر مع بقاء هيئته وشكله، أي: بحالته التي هو عليها كالسيارة والطيارة والدبابة مثلاً.
إذن فالمنقول لدى المالكية، يشمل كل مال مستقل بذاته غير متصل بالأرض اتصال استقرار ودوام.
وبناء على هذا فلا يعتبر من المنقولات البناء والشجر والقناطر وغيرها؛ لأن هذه الأشياء إذا نقلت لا تبقى على هيئتها وأشكالها التي كانت عليها بل تصير أنقاضا أو أخشابا.
وخلاصة القول:
1- أن العقار عند المالكية أعم من العقار عند الجمهور؛ لأنه يشمل الأرض والبناء والشجر وما على شاكلتها من الأشياء التي لها أصل ثابت مستقر، بنقلها من مكانها إن أمكن هذا يختل هيئتها وأشكالها، وتصير أشياء أخرى بمسميات جديدة.
أما عند الجمهور فالعقار خاص بالأرض وما اتصل بها اتصال قرار كالدور والحوانيت والمخازن والجراجات والمدارس والمستشفيات وغير ذلك كثير.
2- أن المنقول عند الجمهور أعم وأشمل من المنقول عند المالكية؛ لأنه يتناول: البناء، والشجر، والأرض، وجميع الحيوانات، والعروض، والمعادن.
أما المالكية: فالمنقول لديهم يقتصر على ما أمكن نقله مع بقاء شكله كالسيارة والطيارة، أما البناء والشجر فقالوا بأنهما من العقارات([33]).
وأتناول محل الشفعة بعد هذا التمهيد على الوجه التالي:
المبحث الأول
في محل الشفعة [المشفوع فيه]

عند الأحناف:
محل الشفعة -عند الأحناف- هو العقار إذا ملك بعوض هو مال، وإن كان لا يقسم كالحمام، والرحى، والطريق.
فمحل الشفعة عندهم هو العقار مطلقًا سواء أكان مفرزا، أو كان جزءا شائعا كثلث وسدس، وسواء أكان يقبل القسمة أم كان لا يقبلها.
وتثبت الشفعة في المنقول: إذا كان تابعًا للعقار، وبيع معه في صفقة واحدة سواء أكان متصلاً بالعقار اتصال قرار واستقرار كالأشجار، والبناء، أم كان متصلاً بما هو متصل به كالثمر على الأشجار، أم كان غير متصل به، ولكنه من لوازمه، كآلات الحرث والسقي ونحوها للأرض الزراعية.
أما إذا بيع شيء من ذلك استقلالا دون العقار، فلا تثبت في هذا المنقول الشفعة ولا يصلح أن يكون محل لها([34]).
وبناء على ما تقدم لنا أن محل الشفعة عند الأحناف هي:
1- العقار: وهو الأرض خاصة سواء كانت مما يقبل القسمة أم كانت مما لا يقبلها كطريق ضيق، أو نهر صغير.
2- البناء والشجر: إذا كانا تابعين للعقار، وبيعا معه.
3- الزروع والثمار: إذا بيعت مع أصولها ومع الأرض.
4- كل منقول تابع للعقار وبيع معه، وكان من لوازمه.
الأدلة:
استدل الأحناف على ثبوت الشفعة في الأرض مطلقًا والبناء والشجر التابعين لها بالأدلة التالية:
السنة:
1- روى مسلم والنسائي عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة، أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به» رواه مسلم والنسائي وأبو داود([35]).
2- كما روى مسلم عن جابر أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشفعة في كل شرك أو ربع، أو حائط».
وجه الدلالة من الحديثين:
المراد بالربع أو الربعة: [الدار]، والمراد بالحائط: [البستان]، وقوله «في كل شركة لم تقسم»: يدل على قبوله القسمة.
إذن فالحديث الأول نص على ثبوت الشفعة في الأرض والدار والبستان وهما المعبر عنهما بالبناء والشجر.
وقوله في الحديث الثاني: في كل شرك عام يتناول ما يقبل القسمة وما لا يقبلها، فيكون الشفعة ثابتة فيما لا يقبل القسمة وما يقبلها أيضًا؛ لدخولهما في عموم الحديث.
أما المعقول:
سبق أن علمنا أن مشروعية الشفعة لرفع ضرر الدخيل وسببها اتصال الأملاك، وهذا ينتظم ما يقبل القسمة وما لا يقبلها؛ لأن الضرر يدوم بدوام ما فيه شركة أو جوار، والأرض والبناء والشجر من شأنها دوام الملكية، فيدوم الضرر فيا، لهذا شرعت الشفعة من أجل رفع الضرر.
ومن الجدير بالملاحظة أن ثبوت الشفعة في الأرض التي تقبل القسمة بلا فساد وثبوتها في البناء والشجر إذا كانا تابعين للأرض المقامين عليها وبيعا في صفقة واحدة، هو رأي بقية المذاهب الإسلامية، والأدلة التي استندوا إليها تدعيما لرأيهم هي نفس الأدلة التي اعتمد عليها الأحناف بل زادوا عليها دليلاً من إجماع أهل العلم.
ذكر ابن قدامة الحنبلي في كتابة «المغني» قول ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض، أو دار، أو حائط"([36]).
ومعنى الشريك الذي لم يقاسم: أي من كان شريكا في أرض أو دار، أو حائط تقبل القسمة، ولم تقسم بعد ويدخل في هذا البناء والشجر إذا بيعًا تبعًا، وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على ثبوت الشفعة في هذه الأشياء فهل اتفقوا مع الإمام أبي حنيفة على ثبوتها فيما لم يقبل القسمة؟ هذا الذي سأفرد له بحثًا مستقلاً بمشيئة الله تعالى على الوجه التالي:

المبحث الثاني
رأي جمهور الفقهاء في العقار الذي لا يقبل القسمة
خرج جمهور الفقهاء على ما ذهب إليه الأحناف في ثبوت الشفعة فيما لا يقبل القسمة، وقالوا بعدم ثبوتها فيه([37]).
وأدلتهم على ما ذهبوا إليه السنة والمعقول:
السنة:
-روى البخاري عن جابر -رضي الله عنه- قال: «إنما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» فكأنه قال: الشفعة فيما يمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم([38]).
ورد هذا الاستدلال: إنه لا يلزم من كون ما وقعت فيه الحدود، وصرفت فيه الطرق هو القابل للقسمة؛ لجواز أن يكون المقصود بما لم يقسم ما لم تحصل فيه القسمة مطلقًا سواء أكان قابلاً للقسمة، أم لم يكن قابلاً لها.
ولأن الحديث قد حصر الشفعة فيما لم يقسم مطلقًا، فتثبت الشفعة فيما لا يقبل القسمة، كما تثبتت فيما يقبلها.
أما المعقول:
فهو أن الشفعة إنما شرعت لدفع ضرر القسمة، وهو ما يترتب على القسمة من المؤن، وضيق المرافق، وهذا يتأتى فيما يقبل القسمة، أما ما لا يقبل القسمة فلا شفعة فيه؛ لانتقاء ما شرعت الشفعة من أجله وهو: ضرر القسمة وما يترتب عليها من المؤن ومضايقة الشركاء([39]).
ورد هذا أيضًا: بأن الشفعة كما شرعت لرفع ضرر القسمة، شرعت لرفع ضرر الجوار والشركة، ولا شك أن ضرر الشركة موجود فيما لا يقبل القسمة، كما وجد فيما يقبلها، من أجل هذا شرعت الشفعة في العقارات مطلقًا لرفع ضرر الدخيل مطلقًا، ومنه ضرر الشركة.
والرأي المختار:
هو ما ذهب إليه السادة الأحناف من ثبوت الشفعة فيما لا يقبل القسمة كما ثبتت فيما يقبلها، وذلك لقوة أدلتهم، وأيضًا فإن الشفعة كما قلنا شرعت لدفع ضرر الدخيل مطلقًا ضرر شركة أم ضرر مجاورة، وضرر كهذا إذا وقع فيما يقبل القسمة يكون وقوعه فيما لا يقبلها أشد وأبلغ.

المبحث الثالث
الشفعة في المنقول
المتتبع لكتب الفقه بمذاهبها المتعددة يجد أن الفقهاء قد اختلفوا في ثبوت الشفعة في المنقول على قولين:
الأول: أثبت الشفعة في المنقول وهو للظاهرية([40]).
وأدلتهم على هذا ما يأتي:
1- روى الترمذي في سننه، والبيهقي عن أبي حمزة السكري، مرفوعًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء»([41]).
وجه الاستدلال بهذا الحديث:
أن هذا الحديث أثبت الشفعة في كل شيء سواء أكان عقارا أم منقولاً ولأن معنى الضرر بالشركة والجوار موجود في كل شيء وإن كان في العقار أظهر فلا تمنع وجود الضرر بالشركة في المنقول.
ورد هذا الاستدلال:
بأن هذا الحديث أعل بالإرسال وقد تفرد أبو حمزة برفعه.
القول الثاني: نفي ثبوت الشفعة في المنقول وهو مذهب جمهور الفقهاء([42]).
وأدلتهم على ما ذهبوا إليه ما يأتي:
أولاً: السنة:
1- أخرج البزار من طريق جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط»([43]).
2- وما أخرجه البيهقي من طريق أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا شفعة إلا في دار أو عقار»([44]).
وجه الاستدلال بهذين الحديثين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حصر الشفعة في الدار والعقار، وهذا يقتضي نفيها عن غيرهما مما لا يتبعهما، وهو المنقول إذا أفرد بالبيع، أما ما يتبعهما في البيع فهو داخل في الشفعة حكمًا.
ثانيًا: المعقول:
إن الشفعة ما شرعت إلا لرفع الضرر الذي من شأنه الدوام، وهذا لا يكون إلا في العقارات وما في حكمها، أما المنقولات التي لا تلزم ولا تتبع العقارات فهي خارجة مما شرعت الشفعة من أجله([45]).
والمختار:
هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من ثبوت الشفعة في العقارات، وما في حكمها من المنقولات اللازمة لها كآلات الحرث والسقي للأراضي الزراعية، وآلات الطهي والنظافة للفنادق مثلاً.
ولأن الشفعة إنما شرعت لدفع ضرر سوء الجوار على الدوام، والملك في المنقولات لا يدوم حسب دوامه في العقار فلا يلحق به.
المبحث الرابع
الشفعة في البناء والشجر إذا لم يكونا تابعين للأرض
المقامين عليها وبيعا مفردين عنها
للفقهاء في ثبوت الشفعة في البناء والشجر إذا كانا غير تابعين للأرض المقامين عليها وبيعا مفردين عنها رأيان:
الرأي الأول: للحنفية والشافعية والحنابلة: يقولون بعدم ثبوت الشفعة فيها([46]).
والرأي الثاني: للمالكية والظاهرية ويقولون بثبوت الشفعة فيهما([47]).
الأدلة:
استدل أصحاب الرأي الأول فقالوا: إن البناء والشجر ليسا مما يدوم بقاؤهما فكانا كالمنقول، والمنقول لا شفعة فيه؛ لأن ضرره ليس بدائم، ولكن إذا بيعا تبعًا للأرض المقامين عليها حينئذ تثبت فيهما الشفعة تبعًا لثبوتهما في الأرض.
واستدل أصحاب الرأي الثاني:
1- فقال المالكية: إن البناء والشجر ثابتان فكانا كالأرض، وقد ثبتت الشفعة فيها لطول الضرر -الواقع أو المتوقع- بطول البقاء فتثبت فيهما لذلك.
2- واستدل الظاهرية: بما رواه مسلم والنسائي عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «قضي بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به»([48]).
وجده الدلالة من الحديث: أن قول جابر: قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط: يفيد عموم ثبوت الشفعة في كل دار أو بستان سواء أكان البناء والشجر من التابع للأرض أم كانا من غير التابعين لها، أي: سواء أكانت المباني والأشجار مبيعة مع الأرض، أم كانت مبيعة على انفراد.
المختار:
هذا والذي اختاره من الرأيين هو الذي قال به جمهور الفقهاء من أن الشفعة لا تثبت في البناء والشجر إذا لم يكونا تابعين للأرض المقامين عليها وبيعا مفردين؛ لأن الضرر الذي شرعت لدفعه الشفعة هو الضرر الدائم والبناء والشجر ليسا بدائمين في هذه الصورة، ولما كان ضرر الدخيل فيها غير دائم انتقت فيها الشفعة.


المبحث الخامس
الحالات التي لا يصلح فيها العقار محلاً للشفعة
1) العقار الذي يتزوج الرجل عليه كأن يجعل مهرا في النكاح.
2) العقار الذي تخالع المرأة به زوجها كأن يجعل بدلاً في الخلع.
3) العقار الذي يجعل بدلاً في الإجارة.
4) العقار الذي يصالح عليه عن دم العمد.
لأن هذه العقارات جعلت بدلا لأعواض غير مالية فإيجاب الشفعة فيها خلاف المشروع وقلب للموضوع([49]).
ويرى الإمام الشافعي: وجوب الشفعة فيها؛ لأن هذه الأعواض متقومة عنده –أي: منافع البضع في النكاح وغيرها متقومة عند الشافعي- فأمكن الأخذ بقيمتها حيث تعذر المثل كما ننتقل إلى القيمة في البيع إذا كان الثمن عرضًا ماليا([50]).
5) ولا شفعة في عقار ملك بطريق الهبة، إلا إذا كان هبة بعوض مشروط؛ لأنه بيع انتهاء.
6) ولا شفعة في عقار بيع بخيار الشرط للبائع؛ لأن خيار البائع يمنع خروج المبيع من ملكه، والشفعة لا تصلح إلا إذا تملك المشتري المبيع المشفوع فيه، لذا إذا كان الخيار للمشتري ففي العقار هذا الشفعة؛ لأن خيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع وهو يوجب الشفعة.
7) إذا اشترى العقار شراءً فاسدًا فلا شفعة فيه، حتى وإن قبضه المشتري لاحتمال الفسخ من أحدهما، فلم يتقرر نقل العقار، وأيضًا فإن حق الفسخ ثابت بالشرع لدفع الفساد، وفي إثبات حق الشفعة تقرير للفساد وهو لا يجوز شرعًا.
8) ولا شفعة في عقار قسم بين الشركاء، فليس للجار أن يطلب الشفعة؛ لأن الواقع في العقار إفراز لا مبادلة، وما شرعت للشفعة إلا في المبادلة المطلقة([51]).

الفصل التاسع
في كيفية طلب الشفعة والخصومة فيها
في هذا الفصل نتكلم عن الطلبات التي يجب على الشفيع أن يقوم بها أثناء استعماله لحقه في الشفعة متى وجبت له، وعن الإجراءات التي تتبع من قبل القاضي إن استكمل الشفيع تلك الطلبات، ولذا سأفرد لكل من الطلبات التي يقدمها الشفيع، والإجراءات اللازمة للخصومة مبحثا مستقلاً بمشيئة الله تعالى على الوجه التالي:
المبحث الأول
في كيفية الشفعة
إذا استحق المشفوع فيه للشفيع لابد من أن يقوم بطلبات ثلاث هي:
أولاً: طلب المواثبة:
إذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة بالشفعة، ويسمى هذا: طلب مواثبة([52]).
قال عليه الصلاة وأفضل السلام: «الشفعة لمن واثبها» أي: بادر بطلبها فور علمه من غير توقف يدل على الإعراض والرغبة عنها.
وأرى أن يعطى الشفيع وقتًا للتروي والتأمل؛ ليقدر المصلحة في الطلب من ناحية جلب المنافع، ودرء المفاسد، ويقدر هذا الوقت بمجلس العلم؛ لأنه لما ثبت له خيار التملك لابد له من زمان للتأمل كما في سائر الحقوق الأخرى للإنسان كما في المخيرة([53]).
وطلب المواثبة هذا يصح بكل لفظ يفهم منه قصد الشفعة، كما لو قال: طلبت الشفعة أو أطلبها أو أنا أطلبها؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني([54]).
ثانيًا: طلب التقرير أو الإشهاد:
ويتم هذا الطلب بقيام الشفيع من مجلس علمه بعد طلب المواثبة بالإشهاد عند البائع إن كان البيع ما زال في يده، أو عند المشتري، أو عند العقار ويقول: إن فلانًا اشترى هذه الضيعة أو الأرض أو الدار -مثلاً- وأنا شفيعها، وقد كنت طلبتها بالشفعة، وأطلبها الآن، فاشهدوا على ذلك.
وهذا الطلب لابد منه؛ لأن الشفيع يحتاج إليه في إثبات الشفعة أمام القضاء ولا يمكنه الإثبات إلا بالإشهاد.
ومدة هذا الطلب مقدرة بالتمكن منه عند واحد من هؤلاء الثلاثة:
البائع أو المشتري أو عند العقار، فلو تمكن من الطلب ولم يطلب الشفعة ولم يشهد على طلبها بطلت الشفعة لرغبته عنها([55]).
ثالثًا: طلب الخصومة والتملك (عريضة الدعوى):
والثالث من أعمال الشفيع أن يطلبها عند قاض فيقول: اشترى فلان دار فلان ويحددها، وأنا شفيعها بدار لي تلاصقها الآن، فمره بالتسليم إلي، وهذا الطلب أمر لابد منه أيضًا، فلا يحكم له بدونه.
ومن الجدير بالملاحظة:
أن هذا الطلب غير محدود بمدة معينة، ولذا لا تسقط الشفعة بتأخير هذا الطلب بعد ما ثبت حق الشفعة بالبيع، والمطالبة بها في مجلس علم الشفيع فور علمه بالبيع واستقرار الشفعة بالإشهاد عند البائع أو عند المشتري أو عند العقار المبيع، إلا بإسقاطه وهو التنازل عن حقه فيها كما في سائر الحقوق([56]).
المبحث الثاني
في إجراءات الخصومة
إذا تقدم الشفيع إلى القاضي، وطلب الشفعة، سأل القاضي المدعى عليه (المشتري)، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به الشفيع، قضى بالشفعة لمن طلبها، وإن لم يعترف المشتري بملكية الشفيع لما يشفع به، كلف القاضي طالب الشفعة بالبينة، فإن عجز عنها استحلف المشتري بالله ما يعلم أنه مالك لما يشفع به، فإن نكل أو قامت للشفيع بينة ثبت ملكه في الدار أو الضيعة التي يشفع بها، وثبت الشركة أو الجوار، وبعد التحقق من البيع يقضى للشفيع بالشفعة.
وتجوز المنازعة أمام القضاء وإن لم يحضر الشفيع ثمن المشفوع فيه إلى المجلس؛ لأنه لا يستحق على الشفيع الثمن الذي دفعه المشتري عوضًا عن المبيع المشفوع فيه قبل القضاء لهذا فلا يشترط إحضار الثمن.
فإذا صدر الحكم لمصلحة الشفيع وقضي له بالمبيع المشفوع فيه، فللمشتري حق حبس العقار المشفوع فيه، حتى يستوفي الثمن الذي سبق أن دفعه للبائع من الشفيع.
ولا تبطل الشفعة بتأخير دفع الثمن؛ لأنها تأكدت بالحكم بها للشفيع، فيكون الحكم القضائي نافذًا.
وللشفيع أن يخاصم البائع إذا كان المشفوع فيه لا يزال تحت يده، ولكن لا تسمع بينة للشفيع عند القاضي حتى يحضر المشتري؛ ليفسخ البيع بحضرته؛ لأنه المالك واليد للبائع، والقاضي إنما يقضي بها للشفيع، وتكون العهدة على البائع.
أما إذا سلمت الدار إلى المشتري، فلا عبرة بالبائع؛ لأنه لا بد له ولا ملك فهو أجنبي، فإذا قضي للشفيع تكون العهدة حينئذ على المشتري؛ لأنه بمنزلة البائع إلى الشفيع.
والوكيل بشراء دار يكون خصما للشفيع حتى يسلمها إلى الموكل فتنقل الخصومة إليه؛ لأن الوكيل قبل التسلم عاقد، وحقوق العقد ترجع إليه، أما بعد التسليم بخاصم الشفيع من له يد وملك وهو الموكل([57]).
خيار الرؤية والعيب للشفيع:
من المعلوم أن الشفعة إذا قضي بها للشفيع أخذ المشفوع فيه بما قام على المشتري من ثمن، وبناء على هذا فيثبت للشفيع خيار الرؤية والعيب؛ لأنه بيع، حتى وإن شرط المشتري البراءة من الخيارين؛ لأن المشتري ليس بنائب عن الشفيع فلا يسقط حقه في خيار الرؤية والعيب بإبراء المشتري للبائع منهما([58]).

الفصل العاشر
في مبطلات الشفعة
تبطل الشفعة بأسباب اتفق الفقهاء على بطلان الشفعة بها، وسبب اختلف الفقهاء على إبطال الشفعة به.
أولاً: مبطلات الشفعة اتفاقًا هي:
1- إذا ترك الشفيع طلب المواثبة أو التقرير، وهو قادر على ذلك بطلت شفعته لإعراضه مختارًا، وهو قادر على القيام بهما، ولهذا يعتبر الشفيع راغبا عن الشفعة؛ لأنها حق ضعيف معدول به عن سنن القياس، يبطل بالإعراض عنه، فلابد من الطلب والإشهاد؛ ليعلم بذلك رغبته فيه لا رغبته عنه.
2- إذا صولح الشفيع عنها على عوض، ولا حق للشفيع في العوض؛ لأنها مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنها، وبهذا بطل الشرط وصح الإسقاط.
3- إذا باع الشفيع العقار المشفوع به قبل القضاء له بالشفعة لزوال سبب الاستحقاق.
4- إذا كان الشفيع وكيلا عن البائع في البيع، وكان هو المستحق للشفعة إذ في جواز الشفعة بعد ذلك نقض لما تم من جهته وذلك لا يجوز، أما إذا كان الشفيع وكيلا عن المشتري في شراء العقار فلا يبطل حقه في الشفعة؛ لأن شراءه من البائع يعد تقرير وتأكيد لحقه في الشفعة لا نقض، فهو على حقه([59]).
5- إذا قيل للشفيع: إن الدار قد بيعت بكذا، أو أن المشتري فلان فسلم بطلت شفعته ما دام البلاغ صدقًا، لكن إذا غرر به فلا يسقط حقه في الشفعة، وكانت كأنها بيعت وقت علمه بالخبر اليقين؛ لأنه قد دلس عليه، فهو على شفعته([60]).
ثانيًا: أما السبب الذي اختلف فيه فهو:
موت الشفيع قبل القضاء له بالشفعة: فإذا مات بطلت شفعته عند الأحناف، وقال الإمام الشافعي: إنها لا تبطل بموت الشفيع؛ لأن الشفعة حق معتبر في الشرع فيورث كالقصاص([61]).
وللأحناف:
إن حق الشفعة هو حق ضيعف، فلا يورث، ويسقط بموت من له هذا الحق([62]).


الفصل الحادي عشر
في حكم الحيلة في إبطال الشفعة
وذكر صور منها
روى الإمام السرخسي في مبسوطة عدم كراهة الاحتيال في باب الشفعة لإسقاطها فقال:
(واستعمال الحيلة لإبطال الشفعة لا بأس به قبل وجوب الشفعة وبعده).
أما قبل وجوب الشفعة: فلا إشكال في إباحة الحيلة في إبطالها؛ لأنه لم يتعلق بالعقار المبيع قبل الوجوب حق لأحد، كمن قعد عن الاكتساب آخر الحلول حتى لا يبلغ ماله النصاب فلا تجب فيه الزكاة.
أما بعد وجوب الشفعة: فالسعي من أجل إبطال الشفعة احتيال لدفع الضرر عن نفسه من جار فاسق يتأذى به.
وقيل: هذا قول أبي يوسف في جواز الحيل لإسقاط الشفعة والاستبراء من العدة، والزكاة.
وقال محمد بن الحسن صاحب أبو يوسف: تكره الحيل لإسقاط هذه الأشياء.
وقال صاحب العناية: (اعلم أن الحيلة في هذا الباب إما أن تكون للرفع بعد الوجوب، أو للدفع).
فالأول: مثل أن يقول المشتري للشفيع: أنا أو ليهالك، فلا حاجة لك في الأخذ بالشفعة، فيقول الشفيع مجيبا المشتري: نعم، فتسقط الشفعة.
وحكم هذا مكروه بالإجماع؛ لأن المشتري قصد بالشفيع الإضرار، فكذب عليه وغرر به.
والثاني: مثل أن يهب زيد عمرًا ذرعا في طول الحد الذي يلي الشفيع ويسلمه إليه، ثم يبيعه ما بقي فلا شفعة للشفيع حينئذ لانقطاع الجوار وصيرورة الموهوب له شريكًا، فيكون أولى من الجار.
وحكمه: فقال أبو يوسف: غير مكروه؛ لأنه لم يتعلق به حق لأحد، وقال محمد: مكروه؛ لأن الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر، فلو أبحنا الحيلة ما دفعناه.
وهذا الاختلاف مبني على اختلافهما في الحيلة لإسقاط الزكاة([63]).
هذا هو حكم الحيلة في إسقاط الشفعة فما صورها؟
من صور الحيل:
1- أن يبيع دارًا إلا مقدار ذراع في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة للشفيع حينئذ؛لانقطاع الجوار.
2- أن يبيع من العقار جزءا يسيرًا بثمن كثير فتكون الشفعة فيه فيرغب عنه الشفيع، فيملكه المشتري فيصير شريكًا، ثم يشتري الشريك هذا بقية العقار بثمن قليل، وبذلك يتسلم الدار كلها بعد سقوط الشفعة([64]).

الفصل الثاني عشر
حكم الشفعة للكافر على المسلم
لا خلاف بين الفقهاء في ثبوت الشفعة للذمي على الذمي؛ لعموم الأخبار؛ ولأنهما تساويا في الدين والحرمة، فتثبت لأحدهما على الآخر كثبوتها للمسلم على المسلم.
وإنما الخلاف في ثبوتها للذمي على المسلم:
1- فقد روي عن شريح وعمر بن عبد العزيز أن له الشفعة، وبه قال النخعي وإياس بن معاوية، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، والحنفية، ومالك، والشافعي([65]).
2- وروي عن الحسن والشعبي وابن أبي ليلى أن الشفعة لا تثبت للذمي على المسلم([66]).
الأدلة:
استدل أصحاب الرأي الأول: على ثبوت الشفعة للذمي على المسلم، بالسنة والإجماع والقياس:
أما السنة: فعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه، وإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به».
ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن لفظ شريكه من صيغ العموم؛ لأنه اسم جنس مضاف إلى معرفة، فيعم كل شريك، سواء أكان مسلما أم كان غير مسلم.
وبناء على هذا: تثبت الشفعة للذمي على المسلم كما تثبت للمسلم على الذمي، وللمسلم على المسلم.
وأما الإجماع: فقد روي عن شريح أنه قضى بالشفعة لذمي على مسلم، وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فأجازه، وكان بمحضر من الصحابة -رضي الله عنهم- ولم ينكر أحد عليه، فكان إجماعًا على ثبوت الشفعة للذمي على المسلم([67]).
وأما القياس: فإن الشفعة خيار ثابت؛ لدفع الضرر عن الشريك أو الجار، فكما جازت للمسلم على المسلم، فكذلك تجوز للذمي على المسلم لاستوائهما في الضرر.
واستدل أصحاب الرأي الثاني: على عدم ثبوت الشفعة للذمي على المسلم بالسنة والمعقول:
أما السنة:
فبما رواه الدارقطني -في كتاب «العلل»- بإسناده عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا شفعة لنصراني»([68]).
وجد الدلالة من هذا الحديث:
أنه يخص عموم ما احتجوا به، ويقصر عموم الشفعة على المسلم، وللمسلم على الذمي، ويخرج من العموم الذمي على المسلم فلا يكون شفيعًا.
ورد هذا الاستدلال: بأن الحديث ضعيف لا يصلح حجة على عدم ثبوت الشفعة للذمي على المسلم، فقد عده البيهقي في السنن الكبرى من الأحاديث المنكرة، فهو لا يصلح حجة في التخصيص لعموم الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة للمسلم والذمي على حد سواء.
وأما المعقول: فإن الشفعة في محل الإجماع على خلاف الأصل رعاية لحق الشريك المسلم، بمعنى أن الشريعة إنما قصدت بتشريع الشفعة الرفق بالشفيع، والرفق لا يستحقه إلا من أقر بالشريعة وعمل بمقتضاها، والذي لم يقر بها، ولم يعمل بمقتضاها، فلا يستحق الرفق من قبل الشرع.
ورد هذا الاستدلال: بأن الشريعة الإسلامية جعلت للذميين ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، بدليل قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» بمقتضى عقد الذمة، والشفعة من الحقوق التي تثبت للمسلمين فتثبت للذميين إذ لا دليل على اختصاص المسلمين بها.
والراجح: هو القول الذي يثبت الشفعة للذميين على المسلمين؛ لقوة دليله، ولأن أضرارهم بعدم ثبوت الشفعة لهم على المسلمين يتنافى، وما التزمناه لهم بمقتضى عقد الذمة من معاملة حسنة ما داموا على عهدهم، كما أن في الرفق بهم إظهار لسماحة الإسلام، كما أن الوفاء بالعهود والذمم يمنع من الإضرار بهم، ثم إن أهل الذمة التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، والأخذ بالشفعة من المعاملات وهو مشروع لدفع الضرر، والضرر مدفوع عنهم كما هو مدفوع عن المسلمين.

الفصل الثالث عشر
ميراث الشفعة
الباحث في مسألة ميراث الشفعة يجد للفقهاء فيها ثلاثة أقوال هي:
القول الأول:
الشفعة تورث بموت الشفيع بعد وجود سببها، سواء أكان المورث طلبها، أم لم يطلبها، ذهب إلى ذلك المالكية والشافعية([69]).
القول الثاني:
الشفعة لا تورث إذا مات الشفيع بعد وجود سببها، وقبل الأخذ بها سواء في ذلك ما إذا كان الشفيع قد قام بطلبها، أم لم يطالب بها، ذهب إلى هذا: الأحناف، والحسن، والثوري، وغيرهم([70]).
القول الثالث:
الشفعة تورث، إذا كان الشفيع قد قام بطلبها بعد وجود سببها ثم مات قبل الأخذ بها، ولا تورث إذا لم يطلبها، وتسقط ولا تنتقل إلى الورثة، قال بهذا: الحنابلة والظاهرية([71]).
الأدلة:
لقد استدل من قال بالإرث في الشفعة مطلقًا، بالقياس فقالوا: الشفعة كخيار الرد بالعيب بجامع رفع الضرر في كل، فكما أن خيار العيب يورث، فكذلك حق الشفعة يورث.
ورد هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق، فإن الضرر في العيب محقق، وهو فوات جزء من المبيع قد انتفع البائع بمقابله من الثمن، دون انتفاع المشتري بذلك، ولما كان هذا الضرر يلحق الوارث كما يلحق المورث ثبت لمورثه؛ ليدفع عن نفسه هذا الضرر، أما الشفعة فإن الضرر فيها غير محقق، وكان الظاهر عدم ثبوتها لأجله، لولا ما ورد من الأدلة المثبتة لها، ولا يلزم من اعتبار الضرر غير المحقق لشخص اعتباره لشخص آخر.
ودفع هذا: بأنا لا نسلم الفرق، فإن غاية ما في خيار الرد بالعيب أن العيب محقق، وتحقق العيب لا يستلزم تحقق الضرر فقد يحصل الضرر وقد لا يحصل، بأن كان المبيع مع وجود العيب صالحا لما يقصد منه وكذلك الشفعة، فإن الشفيع قد يتيقن حصول الضرر؛ لعلمه السابق بأخلاق المشتري، وسوء مخالطته، وقد يتيقنه، فاستويا في أن كلا منهما حق شرع لرفع الضرر مطلقًا سواء أكان محققا، أم كان متوقعا.
واستدل أصحاب القول الثاني: القائلون بعدم الإرث للشفعة مطلقًا طلبها الشفيع قبل موته أم لم يطلبها بدليلين:
الأول: الشفعة مجرد رغبة تزول بموت الشفيع، فلا يتصور إرثها لعدم بقائها، سواء أطلبها الشفيع أم لم يطلبها([72]).
ورد هذا: بأنا لا نسلم أن الشفعة ما هي إلا رغبة من الرغبات؛ لأنها حق أثبته الشارع لدفع الضرر، فيورث كأي حق من الحقوق التي يصح فيها الإرث كخيار العيب مثلاً.
الثاني: أن ملك الشفيع للعين التي كانت يشفع بها قد زال عنه بموته، وانتقل ملكها إلى الوارث، وتملك الوارث لها حدث بعد بيع المشفوع فيه، لهذا فلا شفعة له لانتفاء شرطها، وهو وجود ملك الشفيع للعين التي يشفع بها قبل البيع، وبقاؤه إلى زمن الأخذ بالشفعة([73]).
ورد هذا الدليل: بأن الوارث لم يكن حقه في الشفعة بناء على ملكه المتجدد بالميراث، وإنما يكون له الحق في الشفعة بناء على ملك مورثه؛ لأن قيامه مقامه يجعل ملك المورث كأنه مستمر إلى وقت الأخذ بالشفعة فيتحقق الشرط حكمًا، فيكون له الأخذ بالشفعة ميراثا وخلفا عن مورثه.
أما أصحاب القول الثالث: فقد استدلوا على أن الشفعة تورث إذا طلبها الشفيع بعد وجود سببها، ولا يجري عليها الإرث إذا لم يطلبها.
فقالوا: الشفعة قبل طلبها تكون مجرد رغبة للشفيع، تزول بموته، أما بعد طلبها فهي حق ثابت لا يزول بالموت لتأكده وتقريره بالطلب، فلا يسقط([74]).
ورد هذا الاستدلال: أن الشفعة حق أثبته الشارع الحكيم للشفيع بمجرد البيع، فإذا قلنا: إن الشفعة تورث إذا طلبها الشفيع، وجب القول بجواز إرثها إذا لم يطلبها الشفيع أيضًا ما دام قد وجد سببها قبل موته.
والقول المختار: هو القول الأول الذي أجاز ميراث الشفعة مطلقًا سواء أطلبها الشفيع أم لم يطلبها؛ لأن الغالب معايشه الورثة مورثهم حال حياته، وتضررهم بما يتضرر به سنة الحياة، فحكمة مشروعية الشفعة إنما هي لرفع الضرر عن الشفيع وعمن يرثه، فلو سقطت الشفعة بموته بعد وجود سببها -وهو اتصال الملك في المشفوع به والمشفوع فيه- للحق الورثة الضرر الذي ما شرعت الشفعة لمورثهم إلا من أجل إزالته ودفعه.

قائمة المراجع
أولاً: القرآن الكريم.
ثانيًا: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري.
ثالثًا: كبت الحديث:
1- صحيح مسلم بشرح النووي، المطبعة المصرية طبعة الحلبي.
2- نيل الأوطار للشوكاني، دار الحديث بالقاهرة.
3- نصب الراية لأحاديث الهداية، للزيلعي الحنفي، مطبعة دار المأمون.
رابعًا: كتب الفقه:
(أ) المذهب الحنفي:
1- الهداية شرح بداية المبتدي، للمرغيناني، مطبعة الحلبي.
2- المبسوط: لشمس الدين محمد بن أحمد بن سهل السرخسي، مطبعة دار السعادة.
3- تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، الزيلعي، دار المعرفة والنشر، بيروت.
4- حاشية رد المختار على الدر المختار لابن عابدين، مطبعة محمد البابي الحلبي.
(ب) المذهب المالكي:
1- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد، دار المعرفة، بيروت.
2- الشرح الصغير -على أقرب المسالك لمذهب مالك للدردير- مطبعة الحلبي.
(جـ) المذهب الشافعي:
1- قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلى، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
2- فتح العزيز شرح الوجيز، إدارة الطباعة المنيرية.
(د) المذهب الحنبلي:
1- الروض المربع شرح زاد المستنفع، للبهوتي، المطبعة المحمدية.
2- المغني لابن قدامة، طبعة مكتب القاهرة.
(هـ) المذهب الظاهري:
- المحلى «للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، المطبعة المنيرية.
خامسًا: الدراسات الإسلامية:
1- أحكام الشريعة: للشيخ علي الخفيف.
2- الفقه الإسلامي: للدكتور محمد سلام مدكور.
3- المذاهب الفقهية، لفضيلة الشيخ/ إبراهيم دسوقي الشهاوي.
سادسًا: المعاجم اللغوية:
1- مختار الصحاح: للشيخ محمد بن أبي عبد القادر الرازي، بيروت.
2- المصباح المنير: للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المطبعة الأميرية.



(1) المصباح المنير: جـ 1، ص 145، مختار الصحاح مادة: شفع.
(2) الهداية: جـ 4، ص 24، الزيلعي: جـ 5، ص 239.
(3) الشرح الصغير بحاشية الصاوي: جـ 2، ص 206.
(4) حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلي: جـ 3، ص 42.
(5) الروض المربع شرح زاد المستنقع: جـ 2، ص 400.
([6]) يراجع التعريف وشرحه في حاشية ابن عابدين: جـ 5، ص 149.
([7]) الزيلعي: جـ 5، ص 239-242.
([8]) الهداية: جـ 4، ص 24 بتصرف، قليوبي وعميرة: جـ 3، ص 42.
([9]) نصب الراية: جـ 4، ص 187.
([10]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: جـ 2، ص 259.
([11]) الشوكاني: جـ 5، ص 334.
([12]) المرجع السابق: جـ 5، ص 331.
([13]) صحيح مسلم بشرح النووي: جـ 1، ص 45. الشوكاني: جـ 5، ص 331.
([14]) تاريخ بغداد: جـ 2، ص 193.
([15]) المغني والشرح الكبير: جـ 5، ص 549.
([16]) سورة النساء الآية 29.
([17]) الكشاف للزمخشري: جـ 1، ص 522.
([18]) الكشاف للزمخشري: جـ 1، ص 522.
([19]) الزيلعي: جـ 5، ص 239.
([20]) الشوكاني: جـ 5، ص 231.
([21]) نصب الراية: جـ 4، ص 175، الشوكاني: جـ 5، ص 335.
([22]) المرجع السابق: جـ 5، ص 334، 335 وسقبه: أي بقربه؛ لأن السقب والصقب هو: القرب والمجاورة.
([23]) قليوبي وعميرة: جـ 2، ص 43، بداية المجتهد ونهاية المقتصد: جـ 2، ص 256 الروض الربع: جـ 2 ص 400.
([24]) للشوكاني: جـ 5 ص 331.
([25]) الزيلعي على الكنز: جـ 5، ص 240.
([26]) الزيلعي على الكنز: جـ 5، ص 241.
([27]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: جـ 4، ص 260.
([28]) المبسوط للسرخسي: جـ 14، ص 97، بتصرف، والزيلعي: جـ 5، ص 241.
([29]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: جـ 2، ص 260.
([30]) الزيلعي: جـ 5، ص 241.
([31]) المبسوط للسرخسي: جـ 14، ص 94 بتصرف، الزيلعي: جـ 5، ص 239.
([32]) الزيلعي: جـ 5، ص 240، المبسوط للسرخسي: جـ 14، ص 74، كما يراجع الشفعة لفضيلة الشيخ/ إبراهيم الشهاوي: ص 42.
([33]) أحكام الشريعة للشيخ/ علي الخفيف: ص 22، الفقه الإسلامي للدكتور/ سلام مدكور، والشفعة للشيخ/ الشهاوي.
([34]) الزيلعي: جـ 5، ص 252 وما بعدها.
([35]) الشوكاني: جـ 5، ص 331.
([36]) المغني: جـ 5، ص 461.
([37]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي: جـ 2، ص 258، والروض المربع شرح زاد المستنفع للبهوتي، وحاشية الروض المربع للشيخ العنقري: جـ 2، ص 400.
([38]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد: جـ 2 ص 528.
([39]) المغني لابن قدامة: جـ 5، ص 466- جـ 2، ص 258.
([40]) المحلى لابن حزم الظاهري: جـ 4، ص 82.
([41]) بداية المجتهد ونهايته: جـ 2، ص 258.
([42]) الهداية: جـ 4، ص 34.
([43]) نفس المرجع السابق الجزء والصفحة.
([44]) نصب الراية: جـ 4، ص 187.
([45]) الهداية للمرغيناني: جـ 4، ص 34.
([46]) تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي: جـ 5، ص 252، الروض المربع: جـ 2، ص 402.
([47]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: جـ 2 ص، 257- 258، المحلى: جـ 9، ص 12.
([48]) الشوكاني: جـ 5، ص 331.
([49]) الهداية: جـ 4، ص 35.
([50]) قليوبي: جـ 3، ص 46، وعقب الشيخ عميرة على ذلك فقال: يؤخذ العقار الذي جعل مهرا أو عوضًا للخلع بقيمته يوم النكاح ويوم الخلع.
([51]) الزيلعي: جـ 5، ص 253 وما بعدها.
([52]) والمواثبة: السرعة والمبادرة.
([53]) المخيرة: هي التي قال زوجها: اختاري نفسك.
([54]) تبين الحقائق للزيلعي، وحاشية الشلبي بالهامش: جـ 5، ص 242، 243.
([55]) نفس المرجع: جـ 5، ص 243.
([56]) المرجع السابق: جـ 5، ص 244.
([57]) المرجع نفسه: جـ 5، ص 245- 247.
([58]) المرجع السابق: جـ 5، ص 246، 247.
([59]) تبيين الحقائق وهامشه: جـ 5، ص 257، 258.
([60]) نفس المرجع: جـ 5، ص 260.
([61]) عميرة: جـ 3، ص 43.
([62]) الهداية للمرغيناني.
([63]) تبين الحقائق، وهامشه: جـ 5، ص 261.
([64]) تبين الحقائق وهامشه: جـ 5، ص 260.
([65]) المغني والشرح الكبير: جـ 5، ص 551.
([66]) المغني والشرح الكبير: جـ 5، ص 551.
([67]) المبسوط: جـ 14، ص 93.
([68]) المغني والشرح الكبير: جـ 5، ص 551.
([69]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: جـ 2، ص 263، فتح العزيز: جـ 11، ص 500.
([70]) المبسوط: جـ 14، ص 116.
([71]) المغني والشرح الكبير: جـ 5، ص 536، والمحلى لابن حزم: جـ 9، ص 96.
([72]) المبسوط للسرخسي: جـ 14، ص 116.
([73]) المبسوط للسرخسي: جـ 14، ص 116.
([74]) المغني والشرح الكبير: جـ 5، ص 537.

تعليقات