القائمة الرئيسية

الصفحات



التعويض عن الكوارث الطبيعية

التعويض عن الكوارث الطبيعية




التعويض عن الكوارث الطبيعية
ورقة عمل مقدمة في حلقة النقاش عن:
(الاتجاهات الحديثة لديوان المظالم في قضاء التعويض)
المقامة بجامعة الملك سعود بتاريخ 1/12/1431هـ
إعداد:
فضيلة الشيخ : فهد بن عطية الشاطري
القاضي بالمحكمة الإدارية بجدة

)التعويض عن الكوارث الطبيعية)


توطئة:
على الرغم من استقرار الفقه والقضاء على إرساء مبدأ المسئولية دون خطأ, وتعدد حالات وصور تلك المسئولية, فما زالت توجد حالات كثيرة يتجرد فيها الضرر من أي ضمان ويفتقر فيها المضرور إلى جبر ضرره, غير أن بعض المجتمعات المتقدمة ـ بدافع ذاتي وتحت ضغط شعبي في بعض الحالات ـ لم تعد تسمح بوجود هذه الحالات غير الخاضعة لنظام التعويض, كون العدالة لا تكتمل إلاّ بمساعدة من يتعرضون لأضرار مباغتة وقاسية وضعتهم فيها الأقدار التي يصرفها الله لعباده امتحاناً لهم بالخير والشر.
ومن أشهر الحالات التي تجعل المضرور في وضعٍ حرجٍ للغاية:
1-كوارث الطبيعية التي قدرها الله عز وجل بأسبابٍ ترجع لقوة العوامل الطبيعية وعنفها, كما يبدو ظاهراً للعيان في الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات وغيرها من الظواهر الطبيعية, ففي تلك الحالات ليس للمضرور أن يلقي المسئولية على عاتق السلطة العامة لأن هذه الظواهر تشكل غالباً قوة قاهرة .
2-العنف البشري الذي يرتكبه الإنسان ولا يثبت فيه – غالباً – أي خطأ من مرفق الأمن كالحوادث الإرهابية والحروب الأهلية أو الأجنبية أو حالات الهياج والفوضى ونحو ذلك.
ولذلك قرر القضاء الإداري السعودي انتفاء مسؤولية الإدارة عند تدخل السبب الأجنبي، فقال : 
(والسبب الأجنبي المقصود به كل فعل أو حادث معين جعل منع وقوع الفعل الضار مستحيلاً, ومنع كذلك إسناد فعل الضرر إلى فاعلٍ معين. ومنه يتبين أن السبب الأجنبي لا يكون نافياً للمسئولية إلا بتوافر ركنين: الركن الأول/ استحالة منع الضرر، بمعنى أن يكون المدعى عليه بدعوى المسئولية في وضعٍ لا يستطيع معه دفع الضرر الواقع على الغير باعتبار تدخل سببٍ أجنبي لا يمكن توقعه أو مقاومته؛ كالآفة السماوية (القوة القاهرة) أو الحادث الفجائي أو فعل المضرور أو فعل الغير, كما هو الحال في الحروب والحرائق والانفجارات والعواصف والزلازل والفيضانات؛ فهي حوادث يكتنفها عنصر المباغتة ومن غير الممكن توقع المدعى عليه لها, وبالتالي لا يمكن التدخل لتلافيها من جهة, ومن جهةٍ أخرى فتدخله لا يجدي نفعاً في منع وقوع ضررها. والركن الثاني/ عدم إمكانية إسناد الفعل إلى فاعلٍ معين, وذلك نتيجة لتدخل السبب الأجنبي الذي جعل مسئولية المدعى عليه مستحيلة, وذلك لخروج هذا الفعل عن إرادته وعدم إمكانية التحكم به, وذلك لانتفاء توقع المدعى عليه وانتفاء تدخله وكذلك استحالة تلافيه, فهده العوامل متى توافرت اعتبر الفعل أجنبياً عن المدعى عليه ولا يمكن إسناده إليه).
وفضلاً عن قلة الدول التي تعتمد تشريعاً خاصاً لتعويض ضحايا الكوارث الطبيعية فإن طرائق تلك الدول تختلف في كيفية التعويض وعناصره, فبعضها يعتمد نظام التأمين كأساس للمسئولية يقوم على خلق علاقات تعاقدية بين المؤمن لهم وشركات التأمين كما هو الوضع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا واستراليا وهو الوضع الذي اختاره المنظم الفرنسي. وأحياناً تلجأ الدولة إلى التعويض بواسطة مؤسسة عامة كأسبانيا وهولندا. كما أوجدت دول أخرى نظاماً مختلطاً بين تدخل الدولة وعقد التأمين كما هو الوضع في اليابان لتعويض أضرار الزلازل خاصة وبلجيكا وألمانيا. 




التنظيم الخاص بالتعويض عن الكوارث الطبيعية في المملكة العربية السعودية:
إذا وضعنا في الاعتبار أن المنظم الفرنسي لم يعرف تنظيماً قانونياً ملزماً قبل إصداره قانون 1982م والذي يمثل علامة فارقة في القانون الفرنسي بحسبان أنه قبل هذا التاريخ لم توجد إلاّ تشريعات يتم إصدارها عقب كل كارثة على حدة, وتتضمن مساعدات ذات طبيعة رمزية معتمدةً الإسناد إلى الالتزامات الأدبية, وفي مواجهتها لم يكن للمضرور أن ينازع فيما تمنحه له الدولة من إعانات, لأنه لم يكن صاحب حقٍ أصيلٍ فيها فإنه على العكس من ذلك كان المنظم السعودي سباقاً في اعتماد القواعد التنظيمية التي نقلت الإعانة من مرحلة المعاجلة لكل كارثة إلى القاعدة المستمرة.
فمن منطلق حفظ الكرامة الإنسانية ورعاية المصالح الشرعية الأساسية وقيام الدولة بدورها في تخفيف المصاب وإزالة الضرر تم إصدار (لائحة تنظيم الإجراءات المتعلقة بصرف الإعانات الحكومية للمتضررين من الكوارث الطبيعية والحرائق) بقرار مجلس الوزراء رقم (580) وتاريخ 5/4/1396هـ, لتنقل الإغاثة الحكومية من مرحلة الإعانة إلى مرحلة الحق, ومن مرحلة الإحسان إلى مرحلة الالتزام، وبموجب ذلك أدرجت المساعدة ضمن قائمة الحقوق ونودي بالإدارة لتقيم ميزان العدالة والشرعية فيما ألزمت به الدولة نفسها – إجراءً وتعويضاً – تجاه المنكوبين والمتضررين.
تلك اللائحة تم تعديلها بقرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني رقم (12/1/و/24/دف) وتاريخ 15/5/1424هـ, ثم صدر – عضيداً ومكملاً – قرار مجلس الوزراء رقم (246) وتاريخ 21/9/1426هـ المتضمن الموافقة على ضوابط وإجراءات صرف المساعدات التي تقدمها الدولة للمتضررين من الكوارث من سيول وحرائق ونحوها.
وإلى جوار تلك التشريعات واضطلاع الدولة بالمهمة الكبرى في التعويض عن الكوارث الطبيعية فإن التأمين يقوم بدور مساند, بل قد يكون هو الدور الأساسي في بعض الحالات كتلك التي نص عليها قرار مجلس الوزراء رقم (246) وتاريخ 21/9/1426هـ البند (سادساً) في ضوابط وآلية صرف مساعدات الحرائق: (5ـ يلزم أصحاب محطات الوقود بتوفير الغطاء التأميني بصرف النظر عن قيمة المحطة أو المشروع. 6ـ تُلزم المصانع والمنشآت السكنية والتجارية وما شابههما بتوفير الغطاء التأميني لها وفقاً للأمر السامي الكريم رقم (2482/م ب) وتاريخ 19/2/1426هـ).
كما اشترطت الفقرة (2) من ذات البند لصرف التعويض عن الحرائق أن تكون العين المتضررة غير مؤمن عليها وهو الالتزام الوارد أيضاً على لجنة التقدير بموجب المادة الثانية فقرة (ط) من قرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني رقم (12/1/و/24/دف) وتاريخ 15/5/1424هـ: (على لجنة التقدير ملاحظة الأمور التالية عند التقدير: ... ط/ لا تصرف الإعانة للشخص المؤمن على العين المتضررة).
وغير خافٍ أن أنظمة الخدمة المدنية والعسكرية والتأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي نظمت حقوقاً تعويضية للمصابين وأسر المتوفين في الحوادث على مختلف أنواعها, وقد نصت (ضوابط وإجراءات صرف المساعدات التي تقدمها الدولة للمتضررين من الكوارث) آنفة الذكر في البند (خامساً) على أن هذه المساعدات لا تؤثر على ما يصرف بموجب تلك الأنظمة.




التعريف القانوني للكوارث الطبيعية.
باستعراض اللوائح والقرارات المنظمة لصرف التعويضات عن الكوارث الطبيعية نلحظ أن المنظم ضرب صفحاً عن وضع تعريف عام لتلك الكوارث, في حين أن عبارة (ونحوها) الواردة في تسمية تلك الضوابط يفهم منه أن تعداد الكوارث الواردة في البند (أولاً) من قرار مجلس الوزراء رقم (246) وتاريخ 21/9/1426هـ لم يكن على سبيل الحصر . وهذه النتيجه هي المتوافقة مع ما نصت عليه المادة السادسة من اللائحة الصادرة بقرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني : (إذا حدثت وفيات نتيجة كارثة جماعية فعلى الإمارة أن تقوم بإعداد بيانات تشمل جميع المتوفين...) حيث جاء لفظ (كارثة جماعية) بصيغة النكرة لتعم جميع أنواع الكوارث الطبيعية دون حصرها في نوعٍ بعينه.
وهذا هو الطريق الذي سلكه المنظم الفرنسي في قانون 1982م حيث أعرض عن تعريف الكوارث الطبيعية واستبدل ذلك بتعريف آثارها: (الأضرار المادية المباشرة التي يكون سببها الحاسم الكثافة غير العادية لعامل من عوامل الطبيعة).
ومن هذا المفهوم يمكن لنا استخلاص ثلاثة عناصر للتعويض هي: الأضرار المادية المباشرة, والكثافة غير العادية لأحد عوامل الطبيعة, وعلاقة السببية بين العنصرين السابقين.
(1) الأضرار المادية المباشرة:
يشمل هذا العنصر الأضرار الناشئة عن خسائر الاستغلال أي النتائج المالية الناتجة عن إيقاف أو تخفيض نشاط المشروع, بينما يستبعد الأضرار التي ليست لها طبيعة مادية مثل القيمة السوقية للمنشأة.
كما يشترط أيضاً أن تكون هذه الأضرار مباشرة, ولا تعتبر أضراراً مباشرة: نفقات الانتقال وإعادة السكنى, والنفقات الخاصة بالاضطراب في المعيشة, وأتعاب الخبير .
(2) كثافة العوامل الطبيعية:
وأساس هذا أنه إذا لم يتجاوز العامل الطبيعي الكثافة المعتادة فإن الأمر لا يصل إلى حد الكارثة؛ إذ ليس كل عامل طبيعي يمثل كارثة في ذاته مالم يتميز بكثافة غير معتادة وفقاً لقواعد موضوعية معلومة مسبقاً في مجالات الرياح والهزات الأرضية والأمطار ونحو ذلك.
(3) علاقة السببية بين الأضرار المباشرة والعوامل الطبيعية:
وهنا يشترط أيضاً أن تكون الكثافة غير العادية للعامل الطبيعي هي السبب الحاسم للأضرار. واشتراط أن يكون العامل الطبيعي سبباً حاسماً مؤداه عدم اشتراط أن يكون سبباً وحيداً, فالعبرة إذن بالسببية المؤثرة.
وعلى ذلك فإن وجود محاجر تحت سطح العقار ثم انهياره عقب انهيار متتابع للطريق المجاور بسبب كارثة طبيعية لا يُخوِّل لمالكه التعويض لأن السبب الحاسم هو عامل سابق على انهيار الطريق بفعل الكارثة الطبيعية وهو وجود تلك المحاجر. وهنا يكتفي في الإجراءات التي يجب على المضرور اتخاذها أن تكون معتادة ولا يشترط أن تكون فعاّلة.
وحتى يتمسك المضرور بحقه في التعويض يجب عليه أن يوجد في أحد وضعين:
الوضع الأول: أن يثبت أنه اتخذ الإجراءات المعتادة في الوقت المناسب, غير أنه كان من المستحيل تجنب الأضرار, لأن هذه الإجراءات المعتادة ظهرت أنها غير مفيدة ومجدية.
الوضع الثاني: أن يثبت أنه كان من المستحيل عليه أن يتخذ هذه الإجراءات بالنظر إلى الظروف الخاصة به, كأن يكون غائباً عن مكان الكارثة, أو لأن الكارثة حدثت بطريقة مباغتة دون وجود مؤشرات سابقة تدل على قرب حدوثها.
ومهما يَكُنِ القولُ فإن مفهوم الكارثة الفقهي بمعناه الواسع يتم تحديده من خلال الخصائص التي يتميز بها هذا الحادث, وهي خصائص تعود لضخامة وجسامة الأضرار (أضرار جسدية, ومادية) وكثرة عدد المضرورين من الضحايا المصابين بالفعل أو الذين يتعاقبون .
ومما ينبغي قوله هنا أن من أهم الخصائص المميزة للكارثة أياً كان نوعها عما يشابهها من الحوادث هو كثرة عدد المضرورين, ولذلك فإن الحادث لا يمكن وصفه بأنه كارثة مالم يخلف وراءه عدداً كبيراً من الضحايا والمضرورين.
وهذه الخاصية لا تستلزم توافر عدد معين للقول بوجود الكارثة, فالقوانين بطبيعة الحال لا ترتب حكماً معيناً على أساس العدد, إلاّ أنه في مجال الإثبات للضرر والتعويض عن الأضرار الجماعية فإن عدد المضرورين يعد أمراً مميزاً للأضرار الجماعية, وهذا بلا شك له تأثيره على طريقة القضاء في فحص علاقة السببية بين تلك الأضرار والفعل الضار المُدعى وجوده.
والمنظم السعودي اعتبر وصف (الحالات الجماعية) عند بلوغها أربع حالات فأكثر, حيث نصت المادة الحادية عشرة من اللائحة الصادرة بقرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني رقم (12/1/و/24/دف) في 15/5/1424هـ على أن: (تطبق هذه الحالات على الحالات الجماعية إذا بلغت أربع حالات فأكثر, وأما ما قل عن ذلك فيعالج عن طريق وزارة العمل والشئون الاجتماعية (وكالة الوزارة لشئون الضمان الاجتماعي) بحسب ما لديها من تعليمات).
ومنه يمكن تحديد الكثرة التي اختارها النظام السعودي لتمييز الكارثة عما يشابهها من الحوادث, وهو اختيار متوسع يُفهم منه الحرص على شمول التعويض كافة المضرورين مهما قل عددهم, وهو يسمح في الوقت ذاته بتعريف الكارثة من خلال الصفة الاستثنائية لحجم الأضرار بقطع النظر عن تحديد عدد معين من المضرورين.
على أنه ينبغي الإشارة إلى أن نص المادة سالفة الذكر إنما يقرر تنوعاً في التعويض لا حرماناً منه مطلقاً، فالحالات التي تقل عن أربع يتم معالجتها بحسب قواعد التعويض المنصوص عليها في أنظمة ولوائح الضمان الاجتماعي.




(دور الدولة في التعويض عن الكارثة الطبيعية)
أولاً: أســـــــــاس المسئــــــــولية:
فكرة المسئولية في الأصل العام ترجع إلى قواعد القانون المدني أو ما يسمى (بالمسئولية المدنية) فالمضرور عندما يطالب بحقه في التعويض إنما يلجأ إلى تلك القواعد العامة, ما لم يكن هناك تشريع خاص يعطيه هذا الحق وفق قواعد خاصة.
وفي مجال التعويض عن الكوارث الطبيعية توجد قواعد خاصة خلقها المنظم السعودي ليرتب الحقوق التعويضية موضوعاً وإجراءً, وهو ما ينقل دعوى المطالبة من نطاق القضاء الكامل (قضاء التعويض) إلى قضاء المشروعية (قضاء الإلغاء) عند الامتناع عن اتخاذ تلك الإجراءات التعويضية ـ وهو ما سنتطرق إليه تفضيلاً عند الحديث عن اتجاهات القضاء ـ وإلى جانب تلك القواعد الخاصة يمكن للمضرور اللجوء إلى القواعد العامة في المسئولية, إما على سبيل الابتداء لتأسيس مطالبة لا تدخل في التشريع الخاص بتعويض الكوارث الطبيعية, أو لتكون تلك القواعد العامة طريقاً مكملاً لاستيفاء عناصر أخرى للتعويض يراها المضرور انتقصت من حقوقه ولم تتضمنها التشريعات الخاصة.
ولذا لا بد لنا أن نتناول ـ بإيجاز ـ أساس المسئولية المدنية, والتي يرى كثير من ا لفقهاء أنها ليست منبتة الصلة عن المسئولية الأخلاقية, رغم أنها يجب أن تكون متميزة عنها.
1ـ الخطأ كأساس للمسئولية:
ومؤداه "أن يكون الشخص مسئولاً عن إهماله أو عدم تبصره" و "أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". وهذا يعني أن أساس المسئولية على وجه العموم هو الخطأ, وهو الأساس الذي تبنى عليه المسئولية عن عمل الغير أو عن الأشياء (الحيوان والجماد), فهي جميعاً لا تخرج عن فكرة الخطأ.
وهذا المفهوم التقليدي للمسئولية يسمى (بالمسئولية الشخصية) لأنه يقوم على دراسة سلوك الفاعل وعلى الإخفاق أو التخلف الذي يمكن أن يكشف عنه.
ولكن الخطأ لم يعد الأساس الوحيد للمسئولية, فكانت نظرية المخاطر. 
2ـ نظرية المخاطر:
ظهرت هذه النظرية نتيجة التطور التقني والصناعي والتحول في الأفكار الاجتماعية مما أحدث حركة تشكيك في صلاحية الخطأ كأساس للمسئولية.
فحين كانت الآلة ما تزال محدودة الانتشار وغير معقدة كانت المباني هي الأشد خطورة والأسهل استخداماً في ذات الوقت, إلاّ أنه مع انتشار سلطان الآلة وفورة الصناعة في شتى المجالات كان الضرر من آله معقدة أمراً واقعاً يصعب معه إثبات خطأ صانعها أو مالكها أو مستخدمها, الأمر الذي قد يطيح بحق المضرور في التعويض إذا تم التشدد في اعتماد الخطأ كأساس للمسئولية.
ففكرة المخاطر تتأسس على أن ثمة ضرراً حدث, وأنه إذا كان ضحية الضرر هو نفسه من سببه فإنه يجب ـ بالضرورة ـ أن يتحمل هذا الضرر؛ فلا مسئولية حينئذٍ, ولكن الأمر يختلف إذا كان ثمة شخص آخر هو الذي سبب الضرر من الناحية المادية, فينتقل إسناد الضرر إلى من أحدثه وإن لم يصدر منه ذنب أو خطأ؛ إذ المسئولية هنا تقوم على السببية المادية بين الضرر والفعل الضار دون وجود خطأ, وهي ما تسمى بالمسئولية الموضوعية التي تعتمد عنصراً موضوعياً لا شخصياً.
وهي نظرية تتسم بالمرونة, إذ ليس على المصاب أن يثبت الخطأ وإنما عليه أن يثبت أن المدعى عليه سبَّبَ ضرراً مادياً, وعلى الأخير حتى ينفي مسئوليته أن يثبت أن الضرر لا يرجع لفعله وإنما يعود لسبب آخر.
وإزاء ذانك الأساسين هناك من حرص على إدخال بعض التطوير والإصلاح على النظرية الموضوعية, فأوجد ما يسمى بنظرية الضمان (الفقيه بوريس ستارك) وهي تقوم على أساس التفرقة بين الأضرار الجسدية والأضرار المادية.
ومع أن المسئولية في جميع حالاتها هي تركيبة قانونية تتشكل أساساً من تدخل إرادي ينقل عبء الضرر الذي وقع على شخص مباشرة إلى شخص آخر يُنظر إليه على أنه هو الشخص الذي يجب أن يتحمل هذا العبء إلاّ أن المسئولية الإدارية تنفرد بخصائص وقواعد معينة تميزها عن المسئولية المدنية ومن أهم هذه القواعد:
أولاً: استقلال قواعد المسئولية الإدارية عن قواعد المسئولية المدنية:
وقدر قرر مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في 6 ديسمبر عام 1855م أن قواعد المسئولية الإدارية تختلف عن قواعد المسئولية المدنية وأن القاضي الإداري غير ملزم بالقواعد المدنية وهو بصدد النظر في قواعد المسئولية الإدارية. وقد أكدت محكمة التنازع الفرنسية هذا الاستقلال في حكمها الشهير المعروف باسم (بلانكو) عام 1873م وقررت فيه أن : (مسئولية الدولة عن الأضرار التي تعيب الأفراد الناجمة عن تصرفات الأفراد التابعين لها في المرافق العامة لا يمكن أن تنظم بواسطة المبادئ المستقرة في القانون المدني من أجل علاقات الأفراد بعضهم ببعض, وأن هذه المسئولية تختلف بحسب حاجات المرفق والضرورة في التوفيق بين حقوق الدولة ومصالح الأفراد), وقد نتج من تقرير هذا المبدأ أن أصبح القاضي الإداري غير ملتزم بقواعد القانون المدني, وأنه إزاء ذلك عليه أن يخلق الاعتبارات المختلفة والمتعلقة بالصالح العام, وكذلك مراعاة مصالح الأفراد, وينتج من هذا المزيح ما يمكن أن يطلق عليه (العدالة الإدارية) . 
ولكن هذا الاستقلال لا يعني بالضرورة استبعاد قواعد المسئولية المدنية في المنازعات الإدارية المتعلقة بمسئولية الدولة, إذ أنه في بعض الحالات يطبق القاضي الإداري قواعد المسئولية المدنية, وذلك على النحو التالي:
•قد يرى القاضي الإداري في بعض المنازعات أن قواعد المسئولية المدنية هي الأكثر ملاءمة في خصوص النزاع المعروض عليه, وأنه من المناسب تطبيقها, ولكنه في هذا الخصوص ليس ثمة ما يلزمه بتطبيقها بنفس المفهوم, بل له أن يطبقها كما هي, وقد يأخذ بالقاعدة العامة المقررة في القانون المدني دون التفاصيل, وقد يأخذ بها مع إجراء بعض التعديلات التي تجعلها تسير في فلك المنازعات الإدارية وفي إطارها.
•أن المنظم قد يتدخل بتنظيم قواعد المسئولية في بعض الحالات الخاصة, وفي مثل دراستنا هذه عن الكوارث الطبيعية سنَّ المنظم السعودي بقرار مجلس الوزراء رقم (246) وتاريخ 21/9/1426هـ وسابِقِهِ قرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني رقم (12/1/و/24/دف) وتاريخ 150/5/1424هـ لوائح وقواعد خاصة لتعويض المتضررين من تلك الكوارث, وفي هذا الوضع يكون القاضي الإداري ملتزماً بالحكم بمقتضى النص ولا يجوز له الاجتهاد في مورِده، وتظل له حرية وسلطة التقدير فيما لم ينص عليه النظام.
ومع هذا كله تظل نظرية المسئولية الإدارية للدولة نظرية قضائية في المقام الأول, لذا فإنه بخلاف قواعد المسئولية المدنية الموجودة في التقنين المدني فإن البحث عن أحكام وقواعد المسئولية الإدارية يكون في أغلب الأحوال في مجموعات الأحكام القضائية الصادرة عن جهة القضاء الإداري.
ولتحديد نطاق مسئولية الدولة في التعويض عن أضرار الكوارث الطبيعية لا بد لنا من دراسة التنظيمات الخاصة .
ثانياً : دور الدولة في التعويض عن الكوارث الطبيعية وفقاً
للتنظيمات الخاصة بهذا الشأن
أولاً: ضرورة الإخطار عن وقوع كارثة:
تبدأ أولى مهمات وواجبات الدولة في معالجة أضرار الكوارث الطبيعية فور وقوع أي الحادث بالإخطار عن وقوع كارثة ، وهذا الإخطار كشأن أي إعلان قد يكون مصدره ابتداءً أحد المضرورين أو العامة من غيرهم إلا أن من الواجب أن يأخذ صفة الرسمية بأن يتولى رجال الشرطة أو الدفاع المدني أو أي إدارة حكومية مختصة إبلاغ العموم عن حدوث خطر داهم أو متحقق بالفعل ومكان وقوعه ونوعه ومداه. وقد يكون هذا الإخطار في صورة إعلان وبلاغ عقب حدوث الكارثة وقد يكون على شكل تحذير من قِبل جهات الرصد قَبل حدوثها إذا ظهرت إرهاصات وبدت إمارات مناخية أو أرضية. وأثر ذلك أن يلتزم العامة بأخذ الحيطة والحذر وبتجنب الأماكن والظروف الخطرة، وأن تستعد كافة الجهات الأمنية والصحية والإغاثية للقيام بدورها اللازم في مثل هذه الحالات.




ثانياً: الإجراءات النظامية لصرف المساعدات والإعانات للمتضررين:
تبدأ تلك الإجراءات من إمارة المنطقة المعنية حيث تقوم فور تلقيها خبر حدوث الكارثة وبالاشتراك مع مندوب عن الدفاع المدني بالمنطقة بتحديد حجم العين المتضررة ونوعها وحصر المتضررين من واقع إثبات الهوية متضمناً اسم العين المتضررة وموقعها ونوع الضرر مع تدوين ذلك في بيان خلال مدة أقصاها عشرة أيام من تاريخ انتهاء الضرر دون القيام بتقدير أولي للأضرار, مع تحديد المواقع المتضررة والرفع برقياً عنها إلى مقام وزارة الداخلية, وتبقى الأساسات في الإمارة لتقوم وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة المالية لتشكيل لجنة خلال عشرة أيام من الوزارتين بالإضافة إلى مندوب من إمارة المنطقة التي وقعت فيها الكارثة يقوم بدور المعَّرف لتذهب إلى مكان الحادث وتراه على الطبيعة, وتقوم بحصر الأضرار والمتضررين وتقدير الإعانات للمستحقين .
وإذا حدثت وفيات نتيجة الكارثة فإن على الإمارة أن تقوم بإعداد بيانات تشمل جميع المتوفين, بحيث يوضح فيها الاسم الكامل للمتوفى وجنسه وجنسيته, وذلك من واقع المشاهدة الفعلية والمستندات الرسمية مثل شهادات الوفاة الصادرة من المستشفى التابع للمنطقة التي وقعت فيها الكارثة وكذلك ما يثبت جنسيته مثل صورة من حفيظة النفوس أو جواز سفره أو أي مستند رسمي يثبت ذلك. ثم ترفع تلك البيانات من الإمارة لوزارة الداخلية لتحديد الحالات المستحقة للمساعدات, ثم تحيلها إلى وزارة المالية لاستكمال إجراءات الصرف ، وتقوم وزارة المالية بتشكيل لجنة للصرف بالاشتراك مع مندوب من وزارة الداخلية, وتراعي اللجنة قبل الصرف لأي شخص ما يلي :
أ ـ عند الصرف للعين المتضررة يلزم تقديم صورة إثبات التملك للعين أو صورة عقد الإيجار إذا كانت مستأجرة وتضرر المستأجر, مع إيضاح أسماء الشركاء في العين المتضررة كل بحسب حصته وتقديم صورة من إثبات الهوية مع بيانات التقدير لتلافي الالتباس وتشابه الأسماء.
ب ـ أن يكون الصرف من واقع بيانات التقدير التي أعدتها لجنة التقدير وبشيكات باسم المستفيد.
ج ـ ألاَّ تصرف أي مبلغ ورد في بيانات التقدير إلاّ لصاحبه أو وكيله الشرعي بموجب وكالة شرعية وبعد مطابقة اسم المستفيد الوارد في إثبات الهوية على الاسم الوارد في بيانات التقدير وإثبات الملكية, وإذا حصل اختلاف فعلى اللجنة التحري ومطالبة المستفيد بما يثبت تعديل الخطأ الذي حصل وأن العين المتضررة تخصه.
د ـ كتابة اسم الشخص المستلم وتوقيعه أمامه, وإذا كان لا يحسن الكتابة أخذ بصمته.
هـ ـ بعد انتهاء لجنة الصرف من عملها, عليها توقيع بيانات الصرف وتقديم جميع المستندات التي تم الصرف بموجبها مع إعداد محضر موضح فيه المبالغ المصروفة والمتبقية, وكذلك إعداد بيان بالأشخاص الذين لم يتسلموا مساعداتهم موضح فيه اسم المستفيد ورقم هويته ومقدار مساعدته وتسليمها لمندوب وزارة المالية لاتخاذ اللازم بشأنها مع تزويد مندوب وزارة الداخلية بصورة من بيانات الصرف والمحضر.
وـ بالنسبة للأشخاص الذي يتأخرون عن تسلم إعاناتهم أثناء المدة المحددة للجنة الصرف, تقوم اللجنة بإيداع المبالغ المالية في مؤسسة النقد لقيدها في حساب جاري وزارة المالية (الإدارة العامة للمصروفات) مع تقديم نسخة من إشعار القيد مع مستندات الصرف وكل من تأخر سنتين كاملتين يسقط حقه في المطالبة بصرفه إلاّ إذا كان تأخره بسبب ظروف خارجة عن إرادته يعود تقديرها للجهة المختصة في كل من وزارة المالية ووزارة الداخلية.
كما نصت اللوائح على أنه يجوز للجنة التقدير الاستعانة بمن تراه لأداء مهمتها على الوجه الأفضل . وعموم هذه الاستعانة يشمل كافة الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص والخبراء الفنيين من مكاتب هندسية ومساحية وعقارية ونحو ذلك.
وفي حال الحرائق تقوم إدارة الدفاع المدني بحصر ما تضرر من الحريق مدعماً بالمستندات الثبوتية التي تؤكد قيمة الممتلكات المتضررة المشاهدة فعلياً دون الأخذ بأقوال المتضرر, ثم ترفع بيانات تقدير الحرائق لوزارة الداخلية لتحديد الحالات المستحقة للمساعدات, ومن ثم تحيلها إلى وزارة المالية لاستكمال إجراءات الصرف .
كما نصت أيضاً على أن المساعدة المخصصة للمصابين يتم صرفها بموجب تقرير طبي صادر من مستشفى حكومي موضحة به نسبة العجز .
وتلتزم اللجنة عند الانتهاء من أعمالها وإكمال مهمتها بتسليم أصول بيانات الحصر والتقدير بعد توقيعها مع أصل محضر اللجنة لمندوب وزارة المالية لتقديمها إلى الوزارة مع تزويد مندوب وزارة الداخلية بصورة من المحاضر وبيانات التقدير مع إعداد بيان بأسماء المستبعدين وأسباب استبعادهم .
ثالثاً: ضوابط وشروط صرف المساعدات والإعانات للمتضررين:
تقدم المساعدات للمصابين ولأسر المتوفين جراء الكوارث التالية : 
1ـ السيول والفيضانات والأمطار. 2ـ الزلازل والبراكين. 3ـ الرياح والأعاصير والصواعق. 4ـ الهبوط والتصدعات والانزلاقات والتشققات الأرضية. 5ـ الغرق عند محاولة السباحة أو السقوط في بئر. 6ـ الحرائق. 
ومع أن النص جاء مقيداً بحالات محددة, إلاّ أن اللائحة الصادرة بقرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني تتناول عموم الكوارث دون تحديدها بوصفٍ معينٍ مما يمكن معه القول بأن ضوابط التعويض يمكن لها أن تشمل حالات عديدة لم تذكر في النص السابق, كالأضرار الناتجة عن الغبار الشديد أو حالات التسمم واسعة النطاق أو الأمراض والأوبئة والكوارث البيئية أو الصحية الأخرى, وكذلك الكوارث الناتجة عن الخلل في التقنية أو الآلة وهي ما تسمى بالكوارث التكنولوجية كسقوط الطائرات وحوادث القطارات والسفن وانفجار أنابيب النفط والحوادث الصناعية الكبرى, وهي وإن كانت تخالف الكوارث الطبيعية في أنها ترتبط بنشاط بشري إلاّ أن اللوائح الصادرة بتعويض المتضررين من الكوارث لم تقيد الاستحقاق في الكوارث المرتبطة بظاهرة طبيعية دون غيرها.
وبقطع النظر عن نطاق تطبيق تلك اللوائح من حيث طبيعة الكوارث محل التعويض فقد تضمنت ضوابطها واشتراطاتها أن تقتصر المساعدة على السعوديين فقط , وألاّ يتم تقدير إعانة عن ضرر لحق بمزرعة مهجورة أو مكان مهجور, ولا لشخص أقام مزرعة أو بيتاً في الأماكن الخطرة كبطون الأودية أو الأماكن التي تتعرض للانهيارات كالمنحدرات الجبلية إلاّ لمرة واحدة, وألاّ تقدر أي إعانة لمن ادعوا فقدان حُلي أو نقود أو أسلحة, وألاّ يتم النظر في الأضرار اللاحقة بالمزارع البعلية إذا لم يكن لدى مالكيها ما يثبت تملكهم شرعاً, وكذلك لا يجوز أن تصرف الإعانة للشخص المؤمن على العين المتضررة, ولا يتم حصر من قام بإصلاح العين المتضررة قبل وصول لجنة الحصر (اللجنة الأولى) .
كما أن نطاق تطبيق هذه ا لإعانات يكون على الحالات الجماعية إذا بلغت أربع حالات فأكثر وأما ما قل عن ذلك فيعالج عن طريق وزارة الشئون الاجتماعية (وكالة الوزارة لشئون الضمان الاجتماعي) بحسب ما لديها من تعليمات .
وبالنسبة لمساعدات الحرائق فقد تضمنت ضوابط وآلية الصرف اشتراط ما يلي :
1- أن يكون الحريق ليس للإنسان دور فيه وليس بسبب الإهمال.
2- أن تكون العين المتضررة غير مؤمن عليها.
3- توافر وسائل السلامة بالمنشأة.
4- تستبعد النخيل المهملة والمزارع البعلية والمنازل المهجورة.
5- يقتصر التعويض على السعوديين فقط.
6- إحالة الحالات الفردية إلى وزارة الشئون الاجتماعية لمعالجتها وفقاً للأمرين الساميين رقم (3/أ/4473) وتاريخ 26/2/1398هـ, ورقم (3/ب/9532) وتاريخ 25/6/1415هـ على أن تعامل تلك الحالات معاملة الحالات الجماعية من حيث النسبة والحد الأعلى للمساعدة.
رابعاً: مقدار المساعدات والإعانات ونوعيتها:
نصت المادة الرابعة فقرة (هـ) من اللائحة الصادرة بقرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني على أنه يجب على لجنة التقدير عدم المبالغة في تقديراتها وأن تعلم أن ما تقوم به هو إعانة من الدولة للمواطنين وليس تعويضاً.
وقد حددت اللائحة الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (246) في 21/9/1426هـ المساعدات والإعانات وفقاً لما يلي:
• بالنسبة لأسر المتوفين:
يصرف لأسرة كل متوفى مبلغ (80.000)ريال, ويضاعف هذا المبلغ لمن توفي وخلف أطفالاً دون سن البلوغ. (البند ثانياً).
• بالنسبة للمصابين:
1-الإصابات المستديمة: يصرف مبلغ (120.000)ريال لكل مصاب يثبت عجزه عن ممارسة حياته الطبيعية.
2-الإصابات الجزئية: يصرف جزء مما يصرف للإصابات المستديمة ويقدر على أساس نسبة هذا العجز إلى العجز الكلي على ألا تقل نسبة الإصابة عن (15%). (البند ثالثاً).
• بالنسبة للممتلكات المتضررة:
1-الممتلكات المتضررة من الكوارث الوارد ذكرها في (أولاً) من قرار مجلس الوزراء رقم (246) وتاريخ 21/9/1426هـ ما عدا الحرائق تصرف المساعدات عنها وفقاً للائحة تنظيم الإجراءات المتعلقة بصرف الإعانات الحكومية للمتضررين من الكوارث الطبيعية والحرائق الصادرة بقرار وزير الداخلية رئيس مجلس الدفاع المدني رقم (12/1/24/دف) وتاريخ 15/5/1424هـ.
2-تقدر أضرار الحرائق وتصرف المساعدات وفقاً للأمرين الساميين رقم (3/ح/2521) وتاريخ 9/11/1398هـ, ورقم (3/س/11659) وتاريخ 18/5/1402هـ, على أن يصرف ما نسبته (15%) من تقديرات الدفاع المدني, بشرط ألاّ يتجاوز ما يصرف للمتضرر (500.000)ريال.
وتعالج وزارة الشئون الاجتماعية الحالات الفردية وفقاً للأمرين الساميين رقم (3/أ/4473) وتاريخ 26/2/1398هـ, ورقم (3/ب/9532) وتاريخ 25/6/1415هـ على أن تعامل تلك الحالات معاملة الحالات الجماعية من حيث النسبة والحد الأعلى للمساعدة. (البند رابعاً).
ولا يفوت القول هنا بأنه إلى جوار هذه التنظيمات والقواعد العامة فقد تصدر قرارات ولوائح خاصة في كوارث معينة لما لها من صفة الخصوصية من حيث حجمها وتأثيرها وكثرة المتضررين, كما حصل في كارثة سيول جدة بتاريخ 8/12/1430هـ, والهزات الأرضية الخطرة في بلدة العيص عام 1430هـ والتي صدرت بشأنها أوامر وتعليمات تمنح المساعدات والإعانات والإخلاء وتأمين المأوى والإعاشة للمتضررين وفق تنظيم وقواعد خاصة.

اتجاهات ديوان المظالم في التعويض عن الكوارث الطبيعية
الدعوى الإدارية كوسيلة قانونية يتم من خلالها تحصيل الحقوق قبل الدولة ومنها الحق في التعويض لابد أن ترتكز على أساسٍ متينٍ في المطالبة وهو ما يسمى سبب الدعوى باعتباره الواقعة التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب وهو لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية والحجج التي يستند إليها الخصوم في دفاعهم إذ أن سبب الدعوى هو الأساس النظامي الذي تبنى عليه سواء أكان عقداً أم إرادة منفردة أم فعلاً غير مشروع أم إثراءً بلا سبب أم نصاً في النظام. 
والدعاوى القضائية المقامة بطلب التعويض عن الكوارث الطبيعية أمام ديوان المظالم – بوصفه جهة القضاء الإداري في السعودية – لا تختلف عن باقي دعاوى التعويض الإداري؛ فهي في أصلها العام إما أن ترتهن على إثارة المسئولية الإدارية أو ترتكز على استئداء الحقوق وفقاً للتنظيم الخاص بحسبانه اللبنة الأساس للحقوق المكتسبة ويمثل قيداً لا تملك جهة الإدارة بعد سريانه إلا سلوك سبيله وامتثال أحكامه.
لذا يمكن القول بأن اتجاهات القضاء الإداري السعودي بشأن التعويض عن الكوارث الطبيعية تتنوع بتنوع السبل التي يسلكها المتضررون في مخاصمة الدولة قضاءً عن الأضرار التي حاقت بهم؛ فحين تثير دعاوى التعويض المستند للمسئولية التقصيرية روح القضاء الكامل فإن إسناد المتضرر استحقاقه على نصوص نظامية خاصة تنظم التعويض عن الضرر المدعى به تبرز دعوى الإلغاء بوصفها دعوى عينية تنصب – في حقيقتها – على الطعن على تصرف جهة الإدارة القانوني تجاه تلك النصوص المقيدة لسلطتها مستهدفةً إعدام قرارها السلبي بالامتناع.
وقبل أن نتطرق لتلك الاتجاهات فإنه ليس نفلاً من القول الإشارة إلى أنه بالرغم من توفر وقوعات وحوادث عديدة تمثل كوارث طبيعية وقعت في مناطق شتى من المملكة فإن من يحاول الوصول لأحكام قضائية في التعويض عن تلك الكوارث سيُعييه البحث ويشق عليه السعي، وليس مرد ذلك لتقصير القضاء الإداري في تلقي طلبات المنكوبين والفصل فيها بل سببه الأوحد السياسة المُثلى والطريقة الفُضلى التي رسمتها حكومة هذه البلاد – رعاها الله ووفقها لكل خير – للتعامل مع رعيتها من مواطنين ومقيمين، فهي السبَّاقة دوماً لتخفيف آلامهم ومداواة جراحهم وتفقد حاجاتهم والوقوف معهم كفردٍ منهم لإزالة الضرر ورفع البأس وإعادة الحال لأحسن الأحوال. وتلك الالتفاتة الكريمة من الراعي للرعية لها الأثر الكبير في ترسيخ عقيدة المضرور بأن الدولة لم تستنكف في مساعدته ولم تدخر جهداً ولا مالاً في معونته، وعندئذٍ يبيت وقد حُلت عُقَدُ عزمه على الاستقضاء. وشاهدُ ذلك الأمر الملكي رقم أ /191 وتاريخ 13/12/1430هـ التحقيق وتقصي الحقائق في أسباب هذه الفاجعة ، وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص ذي علاقة بها، وحصر شهداء الغرق والمصابين والخسائر في الممتلكات، وعلى وزارة المالية تعويض المتضررين في ممتلكاتهم وفقاً لما تنتهي إليه اللجنة .ثم كانت التعويضات الكريمة بمنح مليون ريال عن كل شهيد، إضافة للتعويضات الأخرى عن الإصابة وأضرار الممتلكات من منازل ومركبات، فضلاً عما قامت به الدولة من تأمين الإسكان والإعاشة والنفقة للأسر المنكوبة.
أولاً: دعاوى التعويض المستندة لمسئولية السلطة العامة:
1- الدعاوى المستندة لنظرية الخطأ كأساس للمسئولية:
تنعقد مسئولية السلطة العامة على أساس الخطأ في حال تقصيرها وإهمالها وتقاعسها عن اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للوقاية من الكوارث. وهي وإن كانت لا تستطيع أن تمنع الكارثة من الحدوث أو الأضرار من التحقق؛ إلاَّ أنه من الواجب عليها أن تتخذ الإجراءات الوقائية من أجل التخفيف من آثار الكوارث. وهنا يمكن الجزم بأن عدم اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير أو عدم كفايتها تنعقد به مسئولية السلطة العامة إن أدى ذلك لتفاقم الأضرار الناشئة عن هذه الكوارث كالتقصير في إنشاء مجاري للسيول أو قنوات للصرف الصحي أو وجود الخطأ والعيب في إنشاءاتها العامة وظهور عدم تحملها للأثر الأدنى للعوامل الطبيعية كالأمطار الغزيرة أو السيول أو الهزات الأرضية أو سماحها للأفراد بالبناء في الأماكن المعرضة للكوارث عن طريق منحهم تراخيص بذلك، وكذا ذهولها عن إنشاء وتخصيص دور للإيواء ومصحات ومشافٍ عاجلة للعلاج ونحو ذلك.
كما تحقق مسئولية الجهات الحكومية أيضاً في حال تقصيرها أو إهمالها في تبصير الأفراد بالأخطار الناتجة عن كوارث طبيعية أو في الإخطار بوجود إمارات ودلائل تنبئ بوقوعها.
والحالات التي تقوم بها مسئولية السلطة العامة لا يمكن حصرها مسبقاً ضمن قائمة محددة، وإنما هي تدور في فلك التقصير والإهمال والخطأ الذي من شأنه تفاقم أضرار الكارثة أو الحيلولة دون سرعة معالجة آثارها.
وعند استدعاء هذه المسئولية بالدعوى القضائية المرتكزة عليها يقوم القضاء الإداري بالتثبت من وجودها بوسائل الإثبات المختلفة مما يتناسب وطبيعة الدعوى الإدارية، ويحكم بالتالي إما بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بالتعويض عند تقرير مسئوليتها أو برفض الدعوى لتخلف عنصر من عناصرها الثلاثة وهي الخطأ والضرر ورابطة السببية بينهما.
وقد يكون التعويض المحكوم به عينياً وهو الأصل العام في التعويض بأن يلزم المدعى عليها برفع الضرر وإزالته عيناً، وقد يحكم بتعويض مالي يتم تقديره عن طريق جهة القضاء أو خبير فني تندبه لهذه المهمة وذلك بحسب ما يتقرر عن نسبة مشاركتها في الخطأ إذا كان الضرر ناتجاً عن خطأ مشترك أو كان المضرور مساهماً في الخطأ.
ومن التطبيقات القضائية في هذا الشأن الحكم القضائي رقم 60/د/إ/10 لعام 1424هـ المؤيد بحكم هيئة تدقيق القضايا (الدائرة الأولى) رقم 3/ت/1 لعام 1425هـ، والواقعة تتعلق بسقوط عمود كهرباء على سيارة أثناء قيادتها في أحد شوارع محافظة جدة، وتقدم صاحبها بدعوى تعويض عن التلفيات التي لحقت بالمركبة مستنداً على ظهور تآكل وصدأ أسفل العمود بعد سقوطه وأن البلدية المدعى عليها هي المسئولية عن صيانة تلك الأعمدة. ودفعت جهة الإدارة بانتفاء الخطأ والتقصير من قبلها وأن سقوط العمود ناتج عن قوة قاهرة تمثلت في الرياح الشديدة والأمطار التي نتج عنها حوادث كثيرة ومماثلة في ذات اليوم.
وقد قرر القضاء الإداري انتفاء مسئولية الإدارة في تلك الحالة لوجود مانع من موانعها وهو السبب الأجنبي، وأكد في حكمه بأن: (السبب الأجنبي المقصود به كل فعل أو حادث معين جعل منع وقوع الفعل الضار مستحيلاً, ومنع كذلك إسناد فعل الضرر إلى فاعلٍ معين. ومنه يتبين أن السبب الأجنبي لا يكون نافياً للمسئولية إلا بتوافر ركنين: الركن الأول/ استحالة منع الضرر، بمعنى أن يكون المدعى عليه بدعوى المسئولية في وضعٍ لا يستطيع معه دفع الضرر الواقع على الغير باعتبار تدخل سببٍ أجنبي لا يمكن توقعه أو مقاومته؛ كالآفة السماوية (القوة القاهرة) أو الحادث الفجائي أو فعل المضرور أو فعل الغير, كما هو الحال في الحروب والحرائق والانفجارات والعواصف والزلازل والفيضانات؛ فهي حوادث يكتنفها عنصر المباغتة ومن غير الممكن توقع المدعى عليه لها, وبالتالي لا يمكن التدخل لتلافيها من جهة, ومن جهةٍ أخرى فتدخله لا يجدي نفعاً في منع وقوع ضررها. والركن الثاني/ عدم إمكانية إسناد الفعل إلى فاعلٍ معين, وذلك نتيجة لتدخل السبب الأجنبي الذي جعل مسئولية المدعى عليه مستحيلة, وذلك لخروج هذا الفعل عن إرادته وعدم إمكانية التحكم به, وذلك لانتفاء توقع المدعى عليه وانتفاء تدخله وكذلك استحالة تلافيه, فهده العوامل متى توافرت اعتبر الفعل أجنبياً عن المدعى عليه ولا يمكن إسناده إليه.
لما كان ذلك وكان الثابت من أوراق القضية ومن خطاب إدارة التشغيل والصيانة رقم ... الصادر رداً على خطاب إدارة المرور رقم... أن سقوط العمود كان نتيجة الرياح الشديدة التي وقعت على محافظة جدة يوم الحادث، وأكد ذلك محضر معاينة من مشرف المنطقة بأمانة محافظة جدة في ذات اليوم. كما أكده خطاب مدير عام إدارة التشغيل والصيانة المتضمن تقريراً عن الأعمال التي قامت بها الإدارة بعد هطول الأمطار مساء ذلك اليوم والذي يفيد وجود عدة بلاغات عن سقوط واحتراق عدد (29) عمود ووجود عدد من كبائن وكوابل الكهرباء المعطوبة والمحترقة. وإذ تبين أن سقوط العمود على سيارة المدعي كان نتيجة لتدخل السبب الأجنبي الماثلة إحدى صوره – هنا – في القوة القاهرة التي لا تستطيع المدعى عليها دفعها وليست من فعلها ويتعذر عليها الاحتراز منها، فهو أمر خارج عن تدخل الإنسان ومن ثَمَّ فليس ذلك من تبعة مسئوليتها وليس منها تعدٍ أو تفريط؛ حيث إن تقرير المرور لم يثبت ذلك بل إن المدعي قرر أنه يستنتج تآكل العمود وتلفه من واقع سقوطه في ذلك اليوم شديد الرياح والأمطار وهذا لم يثبت، كما أنه يتنافى مع واقع باقي أعمدة الشارع التي استمر العمل بها لسنة كاملة بعد الحادث، وبالتالي لا ضمان على المدعى عليها لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ابتعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً لم تأخذ مال أحيك بغير حق" أخرجه مسلم وأبوداود. وقد قرر صاحب المغني (12/19): "أن الإنسان لو وضع جرة على سطحه و حائطه فرمته الريح على إنسان فقتلته أو شيء أتلفته لم يضمن لأن ذلك من غير فعله ، ووضعه له كان في ملكه) وقال في موضع آخر (12/549): "إذا هاجت ريح أو كان الماء شديد الجرية فلا ضمان عليه لأنه لا دخل في وسعه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها". وإذ ثبت ما تقدم للدائرة فإنها تنتهي إلى رفض الدعوى لعدم وجود ما يدل على أن سقوط العمود كان بسبب يرجع للمدعى عليها).
ومن التطبيقات القضائية أيضاً:
القضية رقم 1418/2/ق لعام 1431هـ وحاصلها أن المدعي يطلب التعويض عن الخسائر التي حاقت به في ممتلكاته بسبب سيول جدة نتيجة لخطأ أمانة محافظة جدة التي اعتمدت مخططاً سكنياً يقع في مجاري السيول بالمخالفة للأنظمة والتعليمات التي تمنع ذلك.
وقد انتهت المحكمة في حكمها رقم 156/د/إ/10 إلى رفض الدعوى لثبوت صحة ما دفعت به جهة الإدارة من أن المخطط لا يقع في مجارى السيول، وأن السيول كانت منقولة من أماكن بعيدة، فضلاً عن أن ما عوَّضته به اللجنة المكلفة بتقدير الأضرار والتعويضات عن الكارثة كافٍ في جبر ما أصابه.
ويُلحظ هنا أمور:
أ*- أن المدعي استند في طلب التعويض على دعوى المسئولية الإدارية بتوافر عنصر الخطأ المتمثل في التقصير في واجب الصيانة بدليل وجود التآكل والصدأ.
ب*- أن المسئولية هنا تعد من قبيل المسئولية عن الأشياء، وأن القضاء قرر ضمناً مسئولية حارس الأشياء (واجب الصيانة والمتابعة) ابتداءً ، بيد أنه نفى المسئولية في خصوص الحالة المعروضة لثبوت تدخل القوة القاهرة بحسبانها مانعاً من موانع المسئولية، ومؤدى ذلك أن مسئولية جهة الإدارة كانت ستنعقد حتماً لو سقط العمود دون تدخل ذلك السبب.
ت*- أن القضاء لم يتجه بالمسئولية لنظرية المخاطر (تحمل التبعة) لتحقق إسناد المدعى استحقاق التعويض على أساس المسئولية عن الخطأ. 
2- الدعاوى المستندة لنظرية المخاطر كأساس للمسئولية:
يكفي في هذه الدعاوى المستندة إلى هذا النوع من المسئولية أن يثبت المدعي الضرر الذي أصابه، وأن هذا الضرر ناتج عن نشاط أو فعل مشروع لجهة الإدارة مما يعني أن القضاء سيقف أمام عنصرين فقط لهذه المسئولية هما الضرر والسببية التي تربط بين الأول وبين النشاط أو التصرف المشروع لجهة الإدارة، وهنا لا تستطيع الأخيرة درأ هذه المسئولية إلا بإثبات أن الضرر يرجع للقوة القاهرة أو إلى خطأ المضرور ذاته فتنتفي بذلك رابطة السببية، أما إذا تحقق الضرر نتيجة حادث فجائي فإن الدولة تظل مسئولة عن تعويض هذا الضرر . والفرق بين القوة القاهرة والحادث الفجائي – وفق ما استقر عليه القضاء والفقه في فرنسا ومصر – رغم أنهما يشتركان في عدم إمكان توقعهما أو دفعهما فإن القوة القاهرة إنما هي أمر خارجي وحدث طارق عن نشاط مُحدِث الضرر، فهي تتم بعيداً عن نشاط الإدارة أو الأشياء التي تستعملها كالكوارث الطبيعية من الزلازل والبراكين والسيول، وفي هذه الأحوال لا يمكن أن تتحقق رابطة السببية بين تلك النشاط الإداري وبين الضرر.
أما الحادث الفجائي فهو أمر داخلي، بمعنى أنه يحدث عن ذات الشيء الذي تستخدمه جهة الإدارة، أو عن أدوات النشاط الذي تباشره كانفجار آلة في مصنع أو انقلاب إحدى القطارات ، وهنا تظل مسئولية جهة الإدارة قائمة لتكامل عناصرها؛ ذلك أن الضرر إنما يرجع لنشاط الإدارة أو إلى ما تستعمله من أدوات .
وتجد تطبيقات فكرة المخاطر في الأضرار التي تصيب من يتعاون مع الإدارة رغماً عنهم أو برضاهم في أعمال الإغاثة أو إطفاء الحرائق أو انتشال الجثث ونحو ذلك أثناء الكوارث، أو حصول الضرر باستخدام الأفراد سواءً كانوا موظفين أو غيرهم أدوات خطره للمساعدة في الجهود الإغاثية أو تعرضهم للخطر نتيجة استعمال غيرهم لها.
وقد أخذ القضاء الفرنسي بمبدأ التعويض على أساس المخاطر وقرر هذا في العديد من أحكامه، بينما في مصر نجد أن القضاء الإداري يرفض التعويض على أساس المخاطر و على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة أو التكاليف العامة، فهو ما زال وفياً لنظرية الخطأ كأساس للتعويض. ورغم ذلك نلحظ أن المنظم المصري – لإكمال هذا النقص أو الفراغ القضائي – عمل على إصدار العديد من القوانين التي تتيح لكثير من المضرورين – في حالات معينة – الحصول على التعويض من الدولة، حتى ولو لم يكن هناك خطأ من جانبها ، ومن هذه الحالات:
1. التعويض عن أضرار الفصل بسبب الإلغاء القانوني للوظيفة.
2. التعويض عن أضرار الفصل بغير الطريق التأديبي.
3. التعويض عن أضرار إصابات العمل وأمراض المهنة.
4. التعويض عن أضرار الحرب.
5. التعويض عن الأضرار التي تسببها الكوارث والنكبات العامة مثل الحرائق والفيضانات والسيول وانهيار المباني وحوادث التصادم وغيرها.
أما القضاء الإداري السعودي فقد قرر التعويض عن المخاطر بوضوح، وشهدت أحكامه ترسيخ هذا المبدأ بجلاء، ومن هذه الأحكام:
(إلزام مصلحة المياه والصرف الصحي بتعويض المدعي عن الأضرار التي أصابت بيته بسبب انفجار ماسورة مياه مملوكة لها على أساس تحمل التبعة المأخوذة من القاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار)، وذلك بغض النظر عن سبب كسر الماسورة؛ إذ لا يشترط للتعويض على أساس المخاطر أو تحمل التبعة صدور خطأ من المتسبب في الضرر. وطالما أن الماسورة تحت حيازة المصلحة وسيطرتها تكون مسئولة عما أصاب المدعي من أضرار). "حكم رقم 84/ت/3 لعام 1411هـ".
والفرق بين هذا الحكم وحكم عمود الكهرباء الذي سقط على السيارة ظاهر في أن واقعة سقوط العمود تدخلت القوة القاهرة في إعدام رابطة السببية بين الضرر وفعل السقوط، بخلاف انفجار ماسورة المياه الذي لم يثبت له سبب أجنبي فبقيت مسئولية المدعى عليها استناداً على حيازتها وسيطرتها (مسئولية عن الأشياء).
ومن الأحكام التي قررها القضاء الإداري السعودي فيما يتعلق بالمسئولية على أساس المخاطر:
الحكم رقم 156/ت/2 لعام 1413هـ الذي قرر فيه أن: (التعويض على أساس تحمل التبعة لا يفترض ارتكاب جهة الإدارة الخطأ، إنما يتعين لقيامه وجود الضرر ووجود علاقة السببية بينه وبين عمل جهة الإدارة - وحالات تطبيق هذه النظرية تنحصر في النشاط الإداري المشروع لإقامة منشآت عامة كالشوارع والطرق والجسور والمصارف وما شابه ذلك، ويخرج من ذلك مجالات النشاط الإداري المتمثل في خدمات تقدمها بعض جهات الإدارة في حالات خاصة كأعمال الدفاع المدني في إطفاء الحرائق والإنقاذ والإسعاف؛ إذ لا يمكن التعويض عن هذه الأعمال على أساس تحمل التبعة – قرار مجلس الوزراء رقم 265 وتاريخ 28/3/1391هـ ينطبق على الحالات التي يتضرر فيها المواطنون من أضرار جماعية بسبب السيول أو الحرائق أو الكوارث، ومن ثَمَّ لا ينطبق على حالة فردية أضير فيها منزل أحد المواطنين بسبب حريق شب في منزل جاره).


ثانياً: الدعاوى المستندة للحقوق التعويضية المقررة بموجب الأنظمة الخاصة:
تهدف التنظيمات واللوائح المتعلقة بالتعويض عن الكوارث الطبيعية إلى تمكين المضرور من الحصول على التعويض بصرف النظر عن مصدره ومسببه, وذلك لا يحول – بطبيعة الحال كما أسلفنا – من إمكانية لجوئه إلى رفع دعوى المسئولية أمام القضاء المختص.
وينبغي الإشارة هنا أنه إذا كانت القاعدة الأولى هي جواز الجمع بين دعوى تعويض المسئولية وطلب التعويض وفقاً للنظام التعويضي الخاص فإن القاعدة الثانية هي عدم جواز الجمع بين التعويضات. ويقصد بهذه القاعدة أنه ليس للمضرور أن يحصل على ما يزيد عن التعويض الجابر للضرر. وبناءً عليه أصدر مجلس الدولة الفرنسي رأياً مؤداه :"أنه يجب على القاضي الإداري أن يخصم من تعويض المسئولية الذي يحكم به التعويض الذي اقترحه صندوق الضمان إذا وافق عليه طالب التعويض .
واعتماداً على هذه القاعدة أيضاً يمكن لجهة الإدارة أن تأخذ في الاعتبار عند نظر تعويض المضرور وفقاً للوائح التعويض الخاصة التعويضات التي يستحصلها قضاءً عند رفعه دعوى المسئولية بحيث لا تدفع له إلاّ القدر المُكَمِّل للتعويض الجابر للضرر.
وهذه الدعاوى التي يستند فيها المضرور من الكارثة الطبيعية إلى حقه المُنظَّم بلوائح وقرارات خاصة تثير أمام جهة القضاء منازعة عينية في خصوص القرار الإداري الصادر في مطالبة المضرور التي سبق أن قرع بها سمع جهة الإدارة قبل أن يلجأ للقضاء بدعواه ضد موقفها السلبي.
وأساس ذلك أن تلك التنظيمات التي قررت حقوق تعويضية للمتضررين من الكوارث تقيد سلطة جهة الإدارة إزاء طلبات الأفراد واحتياجاتهم ، فهي قواعد قانونية ملزمة تفرض إجراءات وضوابط محددة وتقدر كذلك مبالغ معينة للتعويض. 
وعلى ذلك فإن امتناع جهة الإدارة عن إدراج فرد معين ضمن قائمة المتضررين أو امتناعها عن معاينة ما أصابه من ضرر في منزله أو ممتلكاته،وكذا رفضها أو امتناعها عن اتخاذ أي إجراء من الإجراءات اللازمة للتعويض بموجب تلك الأنظمة واللوائح يعد قراراً سلبياً يصح اختصامه بدعوى الإلغاء.
وعندئذٍ يسير القضاء الإداري في نظر الدعوى مطبقاً الإجراءات والقواعد الخاصة بدعوى الإلغاء، فيفحص في الابتداء اختصاصه عبر توصيفه الطلب القضائي وبحث مدى اندراجه في عِداد القرارات الإدارية بحَدِّها القانوني المعروف، ومؤدى ذلك أن يحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي إذا تبين له: 1- وجود امتناع منها عن اتخاذ الإجراء. 2- وأن يكون هذا الإجراء مما توجب اتخاذه الأنظمة واللوائح، بمعنى ألاَّ تكون الإدارة في حلٍّ منه أو على الخيار بين اتخاذه أو إهماله. فإذا تخلف أحد هذين الشرطين كان القضاء الحاسم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار السلبي.
وهذا الاتجاه مماثل لما ذهب إليه القضاء الإداري السعودي في الدعاوى المقامة بطلب التعويض عن قرارات نزع ملكية العقار للمنفعة العامة. فرغم دخول تلك الدعاوى – أساساً – في مشمول دعاوى التعويض الموجهة ضد جهة الإدارة ضمن الفقرة (ج) من المادة (13) من نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ ، إلا أن صدور نظام خاص يرتب إجراءات التعويض وقواعده وأسسه يجعل تصرفات جهة الإدارة محكومة بما تمليه نصوص النظام، ويعد رفضها أو امتناعها اتخاذ إجراء أوجبته تلك النصوص قراراً إدارياً سلبياً ، وتدخل الدعوى بالتالي ضمن الفقرة (ب) من ذات المادة، ويتم نظرها كسائر دعاوى الإلغاء الأخرى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،،،،،،

تعليقات