القائمة الرئيسية

الصفحات



كتاب شرعية الاجرائية وحقوق الانسان الدكتور أحمد لطفي السيد pdf







الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان : إشكالية الصراع :


     إن تلاقي الإجراءات الجنائية بفكرة حقوق الإنسان ليس بالأمر المستغرب ، ذلك أن الهدف الأسمى لما نسميه بالإجراءات الجنائية هو صيانة جملة الحقوق التي تعترف بها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية للإنسان من حيث كونه إنساناً. فمنذ أن حرم الأفراد سلطة إقامة قضاء خاص ، وحرم المجني عليه من حقه في الانتقام الفردي ، أخذت الدولة على عاتقها الالتزام بإقامة العدالة في المجتمع وحسن توزيعها على المواطنين ، وهو التزام ليس للدولة مكنة الوفاء به إذا لم تعمل على إعطاء الحقوق المقررة قانوناً للأفراد الفاعلية والنفاذ عملاً. 

والحق أن التلاقي بين الإجراءات الجنائية - كأحد أدوات دولة القانون Etat de droit – وبين حقوق الإنسان قد يخلف وجه من أوجه التصادم أو التعارض ، بحسبان أن جل الإجراءات الجنائية قد تعطل ممارسة الحقوق الأساسية للفرد بغية الحفاظ على كيان المجتمع وتوقيه خطر الجريمة. فالقبض والحبس الاحتياطي ، والتفتيش ، والتحفظ على الأشياء وضبطها ، وكذا مراقبة المراسلات والاتصالات التليفونية ، جميعها إجراءات تمس بطائفة من الحقوق المستقرة للإنسان ، كحقه في التنقل ، وحقه في الملكية ، وحقه في الحياة الخاصة...الخ. فعنصر الدفاع عن حرية الفرد يقف متعارضاً ، منذ بدء الإجراءات الجنائية ، مع حق المجتمع في ملاحقة المجرمين للنيل منهم . فمهما كانت مناصرة المرء للحرية الشخصية وحقوق الإنسان ، فلا مندوحة من الاعتراف بأن هذه الحرية وتلك الحقوق لا يمكن أن تكون مطلقة في الحياة الاجتماعية. فمصلحة المجتمع تتطلب – في مجال إدارة العدالة الجنائية – بعض المساس بحرية الأفراد الشخصية وتقييد حقوقهم الإنسانية ، وخاصة من كان منهم متهماً بارتكاب جريمة. 



بيد أن المجتمع كما يهمه عقاب المتهم والقصاص منه حال ثبوت الجرم في حقه ، يهمه أيضاً ألا يطول العقاب بريئاً ، لذا فقد توجب حال تنظيم الإجراءات الجنائية -  في دولة القانون - مراعاة التنسيق بين مصالح المجتمع في صونه من الإجرام والحد من تفاقمه ، وبين حقوق وحريات الأفراد. وحال بلوغ هذا التوازن يمكن القول بأن التنازع بين حق الدولة في العقاب وحق المتهم في الحرية الفردية أصبح تنازعاً ظاهرياً يعبر عن وجهين لعملة واحدة ، بحسبان أن عقاب الجاني هو تأكيد للحرية الفردية للشخص البرئ . فالجماعة لا صالح لها إلا في التعرف على الحقيقة المجردة ، فهى لا تبغي توقيع العقاب على برئ ، الأمر الذي يوجب عليها حال ملاحقة المتهم ضماناً لأمنها واستقرارها التثبت من صحة الاتهام أو بطلانه . 

فإذا كان الدور التقليدي لقانون الإجراءات الجنائية يتمثل في إدخال قانون العقوبات - فيما يتضمنه من نصوص تجريم وعقاب - حيز التطبيق ، إلا أنه يظل الهدف الأسمى لذاك القانون هو تقرير حماية للبرئ من إدانة ظالمة ، وكذا توكيد حماية للمتهم من إدانة تتأتى وفق إجراءات تمتهن فيها آدميته وكرامته الإنسانية . والثابت أنه لا يتيسر السبيل إلى ذلك إلا بتبني نظام إجرائي مركب القواعد يرسم من خلاله المشرع الحدود التي تقف عندها سلطة الدولة كي يبدأ مجال ما نسميه في الآونة المعاصرة "حقوق الإنسان" ؛ هذا السياج الذي لا يجب على الدولة انتهاكه بدعوى الحفاظ على مصالح مجتمعية معينة ضد خطر الجريمة (حال ممارسة الدولة لوظيفتها للضبط الإداري) ، أو بدعوى الرغبة في الكشف عن الجرائم ومرتكبيها (حال ممارسة الدولة لوظيفتها في الضبط القضائي). ففاعلية المكافحة ، وكذا حسن إدارة العدالة ،  لا يجب أن تتأتى على حساب التضحية بالحريات الشخصية وسائر حقوق الإنسان المرتبطة بها .
تحميل الكتاب من هنا

تعليقات