القائمة الرئيسية

الصفحات



حماية الحيازة بين النيابة العامة والقضاء المستعجل

الحيازة

الحيازة







مقدمـــة
نظم المشرع الحيازة على نحو يدل على مدى أهميتها ، بالنظر للحقوق العينية الأصلية والتبعية على حد سواء ، فاعتد بالحيازة في حد ذاتها متى توافرت لها الشروط التي تطلبها ، وأوجب حمايتها ، ولو ادعى الغير بملكيته للعين محل الحيازة ، وجعل منها قرينة على ملكية الحائز للعين التي في حيازته ، وان كانت قرينة قانونية بسيطة إلا أن الحائز يستفيد منها إذ لا يتحمل عبء إثبات ملكيته التي تشهد القرينة بها وإنما يلقي بعبء الإثبات على خصم الحائز .
هذا وقد جعل الحيازة تخضع لنوعين من الحماية : حماية مدنية قرر فيها الدعاوى التي يلجأ إليها الحائز لحماية حيازته ، وحدد ميعادا لرفعها حتى يستفيد الحائز من مدة حيازته السابقة على سلب الحيازة منه ، وتتمثل هذه الحماية المدنية في ثلاث دعاوى تنحصر في دعوى منع التعرض ، دعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى استرداد الحيازة وجعل الدعويين الأخيرين من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينظر فيهما متى توافرت شروط اختصاصه ، بالإضافة إلى النوع الثاني من الحماية والمتمثل في الحماية الجنائية التي تجمع بين حماية النيابة العامة لها وبين حماية القضاء الجزائي وهذا في الحالات التي ينص عليها المشرع في قانون العقوبات سواء تلك المنصبة على العقارات أو المنقولات والتي بلغت درجة الجريمة ، فكان الهدف من هذه الحماية هو تفادي إقامة الحائز للعدل بنفسه مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام وعدم استقرار الأوضاع والمراكز في المجتمع .
ويعود سبب اختياري لهذا الموضوع لضرورة تسليط الضوء على حماية الحيازة من ناحيتين غير متناولتين كثيرا من طرف رجال القانون ، إذ أن الكثير منهم تناول حماية الحيازة من طرف القضاء الموضوعي الذي يفصل بصفة نهائية في اصل الحق ، ويضع حدا للنزاع القائم حول الحيازة وكذلك من طرف القضاء الجزائي الذي يفصل في الحالات التي يرقى فيها الاعتداء على الحيازة إلى مستوى الجريمة حسب ما ينص ويعاقب عليه قانون العقوبات ، بينما اغفلوا الحديث عن دور القضاء المستعجل في حماية الحيازة بصفة استعجاليه ومؤقتة رغم انه لا يفصل في اصل الحق ، لكنه يساهم في الحد من تلك الاعتداءات إلى غاية فصل القضاء الموضوعي في النزاع بصفة نهائية ، ولم يتطرقوا أصلا لدور النيابة العامة في هذه الحماية بالرغم من أنها ممثلة المجتمع وأنها سلطة اتهام  وان من واجبها المحافظة علي النظام و الأمن العامين ،و كذلك قمع الجرائم والسعي لتطبيق القانون و تسليط العقاب علي المعتدين .
إضافة إلى أهمية الحماية الاستعجالية للحيازة عن طريق القضاء المستعجل في قمع تلك الاعتداءات بصفة وقتية وسريعة ، إلى غاية صدور الحكم الذي يفصل في اصل الحق ويعطي كل ذي حق حقه ، دون إغفال أهمية الحماية التي تحققها النيابة العامة من خلال التحقيقات التي تقوم بها للكشف عن الحقيقة ، وعن الجريمة، ومن ثم تسييرها نحو القضاء الجزائي لمعاقبة الجاني وتقرير حق الضحية وحمايته .
ويطرح هذا الموضوع العديد من الإشكاليات التي سنحاول الإجابة عليها ومن أهمها ما يلي:
- ماهية الحيازة الصحيحة محل الحماية القانونية والقضائية ؟


- ما هو نطاق تدخل كل من النيابة العامة ، والقضاء المستعجل لحماية الحيازة وموقفها من ذلك ؟
- وما هي إجراءات وقواعد تلك الحماية ؟
وللإجابة على هذه الإشكاليات سنعتمد على المنهج التحليلي كأسلوب للإلمام بعناصر الموضوع المتعلقة بالحيازة والتي لها علاقة بكيفية حمايتها ، سواء تلك الواردة بالقانون المدني أو قانون الإجراءات المدنية أو قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجزائية ، إضافة إلى أسلوب المقارنة بين جانبين مختلفين وهما الجانب الجزائي و المدني  اللذين يتناولان موضوعا واحدا ألا وهو الحيازة ، وكيفية ونطاق حماية كل منهما لها .
وبالرغم من قلة  إن لم نقل انعدام المراجع، خصوصا تلك التي تتناول تحليل نصوص القانون الجزائري  فيما يخص حماية كل من النيابة العامة والقضاء المستعجل للحيازة ، في مقابل كثرة المراجع التي تتناول التشريع المصري لكن لها منهج مخالف كثيرا لمنهجنا ، إلا أن القضاء ساهم كثيرا من خلال اجتهادا ته في العديد من القرارات في إبراز مكانة الحماية التي تحضى بها الحيازة من الناحية الاستعجالية ، وكذا من الناحية الجزائية .
ولتناول موضوع حماية الحيازة بين النيابة العامة والقضاء المستعجل ارتأينا أن نفتتح الموضوع بمبحث تمهيدي يتناول الأحكام العامة للحيازة التي تكون محلا للحماية وكيفية ايلولتها و زوالها بصفة قانونية ،   دون أن يحصل فيها الاعتداء ، لنتناول بعدها حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة من جهة ، و القضاء المستعجل من جهة أخرى في مبحثين مستقلين ، و كان ذلك في الشكل الآتي بيانه :


المبحث التمهيدي : أحكام عامة عن الحيازة .
المطلب الأول : مفهوم الحيازة .
المطلب الثاني : انتقال الحيازة وزوالها .
المبحث الأول: حماية  الحيازة عن طريق النيابة العامة .
المطلب الأول : حالات تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة .
المطلب الثاني : موقف النيابة العامة من حماية الحيازة .
المبحث الثاني : حماية الحيازة عن طريق القضاء المستعجل .
المطلب الأول : نطاق اختصاص القضاء المستعجل في حماية الحيازة .
المطلب الثاني : قواعد حماية القضاء المستعجل للحيازة .

حماية الحيازة بين النيابة العامة والقضاء المستعجل

مقدمـة
المبحث التمهيدي : أحكام عامة عن الحيازة
● المطلب الأول : مفهوم الحيازة
- الفرع الأول : تعريف الحيازة وشروطها
- الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحيازة
● المطلب الثاني : انتقال الحيازة وزوالها
- الفرع الأول : انتقال الحيازة
- الفرع الثاني : زوال الحيازة
المبحث الأول : حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة
● المطلب الأول : حالات تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة
- الفرع الأول : الجرائم المتعلقة بحيازة العقار
- الفرع الثاني :الجرائم المتعلقة بحيازة المنقول
● المطلب الثاني : موقف النيابة العامة من حماية الحيازة
- الفرع الأول : المتابعة
- الفرع الثاني : الحفظ
المبحث الثاني : حماية الحيازة عن طريق القضاء المستعجل
● المطلب الأول : نطاق اختصاص القضاء المستعجل في حماية الحيازة
- الفرع الأول : اختصاص القضاء المستعجل بنظر دعاوى الحيازة المستعجلة
- الفرع الثاني : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الملكية ودعوى الحيازة
● المطلب الثاني : قواعد حماية القضاء المستعجل للحيازة .
- الفرع الأول : إجراءات رفع دعوى الحيازة ومراحل السير فيها
- الفرع الثاني : طبيعة الحكم المستعجل وحجيته .
الخاتمــة








المبحث التمهيدي :   أحكام عامة عن الحيـــازة

نص المشرع الجزائري في الفصل الثاني من الكتاب الثالث من القانون المدني، على طرقِ إكتساب الملكية من بينها الحيازة ،و لهذه الأخيرة أهمية كبيرة في الحياة اليومية ، إذ يقال أنها عنوان الملكية الظاهرة فهي تظهر الحائز بمظهر صاحب الحق على الشيء المحاز، حتى لو تبين فيما بعد أن الحائز ليس بصاحب حق ، فضرورة إستتباب الأمن في المجتمع تفرض حماية هذا الحائز.
وتنشأ فكرة حماية الحيازة من القاعدة التي تحرم على كل فرد أن يقتضي حقه بنفسه ، وبذلك تحقق فكرة حماية الحيازة هدفين أساسيين وهما:
1 ـ حماية الملكية لأنها ـ الحيازة ـ قرينة على الملكية .
2 ـ حماية الأمن والنظام العام في المجتمع .
إن للحيازة في الجزائر أهمية خاصة، ويرجع ذلك لنظام الشهر المتبع في البلاد تبعا لسندات ملكية الأراضي: -  الأراضي التي تم مسحها وشهرها فأصبحت لها سندات رسمية.
-  الأراضي التي لم يتم مسحها و أصحابها يحوزونها أبا عن جد فسند ملكيتهم في ذلك هي الحيازة .(1)
ونظرا لهذه الأهمية التي تكتسيها الحيازة فإنه يتعين الوقوف ولو بإيجاز عند مفهومها وطبيعتها القانونية  وسبل حمايتها ، لذا فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين :
يتناول الأول مفهوم الحيازة بتعريفها و بيان شروطها و طبيعتها القانونية ،والثاني كيفية إنتقالها و زوالها.

المــطـلـب الأول : مـفـهـوم الحــيـازة

إن دراسة الحيازة كنظرية عامة من حيث مفهومها ، أركانها ، شروطها وطبيعتها القانونية أمر ضروري  لتوضيح مفهوم الحيازة القانونية الجديرة بالحماية والمنتجة لآثارها القانونية ، وهو ما سنتناوله كما يلي :
الفرع الأول : تعريف الحيازة وشروطها :
أولا : تعريف الحيازة :
لم يتطرق المشرع الجزائري لا في القانون المدني ، ولا في التشريعات الخاصة لتعريف الحيازة ، ولكنه إقتصر على النص عليها في المواد 808 إلى 843 من القانون المدني، و بالتفصيل في الفصل الثاني - طرق إكتساب الملكية- ، من الباب الأول -حق الملكية- ، من الكتاب الثالث - الحقوق العينية الأصلية- ، كما نص
عليها في المواد من 413 إلى 419 من قانون الإجراءات المدنية في الباب الأول ( دعاوى الحيازة ) من الكتاب السابع ( الإجراءات المتعلقة بمواد خاصة ) .
و يجمع الفقه على أنها وضع مادي ، به يسيطر الشخص  فعليا على العقار ، وبذلك فهي ليست حقا عينيا         ولا حقا شخصيا ، وإنما هي واقعة مادية تحدث آثارا قانونية من جملتها ،أنها سبب من أسباب كسب الملكية العقارية ، فقد عرفها الفقيهان كولان وكابيتان بأنها " سلطة فعلية يمارسها الشخص على شيء تظهره بمظهر صاحب الحق " (1) ، وعرفها الدكتورعلي علي سليمان بأنها " سلطة فعلية يمارسها شخص على شيء يستأثر به ، ويقوم عليه بأفعال مادية تظهره بمظهر صاحب حق ملكية ، أو حق عيني آخر على هذا الشيء " (2) .
فالحيازة واقعة مادية تنشأ عن سيطرة الشخص على شيء أو حق بصفته مالكا لهذا الشيء أو صاحب الحق عليه (3) و بالتالي هل كل شخص يوجد العقار تحت سيطرته المادية حائزا أم لا ؟
وللإجابة على ذلك نتطرق إلى أركان الحيازة :
أ / -الركن المادي :
ويقصد به السيطرة على الشيء محل الحيازة ، بحيث يصبح الشخص متمتعا بسلطة مباشرة الأعمال المادية على غرار الأعمال التي يقوم بها المالك على ملكه ، وتختلف هذه الأخيرة بإختلاف طبيعة الشيء المحاز،  فقد يكون عقارا أو منقولا شريطة أن تكون كافية للدلالة على الحيازة و مطابقة للحق الذي يدعيه الحائز .
فإذا كان صاحب عقار وجب عليه القيام بالأعمال المادية المخولة له من إستعمال الشيء واستغلاله والإنتفاع به (4) ، و إذا كان صاحب حق عيني آخر وجب عليه أيضا القيام بالأعمال التي يباشرها صاحب هذا الحق عادة ، كالمرور بالنسبة لحائز حق الإرتفاق .
كما تتحقق الحيازة بالإشراف الفعلي للحائز على الشيء سواء كان ذلك بنفسه (5)  أو بالوساطة (6) ، فقد تكون السيطرة المادية على الشيوع (7).
ب/- الركن المعنوي :
إن السيطرة المادية لا تكفي لقيام الحيازة لدى الحائز ، إذ يجب أن تقترن هذه الأخيرة بنية التملك وظهور الحائز أمام الملأ بمظهر صاحب الحق على محل الحيازة .
و كان هذا الركن محل جدال فقهي أسفر نظريتين :
النظرية الشخصية : نادى بها الفقيه سافيني ، إذ ترى أن الحيازة الصحيحة هي قائمة على الركنين المادي والمعنوي معا .
النظرية المادية :  ترى أن الركن المادي مستغرق بالركن المعنوي ، وأن نية التملك تتحقق في الأعمال المادية .

ويرى الفقيه أهرنج أن الحيازة القانونية يجب أن تكون الأعمال المادية فيها والتي يسيطر بها الحائز على الشيء ، أعمالا إرادية قصدية و لو كانت لحساب غيره (1) .
لقد أخذ المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي والمصري ، بالنظرية الشخصية في الركن المعنوي كقاعدة عامة ، وإستثناء بالنظرية المادية في حالتين وهما :
الحالـة01 : المستأجر
لقد أجاز المشرع للمستأجر أن يرفع بإسمه جميع دعاوى الحيازة في حالة التعرض المادي الصادر من أجنبي، إذ نصت المادة 487/1 من القانون المدني على ما يلي : ( لا يضمن المؤجر للمستأجر التعرض الصادر من أجنبي والذي لا يستند على حق له على العين المؤجرة ، وهذا لا يمنع المستأجر من أن يطالب شخصيا بحق لمن تعرض له بالتعويض ، وأن يمارس ضده جميع دعاوى الحيازة ) ، و جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 26/11/90 تحت رقم 62465 أنه ( من المستقر عليه قضاء أن للمستأجر الحق في ممارسته شخصيا دعاوى الحيازة ضد من تعرض له ، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للأحكام القضائية المعمول بها... ) (2).
وهنا نتساءل كيف يمكن للمحكمة العليا أن تعتبر حق المستأجر في دعاوى الحيازة ضد من تعرض له إجتهادا قضائيا مع وجود نص قانوني صريح (3) .
و تجدر الإشارة إلى عدم قبول دعوى الحيازة التي يرفعها المستأجر ضد المالك (4) لأن العلاقة بينهما تستند إلى عقد إيجار ، فأساس الدعوى والحكم فيها هو العقد وليس الحيازة ، كما أن قبول دعوى الحيازة في هذه الحالة فيه مساس بقاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق (5) .
الحالة 02 :  إسترداد الحيازة
تنص المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية على مايلي : ( يجوز رفع دعوى إسترداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن إغتصبت منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه ، وكان له وقت حصول التعدي أو الإكراه الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ العلني ) ،
ونصت المادة 817/2 من القانون المدني على أن: (... ويجوز أيضا أن يسترد الحيازة من كان حائزا بالنيابة من غيره ) .


فنظرا لجسامة الإعتداء الذي يتعرض له فاقد الحيازة من إخلال بالنظام العام ، يكفي لقبول دعوى إسترداد الحيازة توافر الحيازة المادية ولو لم تكن بنية التملك(1) .
وحتى تكون الحيازة محلا للحماية القانونية فقد إشترط المشرع فيها أربعة شروط حتى تحضى بالحماية القانونية و بالتالي الحماية القضائية (2)
-1- الإستمرار:
نصت المادة 413/1 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي: ( الدعاوى الخاصة بالحيازة ، فيما عدا دعوى إسترداد الحيازة ، يجوز رفعها ممن كان حائزا بنفسه أو بوساطة غيره ، لعقار أو لحق عيني عقاري ، وكانت حيازته هادئة علنية لمدة سنة على الأقل ) .
وعليه فإشتراط إستمرار الحيازة لمدة سنة كان من أجل الوصول بالحيازة إلى حالة مستقرة جديرة بالحماية  ولا يجوز الإعتداء عليها .
ومعنى إستمرار الحيازة أنه يتعين أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشيء في فترات متقاربة منتظمة  أي أن تكون مستمرة غير متقطعة ، فيستعمل الحائز الشيء في كل وقت تقوم الحاجة إلى إستعماله على نفس المنوال الذي يستعمل فيه المالك ملكه عادة ، أما إذا مضى بين العمل والآخر وقتا طويلا لم يستعمل فيه الحائز الشيء ، فإن الحيازة تكون في هذه الحالة متقطعة وبالتالي لا تصلح سندا لدعاوى الحيازة ، ولا يجوز الإستناد عليها كسند للملكية .
ويجب ألا ينقطع الحائز عن إستعمال الشيء إلا الفترة التي ينقطع فيها المالك عادة عن إستعمال ملكه ،  وإستمرار الحيازة لا يعني أن يستعمل الحائز الحق في كل وقت بدون إنقطاع ، إذ يكفي أن يستعمله على فترات متقاربة منتظمة (3).
ويختلف الإستعمال المنتظم للشيء بإختلاف طبيعة الشيء، فهناك أشياء تقتضي طبيعتها إستعمالها في فترات متقاربة جدا كحيازة الأرض الزراعية ، وأخرى تقتضي طبيعتها أن تستعمل في وقت معين ثم تترك بعد ذلك بدون إستعمال ، كحيازة المكان الذي تخزن فيه المحصولات الزراعية بعد حصادها ، كما أن عدم إستعمال الشيء المحاز بسبب القوة القاهرة لا يخل بشرط إستمرار الحيازة ، غير أن هذه الحيازة تنقضي إذا إستمر هذا المانع سنة كاملة و ترتبت حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه (4) ، ويكفي لإثبات إستمرار الحيازة خلال مدة سنة إثبات قيامها  في وقــت سابق معين و في الحال كي توجد قرينة على قيامها ، في المدة الممتدة بين الزمنين (5) وللخلف ضم حيازته لمدة حيازة السلف شريطة أن توجد رابطة قانونية بين الحيازتين .

-2- العلنية :
يتعين في الحيازة أن تكون علنا يباشرها الحائز على الملأ ،من الكافة أو على الأقل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يحوزه الحائز ، لأن من يحوز حقا يتعين عليه أن يستعمله كما لو كان صاحبه أي أن يستعمله في علانية ، أما إذا أخفى الحيازة على الحائز ولم تكن له نية التملك صارت حيازته مشوبة بعيب الخفاء فلا تنتج أثرها في إكتساب الملكية بالتقادم ولا في الإحتماء بدعاوى الحيازة ، وهو ما أكدته المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية .
وإذا كان إخفاء حيازة المنقول أمر سهل، فإنه على عكس ذلك بالنسبة لإخفاء حيازة العقار، لكن مع ذلك يمكن تصور الحيازة الخفية، كحيازة سكن تم الوصول إليه مثلا عن طريق التسلق دون أن يعرف أي أحد ودون أن يتبين بأن السكن مشغول .
ولا يشترط في علنية الحيازة أن يعلم بها المالك علم اليقين ، بل يكفي أن تكون من الظهور بحيث يستطيع العلم بها .
-3- الهدوء :
تكون الحيازة مشوبة بعيب الإكراه أو عدم الهدوء إذا كان صاحبها قد حصل عليها بالقوة أو التهديد ، وظل محتفظا بها دون إنقطاعهما ، سواء وقع ذلك على المالك الحقيقي لإنتزاع ملكه منه أو ضد حائز سابق غير المالك لنزع حيازته ، وسواء كان الشخص الذي إستخدم القوة أو التهديد هو الحائز نفسه أو بواسطة الغير.
أما إذا رفع الحائز التعدي الذي وقع على حيازته فإن ذلك لا يجعل حيازته مشوبة بالإكراه ، فبزوال الإكراه وإستمرار الحائز في حيازته فإن الحيازة تصبح هادئة خالية من عيب الإكراه ، وعليه فلا تجدر حماية الحيازة المشوبة بالعنف أو الإكراه المادي أو الأدبي إلا بعد صيرورتها هادئة (1) فالعبرة إذن ببداية الحيازة .
-4- الوضوح :
فضلا عن توافر الشروط الثلاثة السابقة ، فيجب أن يتوفر في الحيازة شرط الوضوح بمعنى ألا يشوبها عيب أو لبس (2)، وهذا العيب ينصب على العنصر المادي للحيازة بمعني الغموض الذي يكتنف حيازة الحائز نتيجة تأويل نيته في الحيازة لأكثر من معني مما يثير لدى الغير الشك في حقيقة الحيازة ، وما إذا كان الحائز يحوز لحساب نفسه أم يحوز لحساب غيره كحيازة أحد الشركاء على الشيوع ، وتمسكه بحيازة العين لحساب نفسه.
غير أن أفعال الحيازة المادية التي يمارسها في العين تكون من قبيل الأعمال التي يباشرها الشريك على الشيوع، وفي نفس الوقت تكون أعماله هي نفس أعمال المالك في الملكية المفرزة ، لكنه يقـوم بـها على

أساس أن باقي شركاء المال الشائع يشتركون معه في الملكية، ففي هذه الحالة يوجد لبس في حيازة الشريك في الشيوع للعين الشائعة .

الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحيازة :

إختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية للحيازة ، فمنهم من يصفها بأنها حق ومنهم من يعتبرها مجرد واقعة مادية .
إذ يرى أنصار الرأي الأول بأن حق الحيازة مثله مثل حق الإنتفاع وحق المرور ، إلا أنهم إختلفوا حول ما إذا كان هذا الحق عينيا متفرعا عن حق الملكية وحق الإنتفاع وحق الإرتفاق، أو حقا شخصيا يتطلب وجود دائن ومدين ، وفي كلا الحالتين فإن الحيازة غير محققة.
بينما يرى أنصار الرأي الثاني أن الحيازة سبب لكسب الحق ، فهي واقعة مادية بسيطة (1) تؤدي إلى إثبات الحق العيني وكسبه.
فالحيازة إذن لا تستلزم وجود حق من الحقوق، وإنما هي تشترط أن يكون الشيء محل الحيازة قابلا لأن يرد عليه حق عيني يجوز كسبه بالتقادم (2)، على أن يظهر الحائز كالمالك أو صاحب حق عيني على الشيء .
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز حيازة التركات أو المحلات التجارية و كذلك الأموال العامة التابعة للدومين العام (3)، وهو ما نصت عليه المادة 689 من القانون المدني بأنه : " لا يجوز التصرف في أمـوال الدولـة،
أو حجزها، أو تملكها بالتقادم ....." و اكده القرار الصادر بتاريخ 26/04/2000 تحت رقم 196049 (4)، بينما ترد الحيازة على الحقوق العينية الأصلية كحق الملكية والحقوق المتفرعـة عنـها ، كحـق الإرتفـاق
و الإنتفاع ، و قد إستثنى المشرع حماية المستأجر في المادة 487/1 من القانون المدني رغم أن حقه شخصي ، مما يعطيه صفة الحائز العرضي فيحوز لحساب غيره ويستند في حيازته على سند قانوني يلزمه برد الشيء إلى مالكه فيما بعد ، سواء كان هذا السند إتفاقيا كعقد الإيجار أو الرهن الحيازي ، أو قضائيا كحكم الحراسة ، وعليه فإن حيازة المستأجر لا تؤدي إلى كسب الملكية بالتقادم ،  كما أن الحيازة التي يحميها القانون هي تلك التي تنصب على العقار دون المنقول لأن قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية (5) ، لهذا  تختلط دعوى الحيازة في المنقول  بدعوى الحق .

الـمطلـب الثـاني : كـيفـية إنتـقـال الحـيـازة وزوالـهـا

إن قيام الحيازة صحيحة  يمكنها أن تنتقل  إلى أي شخص سواءا خلفا أو من الغير ،  فالحائز خلفا عاما كان أو خاصا قد ينتفع بحيازة سلفه لكسب الحيازة بالتقادم المكسب ورفع دعاوى الحيازة .
كما أن الحيازة ليست أبدية ، بل تزول بزوال الركنين المادي والمعنوي معا أو بزوال أحد الركنين دون الآخر، كما يكون زوالها بإرادة الحائز نفسه أو رغما عنه، وهو ما سنتطرق إليه فيما يلي :
الفرع الأول : كيفية إنتقال الحيازة :
إن إنتقال الحيازة من حائز إلى آخر معناه أن تكون الحيازة متصلة بدون إنقطاع بين السابقة و اللاحقة ، ولا تعتبر هذه الأخيرة حيازة مبتدأة (1) ، ويترتب على هذا الإتصال جواز ضم مدة الحيازة السابقة إلى مدة الحيازة اللاحقة  فيؤدي إلى إستمرار الحيازة ، وبالنتيجة لا يعد إنتقالا للحيازة في الحالات التالية:
أ - حيازة المنقول إبتداءا إذا لم يكن له مالك ، وذلك لأنه لم يكن في حيازة أحد قبل الإستيلاء عليه .
ب- إغتصاب الحيازة من الحائز ، لأن المغتصب أو منتزع الحيازة بالإكراه يبتدئ حيازة جديدة لا تتصل بالحيازة القديمة .
ج- حيازة غير الوارث لعين من أعيان التركة ، سواء كان الحائز سيء النية أو حسن النية ، تعتبر أيضا حيازة مبتدئة لا تتصل بحيازة المورث ولا تعتبر إستمرارا لها ، ولا تضم مدتها إلى مدة حيازة المورث .
ونشير إلى أنه لا يشترط في الحيازة أن تكون قانونية لكي تنتقل وتؤول من السلف إلى الخلف، فقد تكون حيازة السلف عرضية وتنتقل إلى الخلف محتفظة بهذه الصفة ، أو ينتقل معها العنصر المادي وحده ويضيف إليها الخلف العنصر المعنوي .
ويتم ‘نتقال الحيازة أما بالميراث طبقا لنص المادة 814 من القانون المدني ،أو عن طريق العقد طبقا للمواد 811 و812 و 813 من نفس القانون .
أولا : إنتقال الحيازة إلى الخلف العام :
الخلف العام هو الوارث أو الموصى له بجزء من مجموع التركة (2)، وقد نصت المادة 814 من القانون المدني على مايلي : " تنتقل الحيازة إلى الخلف العام بجميع صفاتها، غير أنه إذا كان السلف سيء النية جاز له أن يتمسك بحسن نيته ...." ، وبذلك تنتقل الحيازة إلى الخلف العام وتكون إمتدادا لحيازة السلف ، وتتم حيازة الخلف دون حاجة إلى تسليم مادي (3) .
وتنتقل الحيازة إلى الخلف العام بصفاتها ، كأن تكون حيازة عرضية أو أصلية أو أن تكون مشوبة بعيب من العيوب.
ثانيا: انتقال الحيازة إلى الخلف الخاص .
الخلف الخاص هو من تلقى عن غيره حقا معينا بالذات ، ويشترط لإنتقال الحيازة إليه شرطان :
1/- وجود إتفاق بين السلف الحائز و الخلف الخاص .
2/- أن تتوفر لدى الخلف السيطرة على الشيء ، أي أنه بإستطاعته مباشرة الأعمال المادية دون عائق .
ويجب أن يكون الإتفاق على نقل الحيازة مقترنا أو متبوعا بتسليم الشيء المحاز، وقد يكون هذا التسليم فعليا أو حكميا أو رمزيا :
-التسليم الفعلي : تنص المادة 811 من القانون المدني على أنه: << تنتقل الحيازة من الحائز إلى غيره إذا إتفقا على ذلك وكان في إستطاعة من إنتقلت إليه الحيازة أن يسيطر على الحق ولو دون تسليم مادي للشيء موضوع هذا الحق >>.
ويتعلق هذا التسليم الفعلي بالتسليم المنصوص عليه في عقد البيع والذي جاء في المادة 367 من القانون المدني كما يلي : << يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشترى بحيث يتمكن من حيازته والإنتفاع به دون عائق ولو لم يتسلمه تسلما ماديا مادام البائع قد أخبره بأنه مستعد لتسليمه بذلك ، ويحصل التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء المبيع >>.
ومن خلال هذا النص يتضح لنا ضرورة توافر ثلاثة شروط للتسليم الفعلي وهي :
* وضع المبيع تحت تصرف المشترى حيث يتمكن من حيازته والإنتفاع به .
* إخطار البائع المشترى بذلك .
* يكون التسليم بما يتفق وطبيعة الشيء .
ـ أما التسليم الحكمي ، فقد نصت المادة 812 من القانون المدني على أنه : " يجوز نقل الحيازة دون تسليم مادي إذا إستمر الحائز واضعا يده لحساب من يخلفه في الحيازة أو إستمر الخلف واضعا يده ولكن لحساب نفسه ". وعليه فإن هذا التسليم يتم في صورتين: الأولى أن يكون الشيء المحاز في حيازة المشترى قبل البيع والثانية أن يبقى الشيء المحاز في حيازة المالك ليس بصفته مالكا وإنما بتحوله إلى مستأجر أو مستعير للشيء المحاز .
ـ والتسليم الرمزي حسب المادة 813 من القانون المدني هو " تسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها .
غير أنه إذا تسلم شخص السندات وتسلم آخر البضائع ذاتها وكان كلا هما حسن النية فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضائع ". وبذلك فإن هذا التسليم يتحقق بتسلم الحائز للأداة التي يستطيع بواسطتها السيطرة على الشيء ، وفي حالة تعارضه من التسليم الفعلي ، فالعبرة بهذا التسليم الأخير. وتبدأ حيازة الخلف الخاص على عكس حيازة الخلف العام جديدة مستقلة تماما عن حيازة السلف، فتكون معيبة بعيوب خاصة بها تختلف عن العيوب التي كانت تشوب حيازة السلف (1) .
وبذلك تختلف حيازة الخلف الخاص عن حيازة السلف، فقد تكون حيازة الخلف الخاص قانونية بينما كانت حيازة السلف حيازة عرضية .
ويمكن للخلف الخاص الإنتفاع بمزايا حيازة سلفه، فينتفع بدعاوى الحيازة التي كانت مقررة له وله ضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته لكسب الملكية بالتقادم (1) شرط أن تكون حيازة السلف صالحة لكسب الملكية بالتقادم، وأيضا أن تكون حيازة الخلف الخاص منصبة على ذات الحق الذي حازه السلف من قبله أو على حق أدنى منه، وأخيرا أن تكون حيازة السلف صالحة لترتيب نفس الأثر الذي يريد الخلف الخاص التمسك به
الفرع الثاني : كيفية زوال الحيازة :
تقوم الحيازة على ركنيها المادي والمعنوي ، وتزول بزوال أحدهما أو كليهما، وقد تطرق المشرع إلى زوال الحيازة في المادتين 815 و816 من القانون المدني .
أولا: زوال الحيازة بفقدان العنصرين المادي والمعنوي معا :
نصت المادة 815 من القانون المدني على ما يلي: ( تزول الحيازة إذا تخلى الحائز عن سيطرته الفعلية على الحق أي، إذا فقد هذه السيطرة بأية طريقة أخرى) ، وعليه تزول الحيازة بفقدان الحائز للسيطرة الفعلية على الشيء ولنية التصرف في الشيء المحاز كمالك في ثلاثة حالات وهي :
1 ـ بالإرادة المنفردة للحائز، كالتخلي عن الشيء ، ويكون ذلك بترك الشيء المحاز قصد التخلي عنه نهائيا
2 ـ بالإرادتين المتطابقتين للحائز وخلفه الخاص ، كبيع الحائز للعين المحازة .
3 ـ فقد الحائز للسيطرة على الشيء رغما عنه ، وذلك في حالة القوة القاهرة .
ثانيا : زوال الحيازة بفقد عنصرها المادي فقط :
يفقد الحائز السيطرة المادية على الشيء المحاز إذا إغتصب منه بفعل الغير أو ضاع منه، وفي حالة عدم تمكنه من السيطرة المادية على الشيء لا بنفسه ولا بواسطة غيره فإنه يفقد العنصر المادي وبذلك تزول الحيازة ، على أنه يمكن في هذه الحالة أن تستمر هذه الحيازة إذا كان المانع وقتيا ، ويكون ذلك بواسطة العنصر المعنوي وحده إلى حين إسترجاع السيطرة المادية مجددا ، وهو ما نصت عليه المادة 816 من القانون المدني بقولها : ( لا تزول الحيازة إذا حال مانع وقتي دون مباشرة الحائز للسيطرة الفعلية على الحق
غير أن الحيازة تزول إذا إستمر المانع سنة كاملة وكان ناشئا عن حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه، وتحسب السنة من الوقت الذي بدأت فيه الحيازة الجديدة إذا بدأت علنا أو من يوم علم الحائز الأول بها إذا بدأت خفية ) .
وفي هذه النقطة بالذات يجب أن نميز بين زوال حيازة المنقول وبين زوال حيازة العقار، فالنسبة للمنقول فإنه تزول حيازته بمجرد فقد الحائز السيطرة الفعلية، عليه سواء بنفسه أو بواسطة الغير حتى ولو إستبقى العنصر المعنوي لديه على أن لا تمر ثلاث سنوات على سرقة الشيء المحاز أو ضياعه ، فقد نصت المادة
836 من القانون المدني على ما يلي : " يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله إذا فقده أو سرق منه أن يسترده ممن يكون حائزا له بحسن النية وذلك في اجل ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة " .
أما بالنسبة للعقار، فيبقى الحائز رغم فقده للعنصر المادي حائزا للعقار وذلك بإحتفاظه بالعنصر المعنوي وحده على أن يبقى العقار تحت تصرف الحائز وأن تحول دون ممارسة السيطرة المادية عليه ظروف طبيعية، أوأن طبيعة العقارلا تتطلب أعمالا مادية مستمرة عليه شرط ألا يستولى الغير على العقار، و بمرور السنة يصبح الحائز الجديد حائزا قانونيا للعقار (1) وله حمايته بجميع دعاوى الحيازة .
ثالثا : زوال الحيازة بفقد العنصر المعنوي وحده :
إن فقد العنصر المعنوي يؤدي إلى فقد الحيازة رغم بقاء عنصرها المادي وهو السيطرة الفعلية ، ويتحقق ذلك إذا كان قد فقد الحائز عنصر القصد في أن يحوز الشيء لحساب نفسه مع إستبقائه السيطرة المادية على الشيء (2) ومثال ذلك البائع الذي يحتفظ بالمبيع يسلمه في وقت لاحق إلى المشتري وليست له نية التصرف فيه كمالك فيصبح حائزا عرضيا لأن الحيازة القانونية إنتقلت إلى المشتري ويستثنى من هذه الحالة الشخص غير المميز الذي يفقد العنصر المعنوي ومع ذلك يبقى محتفظا بالحيازة ، ويكون حائزا قانونيا إذا كان له من ينوب عنه كالولي أو الوصي .



المبحث الأول : حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة


نظرا لخطورة الإعتداء على الحيازة ، ولأن الواقع العملي يشهد تزايد متتابعا في منازعات الحيازة سواء تلك المتعلقة بالعقار أو بالمنقول ، والذي يبلغ درجة الجريمة في بعض الأحيان ، وحتى لا يقيم الحائز العدل بنفسه مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام وزعزعة الأمن وعدم الإستقرار في المجتمع، فقد حاول المشرع تكريس حماية فعالة للحيازة من مختلف النواحي ومن بينها الناحية الجزائية التي تمر أولا عبر النيابة العامة بوصفها النائبة عن المجتمع في الحفاظ على أمنه وسلامته وهذا وفقا للحدود التي رسمها لها المشرع في قانون العقوبات والتي كرسها الإجتهاد القضائي في العديد من قراراته ، فمتى قامت الدلائل الكافية على جدية الإتهام في الجرائم المتعلقة بالحيازة المستهدفة بالحماية الجزائية وجب على النيابة العامة التدخل لوقف الإعتداء، و حماية تلك الحيازة لحين فصل القضاء الجزائي فيها وتقرير العقاب للمعتدي.
و الحيازة المستهدفة بالحماية الجزائية هي الحيازة الفعلية بقطع النظر عن الملكية أو الحيازة الشرعية أو الأحقية في وضع اليد والحكمة في ذلك ترجع كما سبق الذكر إلى رغبة المشرع في منع الإخلال بالنظام العام من الأشخاص الذين يدعون بحق لهم ويحاولون الحصول عليه بأنفسهم ، وعلى ذلك فإن الحيازة المقصودة بالحماية الجزائية سواء عن طريق النيابة العامة أو القضاء الجزائي ليست هي الحيازة بمفهومها في القانون المدني والتي يحميها بدعاوى الحيازة الثلاث و إنما هي الحيازة الفعلية بغض النظر عن مدة الحيازة سواء طالت أو قصرت أو عن أحقية المتهم في أن يكون هو الحائز ، فالحائز الفعلي سواء كان مالكا للعقار أو غير مالك ، له الحق في أن تحمى حيازته حتى تنتزع منه بالطريق القانوني ، المهم أن تكون الحيازة مستمرة وغير منقطعة. وبذلك فالصورة المثلى لحماية الحيازة المتعلقة بالعقار هي جريمة التعدي على الملكية العقارية المنصوص والمعاقب عليها في المادة 386 من قانون العقوبات ، إضافة إلى إمكانية إعتبار جريمة إقتحام حرمة المنـزل ( المادة 295 من نفس القانون ) من صور الحماية الجزائية لحيازة العقار رغم أنها تندرج ضمن حماية الحريات الفردية ولم تبرز ضمن حماية العقار وهاتين الصورتين كشف عنهما الإجتهاد القضائي في العديد من قراراته على أساس أن القانون لم ينص ولم يشر إلى عنصر الحيازة.
أما فيما يخص حماية الحيازة المتعلقة بالمنقول فتبرز من خلال العديد من المواد الواردة في قانون العقوبات كجريمة الإختـلاس ( م 119 ، 120 ) ، جريمة السرقـة (م 350، 361 ) ، جرائم تبديد الأشياء المحجوزة والموضوعة تحت الحراسة (م364 ) ، إضافة إلى بعض المخالفات كتلك الواردة في المواد 444 و 450 و 464 ، وإزاء هذا التعدي على الحيازة بصورتيها أي حيازة العقار و حيازة المنقول فإن النيابة العامة عند تدخلها لغرض حماية هذه الحيازة، فإنها وبمجرد عرض الشكوى أو تلقي محاضر الضبطية القضائية وبعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة، فإذا ما رأت أن جميع الأركان تشكل جريمة وفقا لقانون العقوبات فإنها ملزمة بأخذ موقف في هذه الحالة وذلك بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أمام القضاء الجزائي، وتنفيذ الأحكام الصادرة عنه ، أي أن موقفها يتمثل في المتابعة. أما إذا رأت عدم قيام الإستدلالات الكافية على قيام الجريمة أو لوجود قيود تحول بينها وبين تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها فإنها تقوم بحفظ الأوراق بقرار قابل للإلغاء والتراجع عنه في حالة ظهور مستجدات تكشف عن حقيقة الجريمة المرتكبة أو حقيقة الفاعل .
وسنقسم هذا المبحث كمايلي :
المطلب الأول :  حالات تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة
عند سماعنا لعبارة تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة، يتبادر الى أذهاننا تدخلها في المنازعات المدنية المتعلقة بالحيازة أي في دعاوى منع التعرض، وإسترداد الحيازة ووقف الأعمال الجديدة ،غير أننا نعلم أن السلطة الأساسية للنيابة العامة هي مباشرة الدعوى العمومية ، وبذلك يخرج من نطاق إختصاصها الدعاوى المدنية .
غير أن التدخل الذي نقصده في هذا الموضوع هو الحماية الجزائية للحيازة ،أي الحالات التي يكتفي فيها المشرع بحيازة الشخص للعقار أو المنقول محل الإعتداء والتي نص عليها في قانون العقوبات، فكان تدخلها هذا من أجل رعاية المصلحة العامة وتطبيق القانون تطبيقا سليما لتحقيق السير الحسن للعدالة (1) .
وقد ساهم القضاء كثيرا في كشف بعض الحالات التي تتدخل فيها النيابة العامة لحماية الحيازة ، والتي لم يوردها المشرع صراحة في المواد الواردة في قانون العقوبات ومثال ذلك جنحة إقتحام حرمة المنزل       و جنحة التعدي على الملكية العقارية ، ففي هاتين الحالتين تتدخل النيابة العامة للتصدي للإعتداء الذي يقع على حيازة العقار .
وإذا كان قاضي الموضوع الذي ينظر في دعاوى الحيازة المدنية أو القاضي الإستعجالي لا يتدخل في حماية حيازة المنقول عن طريق الدعاوى الثلاث السالفة الذكر لأن الحيازة في المنقول تختلط بالملكية ، فإن مجال تدخل النيابة العامة لحماية حيازة المنقول عكس ذلك ، إذ يبرز ذلك في العديد من صور الجرائم التي تعرض عليها كالسرقة ، إتلاف أو تبديد الأشياء المحجوزة ، خيانة الأمانة ،  بالإضافة الى بعض المخالفات والواردة على سبيل المثال في المواد 444 ، 450  464 من قانون العقوبات.
عكس الشارع المصرى فقد وسع من نطاق تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة إلى أقصى حد ، إذ نجده قد نص في المادة 44 مكرر من قانون العقوبات على إسناد الإختصاص بإصدار قرارات من النيابة العامة لحماية الحيازة متى طرحت عليها منازعة من منازعات الحيازة، سواءا كانت مدنية أو جزائية وهذا لإعطاء حل عاجل وقتي حتى لا تظهر بعدها المنازعة المدنية و لا تتحول الى جريمة لتصل الى القضاء وزوال خطر الإعتداء على الحيازة وإستقـرار المراكز المادية للأطرف (2)  ، على أن تتعلق هذه الحيازة بحق عيني على عقار دون المنقول الذي تحميه قاعدة " الحيازة في المنقول سند الملكية "، و يعرض التظلم ضد قرار النيابة العامة على القضاء المستعجل الذي يفصل إما برفضه أو تأييده أو تعديله .
فالنيابة العامة في القانون المصري تتدخل في عدة جرائم متعلقة بالحيازة تتمثل في :
*- جريمة دخول عقار أو البقاء فيه بقصد منع الحيازة بالقوة أو بقصد إرتكاب جريمة فيـه ( المادة 369 من قانون العقوبات ) .
*- جريمة دخول بيت مسكون بقصد منع الحيازة بالقوة أو إرتكاب جريمة فيه ( المادة 370 من قانون العقوبات  ) .
*- جريمة وجود شخص في مكان مسكون مختفيا عن الأعين ( المادة 371 من قانون العقوبات  ) .
*- جريمة دخول أرض زراعية أو فضاء أو مبان والإمتناع عن الخروج بعد التكليف لذلك ( المادة 373 من قانون العقوبات  ) .
إضافة الى جرائم التعدي على أملاك الدولة والمنازعات المتعلقة بمسكن الحضانة .
وسنعرض فيما يلي الحالات التي تتدخل فيها النيابة العامة لحماية الحيازة سواء بالنسبة لحيازة العقار أو حيازة المنقول .
الفرع الأول : الجرائم المتعلقة بحيازة العقار
لم ينص المشرع الجزائري في قانون العقوبات صراحة على حيـازة العقار ، لكن الإجتهاد القضائي أقر بحالات تتدخل فيها النيابة العامة كحالة  الإعتداء على حيازة شخص لعقار ما ، وإستقرار الأوضاع بعدم إشتراطه الملكية في جريمتي الإعتداء على الملكية العقارية وإقتحام حرمة المنزل ، وإكتفى بمجرد حيازة الضحية للعقار لتمتد االحماية لتقوم الجريمتين كاملتي الأركان كمايلي :
أولا : التعدي على الملكية العقارية :
أورد المـشرع الجزائري  جريمة التعدي على الملكية العقارية بالقسم الخامس من الفصل الثالث المتعلق بالجرائم ضد الأموال ، في مادة وحيدة إتسمت عباراتها بالسطحية و عمـومية الألـفاظ ، فإستعملت ألفاظ عادة ما تتناسب و طبيعة المنقول مثل "خلسة" ، " إنتزع عقارا..." ، في حين أن العقار بطبيعته غير قابل للإختلاس ، بل  يكون محل خصومة ذات طابع مدني ترمي أساسا الى إسترجاع الحيازة .
ومن ثمة فإنه أصبح من الضروري ضبط المصطلحات و توسيع رقعة الجرائم المرتكبة ضد الأموال إلى العقارات منها الأراضي الزراعية والمباني ، وذلك قصد الحد من المساس بالنظام العام من خلال التعديات المتكررة  دون القيام بالإجراءات القانونية اللازمة .
أما الإجـتهاد القضـائي فـإنه يرمي الى المحافظة على الأمـن العـام والحد من  الإستيلاء على العقار خلسة  أو بالعنف أو بطريقة التدليس تحت ذريعة عقد الملكية أو سند آخـر و لو منازع فيه ، لما للحيازة في حد ذاتها من أهمية بمكان – كـون الحيازة في حد ذاتها تخلق حقا مكتسبا لصالح حائز العقار تجاه الآخرين طالما وأن القضاء لم يبت في دعوى من يدعي حق الملكية دون أن يكون هو الحائز الحقيقي له - .
وعليه فإن تجريم التعدي على الملكية العقارية  ما هو في الحقيقة إلا تجريم لأعمال العنف (1) ، التي تهدف الى إنتزاع الحيازة الهادئة لعقار رغم أن المادة 386 من قانون العقوبات  وردت تحت عنوان  لا يعكس تماما إقرار حماية الحيازة ، وإنما أقرت حماية خاصة بالملكية فقط .
أولا : أركان جريمة الإعتداء على الملكية العقارية :
نصت المادة 386 من قانون العقوبات على أنه : " يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات ، وبغرامة من 2000 دج الى 20.000 دج ، كل من إنتزع عقارا مملوكا للغير  وذلك خلسة أو بطريق التدليس .
وإذا كان إنتزاع الملكية قد وقع ليلا بالتهديد بالعنف أو بطريقة التسلق أو الكسر من عدة أشخاص أو مع حمل
سلاح ظاهر أو مخبأ بواسطة واحد أو أكثر من الجناة فتكون العقوبة الحبس من سنتين الى 10 سنوات وبغرامة من 10.000 دج الى 30.000 دج " .
الركن المادي : ويقوم على  العناصر التالية :
*- العنصر الأول : إنتزاع عقار مملوك للغير
ويتحقق هذا العنصر بـ:
أ /- أن يقوم الجاني بإنتزاع العقار :
أي دخول العقار بغير وجه قانونيي على أن يكون ذلك بالعنف و دون رضا المالك فـتنتـقـل حيازة العقار المعتدى عليه الى من قام بفعل الإنتزاع ،  وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها رقم 5734 المؤرخ في 08/11/1988 الذي جاء فيه << أن الخلسة أو طرق التدليس في جريمة إنتزاع عقار مملوك للغير تتحقق بتوافر عنصرين : ـ دخول العقار دون علم صاحبه ورضاه .
ـ ألا يكون للداخل الحق في ذلك .
ومن ثمة فإن القضاة الذين أدانوا المتهم على أساس أنه إقتحم المسكن دون علم أو إرادة صاحبه و لا مستأجره وشغله مع عائلته دون وجه شرعي لم يخالفوا القانون .>> (2)
و يشترط أن يكون محل التعدي واقعا على عقار(3) ، ويستوي أن يكون العقار أرضا معدة للزراعة أو البناء أو كان مبني ... إلخ .
ب/- أن يكون العقار مملوكا للغير :
ويكون ذلك بمقتضى السندات العقارية المثبتة للملكية العقارية ، ومن بينها شهادة الحيازة (4).
وقد أشار القرار الصادر عن المحكمة العليا رقم 75919 المؤرخ في 05/11/1991 الى أن المادة 386 من قانون العقوبات  تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير ، ومن ثمة فإن قضاة الموضوع الذين أدانوا الطاعنين
في قضية الحال بجنحة التعدي على الملكية العقارية دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا ، يكونون قد أخطئوا في تطبيق القانون (1) .
*- العنصر الثاني : إقتران الإنتزاع بالخلسة أو التدليس .
لم يعرف قانون العقوبات الجزائري الخلسة و التدليس بالرغم من أنهما يمثلان العناصر الخاصة المكونة لجريمة التعدي على الملكية العقارية حسب المادة 386 من قانون العقوبات ، مما جعل الإجتهاد القضائي يتولى ذلك فعرف الخلسة في القرار المذكور أعلاه على أنها << القيام بفعل الإنتزاع خفية أي بعيدا عن أنظار المالك  ودون علمه ، أي سلب الحيازة من المالك فجأة دون علمه أو موافقته >>.
أما التدليس في فهو << إعادة شغل العقار بعد إخلائه عنوة عن المالك >>(2). و هو ما جاء في القرار رقم 279 الصادر بتاريخ 13/05/1986 .
و قد إستقر القضاء على أن الخلسة و التدليس هما أركان جريمة التعدي على الملكية العقارية و هو ما أكده القرار الصادر بتاريخ 17/01/1989 تحت رقم 52971 إذ جاء فيه أنه << من المقرر قانونا أن جريمة الإعتداء على ملكية الغير لا تقوم إلا إذا توافرت الأركان التالية : نزع عقار مملوك للغير ، وإرتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس >> (3)
وعلى عكس هذين القرارين الذين عرفا الخلسة والتدليس ، نجد أن غرفة الجنح والمخالفات للمحكمة العليا في العديد من القرارات الأخرى أضافت عناصر أخرى غير واردة في المـادة 386 من قانـون العقوبـات و جعلتها شرطا أساسيا لقيام هذه الجريمة .
فقد جاء في القرار الصادر بتاريخ 17/01/1989 تحت رقم 52971 المذكور أعلاه أن :
<< حيث أنه كان يتعين على مجلس قضاء المدية ، وقبل تطبيق المادة 386 من قانون العقوبات بيان كيفية نزع العقار المملوك للغير خلسة وبطريق التدليس ، وهذا خاصة وأن المادة 386 من ق ع تهدف أساسا إلى معاقبة أولئك الذين يعتدون على عقار مملوك للغير أو يرفضون إخلائه بعد الحكم عليهم بحكم مدني مبلغ تبليغا قانونيا من طرف العون المكلف بالتنفيذ ، وموضوع موضع التنفيذ بمقتضى محضر الدخول إلى الأمكنة >>.
و كذلك القرار الصادر بتاريخ 13/05/1986 تحت رقم 279 الذي جاء فيه أنه :
<< حيث أن التدليس ، العنصر المنصوص عليه في المادة 386 من ق ع ، يعني إعادة شغل ملكية الغير بعد إخلائها ، وهذا بعد أن تتم معاينة ذلك بواسطة محضر الخروج المحرر من طـرف العـون المكلـف


بالتنفيذ >> (1) وبذلك نلاحظ أن عنصرا الخلسة والتدليس اللذان تقوم عليهما جنحة التعدي على الملكية العقارية وفقا للمادة 386 من ق ع يتطلبان مايلي :
ـ صدور حكم مدين يقضي بالإخلاء .
ـ إتمام إجراءات التبليغ والتنفيذ .
ـ عودة المحكوم عليه لشغل الأماكن من جديد بعد طرده منها .
وسنبين هذه العناصر الثلاثة فيما يلي :
*- ضرورة إستصدار حكم يقضي بالإخلاء :
يشترط القضاء لقيام جنحة التعدي على الملكية العقارية ضرورة إستصدار حكم من القاضي العقاري يقضي بطرد المعتدي من العقار محل المطالبة القضائية وصيرورته نهائيا أي أن يصبح قابلا للتنفيذ الجبري .
فقد جاء في القرار رقم 75 ( غير منشور ) الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 15/02/1983 (2) أن :
<< حيث أن المادة 386 من ق ع التي أشار إليها القرار ، وطبقها على الطاعن تعاقب كل من حكم عليه بحكم نهائي بإخلاء عقار ملك الغير ، وإمتنع عن مغادرته بإرادته رغم صدور أحكام نهائية وتنفيذها عليه من طرف المنفذ الشرعي >>.
*- إتمام إجراءات التبليغ والتنفيذ :
لا يكفي إستصدار حكم من القاضي العقاري بالطرد وصيرورته نهائيا ، بل يجب تبليغ وتنفيذ هذا الحكم  ولتحقيق ذلك يجب :
أ ـ أن يباشر التبليغ والتنفيذ عون مؤهل :
يتولى المحضر القضائي تبليغ المحررات والإعلانات القضائية والإشعارات التي تنص عليها القوانين والتنظيمات ، إذا لم ينص القانون على خلاف ذلك (3) .
ب ـ أن يتم التبليغ بصورة صحيحة : أي أن يتم تسليم نسخة من السند المراد تبليغه إلى الخصم (4) المراد تبليغه ، ويؤشر في آخر المحضر ( مخاطبا إياه شخصيا ) ، أو إلى أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين أو أي شخص يقيم بالمنزل نفسه ويذكر ( مخاطبا فلان ) وعند إنقضاء مهلة 20 يوما (5) تبدأ مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري إستنادا الى الصيغة التنفيذية (6).


ج ـ أن يباشر التنفيذ بالوسائل الودية أولا :
إن التنفيذ الجبري لا يتم إلا إذا باءت المحاولات الودية بالفشل ، فبعد إنقضاء مهلة 20 يوما يقوم المحضر بمحاولة الطرد ، أما في حالة رفض الإخلاء فيحرر محضر عدم جدوى محاولة الطرد ، ويلتمس من وكيل الجمهورية تمكينه من القوة العمومية لإجراء طرده بالقوة (1)
ويمكن للمحضر القضائي القيام بمحاولة طرد ثانية إذا ما إلتمس إجابة المنفذ عليه إخلاء الأماكن ، وفي هذه الحالة عليه إشعار الوالي المختص محليا تحـت إشــراف وكيـل الجمهورية بأنه سوف يقوم بتنفيذ حكم الإخلاء كما يلتمس من هذا الأخير تسخير القوة العمومية ، ويتم التنفيذ في اليوم المحدد ، وبحضور المحضر والمحكوم لصالحه  فيحرر محضر التنزيل بعد الطرد إذا تعلق الأمر بقطعة أرض فلاحية أو معدة للبناء .
كما يحرر محضر الطرد مع تسليم المفاتيح بعد التأكد من إخلاء العين ، وفي حالة غياب المحكوم عليه فتطبق أحكام المادة 342 من قانون الإجراءات المدنية، ويحرر محضر فتح باب المسكن وحصر الأشياء مع تسليم المفاتيح . هذا ولا يكفي لإقامة الدليل على قيام الجنحة الإشارة في القرار الى محضر التنفيذ ، بل يجب إرفاقه بالملف خاصة وأن المتهم لم يستمع إليه من طرف المنفذ أو رجال الدرك قبل المتابعة ، وهو مانصت عليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/01/1986 تحت رقم 36742 (2) .
*- عودة المحكوم عليه لشغل الأماكن من جديد بعد طرده منها :
إن إجتهاد المحكمة العليا إشترط الرجوع الى إحتلال الأماكن من جديد بعد صدورالحكم بالإخلاء وكذا تبليغه وتنفيذه ، وبعد ذلك يقوم المحكوم عليه من جديد شغل الأماكن التي طرد منها (3) ، وهو ما يؤكده القرار رقم 448 المؤرخ في 15/05/1990 الذي جاء فيه أن : ( يرتكب الجنحة من حكم عليهم بالتخلي عن الأرض ونفذت عليهم الأحكام والقرارات وطردوا من قبل المنفذ من العقار ، فعادوا إليه في الحال وإحتلوا الأرض وتصرفوا في محاصيلها ) ، وكذلك القرار رقم 42266 الصادر بتاريخ 02/12/1984 الذي جاء فيه أنه << تتحقق في حالة العثور على المتهم في الأماكن بعد ما ثبت أنه صدر ضده حكم بالطرد ونفذ عليه وحرر محضر يتضمن أنه طرد من الأماكن ، وأن هذه الأماكن خرجت من يده وأصبحت ملكا للغير >>(4)   كما جاء في القرار رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 ( غير منشور )  أن حرث المتهمين للقطع الترابية قبل تنفيذ القرار لا يعتبر فعلا يدان من أجله المتهمان ، ذلك أن القطعة الترابية المذكورة لم تخرج من حوزتهما ما دام الطرد لم ينفذ، ولا تعتبر ملكا للطرف المدني المحكوم له إلا إبتداءا من تحرير محضر الطرد على يد عون التنفيذ ، وكذلك القرار رقم 448 الصادر في 15/05/1990 ( غير منشور ) الذي جاء
فيه أنه : ( يرتكب الجنحة من حكم عليهم بالتخلي عن الأرض ونفذت عليهم الأحكام والقرارات وطردوا من قبل المنفذ من العقار فعادوا إليه في الحال وإحتلوا الأرض وتصرفوا فيها وفي محاصيلها )(1).
وعموما لو تفحصنا جميع هذه القرارات الصادرة من المحكمة العليا في هذه المسألة للاحظنا أنها لم تستقر بشكل واضح حول مفهوم كل من الخلسة والتدليس ، كما يعاب عليها أيضا أن تفسيرها للتدليس مبالغ فيه لأن ذلك لا يمنح الحماية اللازمة التي جاءت من أجلها المادة 386 من قانون العقوبات، بإعتبار أنه من إحتل عقار بدون وجه حق لأول مرة فلا يعد مرتكبا لجريمة الإعتداء على الملكية العقارية ، وبذلك فهي تعطي الأولوية والحماية للمعتدي على حساب الملكية العقارية .
لكن من جهة أخرى نجد أن تفسيرها هذا له ما يبرره من الناحية الواقعية ، لأن حماية الملكية العقارية في الجزائر يصطدم بالواقع الذي ورثته الحقبة الإستعمارية ، إذ أن السندات التي يحوزها الأفراد تثير مشاكل عديدة ، فنجدها تفتقد إلى مواصفات العقود الناقلة للملكية ، وبذلك رأى الإجتهاد القضائي للمحكمة العليا صرف الأطراف للتقاضي أمام المحاكم المدنية لتثبيت حقهم في الملكية وإستصدار حكم بالإخلاء على أساس أن القاضي المدني هو المؤهل قانونا لمراقبة هذه السندات ومدى حجيتها في الإثبات (2) .
وجدير بالذكر أن من يقرأ نص المادة 386 من قانون العقوبات وكذا القرارات المذكورة سابقا أعلاه يلاحظ أن الحماية تنصب على الملكية العقارية ، فيقول أنه لا مجال للنيابة العامة في هذه الحالة في حماية الحيازة الأمر الذي جعل جريمة التعدي على الملكية العقارية تثير الكثير من النقاش على الصعيد التطبيقي حول ما إذا كانت الحماية الجزائية تمتد حتى الى حماية الحائز بمفهوم القانون المدني أو قانون التوجيه العقاري ، وكذلك المنتفع في إطار القانون رقم 87 /19 المتعلق بالمستثمرات الفلاحية ، أم أنها تقتصر على حماية المالك بسند رسمي مشهر بالمحافظة العقارية فقط .
فكما سبق الذكر أن نص المادة 386 من ق ع تنص على عبارة ( إنتزاع الملكية ) ، وبذلك نستبعد واقعة التعدي الجرمي على الحيازة، لكن لو رجعنا الى النص الفرنسي فنجده ينص على عبارة              ( déposséder) التي تعني منع الحيازة ، وبذلك تثور الإشكالية على الصعيد العملي حول محل الحماية المنصوص عليها في المادة ، فهل تنصب على الملكية أم الحيازة ؟
هناك إتجاه يرى أن صياغة المادة المذكورة أعلاه لا تنبأ بوجود جريمة تسمى جنحة التعدي على الحيازة العقارية ، بل يقتصر مجالها فقط على المالك الحقيقي ، على أساس ما تقضي به المادة الأولى من نفس القانون والتي مفادها أنه ( لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بدون نص ) ، إضافة الى إستبعاد القياس في مادة قانون العقوبات ، وأن نصوصه يجب أن تفسر تفسيرا ضيقا (3) ، وقد أخذت غرفة الجنح والمخالفات

بالمحكمة العليا بهذا الإتجاه من خلال قرارها الصادر بتاريخ 05/11/1991 تحت رقم75919 (1)  الذي جاء فيه ( أن المادة 386 من قانون العقوبات تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير ومن ثمة فإن قضاة الموضوع الذي أدانوا الطاعنين في قضية الحال بجنحة التعدي على الملكية العقارية دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا للعقار يكونون قد أخطئوا في تطبيق القانون ) .
أما الإتجاه الثاني فيذهب إلى أن ملكية الغير المحمية وفقا لتلك المادة تمتد أيضا إلى الحيازة الظاهـرة المشروعة غير المتنازع عليها و التي فصل فيها القانون المدني ، و في هذا الإتجاه أيضا سارت المحكـمة العليا في العديد من قراراتها  ومنها القرار رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 الذي جاء فيه أنه : ( يستفاد من صريح المادة 386 من ق ع المحرر باللغة الفرنسية أن الجنحة تتحقق بإنتزاع حيازة الغير لعقار خلسة أو بطريق الغش و بناء على ذلك فلا جريمة و لا عقاب إذا لم يثبت الإعتداء على الحيازة ).
كما جاء في القرارين غير المنشورين : الأول يحمل رقم 117996 مؤرخ في 21/05/1995 ، و الثـاني يحمل رقم 112646 مؤرخ في 09/10/1999 ( أن المشرع لا يقصد بعبارة " المملوك للغير " الملـكيــة الحقيقية للعقار فحسب و إنما يقصد بها أيضا الملكية الفعلية ، و لذا ينبغي أن تؤخذ هذه العبـارة بمفهومهـا الواسع الذي لا يقتصر على الملكية حسب تعريفها في القانون المدني ، بل يتعداها ليشمـل أيضـا الحيـازة القانونية ) (2).
اما فيما يخص الحماية الجزائية للحيازة في إطار القانون رقم 87/19 المــؤرخ في 08/12/1987 المتضمن ضبط كيفية إستغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة ، فقد خـول القـانـون للمنتجين الفلاحين المستفيدين من مستثمرات فلاحية فردية أو جماعية في إطار هذا القانون تقديم شــكاوى جزائية ضد الأشخاص الذين إعتدوا على حقوقهم في المستثمرة ، لكن من الناحية العملية نجد أن وكــلاء الجمهورية يقومون بحفظ هذه الشكاوى على أساس أن ملكية الرقبة تعود للدولة وليس للمستفيد الذي لا يملك سوى حق إنتفاع دائم لا يخوله الإستفادة من أحكام المادة 386 من قانون العقوبات ، وأن مديرية أمــلاك الدولة هي التي يجب عليها رفع الشكوى .
الركن المعنوي :
لقيام جريمة الإعتداء على الملكية العقارية فقد إشترط المشرع ضرورة توافر القصد الجنائي العام ، أي أنه يجب توافر عنصري العلم و الإدراك بأن الفعل المقدم عليه مجرم قانونا ، فتتوجه إرادته رغم ذلك لإتيانه .
ثانيا : إقتحام حرمة المنزل :
متى قامت جريمة إقتحام حرمة منزل التي نص المشرع عليها في القسم الرابع من قانون العقوبات والـذي تضمن الإعتداء الواقع على الحريات الفردية، وحرمة المنازل والخطف ضمن الفصل الأول ( الجنــايات  والجنح ضد الأشخاص ) من الباب الثاني ( الجنايات والجنح ضد الأفراد ) ،باشرت النيابة العامة إجراءات تحريك الدعوى العمومية ، طبقا لأحكام المادة 295 من قانون العقوبات.
فبالرغم من أن هذه المادة لم ترد ضمن القسم الذي يحمي الأملاك العقارية إلا أن المشرع قصد من نص التجريم حماية الحريات الفردية من خلال معاقبة الإعتداء على الحرمة الموجودة بالمنزل .
غير أننا سنتناولها ضمن الجرائم الواقعة على العقار لإرتباط حرمة المنزل بالعقار وهو المنزل على أساس أن المشرع الجزائري إكتفى بحيازة المنزل دون إشتراط الملكية ، فمتى حاز الشخص ذلك العقار- المنزل- و بمجرد الإعتداء على الحرمة، فإن النيابة العامة لا تباشر إجراءات المتابعة إلا إذا كانت هناك علاقة بين الضحية والمنزل – حيازة - المنزل ، إضافة إلى أن هذه الجريمة لا تقوم إلا إذا توافر عنصر الدخول للمنزل.
وقد نصت المادة 295 من قانون العقوبات على ما يلي : " كل من يدخل فجأة أو خدعة أو يقتحم منزل مواطن، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من 1000 إلى 10.000 دج .
وإذا إرتكبت الجنحة بالتهديد أو بالعنف تكون العقوبة بالحبس من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر ، وبغرامة من 5000 الى 20.000 دج " .
وعليه فإن الركن المادي للجريمة يقتضي توافر عنصرين أساسيين – كما سيأتي بيانه- وهما :
1 ـ الدخول إلى المنزل .
2 ـ إستعمال إحدى الوسائل الآتية : المفاجأة ، الخدعة أو العنف أو التهديد .
غير أن المشرع لا يشترط أن يكون المنزل مسكونا ، إذ يكفي أن يكون العقار معدا للسكن ويحوزه المجني عليه باي طريق من طرق الحيازة المشروعة (1).
و عليه فإنه ينبغي لقيام جنحة إقتحام حرمة المنزل توافر الأركان الواجبة في كل جريمة :
*- من ركن شرعي وهو نص المادة 295 من قانون العقوبات .
*- ركن معنوي: مادام لم يشترط المشرع قصدا جنائيا خاصا،فإنه يكفي لقيام الجريمة توافر عنصري ،العلم  بأن الفعل المقدم عليه مجرم قانونا ، مع توجه إرادته لإتيانه طبقا للقصد العام .
*- الركن المادي :و الذي يقوم على العناصر التالية:
- العنصر الاول : دخول المنزل .
و يقصد بالدخول الولوج أيا كانت طريقته ، فإذا لم يدخل الشخص المنزل و إكتفى بكسر السور المحيط به مثلا ، فإن عمله لا يشكل الركن المادي المنصوص عليه في المادة 295 من قانون العقوبات ، حتى و إن إقترن هذا العمل بالقوة ، فقد يشكل ذلك شروعا و لكن المشرع لم يعاقب على الشروع في إقتحام حرمة المنزل ، و هو ما قضت به غرفة الجنح و المخالفات بالمحكمة العليا في قرارها رقم 59456 المؤرخ في 23/01/1990 الذي جاء فيه أنه : ( لا يعاقب القانون على المحاولة في جنحة إنتهاك حرمة منزل ، و من
ثم فإن قضاة المجلس الذين قضوا بعدم قيام الجنحة في حق المتهم الذي دق على باب سكن الضحية الخارجي بقوة دون الدخول اليه لم يخطئوا في تطبيق القانون)(1) ، وما دام الشخص قد دخل العقار فإن ذلك يكفي لوجود الركن المادي ، يستوي في هذا أن يكون الدخول من الباب أو من النافذة أو بطريق التسلق أو الكسر أو إستعمال مفاتيح مصطنعة وقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 10/11/1987 تحت رقم 1013 ( غير منشور)(2) أنه ( يرتكب الجنحة بكل عناصرها المتهم الذي تسلق إلى الخيمة ليلا وقصد فراش البنت التي مسكت بيده وأكثرت من الصراخ حتى قدم إليها أهلها وقبضوا عليه ).
- العنصر الثاني : إستعمال إحدى الوسائل التالية : المفاجأة ، الخدعة ، التهديد ، العنف :
لكي يتحقق الدخول على النحو المتقدم فإنه يقتضي أن يكون دخولا غير مشروع ، و الذي يتم رغم إرادة الحائز أو يقع على وجه غير قانوني ، ولو لم ينص القانون على ذلك صراحة ولكنه يستفاد من مغزى الحماية ، كما يكون الدخول غير مشروع حتى لو لم يعارض فيه حائز المنزل إذا كان مقترنا بقصد سيء ، بحيث لو علمه الحائز لما أجازه ، وهو ما جسده قرار المحكمة العليا الصـادر تحـت رقم 409 بتاريخ 24/06/1986 ( غير منشور )  إذ جاء فيه : ( أن دخول المدعي في الطعن الى مسكن الشاكية بدون رضاها ، وبعدما أخبرها بكونه مرسلا من قبل أمها ، يشكل الفعل المادي لجنحة إنتهاك حرمة منزل بعنصريه وهما الدخول الى المنزل ، والعنف الناجم عن كون المتهم دخل المنزل رغما عن الشاكية وعن إحتجاجها )(3)  ، كما جاء في القرار رقم 9988 المؤرخ في 18/3/1975 أنه " يفهم من إنتهاك حرمة المسكن إقتحامه بصفة غير شرعية ، أي الدخول إليه بالعنف أو التهديد أو الغش " (4)
والملاحظ أن المشرع لم يشترط وقوع الجريمة على كل الملك ، وبذلك فإن الركن المادي يتحقق في هذه الجريمة بمجرد دخول جزء منه ما دامت قد توافرت حقيقة الدخول ، فوصل المشرع بذلك الى أبعد مدى في حماية الحيازة جزائيا متى توافرت باقي الأركان (5) .
مفهوم المنزل :
نصت المادة 355 من قانون العقوبات على أنه : ( يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك و لو متنقل متى كان معدا للسكن ، وإن لم يكن مسكونا وقت ذاك  وكافة توابعه مثل الأحواش وحظائر الدواجن ومخازن الغلال والإسطبلات والمباني التي توجد بداخلها مهما كان إستعمالها حتى ولو كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي ) .
وبذلك فإن مفهوم المنزل يتحدد بمعناه الواسع الذي يشمل كل لواحقه التي ليست في متناول العامة كالسطح والفناء والحديقة ... إلخ ، وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 02/02/1982
تحت رقم 64 ( غير منشور ) ، إذ جـاء فيـه أنـه : ( يتعين تحديد مفهوم المنزل الذي أشارت إليه المادة 295 من قانون العقوبات بمعناه الواسع ، وهو كل لواحقـه التي ليسـت في متنـاول العامـة كالسطــح و الفناء والحديقة إلى غير ذلك ، وبما أن العارض إعترف بأنه دخل حديقة الضحية بغير إذنها فيعتبر تصرفه خلسة وتنطبق عليه بحق المادة 295 سالفة الذكر ) .
هذا ولا يشترط أن يكون المنزل مسكونا ، بل يكفي أن يكون معدا للسكن سواء كان قد شغل فعـلا أو أعد لذلك الغرض وتحوزه المجني عليها (1) .
ويقصد بالشخص الذي يعتدي على هذه الحيازة ، كل شخص لا يكون صاحب الحيازة الفعلية للعقار حتى ولو كان مالكا له ، وعلة ذلك أن من يكون مالكا للمنزل ويظن أن الحائز لاحق له في الحيازة ، لا يجوز له أن يقيم العدل لنفسه ، بل عليه أن يلجأ إلى القضاء الذي يحقق له حماية تلك الأوضاع الظاهرة ، وبذلك فالحيازة تحمى في حد ذاتها سواء كان الحائز مالكا أوغير مالك .
الفرع الثاني : الجرائم المتعلقة بحيازة المنقول :
لم يجعل المشرع مجال تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة مقتصرا على حيازة العقارات فقط ، وإنما مد إختصاصها إلى حماية حيازة المنقولات من خلال الترصد للعديد من صور الإعتداء الذي عاقب عليه في قانون العقوبات ، وكل ذلك من أجل المحافظة على الأمن العام وضمان إستقرار المجتمع .
وفيما يلي نعرض بعض الجرائم المقررة لحماية حيازة المنقول :
أولا- جريمة السرقة :
عرفت المادة 350 من قانون العقوبات السرقة كما يلي :" كل من إختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا..."
إذ يستشف أن الركن المادي لهذه الجريمة يقوم على العناصر التالية:
1 ـ الإختلاس :
إتفق الفقه والقضاء في غياب تعريف القانون للإختلاس على أنه الإستيلاء على شيء بغير رضا مالكه  أو حائزه ، وبذلك فالإختلاس يقوم على عنصرين :
أ /- العنصر المادي :
يتحقق الإختلاس بنقل الشيء أو نزعه من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الجاني بدون علم المجني عليه وبغير رضاه ، سواء تم ذلك بالنزع أو السلب أو الخطف أو النقل أو أية طريقة أخرى ، على أنه يجب أن ينقل السارق الشيء إلى حيازته.
أما إذا أعدمه في مكانه فيصبح الفعل إتلافا وليس إختلاسا ،ولا يشترط أن يحتفظ الجاني بالشيء في حوزته إذ قد يتخلى عن حيازته لشخص آخر وقد يستهلكه)  (2).

وعليه ، فلا يتحقق الإختلاس إذا كان الشيء موجودا أصلا في حوزة المتصرف لأن عملية نقله من حيـازة المجني عليه غير محققة ، كما لا يتحقق الإختلاس بالتسليم سواء كان حرا أو مبنيا على خطأ أو مشوبا بغلط
أو كان نتيجة تدليس ، وذلك لأن الشيء يتنافى مع نزع الحيازة ، على أن يكـون ذلك التسليم حـاصلا من شخص له صفة على الشيء المسلم لمالكه أو حائزه .
أما إذا حصل من شخص لا صفة له على الشيء فلا ينفي على هذا التسليم قيام الإختلاس ، إضافة إلى أنـه يجب أن يكون التسليم قد حصل عن إدراك وإختيار وهو ما نعني به التسليم الحر .
أما إذا حصل التسليم من طفل غير مميز أو من مجنون أو معتوه أو سكران أو نائم أو مكره ماديا أو معنويا فإن ذلك لا ينفي فعل الإختلاس مع الإشارة إلى أن التسليم يحصل عن إدراك وإختيار ولو بني على خطأ أو كان مشوبا بغلط أو كان نتيجة تدليس، بينما يقوم الإختلاس بالتسليم الحاصل بخطأ إذا كان الخطأ نتيجة لغش أو تدليس شرط إلا تكون الضحية هي المتسببة في الخطأ  وإلا إنتفى الإختلاس ، ومن ثم لا يقوم الإختلاس إلا إذا كان الغير هو المتسبب في الخطأ .
بالإضافة إلى ضرورة أن يكون التسليم حاصلا من شخص له صفة على الشيء المسلم وأن يحصل التسليم عن إدراك وإختيار ، فيجب أن يكون التسليم بقصد نقل الحيازة كاملة - بنية التملك -  أو ناقصة (1).
فالحيازة الكاملة أو التامة تكون لمالك الشيء أو لمدعي ملكيته ، سواءا كان حسن النية أو سيء النيـة .
أما الحيازة الناقصة أو المؤقتة ، فتكون لمن يحوز شيء بمقتضى سند يخوله الجانب المادي في الحيازة دون الملكية التي تظل لغيره كالمستأجر، والدائن المرتهن رهنا حيازيا والمستعير والمودع لديه والوكيل، فالحائز في هذه الحالات وإن كانت لديه بعض مظاهر العنصر المادي للحيازة ، إلا أن الحيازة تكون لحساب المالك
وعليه فالنيابة العامة تتدخل في هذه الصورة لحماية الحيازة المعتدى عليها إذا تحققت الشروط التالية :
1 ـ ألا تكون الحيازة بيد الجاني .
2 ـ لا يشترط أن يكون الحائز المعتدي على حيازته حائزا للشيء بسند مشروع ، وهذا ما يتوافق وكون الحيازة مركزا واقعيا لا قانونيا .
3 ـ يجب أن تكون حيازة الشخص المعتدي عليها إما كاملة وإما ناقصة ، أما في حالة اليد العارضة على الشيء فلا تكون الحيازة لواضع اليد وإنما هي لمن له السيطرة الفعلية على الشيء .
ب /- العنصر المعنوي:
لقيام ركن الإختلاس ينبغي أن تخرج حيازة الشيء من حائزه أو مالكه الى الغير دون رضا المـجني عليه (2) ، أما إذا وقع ذلك برضاه فتنتفي جريمة السرقة لإنتفاء ركن الإختلاس ، على أن يكـون الرضـا حقيقيا صادرا عن إدراك وارادة وأن يكون صادرا قبل وقوع الإختلاس أو معاصرا له ، أما إذا كان لاحقا عليه فإنه لا ينفي الجريمة .
2- محل الجريمة:
نصت المادة 350 من قانون العقوبات على أن السرقة تقع على شيء غير مملوك للجاني .
وعليه فإن الإختلاس لا يقع إلا على شيء ، ولايهم إن كان ذا قيمة كبيرة أو ضئيلة ، سواء كانت قيمة تجارية أو مادية أو حتى أدبية .
كما يجب أن يكون محل السرقة منقولا ، فرغم أن هذا الشرط لم يرد صراحة بالمادة 350 من قانون العقوبات ، إلا أن طبيعة محل السرقة لا يعقل أن يكون إلا منقولا لأن العقار غير قابل للنقل من حيزه  (1)  .
فالمنقول هو كل مال يمكن نقله من مكان إلى آخر .
كما ينطبق الأمر كذلك على الماء والكهرباء والغاز(2) ، أما إذا كان الأمر يتعلق بمعلومات (3) أو إستعمال شيء (4) أو خدمة (5) ، فإن المشرع الجزائري لم يعاقب على السرقة في ذلك، بينما نجد القضاء الفرنسي في العديد من قراراته (6) إعتبر ذلك سرقة .
بالإضافة إلى شروط محـل الجريمة من أن يكون شيئا وأن يكون منقول ، فقد إشترط المشرع أن يكون مالا مملوكا للغير وقت السرقة حتى ولو خرجت هذه الأشياء من حيازة أصحابها ماديا ولكنها بقيت في ملكيتهم كالأشياء الضائعة أو المفقودة.
أما الركن المعنوي : فهو القصد الجنائي إذ تقتضي جريمة السرقة قصدا جنائيا عاما ، يتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى تحقيق الجريمة بجميع أركانها مع علمه بأن القانون يعاقب على ذلك ، ولذا فالجاني ينبغي أن يكون مدركا بأن محل السرقة هو ملك لغيره وإن إرادته تنصرف إلى التصرف فيه بدون رضا المالك .






ثانيا : جريمة خيانة الأمانة :

لقيام جريمة خيانة الأمانة ينبغي توفر العناصر التالية :
1 ـ الإختلاس أو التبديد .
2 ـ محل الجريمة .
3 ـ تسليم الشيء .
1 / - الإختلاس أو التبديد :
ويتحقق الإختلاس بتحويل الشيء من حيازة مؤقتة الى حيازة دائمة بنية التملك ، بينما يتحقق التبديد بفعل يخرج به الأمين الشيء الذي أؤتمن عليه من حيازته بإستهلاكه أو بالتصرف فيه بالبيع أو الهبة أوالمقايضة أو الرهن ، وفي كلا الحالتين يقوم الفاعل بتحويل الحيازة من حيازة مؤقتة إلى حيازة ملكية ويظهر في شكل عمل أو تصرف خارجي كالإستهلاك أو التخريب أو البيع أو غير ذلك .
وبذلك لا يعد تحويلا الإستعمال المفرط ، كما لا يعد تبديدا أو إختلاسا التأخر في رد الشيء المؤجر (1) .
2/- محل الجريمة :
يشترط أن يكون محل الجريمة شيئا منقولا ذا قيمة مالية ، وهو ما أشارت إليه المادة 376 من قانون العقوبات بنصها على الأوراق التجارية ، النقود ، البضائع ، الأوراق المالية ، المخالصات وأضافت عبارة أي محررات أخرى تتضمن أو تثبت أي إلتزام أو إبراء .
ولا يهم أن تكون حيازة الشيء مباحة أو محرمة كتبديد سلاح يحمله صاحبه بدون رخصة أو مادة مخدرة ، و بناءا عليه فإن العقارات لا تكون محل خيانة الأمانة.
3/ -تسليم الشيء :
ترتكب جريمة خيانة الأمانة بحصول التسليم ، ولا يشترط أن يحصل التسليم بحركة مادية ينتقل بها الشيء يدا بيد من الضحية إلى المتهم ، فقد يحصل التسليم من شخص آخر كالوكيل أو الخادم أو موظف البريد(2).
ويجب أن يتم التسليم على حساب الحيازة المؤقتة ، فيكون المسلم له ملزما برد أو تقديم الأشياء التي تسلمها إلى صاحبها ، وهو ما يتضح من خلال طبيعة العقود التي وردت بالمادة 376 من قانون العقوبات وهي كلها عقود أمانة، وقد وردت بهذا النص حصرا كما يلي :
أ /- عقد الإيجار:
وتتحقق الجريمة عند إقدام المستأجر على إختلاس المال أو تبديده لشيء من أثاث السكن الذي إستاجره مفروشا ، مع الإشارة إلى أنه لا تقوم الجريمة عند تأخره في رد المنقول أو إستمرار الإنتفاع به بعد الميعاد المحدد في عقد الإيجار .


ب /- عقد الوديعة :
بمقتضى هذا العقد يسلم المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة و أن يرده عينا (1) .
فجريمة خيانة الأمانة تقوم بمجرد العبث بملكية الشيء أو التصرف فيه ، وبذلك فهي لا تقوم بمجرد الإهمال في حفظ الوديعة أو إستعمالها بغير إذن مالكها ، أو التأخير في ردها إذا لم يكن مقترنا بنية تملكها .
وعليه فالوديعة تقوم على تسليم المال المنقول إلى آخر سواء كان التسليم حقيقيا أو إعتباريا (2) ، وكذا على أن تكون كاملة أي أن تسليمها يكون بقصد حفظها وردها بذاتها .
ج /- عقد الوكالة :
وهو العقد الذي يفوض بمقتضاه شخص ( الموكل ) شخصا آخر ( الوكيل ) للقيام بعمـل شـيء لحسـاب الموكل وبإسمه (3) .
وقد تكون الوكالة بأجر أو مجانا ، تعاقدية أو بحكم القانون ، صريحة أو ضمنية فتقوم الجريمة عند إختلاس الوكيل أو تبديده للأموال التي إستلمها على ذمة الموكل .
هذا وقد إعتبر القضاء الفرنسي أن صفة الوكيل تنطبق على مسير شركة ذات أسهم وعلى مسير شركة ذات مسؤولية محدودة ، والرئيس المدير العام لشركة ذات أسهم ومدير شركة مدنية ورئيس جمعية و الموثقيـن والمحضرين (4) .
د /- عقد الرهن:
وهو رهن الحيازة  ويتمثل في قيام المدين بوضع المنقول المملوك له في حيازة دائنه أو شخص آخر متفق عليه وذلك تأمينا للدين (5) .
وعليه تقوم الجريمة بتصرف الدائن في المنقول المرهون لديه وتبديده أو إختلاسه ، إذ كان عليه الإحتفاظ به ورده للمدين في الوقت المتفق عليه إذا ما وفى بالدين  .
هـ/- عارية الاستعمال :
هو عقد يلتزم بمقتضاه المعير بأن يسلم المستعير شيئا غير قابل للإستهلاك ليستعمله بدون عوض لمــدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الإستعمال (6) ، ومثال ذلك الشخص الذي يحتفظ بسيارة وظيفية بدون وجه حق بعد إنتهاء عقد العمل .

و/- عقد القيام بعمل:
ويقصد به من يتسلم شيئا للقيام بعمل مادي لمصلحة مالك الشيء أو غيره ، وقد يكون العمل بمقابل، فيكون العقد عقد مقاولة أو عقد عمل كما قد يكون بدون مقابل وفي كلتا الحالتين تقوم جريمة خيانة الأمانــة إذا إختلس العامل الأجير أو المتبرع الشيء الذي أؤتمن عليه سواء إختلسه كله أو جزء منه .
ز/ -  العقود المركبة :
إن الإشكالية التي ثارت حول هذه العقود كانت حول ما إذا كانت عقود أمانة أم لا ، فإعتبر القضاء أن عقد الإعتماد التجاري (1) وعقد التسيير (2) هما عقدي أمانة ، فيما إعتبر أن عقد الإيجارالمملك أو إيجار بيع (3) ليس بعقد أمانة .
كما أن كل من قرض الإستهلاك ، عقد البيع ، عقد الشركة ، عقد المقاولة وعقد بناء منزل فردي لا تعتبر عقود أمانة .
أما بالنسبة للحق في الحبس أو الإحتجاز لمال مسلم في إطار عقد من عقود الأمانة ، لا يشكل بالضـرورة خيانة أمانة إلا إذا كان الدين غير مبرر أو تم حجز أشياء ليس لها إرتباط بالدين .
وفي حالة ما إذا أثير النزاع أمام النيابة العامة ، فإن إثبات العقد يكون وفقا لأحكام القانون المدني الواردة في المادتين 333 و 335 والتي تقضي بأن الكتابة تشترط عندما يفوق مبلغ العقـد 1000 دج ، بينمـا يكـون الإثبات بالبينة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهو ما قضت به الغرفة الجنائية في القرار الصادر بتاريــخ 09/07/1974 تحت رقم 9198 (4) و بذلك تبقى سلطة الملائمة للنيابة العامة في إثبات الإختلاس أو التبديد .
الركن المعنوي :
تتطلب جريمة خيانة الأمانة توافر القصد العام المتمثل في إتجاه إرادة المتهم وإنصرافها لإرتكاب الجريمـة بكامل أركانها من علم وإدراك ، بالإضافة إلى القصد الخاص المتمثل في نية المتهم في التملك وحرمان مالك المال الحقيقي منه .


الضـرر :
تشترط المادة 376 من قانون العقوبات لقيام جريمة خيانة الأمانة إصابة الضحية بضرر سواء لحق هذا الضرر بالمالك نفسه أو بحائز الشيء حيازة مؤقتة أو حيازة مادية .
وبذلك فإن تدخل النيابة العامة في هذه الحالة ، يحقق الحماية لكل شخص له حق على الشيء ولو لم يقع الضرر فعلا بل كان محتمل الوقوع ، ويستوي أن يكون الضرر ماديا أو أدبيا .
إضافة الى جريمتي السرقة وخيانة الأمانة ، فإن النيابة العامة تتدخل في العديـد من صـور الإعتـداءات الأخرى الواقعة على حيازة المنقول و التي جرمها المشرع في قانون العقوبات و من بينها جريمة الإختلاس ( المادتين 119 و 120 ) ، سرقة بعض الحيوانات والمحاصيل ( المادة 361 ) ، جريمة إتـلاف أو تبديـد أشيـاء محجـوزة أو موضوعـة تحت الحراسة ( المادة 364 ) ، إضافة الى بعض المخالفات المنصوص عليها في المواد التالية : المادة 444  ( إقتلاع أو تخريب أو قطع أشجار ملك للغيـر أو إتـلاف طعـم أو قطع حشائـش أو بـذور ملك للغيـر ) ، المادة 450 ( الإضرار بممتلكات منقولة للغيــر ، وسرقــة محصولات ) ، المادة 464 ( قطف وأكل ثمار مملوكة للغير) .


المطلب الثاني :  سلطة النيابة العامة عند حماية الحيازة


تعتبر النيابة العامة الهيئة الإجرائية المنوطة بها الدعوى العمومية في تحريكها ورفعها ومباشرتها أمـام القضاء نيابة عن المجتمع ، فهي هيئة قضائية تمتزج أعمالها بين الأعمال القضائية والأعمال الإدارية .
و سلطة النيابة العامة إزاء الجرائم المتعلقة بالحيازة كجنحة السرقة ، جنحة خيانة الأمانة ، جنحة التعدي على الملكية العقارية ، جنحة إقتحام حرمة المنزل إضافة إلى مخالفات أخرى نص عليها القانون لا تختلـف عن سلطتها في جميع الجرائم الأخرى ، إذ أن وظيفتها الأساسية هي تحريك الدعوى العمومية ومباشرتـها ، بما في ذلك مباشرة التحقيق الإبتدائي والإحالة إلى القضاء وتمثيل الإتهام أمامـه ، وكذلك تنفيـذ الأحكـام الصادرة ، متى وقعت الجريمة و قامت الإستدلالات على إرتكابها بصرف النظـر عن مـدى خطـورتها ، والظروف التي أحاطت بها ، دون أن تملك حق التنازل عن الإتهام لأنها ممثلة للمجتمع مالم تكن مقيـدة في ذلك بقيود تحريك الدعوى العمومية المتمثلة في الشكوى والطلب والإذن .
أما إذا رأت أنه لا محل للسير في الدعوى العمومية ، أو توافرت الأسباب التالية : عدم وجود أركـان الجريمة - إنقضاء الدعوى العمومية - وجود سبب من أسباب موانع العقاب أو إمتناع المسؤولية - ضرورة توافر قيد تحريك الدعوى العمومية - عدم معرفة الفاعل - عدم صحة الجريمة المنسوبة للمتهم - عدم توافر الأدلة الكافية للإدانة ، فإنها - النيابة العامة - في هذه الحالة تكون ملزمة بعدم تحريك الدعـوى العموميـة فتصدر قرارا بحفظ الأوراق ، على أساس أنها سلطة إتهام وأن هذا القرار هو إجراء إداري يدخـل ضمـن الأعمال الإدارية التي تقوم بها.
وسنتناول فيما يلي سلطة النيابة العامة وهي بصدد حماية الحيازة في كلا الحالتين : حالة قيام الإعتداء و إرتقاءه إلى مستوى الجريمة التي نص وعاقب عليها قانون العقوبات ، وحالة ما إذا رأت  أنه لا محــل للسير في الدعوى العمومية .
الفرع الأول :  المتابعــة
اولا : تحريك الدعوى العمومية :
تكون النيابة العامة ملزمة بتحريك الدعوى العمومية متى علمت بالجريمة و قدرت كفاية الإستدلالات لإدانـة المتهم بصرف النظر عن مدى خطورتها والظروف التي أحاطت بها ، كما تلتزم بمباشرتها أمام القضاء دون أن تملك حق التنازل عن الإتهام ، بينما تستطيع تقديم طلبات تكون لصالحه كالبراءة أو وقف التنفيذ ... إلخ . كما يجوز لها الإمتناع عن الطعن في الحكم أوالقرار الصادر في الدعوى إذا إقتضت المصلحة العامة ذلـك  أما إذا طعنت فيه فإنها لا تستطيع من بعد أن تتخلى عن الدعوى ، فهذه الحالة تجسد مبدأ شرعية المتابعة ، و قد أخذ بها المشرع الجزائري عند إستعمال الدعوى أمام القضاء من طرف النيابة ، وفي المقابل هناك مبدأ آخر يتمثل في مبدأ ملاءمة المتابعة الذي أخذ به المشرع عندما تكون النيابة العامة بصدد تحريك الدعـوى
العمومية (1) ، إذ تقرر المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية أن وكيل الجمهوريـة يتلقـى الشكـاوى والبلاغات ، بما فيها بطبيعة الحال محاضر جمع الإستدلالات ، ويقرر ما يتخذ بشأنها سواءا بحفظـها أو بتحريك الدعوى العمومية .
وتخفيفا من نتائج مبدأ الملائمة خول القانون للمجني عليه سلطة التظلم إلى النائب العام الذي يملك تكليف وكيل الجمهورية بالعدول عن أمر الحفظ وتحريك الدعوى العمومية ، كما أجازت المادة 30 من نفس القانون لوزير العدل أن يكلف النائب العام بإجراء متابعات أو إخطار الجهة القضائية المختصة بما يراه ملائـما من طلبات كتابية .
و بذلك فإن تحريك الدعوى العمومية هو البدء في أول إجراء من إجراءاتها (2) ، اذ يقتصر على إقامة الدعوى العمومية أمام قضاء التحقيق بتقديم طلب من النيابة العامة إليه (3).
ويعتبر رفع الدعوى العمومية بدوره أول إجراء من إجراءات إقامتها أمام القضاء الجزائي ، وهو يعد أيضا تحريكا لها ، إلا أن مضمونه يضيق عن مفهوم التحريك لأنه يقتصر على القيام بأول إجـراء فــي الدعوى العمومية أمام جهة الحكم ، وهو لا يكون إلا أمام محكمة الجنح والمخالفات ، أي رفع الدعــوى مباشرة أمامها دون المرور بالتحقيق و ذلك في حالة الجنح التي لا يجب فيها التحقيق ، والمخالفات التي لا يرى وكيل الجمهوية داع للتحقيق فيها (4) .
فيقوم وكيل الجمهورية عموما بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة طبقا لأحكام المادتين 333 و 394 قانون الإجراءات الجزائية .
*-  طرق تحريك الدعوى العمومية :
عند تقدير النيابة العامة كفاية الإستدلالات لإدانة المتهم ، فإنها تلجأ الى تحريك الدعوى العموميـــة بطرحها مباشرة على محكمة الجنح والمخالفات حسب نوع الجريمة ، وذلك بطريق التكليف بالحضور أو ما يطلق عليه الإدعاء المباشر ، فبواسطته تدخل الدعوى في حوزة المحكمة .
أما إذا كانت الوقائع موضوع الإستدلالات لا زالت بحاجة إلى أدلة تحدد مدى ثبوتها كإتخاذ بعــض إجراءات التحقيق كالخبرة ، أو التفتيش ، أو ضرورة القبض على المتهم لمواجهته بالشبهات القائمة ضده ، أو ضرورة معرفة سوابقه ودراسة شخصيته فإنها تطلب إجراء التحقيق و بذلك تتحرك الدعوى العموميـة أمام قاضي التحقيق (5).


فالنيابة العامة اذن لها حق الخيار بين الطريقين مالم يكن ثمة ظروف خاصة تحول دون رفع الدعوى أمام المحكمة كأن يكون الفاعل مجهولا ، أو وجود نصوص قانونية توجب إجراء التحقيق ، وهذا الإختيـار يكون غير قابل للعدول عنه .
أ / - الأحكام الخاصة بالتكليف بالحضور :
أحالت المادة 439 من قانون الإجراءات الجزائية على أحكام قانون الإجراءات المدنيـة بشـأن التكليـف بالحضور والتبليغات مالم توجد نصوص مخالفة في القوانين واللوائح .
وطبقا للمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية و المادة 440 من قانون الإجـراءات الجزائيـة فـإن التكليف بالحضور يتعين أن يشتمل على البيانات التالية :
ـ إسم المدعي وصفته ، وفي هذه الحالة فإن المدعي هو وكيل الجمهورية أو ممثل النيابــة العامــة ، والمحكمة التي يعمل بدائرتها .
ـ إسم المتهم والمسؤول عن الحقوق المدنية عند اللزوم ، صفته ، محل إقامته .
ـ إسم القائم بالتبليغ ، توقيعه ، وهو ما يسمح بالتأكد من إختصاصه بإجراء التكليف بالحضور .
ـ المحكمة التي رفع أمامها النزاع ، ومكان وزمان تاريخ الجلسة .
ـ الواقعة التي قامت عليها الدعوى مع الإشارة إلى النص القانوني الذي يعاقب عليها ، وتكليف المتهــم بالحضور للجلسة ، وهو ما يمكنه من إعداد دفاعه .
ـ تاريخ تسليم التكليف بالحضور بإعتباره ورقة رسمية ، ويسمح بالتأكد من مراعاة ميعاد التبليغ وتاريخ إنقطاع تقادم الدعوى العمومية .
* وميعاد التكليف بالحضور هو عشرة أيام على الأقل من تاريخ تسلمه الى اليوم المعين للحضـور ، وإذا لم يكن للشخص المبلغ بالحضور موطن أو محل إقامة بالجزائر فتكون المهلة المذكورة شهرا واحدا إذا كان يقيم بتونس أو المغرب ، وشهرين إذا كان يقيم في بلاد أخرى (1)
ويتعين على القائم بالتبليغات بناءا على طلب النيابة العامة (2) أن يسلم التكليف بالحضـور إلى الشخـص المطلوب تبليغه ، فإذا إستحال ذلك سلم التكليف في موطنه أو محل إقامته لأحد أقاربه (3)  ، ويسلم التكليف
بالحضور في ظرف مغلق لا يحمل غير إسم ولقب ومسكن الخصم وتاريخ التبليغ متبوعا بإمضاء الموظف الذي قام به ، وخاتم الجهة القضائية ، و الغرض من ذلك ضمان سرية التكليف بالحضور وعدم تعريـض الخصم للإساءة ، وإذا إستحال تسليم التكليف بالحضور إما لعدم مقابلة الخصم أو من يقيم في موطنـه أو محل إقامته وإما بسبب رفضه إستلام التكليف بالحضور ، أو رفض الأشخاص المؤهلين لإستـلام هـذا

التكليف عنه فيذكر ذلك في التكليف ، ويرسله عندئذ إلى الخصم ضمن ظرف موصى عليه مع علم الوصول أو الى السلطة الإدارية المختصة بتوصيله إلى الخصم المذكور .
ويعد التكليف صحيحا إذا حصل خلال عشرة أيام من إعادة وصل البريد أو السلطة الإدارية (1) ، أمـا إذا لم يكن للمتهم موطن أو محل إقامة معروف ، فيعلق بلوحة إعلانات المحكمة المرفوع أمامـها الدعـوى العمومية  وتسلم نسخة ثانية منه إلى النيابة العامة التي تؤشر على الأصل بالإستيلام (2) ، وللنايبة العامة أن تحتفظ بملف الدعوى حتى يتم تبليغ التكليف بالحضور .
ويجوز للنيابة العامة إستبدال التكليف بالحضور بإخطار يسلم بالكيفية الخاصة بهذا الأخير ، وتلجأ النيابة العامة إلى هذا الإخطار في جرائم المخالفات و الجنح ، ويتضمن هذا الإخطار البيانات اللازمة لتحقيـــق الغرض منه كمكان وزمان وتاريخ الجلسة ، وقد إستلزم القانون أن يذكر به الواقعة محل المتابعـة ونـص القانون الذي يعاقب عليها ، ولايغني هذا الإخطار عن التكليف بالحضور إلا إذا تبعه حضور الشخـــص الموجه إليه الإخطار ( المتهم ) بإرادته (3) .
ولكن لا يلزم أن يقبل المتهم المحاكمة بغير تكليف سابق بالحضور ما دام قد حضر فعلا ، إلا إذا كـان محبوسا مؤقتا ، كما لا يجوز أن يوجه إليه الإتهام  في الجلسة .
وبتبليغ المتهم بورقة التكليف بالحضور(4)، يتم تحريك الدعوى العمومية برفعها إلى المحكمة وإنعقــاد إختصاصها بالفصل فيها ، وبذلك تخرج من حوزة النيابة العامة لتدخل في ولاية المحكمة ، فلا تملك النيابـة العامة من بعد أن تطلب من قاضي التحقيق إجراء التحقيق بشأنها .
وفي حالة مخالفة أحكام التكليف بالحضور ورغم أن المشرع  لم ينص على الأثر المترتب على ذلـك ، إلا أنه بالرجوع إلى نظرية البطلان الذاتي المنصوص عليها في المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائيـة والتي تقرر البطلان جزاء مخالفة الأحكام الجوهرية إذا ترتب على مخالفتها إخلال بحقوق الدفاع أو حقـوق خصم في الدعوى ، فإنه إذا لم يراع في التكليف بالحضور ميعاد العشرة أيام ولم يحضر المتهم بالجلســة فيتعين على القاضي إرجاء نظر الدعوى إلى جلسة تالية دون أن يحكم فيها غيابيا ، فهذه المدة هي ضمانـة للدفاع كي يتمكن من تجهيز دفاعه ، فإذا حضر المتهم رغم الإخلال بميعاد التكليف بالحضور وطلب التأجيل الى جلسة أخرى وجب على المحكمة إجابته إلى طلبه حماية لحق الدفاع ، فإذا لـم يطلـب ذلك كـان على المحكمة أن تمضي في نظر الدعوى ، إذ أن الإخلال بالميعاد لم يترتب عليه المساس بحق المتهم في الدفاع عن نفسه .


ب / الأحكام الخاصة بطلب إفتتاح التحقيق :
لم ينص القانون على بيانات هذا الطلب ، إلا أنه لا بد أن يفي بالغرض ، فيجب أن مكتوبا و مؤرخـا و متضمنا إسم وصفة المصدر ، وبمقتضاه يطلب وكيل الجمهورية من قاضي التحقيق إجراء التحقيق ضـد شخص معين أو مجهول بشأن الجريمة .
وبذلك فطلب إجراء التحقيق يترتب عليه تحريك الدعوى العمومية أمام قاضي التحقيق وخروجها مـن حوزة النيابة العامة .
ثانيا : مباشرة الدعوى وإستعمالها :
تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية المتعلقة بحماية الحيازة ، بإتخاذ جميع إجراءات الدعوى إبتـداءا بأول إجراء فيها إلى حين إستصدار حكم نهائي فيها (1) ، بما في ذلك رفعها إلى القاضي الجزائي ، تقديم الطلبات أمام قاضي التحقيق ، الطعن في أوامره ، تكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة ، المرافعة في الدعـوى ، إبداء الطلبات والدفوع ، تقديم الطعون في الأحكام الصادرة فيها و متابعتها أمام الجهات المختصـة لحيـن الفصل فيها بحكم نهائي غير قابل للطعن بأي طريق من الطرق المقررة قانونا .
وبعبارة أخرى فإن إستعمال النيابة العامة الدعوى العمومية لحماية الحيازة الجزائيـة يشمـل جميـع الإجراءات التي يتطلبها سيرها منذ تحريكها إلى غاية الفصل فيها بحكم نهائي غير قابل للطعن فيه بأي وجه من أوجه الطعن(2) .
ويختلف تحريك الدعوى العمومية عن مباشرتها وإستعمالها من حيث أن المباشرة والإستعمال لا تقيد بشأنها النيابة العامة عكس ما هو مقرر في تحريك الدعوى العمومية ، أين تتقيد بوجوب حصولـها على شكوى أو إذن أو طلب في جرائم معينة قبل أي مبادرة بتحريكها .
وعليه فإن الدعوى العمومية هي النتيجة الحتمية للجريمة المتعلقة بالحيازة الهدف منها هو توقيع العقاب على المعتدي ، وقد أنابت الهيئة الإجتماعية عنها أعضاء النيابة العامة بصفتها سلطة إتهام (3) في مباشرتها مما يترتب على ذلك النتائج التالية :
1 /- لا تملك النيابة العامة حق الصلح لا قبل مباشرة المحاكمة ولا بعدها ، ولا يجوز للنيابة العامة التصالح مع الجاني على عدم محاكمته .
2 /-  لا تملك النيابة العامة حق التنازل عن الدعوى العمومية (4) .
* - تقييد حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية :
لم يطلق القانون العنان للنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها ، فقد قيد سلطتها في تحريك الدعوى العمومية في بعض الحالات ، إلى حين رفع القيد عنها و ذلك بتقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن .
وهذه القيود لا تتعلق إلا بحق النيابة العامة في المبادرة بإتخاذ الإجراء الأول وهو تحريك الدعوى العمومية التي أقامتها بمجرد رفع القيد هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهي قيود يترك أمر تقديرها للمجني عليـه أو الجهة التي خولها القانون الحق في رفع القيد بتقديم شكوى أو طلب أو إذن ، وتنحصر هذه الصلاحية فقط في عدم إعطاء الضوء الأخضر للنيابة العامة لإطلاق يدها في الإجراءات ، ولا يتعداه بعد ذلك عند رفع القيـد بتقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن في المشاركة في إجراءات مباشرة الدعوى (1) .
وتتمثل هذه القيود التي تغل يد النيابة العامة في حماية الحيازة فيمايلي :
أ / الشكوى :
تعتبر الشكوى إجراء يباشره المجني عليه أو وكيل خاص عنه ، يطلب فيه من القضاء تحريك الدعوى العمومية في جرائم معينة يحددها القانون على سبيل الحصر لإثبات مدى قيام المسؤولية الجنائية في حـق المشكو في حقه ، ويرجع أساس تقرير هذا القيد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العموميــة للمصلحة المحمية قانونا والمراد تحقيقها من عدم السير في الإجراءات ، حيث يعلق المشرع هذه الحرية في السير في الإجراءات بوجوب حصول النيابة العامة على شكوى من المجني عليه ، وهذا مراعاة للمصلحـة العامة لأنها أقل إضرارا بها مما لو أثير أمرها أمام القضاء ، و بذلك فإن العلة من القيد هو الحرص علـى سمعة الأسرة وإستبقاءا للصلات الودية بين أفرادها .....إلخ .
ولا تشترط الشكوى أي شكل معين ، المهم أن تعبر عن الرغبة في المتابعة عن الجريمة المشمولة بالقيد .
فالنيابة العامة وهي بصدد حماية الحيازة الجزائية تكون مقيدة بالشكوى في تحريكها للدعوى العموميـة في حالات محددة تتمثل في جريمة السرقة إذا ما تمت بين الأقارب والأصهار حتى الدرجة الرابعة ، وهو ما نصت عليه المادة 369 من قانون العقوبات بقولها << لا يجوز إتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة للسرقـات التي تقع بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناءا على شكوى الشخص المضـرور والتنازل عن الشكوى يظهر حدا لهذه الإجراءات >> .
وبذلك فهي مقيدة في حماية المال المسروق من حيازة صاحبه الحائز له المنتقل لحيازة السارق ، وذلك بسبب العلاقة بين المتهم والضحية والمتمثلة في القرابة .
كما أنها مقيدة في جريمة خيانة الأمانة إذا كانت العلاقة كذلك علاقة قرابة ، وكل ذلك هدفه كما قلنا الحفاظ على كيان الأسرة وسمعتها .
ب / الطلب:  وهو البلاغ المكتوب المقدم من موظف يمثل هيئة معينة كوزير الدفاع ممثلا لهيئة الدفــاع الوطني للنيابة العامة (2) ، والهدف منه هو محاكمة الجاني وعقابه بصورة واضحة أو مستفادة من عبارات الطلب ، فتكون النيابة العامة مقيدة في تحريك الدعوى العمومية بذلك الطلب إذا كانت الجريمة متعلقـــة بالحيازة كالسرقة مثلا أو خيانة الأمانة المرتكبة من أحد أعضاء تلك الهيئة .
ج / الإذن :
و هو الرخصة المكتوبة ، الصادرة من هيئة محددة قانونا تتضمن الموافقة أو الأمر بإتخاذ إجراءات المتابعة في مواجهة شخص ينتمي إليها ويتمتع بحصانة قانونية بوجه عام ، ويقتصر هذا القيد المفروض على النيابة العامة على بعض الجرائم التي تقع من أشخاص يشغلون مناصب  ومراكز خاصة أو يتمتعون بصفة نيابية أو برلمانية (1) ، مما يضفي عليهم حصانة دستورية وقانونية ، فهي حصانة إجرائية قصد إحاطتهم بضمانات (2) تضمن لهم أداء مهمتهم بغير خشية من إتهام ظالم .
ثالثا : إضافة إلى ماسبق ذكره فإنه من الوظائف الأساسية للنيابة العامة أيضا هو توليها تنفيذ الأحكــام الصادرة في الدعوى العمومية ، ولا يجوز لها التنازل عن تنفيذها ، أو أن تعفي المحكوم عليه من تنفيذه ، فالحكم قد صدر لمصلحة المجتمع ، وليس لمصلحة خاصة للنيابة العامة (3).
- الفرع الثاني : الحـفـظ
أولا : إختصاص النيابة العامة بإصدار أمر بحفظ الأوراق :
عندما تعرض الأوراق على النيابة العامة سواء عن طريق شكوى تقدم مباشرة أمام وكيل الجمهورية أو بعد إجراء التحقيقات سواء بنفسه أو يأمر بذلك رجال الضبطية القضائية و يجد أنها لا تنطوي على جريمــة ، يكون ملزما بإصدار أمر بالحفظ أيا كان مدى النزاع على الحيازة فيها ، فالحيازة المدنية بمجرد قرار الحفظ  تصبح في حاجة إلى قيام ذوي الشأن باللجوء للقضاء المدني لحمايتها وهو الطريق القانوني في كل الأحـوال
والأمر بحفظ الأوراق(4) هو قرار تصدره النيابة العامة بوصفها سلطة إتهام بعـدم تحريـك الدعـوى العمومية  سواء أمام قاضي التحقيق أو أمام قاضي الحكم إذا ما رأت أنه لا محل للسير فيها ، ويفتــرض لصدور هذا الأمر أن الدعوى العمومية لم يسبق تحريكها بعد أمام القضاء.
وتنص المادة 36/1 من قانون الإجراءات الجزائية على قيام وكيل الجمهورية بتلقي المحاضر والشكــاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها ، وبناء على أن مأموري الضبط القضائي يقومون بجميع إجراءات الضبط القضائي ، فيتعين عليهم أن يحرروا محاضر بأعمالهم هذه وأن يبادروا بغير تمهـل إلى إخطـار وكيــل الجمهورية وموافاته مباشرة بأصول ونسخ المحاضر التي يحررونها بمجرد إنجاز أعمالهم ، وكذا بجميـع المستندات والوثائق المتعلقة بها وكذلك الأشياء(5) ، ليقرر ما يراه صالحا بشأنها وبحسب ما يراه مطابــقا للقواعد القانونية ، فإذا وجد من خلال الدعوى وملابساتها أنها غير مقبولة أمام قضاء الحكـم جاز لـه أن يتصرف فيها بالحفظ ولا يحيلها للجهات القضائية المختصة .

والأمر بالحفظ ، وإن كان المشرع لم ينص صراحة على شروطه ، فإنه ليس سلطة تقديرية مخولة لرجـال النيابة العامة ولكن له أسبابه القانونية والموضوعية (1) .
فالأسباب القانونية تتحقق في حالة ما إذا تبينت النيابة العامة تخلف أحد عناصر الجريمـة حتى و لو ثبتـت الواقعة وصح إسنادها إلى شخص معين ، كتخلف القصد الجنائي أو وجد سبب إباحة بمجرد الفعل من صفته غير المشروعة ، أو ثبتت الجريمة قبل المتهم ، ولكن توافر لديه عذر مانع منه العقاب ، أو كانت الدعـوى العمومية قد إنقضت لأي سبب من الأسباب ، أو لعدم تقديم الشكوى ، أو الطلب ، أو الإذن في الأحوال التي يحددها القانون .
أما الأسباب الموضوعية فتتحقق في حالة ما إذا تبين أن الجريمة المسندة إلى شخـص ما لم تقـع وإن إتهامه بها غير صحيح ، أو أن الجريمة رغم وقوعها لا يمكن نسبتها إلى شخص معين ففاعلها مجهول ، أو أن الجريمة المنسوبة لشخص ما لم تتوافر الدلائل لإتهامه بها .
و تجدر الإشارة إلى أنه يجوز للنيابة العامة رغم ثبوت الواقعة وتوافر أركان الجريمة أن تقرر حفظ الأوراق إذا إقتضت إعتبارات الصالح العام عدم تحريك الدعوى العمومية قبل المتهم (2) .
ويقتضينا الحديث عن إستلزام حفظ الأوراق من طرف النيابة العامة في هذه المسألة عرض أمثلة عملية لحالات المنازعات التي تثور بصدد الحيازة وتستلزم حفظ الأوراق ، و التي تتمثل فيما يلي :
1/- المنازعات المتعلقة بالحيازة التي لا تستجمع كل أركان الجريمة :
مثال (1) : ففي جريمة إقتحام حرمة منزل ( مادة 295 من قانون العقوبات ) ، إذا تخلف ركن الدخــول أو الإقتحام ، أو ركن ثبوت الحيازة لشخص آخر وجب على النيابة العامة حفظ الأوراق ما لم يثبت توافر أركان جريمة أخرى .
مثال (2) : في جريمة التعدي على الملكية العقارية ( مادة 386 من قانون العقوبات ) ، إذا تخلف ركن إنتزاع العقار أو ركن ثبوت الحيازة لشخص آخر ، أو ركن إقتران الإنتزاع بالخلسة أو التدليس (3) أو إنعدام الحكـم القاضي بالإخلاء الذي إستوفى جميع إجراءات التبليغ والتنفيذ أو عدم عودة المحكوم عليه لشغل الأماكـن من جديد بعد طرده منه (4) فعلى النيابة العامة حفظ الأوراق كذلك .
مثال (3) : في جريمة السرقة ( مادة 350 من قانون العقوبات ) ، إذا تخلف ركن إختلاس المنقول أو تبديـده دون رضا الحائز أو ثبوت الحيازة لشخص آخر أو ركن القصد الجنائي المتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى ذلك أو عدم معرفة الفاعل ...إلخ ،  فإن النيابة العامة ما عليها إلا حفظ الملف إزاء هذه الحالات .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) مولاي ملياني بغدادي ، اامرجع السابق ، ص 112 .
(2) د /محمود سمير عبد الفتاح ، النيابة العامة وسلطاتها في إنهاء الدعوى الجنائية بدون محاكمة ، طبعة 1991 ، الدار الجامعية ، بيروت ص 225
(3) حسب المادة 386 من ق ع فإن جريمة التعدي على الملكية العقارية تقتضي توافر ركنين وهما نزع عقار مملوك للغير ، وارتكاب الفعل خلسة أو
بطريق التدليس .
(4) ذهبت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/01/1989 تحت رقم 52971 لقيام جريمة الاعتداء على الملكية العقارية إضافة إلى ركني نزع
عقار مملوك للغير ، وارتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس صدور حكم يقضي بالإخلاء ، ويستوفي جميع إجراءات التبليغ والتنفيذ إضافــة إلى
عودة المحكوم عليه لشغل العقار من جديد بعد طرده .
مثال (4) : في جريمة خيانة الأمانة ( مادة 376 من قانون العقوبات ) ، فإن غياب فعل الإختلاس أو محـل الجريمة المتمثل في منقول ذا قيمة مالية أو غياب فعل التسليم حسب طبيعة العقود الورادة في المادة المذكورة تجعل النيابة العامة ملزمة بحفظ الأوراق .
2 /- المنازعات المتعلقة بالحيازة المدنية :
وهي المنازعات التي يمكن إسباغ حماية قاضي الموضوع عليها ، أي تلك التي ترفع بشأنـها الدعــاوى الموضوعية لحماية الحيازة ، و التي تحميها دعوى منع التعرض ، دعوى وقف الأعمال الجديدة و دعــوى إسترداد الحيازة ، وكذلك المنازعات التي ترفع بشأنها دعاوى الحيازة المستعجلة عند توافر شرطي الإستعجال  وعدم المساس بأصل الحق و المتمثلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة ، ودعوى إسترداد الحيازة ، ومن أمثلة المنازعات المتعلقة بالحيازة المدنية مايلي :
مثال (1) : بالنسبة للمنازعات التي تثور بمناسبة دعوى وقف الأعمال الجديدة ، كشروع جار في بناء حائـط في ملكه يترتب عليه لو تم سد النور عن المطل الموجود في عقار الجار ، أو قيام شخص بالشروع في حرث أرض جاره أوريها لنفسه دون سند من الحائز ودون رضاه .
مثال (2) : بالنسبة للمنازعات المتعلقة بدعوى إسترداد الحيازة : كحالة الدائن المرتهن رهنا حيازيا والـذي تسلب حيازته ، وحالة المستعير أو الحارس الذي تسلب حيازته .
مثال (3) : بالنسبة للمنازعات المتعلقة بدعوى منع التعرض كقيام شخص بسكن منـزل آخـر ، أو زراعـة حقله أو البناء في أرضه ، أو تسويرها أو شق مسقى فيها أو قطع أشجار منها ، أو سد نافذة في بنـاء الجار ، وكل تلك تعرضات مادية ، وقد يكون التعرض قانونيا كإنذار المتعرض الحائز بعدم البناء في الأرض ، و هي حالات لا تختص النيابة العامة بإسباغ الحماية الجنائية عليها ما لم تتوافر أركان جريمة التعدي على الملكيـة العقارية .
ثانيا: الطبيعة القانونية للأمر بالحفظ :
إن الأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق كما سبق الذكر هو قـرار أو إجـراء إداري صـدر عنها بوصفها السلطة الإدارية التي تهيمن على جمع الإستدلالات ، ويترتب على ذلك مايلي :
1/ لا يقيد الأمر بالحفظ النيابة العامة ، فيستطيع وكيل الجمهورية أو النائب العام أن يعدل عنه ويحرك الدعوى العمومية في أي وقت طالما أنها لم تنقض ، وتحسبا لذلك فإن الأوراق تحفظ و لا تعدم .
فإذا ظهرت عناصر جديدة من شأنها إكتمال أركان الجريمة أو إسنادها إلى شخص معين ، جاز للنيابة العامة أن تستخرج الأوراق من الحفظ و تحرك الدعوى العمومية ، بل ويجوز لها ذلك ولو لم تظهر مثــل هــذه العناصر .
2/ لا يسبب الأمر بالحفظ لأنه ليس قرارا قضائيا ، ولذلك فليس له حجية أمام القضاء الجزائي أو المدني ، ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء ، وإنما يجوز التظلم منه لمن أصدره أو للنائب العام أو لوزير العــدل ، فيتـم العدول عنه بناء على أمر أي منهم ، ويظل باب التظلم مفتوحا حتى إنقضاء الدعوى العمومية .
وفي هذه النقطة بالذات نشير إلى أنه على المستوى العملي فإن مقررات حفظ أوراق القضية تكون مسببــة ، وهذا لتمكن الجهة التي تنظر في تظلم الأطراف من مراجعة هذا الأمر ومراقبته ، وفيما إذا كان الملف يستلزم الحفظ أم لا .
3/ الأمر بالحفظ إجراء من إجراءات الإستدلالات يصدر من السلطة المشرفة عليها ، فلا يقطع التقــادم في القانون الجزائري ، بينما يرى البعض أنه إجراء من الإجراءات التي تملكها النيابة العامة بوصفها سلطة إتهام  ولذلك فهو يقطع التقادم (1) .
ثالثا : الحكمة من حفظ القضايا المدنية :
إن غل يد النيابة العامة عن إصدار أوامر لحماية الحيازة في المنازعات المدنية البحتة التي لا تلابسـها إحدى الجرائم المعاقب عليها في قانون العقوبات يبرره مايلي :
أ / إعمال فكرة الشرعية :
يرى بعض رجال القضاء أن سبب منع النيابة العامة من حماية الحيازة التي لا تحمل وصف الجريمـة هو الرغبة في إعمال فكرة الشرعية ، فتلك المنازعات هي منازعات مدنية بحتة من حق القاضي المدني وحده أن ينظر المشكلات المدنية المتعلقة بها، فإذا سمحنا للنيابة العامة بالتدخل في هذه القضايا فإنها بذلك تكون قـد إعتدت على إختصاص القاضي المدني .
وعليه فإن دور النيابة العامة سلبي في هذا المجال ، لكن هذه السلبية تنطوي على ناحية إيجابية  وهي دفـع الخصوم إلى القضاء المدني لتحديد مراكزهم القانونية على نحو سريع وفعال ، بدلا من تدخل النيابة العامـة وإصدار قرارات ربما تقضي إلى تعقيد هذه المراكز القانونية ، كونها قرارات لا تستند إلى نص قانونــي يخولها سلطة إتخاذ القرار .
ب / الرغبة في تحقيق التفرغ الكامل للنيابة العامة في المجال الجنائي :
إن وظيفة النيابة العامة الأساسية هي ممارسة العمل الجنائي من تحقيق و تصرف و مرافعة و طعن في الأحكام ، و بذلك إستحوذ العمل الإداري على إهتمام النيابة العامة على حساب العمل القضائـي الأصيـل المنوط بها فإنحرفت مع تيار إصدار القرارات الإدارية التي لا علاقة لها بالعمل  القضائي ، فكان لزاما غل يدها عن بحث المنازعات المدنية البحتة التي تثور بصدد الحيازة حتى تتفرغ للعمـل الجنائـي على نحـو كامـل (2) .
ج/ الرغبة في إعادة المتنازعين إلى مجال الضمانات :
ذلك أنه حين تصدر النيابة العامة أمرا في منازعات الحيازة فإنه يكون دون حضور محامي ودون ضمانات كتلك التي رسمها القانون في حالات التقاضي ، أما عندما يرفع دعواه أمام القضاء المدني فإنـه سيتمتــع بالحماية القضائية و بذلك يستفيد من الضمانات المنصوص عليها قانونا .
ـــــــــــــــــــ
(1) أحمد شوقي الشلقاني ، مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري الجزء الثاني، طبعة 1999 ، دون المطبوعات الجامعية ، الجزائر
صفحة 197
(2) د . محمد شتا أبو سعد ، منازعات الحيازة ، الطبعة الثانية ، 1988 ، منشاة العارف ، الاسكندرية ، صفحة 119 .


المبحث الثاني : حماية الحيازة عن طريق القضاء المستعجل


تعتبر الحيازة كما رأينا سابقا أنها حالة واقعية أو فعلية  قد لا تستند إلى أي حق للحائز ، و مع ذلك فالمشرع كفل لها الحماية اللازمة سواء من الناحية الجزائية أو من الناحية المدنية ، و هذا لإعتبارين إثنين : أولهما يتعلق بالمصلحة الخاصة للحائز على أساس أن الحيازة قرينة على الحق ، كون الحائز غالبا ما يكون نفسه صاحب الحق ، وهي بالتالي ممارسة فعلية للحق ، فحرمانه من الحيازة يعني حرمانه من مزايا حقه (1)  و هي وسيلة من وسائل إكتساب الملكية حتى في الحالات التي لا يستند فيها الحائز إلى حق .
أما الإعتبار الثاني فيتعلق بالمصلحة العامة ، لأن حماية الحيازة هي حماية للأمن و النظام العام في المجتمع  فيعد إغتصاب الحقوق غير شرعي و لو تم ذلك من صاحبها لأن ذلك يعتبر من قبيل قضاء الإنسان لنفسه و الذي يترتب عنه الفوضى .
و إذا كان لهذه الحماية أن تكون دائمة للحق فتؤكده و تزيل الشك عنه و تنفيه بحكم يصدر يحوز حجية الشيء المقضي فيه ، و بفوات ميعاد الطعن يصبح حقيقة مؤكدة على وجه اليقين ، فلها أيضا أن تكون مؤقتة للحق غرضها الأساسي هو إضفاء حماية سريعة للحق أو المركز القانوني تتوقف عند حد الأوضاع الظاهرة دون بحث الموضوع و إصدار حكم على ضوء الظاهر دون تأخير تضيع معه الفائدة المرجوة من هذه الحماية (2) .
و من هنا حرص المشرع على مساعدة الحائز في الحصول على حكم يواجه به التعدي على حيازته    و ذلك بإجراءات سريعة مبسطة فأوكل مهمة الحماية المؤقتة للحيازة للقضاء المستعجل على أساس أنه الجهة التي تنظر في القضايا المستعجلة و التي لا تحتمل أي بطء خشية تلفها أو ضياع معالم وقائعها و فوات الفرصة المبنية عليها (3) ، فهو يهدف إلى درء الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه ، و هو ما نصت عليه المادة 183 من قانون الإجراءات المدنية بقولها : " في جميع أحوال الإستعجال أو عندما يقتضي البت في تدبير الحراسة القضائية أو أي تدبير تحفظي لا تسري عليه نصوص خاصة ، فإن الطلب يرفع بعريضة إلى رئيس الجهة القضائية للدرجة الأولى المختصة بموضوع الدعوى..."
و قد أخضع المشرع تدخل القضاء الإستعجالي في حماية الحيازة للقواعد العامة التي تدخل ضمن إختصاصه الذي ينعقد بمجرد إيداع الحائز لعريضته الإفتتاحية لدى قلم كتاب المحكمة بالقسم الإستعجالي ، و ينتهي بمجرد إصدار الأمر الفاصل في النزاع ، و هذه الحماية لا تستند إلا لدعاوى الحيازة العقارية الإستعجالية على أساس أن العقار وحده محل الحماية القضائية المدنية ، لأن قاعدة الحيازة في المنقول تعتبر
ـــــــــــــــــــــ
(1) بوبشيرمحند أمقران ، المرجع السابق، ص 91
(2) د. سنية احمد يوسف ، حماية الحيازة بين النيابة العامة و القضاء المستعجل ، دار الجامعة الجديدة للنشر ،2001 ، الإسكندرية ،ص 39.
(3) مقال لرئيس مجلس قضاء سيدي بلعباس ، القضاء الاستعجالي ، الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي ، 1995 ، الديوان الوطني للأشغال التربوية،
ص29.

سند الملكية ، و هو ما نصت عليه المادة 835 من القانون المدني بقولها: " من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على المنقول أو سندا لحامله فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته..."،  فهذه القاعدة اذن تجعل دعوى الحيازة في المنقول تختلط بدعوى الحق (1) .
و الإشكاليات التي تطرح في هذا الصدد هي :
-  ما هو مجال أو نطاق تدخل هذه الجهة القضائية في حماية الحيازة ؟
-  هل أنها تختص بجميع دعاوى الحيازة ، أم لا ؟
-  ما هي الإجراءات التي تمكن الحائز من طلب الحماية لحقه في الحيازة ؟
-  ما هو موقف القضاء المستعجل من هذا الطلب ؟
للإجابة على جميع هذه التساؤلات سنتناول هذا المبحث في مطلبين : يتناول الأول نطاق إختصاص القضاء المستعجل في حماية الحيازة من خلال الدعاوى التي ينظرها و مدى تقيده بقاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية ، فيما يتناول المطلب الثاني قواعد تلك الحماية من خلال إجراءات رفـع الدعـوى و طبيعة الحكم و حجيته.
المطلب الأول : نطاق إختصاص القضاء المستعجل في حماية الحيازة
تخضع الحيازة من حيث حمايتها إلى ثلاث دعاوى قضائية تتمثل في : دعوى وقف الأعمال الجديدة ، دعوى إسترداد الحيازة ، دعوى منع التعرض ، و قد وردت جميع هذه الدعاوى في المواد من 817 إلى 821 من القانون المدني ، و المواد من 413 إلى 419 من قانون الإجراءات المدنية .
فهي تخضع لنصوص القانون المدني فيما يتعلق شروط قبولها و ما يترتب على رفعها من آثار كطلب قضائي ، و تخضع لقانون الإجراءات المدنية فيما يخص إجراءات التقاضي.
و رغم أن هذه الدعاوى الثلاث هي دعاوى ذات طابع موضوعي ، تدخل في إختصاص محكمة الموضوع التي لها أن تبحث في صفة واضع اليد و عناصر الحيازة و شروطها (2) ، مما يتطلب إثباتها بجميع طرق الإثبات المختلفة ، و لذا فهي تخرج عن إختصاص القضاء المستعجل (3) لما ينطوي عليه الفصل فيها من مساس بأصل الحق .
إلا أنه لما كان الحق في حماية الحيازة من الحقوق التي تتعرض للإعتداء و يتهددها الخطر ، فإنه يجوز لمن يدعي مثل هذا الحق الإلتجاء إلى القضاء المستعجل إذا توافر الإستعجال لتتقرر له الحماية السريعة      و المؤقتة ريثما يفصل فيها قاضي الموضوع  .

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ الغوثي بن ملحة ، القضاء المستعجل و تطبيقاته في النظام القضائي الجزائري ، الطبعة الأولى ، الديوان الوطني للأشغال التربوية 2000
صفحة 53.
(2) قرار رقم 236757 المؤرخ في 25/09/2002 و الذي جاء فيه أن دعوى الحيازة تخضع لإختصاص قاضي الموضوع و ليس لإختصاص قاضي الإستعجال، الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية الجزء الثاني ، طبعة 2004 صفحة 278.
(3) الأستاذ زودة عمر ، محاضرة ملقاة على طلبة الدفعة 14 بالمعهد الوطني للقضاء 2005 .
و قد دأب القضاء على إختصاص القضاء المستعجل بالفصل في المنازعات المتعلقة بالحيازة التي تحتاج إلى حماية وقتية عاجلة حتى يرد عن الحيازة الظاهرة غير المتنازع عليها نزاعا جديا ما يقع عليها من عدوان ظاهر إلى أن يفصل في موضوع الحيازة ذاتها من محكمة الموضوع المختصة .
و قد ذهبت المحكمة العليا إلى عدم إختصاصه بالفصل في دعوى منع التعرض على أساس أن الحكم فيها يمس حتما الحق موضوع النزاع ، إذ يجب للفصل فيها التحقق من توافر شروط وضع اليد التي تخول المدعي رفع الدعوى و حقوق المتعرض على العقار موضوع النزاع بحيث لا يبقى بعد الفصل فيها نزاع بين الطرفين (1) ، و هو ما أكدته في قرارها رقم 226217 المؤرخ في 26/01/2000 إذ جاء فيه :" أن دعوى منع التعرض هي إحدى الدعاوى الثلاث المقررة قانونا لحماية الحيازة العقارية ، و هي دعوى موضوعية لا تدخل بحكم طبيعتها في إختصاص قاضي الإستعجال (2) ".
و بذلك يفهم من هذا القرار أن القضاء المستعجل يختص فقط بدعوى إسترداد الحيازة و دعوى وقف الأعمال الجديدة ، و هو ما سنوضحه فيما يلي:
الفرع الأول : إختصاص القضاء المستعجل بنظر دعاوى الحيازة المستعجلة
أولا : دعوى إسترداد الحيازة :
وردت أحكام دعوى إسترداد الحيازة في المادة 817 من القانون المدني ، إذ جاء فيها أنه : " يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه ، فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت إنكشاف ذلك .
ويجوز أيضا أن يسترد الحيازة من كان حائزا بالنيابة من غيره ".
كما ورد النص عليها كذلك في المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية إذ جاء فيها أنه : " يجوز رفع دعوى إسترداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن أغتصبت منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه وكان له وقت حصول التعدي أو الإكراه ، الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ العلني ".
من خلال هذين النصين نستنتج أن دعوى إسترداد الحيازة شرعت لحماية الحائز من أعمال الغصب ، وليسترد حيازته ممن سلبها أو نزعها منه ، والهدف منها هو رد الإعتداء غير المشروع والسلب والنزع بالقوة ، ولذا يعتبر هذا الإعتداء من أشد صور التعرض للحيازة وأكثرها خطرا على النظام العام، لأن الإعتداء فيها يصل إلى أقصى درجاته حيث يسلب المغتصب حيازة الحائز ويصبح هو الحائز للعقار لذلك فقد قررها المشرع بشرط أكثر تيسيرا من شروط دعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة .
فإذا رفعت الدعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة بطلب إسترداد حيازة عقار لسلبها من حائزها بالقوة ، فالدعوى في هذه الحالة تعتبر دعوى مستعجلة لأنـها تقوم قانونا على إعتداء غير مشروع ــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنور طلبة ، موسوعة المرافعات المدنية و التجارية ،الجزء الأول، طبعة 2001 ، منشاة المعارف ، الإسكندرية، صفحة 562.
(2) الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني ، قسم الوثائق 2004 صفحة 304-308.

بدون النظر إلى وضع اليد ذاته (1) ، إذ لا يترتب على الفصل فيه المساس بأصل الحق (2)  . لأن القاضي الإستعجالي لا يتعرض فيها لأصل النزاع ، فهو لا يبحث نية التملك عند وضع اليد ، ولا شرط الحيازة القانوني ، إذ يكفي لإختصاصه للفصل في هذا الطلب أن يكون لرافعها حيازة هادئة ظاهرة وأن تكون قد سلبت منه بالقوة أو الإكراه ، فلا يشترط أن يكون مالكا ، بل يصح رفعها حتى ممن ينوب عن غيره في الحيازة (3) .
وتتمثل شروط دعوى إسترداد الحيازة فيما يلي :
الشرط الأول : أن يكون المدعي واضعا يده على العين وضع يد مادي وقت وقوع الغصب (4) :
أي أن تكون له حيازة مادية وقت التعدي على العقار الذي سلب منه بالقوة وبصرف النظر عما إذا كانت هذه الحيازة معيبة أم لا ، فيكفي أن يثبت المدعي العنصر المادي وقت التعدي وأنه سلبت منه بالقوة ، وأن يكون ذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن بإعتبار الحيازة واقعة مادية (5) .
كما للمدعي أن يرفع دعوى إسترداد الحيازة على كل شخص إنتقلت إليه الحيازة ولو كان حسن النية وذلك بإعتبارها دعوى عينية (6) ، ومن ثم فليس للمدعي أن يرفعها إذا ثبت أن حيازته المادية لم تكن قائمة على العين وقت أن حازها المدعي عليه ، ويجب أن يكون سلب الحيازة قد إنصب على حيازة مادية أيضا لا على حيازة معنوية .
وقد أثير جدل حول ما إذا كان من اللازم لرفع دعوى إسترداد الحيازة أن تكون حيازة المدعي متوافرة أيضا على عنصرها المعنوي أي نية التملك ، أم يمكن رفعها من الحائز المادي ولو لم تكن له نية التملك أي ولو كانت حيازته عرضية كالدائن المرتهن الحيازي ، والمستعير والحارس ، لكن الراجح هو جواز ذلك على أساس أن القانون يمنع الشخص من أن يقتضي حقه بنفسه، فإذا إنتزعت الحيازة من الحائز بالقوة حتى لو وقع ذلك من المالك الذي أجازها على سبيل التسامح فيكون بذلك قد إقتص لنفسه بما لا يجيزه القانون ،    وإذا رفعت دعوى إسترداد الحيازة أمام القضاء المستعجل وثار نزاع بين الطرفين حول توافر هذا الشرط  أو عدم توافره ، فإن القاضي الإستعجالي يفحص هذه المنازعة من ظاهر المستندات لا ليقضي فيها موضوعا  بل للتوصل إلى البت في الإجراء الوقتي المطلوب منه ، فإن تبين له أن إعتراض المدعى عليه في هذا الشأن يقوم على سند من الجد فإنه يقضي بعدم إختصاصه بنظر الدعوى ، أما إذا تبين له تناقض إدعاءات الطرفين فيقتضي الأمر في هذه الحالة اللجوء إلى إجراءات التحقيق وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 415 من قانون الإجراءات المدنية إذ جاء فيها :
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وزارة العدل ، الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي ، مديرية الشؤون المدنية 1995 ص 102
(2) مصطفى مجدي هرجة ، الحيازة داخل وخارج دائرة التجريم ، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ، 1991 ، ص326 .
(3) المادة 817/2 من القانون المدني الجزائري .
(4) د/ محمد شتا أبو سعد ، المرجع السابق ، ص 128 .
(5) محاضرة ألقاها الأستاذ زودة عمر على الطلبة القضاة ، الدفعة الرابعة عشر ، بالمعهد الوطني للقضاء 2005 .
(6) المادة 819 من القانون المدني الجزائري .

" إذا أنكرت الحيازة أو أنكر التعرض لها فإن التحقيق الذي يؤمر به في هذا الخصوص لا يجوز أن تمس أصل الحق وهو ما جسده قرار المحكمة العليا في الملف رقم 201544 الصادر بتاريخ 22/11/2000 إذ نص على أن من المبادئ القانونية للحيازة أنها واقعة مادية يتم إثباتها بجميع الطرق القانونية (1) .
الشرط الثاني : سلب الحيازة :
يتعين لرفع دعوى إسترداد الحيازة أن تكون حيازة المدعي قد سلبت منه بفعل المدعى عليه (2) ، أما إذا كان المدعي مستمرا في حيازة العين وكل ما حدث له هو تعكير في الحيازة لا يفقده إياها فليس له رفع هذه الدعوى ، وبالتالي فهي مقترنة بزوال حيازة المدعي المادية للعقار سواء تم ذلك بالقوة أو بدون قوة .
وقد سهل المشرع الأمر على من سلبت حيازته بالقوة فأجاز له رفع الدعوى ولو لم تكن حيازته قد إستمرت سنة كاملة قبل سلبها ، وتتوافر القوة كلما وقع سلب الحيازة بإجراء يتم رغم إرادة الحائز ولا حيلة له في دفعه .
وقد يقع سلب الحيازة أيضا بالإستيلاء خلسة على العقار أو بالخداع والحيلة دون إتخاذ إجراءات قضائية أي أن العمل الذي قام به المدعي عليه عمل عدواني لا سند له في القانون ، وأنه من شأنه أن يمس بالأمن العام ، ويقع سلب الحيازة أيضا بصرف النظر عما إذا كان المعتدي حسن النية كأن يعتقد أن العقار الذي إنتزعت حيازته من الحائز هو عقار مملوك له ورغم ذلك فهو يعتبر مخطئا عندما لجأ إلى أخذ حقه بيده من الإلتجاء إلى القضاء. ومن ثم إذا رفعت دعوى إسترداد الحيازة أمام القضاء المستعجل وثار نزاع بين الطرفين حول توافر هذا الشرط فإن القاضي الإستعجالي يفحص هذه المنازعة من ظاهر المستندات ، وإذا إستبان له جدية ما يذهب إليه المدعي عليه فإنه يقضي بعدم إختصاصه بنظر الدعوى .
الشرط الثالث : أن تستمر الحيازة مدة سنة على الأقل في بعض الحالات :
تختلف المدة بإختلاف حالات سلب الحيازة فإذا وقع السلب بالقوة إستطاع المدعي طلب إسترداد الحيازة ولو كانت حيازته المادية لم تستمر على العقار مدة سنة سابقة على سلبها ، وإذا وقع سلب الحيازة بغير قوة فليس للمدعي طلب إسترداد الحيازة إلا إذا كان حائزا لمدة سنة على الأقل وقت فقدها و كانت حيازته أحق بالتفضيل من حيازة خصمه ، والحيازة الأحق بالتفضيل هي تلك التي تقوم على سند قانوني فإذا إنعدمت لديهم السندات أو تعادلت فإن الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ (3)، والقاضي الإستعجالي عند عرض النزاع عليه يقضي حسبما يتضح له من نتيجة الفحص الظاهرة .


.ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية ، الجزء 2 ، 2004 قسم الوثائق صفحة 283 ، نسخة من القرار رقم 201544 المؤرخ في 22/11/2000
( مرفق 15 )
(2) محمد علي راتب ، محمد نصر الدين كامل ، محمد فاروق راتب ، قضاء الامور المستعجلة ، ط6 ، ج1 ص605 .
(3) المادة 818 من القانون المدني الجزائري .

الشرط الرابع : أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية لفقد الحيازة :
في هذه الحالة فإن يقع على المدعي إثبات أنه رفع دعواه في مدة السنة، وإذا كانت المدة هي مدة سقوط الدعوى الموضوعية، فإن فواتها في مجال الدعوى المستعجلة يفقد الدعوى صفة الإستعجال الملازم لإختصاصه القضاء الإستعجالي ويصبح الفصل فيها مساسا بأصل الحق ، وعليه يتعين على القاضي الإستعجالي أن يقضي بعدم إختصاصه النوعي .
الشرط الخامس : الإستعجال :
يعتبرعنصر الإستعجال شرطا لإختصاص القضاء المستعجل بنظر هذه الدعوى ، فمتى توافرت شروط دعوى إسترداد الحيازة ، وكان الإعتداء يستدعي إتخاذ إجراء وقتي بشأنه ، وكان يخشى على مصالح الحائز من فوات الوقت فله أن يلجأ القاضي الإستعجالي ليرد إليه حيازته كإجراء وقتي لحين اللجوء إلى محكمة الموضوع .
الشرط السادس : أن تكون الأعمال المعترض عليها داخلة في ولاية جهة القضاء العادي :
يختص القضاء الإستعجالي بنظر الشق المستعجل فقط من الأعمال التي تدخل في ولاية القضاء العادي ، أما إذا كان إنتزاع الحيازة يتصل بعمل من أعمال السيادة أو أعمال الإدارة فإنه يخرج عن إختصاصه .
وعموما فإن إختصاص القاضي الإستعجالي يقوم في حالة طلب إسترداد الحيازة على الإعتبارين الآتيين :
أولا : إن مهمة القاضي الإستعجالي مقصورة فقط على إعادة الحالة إلى أصلها ، وهو إجراء وقتي يراد منه المحافظة على الأوضاع المادية المستقرة . نسخة من قرار قضائي ......( مرفق 16 ).
ثانيا : سلب الحيازة من يد صاحبها قهرا، أمر يستوجب تدخل القضاء الإستعجالي لحماية الحائز ورد عدوان الغاصب .
ويتحدد حكم القاضي الإستعجالي في هذه الدعوى على الشيء محل الحيازة الذي يكون دائما عقارا ، فقد يكون أرضا فلاحية أو مسكنا أو ممرا ، على أنه يتعين على المدعي أن يعين موضوع الدعوى تعيينا كافيا نافيا للجهالة ، بأن يبين موقع العقار ومساحته وحدوده ورقمه ويسعى إلى إعادة السيطرة المادية على الشيء محل الحيازة .
ويختلف حكم القاضي حول ما إذا دامت حيازة المدعي سنة أو أنها لم تدم سنة كاملة ، فإذا دامت لمدة سنة فيحكم بردها إذا إنتزعت منه بالقوة أو الغصب ، وكذلك إذا لم تدم سنة كاملة وإنتزعت منه بالقوة وهو ما قضت به المادتين 413 من قانون الإجراءات المدنية والمادة 818 من القانون المدني، أما إذا كانت حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة ولم تنتزع منه بالقوة فتطبق قواعد المفاضلة المنصوص عليها في المادة 818 من القانون المدني، وتقضي قواعد المفاضلة بأنه إذا وجد سند قانوني عند كل من الخصمين فضلت الحيازة الأسبق في التاريخ ، أما إذا قامت إحدى الحيازتين على السند القانوني دون الأخرى فضلت الحيازة القائمة على السند القانوني ، أما إذا كانت حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة ولم تنتزع منه بالقوة ولكن المدعى عليه يستند على حيازة أحق بالتفضيل ، ففي هذه الحالة يحكم برفض الدعوى .

الحكم في دعوى استرداد الحيازة :
الحيـــــــازة


لمدة سنة                               سلبت بالقوة                                  توفر شرط الاستعجال

يحكم القاضي بردها
الحيــــــازة

لمدة اقل من سنة                    سلبت بالقـوة                                  توفر شرط الاستعجال

يحكم القاضي بردها ( م 413 ق ا م ، 818 ق م )

الحيـــــــازة


لمدة سنة                         سلبت منه دون قوة                          توفر شرط الاستعجال

يحكم القاضي بردها
الحيــــــــازة


لمدة اقل من سنة                    سلبت منه دون قوة                      توفر شرط الاستعجال

الأصل أنه ليس من اختصاص قاضي الحكم بردها
وإستثناء له الحكم برد الحيازة اذا كانت حيازة المدعي أحق بالتفضيل من حيازة خصمه أي أن حيازة خصمه تقوم على سند قانوني أو الحيازة الأسبق في التاريخ ( م 818  ق م )
الحيـــــــازة

لمدة اقل من سنة                          لم تنتزع منه بالقوة       الاستعجال              سند قانوني بحوزة المدعى عليه

القاضي يحكم برفض الدعوى

ثانيا : دعوى وقف الأعمال الجديدة
نصت المادة 821 من القانون المدني على ما يلي: " يجوز لمن حاز عقارا وإستمر حائزا له مدة سنة كاملة ، وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبا وقف هذه الأعمال بشرط أن لا تكون قد تمت ، ولم ينقض عام واحد على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر .
وللقاضي أن يمنع إستمرار الأعمال أو أن يأذن في إستمرارها ، وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة صدور الحكم بالوقف ضمانا لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقت إذا تبين بحكم نهائي أن الإعتراض على إستمرار الأعمال كان على غير أساس ، وتكون في حالة الحكم بإستمرار الأعمال ضمانا لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها للتعويض عن الضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته " .
وبذلك فقد أمعن المشرع في حماية الحيازة حيث  لم يكتف بحمايتها من السلب ،ومن التعرض الذي تم، وإنما نظم فضلا عن ذلك وقايتها من التعرض قبل حصوله متى تهيأت الأسباب لإحتمال وقوعه ،على أن تقوم على أسباب معقولة تدعو إلى الإعتقاد على أن هذه الأعمال لو تمت مستقبلا لأصبحت تعرضا على حيازة المدعي .
فدعوى الوقف هي دعوى الحيازة الوقائية التي ترمي إلى منع الإعتداء على الحيازة قبل وقوعه، إذ يرفعها الحائز لعقار أو لحق عيني على من شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضا بالفعل للحائز في حيازته، شرط أن تقع هذه الأعمال في عقار المدعى عليه، لأنها لو وقعت في عقار المدعي لأصبحت تعرضا في الحيازة ، وبذلك فإن التعرض الذي تقوم عليه دعوى وقف الأعمال الجديدة هو تعرض إحتمالي وأن الأمر بوقف هذه الأشغال هو مجرد تدبير مؤقت لحماية الحق من الخطر الناجم عن مواصلة عملية البناء في إنتظار الفصل النهائي في موضوع الدعوى وهذا طبقا للمادة 186 من قانون الإجراءات المدنية.
ولقبول هذه الدعوى أمام القضاء المستعجل فينبغي توافر الشروط التالية :
الشرط الأول/ أن يكون المدعي حائزا لعقار أو لحق عيني عقاري حيازة تمكنه من إكتساب ملكية ذلك العقار أو الحق العيني :
و يستلزم ذلك قيام الحيازة على عنصريها المادي والمعنوي، أي وضع اليد الفعلي على الشيء ومباشرة سائر الأفعال التي تجعله يظهر أما الغير بمظهر صاحب الحق محل الحيازة وكذلك نية التملك التي يجب أن تكون واضحة،هادئة، مستمرة (1) وغير قائمة على عمل من الأعمال المباحة التي يأتيها الشخص بحسبانها رخصة من المباحات،ومثال ذلك فتح مطل على المسافة القانونية ، أو تلك التي تكون على سبيل التسامح (2) أي التي يتساهل فيها الشخص المعتدل ولا يعتـرض عليهـا إلى أن تتوافـر شـروط الحيـازة لـدى
ــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري .
(2) المادة 808 من القانون المدني الجزائري .
المعتدي ، إضافة إلى كل ذلك فيجب أن تنصب الحيازة على عقار أو حق عيني عقاري يمكن إكتسابه بالتقادم
إذ لا يمكن قبول الدعوى إذا رفعت ضد الحكومة أو أحد الأشخاص الإعتبارية العامة بالنسبة للعقارات المملوكة لها سواء كانت تلك العقارات من الأملاك العامة أو من الأملاك الخاصة ، لأنها لا تكتسب بالتقادم .
ونجد أنه في جميع هذه الأحوال فإن القضاء المستعجل لا يختص بنظر دعوى وقف الأعمال الجديدة إذا قام الدليل الجدي أمامه على أن حيازة المدعي معيبة ، أو مشوبة بشبهة الإنتفاع بطريق التسامح أو من قبيل الإباحة ، أو منصبة على حق لا يجوز إكتسابه بالتقادم ، أو قام الدليل الجدي أمامه على أن الحيازة تفتقر إلى أحد عنصريها المادي أو المعنوي .
الشرط الثاني/ أن تستمر الحيازة المراد حمايتها مدة سنة على الأقل :
على القضاء المستعجل المختص بنظر دعوى وقف الأعمال الجديدة أن يتأكد من قيام الدليل الجدي أمامه على أن حيازة المدعي قد إستمرت على هذا الوضع مدة سنة على الأقل سابقة على العمل الجديد المراد إيقافه وللحائز في سبيل إحتساب هذه السنة أن يضيف إلى مدة وضع يده مدة وضع سلفه ، كما أن الحيازة قد تكون بمعرفة الحائز نفسه بشخصه أو بمن ينوب عنه أما في حالة ما إذا تبين بأن الحيازة لم يمض عليها سنة قبل الشروع في العمل الجديد فإنه يقضي بعدم إختصاصه بنظر الدعوى .
الشرط الثالث / شروع المدعى عليه في عمل من شأنه لو تم أن يصبح تعرضا لحيازة المدعي :
إن هذه الدعوى لا يقصد بها منع تعرض حاصل بالفعل ، وإنما الهدف منها توقي حصوله مستقبلا لأن سبيل وقوع التعرض الفعلي هو دعوى منع التعرض وليس دعوى وقف الأعمال الجديدة التي يكون محلها أعمالا لا تعتبر تعرضا في الحال، وإنما هو تعرض في المآل من شأنه أن يعكر أو يمس الحق الذي يحوزه المدعي، ولهذا فقاضي الأمور المستعجلة عند عرض النزاع عليه ينبغي عليه قبل البت في الدعوى أن يتعرف من ظاهر المستندات حقيقة الأمر فيها من خلال معرفة الحق الذي يحوزه المدعي ، ومداه ونطاقه وما يخوله من سلطات طبقا للقانون وذلك بمعرفة ما إذا كانت الأعمال المتظلم منها من شأنها عند تمامها أن تمس هذا الحق محل الحيازة أم لا فإن إتضح أنها تمسه قضى بوقفها، أما إن إتضح أنها عند تمامها لن تمس حقا يحوزه قضى بعدم الإختصاص .
الشرط الرابع / ألا يكون العمل الجديد قد تم أو أن يكون قد إنقضى على الإبتداء فيه عام:
إذا ثبت أن العمل المتضرر منه قد تم فعلا وإنقلب تعرضا فليس للمتضرر رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة بل عليه رفع دعوى منع التعرض .
وقد يكون الفعل تعرضا في جزء منه وشروعا في تعرض بالنسبة لجزء آخر، فيجوز رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة بالنسبة للشق الذي مازال في مرحلة الشروع ويترتب على ذلك أن الأعمال التي ترفع بصددها دعوى وقف الأعمال الجديدة إنما يفترض إرتكابها في عقار آخر خلاف عقار المدعي (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ احمد هندي ، اصول قانون المرافعات المدنية والتجارية ، 2002 دار الجامعة الجددية للنشر الاسكندرية صفحة 384 .

كما يتعين أيضا ألا يكون قد إنقضى عام على الشروع في الأعمال والملاحظ أن مضي مثل هذه المدة من شأنه في صدد الدعاوى المستعجلة أن يفقدها غالبا صفة الإستعجال ويخرجها بالتالي عن إختصاص القضاء المستعجل بل إن القاضي الإستعجالي ولو كان التأخير في رفع الدعوى لمدة تقل عن سنة و تبين له أن ذلك التأخير قد أثر على طبيعة الإستعجال وأفقدها إياه فإنه يقضي بعدم إختصاصه .
الشرط الخامس/ ألا يطلب من القاضي المستعجل إزالة ما تم من أعمال:
إن القضاء المستعجل يختص بوقف الأعمال الجديدة وليس بإزالة ما تم من أعمال لأن ذلك ينطوي على مساس بأصل الحق، وعليه فإذا طلب المدعي مثلا وقف الأعمال الجديدة وإزالة ما تم منها ، فإن القاضي الإستعجالي يقضي بإجابة الشق الأول متى تكاملت عناصره وبعدم إختصاصه بنظر الشق الثاني .
أما إذا طلب المدعي إزالة الأعمال التي يقيمها المدعى عليه وتبين للقاضي أن عناصر دعوى وقف الأعمال الجديدة المستعجلة متكاملة من خلال ظروف الدعوى فإنه يختص بما له من سلطة ويقضي بوقف العمل الجديد .
الشرط السادس / الإستعجال :
إن عنصر الإستعجال شرط في دعوى وقف الأعمال الجديدة وهو شرط كذلك لإختصاص القضاء المستعجل، فإذا ما تبين لقاضي الأمور المستعجلة إفتقار الدعوى لهذا العنصر فيتعين عليه الحكم بعدم إختصاصه بنظرها .
الشرط السابع/ أن تكون الأعمال المعترض عليها داخلة في ولاية جهة القضاء العادي:
يحكم القاضي الإستعجالي بعدم الإختصاص النوعي في حالة ما إذا كانت الأعمال مطلوب وقفها تدخل ضمن أعمال السيادة أو أعمال الإدارة .
وبناء على ما تقدم، يمكن القول أن دعوى وقف الأعمال الجديدة وإن كانت دعوى حيازة ،إلا أنها ونظرا لطبيعتها الوقتية فإنها أقرب الدعاوى إلى إختصاص القضاء المستعجل على أساس أن شرط الإستعجال الذي هو محور إختصاصه يكون متوافرا في فروض كثيرة ترفع فيها هذه الدعوى، لأن دعوى الوقف ترفع بمجرد البدء في أعمال قبل أن تتم ، أي أننا بصدد شروع في تعرض أو تعدي على الحيازة ، فيفرض المنطق رفعها بسرعة لتوقي وقوع هذا التعرض بدلا من إنتظار وقوعه .
ويمكن للمحكمة بموجب المادة 821/2 من القانون المدني أن تحكم بكفالة ، مع إستمرار الأعمال أو وقفها سواء للمدعي أو للمدعى عليه ، فإذا كانت قد قضت لمصلحة المدعي بوقف العمل الجديد وألزمته بالكفالة فإن هذا الحكم لا ينفذ إلا بعد إيداع الكفالة ، وتبقى هذه الكفالة مودعة حتى يفصل نهائيا في النزاع حول الحق ، فإن حكم في هذا النزاع لمصلحته إسترد ما أودعه ، وإن حكم ضده كان للطرف الآخر أن يرجع على هذه الكفالة للحصول على تعويض الضرر الذي أصابه من جراء وقف العمل الجديد بغير حق ، أما إذا كان الحكم لمصلحة المدعى عليه بالإستمرار في العمل الجديد وألزمته بدفع كفالة فإنها تبقى أيضا مودعة حتى يفصل نهائيا في النزاع حول الحق، فإذا حكم فيه لمصلحته فإنه يستردها .
أما إذا حكم ضده كان للطرف الأخر أن يرجع على هذه الكفالة للحصول على تعويض الضرر الذي أصابه من جراء الإستمرار في العمل الجديد بغير حق .
ومعنى ذلك أن للمحكمة سلطة الأمر بالكفالة (1) مع إستمرار الأعمال أو مع وقفها ، وأن الذي يدفع الكفالة دائما هو المحكوم له في دعوى وقف الأعمال الجديدة سواء كان الحائز ( في حالة الحكم بالوقف ) أو المدعى عليه ( في حالة الحكم بالإستمرار في الأعمال )، وبهذا فإن إفراد المشرع للحكم الصادر في دعوى وقف الأعمال الجديدة بالكفالة دون الحكم الصادر في باقي دعاوى الحيازة يتماشى وكون هذه الدعوى هي دعوى حيازة وقتية سواء طرحت أمام القاضي الإستعجالي أو القاضي الموضوعي ، و بتقديم الكفالة يصبح الحكم الصادر في دعوى الوقف قابلا للتنفيذ الجبري فور صدوره ،وفي كل الأحوال فإن هذا الحكم لا حجية له أمام قاضي الموضوع (2) كما سنبينه لاحقا ، وبذلك فموضوع هذه الدعوى يكون دائما إلزاما بوقف الأعمال الجديدة يمكن تنفيذه بواسطة الغرامة التهديدية لإجبار المدعى عليه عن الإمتناع عن العمل.
ونشير إلى أنه في دعوى إسترداد الحيازة ودعوى منع التعرض فلا يجوز تنفيذ الحكم الصادر فيهما بواسطة الغرامة التهديدية لأنه يعتبر حكما ملزما يمكن تنفيذه جبرا على المدعى عليه وذلك عن طريق القوة العمومية ، كما أنه لا يتوقف على تدخل المدين شخصيا ، ويتم تنفيذه بإزالة البناء أو الحائط بواسطة المحكوم عليه فإذا إمتنع جاز له أن يطلب من القاضي بالإذن له بالقيام بالإزالة بنفسه لكن على نفقة المدين .
- الحكم في دعوى وقف الاعمال الجديدة

عـدم الاختصــاص


الحيازة أقل من سنة قبل          اذا كانت الاعمال عند تمامها          عند انقضاء السنة على الشروع في
الشروع في العمل                لا تمس أصل الحق                   الأعمال ، أو عند التأخير في رفع
الدعوى لمدة اقل من سنة ، مما
يؤثر على طبيعة الاستعجال ويفقدها إياه
القضاء بوقـف الأعمـال الجديــدة

إذا كانت الأعمال عند تمامها من شانها المساس بأصل الحق محل الحيازة



ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي ، مديرية الشؤون المدنية 1995 صفحة 104
(2) د/ احمد هندي ، المرجع السابق صفحة 387 .

موقف الإجتهاد القضائي فيما يخص مسائل الحيازة :
لقد وقف الإجتهاد القضائي كثيرا عند مسائل الحيازة مما يعكس الأهمية الكبيرة لها ، ويبين حجم القضايا المتعلقة بها، الأمر الذي أتاح له المساهمة في وضع المبادئ القانونية من جهة وتأكيد شروطها من جهة ثانية وسنعرض فيما يلي بعض قرارارت المحكمة العليا .
1) فيما يخص إثبات الحيازة : قرار رقم 201544 صادر بتاريخ 22/11/2000 .
المبدأ : الحيازة واقعة مادية يتم إثباتها بجميع الطرق القانونية .
الدفع المثار: " ... كلا الطرفين يدعي الحيازة للأرض محل النزاع .
- حيث أن الطاعن يدعي أنه حائز لها .... وأن المدعى عليهما إعتديا على حيازته مؤخرا .
- حيث أن المطعون ضدهما أنكرا التعدي على حيازة الطاعن ....
- حيث أنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه فإنه لا يوجد ما يدل على إنتقال الحيازة منذ مدة تزيد عن السنة للمطعون ضدهما ولا توجد أية إشارة إلى أن المطعون ضدهما أثبتا حيازتهما للأرض .
- حيث أن الحيازة واقعة مادية تثبت بكل الطرق القانونية، وكان على قضاة المجلس أمام إدعاءات الطاعن وإنكار المطعون ضدهما القيام واللجوء إلى أي إجراء من الإجراءات التي يخولها لهم القانون للتأكد من موضوع الدعوى والتحري أكثر خاصة وأنهم أكدوا بأن الأرض تحت حيازة المطعون ضدهما دون تبيان مصدر ذلك .
التعليق : لقد صرح قضاة الموضوع بإنتقال حيازة القطعة الأرضية المتنازع عليها إلى المدعى عليهم في الطعن دون أن يثبت هؤلاء الحيازة المزعومة ، وقد إستقرت المحكمة العليا على أنه وعندما يبدي كل طرف في نزاع إدعاءات بخصوص حيازة العقار المتنازع عليه فإنه يتعين على قضاة الموضوع اللجوء إلى إجراءات التحقيق طبقا للمادة 415 من قانون الإجراءات المدنية لإثبات خصائص الحيازة المتمسك بها (1) .
2- فيما يخص دعوى إسترداد الحيازة :
- قرار رقم 57979 مؤرخ في 27/12/1989 ، المجلة القضائية لسنة 1993 عدد 3 صفحة 28 .
المبدأ : من المقرر قانونا أنه لا تقبل دعوى الحيازة ودعوى إستردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض .
ومن المقرر أيضا أنه لا تقبل دعوى الحيازة ممن سلك طريق دعوى الملكية (2) .
- قرار رقم 205945 مؤرخ في 31/01/2001 (3).


ـــــــــــــــــــــــ
(1) حمدي باشا عمر ، مبادئ الاجتهاد القضائي في مادة الاجراءات المدنية ، دار هومة الجزائر ص 48 .
ـ حمدي باشا القضاء العقاري ، طبعة 2002 ، دار هومة ، الجزائر صفحة 131 .
(2) تعليق السيدة : فائزة بوتارن ، رئيسة قسم الغرفة العقارية ، الاجتهاد القضائي للغرفة العقارية ، الجزء 2 ، 2004 ، قسم الوثائق صفحة 288 .
(3) نسخة من القرار رقم 205945 المؤرخ في 31/01/2001 ( مرفق 17 ) .

المبدأ : لا يمكن الإستجابة لدعوى إسترداد الحيازة قبل التأكد من الحيازة القانونية لرافع الدعوى .
الدفع المثار ( حيث أنه ... تبين أن المطعون ضده أقام دعوى إسترداد الحيازة لقطعة أرضية يزعم أنه يحوزها بصفة دائمة وعلنية منذ 1954 إلى غاية أن إستولى عليها الطاعن بالقوة وقام بحرثها وتسييجها حسب قوله .
- وحيث أنه للفصل في طلب إسترداد الحيازة .... كان ينبغي التأكد من حيازة المدعي للقطعة الأرضية موضوع النزاع حيازة قانونية وفقا للمادة 413 من قانون الإجراءات المدنية والتأكد من أن المدعى عليه جرد المدعي من حيازته للقطعة بدون وجه حق وعندئذ فقط الفصل بقبول طلب إسترداد الحيازة أو رفضه حسب الحالة .
التعليق : على القاضي عند عرض النزاع حول إسترداد الحيازة التأكد من الحيازة الفعلية للمدعي ومدى توافر شروطها المنصوص عليها في المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية والمتمثلة في أن الدعوى ترفع خلال سنة من التعرض لأن المشرع إستثنى هذه الدعوى بالذات من الشروط العامة الواجب توافرها في باقي دعاوى الحيازة والمتمثلة في أن تكون هادنة علنية ، مستمرة لايشوبها إنقطاع وغير مؤقتة وغير خفية وإستمرت لمدة سنة على الأقل .
كما ينبغي عليه التأكد من جرد وسلب المدعى عليه الحيازة من المدعي بدون وجه حق .
3- فيما يخص دعوى منع التعرض ومدى إختصاص القضاء المستعجل بنظرها :
قرار رقم 226217 مؤرخ في 26/01/2000 .
المبدأ : دعوى منع التعرض هي إحدى الدعاوى الثلاث المقررة قانونا لحماية الحيازة العقارية وهي دعوى موضوعية لا تدخل بحكم طبيعتها في إختصاص قاضي الإستعجال .
الدفع المثار : حيث أنه من المقرر قانونا أن المقصود بالإستعجال هو الضرر المحدق بالحق والمطلوب رفعه بإجراء وقتي لا تسعف فيه إجراءات التقاضي العادية مع عدم المساس بأصل الحق ... .
- حيث أنه ... الفصل في دعوى منع التعرض يستوجب البحث عن صفة واضع اليد ، وعناصر الحيازة وشروطها ومدة وضع اليد وهذه جميعها مسائل تحقيق موضوعية لايتسع لها نطاق قضاء الإستعجال ، علاوة على أنه في تحديد من له الحيازة القانونية مساس حتما بأصل الحق موضوع النزاع بإعتبار الحيازة قرنية على الملكية .
التعليق : بمفهوم المخالفة من المبدأ الذي إستقرت عليه المحكمة العليا يستشف أن دعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى إسترداد الحيازة تدخلان بحكم طبيعتهما في إختصاص قاضي الإستعجال لأن الفصل فيهما لا يمس أصل الحق وإنما يكون مجرد إجراء مؤقت للحماية بينما دعوى منع التعرض فطبيعتها موضوعية وبذلك فهي لا تدخل في إختصاص القضاء المستعجل لأن الفصل فيها يمس بأصل الحق  .
4- فيما يخص دعوى وقف الأعمال الجديدة :
- قرار رقم 33252 مؤرخ في 06/03/1985 ، المجلة القضائية 1989 عدد 04 ص 34 .

المبدأ : متى كان من المقرر قانونا أن الأوامر التي تصدر في المواد المستعجلة لا تمس أصل الحق (1) .
- قرار رقم 88796 مؤرخ في18/2/1991 .
المبدأ : يجب تبرير عنصر الخطر الذي هو أساس إقامة دعوى الإستعجال (2) .
- قرار صادر بتاريخ 03/06/1987 .
المبدأ : يجب تبرير عنصر الإستعجال في الدعوى (3) .
- قرار رقم 53918 مؤرخ في 22/6/1988 .
المبدأ : لا يجوز لقاضي الأمور المستعجلة أن يفصل بشكل قطعي في صفات الخصوم أو أن يفصل في صحة أو عدم صحة العقود التي تقدم بها الطرفين ، إذا طعن فيها بالإنكار أو التزوير أو البطلان أو الصورية (4)  .
- قرار رقم 151591 مؤرخ في 11/06/1997 .
المبدأ : إن وقف الأشغال من طرف الجهة الإستعجالية لا تمس بأصل الحق ، فهو مجرد تدبير مؤقت لحماية الحق  من الخطر الناجم عن مواصلة البناء في إنتظار الفصل النهائي في موضوع الدعوى (5) .
- الفرع الثاني : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الملكية و دعوى الحيازة
من المقرر أن لكل حق دعوى تحميه ، و قد يجد صاحب الحق أن يسلك سبيلا ميسرا يحقق به الغاية من حماية حقه وذلك برفع دعوى الحيازة بدلا من أن يسلك السبيل الذي يتطلب إجراءات معقدة وإثباتا قد يكون صعبا ، ويتحقق ذلك برفعه لدعوى الحيازة بدلا من دعوى الملكية بشرط ألا يجمع بينهما ، إذ يترتب على هذا الجمع سقوط حقه في دعوى الحيازة .
تنص المادة 418 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري على مايلي: ( لا تقبل دعوى الحيازة ممن سلك طريق دعوى الملكية ) .
وعليه فقاعدة عدم الجمع بين دعوى الملكية ودعوى الحيازة ، وردت شاملة وعامة ، فلا يمكن حصرها على القضاء الموضوعي أو على القضاء المستعجل ، وبذلك فهي تطبق على المستويين ، وتسري حتى على القضاء المستعجل رغم أنه قضاء مؤقت ولا يمس بأصل الحق وأن أحكامه لا تحوز حجية الشيء المقضي فيه ، لكن هناك أراء مختلفة حول مسألة الجمع بين دعوى الملكية أمام القضاء الموضوعي ودعوى الحيازة أمام القضاء المستعجل ، فذهب رأي (6) إلى أن رفع دعوى الحق مانع من رفع إحدى دعاوي الحيازة سواء

ــــــــــــــــــــــــ
(1)  حمدي باشا عمر ، مبادئ الاجتهاد القضائي ، دار هومة ، الجزائر 2001 ص 48 .
حمدي باشا عمر ، القضاء العقاري ، دار هومة ، الجزائر 2002 ص 132 .
+ نسخة من القرار 33252 المؤرخ في 06/03/1985 ( مرفق 18 ) .
(2)+ (3) : الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي المرجع السابق ص99 .
(4) الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي المرجع السابق ، ص 101 .
(5) نشرة القضاة العدد 56 ، طبع الديوان الوطني للاشغال التربوية 1999 ص102 .
(6) محمد نصر الدين كامل ومحمد فاروق راتب ، المرجع السابق ، صفحة 276
كان ذلك أمام قاضي الحيازة أو أمام قضاء الإستعجال بالنسبة لتلك الدعاوى التي تدخل في إختصاصه ، مع ملاحظة أن دعوى الحيازة التي يمنع رفعها في تلك الصور هي التي يكون سببها ناشئا قبل رفع دعوى الحق، أما تلك التي ينشأ سببها بعد رفع دعوى الحق فلا شك في جواز رفعها سواء أمام قاضي الحيازة أو القاضي الإستعجالي عند توافر شروط إختصاصه ، وعلى ذلك فإذا شرع شخص في بناء حائط يحتمل أن يصبح مع الوقت تعرضا لمطل المدعي فرفع هذا الأخير دعوى أمام القضاء الموضوعي يطلب فيها تقرير حق إرتفاق بالمطل المكتسب بالتقادم مثلا ، فأنه يمتنع عليه بعد ذلك أن يرفع دعوى وقف هذا البناء لأنه قد إختار الطريق الصعب (طريق دعوى الملكية) فيفترض أنه قد تنازل عن الطريق السهل ( طريق دعوى وقف الأعمال الجديدة المستعجلة) .
بينما ذهب إتجاه آخر إلى أنه لا محل لإعمال القاعدة المقررة في المادة 418 من قانون الإجراءات المدنية ، والتي تقضي بعدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق في شأن الدعاوى المستعجلة التي ترفع برد الحيازة أو وقف الأعمال الجديدة التي ترفع أمام القاضي المستعجل مع توافر موجب إختصاصه التي ترفع أمام محكمة الموضوع ، أما دعوى إسترداد الحيازة أو وقف الأعمال الجديدة التي ترفع أمام القاضي المستعجل مع توافر موجب إختصاصه فلا تعتبر دعوى وضع يد – أي دعوى الحيازة – بالمعنى القانوني، فهي مجرد طلب بإجراء تحفظي مستعجل يقصد منه رد عدوان، يبدو للوهلة الأولى أنه بغير حق ، أو دفع خطر لا يمكن تداركه أو يخشى إستفحاله إذا ما فات عليه الوقت ، فتسري عليه كافة الأحكام المتعلقة بالدعاوى بما فيها القاعدة التي تقضي بأن رفع دعوى الحق أمام قاضي الموضوع لا يسلب إختصاص القاضي الإستعجالي بالفصل في الطلب الوقتي المتفرع من أصل النزاع سواء كان رفع دعوى الموضوع سابقا على رفع الدعوى المستعجلة أم لاحقا لها ، فإذا رفعت دعوى تثبيت ملكية أمام محكمة الموضوع فإن ذلك لا يمنع القاضي المستعجل من نظر دعوى رد الحيازة أو وقف الأعمال الجديدة أثناء قيام دعوى الملكية أمام محكمة الموضوع مع توافر السبب القانوني الذي يبرر إختصاصه .
و الرأي الأخير هو الذي يتسق مع نطاق إختصاص القضاء المستعجل من كونه يفصل بصفة مؤقتة مع عدم المساس بأصل الحق (1) في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت .
كما و أن حكمه في ذلك حكم وقتي لا يقيد قضاء الموضوع فيما إنتهى إليه ، و من ثم فالمدعي الذي أقام دعواه الموضوعية بطلب تقرير حق إرتفاق له بالمطل المكتسب بالتقادم يجوز له في نفس الوقت أن يقيم دعوى مستعجلة بطلب وقف بناء الحائط الذي لو تم لأصبح تعرضا له في المطل ، و يقضي له بذلك إذا ما توافرت شروط إختصاص القضاء المستعجل و القول بأنه يمتنع عليه ذلك لإختياره الطريق الصعب و هو دعوى الحق لا يتفق مع طبيعة القضاء المستعجل الذي يقصد به رد العدوان البادي من ظاهر المستندات .


ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 186 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري .
و حكم قاضي الأمور المستعجلة في المثال السابق لا يفصل في أصل الحق و إنما هو حكم مؤقت بوقف البناء عند توافر شروط الدعوى و ذلك حتى يفصل في أصل النزاع أمام محكمة الموضوع الذي لا يتقيد أمامه بحجية الحكم الوقتي (1).
و عموما فما دامت المادة 418 من قانون الإجراءات المدنية لم تحدد نطاق تطبيق هذه القاعدة فإنها تبقى شاملة بالنسبة للقضاء المستعجل و كذا لقضاء الموضوع و هذا لأن الهدف منها لا يبرز من خلال علاقة الدعويين ( دعوى الحق و دعوى الحيازة ) ببعضهما البعض أو علاقة الجهتين القضائيتين ( القضاء المستعجل و قضاء الموضوع ) و إنما تطرح نطاق حماية الحيازة بذاتها مستقلة عن الملكية ، و إذا كانت هذه القاعدة ملزمة للطرفين أي للمدعي و المدعى عليه فإنها من باب أولى ملزمة للقاضي و هو ما قضت به المادة 416 من قانون الإجراءات المدنية إذ جاء فيها ما يلي: " لا يجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في الملكية  " .
و بذلك يكون القاضي قد حمى الحيازة بذاتها مجردة عن الحق لأن الأصل في الحائز هو المالك و القانون يفصل بين حماية الحيازة و حماية الملكية فلا يجب الخلط بينهما .
و تجدر الإشارة إلى أن الدفع بعدم الجمع بين دعوى الحق و دعوى الحيازة هو من النظام العام ، و للقاضي إثارته من تلقاء نفسه.
المطلب الثاني : قواعد حماية القضاء المستعجل للحيازة :
نصت المادة 183/1 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي :( في جميع أحوال الإستعجال أو عندما يقتضي البت في تدبير الحراسة القضائية او أي تدبير تحفظي لا تسري عليه نصوص خاصة ، فإن الطلب يرفع بعريضة الى رئيس الجهة القضائية للدرجة الأولى المختصة بموضوع الدعوى ) .
وعليه يكون اللجوء إلى القاضي الإستعجالي في جميع أحوال الإستعجال ، كما أن سلطاته تقتصر مبدئيا على البت في تدابير من صفتها أن تكون مؤقتة ، على أن تكون قائمة على شروط أساسية ، وقد رأينا سابقا بأن كل من دعوى إسترداد الحيازة ودعوى وقف الأعمال الجديدة على عكس دعوى منع التعرض يمكن أن يدخلا ضمن الدعاوى المستعجلة التي تكون من إختصاص القضاء المستعجل إذا ما توفرت فيهما الشروط القانونية التي تخول للمدعي -  الحائز – حق اللجوء الى القضاء لطلب حماية حيازته ، بإعتباره حق من الحقوق العامة اللصيقة بالشخصية ، وهي من الحريات العامة التي يكفلها الدستور للناس كافة .
أما الحق في الدعوى سواء كانت دعوى إسترداد الحيازة أو دعوى وقف الأعمال الجديدة ، فهي تتقرر للشخص الذي ينفرد به ويدعيه ويطلب من القاضي الحماية بسبب الإعتداء عليه ومن ثم تنشأ له مكنة قانونية على سبيل الإستئثار والإنفراد دون الناس .


ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصطفى مجدي هرجة ، المرجع السابق ، صفحة 301.
وبذلك فإن الحائز بمباشرته الحق في الدعوى فهو يمارس في نفس الوقت جدية الإلتجاء الى القضاء وبذلك يجمع بين الحقين .
لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الشأن ، هل أن الحيازة تخضع لنفس القواعد والشروط العامة التي يجب أن تتوافر لإختصاص القضاء المستعجل ، أم أنها تنفرد بقواعد خاصة ومستقلة ؟
لاشك أن إختصاص القضاء المستعجل بنظر دعاوى الحيازة يتطلب، بالإضافة للقواعد والشروط الخاصة بكل دعوى ، توافر شرطي الإستعجال وعدم المساس بأصل الحق ، وهما شرطان يتعلقان بالنظام العام .
فعنصر الإستعجال حسب المادة 183/1 من قانون الإجراءات المدنية هو العنصر الذي يحدد الجهة القضائية المختصة ومدى إختصاصها وكذا الاجراءات المتبعة أمامها كما أنه يعتبر فكرة قانونية (1) نص عليها المشرع في القانون المدني ( م183 ) وقانون الاجراءات المدنية ( م 40/2 ، 53 ، 67 ) .
الفرع الأول : إجراءات رفع دعوى الحيازة المستعجلة ومراحل سيرها :
أولا / إجراءات رفع دعوى الحيازة المستعجلة :
إن طلب حماية الحيازة في القضاء المستعجل سواء كان ذلك بطلب إسترداد الحيازة أو بطلب وقف الأعمال الجديدة يرفع بعريضة مؤرخة وموقعة من المدعي أو وكيله تقدم إلى رئيس الجهة القضائية من الدرجة الأولى ، المختصة بالنظر في موضوع الدعوى ، وهو ما نصت عليه المادة 183/1 من قانون الإجراءات المدنية ، ويكون ذلك بعد سداد الرسوم المستحقة عليها ، وقيدها بجدول المحكمة وهو سجل خاص تبعا لترتيب ورودها مع بيان أسماء الأطراف ورقم القضية وتاريخ الجلسة، ثم تسليم الأصل مع عدد مطابق لعدد الخصوم من الصور للمحضرين لإعلانها بعد أن يثبت عليهم تاريخ الجلسة التي تنظر فيها الدعوى، مع ضرورة ذكر كافة البيانات المنصوص عليها في المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والمتمثلة في :
- إسم مقدم العريضة ولقبه ومهنته وموطنه .
- تاريخ تسليم التكليف بالحضور ورقم الموظف القائم بالتبليغ وتوقيعه .
- إسم المرسل إليه ومحل إقامته وذكر الشخص الذي تركت له نسخة التكليف بالحضور .
- ذكر المحكمة المختصة بالطلب واليوم والساعة المحددين للمثول أمامها .
- ملخص الموضوع ومستندات الطلب .
ويسري على الإستدعاء والتكليف بالحضور وتبليغه للخصم القواعد والأحكام التي تطبق في رفع الدعوى أمام قاضي الموضوع والمنصوص عليها في المواد 22 ، 23 ، 24 و26 من قانون الإجراءات المدنية ، وهو مانصت عليه المادة 185 من نفس القانون بقولها :( يكلف الخصم بالحضور حسب الأوضاع المقررة في المواد 22 ، 23 ، 24 و26 ومع ذلك فإن المهل المنصوص عليها في المادتين 24 و26 يمكن تقصيرها وفقا للظروف ) .

ــــــــــــــــــــــــ
(1) د الغوثي بن ملحة ، القضاء المستعجل وتطبيقاته في النظام القضائي الجزائري طبعة1 ، الديوان الوطني للاشغال التربوية 2000 صفحة 15 .
هذا ويجوز تقديم الدعوى المستعجلة في غير الأيام التي تنعقد فيها الجلسات الخاصة بالقضايا المستعجلة ويحدد القاضي فورا تاريخ الجلسة ويمكنه أن يأمر بإستدعاء الأطراف أمامه في الحال والساعة وهو ما نصت عليه المادة 184 :( يجوز تقديم الدعوى المستعجلة، إذ إقتضت أحوال الإستعجال القصوى إلى القاضي لمكلف بنظر القضايا المستعجلة بمقر الجهة القضائية وقبل قيد الدعوى بسجل كتابة الضبط .
ويحدد القاضي فورا تاريخ الجلسة ويمكنه في حالة لإستعجال أن يأمر بدعوة الأطراف في الحال والساعة .
ويجوز له الحكم في الدعوى حتى في أيام العطل ) .
هذا وإن دعوى الحيازة المستعجلة مثلها مثل باقي الدعاوى التي يختص بها القضاء المستعجل إذ لا بد من أن تكون للمدعي - الحائز -  الشروط التي نصت عليها المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية بقولها: ( لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك .
ـ ويقرر القاضي من تلقاء نفسه إنعدام الصفة أو الأهلية ، كما يقرر من تلقاء نفسه عدم وجود إذن برفع الدعوى إذا كان هذا الإذن لازما ) .
فهذه المادة تحدد شروط قبول الدعوى أمام القضاء ، غير أنه يجب إستبعاد أهلية التقاضي منذ البداية لأنها تعد شرطا من شروط صحة إجراءات الخصومة ، فالحق في الدعوى يثبت لكل شخص بمجرد وقوع إعتداء على حقه بصرف النظر عما إذا كان يتمتع بأهلية التقاضي أم لا ، وتبعا لذلك فمن أجل قبول الدعوى لا بد من توافر المسائل التالية : المصلحة ، الصفة ، إستيفاء القيد قبل رفع الدعوى (1) .
فالمصلحة هي مناط الدعوى والفائدة العملية أو الواقعية التي تعود على الخصم من الحكم له بما يطلبه ، بمعنى أنه يتعين أن تكون له منفعة قانونية يجنيها من وراء رفع هذه الدعوى سواءا كانت هذه المنفعة مادية أم أدبية ، كبيرة أم تافهة، على أن تكون المصلحة قائمة وحالة أي أن حقه قد إعتدي عليه بالفعل أو حصلت منازعة بشأنه فيتحقق الضرر المبرر للإلتجاء إلى القضاء.
ولكن المشرع أجاز إستثناء من هذا الأصل قبول الدعوى عندما تكون المصلحة محتملة ، وهذه الإجازة منوطة بأن يكون الغرض من الدعوى الإحتياط لدفع ضرر محدق أو حماية حق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه .
وتعتبر دعوى وقف الأعمال الجديدة هي الصورة المثلى والوحيدة في دعاوى الحيازة التي تقوم على المصلحة المحتملة، فهذه الدعوى ترفع في وقت لا يكون العمل الذي إرتكبه الخصم قد بلغ بعد حد التعرض ولكن ذلك سيتحقق مستقبلا.



ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- الاستاذ زودة عمر ، محاضرة القيت على الطلبة القاضة ، الدفعة الرابعة عشر بالمعهد الوطني للقضاء 2005 الجزائر .
هذا وأن الدعوى التي ترفع إلى القضاء المستعجل غير المتوافرة على شرط المصلحة تكون غير مقبولة ولا يكفي لقبول دعوى الحيازة المستعجلة أن يكون لرافعها مصلحة قانونية حالة أو محتملة ، بل يتعين أيضا أن تكون شخصية مباشرة بمعنى أن يكون المدعي الحائز هو نفسه صاحب الحق المراد حمايته بدعوى الحيازة المستعجلة أو من يقوم مقامه قانونا ، والمصلحة الشخصية المباشرة هي الصفة في رفع الدعوى وهذه الصفة يتعين أن تتوفر في المدعي الحائز وإلا كانت دعواه من غير صفة فتكون غير مقبولة، ويبحث قاضي الأمور المستعجلة شرط الصفة كذلك من ظاهر الأوراق دون أن يبحث في أصل الموضوع .
وتجدر الإشارة كذلك أن من شروط قبول دعاوى الحيازة أمام القضاء المستعجل هو عدم سبق الفصل  فيها في نفس السبب وبين ذات الخصوم ، فالحكم المستعجل وإن كان حكما وقتيا ، ولاحجيةله أمام محكمة الموضوع إلا أن حجيته تبقى أمام القضاء المستعجل نفسه ، فلا يجوز إثارة نفس النزاع موضوعا وسببا وخصوما أمامه مرة ثانية طالما أنه لم يحدث تغيير في المركز القانوني أو الواقعي للخصوم بعد صدور الحكم الأول.
ثانيا / مراحل السير في دعوى الحيازة المستعجلة :
تتعلق مراحل السير في دعوى الحيازة المستعجلة محل الحماية بإجراءات المرافعة أثناء نظر الدعوى وفي العوارض التي تعترضها والملاحظ أن كل هذه الإجراءات تعتبر من القواعد العامة التي تدخل في إختصاص القاضي الإستعجالي ، فإذا كانت دعاوى الحيازة المستعجلة المتمثلة في دعوى إسترداد الحيازة ودعوى وقف الأعمال الجديدة دعاوى خاصة ومتميزة من حيث طبيعتها وموضوعها إلا أن إجراءاتها واحدة أمام القضاء المستعجل ، وسنتناول مراحل سير هذه الدعاوى فيما يلي :
1/ في الجلسة و نظامها :
إن سير دعوى الحيازة المستعجلة يتميز بالبساطة و السرعة ، و لذا فإن الإجراءات لا تتطلب أن تكون كلها بصفة كتابية ، بل قد تكون المرافعة بصفة شفهية (1).
أ / إنعقاد الجلسة : الأصل أن تنظر دعاوى الحيازة المستعجلة في جلسة علنية تعقد بالمحكمة و يساعد القاضي فيها أمين الضبط .
ولا يشترط أن يحضر الخصوم شخصيا أمام القاضي الإستعجالي ، بل يكفي حضور من يمثلهم قانـونا ، إلا أنه يجوز للقاضي أن يأمر بحضور الطرفين شخصيا لمناقشتهم ، و هذا طبقا لحكم المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية إذا إقتضت ظروف الدعوى ذلك.
أما إذا طلب الطرفان أو أحدهما التأجيل لأسباب معقولة ، ففي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يؤجل الجلسة لأجل قصير مع تكليف الخصوم بأيداع مستنداتهم في ميعاد يحدده.



ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / الغوثي بن ملحة ، المرجع السابق ، صفحة 92 .
وإذا توفي أحد الخصوم أثناء الدعوى و كان الفصل في الإجراء المستعجل لا يحتمل التأخير ، جاز للقاضي قبول تدخل من يدعي أنه وارث للخصم المتوفى .
ب/ المرافعة: يتعين على المدعي الحائز في دعوى إسترداد الحيازة أو دعوى وقف الأعمال الجديدة أن يودع مستنداته المثبتة لحيازته أو للإعتداء على حيازته ، و على المدعى عليه أي المعتدي على الحيازة أن يقدم مذكرة للجواب و ما لديه من وثائق في جلسة المرافعة.
و يجدر التذكير هنا إلى أن الحيازة ما هي إلا واقعة مادية، و بذلك فهي تثبت بشتى الوسائل القانونية من ذلك البينة و القرائن ، و أهم وثيقة أو مستند يثبت الحيازة هي شهادة الحيازة ، إذ نصت المادة 39 من قانون التوجيه العقاري على إمكانية تسليم سند حيازي يسمى شهادة الحيازة من طرف رئيس البلدية المختص إقليميا لكل حائز بمفهوم المادة 823 من القانون المدني (1) ، على تمنح هذه الشهادة فقط في أراضي الملكية الخاصة التي لم تحرر عقودها و لم يتم فيها المسح .
و قد أضافت المادة 02 من المرسوم التنفيذي المطبق للمادة 39 من قانون التوجيه العقاري 91/254 المؤرخ في 27 جويلية 1991 (2)، أن طلب شهادة الحيازة يكون ممن يمارس الحيازة طبقا لأحكام المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية ، فشهادة الحيازة حسب المادة 43 من قانون التوجيه العقاري لا تغير الوضعية القانونية للعقار أي أنه لا يترتب عليها الإعتراف بالملكية ، و تضيف المادة 47 منه على أن الوضعية القانونية للعقارات المعنية بشهادة الحيازة تصفى في إطار المسح، لكن الغريب أن التعليمة العامة المؤرخة في 6 جويلية 1994 المتعلقة بالمسح (ص 44 ، 45) تنص على أن الحائز الحاصل على شهادة الحيازة لا يتم التحقيق في حيازته ، و يعتبر حائزا حسن النية بسند و يكتفي المحقق بذكر هوية الحائز و سند حيازته في التحقيق، و يمكنه إكتساب العقار بالتقادم إذا علمنا أن المرسوم التطبيقي يكتفي بسنة لمنح شهادة الحيازة.
و بذلك فإن شهادة الحيازة تمنح للحائز حق الإستعمال و الإستغلال أي التمتع إضافة إلى بعض التصرفات التي لا يعترف بها إلا للمالك ما عدا التصرفات الناقلة للملكية أو للحقوق العينية ، و بذلك فهي تمكنه من اللجوء إلى القضاء لحماية حيازته.
2 / في عوارض الدعوى المستعجلة :
يمكن أن تعترض دعوى الحيازة المستعجلة في سيرها عوارض، و هذا فيما يخص الدفوع و عوارض أخرى:
أ / الدفوع: يجوز أن تدفع دعوى إسترداد الحيازة أو دعوى وقف الأعمال الجديدة بدفوع مختلفة، منها الدفع بعدم الإختصاص النوعي الذي يعتبر متعلقا بالنظام العام، و الذي يجوز إبداؤه في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ، و يحق للقاضي الإستعجالي أن يقضي به من تلقاء نفسه، كما قد يقوم هذا الدفع على إنعدام عنصر الإستعجال أو تخلف ركن عدم المساس بأصل الحق.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) تنص المادة 823 من القانون المدني الجزائري على مايلي" الحائز لحق يفرض انه صاحب لهذا الحق حتى يتبين خلاف ذلك"
(2) الجريدة الرسمية رقم 36/91
كما يكون الدفع بعدم الإختصاص المحلي الذي يتعين إبداؤه قبل التعرض إلى الموضوع ، وهو دفع لا يتعلق بالنظام العام ، و عليه يتعين على الخصم التمسك به ، كما يمكن كذلك الدفع بإنعدام الصفة أو المصلحة أو الأهلية أو عدم قبول العريضة شكلا....إلخ.
ب/ العوارض الأخرى : وهي تلك الطلبات العارضة التي يجوز للمدعى عليه أن يقدمها ، و كذلك تدخل الغير،  سواء كان إختياريا أو جبريا بشرط أن يتصل بإختصاص القاضي الإستعجالي.
ثالثا / سلطة القاضي من حيث الفصل في دعوى الحيازة المستعجلة:
إن سلطة القاضي من حيث فصله في دعوى إسترداد الحيازة أو وقف الأعمال الجديدة تنصب على تمسكه بإختصاصه أو عدم إختصاصه نوعيا، و كذلك مع الدفوع  التي يثيرها الأطراف في النزاع، إضافة إلى إجراءات الإثبات التي يسعى من خلالها إلى البت في النزاع المعروض عليه.
أ / تقرير القاضي الإستعجالي لإختصاصه النوعي:
إن الإختصاص النوعي هو قيد لإختصاص القاضي الإستعجالي ، فهو ملزم بإصدار الحكم بعدم الإختصاص النوعي من تلقاء نفسه متى إنتفى عنصر الإستعجال أو الخطر أو كان الفصل مما يمس بأصل الحق .
أما إذا تضمنت العريضة عدة طلبات منها ما هو موضوعي و منها ما هو وقتي و يدخل ضمن إختصاصه وجب عليه التمسك بالإجراء الوقتي و أن يقضي بعدم إختصاصه في الطلب الموضوعي.
هذا و لا يجوز للقاضي الإستعجالي أن يأمر بإحالة الدعوى المستعجلة إلى محكمة الموضوع للفصل فيها بحكم واحد مع الموضوع و هذا لعدم وجود إرتباط بين الدعوى المستعجلة و الدعوى الموضوعية.
ب/ الدفوع التي يبديها الأطراف : إن الدفوع التي تثار أمام القاضي الإستعجالي كالدفع بعدم الإختصاص النوعي أو المحلي أوعدم قبول الدعوى لإنعدام شروطها كلها من إختصاص القاضي،ويجب عليه الفصل فيها.
ج/ إجراءات الإثبات : لا يجوز للقاضي الإستعجالي أن يأمر بإحالة الدعوى الى التحقيق أو ندب خبير أو الإنتقال للمعاينة للبحث عن واقعة متنازع عليها تمهيدا للفصل فيها من دون أن يترتب على ذلك مساس بأصل الحق.
كما لا يجوز له توجيه اليمين للمدعي الحائز أو للمدعى عليه المعتدي على الحيازة سواء كانت يمينا حاسمة أو متممة لأن ذلك فيه مساس بالموضوع ، لكن المشرع أجاز للقاضي أن يندب خبيرا للتحقق من توافر وجه الخطر في الطلب المعروض عليه ، كما أجاز له السماع إلى الشهود أو الأمر بحضور الأطراف شخصيا أمامه.
الفرع الثاني: طبيعة الحكم و حجيته.
يعتبر إختصاص قاضي الأمور المستعجلة قضائي ، فهو يصدر أوامر بعد طرح النزاع أمامـه بالأوضـاع  القانونية و الأحكام التي يصدرها و إن كانت وقتية لا تمس أصل الحق إلا أنها قضائية بالمعنى القانوني، إذ يجب تسبيبها مثل باقي الأحكام و تجري عليها قواعد المداولة و غير ذلك ، و هي ملزمة للخصوم و مقيدة للقاضي فلا يجوز العدول عنها أو تعديلها جزئيا أو كليا إلا إذا حصل تغيير في وقائع الدعوى المادية أو في مركز الخصوم القانوني ، و يمكن الطعن فيها بالإستئناف و بالنقض عند توافر شروط الطعن.
أولا: طبيعة الأحكام المستعجلة:
نص المشرع في المادة 188 من قانون الإجراءات المدنية على أنه:" تكون الأوامر الصادرة في المواد المستعجلة معجلة النفاذ بكفالة أو بدونها و هي غير قابلة للمعارضة و لا للإعتراض على النفاذ المعجل.
و في حالة الضرورة القصوى يجوز للرئيس حتى قبل قيد الأمر أن يأمر بالتنفيذ بموجب المسودة الأصلية للأمر."
و عليه فإن قاضي الأمور المستعجلة يفصل بصفة مؤقتة في طلبات قائمة بطبيعتها على ظروف متغيرة دون أن يستند في حكمه على أسباب تتعلق بأصل الحق، أو أن ينظر في المستندات المقدمة من الخصوم ليتحقق على ضوئها من صاحب الحق أو المركز المطلوب حمايته (1).
على أنه ليس هناك ما يمنعه من أن يبحث ظاهر مستندات الطرفين لتقدير جدية النزاع الذي أثاره الخصوم حول أصل الحق على أن يكون ذلك بهدف حسم النزاع بين الخصمين في أصل الحق ، فإذا إتضح له من خلال ذلك البحث أن المنازعة جدية فيتعين عليه الحكم بعدم الإختصاص ، ولذلك فعلى القاضي أن يبني حكمه على توافر شروط القضاء المستعجل و لا يجوز له أن يبنيه على أساس ثبوت الحق أو نفيه.
ثانيا: حجية الحكم المستعجل.
طالما أن قاضي الأمور المستعجلة يفصل بصفة مؤقتة في طلبات قائمة على ظروف متغيرة دون أن يستند في حكمه على أسباب تتعلق بأصل الحق و دون أن يفصل في هذا الحق ، فمن الطبيعي إلا يكون لأحكامه حجية الشيء المقضي به (2) فهي أحكام وقتية بطبيعتها لأنه من الممكن تعديلها تبعا لتغير الظروف .
لذلك إذا أغفلت محكمة الموضوع الرد على الدفاع المؤسس على صدور حكم مستعجل فإن ذلك لا يعيب حكمها لأن الحكم المستعجل حكم وقتي لا يؤثر في أصل الحق و لا حجية له أمام محكمة الموضوع (3).
لكن من جهة أخرى نجد أن الأمر المستعجل يحوز الحجية بالمعنى الفني الدقيق ، ذلك أنه يمنح حماية قضائية و إن كانت مؤقتة إلى حين الحصول على الحماية النهائية، فحجيته تكون أمام نفس الجهة التي أصدرته .
و بذلك فإن الأوامر الاستعجالية تشبه بالإسعافات الطبية الأولى، بينما يشبه الحكم الموضوعي بالعملية الطبية النهائية (4).


ـــــــــــــــــــــــــ
(1) د. أحمد هندي، المرجع السابق ، صفحة 179.
(3) وزارة العدل، الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي، مديرية الشؤون المدنية ، 1995  ، الديوان الوطني للاشغال التربوية ، صفحة 71
(3) الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي ، المرجع السابق، ص 57.
(4) مقال لرئيس محكمة وهران حول دعوى القضاء المستعجل ، الندوة الوطنية للقضاء الاستعجالي ، المرجع السابق ، صفحة 5
و نشير في هذا الخصوص إلى أن الأوامر الإستعجالية غير قابلة للمعارضة ، و من ثم فإن الأمر الغيابي يعتبر في القضاء الإستعجالي بمثابة الأمر الحضوري. و قد قضت المادة 190 من قانون الإجراءات المدنية بأنه ( يرفع الإستئناف في الأحوال التي يجيزها خلال 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر) ، فهذه المدة إذن تتماشى مع الصفة الإستعجالية للدعاوى المستعجلة عموما و لدعاوى الحيازة المستعجلة خصوصا.
أما الطعن بالنقض فإنه جائز في كل القرارات الإستعجالية طبقا للفقرة الأولى من المادة 231 من قانون الإجراءات المدنية ذلك أن القرار الإستعجالي يعتبر نهائيا و في هذه الحالة يكون قابلا للطعن فيه بالنقض.
و عموما فإن القضاء الإستعجالي بإجاباته الخاصة و البسيطة يعمل على حفظ الحقوق لأصحابها و بالتالي يحمي حيازة الحائز من خلال وقف الأشغال الجديدة التي تهدد حيازته أو بإسترداد الحيازة التي إغتصبت منه بالقوة و في مدة تعادل الخطر الداهم لتلك الحيازة.
































الخاتمـة :

إن المكانة التي منحها المشرع للحيازة لكي تكون سببا من أسباب كسب الملكية بالرغم من أنها مجرد واقعة مادية يسيطر فيها الشخص سيطرة فعلية على الشيء محل الحيازة فيظهر فيه بمظهر صاحب الحق ، جعلها تحظى بالحماية لأن ذلك سيساهم في حماية الملكية ، و كذا في الحفاظ على الأمن و النظام العام في المجتمع .
ومن ثم فقد أولى المشرع لها الحماية الكافية لمنع الإعتداء عليها ، فأجاز للحائز في حال التعرض لها أو سلبها بالقوة اللجوء للقضاء و طلب الحماية ، سواء كان ذلك أمام القسم المدني       أو القسم الجزائي .
و قد إقتصرت دراستنا في هذا الموضوع على الحماية التي تمنحها كل من النيابة العامة       و القضاء المستعجل للحيازة كصورتين من صور الحماية الجزائية بالنسبة للنيابة العامة و الحماية المدنية بالنسبة للقضاء المستعجل ، فخلصنا إلى أن تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة تكون في الحالات أو الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات سواء كانت تلك الحماية منصبة على حيازة العقارات أو حيازة المنقولات .
ما تدخل القضاء المستعجل فيكون في الحالات التي نص عليها قانون الإجراءات المدنية ،     و التي ترد فيها المنازعات على العقار دون المنقول متى توافرت شروط إختصاصه و المتمثلة في عنصري الإستعجال و عدم المساس بأصل الحق .
و سواء كانت تلك المنازعة جزائية أو مدنية ، فإن القضاء هو المختص بالتصدي لها ، و إن النيابة العامة دورها هو الكشف عن الجريمة و إبراز أركانها ، ومن ثم إحالتها على القضاء الجزائي للفصل فيها.
وبالرغم من أهمية الحيازة و مكانتها في الواقع و القانون إلا أنه يؤخذ على المشرع مايلي :
1- عدم تعريفه للحيازة .
2- النص على الحيازة فقط في القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية ، دون النص عليها                                                                                      في قانون العقوبات بالنسبة للجرائم المتعلقة بها.
3- الحماية المدنية للحيازة تنصب فقط على العقارات ، بينما تنصب الحماية الجزائية لها على العقارات و المنقولات .






4أ- عدم توضيح المشرع لأحكام المادة 386 من قانون العقوبات ، الأمر الذي جعل القضاء يجتهد في ذلك ليصل إلى قرارات متناقضة ، إذ أن هناك قرارات تشترط الملكية و لا تعتد بالحيازة ، وهناك قرارات أخرى تكتفي بمجرد الحيازة لتطبيق أحكام المادة المذكورة أعلاه. إضافة إلى إستقرار القضاء على ضرورة وجود حكم مدني نهائي يقضي بالإخلاء حتى تتمكن النيابة العامة و القضاء الجزائي من التدخل لحماية الحيازة ، و بذلك أصبحت حماية الحائز كشخص أهم من حماية الحيازة كنظام قانوني.
5- جعل قاعدة عدم الجمع بين دعوى الملكية و دعوى الحيازة شاملة و عامة ، تسري أحكامها حتى أمام القضاء المسعجل ، بينما الحكم الإستعجالي هو حكم وقتي و لا يحوز حجية الأمر المقضي فيه ، و لا يمس أصل الحق و لا يؤثر بتاتا في الدعوى الموضوعية.
6- تغليب المشرع للحماية المدنية على حساب الحماية الجزائية بإشتراط القضاء لضرورة إستصدار حكم مدني نهائي يقضي بالإخلاء ، و ربما تكون العلة من ذلك هو أن الحماية المدنية لحيازة العقار هي الأسلوب الطبيعي الذي تتحقق من خلاله ضمانات تحقيق العدالة ، بل أن هذه الحماية هي الأصل لتأكيد الإستقرار الكافي للمراكز القانونية ، سواء تم ذلك عن طريق القضاء الموضوعي أو القضاء المستعجل .
و عموما نخلص إلى أن الحكمة من حماية الحيازة تقوم على أساس فكرة حفظ الأمن و النظام العام ، لأن النظام الإجتماعي يتطلب عدم المساس بالحالات الواقعية.

















قائمــة المراجــع

المراجع باللغة العربية :
1- د. أحسن بوسقيعة ، قانون العقوبات مدعم بالإجتهاد القضائي ، الديوان الوطني للإشغـال التربوية ، الجزائر ، 2001.
2- د. أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجنائي الخاص ، الجزء الأول ، طبعة 2003 ، دار هومة ، الجزائر.
3- د. أحمد هندي ، أصول قانون المرافعات المدنية و التجارية ، طبعة 2002 ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية.
4- أحمد شوقي الشلقاني ، مباديء الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ، الجزء الثاني ، طبعة 1999 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر.
5- أنور طلبة ، موسوعة المرافعات المدنية و التجارية ، الجزء الأول ، طبعة 2001 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية.
6- أنور طلبة ، الحيازة ، المكتب الجامعي الحديث ، الإسكندرية ، طبعة 2004.
7- د. أدوار غالي الدهبي ، الاجراءات الجنائية ، مكتبة غريب ط 2 ، 1990 .
8- د. الغوثي بن ملحة ، القضاء المستعجل و تطبيقاته في النظام القضائي الجزائري ، الطبعة الأولى ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 2000 .
9- بوبشير محند أمقران ، قانون الإجراءات المدنية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، طبعة 2001  الجزائر.
10- بن وارث محمد ، مذكرات في القانون الجزائي الجزائري ، القسم الخاص ، طبعة 2004 ،
دار هومة ، الجزائر.
11- جيلالي بغدادي ، الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى
الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 2002.
12- حمدي باشا عمر ، مباديء الإجتهاد القضائي في مادة الإجراءات المدنية ، دار هومة
الجزائر.
13- حمدي باشا عمر ، الملكية العقارية الخاصة ، دار هومة ، الجزائر.
14- حمدي باشا عمر ، القضاء العقاري ، طبعة 2002 ، دار هومة ، الجزائر.
15- د. سنية أحمد يوسف ، حماية الحيازة بين النيابة العامة و القضاء المستعجل ، دار
الجامعة الجديدة للنشر ، 2001 ، الإسكندرية.
16- طاهري حسين الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجزائية، الطبعة الثانية، دار المحمدية
العامة ، الجزائر.
17- د. عبد الله أوهايبية ، شرح قانون الإجراءات الجزائية ، التحري و التحقيق ، طبعة 2004
دار هومة ، الجزائر.

18 - د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء التاسع ، أسباب كسب
الملكية ، 1968.
19 - د. عدلي امير خالد ،الحماية المدنية والجنائية لوضع اليد على العقار ، منشأة المعارف
الإسكندرية ،1993.
20 - د. عدلي أمير خالد، الإرشادات العملية في إجراءات المرافعات والإثبات في كافـة الدعاوي
المدنية ، منشأة المعارف 2001.
21 - د. عبد المنعم فرج الصدة ، أسباب كسب الملكية ( الحيازة ) ، طبعة 1964.
22 - عز الدين الدناصوري و حامد عكاز ، الحيازة المدنية و حمايتها الجنائية في ضوء الفقــه
و القضاء.
23 - د. علي علي سليمان ، شرح القانون المدني الليبي ، الحقوق العينية الأصلية والتبعيــة ،
طبعة 1969.
24 - د. قدري عبد الفتاح الشهاوي ، الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية في التشريع
المصري و المقارن ، منشاة المعارف ، الاسكندرية.
25 - د. محمد شتا ابو سعد ، منازعات الحيازة ، الطبعة الثانية ، 1988 ، منشأة المعارف ،
الإسكندرية.
26 - محمد علي راتب ، محمد نصر الدين كامل ، محمد فاروق راتب ، قضاء الأمور
المستعجلة ، الطبعة السادسة ، الجزء الأول.
27 - د. محمدي فريدة (زواوي) ، الحيازة و التقادم المكسب ، ديوان المطبوعات الجامعية
الإسكندرية ، 1991.
28 - مصطفى مجدي هرجة ، الحيازة داخل و خارج دائرة التجريم ، دار المطبوعات
الجامعية ، الإسكندرية ، 1991.
29 - محمد نجيب حسين ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، الطبعة الثانية 1988، دار
النهضة العربية ، القاهرة.
30 -  مولاي ملياني بغدادي، الجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ، المؤسسة الوطنية
للكتاب ، الجزائر.
31 -  د.محمود سمير عبد الفتاح ، النيابة العامة وسلطتها في إنهاء الدعوى الجنائية بدون
محاكمة ، طبعة 1991 ،الدار الجامعية ، بيروت .
32 -  يوسف دلاندة ، قانون العقوبات مدعم بالإجتهاد القضائي ، دار الشهاب .
33 - الندوة الوطنية للقضاء الإستعجالي ، مديرية الشؤون المدنية ، 1995.



المراجع باللغة الاجنبية :

1 /  Colin et capitrant : traité de droit civil français  , tome 2,1959,par guliot
la marandière .                                                                                                                                                                                                                                                                                                          2/ Emerentine jaudin et jean radouat,encyclopédie, DALLOZ ,   prescription
civile , 1974 .
3/  j. pradel , M.danti – juan , droit pénal spécial , enjas , 2éme édition 2001 .
4/ jean larjuier , et philippe conte , procédure civil , droit judiciaire privé D.13 ed 5/ Marcel planiol , taité égémentaire de droit civil , tome 1 les biens
7 ed 1915 .
6/ Code civil , DALLOZ .

النصوص القانونية :
1- دستور 1996 .
2- قانون العقوبات .
3- قانون الإجراءات الجزائية .
4- القانون المدني .
5- قانون الإجراءات المدنية .
6- القانون التجاري .
7- القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 ، المتضمن قانون التوجيه العقاري .
8- القانون رقم 91/03 المؤرخ في 08/1/1991 ، المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي .
9- القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 ، المتضمن قانون الأملاك الوطنية .
10- المنشور الوزاري رقم 03 المؤرخ في 01/03/1972 ، المتضمن تنفيذ الأحكام والقرارات
القضائية مع جميع التحفظات .
11- المرسوم التنفيذي 91-254 المؤرخ في 27/07/1991 ، المطبق للمادة 39 من قانــون
التوجيه العقاري .
المجالات القضائية :
1- المجلة القضائية لسنة 1989 عدد 3 .
2- المجلة القضائية لسنة 1989 عدد 4 .
3- المجلة القضائية لسنة 1990 عدد 4 .
4- المجلة القضائية لسنة 1991 عدد 2 .
5- المجلة القضائية لسنة 1991 عدد 3 .
6- المجلة القضائية لسنة 1992 عدد 1 .
7- المجلة القضائية لسنة 1992 عدد 4 .



8- المجلة القضائية لسنة 1993 عدد 1 .
9- المجلة القضائية لسنة 1993 عدد 2 .
10-المجلة القضائية لسنة 1994 عدد 1 .
11- نشرة القضاة ، عدد 56 لسنة 1999 .
12- الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية ، المحكمة العليا ، الجزء الثاني 2004 .
13- مجموعة الأحكام ، المجلس الأعلى ، الجزء الأول .
14- الإجتهاد القضائي لغرفة الجنح والمخالفات ، الجزء الاول ، عدد خاص ، 2002 .
15- دليل الباحث في الإجتهادات القضائية ، المحكمة العليا ، قسم الوثائق ، 2000 .
المحاضرات والمقـالات :
1 - الأستاذ زودة عمر  ، محاضرة ألقاها على الطلبة القضاة ، الدفعة الرابعة عشر ، المدرسة
الوطنية للقضاء ، الجزائر 2004 ، 2005 .
2 - أ . بن رقية بن يوسف ، شهادة الحيازة ، محاضرة ألقاها على قضاة التكوين المتخصـص في
القانون العقاري ، الدفعة الأولى ، السنة الأكاديمية 2000 ، 2001 .
3 - أ . زودة عمر ، قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية ، المجلة القضائية لسنة
1992 عدد 4 .
4 - أ . زودة عمر ، دور النيابة العامة في الدعوى المدنية ، المجلة القضائية لسنة 1991 ، عدد 3 .
5 -  مقال لرئيس مجلس قضاء سيدي بلعباس ، القضاء الإستعجالي ، الندوة الوطنية للقضاء
الإستعجالي  مديرية الشؤون المدنية ، 1995 ، الديوان الوطني للاشغال التربوية .
6 - تعليق السيدة ، فائزة بوتارن رئيسة قسم بالغرفة العقارية ، على القرار رقم 201544 الصادر
بتاريخ 22/11/2000 ، الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية ، الجزء الثاني 2004 .
7 - فاتح محمد التيجاني ، رئيس غرفة الجنح والمخالفات بالمحكمة العليا ،الإجتهاد القضائي لغرفة
الجنح والمخالفات ، الجزء الأول ، عدد خاص قسم الوثائق 2002 .
8 - مقال لرئيس محكمة وهران ، دعوى القضاء المستعجل ، الندوة الوطنية للقضاء الإستعجالي ،
مديرية الشؤون المدنية 1995 ، الديوان الوطني للأشغال التربوية .

تعليقات