📁 آخر الأخبار

تفتيش الآنثى في ضوء أحكام محكمة النقض الاستاذة/ شيرين عبد الكريم محمد حسين

تفتيش الآنثى  في ضوء أحكام محكمة النقض  


تفتيش الآنثى  في ضوء أحكام محكمة النقض  


تفتيش الآنثى

في ضوء أحكام محكمة النقض


الاستاذة/ شيرين عبد الكريم محمد حسين

باحثة قانونية

عضو المكتب الفني بالمجموعة الدولية للمحاماة والاستشارات القانونية


 التفتيش لغة هو البحث عن الشيء في مظان وجوده واصطلاحاً هو البحث عنه في موضع له حرمه

ويعرفه الفقه بأنه البحث عن الشيء في مستودع السر.

والغاية من التفتيش هي البحث عن أشياء تتعلق بجريمة وقعت بالفعل وعليه فلا يجوز إجراءه للتحقق من جريمة يخشى وقوعها أو لضبط أشياء تتعلق بها (المادة 50  فقرة 1 من قانون الإجراءات)

وطبيعة التفتيش كأحد أشد الإجراءات خطورة سواء في ذاته أو ما يسفر عنه من نتائج حيث أن التفتيش إهدار لحرمة لما فيه من مساس بالحرية الشخصية أو بحرمة المسكن بالإضافة أنه منتج للدليل حيث قد تبنى الإدانة على هذا الدليل.

وقد عرفت محكمة النقض التفتيش بالنظر إلى طبيعته وغايته بأنه (ذلك الإجراء الذي رخص الشارع فيه التعرض لحرمة الشخص بسبب جريمة وقعت أو ترجح وقوعها منه) نقض 17/11/1959 وأحكام النقض سنة 10 ص 888 رقم 189 / نقض 17/12/1962 سنة 13 ص 853 رقم 205 / نقض 7/5/1992 س 43 ص 485 رقم 71.

وعلى ذلك ونظراً لخطورة التفتيش فقد أقتضي ذلك أن يحاط بالعديد من الضمانات التي تكفل ألا يساء استعماله

وبعض هذه الضمانات سابق على إجراء التفتيش والبعض الأخر معاصر له والبعض الأخير تال له.

كالشروط الواجب توافرها فيمن يأذن بالتفتيش وفيمن يؤذن له به، وفي الغرض منه، والمدة التي يلزم إجراءه فيها وإلى جانب هذه الضمانات هناك ضمانات أخرى لا تقل عنها أهمية منها ما يتعلق بتفتيش الأنثى ومنها ما يتعلق بوجوب المحافظة على كرامة وسلامة من يجري تفتيشه، كذلك حضور المتهم والشهود أثناء التفتيش وأخيراً مدى لزوم تحرير محضر التفتيش.

 وعلى ذلك سوف نتناول بالبحث تفتيش الأنثى كأحد ضمانات التفتيش الإجرائي في ضوء أحكام النقض المصرية.

 ونتعرض لبعض إشكاليات تفتيش الأنثى كما يلي:


 الأصل أنه يشترط لصحة التفتيش أن يباشره المأذون بنفسه، فلا يصح أن يعهد به إلى غيره إلا إذا كان الإذن قد صرح له بذلك، وبشرط أن يكون الغير من رجال الضبط القضائي وإذا استعان المأذون في إجراء التفتيش بأحد بأعوانه من رجال السلطة العامة وجب أن يقوموا بعملهم في حضوره وتحت إشرافه.

وقد خرج المشرع عن هذا المبدأ بصدد تفتيش الأنثى فحظر على مأمور الضبط القضائي أن يفتشهن بنفسه، وأوجب عليه أن يعهد بهذه المهمة إلى أنثى تندب لهذا الغرض ولقد أيدت محكمة النقض هذا المبدأ حيث اشترطت لصحة تفتيش الأنثى أن تقوم به أنثى، وقد حرص قانون الإجراءات أيضاً على تقرير هذا الحكم صراحة فنص في الفقرة الثانية من المادة 46  إجراءات جنائية والمادة 94 .

وعلة هذا الحكم واضحة لأن الآداب العامة والقيم الخلقية المستقرة في ضمير الجماعة توجب صيانة عرض المرأة وكرامتها في كل الأحوال حتى وإن كانت متهمة وكان تفتيشها لازماً لمصلحة العدالة، فإذا خالف مأمور الضبط هذا الحظر وفتش أنثى بنفسه أو حتى عهد بتلك المهمة إلى أحد أعوانه كان التفتيش باطل والتفتيش الباطل يبطل كل ما ينتج عنه من بل أن هذا الفعل في حد ذاته يعد جناية معاقب عليها بنص المادة 268 عقوبات.

 نقض 19/11/1955 أحكام النقض س 6 ص 1341 رقم 394 


 ليس في القانون عذراً يشفع لمأمور الضبط القضائي بأية حال في أن يفتش الأنثى بنفسه أو بواسطة رجل غيره، بل يظل الحظر قائماً حتى ولو لم يجد في المكان امرأة يندبها للتفتيش، أو ابت المرأة التي ندبها لذلك أن تقوم بما طلبه منها ولم يجد سواها، ولو كان التأخير في التفتيش يؤدي إلى نتائج يتعذر تداركها.

وعليه لا يشترط لإلزام المأذون بندب أنثى عند تفتيش الأنثى أن ينص في إذن التفتيش على ذلك، لأن هذا الحكم مصدره القانون مباشرة والخطاب فيه موجه لا لمن يصدر إذن التفتيش بل لمن يتولى التفتيش سواء كان المحقق نفسه أو من ينيبه لذلك.

 وعلى ذلك فالالتزام بندب الأنثى لا ينفك ولو صرح المحقق للمأذون بالتجاوز عنه إذا تعذر عليه ندب أنثى لإجراء التفتيش.


 لما كان مناط الحكم هو جنس المرأة، فليس من اللازم محل اشتهاء، بل أن حرمة الأنثى لا تسقط ولو تجردت من الملاحة أو كانت طفلة أو طاعنة في السن، كذلك لا تسقط هذه الحرمة ولو رضيت الأنثى نفسها بأن يفتشها المأذون فهذا الرضا مهدور، لأن الأمر لا يتعلق بحق خالص لها يباح لها التصرف فيه، بل يتعلق بالآداب العامة والنظام العام، مما يجعل رضائها أو إبائها سيان في نظر القانون.


 ليس لمأمور الضبط القضائي أن يعهد إلى رجل بتفتيش الأنثى ولو كان هذا الرجل طبيباً، بل ولو كان متخصصاً في أمراض النساء والولادة، ذلك أنه كونه طبيباً لا ينفي أنه رجلاً وهو علة الحظر وموجب الندب.

وليست صفته كطبيب هي التي تخوله المساس بأجساد النساء والاطلاع على عوراتهن

وإنما يباح له ذلك فقط بقيدين:

 •  قصد العلاج

•  رضا الأنثى

وكلا القيدين مفقود عند ندب الطبيب لتفتيش الأنثى

نقض 11/4/1955 أحكام النقض س6 ص 807 رقم 249 -  نقض 4/1/1976 أحكام النقض س27 ص 9 رقم 1


 يبطل التفتيش ولو كان من عهد إليه بإجرائه من محارم الأنثى كأخيها أو أبيها أو أبنها أو عمها أو خالها أو زوج أختها، لأن العلاقة المحرمية تنحصر في تحريم الزواج فحسب ولا تحل لأحد المحارم المساس بجسد المرأة أو الاطلاع على عورتها.

أما عن ندب الزوج لتفتيش زوجته وربما قيل بجواز ذلك على أساس أن ما يقوم به لا يمس حيائها العرضي، بيد أن الراجح عدم جواز هذا التفتيش ولكن لعلة أخرى حيث أن الأصل أن التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق أنما يباشره المأذون بنفسه أو بواسطة أحد أعوانه من رجال السلطة العامة شريطة أن يكون ذلك في حضوره وتحت إشرافه.

وفي حالة تفتيش الزوج لزوجته الأمر بين حالتين أما أن يقوم الزوج بتفتيشها بمنأى عن المأذون، وأما يقوم بتفتيشها في ظل حضور المأذون وتحت إشرافه وفي الحالتين التفتيش باطل ففي الحالة الأولى البطلان لوقوع التفتيش في غير وجود المأذون وفي الحالة الثانية لوقوعه على أنثى في وجود المأذون.

 وإنما أجاز القانون للمأذون على سبيل الاستثناء أن يندب أنثى لإجراء هذا التفتيش ولو أنها ليست من مأموري الضبط القضائي، وأن يخولها سلطة القيام بهذا العمل في غير حضور المأذون.


 القيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة 46  يوجب قصر حكمه على الحالات التي يقتضي التفتيش المساس بجزء من جسم المرأة لا يصح لوجل الضبط القضائي أن يمسه أو يطلع عليه لكونه عورة وهذا ما تجري عليه أحكام النقض باطراد

نقض 15/10/1986 أحكام النقض س37 ص 760رقم 146

نقض 9/5/1994 س 45 ص 624 رقم 96

نقض 31/1/1984 س 35 ص 95 رقم 19

 نقض 14/1/1986 س 37 ص 64 رقم 14


 يري الفقه والقضاء أنه لا يشترط أن يكون ندب الأنثى للتفتيش ثابتاً بالكتابة، بل يصح أن يكون الندب شفوياً، وتعلل محكمة ذلك بأن المقصود من الندب ليس تحقيق ضمانات حرية من يجري تفتيشها، بل الحفاظ على عورتها حين يجري التفتيش في مواضع لا يجوز لرجل الضبط القضائي الاطلاع عليها.

 نقض 29/5/1972

نقض 17/5/1979 أحكام النقض 30 ص 588 رقم 125 (وجاء في هذا الحكم أن الممرضة قامت بتفتيش المتهمة بناء على انتداب من مدير المستشفى بناء على طلب من وكيل قسم مكافحة المخدرات)،

وهذا التعليل محل نظر حيث أن التفرقة بين الحرية الشخصية من جهة والعفة والكرامة الإنسانية من جهة أخرى غير صحيحة كما أنها غير منتجة في هذا المقام.

فأما وأن التفرقة غير صحيحة:

فلأن الدستور يحمي على السواء كل من الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة وحرية الرأي والعقيدة والتعبير وسائر الحريات العامة ويسوي بينها جميعاً دون تفرقة، فالحقوق والحريات العامة لا تتفاضل فيما بينها من الناحية الدستورية أو القانونية حتى يقال إن لبعضها أهمية خاصة في قانون الإجراءات تبرر التفرقة بينهما وتوجب أن يكون الندب للتفتيش الذي يمس الحرية الشخصية ثابتاً بالكتابة، بخلاف الندب في التفتيش الذي يمس العفة والكرامة الإنسانية حيث يكفي فيه أن يكون شفوياً.

وأن التفرقة غير منتجة:

لو صح جدلاً أن الحقوق والحريات العامة تتفاضل فيما بينها فأن الحق في التعفف والتصون يحتل مركز الصدارة في الضمير المجتمعي ويتقدم عما عداه من صور لتلك الحقوق والحريات.

لهذا أرى أن يكون ندب الأنثى لتفتيش الأنثى ثابتاً بالكتابة وأن يدون في محضر التفتيش واقعة الندب واسم المرأة التي تم ندبها للتفتيش وما جاء على لسانها وما أسفر عنه عملها حتى يكون كل ذلك تحت نظر المحقق ابتداء ومحكمة الموضوع من بعده حتى يتسنى لأي منهما التحقق من صحة إجراءات التفتيش.






لم يشترط القانون لصحة عمل المرأة المنتدبة لتفتيش أنثى تحليفها اليمين القانونية قبل مباشرة عملها

وتصف محكمة النقض هذه المرأة بأنها شاهدة وعليه تستند بصدد عدم تحليفها اليمين القانونية إلى الفقرة 2 من المادة 29  إجراءات (فقد قضت بأن المادة 46  إجراءات لم تستلزم أن تحلف الشاهدة التي ندبت لتفتيش أنثى اليمين القانونية إلا إذا خيف فيما بعد سماعها طبقا للقاعدة التي المادة 29  إجراءات.

نقض 29/5/1972 - نقض 17/5/1997

ونحن وأن كنا لا نوجب تحليف تلك المرأة اليمين القانونية إلا أننا لا نتفق مع محكمة النقض في اعتبارها شاهدة وفي سند إعفائها من حلف اليمين من جهة أخرى.

ذلك أن الشاهد إنما يدلي بمعلومات عن واقعة شهدها أو أدركها بأحدى حواسه، أما المرأة التي تندب للتفتيش فأنها لا تروي ما شهدته بل تحكي ما فعلته وما أسفر عنه فعلها وعلى ذلك فهي لا تعد في صحيح القانون شاهدة.

كما أن ما قامت به لا يعد من قبيل الخبرة، لأن الخبير شخص له دراية بعلم أو فن يعوزه رجل الضبط القضائي فيستعين به ليفيد من خبرته وهذه المرأة لا تقوم بشيء من هذا، فهي ندبت فقط لكونها امرأة أي لجنسها وليس لخبرتها.

أما عن استناد محكمة النقض إلى المادة 29  إجراءات جنائية فذلك لا يستقيم لأن المادة 29  إنما هي خاصة بسماع أقوال من تكون لديهم معلومات الوقائع أو مرتكبيها في أثناء مرحلة جمع الاستدلالات، وأن ما يقوم به رجل الضبط القضائي تنفيذاً لإذن التفتيش إنما هو من أعمال التحقيق وليس أعمال الاستدلال. فلم يكن لإقحام تلك المادة مبرر.

والصحيح أن المرأة التي تندب للتفتيش إنما تحل محل من إذن له به ويكون لها حكمه ولما كان القانون لا يوجب على من ينفذ إذن التفتيش حلف اليمين فكذلك من يحل محله.

 كما أن الأصل أن يقوم المأذون بإجراء التفتيش بدون حلف اليمين لولا اعتبار الجنس. وعلى ذلك فالسند القانوني لعدم تحليف المرأة التي تندب للتفتيش اليمين هو عين السند القانوني لعدم تحليف المأذون نفسه تلك اليمين.


 لقد استعرض البحث تفتيش الأنثى كأحد ضمانات التفتيش الإجرائي في ضوء أحكام النقض في محاولة للإجابة على بعض التساؤلات التي أفرزها الواقع العملي بصدد تفتيش الأنثى: مباشرة تفتيش الأنثى من قبل أنثي، الضرورة لا تبيح للمأذون تفتيش الأنثى بنفسه، القيد مناطه صفة الأنثى، حظر تفتيش الأنثى بواسطة رجل ولو كان طبيباً، مدى جواز ندب أحد المحارم لتفتيش الأنثى، انحسار القيد عن التفتيش الذي لا يستطيل إلى عورة، هل يلزم شكل خاص في ندب الأنثى ؟، عدم لزوم تحليف من تندب للتفتيش اليمين القانونية...


 •  المشكلات العملية الهامة في قانون الإجراءات الجنائية للدكتور رؤوف عبيد.

•  النظرية العامة للتفتيش في الفانون المصري للدكتور سامي الحسيني.

•  التفتيش في ضوء أحكام النقض للدكتور عوض محمد عوض.

 •  www.eastlaws.com
المصدر: http://eastlawsacademy.com/
تعليقات