تكييف المسؤولية الطبية
انعقد الاجماع الفقهي والقضائي على قيام المسؤولية
المدنية للطبيب عن الخطأ والتقصير الصادر من قبلة اثناء معالجته للمرضى، ولم يكن
هذا الامر مثاراً للجدل والنقاش، الا ان الجدل ثار حول تكيف هذه المسؤولية فيما اذا
كانت مسؤولية عقدية، أم مسئوولية تقصيرية.
ولتكيف مسؤولية الطبيب المدنية، لابد من وضع هذه
المسؤولية في مكانها بالنسبة
الى غيرها من انواع المسؤولية، وتحديد نطاق دائرتها في وسط نطاق دوائر اوسع منها، كالمسؤولية الادبية والجنائية، والمدنية.
وساعرض في هذا المبحث لانواع المسؤولية في مطلب اول وفي المطلب الثاني ساعرض
بالتحديد لنوع المسؤولية الطبية.
المطلب الاول: انواع المسؤولية
تعرف المسؤولية بانها حالة الشخص الذي ارتكب امر يستوجب المؤاخذة وتنقسم المسؤولية بشكل عام
الى قسمين رئيسيين هما المسؤولية الادبية والمسؤولية القانونية. 1. المسؤولية
الادبية: وهي المسؤولية التي لا تدخل في دائرة القانون ولا يترتب عليها جزاء قانوني،
بل ان امرها موكول الى الضمير والوجدان والوازع الداخلي، وبالتالي هي حالة
الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد الاخلاق، والمتعارف عليها بانها مكملة للقواعد
القانونية. يتضح ان المسؤولية الادبية تقوم على اساس ذاتي محض فهي مسؤولية امام
الله وامام الضمير وكما ان هذه المسؤولية تتحقق حتى لو لم يوجد ضرر. 2.
المسؤولية القانونية: وهي المسؤولية التي تدخل في دائرة القانون ويترتب عليها جزاء قانوني،
وبالتالي هي حالة الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد القانون، ولا تتحقق هذه
المسؤولية الا اذا وجد ضرر ولحق هذا الضرر شخص اخر غير المسؤول.
ونستخلص مما سبق ان المسؤولية الادبية اوسع نطاق
من المسؤولية
القانونية، لانها تتصل بعلاقة الانسان بربة وبعلاقته بنفسة وبعلاقتة مع الناس، بخلاف المسؤولة القانونية التي لا تتصل
الا بعلاقة الانسان بغيرة من الناس. وتنقسم المسؤولية القانونية بدورها الى قسمين
جنائية ومدنية: 1. المسؤولية الجنائية: وهي التي تتحقق عندما يرتكب الشخص فعلا
يشكل جرما يعاقب عليه القانون، فتقوم هذه المسؤولية على اعتبار ان هناك ضرر اصاب
المجتمع من جراء ارتكاب هذا الشخص فعلا يخالف القواعد القانونية العامة التي تنظم
شؤون الحياة في المجتمع وتترتب على مخالفته لهذه القواعد جزاء جنائي محدد بنصوص
القانون. 2. المسؤولية المدنية: وهي التي تتحقق عند اخلال المدين بالتزام يجب عليه،
وترتب على هذا الاخلال ضررا اصاب الغير، ويعرفها البعض بانها التزام شخص بتعويض
الضرر الذي اصاب شخص اخر، وبالتالي يلزم بتعويض الضرر الذي لحق الغير.
يتبين لنا مما سبق ان قيام احدى المسؤوليتين لا يتعارض مع قيام المسؤولية الاخرى، فقد يترتب
على العمل الواحد مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية في آن واحد، كالقتل، والسرقة،
والقذف، فكل عمل من هذه الاعمال يحدث ضرر في المجتمع والفرد في وقت واحد، فيكون من
ارتكب هذا الفعل مسؤولا مسؤولية جنائية جزاءها العقوبة، ومسؤولا مسؤولية مدنية
جزاءها التعويض. وقد تتحقق المسؤولية الجنائية دون المدنية اذا لم يلحق الفعل ضررا بالغير،
كما في بعض جرائم الشروع وحمل السلاح ومخالفات المرور، وقد تتحقق المسؤولية
المدنية دون المسؤولية الجنائية اذا الحق الفعل ضررا بالغير دون أن يدخل ضمن الاعمال
المعاقب عليها في القوانين الجنائية، كالاضرار بمال الغير عن غير عمد وسوء
العلاج الطبي. وهذا وتنقسم المسؤولية المدنية بدورها الى قسمين المسؤولية
العقدية، والمسؤولية التقصيرية (الفعل
الضار). أولاً: المسؤولية العقدية. تقوم هذه المسؤولية على الاخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من
التزامات، فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية يرتبطان بعقد، وفي حالة اخلال احدهما
بشروط العقد تتحقق المسؤولية، ومثال ذلك العقد المبرم ما بين البائع والمشتري ثم
يتعرض البائع للمشتري بالعين المبيعة فيخل البائع بالتزامه العقدي من عدم التعرض،
نستطيع القول ان المسؤولية العقدية هي حالة الشخص الذي يخالف التزام عقدي ويخل بشروط
العقد المتفق عليها.
ثانياً: المسؤولية التقصيرية تقوم هذه المسؤولية عند
الاخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير وهو الالتزام بعدم الاضرار بالغير، فالدائن
والمدين لا يرتبطان بعقد قبل ان تتحقق المسؤولية بل ان المدين اجنبيا عن الدائن، ومثال
ذلك ان تكون العين في يدي مالكها ويتعرض له فيها اجنبي ويكون المدين بالتالي قد
اخل بالتزام قانوني عام يفرض عليه عدم الاضرار بالغير ويدخل في الغير مالك العين.
ونستطيع القول ان المسؤولية التقصيرية هي حالة الشخص الذي يخالف التزام فرضة
علية القانون.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا ان هناك اهمية للتفرقة ما بين
المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية ترجع هذه التفرقة الى طبيعة كل من المسؤوليتين
وتكمن اهمية هذه التفرقة فيما يلي : 1. من حيث الاهلية: يشترط لقيام المسؤولية العقدية
كمال الاهلية لشخص المتعاقد بينما لا يشترط ذلك في المسؤولية التقصيرية. 2.
من حيث الاعذار: ان المطالبة بالتعويض وفق المسؤولية العقدية يتطلب توجية
اعذار للمدين يبين فية ضرورة قيام المدين بتعويض الضرر الناجم عن اخلالة بشروط
تنفيذ العقد، باستثناء الحالات المنصوص عليها في القانون والاتفاق، اما المسؤولية
التقصيرية فلا يشترط فيها مثل هذا الاعذار. 3. من حيث مدى التعويض عن الضرر
(الضمان): ففي المسؤولية العقدية لا يسأل المدين الا عن الضرر المباشر والمتوقع وقت ابرام
العقد، باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم، اما في المسؤولية التقصيرية فيسأل المدين
عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع. 4. من حيث الاختصاص: ينعقد الاختصاص في
المسؤولية العقدية للمحكمة التي في دائرتها موطن المدعى عليه او المدعى واحيانا
للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان انعقاد العقد، هذا كله اذا لم يتم الاتفاق على
غير ذلك، اما في المسؤولية التقصيرية فينعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها
مكان وقوع الفعل الضار. 5. من حيث التضامن: ان التضامن في المسؤولية العقدية لا
يكون الا بنص القانون او الاتفاق عليه، بخلاف الامر في المسؤولية التقصيرية الذي
يفترض فيها التضامن. 6. من حيث نطاق المسؤولية عن فعل الغير: يسأل المدين وفقاً
للاحكام المسؤولية العقدية عن فعل كل شخص استعان به في تنفيذ الالتزام، اما في
المسؤولية التقصيرية فلا يسأل الشخص الا عن افعالة الشخصية باستثناء ما نص عليه القانون،
اي ان الاصل في المسؤولية التقصيرية انها شخصية الا اذا نص القانون على غير
ذلك. 7. من حيث الاعفاء من المسؤولية: يجوز الاتفاق على الاعفاء من
المسؤولية العقدية وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (210) من القانون المدني المصري، في حين
ان الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية التقصيرية يكون باطلاً وقد نصت عليه
المادة (270) من القانون المدني الاردني على ذلك صراحة. وفي حالة اذا توافر في
الفعل مسؤولية عقدية وتقصيرية فان المسؤولية العقدية تجب المسؤولية التقصيرية. 8.
من حيث الاثبات: يقع على الدائن في المسؤولية العقدية اثبات العقد، وعلى المدين
اثبات انه قام بتنفيذ التزامه او اثبات السبب الاجنبي الذي حال بينه وبين تنفيذه
للإلتزام المترتب عليه، أما في المسؤولية التقصيرية فيقع عبء الاثبات على الدائن (المضرور)
فهو الذي يلزم باثبات خطأ المدين والضرر والعلاقة السببية. 9. من حيث رقابة محكمة
التمييز: يذهب جانب من الفقة الى انه ليس لمحكمة التمييز بسط رقابتها على
المسؤولية العقدية، الناجمة عن إخلال بالتزام عقدي وحجتهم بذلك ان الامر يتعلق بتفسير
العقد الذي هو من مسائل الموضوع والتي يختص بها قاضي الموضوع، ولا رقابة لمحكمة
التمييز على ذلك، بينما في المسؤولية التقصيرية والتي هي اخلال بالتزام
قانوني مفروض على الكافة. فإن محكمة التمييز تراقب القاضي عندما يحكم وذلك وفقا
لاحكام هذه المسؤولية لانها مسؤولية قانونية. 10. من حيث مرور الزمان المسقط للدعوى:
تنقضي دعوى الضمان في المسؤولية العقدية بالتقادم الطويل، في حين ان دعوى الضمان
في المسؤولية التقصيرية ينقضي بمرور 3 سنوات من تاريخ العلم بحدوث الضرر او
المسؤولية عنه، وفي جميع الاحوال بمرور (15) خمسة عشرة سنة من يوم وقوع الفعل
الضار.
المطلب الرابع: تحديد نوع المسؤولية الطبية
تثور المسؤولية الطبية عندما يتخلف ابناء المهنة عن بذل العناية التي تتطلبها مهنتهم والتي ينتظرها منهم المرضى، وقد كانت تلك المسؤولية محلاً للعديد من الاراء الفقهية والتطبيقات القضائية وبالتالي للكثير من التساؤلات حول تحديد طبيعتها هل هي مسؤولية عقدية ام مسؤولية تقصيرية.الطبيعة التقصيرية للمسؤولية الطبية من المعلوم ان المسؤولية لا تكون عقدية الا اذا وجد عقد صحيح بين المضرور والمسؤول عن الضرر، وكان هذا الضرر نتيجة اخلال احد طرفي العقد باللتزام العقدي. ويترتب على هذا القول ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية كلما انعدمت الرابطة التعاقدية. وقد ذهب القضاء الفرنسي مدة من الزمن الى اعتبار ان المسؤولية الطبية مسؤولية تقصيرية، فقد صدر حكم في عام 1838م من احدى المحاكم الفرنسية وعرض على محكمة النقض الفرنسية موضوع مسؤولية الطبيب، فقررت انها تقصيرية استنادا للمادتين (1382، 1383) من القانون المدني الفرنسي، باعتبار ان هاتين المادتين واجبتي التطبيق عندما يصدر خطأ من شخص معين يسبب ضرر للغير دون تمييز بين طبيب او غيره. واستمر الاخذ بهذا الحكم حتى بداية هذا القرن. وقد ساير الفقة الفرنسي المحاكم الفرنسية واعتبر ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية، تقوم على الاخلال بواجب عام وهو عدم الاضرار بالغير، وقد استند انصار المسؤولية التقصيرية في مجال المسؤولية الطبية الى عدة حجج لتأييد رأيهم ويمكن اجمال هذه الحجج بما يلي : 1. ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية لها طبيعة فنية بحتة، فالطبيب ملزم بمراعاة واجب الضمير والاصول العلمية الطبية الثابتة بعلم الطب، سواء ارتبط بعقد ام لم يرتبط، فكل ما يتعلق بالضمير والاصول العلمية الثابتة بعلم الطب مناطة قواعد المهنة وهذا يخرج عن دائرة العقد. 2. كل فعل يقوم به الانسان وينشأ عنه ضرر للغير، فانه يوجب المسؤولية التقصيرية، وقد ذهب انصار هذه الحجة (النظرية) بان كل فعل حتى ولو شكل جريمة جنائية فانه يوجب المسؤولية التقصيرية، وعمل الطبيب الذي يقوم به لا يخرج عن هذا النطاق ويلتزم بتعويض الضرر الذي نشأ عن فعله الطبي ولا يسأل عن اي جرم جنائي على حد قولهم لانه يتمتع بحصانة جنائية اذا ما التزم باصول المهنة. 3. الاستناد الى فكرة النظام العام، ان العلاج الطبي يتعلق بحياة الانسان وسلامة جسمة وبدنة وسلامة الانسان من سلامة المجتمع، وبالتالي فان المساس بهذه المسائل هو مساس بالنظام العام الذي هو مجموعة من الركائز والقواعد الاساسية التي تهم المصلحة العليا للدولة، والتي على الجميع احترامها، وبناء عليه يجب ان يخضع المسؤول في حالة مخالفتة لهذة القواعد والركائز لقواعد المسؤولية التقصيرية.
الا ان الاخذ بالمسؤولية التقصيرية يجعل عبء الاثبات يقع على عاتق المريض المضرور، على اعتبار ان الدائن هو الملزم باثبات الضرر، ومن اجل التخفيف عنه في عبء الاثبات وتوفير الحد الادنى لحمايته فقد لجأ الفقة الى المادة (1384) من القانون المدني الفرنسي والتي تحكم المسؤولية عن حراسة الاشياء، وتطبيقا لذلك فقد قررت محكمة النقض الفرنسية ان قرينة المسؤولية التي تفرضها الفقرة الاولى من هذه المادة تجاة من الحق ضررا من الاشياء او لحق به ضررا من الاشياء التي تكون تحت الحراسة، لا يمكن نفيها الا باثبات السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه .
وعلية لا يكتفي من الطبيب المدعى علية ان يثبت انه لم يرتكب خطأ، وانما يجب ان يثبت ان هناك سبب اجنبي لا يد له فية حتى يتمكن من نفي المسؤولية عنه.
وبقي الفقة والقضاء في فرنسا يعتبران المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية الى ان صدر حكم محكمة النقض الفرنسية في حكم شهير لها في يوم 20 ايار من عام 1936م، حيث عرض امر تكيف طبيعة المسؤولية الطبية من جديد على محكمة النقض وقررت (انه من المقرر نشوء عقد ما بين الطبيب والمريض يلتزم بمقتضاه الطبيب لا بشفاء المريض بل بتقديم العناية اليقظة التي تقتضيها الظروف الخاصة للمريض والتي تتفق مع اصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي، ويترتب على الاخلال بهذا الالتزام التعاقدي ميلاد مسؤولية من نفس النوع اي مسؤولية عقدية).
يتضح من خلال الحكم السابق لمحكمة النقض الفرنسية ان عقد العلاج بين الطبيب والمريض وان لم يتضمن شفاء المريض، فانه لا يكتفي من الطبيب بذل جهود عادية، بل المطلوب منه بذل قصارى جهدة في سبيل الشفاء والتي يجب ان تكون متفقة مع الاصول العلمية الثابتة مالم يكن هناك ظرف استثنائي، وبدأ القضاء الفرنسي يعتبر ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية.
وفي مصر كان القضاء المصري يعتبر ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية الى ان اصدرت محكمة النقض المصرية حكما شهيرا لها في 22 حزيران عام 1962 ذكرت ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية ، والطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي بينه وبين مريضة بشفائة او بنجاح العملية التي يجريها له، الا ان العناية المطلوبة منه تقتضي ان يبذل منه جهود صادقة يقظة تتفق مع الاصول العلمية المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يمكن ان يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي احاطة بالطبيب المسؤول. ومع ذلك هناك حالات استقر الفقة والقضاء على أن تكون فيها مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية وهي الحالات التالية : أولاً: اذا كان تدخل الطبيب لا يستند الى عقد صحيح ويقع ذلك في الحالات التي تؤكد الدلائل على انعدام الرابطة التعاقدية ما بين الطبيب والمريض، فاذا ما انعدم وجود مثل هذه الرابطة، فان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية، ومثال ذلك ان يقوم الطبيب بانقاذ جريح على الطريق العام او انقاذ غريق، فيعتبر تدخل الطبيب هنا هو اقرب الى قواعد الفضالة حتى ولو دعي من قبل الجمهور للقيام بحالات الانقاذ المذكورة.
ثانياً: في الحالة التي يسبب المريض ضرراً يلحق بالغير، مثال ذلك اهمال الطبيب في مراقبة مريضة المختل عقليا والذي يسبب ضررا للغير او قيام المريض بمرض معدي -مع علم الطبيب بذلك- بنقل العدوى الى شخص آخر، دون ان يقوم الطبيب بعمل الاجراءات اللازمة للحيلولة دون منع او انتشار المرض المعدي، او اذا منح الطبيب شهادة طبية لشخص معين وكانت هذه الشهادة مخالفة للوقائع وقام هذا الشخص بتقديمها لرب العمل. في الحالات السابقة تكون مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية.
ثالثاً: حالة امتناع الطبيب عن علاج المريض او عن التدخل في معالجتة في ظروف كان يجب علية وفقا للقانون ان يتدخل في العلاج، ومثال ذلك عدم قيام الطبيب في قسم الطوارئ بتقديم الاسعافات الاولية للمريض فتعتبر مسؤولية الطبيب في هذه الحالة مسؤولية تقصيرية.
رابعاً: الحالة التي تأخذ مخالفة الطبيب لالتزامه الطابع الجنائي ومن ثم يكون القضاء الجزائي هو المختص بالدعوى المدنية، وقد طبق القضاء الفرنسي هذا المبدأ بشأن الممرضة التي ادى اهمالها الجسيم لموت الطفل الصغير.
خامساً: الحالة التي يطالب فيها بالتعويض شخص آخر غير المريض، اي غير المتعاقد مع الطبيب، كما هو الحال بالنسبة لورثة المتوفي المتضرر، اذا قاموا برفع دعوى باسمهم الشخصي للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي اصابهم شخصيا نتيجة لموت قريبهم او مورثهم. هذه الحالات استقرا القضاء عليها بانها مسؤولية تقصيرية لا مسؤولية عقدية .
الطبيعة العقدية للمسؤولية الطبية يمكننا القول بأن الطبيب اذا قام بمعالجة المريض في ظروف عادية فغالبا ما يكون ذلك بناءً على اتفاق مسبق بينهما، وغالباً ما يرتبط المريض مع الطبيب بموجب عقد، حتى وان كانت صيغة هذا العقد في غالب الاحيان غير مكتوبة او غير موثقة، فمجرد فتح المريض لعيادتة وتعليقة للافتة التي تدل على ذلك، فانة يضع نفسة في موقع من يعرض الايجاب، فعندما يتوجة المريض لهذا الطبيب من اجل العلاج فهذا يدل على قبول المريض للايجاب، وبالتالي انعقاد العقد الطبي بينهما، وبموجب هذا العقد يطلب المريض من طبيبة ان يقدم له العناية التي تؤدي الى شفائة مقابل بدل معين يتم الاتفاق علية وفي العادة وكما هو معمول بة في الاردن يتم تحديد اجور الكشفيات والعلاج مسبقا بموجب انظمة داخلية
وقد تحول القضاء الفرنسي كما سبق وان اشرنا عن اعتبار ان المسؤولية هي مسؤولية تقصيرية واستقر على ان المسؤولية الطبية هي في الاصل مسؤولية عقدية والاستثناء ان تكون مسؤولية تقصيرية.
وبدأ تحول القضاء الفرنسي عن اعتبار ان المسؤولية طبية هي مسؤولية عقدية وذلك منذ أن عرضت على محكمة النقض الفرنسية قضية تتلخص وقائعها، بأنه طلب منها تعيين المدة التي تتقادم بها دعوى الطبيب الناشئة عن الاهمال في العلاج اهمالاً يقع تحت طائلة قانون العقوبات، حيث يترتب على ذلك نشوء دعويين، دعوى مدنية ودعوى جزائية، وبالتالي يثور التساؤل حول المدة التي تتقادم بها دعوى مسؤولية الطبيب في هذه الحالة، هل هي مدة التقادم الجنائي، وهي ثلاث سنوات، فاذا ما اعتبرنا ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية فانها تتقادم بثلاث سنوات اما اذا كانت عقدية بانها تتقادم بثلاثين سنة.
لقد أضطرت محكمة النقض الفرنسية الى تكييف مسؤولية الطبيب لاهمية النتيجة التي تترتب على التكييف وهي اما قبول دعوى المسؤولية بعد انقضاء ثلاث سنوات او عدم قبولها، وأخيرا قضت في 20-5 – 1936 اعتبار ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية وعلية فان الدعوى المدنية لا تسقط بسقوط الدعوى الجزائية بل تبقي قائمة ولا تسقط الا بانقضاء مدة التقادم الطويل.
وقد خرج الفقة على اثر هذا الحكم الشهيرة باقرار نتيجة هامة الا وهي عدم جواز الجمع او الخيرة بين المسؤوليتين، وبناء على ذلك يقع على عاتق المريض الذي يدعي بان التزام الطبيب لم يتم تنفيذه – اذا اعتبرنا هذا الالتزام هو التزام عقدي اثبات ذلك وفقا للقواعد العامة بالاثبات وتعتبر مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية حتى ولو تدخل الطبيب من تلقاء نفسة وفق اصول المجاملات الطبية، كما لو قام الطبيب بمعالجة احد اصدقائة او كما لو قام الطبيب بالمعالجة او بالتدخل بناء على اشتراط لمصلحة الغير، كما لو تعاقد رب العمل مع طبيب معين لمعالجة عمالة، فالعامل المضرور يرجع على الطبيب في حالة اهمال الطبيب في معالجتة وفقا لقواعد المسؤولية العقدية . بعد أن تعرضنا للاتجاهات الفقهية والقضائية والتي عملت علىتكييف طبيعة المسؤولية الطبية نعرض الان الرأي السائد في التكييف القانوني للمسؤولية الطبية.
الرأي السائد في تكييف المسؤولية الطبية كانت الاتجاهات الفقهية والقضائية السابقة تعتبران مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية ثم تحولت واصبحت تعتبرها مسؤولية عقدية، والرأي السائد في تكييف المسؤولية الطبية والمجمع عليه فقهيا وقضائيا، ان مسؤولية الطبيب عن اخطاءه المهنية، انما هي مسؤولية عقدية واخذ بذلك القضاء الفرنسي وتبعه القضاء المصري. ولكي تكون مسؤولية الطبيب عقدية فانة لابد من توافر الشروط التالية : الشرط الاول: ان يكون هناك عقد صحيح بين الطبيب والمريض فيجب ان تتوافر في العقد حتى يكون صحيحا ومشروعا جميع اركانه وشروطة والمتمثلة بالرضى الخالي من العيوب، فإذا لم يحصل الطبيب على رضى المريض بالعلاج فانه يكون قد ارتكب خطأ ويسأل عن الاضرار الناجمة عن تدخلة، كما يشترط ايضا ان يكون محل العقد مشروعا، فاذا اتجهة الى انشاء التزام على عاتق الطبيب فهذا يعني ان العقد يكون صحيحا، وبالتالي وجود رابطة تعاقدية بين الطبيب والمريض وتكون المسؤولية بالتالي مسؤولية عقدية. وهذا الامر يثير ضرورة بحث العديد من الحالات لتحديد ما اذا كان تدخل الطبيب بموجب عقد ام لا: - الحالة الاولى : اختيار الطبيب من قبل المريض. في هذه الحالة يتم اختيار الطبيب من قبل المريض ويوجد عقد ما بين المريض والطبيب بهدف علاج المريض وهذه الحالة لا تثير ادنى شك في كون أن المسؤلية هي مسؤلية عقدية . - الحالة الثانية : تدخل الطبيب دون دعوى من قبل المريض . وفي هذه الحالة فإن الطبيب يتدخل ليس بناء على دعوى من المريض ، وبالتالي لا يكون وجود العقد واضحا كما هو الوضع في الحالة الاولى ، بل أن هذا الوضع يتطلب أن نميز بين عدة فروض للتأكد من وجود العقد من عدمه: o الفرض الأول : تدخل الطبيب من تلقاء نفسه أو بدعوى من غير ذي صفة ، ومثال ذلك كما لو شاهد الطبيب حادث على الطريق العام وتدخل من تلقاء نفسه لإسعاف المريض أو بناء على دعوى من الجمهور ، هنا لا يوجد عقد بين الطبيب والمريض ويعتبر العمل الذي قام به الطبيب من أجل إسعاف المريض ، من قبيل الفضالة .
o الفرض الثاني : حالة اختيار الطبيب المعين من قبل مستشفى خاص او مشروع خاص
ويتحقق هذا الأمر عندما يبرم الطبيب عقد مع مستشفى أو مع إدارة شركة أو مصنع يلتزم بمقتضى هذا العقد أن يقوم بمعالجة مرضى المستشفى الخاص أو عمال الشركة أو المصنع أثناء قيامهم بالعمل ، أن العقد المبرم ما بين الطبيب والمستشفى أو المشروع الخاص ينظم علاقاتهم التبادلية ، وبموجب هذا العقد يلزم الطبيب بتقديم العلاج اللازم للعمال أو مرضى المستشفى على الرغم من أنه لم يلتزم معهم بإي اتفاق سابق ، فيكون التكيف القانوني لهذه العلاقة وفقا لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير ، حيث يعتبر الطبيب متعهدا بتقديم خدمة العلاج والمداواة وتعتبر إدارة المستشفى او المصنع، المشترط، ويعتبر العمال او المرضى هم المستفيدون من هذا الاشتراط، ومن المعلوم انه لا يشترط في الاشتراط لمصلحة الغير تعيين الاشخاص الذين لهم مصلحة ما دام انهم قابلين للتعييين عند التنفيذ.وبناءً على ذلك يكون للمستفيد دعوى مباشرة يستمدها من العقد ويستطيع استعمالها في مواجهة المتعهد (الطبيب) لمطالبتة بتنفيذ التزامة، وبالتالي يمكننا القول ان مسؤولية الطبيب في هذا الفرض هي مسؤولية عقدية.
o الفرض الثالث: حالة الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام كانت النظرية السائدة في فرنسا حتى اواخر القرن الماضي، وفي مصر حتى اوائل هذا القرن تذهب الى ان العلاقة بين الموظف والادارة هي علاقة تعاقدية، واعتبر قبول الموظف للوظيفة وقبول الادارة للموظف عبارة عن عقد من عقود القانون المدني، ووصف ذلك بانة عقد اجار اشخاص، الا انه وجهت انتقادات عديدة الى هذا التكييف القانوني اي لعلاقة للموظف بالادارة، خاصة وان القانون المدني تحكمة قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي لا يجوز تعديل العقد الا باتفاق الطرفين، ونجد على العكس من ذلك ان الادارة تقوم بتعديل شروط التوظيف، بمحظ ارادتها، دون ان يكون الموظف حق الاحتجاج لانه حق مكتسب، لذلك عدل مجلس الدولة الفرنسي عن هذا التكييف واستقرت احكامة على اساس فكرة المركز اللائحي والتنظيمي للموظفين، اي ان العلاقة بين الموظف والادارة هي علاقة تنظيمية لائحية .
ووفقا لهذا الرأي فإن الوظائف تنشأ بقانون يحدد بموجبها الحقوق والواجبات وقبول الموظف ليس الا خضوع للاحكام الوظيفية، وهذا ما استقر عليه المشرع الفرنسي في قانون التوظيف سنة 1946م وهو ما استقرت عليه محكمة النقض المصرية سنة 1969م حيث ذهبت في احد اقضيتها الى ان علاقة الطبيب بالجهة الادارية هي علاقة تنظيمية للائحية وليست علاقة تعاقدية، وان مسؤولية الطبيب في المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض هي مسؤولية تقصيرية ، كما ان محكمة العدل العليا الاردنية ذهبت في احد احكامها الى ان علاقة الموظف بالادارة هي علاقة تنظيمية وليست تعاقدية. ولقد تطورت مسؤولية الادارة عن الأضرار التي يسببها المستخدمين، مما أدى الى استبعاد قواعد القانون الخاص بالمسؤولية لتخضع كليا لقواعد المسؤولية الادارية . ونستخلص مما سبق ان علاقة الطبيب بالادارة هي علاقة تنظيمية لائحية تحكمها القوانين والانظمة ولا يمكن القول بوجود الاشتراط لمصلحة المريض بين الطبيب الذي يعمل في المستشفى وادارة المستشفى حيث لا يوجد عقد بينهما، لذلك فإن المساءلة الطبيب في المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض يكون وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.
الشرط الثاني: اخلال الطبيب المعالج بالعقد الطبي (ارتكاب الطبيب خطأ طبي) يسأل الطبيب في حالة عدم قيامة بالالتزامات التي يفرضها عليه العقد الطبي المبرم مع المريض عن كل تقصير او اهمال يصدر عن الطبيب اثناء قيامة بمعالجة المريض. وبالرجوع الى قواعد المسؤولية العقدية نجد ان الخطأ العقدي هو عبارة عن انحراف ايجابي او سلبي في سلوك المدين يؤدي الى مسألتة، ومعيار هذا الانحراف هو معيار الرجل العادي، وهذا ما نصت علية المادة (358/1) من القانون المدني الاردني بقولها "اذا كان المطلوب من المدين هو المحافظة على الشيء او القيام بادارتة او توخي الحيطة في تنفيذ التزامة فانة يكون قد وفى بالالتزام اذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذلة الشخص العادي ولو لم يتحقق الغرض المقصود. هذا ما لم ينص القانون او الاتفاق على غير ذلك. وعلية فإن المعيار الذي يطبق على الطبيب المدعى علية هو معيار موضوعي وهو معيار الطبيب الوسط. والأصل في المسؤولية العقدية هو افتراض وقوع الخطأ من جانب المدين إذا لم يقم بتنفيذ التزامة كلية أو في جزء منه او تأخر في تنفيذة، ولا يستطيع الطبيب نفي الخطأ عن نفسة الا اذا اثبت ان عدم التنفيذ يرجع الى سبب اجنبي كما اشارت الى ذلك المادة (448) من القانون المدني الاردني والتي تنص "ينقضي الالتزام اذا اثبت المدين ان الوفاء بة اصبح مستحيلا علية لسبب اجنبي لا يد له فية".
ان مضمون التزام الطبيب هو بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الظروف القائمة والاصول العلمية الثابتة بعلم الطبيب، بهدف شفاء المريض، والاخلال بمثل هذا الالتزام بشكل خطأ طبي يثير مسؤولية الطبيب، والفعل الخاطئ قد يكون مقصودا أو متعمدا وقد يكون غير ذلك كأن ينتج عن اهمال او عدم احتراز. الخطأ العمدي: هو قيام المدين بفعل بقصد الحاق الضرر بالدائن، مما يعني انه ارتكب غشاً ولذا تشغل مسؤوليتة في جميع الحالات، ولا يستطيع التأمين عليها، او الاتفاق على الاعفاء منها وهذا ما نصت عليه المادة (358/1) من القانون المدني الاردني بقولها "وفي كل حال يبقى المدين مسؤولاً عما يأيتة من غش او خطأ جسيم" وواضح من هذه المادة ان الخطأ الجسيم يعامل معاملة الغش .
ولكن هل يجب على الدائن ان يثبت عدم تنفيذ المدين للالتزام، اي يثبت خطأ المدين وهو امر صعب في كثير من الاحيان، ام يكفي ان ثبت عدم تنفيذ المدين للالتزام، اي لمجرد عدم الوفاء بالالتزام وبالتالي افتراض الخطأ في جانب المدين، وعليه اذا اراد نفي المسؤولية عنه ان يقيم الدليل على وجود السبب الاجنبي. ومن خلال الرجوع الى نصوص القانون المدني الاردني لمعالجة التساؤل السابق يجب علينا ان نفرق بين الالتزام بتحقيق نتيجة وللالتزام ببذل عناية.
ففي الالتزام بتحقيق نتيجة يكفي ان يثبت الدائن (المريض) عدم قيام المدين بتنفيذ التزامة، اي ان يثبت عدم تحقق النتيجة، فمثلا في عقد النقل يكفي ان يثبت العميل عدم وصول البضاعة في الموعد المتفق علية مع الناقل، فاذا اثبت الدائن ذلك فيفترض وقوع الخطأ من جانب المدين، ويتعين في هذه الحالة على المدين اذا اراد ان يتخلص من المسؤولية ان يقيم الدليل على وجود السبب الاجنبي الذي ادى لعدم قيامة بالتزامة. وفي الالتزام ببذل عناية، فانة لا يكفي من الدائن اثبات عدم الالتزام لكي يفترض الخطأ في جانب المدين، بل يجب عليه ان يثبت ان المدين لم يقم ولم يبذل في تنفيذ التزامة العناية المطلوبة، فإن اثبت ذلك فإن عبء الاثبات ينتقل للمدين الذي يستطيع نفي المسؤولية عنه اذا اثبت وجود السبب الاجنبي وهذا واضح من نص المادة (358/1) من القانون المدني الاردني السابق ذكرها.
الشرط الثالث: حصول ضرر للمريض يشترط لقيام المسؤولية العقدية بالاضافة الى الشرطين السابقين حصول ضرر للدائن، وهذا مستفاد من نص المادتين (360، 363) من القانون المدني الاردني ، فاذا لم يسبب فعل الطبيب الخاطئ ضررا للمريض فلا مجال حينئذ للتعويض، والضرر نوعان، مادي وادبي كالضرر الذي يصيب الشخص في سمعتة. ويقع عبء اثبات الضرر على المتضرر (الدائن)، حيث انه مكلف باثبات وقوع الضرر – وهو امر سهل في كثير من الاحيان – حتى ولو كان التزام المدين هو التزام بتحقيق نتيجة، لانة قد لا ينفذ المدين التزامة ومع ذلك لا يصاب الدائن باي ضرر، كما لو تأخر الناقل في ايصال احد الجياد عن الموعد المتفق علية ليشترك في سباق ما، ثم يتبين بعد ذك ان السباق قد الغي او تأجل، فهنا لم يحدث لصاحب الجواد اي ضرر من جراء عدم تنفيذ الناقل للالتزامة، ولا تقوم بالتالي المسؤولية غير انه يستثنى من قاعدة وجوب اثبات الدائن لما لحقة من ضرر من جراء عدم تنفيذ المدين للالتزامة أمران : • الاول: خاص بفوائد النقود حيث لا يشترط لاستحقاق هذه الفوائد ان يثبت الدائن ان ضررا قد اصابة، •بل واكثر من ذلك لا يجوز للمدين اثبات انقضاء الضرر للتخلص من وقع فوائد التأخير. الثاني: خاص بالشرط الجزائي او التعويض الاتفاقي، حيث ان القانون المدني الاردني في المادة (364/2) تجيز لمن يدعي ان التعويض المتفق علية اقل من الضرر الحاصل، أو أن المدين الذي يدعى ان التعويض المشروط يتجاوز الضرر الواقع، ان يثبت ما يدعية.
الشرط الرابع: اثبات العلاقة السببية بين عدم تنفيذ المدين لالتزامة والضرر الحاصل. ان المسؤولية العقدية لا تقوم لمجرد عدم تنفيذ المدين لالتزام، بل يجب ان يكون عدم التنفيذ راجعا الى خطأ المدين او بمعنى ادق ان تكون هناك علاقة سببية بين عدم التنفيذ والضرر الحاصل، وان علاقة السببية هذه يفترض وجودها اذا كان التزام المدين التزام بتحقيق نتيجة، بمعنى انه اذا اثبت الدائن عدم تحقيق نتيجة فيفترض ذلك ان الخطأ في جانب المدين، ولا تنتفي العلاقة السببية الا اذا اثبت المدين ان الضرر قد نشاء عن سبب اجنبي لا يد له فيه كأفة سماوية، او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر، كان غير ملزم بالضمان ما لم يقضي القانون او الاتفاق بغير ذلك.
الخيرة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية من المعلوم انه قد يجتمع في الفعل الواحد شرط المسؤولية العقدية والتقصيرية، وهنا تثور مسألة الجمع بين المسؤوليتين، وهناك جانب من الفقهاء يرى جواز الخيرة بين المسؤوليتين، على اساس ان الدعوى يجوز دفعها متى توافر شروطها، فاذا توافرت شروط المسؤولية العقدية وشروط المسؤولية التقصيرية كان الدائن بالخيار بينها، ان شاء على اساس المسؤولية التقصيرية،او العقدية ولكن في حالة اذا اختار احد الدعويين فخسرها، فلا يجوز له بعد ذلك الالتجاء الى الدعوى الاخرى. وذهب جانب اخر من الفقه الى ان دعوى المسؤولية العقدية تجب دعوي المسؤولية التقصيرية لان العلاقة بين الدائن والمدين مرجعها العقد وحدة، فالدائن لا يعرف المدين الا عن طريق العقد فكل علاقة بينهما تخضع الميرم دون غيره.
المسؤولية الطبية في القضاء العربي أولاً: في مصر ذهب القضاء المصري في بداية الامر الى اعتبار ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية لا عقدية، ويجب على المريض اثبات اركان المسؤولية الطبية، وهي الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بانة لا يمكن مسأءلة طبيب في المستشفى العام الا على اساس المسؤولية التقصيرية، لانة لا يمكن القول في هذه الحالة بإن المريض قد اختار الطبيب لعلاجة حتى ينعقد العقد بينهما، كما لا يمكن القول بوجود عقد اشتراط لمصلحة المريض بين ادارة المستشفى العام وبين اطبائها لان علاقة الطبيب الموظف بالجهة الادارية التي يتبعها هي علاقة تنظيمية وليست تعاقدية، وبذلك لا يكون هناك محل لبحث مسؤولية طبيب المستشفى العام في دائرة المسؤولية التعاقدية . ومسلك القضاء المصري في هذا الشأن ينطلق من اعتبارات عملية وانسانية، اذ انه من الثابت ان احكام المسؤولية التقصيرية هي لصالح المريض المضرور من عدة وجوة .
ففي المسؤولية التقصيرية يكون التعويض عن الضرر المباشر الذي ينتج عن الفعل الضار سواء كان متوقع وغير متوقع، اما في المسؤولية العقدية فان التعويض لا يكون الا على الضرر المتوقع وقت ابرام العقد. وبخصوص التضامن في المسؤولية العقدية فإنه لا يفترض بين المدينين، بل لا بد من الاتفاق علية صراحة، بخلاف الحال في المسؤولية التقصيرية فالتضامن مفترض بين المدينين. ومن ناحية الاتفاق على اعفاء المدين من المسؤولية، ففي المسؤولية التقصيرية لا يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من المسؤولية، لان قواعد المسؤولية التقصيرية متعلقة بالنظام العام، اما في المسؤولية العقدية فيجوز الاتفاق على اعفاء المدين من المسؤولية من الخطأ اليسير او حصرها في حدود مبلغ معين. هذا وقد عدل القضاء المصري عن الحكم السابق والذي اعتبر فيه ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية، وجاء بحكم حديث له اعتبر فيه ان مسؤولية الطبيب الذي اختاره المريض او نائبة هي مسؤولية عقدية.
فقضت محكمة النقض المصرية في 26- تموز – 1969، بان مسؤولية الطبيب الذي يختاره المريض او نائبة لعلاجة هي مسؤولية عقدية، والطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي ينعقد بينة وبين مريضة بشفائة او بنجاح العملية التي يجرها له، لان التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة وانما هو التزم ببذل عناية، والعناية المطلوبة من الطبيب تقتضي ان يبذل لمريضة جهودا صادقة يقظة تتفق مع الاصول الطبية المستقرة في علم الطب فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي احاطت بالطبيب المسؤول .
نجد من خلال هذا الحكم ان محكمة النقض المصرية قد عدلت عن موقفها السابق واعتبرت ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية لا تقصيرية وذلك على غرار محكمة النقض الفرنسية، وعلية فان ما هو مستقر علية الوضع في الفقة والقضاء المصري ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية كلما كان الطبيب قد تولى علاج المريض بناء على اختياره له وطلبة بنفسة او عن طريق نائبة وتكون مسؤولية الطبيب تقصيرية في الحالات التي يتطوع فيها الطبيب من تلقاء نفسه، او امتناعة عن العلاج، اولا يكون المريض حرا في اختياره، ولا يثبت وجود عقد بينة وبين الطبيب ويتضح هذا القول من خلال عبارات الحكمين السابقين.
"لا يمكن مساءلة طبيب المستشفى العام الا على اساس المسؤولية التقصيرية، لانه لا يمكن القول في هذه الحالة بأن المريض قد أختار الطبيب لعلاجة .." . وأويد الاتجاه الذي ذهب اليه القضاء المصري والذي يعتبر ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عقدية. في حالة اختيار الطبيب من قبل المريض او نائبة، لانه يتفق مع المنطق القانوني السليم، ولا أرى وجاهة لما جاء في القرار الاول والذي يعتبر ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية في حالة اذا ما كان يعمل كطبيب في المستشفى العام والسبب في ذلك انه يمكن ان يكييف هذا الامر على اساس الاشتراط لمصلحة الغير.
ثانيا: سوريا يعتبر القضاء السوري ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية على الرغم من عدول القضاء الفرنسي عن هذا الاتجاة، وقد طبقت المحاكم السورية احكام المسؤولية التقصيرية بالنسبة لتقادم ومرور الزمان على دعوى الطبيب، وقررت انها تتقادم بثلاث سنوات طبقا لنص المادة (173/1) من القانون المدني السوري والتي تنص "تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن الضرر غير مشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه، وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع". ورفضت ان تطبق تقادم الدعوى الناشئة عن العقد .
ثالثاً: لبنان لم تضع محكمة التمييز اللبنانية مبدأً واضح لطبيعة المسئولية الطبية، كما ان سائر المحاكم اللبنانية لم تتعرض في احكامها للتفرقة بين المسئوولية التقصيرية والمسئوولية العقدية، الا ان محكمة بيروت ذهبت في احد اقضيتها الصادرة عن الغرفة المدنية بأن مسئوولية الطبيب هي مسئوولية عقدية. ويرى الفقه اللبناني ان الطبيب يرتبط بعقد يقتضي منه ان يعالج المريض الذي تعاقد مه وان يبذل في معالجته العناية الصادقة في حدود الاصول الطبية المستقرة في علم الطب.
رابعا: الاردن ان الاحكام القضائية بشأن مسؤولية الطبيب المدنية قليلة ولم تتناول هذه المسؤولية بشكل مباشر، فقد قضت محكمة التمييز في احد احكامها بالزام المستشفى وصاحبة بدفع اربع الاف دينار كتعويض عن الضرر الذي لحق بالطفلة والمتمثل بالعاهة الدائمة التي اصيبت بها نتيجة الخطأ اثناء معالجتها وكان ذلك راجعا للخطأ بالتشخيص، وفي الوقت ذاته، اقرت محكمة التمييز مسؤولية صاحب المستشفى عن اخطاء العاملين لدية، واشارت انه تطبيقا لنص المادة (288/ب) من القانون المدني الاردني فان مالك المستشفى مسؤول عن اخطاء العاملين لدية لانهم يعملون تحت رقابتهم وتوجيههم، والملاحظ ان هذا الحكم لم يتناول التكييف القانوني لمسؤولية فيما اذا كانت مسؤولية تقصيرية ام عقدية. اما بالنسبة لمسؤولية الاطباء المهنية ضمن نقابة الاطباء الاردنيون رقم 13 لعام 1972 فقد نص في الفصل السادس منه على السلطة التأديبية، حيث تنص المادة (45) على ما يلي : "كل طبيب يخل بواجباته المهنية خلافا لاحكام هذا القانون وأي نظام صادر بمقتضاه او يرتكب خطا مهنيا او يتجاوز حقوقه او يقصر بالتزاماته وفق الدستور الطبي او يرفض التقيد بقرارات المجلس او يقدم على عمل يمس شرف المهنة او يتصرف في حياته الخاصة تصرفا يحط من قدرها يعرض نفسه لاجراءات تاديبية امام مجلس التأديب". وقد حددت المواد من (46-54) من نقابة الاطباء كيفية تشكيل السلطة التأديبية والاجراءات المتبعة امامها وتحدد هذه النصوص ايضا العقوبات التي يحكم بها مجلس التأديب وهي واحدة واكثر والواردة في المادة (55) وهي ما يلي :
العقوبات التي يحكم بها مجلس التأديب هي واحدة او اكثر مما يلي: أ- التنبية. ب- التوبيخ. ج- الغرامة النقدية من (10) الى (250) دينار تدفع لصندوق النقابة. د- الحرمان من عضوية المجلس والهيئات المختلفة للنقابة للمدة التي يقررها. هـ- المنع من الممارسة مؤقتا لمدة لا تزيد عن سنة. ز- المنع النهائي من ممارسة المهنة وشطب اسم الطبيب من السجل بعد ادانته من المحاكم المختصة.
هذا وقد تضمن الدستور الطبي واجبات الطبيب واداب المهنة، ووفقا لنصوص الدستور الطبي تقوم المسؤولية الطبية بين المريض والطبيب على بذل العناية وعدم الاهمال وليس الشفاء حيث تنص المادة (12) من الدستور الطبي "على الطبيب عند قبولة رعاية اي شخص سواء في عيادته الخاصة او في اي منشأة صحية ان يبذل كل جهدة وطاقته لتقديم العناية والعطف والاخلاص لكل المرضى على حد سواء". ويشير الدستور الطبي ايضا الى الاساليب التي يجب على الطبيب مراعاتها في مجال الرعاية الطبية حيث تنص المادة (13) منه على الطبيب في مجال الرعاية الطبية الخاصة مراعاة التقاليد التالية: أ- حرية المريض في اختيار الطبيب. ب- حرية الطبيب فيما يصفة مع مراعاة ظروف المريض المادية. ج- فيما عدا حالات الطوارئ والاسعاف، للطبيب الحق في رفض المعالجة لاسباب مهنية او شخصية. د- يمكن للطبيب ان يمتنع عن معالجة مريضة بشروط: 1. ان لا يضر ذلك بمصلحة المريض. 2. ان يقدم المعلومات اللازمة لمواصلة العلاج. والقضاء الاردني لغاية الان لم يتعرض لتكييف مسؤولية الطبيب وفيما اذا كانت مسؤولية تعاقدية او تقصرية، والاحكام الموجودة بهذا الصدد قليلة ولم تبحث هذا الامر بشكل مباشر ومفصل.
خامسا: السودان لا توجد سوابق قضائية تتناول مسؤولية الطبيب بشكل مباشر في السودان، بحيث يمكن ان تشكل في مجموعها مبادئ تصلح للنقد والتحليل واستخلاص طبيعة هذه المسؤولية، فتحريك دعوى المسؤولية تجاه الاطباء في السودان بسبب الأخطاء التي يرتكبونها اثناء تدخلهم الطبي والجراحي، لم تكن تطرح أمام القضاء الى الدرجة التي تدفع القضاء السوداني لوضع المبادئ التي تضبط احكامها من خلال الواقع . هذا وقد قررت المحكمة العليا السودانية عند استئنافها أحد الاحكام المبادئ التالية: 1. الالتزام الذي ينشأ من إهمال الصيدلي في واجبه ليس التزاما تعاقديا بل هو التزام ينبع من المسؤولية التقصيرية الناتجة عن خرق الصيدلي لواجبه العام نحو الجمهور اذا كان الضرر الناتج عن ذلك جسيما. 2. إذا كان الضرر النأشئ عن خرق ذلك الالتزام طفيفا، يمكن ان يدرج الالتزام تحت المسؤولية التعاقدية. 3. يلزم تقدير التعويض على وجود الوقائع المثبته او المنفية التي يبنى عليها حساب مقدار التعويض.
وقد اورد قانون المعاملات السودانية النافذ بعض الحالات كنماذج وأمثلة للاخلال بواجب الطبيب والصيدلي، الذي يستوجب مسؤولية التقصيرية والتي منها: 1. إعطاء أدوية غير صحيحة تضر بصحة الشخص المعالج دون اتخاذ الحيطه والحذر اللازمين. 2. التفريط في الواجبات الوظيفية او المهنية دون اعتبار خطورة ذلك على صحة المريض. 3. اجراء عملية إجهاض غير قانونية او طهارة غير قانونية يتضح لنا من خلال ما قد سبق ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية ناتجه عن أهماله وعدم اتباعه لقواعد الحيطة والحذر ولا تكون هذه المسؤولية عقديه الا في الحالات التي يكون فيها عقد واضح وصريح بين الطبيب والمريض وكان لا ينطوي على الحالات التي اعتبرها قانون المعاملات السودانية من الامور التي تدخل في نطاق مسؤولية الطبيب التقصرية.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم