الحماية القانونية للشيك في التشريع الجنائيللأستاذ محمد أوغريس
بسم الله الرحمان الرحيم
المقدمة
يلعب الشيك دورا هاما، في حياتنا اليومية، سواء في ميدان المعاملات التجارية او في ميدان المعاملات المدنية باعتباره اداة وفاء تحل محل النقود في التعامل بين الافراد.
ونظرا لاهمية الشيك في ميدان التعامل بين الافراد، فقد اصبح اكثر الاوراق التجارية انتشارا وتداولا في الحياة اليومية على الرغم من حداثته اذا ما قيس بالاوراق التجارية الاخرى كالكمبيالة مثلا.
فالشيك لم يبق كما كان في بداية عهده اداة لسحب الودائع المصرفية لحساب الساحب ذاته بل اصبح اداة وفاء تحل محل النقود لا على النطاق الداخلي بالنسبة للمعاملات التي يجريها الافراد داخل الدولة فحسب، بل حتى على النطاق الدولي بالنسبة للمعاملات التجارية الخارجية.
ولاهمية الشيك والدور الذي يلعبه في الحياة اليومية كاداة للوفاء تحل محل النقود في التعامل بين الافراد، بات من اللازم ان يتدخل المشرع بالقدر الضروري لضمان ثقة المتعاملين بهذه الورقة وتوفير الحماية القانونية لها وذلك بسنه قانونا لمواجهة مختلف الحالات التي من شانها ان تخرج عن دوره الطبيعي الذي أنشئ من اجله وتفقد ثقة المتعاملين به. وفعلا اصدر المشرع المغربي في 28 ذي القعدة 1357 الموافق 19 يناير 1939 ظهيرا خاصا بالشيك تضمن 77 فصلا كانت محلا لبعض التعديلات اللاحقة. وقد تضمن جزاءات جنائية لحماية التعامل بالشيك.
وجدير بالذكر ان الجزاء الجنائي هو الذي يوفر الثقة اللازمة للمتعاملين بالشيك ويشجع الافراد على التعامل به، كما يحميهم من مختلف الحالات التي تهدد هذه الثقة كما هو الشان بالنسبة لحالات اصدار شيك بدون رصيد، قبول تسلم شيك صدر في مثل هذه الحالات، اصدار او قبول شيك على سيبل الضمان.
ولاشك ان الجزاء الجنائي الذي قرره المشرع المغربي في المادة 70 من ظهير الشيك وفي المادتين 543 و544 من القانون الجنائي يعتبر خير ضمان لحماية حامل الشيك وتوفير الثقة له فيه، وبالتالي فهو افضل وسيلة للحفاظ على الغرض الذي انشئ من اجله الشيك كاداة للوفاء تحل محل النقود في المعاملات بين الافراد.
وبالرجوع الى مقتضيات المادة 453 والمادة 544 من القانون الجنائي وكذا المادة 70 من ظهير الشيك نجد المشرع قد ذكر لفظة شيك بدون أي تحديد لطبيعته، فهو عندما جرم الفعل ووضع له الجزاء لم يميز فيه بين ما اذا كان الشيك مدنيا او تجاريا وانما اراد حماية الشيك حماية مطلقة من دون أي تخصيص.
وعليه فان تطبيق العقوبة المنصوص عليها في المادة 543 من القانون الجنائي والمادة 70 من ظهير الشيك من اجل اصدار الشيك بدون رصيد، وكذا العقوبة المقررة في المادة 544 من اجل اصدار او قبول شيك على سبيل الضمان تطبق على المخالف أيا كانت العملية التي انشئ من اجلها الشيك أي سواء كان من اجل عملية تجارية او عملية مدنية، وبعبارة أخرى سواء كان الشيك تجاريا او كان مدنيا.
وسنتناول الموضوع في مبحثين:
المبحث الاول: حالات اصدار الشيك بدون رصيد
المبحث الثاني: اصدار او قبول الشيك على سبيل الضمان.
المبحث الاول
حالات إصدار الشيك بدون رصيد
أولا : تبيان الحالات :
جاء في المادة 543 من القانون الجنائي المغربي :
" يعد مصدرا لشيك بدون رصيد من يرتكب بسوء نية احد الافعال الاتية :
1- اصدار شيك ليس له رصيد قائم قابل للتصرف او له رصيد يقل عن قيمته، وكذلك سحب الرصيد كله او جزء منه بعد اصدار الشيك أو اصدار امر للمسحوب عليه بعدم الدفع.
2- قبول تسلم شيك صدر في الظروف المشار اليها في الفقرة السابقة.
ويعاقب مرتكب الجريمة بالعقوبة المقررة في الفقرة الاولى من المادة 540 على ان لا تقل الغرامة عن قيمة الشيك او قيمة الرصيد الناقص".
وجدير بالملاحظة ان الشروط التي اشترطتها المادة 543 من القانون الجنائي لتطبيق عقوبة النصب هي نفس الشروط المشار اليها في المادة 70 من ظهير الشيك، فكلاهما يستلزمان لتطبيق العقوبة توافر سوء النية في الحالات المشار اليها.
يتبين مما سبق ان المشرع المغربي ذكر حالات اصدار الشيك بدون رصيد على سبيل الحصر لا على سبيل المثال، فبتحقق احداهما تتحقق الجريمة ويلزم تطبيق العقاب.
وهذه الحالات هي الآتية :
أولا : اصدار شيك ليس له رصيد قائم وقابل للتصرف.
ثانيا : اصدار شيك ليس له رصيد كاف.
ثالثا: سحب كل الرصيد او بعضه بعد اصدار الشيك.
رابعا: امر الساحب المسحوب عليه بعدم اداء قيمة الشيك.
خامسا: قبول تسلم شيك صدر في مثل هذه الحالات.
الحالة الاولى: اصدار شيك ليس له رصيد قائم وقابل للتصرف
تعتبر هذه الحالة من اكثر الحالات شيوعا وانتشارا في الحياة العملية، اذ كثيرا ما يعمد الساحب الى اصدار شيك وهو يعلم انه بدون رصيد قائم وقابل للتصرف فيكون مرتكبا للجريمة منذ وقت تسليم الشيك للمستفيد، أي ابتداء من وقت خروج الشيك من حيازته القانونية وطرحه للتداول يستوي في ذلك ان يكون التسليم قد تم بعد كتابة جميع المعلومات الضرورية او يكون الساحب قد اكتفى بوضع امضائه فقط وسلمه للمستفيد او للحامل من اجل اضافة بقية المعلومات الاخرى بعد الاتفاق بطبيعة الحال على مبلغ الشيك.
والعبرة في تقدير وجود الرصيد وقابليته للتصرف من عدمه هي لوقت الاصدار لا لوقت التقديم. ويرجع في اثبات وقت الاصدار الى التاريخ المكتوب على الشيك حتى ولو كان مغايرا لتاريخ الاصدار الحقيقي.
ويذهب بعض الفقه الى ان الجريمة تتحقق حتى ولو تاخر المستفيد عن صرف قيمة الشيك في تاريخ الاصدار فتمكن الساحب من وضع الرصيد او تكملة الخصاص خلال فترة التاخير (1).
ويذهب الدكتور حومد الى انه " لو كان الساحب يعرف انه لا رصيد له في المصرف، ومع ذلك يسحب الشيك وهو يامل ان يضع في المصرف مبلغا كافيا قبل ان يقدمه المستفيد للقبض، وتمكن فعلا من ذلك فانه يظل معاقبا. والسبب نص القانون الصريح، ثم لان الساحب الذي كان ينوي ان يؤمن المبلغ قبل عرض الشيك على المصرف لا يستطيع ان يتحكم في الظروف والحوادث المقبلة التي قد تحول دون تامين المبلغ ووضعه في المصرف" (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) رؤوف عبيد - المرجع السابق - ص428.
أدوار عيد - المرجع السابق - ص 20.
2) القانون الجنائي المغربي - القسم الخاص- ص 312.
3) نعم ان الجريمة تتحقق في حالة توقيع حجز ما للمدين لدى الغير ويكون الساحب على علم بهذا الحجز الذي اجري تحت يد الغير
ولا يشترط لتحقق الجريمة ان يقوم المستفيد من الشيك بتقديمه للمسحوب عليه في تاريخ اصداره، بل هي تتحقق حتى ولو تقدم في تاريخ لاحق عن تاريخ الاصدار ما دام الشيك قد استوفى شكله القانوني لكي يحل محل النقود اذ هو مستحق الاداء بمجرد الاطلاع عليه.
فالرصيد يجب ان يكون موجودا بصورة فعلية وقت تحرير الشيك وتسليمه للمستفيد.
اما اذا كان الرصيد قابلا للتصرف وقت اصدار الشيك تم اصبح بعد ذلك غير قابل للتصرف لسبب من الاسباب وقبل تقديم الشيك للوفاء، فان الجريمة لا تتحقق، وبالتالي فان الساحب لا يسال جنائيا، كالقاء الحجز على أمواله، او اعلان افلاسه او هلاك محل المسحوب عليه بسبب حريق شب فيه.
وتقديم الشيك الى المسحوب عليه لا علاقة له بتحقق الجريمة فهو اجراء مادي يتجه الى استيفاء الرصيد لا اقل ولا اكثر، كما ان افادة البنك بعدم وجود الرصيد ما هو الا اجراء كاشف للجريمة.
والجريمة تتحقق حتى ولو كان الساحب قد ادى للمستفيد قيمة الشيك الصادر بدون رصيد.
ولا وجود للجريمة اذا امتنع المسحوب عليه من الوفاء بقيمة الشيك للمستفيد لسبب من الاسباب لا دخل لارادة الساحب فيه، كعدم ادلاء المستفيد مثلا ببطاقة تعريفه او التشكك في التوقيع. وقد ذهب القضاء الفرنسي الى ان الجريمة لا تتحقق في حالة من يعطي شيكا على بنك من البنوك فيمتنع المسحوب عليه عن الدفع، لان الشيك لم يكن محررا على نموذج من النماذج التي درجت الابناك على اصدارها (4)
الحالة الثانية : اصدار شيك ليس له رصيد كاف
وفي هذه الحالة نجد الساحب يملك رصيدا قائما وقابلا للتصرف، الا انه رصيد غير كاف للوفاء بقيمة الشيك التي سحب بها.
وحسنا فعل المشرع المغربي لما نص على هذه الحالة بصورة صريحة وذلك دفعا لكل التباس ينشأ عن عدم التنصيص عليها.
فالجريمة تتحقق ايا كانت نسبة نقص او الخصاص، وحتى لو كانت نسبة النقص ضئيلة جدا (5)، اذ لا يكفي ان يكون للساحب رصيد قائم وقابل للتصرف لدى المسحوب عليه بل يجب ان يكون هذا الرصيد كافيا للوفاء بمبلغ الشيك.
ولا يمنع من تحقق الجريمة قيام المسحوب عليه بتكملة نسبة النقص وتسديد قيمة الشيك كاملة بعد اصداره، اذ ان مثل هذا التصرف هو من قبيل العمل اللاحق على عملية اصدار الشيك، وبالتالي فلا اثر له على تحقق الجريمة.
نعم، اذا كان الساحب قد اتفق مسبقا مع المسحوب عليه على تكملة النقص الحاصل في الرصيد او كان يعتقد ان المسحوب عليه سيقوم بتكملته لثقته فيه، فان الجريمة لا تتحقق لانعدام القصد الجنائي (6).
والجريمة تتحقق ولو قام الساحب بعد اصداره الشيك بتكملة الرصيد الناقص اذ العبرة بتحققها هي لوقت الاصدار.
والجدير بالاشارة انه يحق للحامل اذا كان الرصيد اقل من مبلغ الشيك ان يطالب المسحوب عليه بمقدار الرصيد الموجود مع الاحتفاظ بحقه في الرجوع على الساحب والموقعين على الشيك بالجزء المتبقى الذي لم يدفع بعد اجراء الاحتجاج بعدم الاداء (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4) دالوز الاسبوعي سنة 1936.
5) قد يكون النقص اليسير في قرينة في يد الساحب يدفع بها التهمة عن نفسه ودليلا ينفي به توافر القصد الجنائي لديه ما لم تثبت النيابة العامة سوء نيته وعلمه بنقصان الرصيد، فتتحقق الجريمة ويجب تطبيق العقوبة مهما كانت نسبة النقص.
ويذهب الدكتور أدوار عيد في هذا المعنى الى القول " غير ان النقص التافه في المؤونة قد يعد دليلا على حسن النية، او يؤخذ في الاعتبار عند تعيين حد العقوبة". المرجع السابق ص 20.
6) احمد سرور ص 531 اورده غالي الذهبي - المرجع ص 470.
7) راجع المادة 34 من ظهير الشيك.
الحالة الثالثة : سحب كل الرصيد او بعضه بعد اصدار الشيك
يقصد بهذه الحالة ان يقوم الساحب في الفترة الفاصلة ما بين اصدار الشيك وتقديمه للاداء الى سحب كل الرصيد او بعضه الموجود لدى المسحوب عليه مما يترتب عليه زوال حقه الذي له عنده او نقصانه، كقفله الحساب الجاري وتصفيته وارجاع الرصيد الدائن اليه (8).
والجدير بالملاحظة ان الحماية الجنائية التي قررها المشرع للشيك لا تتوقف على ضرورة وجود الرصيد وقت اصدار الشيك فقط بل تمتد الى وجوب ابقائه قائما وموجودا الى ان يحصل الحامل على الوفاء بقيمته. لذا فيمنع على الساحب بعد اصداره الشيك وقبل تقديمه للوفاء ان يعمد الى استرداد كل الرصيد أو جزء منه، واذا ما خالف هذا المنع فانه يعد مرتكبا لجريمة اصدار الشيك بدون رصيد.
والجريمة تتحقق بصرف النظر عما اذا كان الشيك قد قدم للوفاء به داخل اجل التقديم ام خارجه، لان تقديم الشيك للوفاء بقيمته لا علاقة له بتحقق الجريمة بل هو اجراء مادي يهدف من وراءه الحصول على مبلغ الشيك لا اقل ولا اكثر، ذلك ان حق الحامل في مطالبة المسحوب عليه بالوفاء لا يسقط بانقضاء اجل التقديم بل يبقى قائما طوال مدة ثلاث سنوات ابتداء من نهاية اجل التقديم (9).
كما ان المادة 543 من القانون الجنائي عندما جرمت الفعل لم تفرق بين ما اذا كان السحب الكلي او الجزئي للرصيد قد حصل قبل او بعد انقضاء اجل التقديم المنصوص عليه في المادة 29 من ظهير الشيك.
ولما كانت ملكيته مقابل الوفاء تنتقل الى الحامل بمجرد اصدار الشيك وتسليمه اليه، فانه يمنع على الساحب بعد ذلك القيام باي عمل او اجراء من شانه ان يؤدي الى زوال الرصيد او نقصانه قبل ان يتمكن الحامل من تحصيل قيمته.
والجريمة تتحقق سواء كان السحب الكلي او الجزئي للرصيد قد قام به الساحب نفسه، او امر الغير القائم به بواسطة شيك اخر.
والساحب قد يعمد الى سحب كل الرصيد او جزء منه اما بقصد الاضرار بالمستفيد وحرمانه من حقه، واما بسبب وجوده في ضيق مالي، واما بسبب سحبه لشيك ثان على نفس الرصيد مما يؤدي الى زواله، واما بسبب عدم تنفيذ الحامل للالتزامات التي انشئ من اجلها الشيك.
وعلى كل، فكيفما كانت الاسباب التي دفعت بالساحب الى سحب كل الرصيد او جزء منه مهما تعددت، فان الجريمة تتحقق حتى ولو تاخر المستفيد في صرف قيمة الشيك مدة طويلة او قصيرة. بل حتى ولو وفى قيمته بعد ذلك، لان غاية المشرع من تجريم الفعل، كما سبق القول، هي منع كل تلاعب بالشيكات وسد الباب امام كل تحايل وتوفير الثقة الكاملة للمتعاملين بها باعتبارها أداة وفاء تحل محل النقود.
واذا ما كان للساحب سبب مشروع يبرر طلب السحب الكلي أو الجزئي للرصيد، فعليه ان يراجع القضاء المختص لاتخاذ القرار الواجب اتخاذه. وتطبيقا لذلك فقد اصدرت المحكمة الابتدائية بتطوان وهي تبت في المادة الاستعجالية امرا يقضي بالاذن بسحب قيمة الشيكات تحت مسؤولية المدعية وعهدتها الى حين اتمام البيع المبرم بينها وبين المدعى عليه بشان الشقة المتنازع عليها (11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8) يجب ان يكون سحب الرصيد بمعرفة الساحب. وعليه فان الجريمة لا تتحقق اذا كان المسحوب عليه قد اعاد الرصيد الى الساحب ولم يشعره بذلك وقام هذا الاخير بسحب الشيك، فتبين انه بدون رصيد وذلك لانعدام القصد الجنائي.
9) لقد حددت المادة 29 من ظهير الشيك مدة تقديم الشيك للاداء، فهي 8 أيام تحسب اعتبارا من اليوم الموالي ليوم السحب اذا كان صادرا في المغرب وواجب الاداء فيه، واذا كان الشيك مسحوبا في بلد أوروبي او بلد واقع على شاطئ البحر الابيض المتوسط وواجب الاداء في المغرب، فيجب تقديمه للاداء خلال 20 يوما تحسب ابتداء من اليوم الموالي ليوم سحبه.
10) إما اذا كان مسحوبا في أي مكان اخر غير ما ذكر من البلدان فمدة التقديم تكون 70 يوما وتجدر الاشارة الى ان المادة 56 من نفس الظهير قد نصت في فقرتها الرابعة على تقادم دعوى رجوع حامل الشيك ضد المسحوب عليه بمرور ثلاث سنوات ابتداء من انتهاء مدة التقدير بالاداء.
11) بالرجوع الى المادة 32 من الظهير نجدها تجيز للمسحوب عليه الوفاء بقيمة الشيك حتى ولو بعد انقضاء الاجل المعين للتقديم.
كما ان الفقرة الاولى من المادة 17 من نفس الظهير تشير الى انتقال ملكية مقابل الوفاء للحامل بمجرد الاصدار، وينشا عن ذلك ان المسحوب عليه يتعين عليه ان يجمد الرصيد متى علم بان الشيك قد سحب عليه وان يمنع الساحب في هذه الحالة من استرداده او تنقيصه.
الا ان محكمة الاستئناف بتطوان بعد عرض الامر المذكور على انظارها الغته على اساس ان ورقة الشيك تعد في عرف القانون التجاري ورقة وفاء وليست ورقة ائتمان حفاظا على المعاملة التجارية بين التجار.
وقد جاء في احدى حيثياتها : حيث انه تمشيا مع منطق المستانف عليها لتقديم الطلب حول سحب قيمة الشيكات تكون متناقضة مع نفسها، ذلك ان الافادة البنكية تفيد بتاريخ 23/11/82 بعدم وجود الرصيد، ومع ان صدور الامر بسحب قيمة الشيكات يوم 25/11/82 يعني ذلك انها قامت بالسحب قبل القرار الآمر الذي يدل دلالة واضحة على ان اوراق الشيكات سلمت بدون ر صيد (12).
وتجدر الملاحظة ان طالب الغاء الامر قد ركز دفاعه على اساس ان اوراق الشيكات قد سلمت له من اجل معاملة تجارية في الثوب ولا علاقة لها ببيع العقار قائلا : " ان بعض الشيكات سملت اليه وحل اجل وفاءها قبل اجراء عملية البيع في الشقة المذكورة".
الحالة الرابعة: امر الساحب المسحوب عليه بعدم اداء قيمة الشيك.
تتحقق هذه الحالة بمجرد صدور امر من الساحب الى المسحوب عليه بمنعه من الوفاء بقيمة الشيك للحامل او المستفيد وابلاغه به (13) وعليه، فلا يحق للساحب بعد اصدار الشيك ان يوجه امرا للمسحوب عليه بعدم الدفع او الاعتراض على الوفاء. واذا ما فعل، فان الجريمة تتحقق ويسال جنائيا طبقا لاحكام المادة543 من القانون الجنائي.
والجريمة تتحقق أيا كان السبب الدافع الى اصدار الشيك او الاعتراض على الوفاء بقيمته حتى ولو كان مشروعا (14)، كان تكون البضاعة التي سلم من اجلها الشيك معينة او يكون الشيك قد سلم من اجل دين قمار، اذا المشرع يهدف من وراء تجريم الفعل حماية التعامل بالشيك وليس حماية المستفيد في علاقته بالساحب (15).
واذا كان للساحب سبب مشروع يبرر عدم الدفع أو الاعتراض على الوفاء وجب عليه ان يراجع القضاء المختص لتقرير ما يجب اتخاذه، اذ القصد الجنائي يتوافر لدى الساحب بمجرد اصداره الامر بعدم الدفع او الاعتراض على الوفاء، مهما كان السبب الذي بين عليه هذا الامر، أي حتى ولو كان مشروعا، كان يخطئ الساحب مثلا في مقدار الدين الذي اعطى الشيك من اجله، اذ السبب لا تاثير له هنا على المسؤولية الجنائية التي تتحقق بمجرد صدور فعل ايجابي منه الى المسحوب عليه يتمثل في الامر بعدم دفع قيمة الشيك، فمثل هذا الامر كاف ولوحده للدلالة على سوء نيته ولتحقيق الجريمة حتى ولو كان السبب مشروعا (16).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12) ملف رقم 1500 في الامر عدد 1535 الصادر بتاريخ 25/11/1982.
قضية مستعجلة عدد 52/83 وتاريخ 27/12/83 في الحكم الصادر تحت عدد 615/83. ( غير منشور).
13) Blocage de provision ou opposition indue
14) جارو صفحة 441، سيري سنة 1936 ص 319.
هنري كبرياك - المرجع السابق - ص 51 الفقرة 90.
15) أدوار عيد المرجع السابق ص 22، مصطفى كمال مصطفى كمال طه المرجع السابق - ص 215.
الخمليشي - المرجع السابق- ص 314
16) يؤيد هذا الراي كل من الفقه المصري - راجع مصطفى القللي في شرح قانون العقوبات الطبعة الاول صفحة 271، وكذا كل من الفقه والقضاء الفرنسيين - راجع هنري كبرياك - المرجع السابق - ص 51 الفقرة91.
وهناك جانب اخر من الفقه يذهب الى ان للساحب الحق في اصدار امر الى المسحوب عليه بعدم دفع مقابل الشيك اذا ما تبين له ان إصداره كان بناء على طرق احتيالية قام بها المستفيد من اجل الحصول على قيمة الشيك بدون سبب مشروع. رؤوف عبيد - المرجع السابق - ص 458.
إلا أننا نرى ما يراه الفقه من ان على الساحب في حالة حيازة المستفيد الشيك عن طريق النصب ان يثبت جريمة النصب طبقا للمادة 540 من القانون الجنائي، فلا يكفي الادعاء بانه وقع ضحية نصب واحتيال وانما عليه ان يحرك الدعوى العمومية ضد المستفيد من اجل النصب ما لم تكن النيابة العامة قد حركتها هي بنفسها، فاذا انتهت بادانته من اجل الفعل المذكور تعين تبرئته من اجل جريمة اصدار امر بعدم الدفع.
راجع الدكتور الخمليشي - المرجع السابق - ص 352.
راجع الدكتور رؤوف عبيد - المرجع السابق- ص 458.
والجريمة تتحقق سواء صدر الامر قبل اعطاء الشيك او بعده، وسواء قدم الشيك للوفاء به داخل الاجل او خارجه. اذ في كلتا الحالتين يتعين على الساحب ان يبقى لدى المسحوب عليه الرصيد الذي يساوي قيمة الشيك حتى بعد انتهاء مدة التقديم وطوال مدة التقادم التي يجوز للحامل الرجوع فيها على المسحوب عليه كما سبق القول (17).
وعليه، فيمتنع على الساحب ليس فقط الاعتراض على الوفاء بل ايضا القيام بكل عمل او اجراء من شانه ان يمنع المسحوب عليه من دفع مبلغ الشيك للمستفيد. اذ مثل هذا العمل يعتبر من قبيل الاعتراض على الوفاء، ومن شانه ان يحقق الجريمة كالقاء الحجز على الشيك، اذ في هذه الحالة يؤدي الحجز الى منع المسحوب عليه من وفاء قيمته للمستفيد (18).
وللساحب الذي يرغب في استرداد مبلغ الشيك الذي دفع بدون سبب ان يلجا الى القضاء المدني المختص للمطالبة به.
ولا يحق للمسحوب عليه ان يمتنع عن اداء قيمة الشيك حتى ولو فقد الساحب أهليته او أعلن إفلاسه او توفي بعد إصداره الشيك، بل يتعين عليه الوفاء بمبلغه حتى ولو عارض في ذلك الوصي او المقدم او وكيل التفليسة او الورثة، وهذا ما أكدته المادة 33 من ظهير الشيك التي جاء فيها " وفاة الساحب وعجزه الطارئ بعد إصداره الشيك لا اثر لهما على النتائج المترتبة عن الشيك".
وإذا كان الأصل هو عدم جواز اصدار أمر للمسحوب عليه بعدم الدفع او الاعتراض على الوفاء، فلقد نص المشرع على استثنائين اثنين اجاز فيهما للساحب الاعتراض على الوفاء وذلك في المادة 32، الفقرة 2 من الظهير وهما (19) :
أولا: حالة ضياع الشيك.
ثانيا : حالة افلاس الحامل.
وسنتحدث عن كل حالة على حدة.
أولا : حالة ضياع الشيك
للساحب في حالة ضياع الشيك الحق في الاعتراض على الوفاء بقيمته للحامل سواء أكان الضياع قد حصل قبل تسليمه الشيك للمستفيد أم حصل بعد ذلك. اذ انه في حالة الضياع ينعدم فعل الاصدار لكون الشيك في هذه الحالة لم يخرج بعد من حيازة الساحب القانونية بارادة واختيار.
ولا يمكن القول في حالة ضياع الشيك والاعتراض على الوفاء بقيمته بتحقق الجريمة وذاك لانعدام العنصر الجنائي، ولكون الساحب يستعمل حقا خوله له القانون.
ومتى تلقى المسحوب عليه الامر بعدم الدفع في حالة ضياع الشيك وجب عليه تجميد مقابل الوفاء وعدم الوفاء به، كما امتنع على الساحب استرداده.
وضياع الشيك يجب ان يفسر الواسع بمعناه الواسع حيث يشمل فقدان الشيك سرقته، هلاكه بسبب من الاسباب التي لا دخل لارادة الحامل فيها (20).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17) راجع صفحة 87 و88 على الهامش.
18) فلا يجوز لدائني الساحب القاء الحجز على قيمة الشيك تحت يد المسحوب عليه. وليس لهم سوى حق الحجز على دين الساحب الموجود لدى المسحوب عليه قبل اصدار الشيك وفي حالة قيام نزاع في هذا الشان، لزم الحامل للتخلص من اثار الحجز اقامة الدليل على ان اصدار الشيك قد تم قبل القاء الحجز على دين الرصيد. وله ان يثبت ذلك بجميع طرق الاثبات، ومن بينهما تاريخ اصدار الشيك.
19) جاء في الفقرة 2 من المادة 32 من ظهير الشيك.
" ولا يجوز التعرض للوفاء الا في حالة فقدان الشيك او الافلاس الحامل".
ونفس المبدا اخذت به كل من المادة 428 من قانون التجارة اللبناني، والمادة 536 من قانون التجارة السوري والمادة 32 الفقرة 2 من قانون الشيك الفرنسي.
20) يذهب الدكتور الخمليشي الى القول: " ويمكن للساحب كذلك ان يعترض على الدفع اذا سرق منه الشيك او انتزاع منه بوسائل احتيالية مكونه لجريمة النصب شرط ان تثبت هذه الجريمة كما اشرنا سابقا. ولا يكفي مجرد ادعاء الاحتيال لتبرير الاعتراض على الدفع".
ثانيا : إفلاس الحامل
لقد أجاز المشرع للساحب الاعتراض على دفع قيمة الشيك اذا كانت له مصلحة في ذلك ولتفادي كل نزاع محتمل بينه وبين وكيل التفليسة حول صحة الوفاء لشخص مفلس او على وشك الافلاس.
وعادة ما يصدر الاعتراض من وكيل التفليسة خشية ان يتصرف فيه المدين المفلس (21).
واذا لم يحصل أي اعتراض على الوفاء وقام المسحوب عليه بدفع قيمة الشيك للحامل المفلس فان الوفاء يكون صحيح ومنتجا لكافة اثاره القانونية ما لم يثبت انه كان عالما بحالة الافلاس قبل الوفاء.
والملاحظ ان الافلاس الساحب نفسه لا يمنع من الوفاء بقيمة الشيك للحامل. فهو وفاء صحيح. اذ ان مقابل الوفاء يضحى ملكا للحامل بمجرد السحب ويحق له بالتالي استيفاؤه من المسحوب عليه، وهنا يمنع على وكيل تفليسة الساحب الاعتراض على الوفاء به.
يتبين مما سبق ان الساحب لا يجوز له على الاطلاق اصدار امره الى المسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك للحامل او المستفيد، او الاعتراض على الوفاء به حتى ولو كان السبب مشروعا، فيما عدا الحالتين المذكورتين في المادة 32، الفقرة 2 من ظهير الشيك وهما حالة ضياع الشيك وحالة افلاس الحامل حيث يجوز الاعتراض على الوفاء قانونا. اذ من المعلوم ان مجرد صدور مثل هذا الأمر من الساحب إلى المسحوب عليه يشكل قرينة قانونية على سوء نيته.
إجراءات الاعتراض على الوفاء ورفعه.
لم يشترط القانون شكلا معينا ولا صيغة معينة للاعتراض على الوفاء في حالة ضياع الشيك او افلاس الحامل. فقد يتم الاعتراض رسالة مضمونة او رسالة عادية او برقية او باية وسيلة اخرى تمكن من وصول الاعتراض عن الدفع الى المسحوب عليه.
والاعتراض على الوفاء يجب ان يكون صريحا لا لبس فيه ولا غموض أي معبر عن ارادة الساحب في منع الوفاء بقيمة الشيك.
ولا يشترط لصحة الاعتراض الحصول على ترخيص من القضاء ولا تعليقه على تقديم كفالة مالية.
وللحامل في حالة صدور اعتراض عن الوفاء في غير الحالتين المذكورتين - ضياع الشيك وافلاس الحامل- ان يطلب من قاضي الامور المستعجلة رفع الاعتراض المذكور بعد تبليغ الطلب الى الساحب المعترض على الوفاء بطبيعة الحال.
وعلى قاضي الامور المستعجلة ان يامر بناء على طلب الحامل المذكور برفع الاعتراض على الوفاء حتى ولو كانت قد اقيمت دعوى للمطالبة بالدين الاصلي.
وقرار قاضي الامور المستعجلة برفع الاعتراض على الوفاء يكون قابلا للتنفيذ رغم الطعن فيه، وله ان يقر التنفيذ على اصله، بحيث يتوجب على المسحوب عليه دفع قيمة الشيك بمجرد تقديمه اليه.
يتبين مما سبق انه لا يحق للساحب بعد اصداره الشيك ان يعترض على الوفاء ويوجه امرا للمسحوب عليه بعدم الوفاء مهما كان السبب حتى ولو كان مشروعا، اذ مثل هذا العمل من شانه ان يزعزع الثقة في التعامل بالشيك ويوجب تطبيق العقاب على الفاعل باستثناء حالة ضياع الشيك وحالة افلاس الحامل حيث يجوز الاعتراض على الوفاء بحكم القانون.
والمسحوب عليه لا يحق له ان يمتنع عن الوفاء بقيمة الشيك الا اذا كان سبب الاعتراض على الوفاء كما سبق القول هو ضياع الشيك او افلاس الحامل. اما ما عدا ذلك فلا يحق له الامتناع عن الاداء للحامل.
الحالة الخامسة : قبول تسلم شيك صدر بدون رصيد
لم يفت المشرع المغربي كغيره من التشريعات الحديثة معاقبة المستفيد الذي يعلم وقت حصوله على الشيك بانعدام الرصيد (22)، وذلك عندما نص في الفقرة 2 من المادة 70 من ظهير الشيك المغربي :
ـــــــــــــــــــــــــــ
21) هنري كبرياك - المرجع السابق - ص 52 فقرة 93.
22) انظر المادة 667 من قانون العقوبات اللبناني.
نفس الحكم اخذ به المشرع الفرنسي في المادة 66 من قانون الشيك الفرنسي وسار عليه القضاء الفرنسي.
انظر سيري 1928/1/ ص 119، كازيت دي باليه 1927/1 ص317.
" يعد مصدرا للشيك بدون رصيد من يرتكب بسوء نية احد الافعال الاتية :
1- قبول تسلم شيك صدر في الظروف المشار اليها في الفقرة السابقة".
والجريمة تتحقق حتى ولو كان الساحب نفسه هو الذي اخبر المستفيد بحقيقة الامر.
ويشترط لتحقق الجريمة توافر الشروط الاتية :
الشرط الاول : ان يقوم الساحب باصدار شيك بدون رصيد او برصيد ناقص وغير كاف ومعد للدفع. وبعبارة أخرى ان يقبل شيكا اصدره الساحب في الحالات المشار اليها في الفقرة الاولى من المادة 543 من القانون الجنائي.
الشرط الثاني : ان يقوم المستفيد بتسلم الشيك أي بادخاله في حيازته القانونية من اجل الاستفادة من الحقوق المترتبة عنه. اما اذا كان عالما بتحرير الشيك الا انه لم يتسلمه، فان الجريمة لا تتحقق. ولا يكفي مجرد اعلان قبول تسلم الشيك بل يجب ان يتسلم المستفيد فعلا.
الشرط الثالث: ان يكون المستفيد وقت تسلمه الشيك عالما بانه بدون رصيد أي ان الشيك صدر في احدى الحالات المشار اليها في الفقرة الاولى من المادة 543 من القانون الجنائي.
اما اذ كان يجهل ان الشيك بدون رصيد وقبله، فان الجريمة لا تتحقق لانعدام القصد الجنائي.
ثانيا : القصد الجنائي
ان جريمة اصدار الشيك بدون رصيد من الجرائم العمدية التي يشترط لتحققها ومعاقبة الساحب عليها توافر القصد الجنائي، أي توافر سوء النية وهذا ما اكدته بالفعل المادة 543 من القانون الجنائي عندما اشترطت لمعاقبة الساحب ان يكون الفعل المادي الذي قام به قد صدر منه بسوء نية. وعليه، فلا مجال للقول بتحقيقها اذا كان الساحب يعتقد خطا وقت اصدار الشيك ان الرصيد قائم لم يتم سحبه بعد، او انه كاف للوفاء بقيمة الشيك.
1- العبرة بالقصد الجنائي العام دون القصد الجنائي الخاص
بالرجوع الى مقتضيات المادة 543 من القانون الجنائي نجد المشرع المغربي قد اشترط للعقاب على ارتكاب الجريمة ان يكون الفعل المادي الذي ارتكبه الساحب قد صدر منه بسوء نية، مما يستفاد منه انه اخذ بالقصد العام دون القصد الخاص وهذا ما ايده الفقه (23) والقضاء في المغرب (24) الذي اكتفى بمجرد العلم أي علم الساحب وقت اصدار الشيك بانعدام الرصيد او عدم كفايته او كونه غير قابل للتصرف فيه واعتبر ذلك قرينة قانونية كافية على وجود سوء النية.
ولقد استقر كل من الفقه والقضاء في مصر وفرنسا على الاخذ بالقصد العام دون القصد الخاص، أي الاكتفاء بمجرد علم الساحب وقت اصداره الشيك بانه لا رصيد له عند المسحوب عليه او ان قيمته ناقصة عما هو محرر فيه او ان يسترد الرصيد وهو يعلم بان الشيك لم يدفع بعد او ان يامر المسحوب عليه بعدم الدفع مع علمه بما ينشا عن ذلك من عدم الوفاء بالشيك (25).
يتبين مما سبق انه يشترط لتحقق الجريمة وتطبيق العقاب على الساحب توافر القصد العام دون القصد الخاص، أي الاكتفاء بمجرد علم الساحب بانعدام الرصيد او عدم كفايته او بعدم تمكن الحامل من استيفاء مبلغ الشيك، للقول بتوافر سوء النية الذي يشترطه المشرع المغربي لمعاقبة الساحب دون حاجة لاشتراط توافر القصد الخاص الذي يكمن في نية الاضرار بالحامل أو الاثراء على حسابه.
ـــــــــــــــــــــــــــ
23) الخمليشي - المرجع السابق - ص 359.
24) المجلس الاعلى - الغرفة الجنائية 7 نوفمبر1963، مجلة المحاكم المغربية1 أكتوبر، ص 351.
25) مصطفى كمال طه المرجع السابق ص215، حومد المرجع السابق ص314 - رؤوف عبيد المرجع السابق ص460، غالي ادوار الذهبي، المرجع السابق ص359.
ادوار عبيد - المرجع السابق ص 23، هنري كبرياك المرجع السابق ص61.
حكم جنائي فرنسي في 27/4/1934 كازيت دي باليه 1934 2/63.
نقض جنائي 30 ديسمبر 1952 مجموعة احكام النقض - النقض س 23 ص 37.
والاخذ بالقصد العام وهو وجوب توافر سوء النية يتفق مع الغرض الذي يسعى اليه مشرع القانون الجنائي وهو حماية التعامل بالشيكات وتوفير الثقة للمتعاملين بها، على خلاف الاخذ بالقصد الخاص الذي يشترط توافر نية الإضرار لدى الساحب من اجل تحقق الجريمة، وهو امر صعب الاثبات ومن شانه ان يضعف ثقة المتعاملين بالشيكات.
2- عدم الاعتداد بالباعث على ارتكاب الجريمة
متى توافر القصد الجنائي العام فلا عبرة بالباعث الدافع بالساحب الى ارتكاب الجريمة. فالباعث لا يعد عنصرا من عناصرها وبالتالي فلا اثر له على قيام المسؤولية الجنائية. فلو اقدم الساحب مثلا على اصدار شيك لفائدة مصحة من اجل انقاد حياة مريض في خطر ليس معه نقود وتبين ان الشيك بدون رصيد او ان الرصيد غير كاف، كان الساحب مرتكبا للجريمة واستحق العقاب.
ولا يؤثر على الجريمة كون المستفيد كان على علم وقت اصدار الشيك بعدم وجود الرصيد او عدم كفايته.
وقد استقر كل من القضاء المصري والفرنسي في عدة مناسبات على انه لا عبرة بالاسباب التي تدفع الساحب إلى إصدرا الشيك لانها من قبيل البواعث التي لا تاثير لها في قيام المسؤولية الجنائية (26).
ويذهب الأستاذ بوزا الى وجوب عدم الخلط بين سوء النية القانوني LA mauvaise foi légale وسوء النية النفساني La mauvaise foi psychologique فالاول يتوفر بمجرد العلم بعدم وجود رصيد قابل للسحب او عدم كفايته وهذا وحده كاف للعقاب، اما الثاني فهو من قبيل البواعث ولا يعتد به في القانون الجنائي (27).
والقضاء في المغرب لا يعتد بالباعث الدافع الى اصدار الشيك اذ قضى في احدى احكامه " بانه لا يجوز للساحب المتابع باصدار شيك بدون رصيد، حالة عدم الاداء، ان يستدل دفاعا عن نفسه، بانه كان يتوقع ايداعات مالية بحسابه البنكي. بل كان عليه قبل اصدار الشيك ان يتحقق من وقوع تلك الايداعات (28).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
26) جاء في نقض جنائي مصري : " من المقرر ان المسؤولية الجنائية في صدد المادة 337 من قانون العقوبات لا تتاثر بالسبب او الباعث الذي من اجله اعطى الشيك".
( الطعن رقم 805 لسنة 33 ق جلسة 11/11/63).
وجاء في نقض جنائي مصري اخر : لا عبرة في قيام جريمة اعطاء شيك بدون رصيد قائم وقابل للسحب بسبب تحرير الشيك والغرض من تحريره ولا بعلم المستفيد وقت استلام الشيك بعدم وجود رصيد للساحب في الشيك المسحوب عليه".
( الطعن رقم 1035 لسنة 30 ق جلسة 10/10/60).
راجع موسوعة القضاء والفقه الجزء20 ص325.
وجاء في حكم اخر " ان مراد الشارع من العقاب في جريمة اصدار شيك بدون رصيد هو حماية الشيك في التداول وقبوله في المعاملات على اساس انه يجري مجرى النقود، ولا عبرة بالاسباب التي دعت صاحب الشيك الى اصداره لأنها دوافع لا اثر لها على قيام المسؤولية الجنائية.
( الطعن رقم 335 لسنة 38 ق جلسة 29/4/1968 س 19 ص 497).
راجع الموسوعة الذهبية ص 660 فقرة 1470.
ومن الاحكام الفرنسية الحديثة حكم محكمة جنح باريس في 22 مارس 1969 الذي تتلخص وقائعه في ان شخصا حرر شيكا على بياض لزوجته، فقامت بملء الشيك وسلمته إلى ابنتها، فقضت المحكمة المذكورة وبادانة لزوج تاسيسا على " ان الشيك اداة وفاء وليس اداة ائتمان، و لا يجوز النظر الى البواعث التي دفعت الجاني الى تحرير الشيك.
( مجلة العمل الجنائي سنة1970 ص 112 اورده أدوار غالي في المرجع السابق ص478).
27) بوزا، مجلة العلم الجنائي سنة 1965 ص 426.
28) وقد جاء في احدى حيثياته: حيث ان الافعال ثابتة ومعترف بها من لدن الظنين وان كنديلا دفاعا عن نفسه، يقتصر على الادعاء بان ان يعتمد على ايداعات مالية من المتوقع ان تتم في حسابه وتسمح لبنكه باداء الشيكات المطعون فيها، لكن كان عليه ان يتحقق قبل إصدار هذه الشيكات، بان تلك الايداعات المزعومة قد تمت بالفعل وبان حسابه كان يتوفر على رصيد كاف وان القضاة الاولين اذن قرروا بحق مبدا مسؤوليته عن الجريمة".
مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط للاستاذ المجبود. القرار عدد 4592 وتاريخ 10/1/55 ص 421.
وجملة القول، فلا عبرة بالاسباب او البواعث التي تدفع بالساحب الى اصدار شيك بدون رصيد، كأن يكون في ضائقة مالية تدفعه الى سحب الرصيد بعد اعطائه الشيك او الى اصدار امر الى المسحوب عليه بعدم الدفع كأن يمتنع المستفيد مثلا من تنفيذ الالتزام الذي من اجله انشئ الشيك.
وليس معنى هذا ان الباعث يجب استبعاده بل على العكس من ذلك فان للقاضي ان يعتد به في تقدير العقوبة. فاما ان يشددها او يخففها تبعا لما اذا كان الباعث سيئا او حسنا وذلك بالنسبة لكل قضية على حدة.
وخلاصة القول، ان القصد الجنائي في جريمة اصدار الشيك بدون رصيد هو القصد العام لا القصد الخاص الذي يكمن في نية الاضرار بالمستفيد أو نية التملك او الاثراء على حساب الغير.
فالجريمة تتحقق بمجرد علم الساحب وقت اصدار الشيك بانه بدون رصيد، او برصيد ناقص، أو ان يسترد الرصيد وهو يعلم بان الشيك لم يدفع بعد، او ان يامر المسحوب عليه بعدم الدفع مع علمه بما ينشا عن ذلك من عدم الوفاء بقيمة الشيك.
وقد ذهب المجلس الاعلى الى انه " يكفي لتوفر سوء النية .... عدم وجود، رصيد قابل للتصرف او وجود رصيد يقل عن قيمة الشيك، اذ المفروض في الشخص ان يتتبع حساباته لدى البنك والا يسحب شيكا الا بعد التحقق من توافر قيمته" (29) .
والجريمة تتحقق بصرف النظر عما اذا كان المستفيد يعلم حقيقة الامر ام لا، وبان الشيك ليس له رصيد قائم وقابل للتصرف لدى المسحوب عليه، لان المشرع قصد من العقاب حماية التعامل بالشيك باعتباره اداة وفاء لا حماية المستفيد.
والجريمة تتحقق حتى ولو قام الساحب بعد اصدار الشيك بالوفاء بقيمته نقدا للمستفيد، بل حتى ولو وفي المسحوب عليه بقيمته بعد تقديمه اليه مرة ثانية. اذ الوفاء اللاحق لا اثر له على المسؤولية الجنائية للساحب.
ثالثا : وقت قيام القصد الجنائي
لما كانت الجريمة اصدار الشيك بدون رصيد من الجرائم العمدية التي يجب توافر القصد الجنائي فيها لتحققها، بات من اللازم التساؤل عن الوقت الذي يجب ان يثبت وجوده فيه. اذ من المعلوم ان هذه الجريمة هي جريمة وقتية تتحقق بمجرد تحقق الفعل المادي لها وهو تسليم الشيك الى المستفيد او الى من ينوب عنه، فهي لا تتوقف على وجوب تقديم الشيك للمسحوب عليه. اذ التقديم ما هو الا اجراء مادي كاشف للجريمة.
وعليه سنتحدث عن القصد الجنائي في كل حالة من حالات اصدار الشيك بدون صيد.
أ) إصدار شيك ليس له رصيد قائم وقابل للتصرف او له رصيد غير كاف
ان سحب الساحب لشيك بدون رصيد قائم وقابل للسحب، او لشيك ليس له رصيد كاف وهو على بذلك قرينة قانونية كافية للدلالة على سوء نيته.
فالجريمة هنا تتحقق بمجرد علم الساحب وقت اصدار الشيك بانه بدون رصيد قائم وقابل للتصرف او برصيد يقل عن المبلغ الثابت فيه. وهذا ما ايده القضاء في المغرب الذي قرر بانه يكفي لتوفر سوء النية … عدم وجود رصيد قابل للتصرف او وجود رصيد يقل عن قيمة الشيك، اذ المفروض في الشخص ان يتتبع حساباته لدى البنك ولا يسحب شيكا الا بعد التحقق من توافر قيمته" (30).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
29) قرار عدد 4855 وتاريخ 26/7/63 في الملف الجنحي 15372 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 33 و 34 - السنة، مايو1984.
يذهب الفقهاء الى ان عنصر سوء النية في الجرم المنصوص عليه في المادة 653 من قانون العقوبات يعتبر متوفرا بمجرد اصدار الشيك وتسليمه بدون مقابل للوفاء او بمقابل غير كاف او استرجاع كل المقابل او بعضه او اصدار منع عن الدفع للمسحوب عليه".
( نقض سوري- 2/1217 - ق 984 تاريخ 25/4/1967).
موسوعة القضاء والفقه الجزء 20 صفحة374.
ويذهب القضاء التونسي الى ان الركن الادبي وهو سوء النية مفروض وجوده بمجرد عدم التاكد من وجود الرصيد وكفايته وقابليته للتصرف، تلك الخاصيات التي اقتضتها طبيعة الشيك".
( قرار تعقيبي جنائي عدد 2824 جلسة 22/6/1964).
موسوعة القضاء والفقه، الجزء 20، ص 387.
30) (31) قرار 4855 وتاريخ 26/7/83 ملف جنحي 15372 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 33 و34 السنة 9، مايو1984.
كما ذهب في قضية أخرى الى ان المحكمة تكون قد ابرزت عنصر النية في اصدار الشيك بدون رصيد حين صرحت : " بان المتهم اعترف بانه سحب الشيك دون ان يكون له رصيد كاف، وانه على علم بعدم وجود الرصيد" (31).
فسوء النية يتحقق بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود الرصيد وقت الاصدار (32).
وقد ذهب القضاء الفرنسي، الى ان سوء النية في جريمة اصدار شيك بدون رصيد يتوفر بمجرد علم الساحب بعدم وجود مقابل الوفاء او نقصانه او عدم قابلته للتصرف وقت السحب (33). وقد ذهب إلى ابعد من هذا عندما اعتبر الجريمة قائمة حتى ولو رضي المسحوب عليه بدفع قيمة الشيك على الرغم من انعدام الرصيد او عدم كفايته (34)، بل حتى لو كان المستفيد يعلم حقيقة الامر (35).
ونفس الشيء سار عليه القضاء المصري عندما قضى " بان سوء النية المطلوب في جريمة اعطاء شيك بدون رصيد مقابل وقابل للسحب يتحقق بمجرد علم صاحب الشيك انه وقت تحريره ليس له مقابل وفاء" (36).
كما قضى " بان القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في الجريمة المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات يتوافر لدى الجاني باعطاء الشيك مع علمه بعدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب" (37).
ويذهب القضاء السوري الى " ان سوء النية في جريمة اصدار شيك بدون مقابل تتحقق بمجرد علم الساحب بانه وقت اصداره لم يكن له رصيد قابل للسحب"(38).
وعليه، ففي حالة علم الساحب بحقيقة الامر، أي لعمله لحظة اصداره الشيك بانه بدون رصيد أو برصيد ناقص، فان القصد الجنائي الذي يتجلى في سوء النية يتحقق، بالتالي يعد مرتكبا للجريمة مادامت ارادته قد اتجهت الى ارتكاب الفعل المنهى عنه بارادة واختيار وعن سابق علم، اذ ان المشرع لم يشترط في المادة 543، من القانون الجنائي لتطبيق العقاب سوى مجرد علم الساحب بان الشيك بدون رصيد او برصيد ناقص".
والعلم بعدم وجود الرصيد او نقصانه قرينة قانونية مفترضة لدى الساحب للدلالة على سوء نيته (39). وهي قرينة بسيطة للساحب ان يثبت ما يخالفها بكافة طرق الاثبات وهذا ما اكده المجلس الاعلى في احدى قراراته والذي ذهب فيه، ردا على دفاع المتهم، من انه ادين من دون توفر القصد الجنائي ( سوء النية) الذي تشترطه المادة 543 من القانون الجنائي).
" وحيث ان عدم وجود الرصيد الكافي لتسديد مبلغ الشيك الذي وقع اصداره قرينة على سوء النية وعلة كافية لتبريرها، اذ المفروض في صاحب الشيك ان يكون عالما وقت تسليمه بما يتوفر عليه حسابه من رصيد، بل من الواجب عليه ان يكون عالما بذلك، كما ان عليه الا يسحب من رصيده الا ما فضل عن مبلغ الشيك المصدر، مما تكون معه الوسيلة غير مرتكزة على اساس" (40).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
31) قرار 4855 وتاريخ 26/7/83 ملف جنحي 15372 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 33 و34 السنة 9، مايو 1984.
32) راجع القرار 48 س 2 وتاريخ22 مارس 1979 الملف الجنائي رقم 48139 قضاء المجلس الاعلى سنة، 7 عدد 30، اكتوبر1982.
33) نقص جنائي فرنسي بتاريخ 18 يوليوز1968 اورده ماري ان دي كوك بورن في كتابه " الكل عن الشيك وجرائمه" ص156.
34) نقض فرنسي 14/1/1925 كازيت دي باليه 1951/1/87 محكمة مونبلييه 30/10/1913 ودالوز ص 50.
35) نقض فرنسي 27/11/1916 سنة 1928/1/119 نفس المرجع السابق.
36) القاعدة 1285، طعن رقم 730 سنة 18 ق. الموسوعة الذهبية.
37) نقض جنائي - الطعن 1043 لسنة 30 ق جلسة 10/10/1960 - موسوعة القضاء والفقه، الجزء 20 ص 321.
38) نقض سوري - ج 1967- ق1417 وتاريخ 2/6/1966. موسوعة القضاء والفقه الجزء 20 ص374.
39) يذهب المجلس الاعلى الى القول: " يتحقق سوء النية العنصر الاساسي لقيام جريمة شيك بدون رصيد بمجرد علم مصدر الشيك بانه لم له رصيد وقت اصداره".
قرار 48 س 22 تاريخ 22 مارس 1979 ملف جنائي 48139 قضاء المجلس الاعلى عدد 30 اكتوبر1982 ص158.
40) قضاء المجلس الاعلى قرار 1137 وتاريخ 14 يوليوز1977 في الملف 44143 منشور بكتاب القانون الجنائي الخاص للدكتور احمد الخمليشي ص 363.
وقد علق الدكتور احمد الخمليشي على القرار المذكور بقوله : " وينبغي ان يفهم من هذا القرار ان ما ورد فيه مجرد شرح للقرينة القانونية على سوء النية والمستخلصة من واقعة.
ولم يفت المشرع الفرنسي ان افترض قرينة قانونية للدلالة على سوء نية الساحب في التشريع الصادر في 22 اكتوبر1940 اذا لم يقم خلال خمسة أيام من تاريخ انذاره بكتاب مضمون من المسحوب عليه او من المستفيد بايداع مقابل الوفاء المطلوب او بتكملته في حالة نقصانه (41). الا ان القضاء الفرنسي يرى ان قيام الجرم لا يتوقف على هذا الانذار بل هو في الواقع مجرد وسيلة اوجده القانون لتسهيل الاثبات فقط (42).
والمشرع المغربي نفسه نجده في الفقرة الرابعة من المادة 70 من ظهير الشيك اجاز للحكمة ان تخفض العقوبة او تلغيها نهائيا تجاه الساحب والمتواطئ معه والمشارك ومن قبل الشيك بدون الرصيد، اذا ما عمد الساحب إلى تسديد قيمته او تكملة الخصاص خلال عشرين يوما الموالية لاصدار الشيك.
وعليه فيجب لمتابعة الساحب جنائيا ومعاقبته ان يكون سيئ النية.
اما اذا كان حسنها فان القصد الجنائي ينعدم مما تنعدم معه الجريمة ويتعين بالتالي على المحكمة ان تصرح ببراءته وهذا ما ايده القضاء في المغرب (43).
ويعود بطيعة الحال لمحكمة الموضوع تقدير الاسباب التي اعتمدها الساحب لتبرير حسن نيته وما اذا كانت جدية ام لا، ولا رقابة في ذلك للمجلس الاعلى الا من حيث التعليل.
ب) سحب كل الرصيد او وجزء منه
ان قيام الساحب بسحب كل الرصيد او جزء منه وقبل استيفاء المستفيد لقيمة الشيك من المسحوب عليه وهو يعلم بانه بعمله هذا لم يعد دائنا للمسحوب عليه يشكل قرينة قانونية على سوء نيته، اذ مثل هذا السحب ينشا عنه بطبيعة الحال حرمان المستفيد من استيفاء قيمة الشيك.
فالقصد الجنائي للساحب يتوفر وقت الاسترداد الكلي او الجزئي للرصيد، كما ان الجريمة تتحقق حتى ولو قام الساحب باسترداد الرصيد كليا او جزئيا بعد مضي الاجال المقررة للتقديم للوفاء.
ويكفي لتحقق الجريمة اثبات علم الساحب بان قيمة الشيك الذي قام باصداره لم تدفع بعد للمستفيد من الشيك.
وقرينة سوء النية ليست قرينة مطلقة بل على العكس هي قرينة بسيطة يمكن اثبات عكسها بكافة الطرق.
ج) إصدار امر للمسحوب عليه بعدم الدفع
يتوفر سوء النية في هذه الحالة في الوقت الذي يصدر فيه الساحب امره الى المسحوب عليه بعدم الدفع، أي الامر بتجميد الرصيد لديه. ويتحقق ذلك عندما يتقدم المستفيد الى المسحوب عليه من اجل استيفاء قيمة الشيك فيواجه بامتناعه عن الوفاء.
وعليه، فالامر الدفع يفترض بداهة توفر سو ء النية لدى الساحب الامر أيا كان السبب الدافع الى اصدار الامر، حتى ولو كان مشروعا ما لم يتعلق الامر بحالة ضياع الشيك او افلاس المستفيد.
ويذهب القضاء المصري إلى " ان الجريمة تتحقق ولو قام سبب مشروع لاصدار الامر من الساحب عليه بعدم الدفع وعلة ذلك حماية الشيك في التداول وقبوله في المعاملات على اساس انه يجري فيها مجرى النقود (44).
د) قبول تسلم شيك صدر بدون رصيد
ان القصد الجنائي في هذه الحالة يتحقق بمجرد تسلم المستفيد للشيك وهو يعلم انه بدون رصيد في الحالات المشار اليها في الفقرة الاعلى من المادة 543 من القانون الجنائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إصدار شيك دون رصيد، ولا يصح ان يفسر قوله ان مصدر الشيك يجب عليه ان يكون عالما بحقيقة وضعية رصيده، اذ القصد الجنائي يبقى قائما متى وقع الاخلال بهذا الواجب ولو نتيجة خطا وقع فيه الساحب جعله يعتقد وجود الرصيد وقابليته للتصرف لان اصدار الشيك بدون رصيد جريمة عمدية ولا يتوفر فيها العمد وسوء النية بمجرد خطا وقع فيه الساحب جعله يعتقد وجود الرصيد".
المرجع السابق ص 363.
41) راجع رؤوف عبيد - المرجع السابق - ص 462.
42) نقض فرنسي منشور بمجلة La semaine juridiqueسنة 48 ج 4 ص 21.
43) لقد ذهب المجلس الاعلى الى انه " يتعرض للنقض كل حكم بالادانة يصدر دون ان يثبت سوء نية الساحب".
انظر حكم المجلس الاعلى الصادر بتاريخ 18 يناير1962 - الغرفة الجنائية، منشور بالمجلة المغربية للقانون، تاريخ 1 نوفمبر1962، ص 889.
44) الطعن رقم 1902 سنة29 ق جلسة 26/10/1959 س 10 ص 820. الموسوعة الذهبية - القاعدة 1294 ص 589.
ولا يكفي مجرد اعلان قبول تسلم الشيك بل يجب ان يتسلم المستفيد الشيك بصورة فعلية.
رابعا : إثبات القصد الجنائي
ان عدم وجود الرصيد او نقصانه او سحبه كليا او جزئيا او الاعتراض على الوفاء قرائن على سوء نية الساحب (45) اذ المفروض في الساحب ان يتتبع حساباته وان يعلم بكل الظروف المحيطة برصيده.
وقرينة سوء النية المفترضة في الساحب في الحالات المذكورة ليست قرينة مطلقة بل هي قرينة بسيطة، بالتالي فلا مانع يمنع الساحب تطبيقا للقواعد العامة للاثبات من اثبات حسن نيته واقامة الدليل على انتفاء القصد الجنائي لديه واعتقاده لاسباب معقولة بتوافر الرصيد المطلوب لديه.
واذا ما اثبت الساحب حسن نيته، انتفت مسؤوليته الجنائية، كان يثبت مثلا بواسطة الكشف البنكي وجود الرصيد لديه وقت سحب الشيك، وان المسحوب عليه وقع في خطا حسابي.
وتوافر القصد الجنائي من عدمه مسالة تقديرية يرجع امر البث فيها الى قاضي الموضوع، وبالنسبة لكل دعوة على حدة. وهي تستخلص منها كافة القرائن المحيطة بالدعوى كقيمة الشيك، ظروف اصداره، تاريخ اصداره، ظروف الرصيد، مبلغ الخصاص، مكانة الساحب الاجتماعية الى غير ذلك من العوامل.
المبحث الثاني
إصدار أو قبول الشيك على سبيل الضمان
لقد حرص المشرع حرصا شديدا على تجريم فعل اصدار او قبول الشيك على سبيل الضمان- أي الشيك المؤجل وغير الواجب الاداء على الفور - سواء كان له رصيد أو لم يكن له. والغاية من التجريم هي حماية الثقة بالشيك، باعتباره اداة وفاء تحل محل النقود واجبة الدفع بمجرد الاطلاع.
وقد جاء في المادة 544 من القانون الجنائي المغربي :
" من اصدر او قبل شيكا بشرط الا يصرف فورا وان يحتفظ به كضمانة يعاقب بالعقوبات المقرر في الفقرة الاولى من المادة 540 على الا تقل الغرامة عن قيمة الشيك".
فالمشرع بإيراده لهذا النص يكون قد تنبه للحالة التي يصدر فيها الساحب شيكا بشرط الا يصرف على الفور ويكون المستفيد قد قبله على هذا الاساس، أي الحالة التي يقدم فيها كل من الساحب المستفيد على اخراج الشيك من طبيعته القانونية كاداة للوفاء واستعماله كاداة للائتمان مثلا السفتجة.
والجريمة المنصوص عليها في المادة 544 من القانون الجنائي تتحقق من جانبين : جانب الساحب أولا وقت اصداره الشيك شريطة عدم صرفه على الفور وجانب المستفيد الذي يقبل الشيك على اساس هذا الشرط، أي على اساس الاحتفاظ به حين حلول الاجل المتفق عليه للتقديم.
1- القصد الجنائي
في هذه الحالة نجد المشرع قد استعمل عبارة سوء النية للدلالة على القصد الجنائي بالنسبة للساحب والقابل معا على حد السواء.
فالقصد الجنائي يتحقق بمجرد اشتراط عدم الصرف الفوري للشيك وقبوله كضمانة وتسلميه للمستفيد فعلا.
ومتى تم تسليم الشيك للمستفيد على هذا الاساس فلا سبيل للساحب لدفع المسؤولية الجنائية عنه عن طريق نفي القصد الجنائي مادام المستفيد قد احتفظ فعلا بالشيك ولم يصرفه.
ولا اهمية للسبب الدافع الى اشتراط عدم الصرف الفوري للشيك، فالجريمة تتحقق سواء كان السبب هو عدم وجود الرصيد او نقصانه، او اتخاذ الاحتياطات لضمان تنفيذ المستفيد لالتزامه رغم وجود الرصيد القائم والقابل للتصرف فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
45) اما بالنسبة للمستفيد القابل، فعلى النيابة العامة ان تثبت انه قبل الشيك وهو يعلم وقت تسلمه له بانعدام الرصيد او نقصانه او عدمه قابليته للسحب.
2- العقوبة
وعقوبة جريمة اعطاء او قبول شيك على سبيل الضمان هي نفس العقوبة المقررة لاصدار شيك بدون رصيد، أي العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من المادة 540 من القانون الجنائي على الا تقل الغرامة عن قيمة الشيك.
وينبغي القول انه من النادر في الحياة العملية ان تطلع النيابة العامة عل هذه الجريمة، باستثناء الحالة التي يتقدم فيها المستفيد بعد حلول الاجل المتفق عليه الى المسحوب عليه من اجل تحصيل قيمة الشيك فيتبين انه بدون رصيد او برصيد ناقص، فيلجا الى تقديم شكايته في الموضوع حيث تقوم هذه الأخيرة بتحريك الدعوى العمومية في مواجهة المستفيد والساحب على حد سواء من اجل ما ذكره. اما ما عدا ذلك فيتعين على النيابة العامة ان تبحث عن العناصر الضرورية والقرائن الكافية بجميع وسائل الاثبات الممكنة لتبرير المتابعة.
والجدير بالاشارة ان المشرع المغربي لم يقف عند هذا الحد في حمايته للشيكات من التلاعب، بل ذهب الى ابعد من ذلك عندما تشدد ومنع المحكمة في اطار محاربة الزور والتزوير من منح اجراء وقف التنفيذ بالنسبة لمرتكبي تزييف الشيكات او تزويرها وكذلك بالنسبة لمن يقبلون عن علم شيكات مزيفة او مزورة (46). وهذا ما اكدته المادة 70 من ظهير الشيك التي جاء فيها " لا يعمل بجواز وقف التنفيذ للعقوبات بالنسبة لمن زيف او زور شيكا ولا بالنسب لمن قبل شيكا يعلم انه مزيف او مزور".
يتبين مما سبق ان المشرع الجنائي لم يفته كغيره من التشريعات الحديثة ان تدخل بالقدر الضروري واللازم لضمان ثقة المتعاملين بالشيك وتوفير الحماية القانونية له وذلك بفرضه عقوبة جزائية لمواجهة مختلف الحالات التي من شانها ان تخرجه عن دوره الطبيعي الذي انشئ من اجله وتفقد ثقة المتعاملين به وهو اداة للوفاء.
محمد أوغريس
نائب الوكيل العام للملك
لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء
ــــــــــــــــــــــــــــــ
46) راجع المادة 545 من القانون الجنائي المغربي، كتابنا " شيك بدون رصيد" التشريع المغربي، الطبعة الاولى1985، ص. 135 وما بعدها.
* مجلة المحاكم لمغربية، عدد 44، ص9.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم