الواسطة في النظام السعودي تجريمها و عقوبتها
خالد خلاوي
بكالوريوس في الشريعة، ماجستير في القانون، باحث لدرجة الدكتوراه في القانون، مدون إلكتروني وكاتب صحفي.
الواسطة في النظام السعودي
إذا ذُكرت الهموم عند المواطن السعودي، تصدرت الواسطة قائمتها، فهل سمعت يوماً أن الواسطة هي – بالإضافة لبشاعتها الأخلاقية – جريمة قانونية يعاقب عليها النظام؟
في نهاية عام 1412هـ صدر نظام مكافحة الرشوة الجديد -هو جديد بالنسبة للسابق الذي صدر عام 1382هـ – و قد تناولت مواده تجريم صور الرشوة بأنواعها، ولكن ما يهمنا هنا هو المادة الرابعة، ونصها: “كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة (نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة) يعد في حكم المرتشي، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.”
لنتجاهل العقوبة التي صارت – بسبب تغير الزمان والأسعار – ضعيفةً نسبياً، ولكن حقيقة أن الواسطة التي نراها يومياً وخصوصاً في التوظيف ونلمس آثارها المدمرة على مجتمعنا نفسياً وإنتاجياً؛ قد تم تناولها صراحةً بالتجريم، وأنها تُعامل معاملة مشابهة إلى حد ما للرشوة، وأن عليها هذا القدر من الغرامة الذي هو كفيل بردع أغلب الناس، لهو أمر يستحق الإشارة إليه لا بأصابع اليد فحسب، بل بالصراخ والتلويح، والتعجب من إهمال الإشارة إليه خلال سنين طويلة مع ما له من أبعاد قانونية – بل ودينية – لا تخفى.
الواسطة عادة متجذرة عندنا تستند إلى عادات وتقاليد، من قبيل الشهامة والنشامة وإغاثة اللهفان، ولمبررات دينية أحياناً -أعني دافعها ديني ولا يشترط أن يكون مبرراً صحيحاً شرعاً- من قبيل تقديم صاحب الديانة وإبعاد صاحب الفسق مثلاً بغض النظر عن الكفاءة الوظيفية، إنها عادة قبيحة جداً مهما كانت مبرراتها، حيث إن العدالة تقتضي المساواة بين المتكافئين في التوظيف وفي العقوبة ونحو ذلك، ولا يجوز أن يكون هناك أي اعتبارات شخصية أو دوافع غير موضوعية للمفاضلة بينهم، لأن هذا يؤدي للإخلال بالعدالة وبالتالي الإخلال بأمن المجتمع، فالمجتمع الذي لا يسوده العدل تنتشر فيه الجريمة وتستحوذ عليه الأحقاد، ولا عجب، فالجوع كافر، والفقر قاتل، وشعور الظلم أليم، وكلها أمور كان يمكن تلافيها بالنسبة لكثير من الناس لو أنهم نالوا ما يستحقون دون تدخل من واسطة تفسد الدين والدنيا،
وهذا هو المقصد الأصلي من تحريم الرشوة شرعاً ومن تجريمها قانوناً، ولأجل ذلك تم إلحاق الواسطة بالرشوة في نظام واحد، مما يعني أنه بالإضافة للغرامة المنصوص عليها والسجن المحدد في النص المذكور، تستوجب جريمة الواسطة عقوبة تبعية تتمثل في “العزل من الوظيفة العامة وحرمانه من تولي الوظائف العامة” كما نصت على ذلك المادة الثالثة عشرة من النظام، وهذه العقوبة تلحق الذي يعرض الواسطة والذي يقبلها والذي يكون وسيطاً بينهما، فانظر إلى شدة العقوبة التي فرضها القانون وشدة التهاون الحاصل في التطبيق!ولو كان تطبيق النظام يتم كما ينبغي هل كانت الواسطة ستستمر لتنهش جسد أمتنا وتخلخل ثقتنا بأنفسنا وبمستقبلنا؟
بل إن القانون السعودي في سبيل محاربته للرشوة عموماً -ومنها الواسطة- قد أورد في المادة السابعة عشرة من نظام مكافحة الرشوة: مكافأة تحفيزية لمن يرشد على هذه الجريمة وهو من غير أطرافها، هذه المكافأة عبارة عن مبلغ يبدأ من خمسة آلاف ريال و قد يصل إلى نصف المبلغ المالي الذي تمت مصادرته في صفقة الرشوة المحرمة، لاشك أن خمسة آلاف ريال هو مبلغ ضئيل جداً لا يستحق المخاطرة بالتبليغ الذي قد يكون فيه خسارة لعلاقات مهمة ومجازفة بالتعرض لنظرة اجتماعية لا يحبذها كثير من الناس، ولكنها على الأقل بادرة طيبة من النظام السعودي، تجب الإشادة بها وتنميتها حتى تصل للحد المقبول.
إن هذا النظام المهم الذي جاء لتجريم الرشوة واحتوى على تجريم الواسطة أيضاً لهو من أهم الأنظمة السعودية بنظري، فهو يعالج إحدى أعمق القضايا التي لا يمكن قتلها إلا بالقانون الحازم والتطبيق الصارم، لكنه يحتاج لتحديثٍ من حيث الغرامات المفروضة على المشاركين في الرشوة عموماً وفي الواسطة خصوصاً، كما يحتاج لرفع مبلغ المكافأة التي يحصل عليها المُبلِّغ عن هذه الجريمة،
حيث أنه قد خاطر كي يساهم ولو جزئياً بالقضاء على الفساد في البلاد، إنه الفساد الذي يدفعك للبحث عن واسطة للحصول حتى على حقك، وقد كنا ننتظر من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد دوراً حيوياً وحاسماً
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم