📁 آخر الأخبار

دور القضاء من الرهن.



مقدمة:
لقد بات القطاع العقاري أهم محرك لنمو الإقتصاد العالمي و الإقتصاد المغربي على الخصوص في ظل الطفرة العقارية المتواصلة التي يشهدها المغرب، فالمشرع المغربي إستحدث العديد من القوانين و الأنظمة لتنظيم القطاع العقاري، و توفير الحماية للمقرض و للمقترض من جهة و للقطاع العقاري بشكل عام من جهة أخرى لأن الإئتمان يعتبر هو عصب الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و لايمكن تصور إقتصاد بدون إئتمان[1].




و العقار هنا هو الضمانة العينية التي تضمن للمقرضين إسترداد ديونهم و تحميهم من مخاطر إعسار المدينين، و من أهم هذه الضمانات نجد الرهن العقاري و الرهن الرسمي و يمكن تعريف الرهن العقاري بأنه "حق عيني يقع على عقار يضعه مالكه في حيازة الدائن أو حيازة من إتفق عليه العاقدان ضمانا للإلتزام عليه أو على غيره ، و يخول الدائن حق حبس العقار حتى الوفاء بالتمام، و حق بيعه عن طريق القضاء في حالة عدم الوفاء بالإستحقاق وحق إستيفاء الدين من ثمنه مقدما بالأفضلية على سائر الدائنين الأخرين "[2].
أما الرهن الرسمي فلقد عرفه الفصل 157 من ظهير رجب" بأنه حق عيني عقاري على العقارات المخصصة للأداء إلتزام، وهو بطبيعته غير قابل للتجزئة و يبقى بكامله على العقارات المخصصة له  و على كل عقار منها و على كل جزء من هذه العقارات و يتبعها في أي يد تنتقل إليها العقارات ".
و نظرا للأهمية القصوى التي يحتلها كل من الرهن العقاري و الرهن الرسمي ضمن الضمانات العينية، فلقد حاول المشرع المغربي إحاطته بالعديد من المقتضيات القانونية المنظمة له قصد حماية مصالح جميع الأطراف المعنية و وفر  لدلك آليات قانونية و قضائية .
·        فماهو ياترى دور القضاء المغربي من الرهن؟
·        و هل استطاع فعلا توفير الحماية لجميع الأطراف ؟
·        وهل استطاع القضاء المغربي الإجتهاد في هذا المجال ؟
و هكذا ورغم ما سجله القضاء من مواقف مهمة من أجل حماية حقوق الأطراف في الأفضلية وتنبع العقار و عدم إبعادها دون إرادتها عن هذه الحقوق و ذلك من أجل إستيفاء دينها إما طوعا أو عن طريق المسطرة القضائية للعجز و البيع بالمزاد العلني في حالة عدم الأداء إلا أن هذه الحماية لا زالت هشة مما دفع العديد من الهيئات إلى المطالبة بتقوية دور القضاء وتبسيط الإجراءات المسطرية و هذا  ما سنعمل على توضيحه إنطلاقا من الخطة التالية :
المبحث الأول : تفسير القضاء المغربي للنصوص القانونية المتعلقة بالرهن.
المبحث الثاني : الوسائل القضائية لحماية   أطراف الرهن.
المبحث الأول: تفسير محاكم الموضوع و المجلس الأعلى للنصوص المتعلقة بالرهن.




لقد جاءت جل النصوص المتعلقة بالرهن لدعم الثقة في الرهن عند مؤسسات الإئتمان و المواطنين في مجال الوفاء قصد تحقيق التنمية الوطنية، ولقد ساهم القضاء من خلال العديد من القرارات القضائية في دعم هذه الثقة و تحقيق الحماية لأطراف الرهن سواء من خلال أحكام قضائية للمحاكم الدنيا (المطلب الأول) أو من خلال إجتهادات قضائية للمجلس الأعلى( المطلب الثاني).
المطلب الأول: محاكم الموضوع
إدا  كان  الرهن الرسمي حق عيني يخول لصاحبه حق التتبع و الأولوية[3]  وهو حق تبعي يرد على العقارات و لا يقبل  التجزئة، ذلك لأنه يتطلب وجود إلتزام أصلي يرتكز إليه  و هو عقد الدين فيتبعه وجود و عدما في الصحة و البطلان،و كما سبقت الإشارة  فكل من  الرهن الحيازي و الرهن الرسمي يضمنان للدائن حق التتبع غير أن الرهن الرسمي ليس مطلوبا أن يتنازل المدين للدائن عن العقار المرهون بل على العكس من ذلك يبقى المدين حائزا للعقار ما دام الرهن الرسمي سجل بصورة قانونية [4] ، بالإضافة لحق الأفضلية  و للمدين التصرف بعقاره بتفويته للغير شرط أداء الدين الأصلي و الفائدة للدائن طبقا لحق التتبع.                                     
إن القضاء المغربي في تعاطيه مع هذه الخاصية طبق النص القانوني و فسره بشكل سليم حيث جاء في قرار للمحكمة الإبتدائية بالرباط[5].
" وحيث من جهة تانية فإنه و إن كان طبقا للفصل 1177 ق ل ع أن رهن الشيء لا يفقد الحق في تفويته فإن كل تفويت يجريه المدين أو غير ملك الشيء المرهون يتوقف نفاذه على شرط وفاء الدين المضمون من أصل و توابع ملم يرتضي الدائن إقرار التفويت و بذلك فإن المدعي و إن حصل على حكم و لو كان نهائيا صادر بتاريخ 13/13/2000 في ملف عدد 9915317 قضى بالإشهاد على إستعداد المدعي للآداء باقي الثمن و الحكم على المدعي عليها بإتمام إجراءات البيع و تطهير العقار و إعتبار هذا الحكم يكون له أثر من تاريخ التقييد الإحتياطي فإنه دائما يعطي الحق للمدعي بتاريخ لاحقل لإجراءات الرهن و الحجز كما أن المدعي لم يدل بما يفيد تنفيده من طرف الدعي عليه و ذلك بتطهير العقار أو حصوله على رفع اليد من طرف القرض العقاري و السياحي أو رضاء الدائن أي القرض العقاري بالتفويت كما أن المدعي لم يدل بما يفيد تنفيده هو كذلك الإلتزام بأداء باقي الثمن حتى يمكن القول بنفاذ عقد التفويث و بالتالي إستحقاق العقار موضوع الرهن"

و هكذا يتبين لنا أن المحكمة قيدت سلطة المدين الراهن في تفويت ماله المرهون لعدم تنفيذه للإلتزاماته،  و لعدم رضا الدائن مما أعطى للأجير في نزع ملكية العقار محل الرهن أيا كان حائزه و لو بعد التقييد الإحتياطي.
فالمدين يمكن أن يتصرف في المال المرهون تصرف مادي كالهدم أو التخريب أو يتصرف في ماله بشكل قانوني كالبيع أو بالتبرع، و هده التصرفات قد تكون مخالفة لالتزامه بالمحافظة على المال المرهون أو العكس.و مبدئيا تفويت المال المرهون بالبيع لا يشكل إخلالا بالتزام المدين الراهن بالمحافظة على المال المرهون، و هو ما دهب إليه قرار محكمة الإستئناف بمراكش عدد 185 بتاريخ 23/12/1997 منشور بمجلة المحامي العدد 34 يناير 1999 ص من 200إلى 207 .
و من خلال بحثنا في الموضوع وجدنا أن أغلب القضايا المتعلقة بالرهن المعروضة على المحكمة الإبتدائية بالرباط  تتعلق برفع الرهن أو التشطيب عليه. ( أنظر الحكم 224 بتاريخ 13/6/2007 ملف رقم 200213031 و ( حكم 43 بتاريخ 14/12/2007 ملف رقم 9-97-2005) أحكام الصادرة عن المحكمة الإبتدائية بالرباط غير منشورة )
و قرار 811 منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 6059 مؤرخ 22/2/2001 ملف مدني عدد.
المطلب الثاني : تفسير المجلس الأعلى للنصوص المتعلقة بالرهن.
   وفي حالات عديدة لم يكتفي القضاء بالمنطوق الحرفي للنصوص القانونية و تطبيقها على الحالات المعروضة عليه ولكنه ذهب إلى الإجتهاد ، وهذا ما نجده في القرار عدد (973 المؤرخ في 3/7/2002 الملف التجاري عدد 1705  3/1/2000 منشور بمجلة المجلس الأعلى:  " لئن كان الرهن الرسمي لا يتجرأ بطبيعته، و يبقى بأكمله على العقارات المخصصة له على كل واحد منها فإنه لا مانع قانوني من قيام الدائن المرتهن بالتنازل عن مبدأ عدم تجزئة الرهن المنصوص عليه بالفصل 157 من الظهير 2/6/1915" و من خلال هذا القرار يتبين لنا أنه يمكن في حالة إتفاق الأطراف، و تنازل الدائن المرتهن عن خاصية عدم التجزأة فإنه لا مانع قانوني من التنازل على هذا المبدأ المنصوص عليه في المادة 157 من الظهير 2/6/1915.
وفي قرار آخر نقض المجلس الأعلى قرار المحكمة بفاس قضى بإمكانية الجمع بين مسطرة دعوى أداء الدين الأصلي للإستخلاص الدين المرهون عند حلول الأجل و مسطرة تحقيق الرهن الرسمي القرار 1472 الصادر بتاريخ 5/7/2000 الملف التجاري رقم 650/98 منشور بمجلة المجلس الأعلى العدد57.58  .
و هكذا يتبين لنا أن القضاء المغربي يلعب دورا أساسيا في حل النزاعات المتعلقة بالرهن بما يضمن حماية مصالح أطراف علاقة الرهن، و ذلك بإعطاء التفسير القضائي للنصوص القانونية و رغم المحاولات الصائبة للقضاء من أجل توفير هذه الحماية إلا أنه يتضح لنا محدوديتها، و بالتالي يقوم بدور آلي فقط و لهذا وجب تمكينه من كافة الوسائل اللازمة ليقوم بدوره بشكل فعال.




الميحث الثاني: الوسائل الثضائية لحماية حقوق الدائن المرتهن.
تتمثل وسائل حماية حق الدائن المرتهن في وسيلتين أساسيتين هما الإنذار العقاري  كمرحلة أولى  (المطلب الأول)، و في مسطرة تحقيق الرهن الرسمي (المطلب الثاني) كمرحلة ثانية.
المطلب الأول : الإنذار العقاري
يمكن تعريف الإنذار العقاري بأنه إشعار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن بواسطة عون التبليغ يطالبه فيه بأداء الدين المضمون بالرهن تحت طائلة نزع ملكية العقار المرهون، و بيعه بالمزاد العلني لتسديد  هدا الدين و فوائده و مصاريفه. ويجب أن يتضمن الإنذار العقاري عدة بيانات جوهرية (مثلا كإسم العقار،و  رقم رسمه العقاري، و مكانه ،الشهادة الخاصة بالرهن، تحديد مجموع الدين ،وباقي الشروط الأخرى المنصوص عليها في الفصل 205 من ظهير 2/6/1915 بحيث يترتب على عدم تضمين هذه البيانات بطلان الإنذار.
ويرفع هذا الإنذار لرئيس المحكمة في إطار مقتضيات الفصل 148 من ق.م.م ليصدر أمرا إما بقبوله أو رفضه، و هذا الأخير لا يقبل الطعن بالإستناف، و في حالة القبول فإنه يتم تبليغ هذا الإنذار إلى المدين و إلى كفيله إن كان هذا الأخير هو مالك العقار المرهون بطرق  التبليغ  المعروفة، و المنصوص عليها في القانون، و يجب على العون المكلف بالتبليغ أن يحرر محضرا بذلك مع تبليغه إلى المحافظ على الأملاك العقارية لتسجيله بالصك العقاري، و تبليغه للمدين و إلى حائز العقار إذا لم يكن هو المدين، و يسلم نسخة منه للدائن، وبالتالي فإن السند القانوني للإنذار العقاري هي الشهادة الخاصة بالرهن و هي الصادرة عن المحافظة العقارية . و أمر السيد الرئيس المحكمة في حالة عدم الأداء يتم المرور للمرحلة التانية، و هي مسطرة تحقيق الرهن إذ يتم الحجز العقار المرهون حجزا تنفيديا .
المطلب الثاني : مسطرة تحقيق الرهن الرسمي
إن توجيه إنذار العقاري للمدين و إهماله المدة المحددة في هذا الإنذار و عدم قيامه بالأداء يؤدي إلى الشروع في إجراءات النزع الجبري للملكية عن طريق تحويل هذا الإنذار إلى حجز تنفيدي بناء على طلب الطرف المستفيد بحيث أنه لا بد من القيام بإجراءات الحجز التنفيذي.
  بالرغم من توجيه و تبليغ الإنذار العقاري لأن محضر الحجز التنفيدي يبين العقار موضوع الإنذار و موضوع الرهن و مكانه و مساحته و حدوده و مشمولاته بأكثر ما يمكن من الدقة ليمكن أن يعتمد عليه أثناء مسطرة البيع.
فبعد الحجز التنفيدي يبلغ هذا الأمر إلى المعني باللأمر المدين و إلى المحافظ ، قصد تسجيله بالسجل العقاري بعد ذلك يلتمس العون بتعيين خبير لتحديد تمن لبيع العقار(ثمن إفتتاحي) بعد دلك يتم تهيئ دفتر التحملات الذي يبين (الوضع القانوني و المادي للعقار). ليتم إعداد العقار للبيع بعد ذلك يتم الإعلان في إحدى جرائد الإعلانات القانونية و وفقا للوسائل المنصوص عليها في القانون و كذا تبليغ و إستدعاء الأطراف المعنية لحضور جلسة المزاد العلني.
عند حلول الساعة و اليوم المحدد يقوم مأمور التنفيد بتلاوة دفتر التحملات و إجراء السمسرة و تلقي العروض  بعد تسجيل العروض يحال الملف على رئيس المحكمة الذي يبت في الموضوع.
في حالة قبول العرض : و بعد مضي الآجال القانونية و الآداء يسلم المحضر أو (محضر الرسوم ) للطرف المشتري أما في حالة عدم قبول العرض :يتم تعيينه من جديد في جلسة تعاد إجراءات الإشهار و البيع من جديد.
القاعدة الأساسية هو أن البيوعات العقارية تطهر العقار من أي مشاكل سالفة (على الشراء طبقا للفصل 211 من ظهير 2 يونيو 1915) من جميع الامتيازات و الرهون و لا يبقى للدائنين من حق إلا على الثمن.
كما ينص الفصل 485 من ق م م على أن محضر المزايدة يعتبر سند الملكية، و تسجيله بالصك العقاري ينقل هذه الملكية إلى المشتري ليصبح المالك الجديد للعقار و الذي يتم تطهيره من جميع التكاليف و التحملات التي كانت مقيدة به و تنتقل هذه التكاليف إلى الثمن ولو تعلق الأمر بحقوق دائنين مرتهنين.
و هكذا ومما سبق يتبين لنا أن المشرع المغربي توخى من خلال قواعد الرهن ومن خلال المسطرة التنفيذية لتحقيق الرهن الرسمي تقوية مركز الدائن المرتهن و بالتالي السرعة في الأداء و عدم المماطلة إلا أن الواقع العملي ليس على هذا الحال[6]   وذلك لما تتضمنه هذه المسطرة من معوقات و تعقيدات مرتبطة أساسا بتنوع و اختلاف النصوص التشريعية المنظمة لها مما يستدعي تدخل المشرع لحل هذا الإشكال القانوني و تبسيط المسطرة القانونية لكي تحقق الغاية المرجوة منها وتساهم في تدعيم الإئتمان العقاري.



لائحة المراجع
-         الدكتور مأمون الكزبري التحفيظ العقاري و الحقوق العينية و التبعية في ضوء التشريع المغربي .الجزء الثاني الحقوق العينية الأصلية و التبعية الطبعة الثانية مزيدة و منقحة 1987 .
-         محمد بوبنات في الحقوق العينية دراسة مقاربة للحقوق العينية و جدواها الإقتصادية /الإجتماعية سلسلة أفاق القانون (7) سنة 2002/2003. 
-         محمد سلام تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي الطبعة الأولى 2002.
-         أحمد العطاري إلتزام المدين الراهن بالمحافظة على المال المرهون ، بحث تأهيلي في إطار دبلوم الدراسات العليا المعمقة السنة الجامعية 2006/2007.
المقالات :
-         د. الحسين الزياني الإئتمان العقاري و تحقيق الرهون الرسمية العقارية في العقود البنكية ندوة  منشور بمجلة العقار و الإستثمار – الجهة الشرقية نموذجا.





 الأستاذ سعيد الدغيمر محضرات ألقيت على طلبة سلك الماستر السنة الثانية إختيار القانون المدني المعمق وحدة القانون العقاري 2007.2008[1]
 التحفيض العقاري و الحقوق العينية الأصلية والتبعية ال جزء الثاني الحقوق العينية الأصلية و التبعية – الطبعة 1987[2]
 محمد بونبات "في الحقوق العينية " سلسلة آفاق الفانون سنة 2002.203 ص 115[3]
 نفس المصدر ص 116[4]
 قرار 237 بناريخ 20-6-2007 ملف رقم 99129717 المحكمة الإبتدائية بالرباط[5]
 ذ الحسين الزياني الإئتمان العقاري و تحقيق الرهون الرسمية العقارية في العقود البنكية
ندوة العقار و الإستمرار_ الجهة الشرقية نموذجا ص 297[6]

تعليقات