القائمة الرئيسية

الصفحات



البصمة الوراثیة وأثرها فی إثبات النسب أو نفیه فی الفقه الإسلامی




البصمة الوراثیة وأثرها فی إثبات النسب أو نفیه فی الفقه الإسلامی

مجلة كلية الشريعة والقانون جامعة الازهر  المجلد 17، العدد 2، 2015، الصفحة 881-960


عفاف یونس عید حجاج
کلیة الدراسات الإسلامیة والعربیة للبنات فرع المنصورة





المقدمة
الحمـد الله الـذي فـضل الإنـسان بـالتكلیف وشـرفه بالعقـل الهـادي إلـى أدلـة
التوحیــد، وجعـــل العلمـــاء ورثـــة الأنبیــاء وجنـــدهم لأحكـــام الـــشریعة واســـتثمار
في الحرام. ٕ ٕ لتكوین الأسر، واسعاد الفرد ووجود النسل الصالح واعفاف الإنسان عن الوقوع ٕ أحكامهـا مـن أصـل الـدین لتحقیـق مـصالح العبـاد واسـعادهم وشـرع لنـا النكـاح
ِ ِ ْ ْ َ َ وجعـل منـه الـسكن والمـودة كمـا قـال تعـالى: ﴿ َ َ ُ ومـن آیاتـه أَن خلـق لكـم
َ ِ
من أَنفسكم أَزواجا لتسكنوا إلیها َ
ِّ وجعل بینكم مودة ْ ُ ِ ْ
ً ورحمة َ
(١) .
ولمـا كانـت الأسـرة لهـا أهمیتهـا حیـث أنهـا الخلیـة المكونـة مـن المجتمـع،
وأنها تربیط بالإنسان في كل مداخل حیاته، اهتمـت الـشریعة الإسـلامیة بتنظـیم
الأسرة تنظیما دقیقا حتـى تـضمن للبـشریة البقـاء والـصلاح، فقـد اعتنـى الإسـلام
بالنسب وجعله رابطة سامیة وصلة عظیمة وأرسى قواعده حفاظا له من الفساد
والاضــطراب، وهــذا بــدوره یؤكــد علــى أن الإســلام جــاء لیكــون دینــا عالمیــا
للبشریة- كلها فـي كـل وقـت وحـین إلـى أن یـرث االله الأرض ومـن علیهـا، ومـن
الأشـیاء التـي اسـتحدثت علـى العلـم الحـدیث وخاصـة فـي الآونـة الأخیـرة حـین
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أیدي الناس، في عالم المیكروسـكوبات
والبــصمة الوراثیــة واســتخدامها فــي إثبــات النــسب أو نفیــه، وأصــبحت وســیلة
علمیــة لــدى المحــاكم والجهــات الأمنیــة فأصــبحت هــذه وســیلة مهمــة فــي هــذا
العـصر وخاصـة بعـد فـشل الوسـائل التقلیدیـة المعروفـة فـي التعـرف علـى هویـة
١





المعنیین والجناة.
بینمـا سـبق كـل ذلـك الـشریعة الإسـلامیة فـي إثبـات النـسب أو نفیـه كمـا سـیأتي ٕواذا كان استخدام البصمة في هـذا المجـال قـد سـبقنا فیـه الـدول المتقدمـة
فقد اعتنى الإسلام بالنسب وجعله رابطة سامیة وصلة عظیمة وجعله من النعم
ِ ِ ِ َ َ ً التـي أمـتن االله بهـا علـى عبـاده قـال تعـالى ﴿ وهـو الـذي خلـق مـن المـاء بـشرا

َ َ ُ
فجعله نسباً
َ َ ُ َ
وصهراً َ َ
ْ ِ
ً وكان ربك قدیرا َ
ِ

، وهذا بفضل االله تعـالى علـى الإنـسان (١(
حــین كرمــه علــى ســائر المخلوقــات فقــد قــال تعــالى ﴿ولقــد كرمنــا بنــي آدم
َ

ََ ْ ََّ ْ َ َ
ِّ وحملنـاهم فـي البـر َ
َ َ ِ
ِ والبحـر َ َْ
ْ َ
ِ ورزقنـاهم مـن الطیبـات َ ْ

ِّ َّ ُ ْ وفـضلناهم علـى كثیـر ممـن َ َ َ ْ

ِ خلقنا تفضیلاً
ْ ْ َ َ
َ ﴾ َ (٢) .
فقد حث الرسول  على ذلك في حدیثـه حیـث قـال " :تنـاكحوا تكـاثروا فـإني ً ً ومن هذا التكـریم أن جعـل لـه سـببا واضـحا للتوالـد والتناسـل یلیـق بمقامـه
، وقــد قــال " تخیــروا لــنطفكم فــإن العــرق (٣ (أبــاهي بكــم الأمــم یــوم القیامــة"
. (٤ (دساس"
هذا وقد أمر الشرع بالحفاظ على الكلیات الخمس وفیها العرض والتعدي علیه
یعتبر في الشرع من الكبائر ویقام علیها الحـد إذا كـان التعـدي بالزنـا فیـرجم المحـصن
حتى الموت ویجلد غیر المحصن مائة جلـدة. ذلـك الـشرع، أمـا إذا كـان التعـدي علـى
هتـك العـرض بـالقول وهـو مـا یـسمى قـذفا فـإذا كـان بـین غیـر الـزوجین فحـده الجلـد
ثمانین جلـدة، وأمـا إذا كـان بـین الـزوجین وهـو بحثنـا فهـو لعـان. وهـذا مـا سـوف نبـین
(بالوســائل الحدیثــة) ٕ حكمــه فــي الــشرع واثبــات النــسب أو نفیــه بــالطرق الــشرعیة أو
١
( ) سورة الفرقان الآیة: ٥٤.
٢
( ) سورة الإسراء الآیة: ٧٠.
٣
( ) أخرجه البیهقي في السنن الكبرى حـ ٥ ص ٢١٩ كتاب النكاح.
٤
( ) خرجه ابن ماجة رقم ١٩٦٨ حـ ١ ص ٦٣٣ كتاب النكاح.
- ٨٨٤ -
[البصمة الوراثیة].
، ومنـه قولـه تعـالى ﴿ أَلاَ لعنـة اللـه علـى الظـالمین (١ (االله ً: تعریـف اللعـان فـي اللغـة: المباعـدة وهـو الطـرد والإبعـاد مـن رحمـة أولا ً وقبل البحث عن حكم اللعان نود أن نعرف اللعان أولا ثم دلیل مشروعیته.
َّ ِ ِِ ََْ ﴾
، أي طـردهم مـن (٢(
رحمة االله ومنه اللعن الطرد والإبعاد من الخیـر وسـمي بـذلك لبعـد الـزوجین مـن
الرحمة أو لبعد كل منهمـا عـن الآخـر فـلا یجتمعـان أبـدا، أو لأن أحـد الـزوجین
. (٣ (عرضه للطرد والإبعاد من رحمة االله بسبب كذبه وافترائهً




: ً واللعان شرعا
: بأنـه شـهادات أربعـة كـشهود الزانـي مقویـات بالإیمـان، (٤ (عرفه الحنفیـة
إذ لفظه: أشهد باالله مقرونـة بـشهادته بعـد الرابعـة بـاللعن، وشـهادتها بعـد الرابعـة
بالغـضب قائمـة شـهادته مقـام حـد القـذف فـي حقـه علـى تقـدیر كذبـه، كمـا فیهـا
مـن اللعنــة علیــه إن كــان مـن الكــاذبین، وقائمــة شــهادتها مقـام حــد الزانــي فــي
حقهـا، علـى تقـدیر أنـه صـادق، لأنهـا تـضمنت غـضب االله علیهـا إن كـان مـن
الصادقین.
وعرفه الشافعیة: أنه كلمـات معـدودة جعلـت حجـة للمـضطر إلـى القـذف
. (٥ (من لطخ فراشه أو ألحق العار به أو إلى نفي الولد
١
( ) انظر لسان العرب لابن منظور حـ ١٣ ص ٣٨٧ مادة لعن.
٢
( ) سورة هود الآیة: ١٨.
٣
( ) انظر مختار الصحاح للشیخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ص ٥٩٩ ،
والمصباح المنیر للفیومي مادة لعن ص ٣٢٥.
٤
( ) انظر شرح الكنز للزیلعي وحاشیة الشلبي علیه حـ ٣ ص ١٤ ،وفتح القدیر وشرح
٥ العنایة وحاشیة سعدي حلبي حـ ٣ ص ٢٤٧.
( ) انظر حاشیة الشرقاوي على التحریر ص ٣٢١.
- ٨٨٥ -
: إن اللعان إیمـان مؤكـدات بالـشهادات وهـو الظـاهر (١ (وقد قال الشافعي
من قول مالك وأحمد بن حنبل.
: إن (٢ (وعــن مالــك وأحمــد روایــة أخــرى كقــول الحنفیــة وقــال ابــن القــیم
بالقسم والتكرار، ویمین مغلظة اللفظ بالشهادة والتكرار. الــصحیح أن لعــانهم وبجمــع الوصــفین: الیمــین والــشهادة فهــو شــاهدة مؤكــدة
والأصل فیه قوله تعالى ﴿ ِ ِ ِ والذین یرمون المحصنات ثـم لـم یـأتوا بأَربعـة
َ َ َ َ َ ْ ْ ِ ُ
ْ
َ
ِ ِ َ َ ْ شهداء فاجلدوهم ثمانین جلدة َ ُ ًَ
ْ َ
َ
ُ ولاَ
تقبلـوا لهـم شـهادة أَبـداً َ
َ َ ًَ َ ُْ
ِ َّ وأُولئـك هـم الفاسـقون إلا َْ ُ َ َ
َ
َِّین تابوا من بعد ذلك الذ َ ْ
َ ِ ِ ِ َ
وأَصلحوا فإن الله غفور رحیم َ َ ْ ُ َ ْ
ٌ
(٣) .
وجــه الدلالـــة مــن الآیـــات، أن هــذه الآیـــات دالــة علـــى حرمــة القـــذف
بمحصنة وأن حد من أتى بذلك ثمانین جلدة ولـم تقبـل شـهادته ووصـفه بالفـسق
یرمي المحصنة سواء كانت زوجته أم غیر زوجته إذا لم یأت بأربعة شهداء. إلا إذا تاب، وهذه المحصنة المرأة الحرة العفیفة فـإن االله تعـالى بـین عقـاب مـن
أما رمي الرجل زوجته فقد دل علیه ما یأتي:
مـا روى أنـه جـاء رجـل مـن الأنـصار إلـى الرسـول  فقـال یـا رسـول االله
تموه، وان ٕ أرأیــتم الرجــل یجــد مــع امرأتــه رجــلا فــإن قتلــه قتلتمــوه وان تكلــم جلــد
) فنزلت آیة اللعان. (٤ (سكت سكت على غیظ. اللهم افتح ٕ
وفـي روایـة أن هـلال بـن أمیـة قـذف امرأتـه عنـد النبـي  فقـال لـه النبـي  :
البینــة أو حــد فــي ظهــرك، فقــال یــا رســول االله إذا رأى أحــدنا مــع امرأتــه رجــلا
ینطلـق یلـتمس البینـة فجعـل النبـي  یقـول لـه البینـة أو حـد فـي ظهـرك، فقـال
مـن الحـد (٥ (هلال والذي بعثك بالحق إني لـصادق ولینـزلن االله مـا یبـرئ ظهـري
١
( ) انظر مغني المحتاج للخطیب الشربیني حـ ٢ ص ٢٥٢.
٢
( ) انظر زاد المعاد لابن القیم حـ ٤ ص ١٨٤.
٣
( ) سورة النور الآیتین: ٤ ،٥.
٤
( ) الحدیث عن عویمر ورد تخریجه في فتح الباري بشرح صحیح البخاري لابن حجر
٥٣٠٨ ط دار الحدیث القاهرة. العسقلاني حـ ٩ كتاب الطلاق باب اللعان ومن طلق بعد اللعان ص ٥٣٩ رقم
٥
( ) الحدیث خرجه البخاري فتح الباري بشرح صحیح البخاري كتاب الطلاق باب یبدأ 
- ٨٨٦ -
فنزل جبریـل  بقولـه تعـالى: ﴿ والـذین یرمـون أَزواجهـم
ُْ َ َ َ َ
ولـم یكـن لهـم شـهداء َِّ ْ ُ َ َ ْ

إلا أَنفسهم فشهادة أَحدهم أَربـع شـهادات باللـه إنـه لمـن َ

َّ الـصادقین والخامـسة أَن َّ ُ

لعنــت اللــه علیــه إن كــان مــن الكــاذبین ویــدرأُ عنهــا العــذاب أَن تــشهد أَربــع َّ َ

ِ ِ ِ َ َ شـهادات باللـه إنـه لمـن الكـاذبین ْ

ِ َ ِ ِ ِ َ َ والخامـسة أَن غـضب اللـه علیهـا إن كـان مـن َ

َ
َّ الصادقین َ ْ
وجه الدلالة من الآیات . (١َ ﴾ ِِ (
أن االله تعالى بین في الآیات حكم مـن قـذف زوجتـه ولـم یجـد أربـع شـهود فإنـه
یحلف أربع شهادات تجرى بین الزوجین مؤكدة بالإیمان مقرونة بشهادة الزوج باللعن
في الخامسة، ومقرونـة بـشهادة الزوجـة بالغـضب مـن االله فـي الخامـسة وذلـك إذا اتهـم
الرجل زوجته بالزنا ولم یستطیع الإثبات، ولم تعرف هي بـسوء الـسلوك حتـى بـرأ عـن
. (٢ (نفسه حد القذف
وصـورة اللعـان: أن یحلـف الرجـل إذا رمـى امرأتـه بالزنـا أربـع مـرات إنـه
لمن الصادقین، والخامـسة أن علیـه لعنـة االله إن كـان مـن الكـاذبین، وأن تحلـف
المـرأة عنـد تكذیبـه أربـع مـرات أنـه مـن الكـاذبین ویـدرأ عنهـا العـذاب، أن تـشهد
من الصادقین. أربـع شـهادات بـاالله أنـه لمـن الكـاذبین، والخامـسة أن غـضب االله علیهـا إن كـان
وهذا مجمع علیه من عصر الرسول  إلى یومنا هذا دون خلاف.
المصدر: https://jfslt.journals.ekb.eg/ 


تعليقات