القائمة الرئيسية

الصفحات



وسائل مكافحة جريمة غسيل الأموال

 


وسائل مكافحة جريمة غسيل الأموال

 

د. عقل يوسف مقابله

 

 

المقدمة

 

 

لقد تعرضت في ورقة عمل سابقة قدمت إلى أحد المؤتمرات العلمية(1) لجريمة غسيل الأموال في عصر العولمة من حيث نشأتها، وتعريفها، وأركانها، والآثار تترتب عليها. ولكن تلك الدراسة لم تكتمل بسبب تعليمات النشر في المجلات العلمية المحكمة التي تشترط إلا تزيد صفحات البحث عن ثلاثين صفحة، الأمر الذي ادى إلى عدم التعرض لوسائل ومعوقات مكافحة هذه الجريمة الآفة.

 

ونظرا لخطورة هذه الجريمة الظاهرة التي باتت تكلف الاقتصاد العالمي أكثر من (1000) ألف مليار دولار امريكي سنويا حسب المصادر العالمية المتخصصة، ومنها صندوق النقد الدولي(2)، فقد رأيت إكمال هذه الدراسة، لكي أضع بين ايدي المهتمين الوسائل الواجبة الاتباع للحد من هذه الجريمة التي تترتب عليها آثار سلبية ضارة في مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 

وبناء على ما تقدم فقد قسمت هذا البحث إلى مطلبين، خصصت الأول منهما لوسائل مكافحة جريمة غسيل الأموال على الصعيد الدولي. واما الثاني فقد خصصته لوسائل مكافحة هذه الجريمة على الصعيد الوطني.

  

المطلب الأول
وسائل مكافحة جريمة غسيل الأموال على الصعيد الدولي

 

إن تزايد المخاطر الاقتصادية – كإنخفاض الدخل القومي، وانخفاض قيمة العملة، وانخفاض حجم الأموال المدخرة، وارتفاع معدل التضخم، وافساد مناخ الاستثمار – وتزايد المخاطر الاجتماعية – كزيادة معدل الجريمة، وزيادة معدل البطالة، وتدني مستوى المعيشة، وتولي بعض الأفراد لمراكز قيادية رغم عدم كفاءتهم -، وتزايد المخاطر السياسية – كالتدخل في بعض النظم السياسية وافسادها، وتمويل بعض النزاعات الدينية والعرقية -، التي تترتب على جريمة غسيل الأموال(3)، دفعت المجتمع الدولي منذ بضعة عقود لمكافحة هذه الجريمة، وإن لم ترقى هذه المكافحة إلى المستوى المطلوب، وهذا ما لمسناه من خلال مراجعتنا للاتفاقيات والمؤتمرات التي عقدت على المستوى العالمي أو الاقليمي. وبناء على ذلك فقد قسمت هذا المطلب إلى خمسة فروع، وذلك على النحو التالي:

 

الفرع الأول: التجريم والعقاب.

الفرع الثاني: توسيع معايير الإختصاص القضائي الجنائي.

الفرع الثالث: تسليم المجرمين.

الفرع الرابع: الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية.

الفرع الخامس: المساعدة القانونية المتبادلة.

الفرع الأول

التجريم والعقاب

 

لقد سعى المجتمع الدولي إلى مكافحة جريمة غسيل الأموال، وهذا ما تؤكده نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية التي عقدت في فيينا عام 1988، وغيرها من الاتفاقات والمؤتمرات الدولية.

 

فبالإضافة إلى ما حوته هذه الإتفاقية من تجريم إنتاج وتصنيع أو بيع أو عرض أو توزيع أو نقل أو استيراد أو تصدير المخدرات أو المؤثرات العقلية فقد نصت الفقرات (ب/1+2) و (ج/1) من المادة (3) من هذه الإتفاقية على تجريم الآتي:

 

‌أ-   تنص الفقرة (ب/1) على تجريم "تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمدة من أية جريمة أو جرائم منصوص عليها في الفقرة الفرعية (أ) من هذه الفقرة(4)، أو من فعل من افعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم، بهدف اخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو بقصد مساعدة اي شخص متورط في ارتكاب مثل هذه الجريمة على الافلات من العواقب القانونية لأفعاله".

 

‌ب- وتنص الفقرة (ب/2) على تجريم "إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال، أو مصدرها، أو مكانها، أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، أو ملكيتها، مع العلم بأنها مستمدة من جريمة أو جرائم منصوص عليها في الفقرة الفرعية (أ) من هذه الفقرة، أو مستمدة من فعل من أفعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم".

 

‌ج-   وتنص الفقرة (ج/1) على تجريم "اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال، مع العلم

    وقت تسلمها بأنها مستمدة من جريمة أو جرائم منصوص عليها في الفقرة الفرعية

    (أ) من هذه الفقرة، أو مستمدة من فعل من أفعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة

    أو الجرائم".

 

ويتضح لنا من خلال نصوص الفقرات السابقة بأن الإتفاقية المذكورة أعلاه تجرم عمليات غسيل الأموال بكافة مراحلها، اي سواء كان ذلك متعلقا بتحويل الأموال المستمدة من الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو نقلها أو إخفائها أو تمويه مصدرها غير المشروع بقصد مساعدة المجرمين على الإفلات من العقاب، ولكن هذه النصوص اشترطت توافر العلم بأن هذه الأموال مستمدة من أية جريمة أو جرائم تتعلق بالاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية.

وبمعنى آخر فإن اتفاقية فيينا لعام 1988 سالفة الذكر نصت على تجريم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، ونصت أيضا على تجريم غسيل الأموال المستمدة من جرائم المخدرات.

 

وقد جاء في المادة (3) من اتفاقية فيينا لعام 1988 ايضا ضرورة اتخاذ كل طرف في الإتفاقية في اطار قانونه الداخلي ما يلزم من التدابير لتجريم كل عمل من شأنه إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو ملكيتها، مع العلم بأنها مستمدة من جرائم المخدرات.

 

ومما نلاحظه على نصوص هذه الإتفاقية أنها قصرت تجريم غسيل الأموال على الأموال المستمدة من الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ولم توسع نطاق التجريم لغسيل الأموال ليشمل الأموال القذرة المستمدة من مصادر إجرامية أخرى، كالرشوة، والفساد المالي والإداري، والاتجار بالأسلحة، والبغاء وغيرها من المصادر الإجرامية. وقد يكون السبب وراء ذلك هو أن هذه الإتفاقية خاصة بالاتجار غير المشروع في المخدرات دون غيره من الأنشطة الإجرامية الأخرى.

 

وأما بالنسبة لتجريم غسيل الأموال المستمدة من الجرائم الأخرى فقد اهتمت به اتفاقيات ومؤتمرات أخرى كإتفاقية المجلس الأوروبي لعام 1990 الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وغيرها، التي سنعرض لها فيما بعد.

 

ومما نلاحظه على هذه الإتفاقية ايضا هو قصور التعاون الدولي في هذا المجال، حيث لم ينضم إلى هذه الإتفاقية سوى (145) دولة من دول العالم، أي ان حوالي (40) دولة لم تنضم إليها بعد. وكذلك فإن حوالي (30) دولة فقط من الدول الأعضاء في الإتفاقية تطبق إجراءات مكافحة غسيل الأموال التي تعد جزءا لا يتجزأ من هذه الإتفاقية، أي ان حوالي (155) دولة من الدول الأعضاء في الإتفاقية، ومن الدول التي لم تنضم إليها بعد لا زالت لم تطبق إجراءات مكافحة غسيل الأموال(5).

 

وأما بالنسبة للعقاب فقد حددت المادة (3) من اتفاقية فيينا سالفة الذكر المبادىء العقابية التي يمكن للدول الأعضاء في الإتفاقية أن تضمنها في قوانينها الداخلية – مع عدم الإخلال بمبدأ الاحتكام إلى القانون الداخلي للطرف العضو في الإتفاقية – كالعقوبات السالبة للحرية، وعلاج المجرمين، ورعايتهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في مجتمعاتهم.

وقد تركت هذه الإتفاقية للتشريعات الداخلية أمر تحديد فترات العقوبات السالبة للحرية طبقا لما يتماشى مع دساتيرها وقوانينها المتبعة. ولم تغفل الإتفاقية عن وضع المبادىء الخاصة بتشديد العقوبة حسب طبيعة الجريمة أو ضخامة المبالغ المغسولة. كما نصت الإتفاقية ايضا على مصادرة المتحصلات المستمدة من جرائم المخدرات، وما يتصل بها من إجراءات سابقة كالحجز والتجميد للأرصدة المتصلة بتلك الجرائم. ولا يفوتنا أن نذكر بأن هذه الإتفاقية قد استثنت من عقوبة المصادرة حقوق الغير حسن النية(6). ولم تكن اتفاقية فيينا لعام 1988 هي الإتفاقية الوحيدة التي اهتمت بمكافحة غسيل الأموال وتجريمه، فهناك العديد من الاتفاقات والمؤتمرات التي اهتمت بذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

 

1.     اتفاقية المجلس الأوروبي الخاصة بغسيل الأموال:

لقد تبنى المجلس الأوروبي هذه الإتفاقية عام 1990، وتشكل هذه الإتفاقية سياسة عامة مشتركة ضد غسيل الأموال سواء كانت هذه الأموال مستمدة من جرائم المخدرات أو غيرها من الأنشطة الإجرامية. وتتضمن هذه الإتفاقية مبادىء تجيز التفتيش عن الأموال القذرة، وضبطها، ومصادرتها اذا كانت مستمدة من جريمة(7).

2.      قانون المبادىء الصادر عن لجنة بازل (Basle) لعام 1988:

لقد أصدرت هذه اللجنة وثيقة مبادىء، تحظر على البنوك الدولية في الدول الأعضاء العمليات المشبوهة، وتطلب منها التأكد من شخصية العملاء، والتعاون مع الجهات التنفيذية(8).

 

3.      إعلان الدول الأمريكية (1 Xtapa) في المكسيك عام 1990:

صدر هذا الاعلان عن منظمة الدول الأمريكية التي اجتمعت في المكسيك، وقد أكد هذا الاعلان على الحاجة لتشريع يجرم الأنشطة المتعلقة بغسيل الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وحجزها، ومصادرتها، وحث الجهات المصرفية على التعاون مع الهيئة المعنية من أجل تحقيق هذا الهدف(9).

 

4.      إعلان كنجستون عام 1992:

عقدت بعض دول الكاريبي واميركا اللاتينية اجتماعا في جاميكا، وقد أكد المجتمعون على خطورة غسيل الأموال، وتجريمها، ومكافحتها بشتى الطرق(10).

 

5.     إدارة (فوباك) التابعة للانتربول الدولي:

أنشئت هذه الادارة عام 1993 من أجل جمع المعلومات المتعلقة بغسيل الأموال، وقد قامت بإجراء دراسة تتعلق بمتطلبات التعاون الدولي في ملاحقة الموجودات غير المشروعة في الخارج. وكذلك قامت هذه اللجنة بدراسة الوضع القائم لعمليات ملاحقة الموجودات غير المشروعة وخاصة في الدول الأوروبية، وقد أوضحت هذه اللجنة أن بالامكان الحصول على هذه المعلومات عن طريق الطلب من منظمة الانتربول تزويد الدولة الطالبة بالمعلومات التي تريدها والمتعلقة بالقضية المطروحة أمامها بشرط أن يكون هذا الطلب صادرا من قبل أحدى الجهات القانونية المختصة بإجراء التحقيق بالنشاط الاجرامي، أو عن طريق رسائل إلتماس صادرة عن جهات قضائية مخولة بإجراء التحقيق في النشاط الإجرامي(11).

 

6.      المؤتمر الوزاري العالمي لمكافحة الجريمة الدولية المنظمة:

عقد هذا المؤتمر في ايطاليا عام 1994 من اجل وضع التدابير اللازمة لمكافحة غسيل الأموال. وقد طالب هذا المؤتمر بضرورة التعاون الدولي لمنع غسيل الأموال عن طريق مراقبة عائدات الأنشطة الإجرامية، وتجريم عائدات الأنشطة الإجرامية، وفرض العقوبات الملائمة، ومصادرة العوائد غير المشروعة، واتخاذ تدابير تحد من السرية المصرفية من اجل فرض مراقبة على غسيل الأموال.

 

وقد أوصى هذا المؤتمر بضرورة تطبيق قاعدة "اعرف زبونك" والكشف عن العمليات المشبوهة، وتوحيد جهود المنظمات والأجهزة العالمية والاقليمية من اجل مكافحة عمليات غسيل الأموال، وضرورة قيام الأمم المتحدة بمساعدة الدول ماليا وفنيا للقضاء على عمليات غسيل الأموال(12).

 

7.     المؤتمرات العربية لمكافحة الجريمة:

لقد عقدت العديد من المؤتمرات العربية من اجل مكافحة الجريمة والتعاون الأمني. ومن أهم هذه المؤتمرات المؤتمر العربي الثامن لمكافحة المخدرات الذي عقد في تونس عام 1994، والذي ناقش عمليات غسيل الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية. وكذلك عقد ايضا مؤتمر في عمان بالأردن عام 1994 وشاركت فيه وفود من بعض الدول العربية مثل مصر والبحرين والسعودية والاردن بالإضافة إلى وفد فرنسي. وقد اهتم هذا المؤتمر بموضوع غسيل الأموال الناتجة عن الجرائم بصفة عامة من اجل القضاء على هذه الظاهرة ومن اجل المساهمة في مكافحة المخدرات. ومن المؤتمرات التي عقدت ايضا مؤتمر وزراء الداخلية العرب عام 1994 والذي انبثقت عنه الإتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، ومؤتمر التعاون الأمني عام 1996 الذي عقد على مستوى وزراء الداخلية العرب في تونس من اجل التنسيق الدولي لمنع وتعقب الجريمة، ومصادرة العوائد المتحصلة من عمليات غسيل الأموال، وتحقيق التعاون الأمني مع الانتربول الدولي في تسليم المجرمين، وعدم استخدام الحسابات المصرفية السرية من اجل اخفاء الأموال المستمدة من تجارة المخدرات.

 

هذا ولن يتسع المجال لسرد كل المؤتمرات التي عقدت من اجل مكافحة عمليات غسيل الأموال، لذلك اكتفينا بالإشارة لبعضها(14).

 

 

 

 

الفرع الثاني
توسيع معايير الإختصاص القضائي الجنائي

 

إن ملاحقة عمليات غسيل الأموال تتطلب تكاملا في معايير الإختصاص القضائي حتى لا يفلت الجناة من العقاب، وخاصة أن اركان هذه الجريمة قد تقع على أقاليم دول متعددة. وهذا ما أكدت عليه اتفاقية فيينا لعام 1988 سالفة الذكر.

 

فقد جاء بالمادة (4) من هذه الإتفاقية ان على كل طرف في الإتفاقية أن يتخذ ما قد يلزم من تدابير لتقرير اختصاصه القضائي في مجال الجرائم التي يكون قد قررها وفقا للفقرة (1) من المادة (3) عندما ترتكب الجريمة على اقليمه(15)، أو عندما ترتكب الجريمة على متن سفينة ترفع علمه، أو طائرة مسجلة بمقتضى قوانينه وقت ارتكاب الجريمة(16). ويجوز لكل طرف في الإتفاقية أن يتخذ ما قد يلزم من تدابير لتقرير اختصاصه القضائي في مجال الجرائم التي يقررها وفقا للفقرة (1) من المادة (3) عندما يرتكب الجريمة احد مواطنيه أو شخص يقع محل إقامته المعتاد في اقليمه(17)، أو عندما ترتكب الجريمة على متن سفينة تلقى الطرف إذنا بإتخاذ الاجراءات الملائمة بشأنها عملا بأحكام المادة (17)، شريطة أن لا يمارس هذا الإختصاص إلا على اساس الاتفاقيات أو الترتيبات المشار إليها في الفقرتين (4 و 9) من تلك المادة(18). ولم تستبعد هذه الإتفاقية ممارسة اي اختصاص جنائي مقرر من قبل اي طرف وفقا لقانونه الداخلي(19).  

 

وهكذا فقد أكدت اتفاقية فيينا المذكورة على الأخذ بمبدأ الإقليمية لانعقاد الإختصاص بمحاكمة مرتكبي جريمة غسيل الأموال سواء وقعت الجريمة على اقليم الدولة الطرف، أو على متن سفينة ترفع علمها، أو طائرة مسجلة بمقتضى قوانينها وقت وقوع الجريمة. كما تبنت هذه الإتفاقية مبدأ الشخصية في شقه الإيجابي اذا أجازت أن ينعقد الإختصاص للدولة التي يحمل جنسيتها مرتكب الجريمة, وكذلك أجازت مبدأ العالمية إذ جعلت الإختصاص ينعقد للدولة التي يقع في اقليمها محل الاقامة المعتاد للشخص مرتكب الجريمة(20).

 

وقد أعقب هذه الإتفاقية أن كثيرا من الدول قامت بالفعل بتوسيع نطاق اختصاصها القضائي ليشمل جريمة غسيل الأموال بعد أن اعتبرت هذا الفعل جريمة مستقلة ومن جرائم الإرهاب، وهذا ما تؤكده الفقرة (2) من المادة (2) من القانون الأردني المعدل المؤقت رقم (54) لسنة 2001 المعدلة لنص المادة (147) من قانون العقوبات الأصلي رقم (16) لسنة 1960، والتي جاء فيها يعد من جرائم الارهاب اي فعل يتعلق بأي عملية مصرفية وبصورة خاصة ايداع أموال لدى اي بنك في المملكة أو اي مؤسسة مالية تمارس اعمال البنوك أو تحويل هذه الأموال من قبلها إلى اي جهة كانت اذا تبين أنها أموال مشبوهة ولها علاقة بنشاط إرهابي، وفي هذه الحالة تطبق الإجراءات التالية:

 

أ‌-   الحجز التحفظي على هذه الأموال بقرار من النائب العام، وحضر التصرف بها إلى حين استكمال إجراءات التحقيق بشأنها.

ب‌-  قيام النائب العام بالتنسيق والتعاون مع البنك المركزي واي جهة ذات علاقة، محلية كانت ام دولية بالتحقيق في القضية، واذا ثبت ان لتلك العملية المصرفية علاقة بنشاط إرهابي فيتم إحالة القضية إلى المحكمة المختصة.

ج- يعاقب من يرتكب هذه الجريمة بالأشغال الشاقة المؤقتة، ويعاقب الإداري المسؤول

    في البنك أو المؤسسة المالية الذي اجرى العملية وهو عالم بذلك بالحبس، وتتم

    مصادرة الأموال التي تم التحفظ عليها.

 

الفرع الثالث

تسليم المجرمين

 

لقد عالجت اتفاقية فيينا لعام 1988 سالفة الذكر تسليم المجرمين في جرائم غسيل الأموال وغيرها من جرائم المخدرات في المادة (6) منها على نحو متكامل، ويراعي الإعتبارات التالية:

 

‌أ-       جواز إعتبار هذه الإتفاقية مرجعية قانونية لتسليم المجرمين:

وهذا ما تؤكده الفقرة (2) من المادة (6) من هذه الإتفاقية، التي جاء فيها اذا تلقى طرف – يخضع تسليم المجرمين لوجود معاهدة – طلب تسليم من طرف آخر لا يرتبط معه بمعاهدة تسليم، جاز له أن يعتبر هذه الإتفاقية الأساس القانوني للتسليم فيما يتعلق بأية جريمة تنطبق عليها هذه المادة(21). وعلى الأطراف التي تستلزم وجود تشريع تفصيلي لإعتبار هذه الإتفاقية اساسا قانونيا لتسليم المجرمين، أن تنظر في سن هذا التشريع. وكذلك فقد أجازت الفقرة (4) من المادة (6) للأطراف – التي لا تخضع تسليم المجرمين لوجود معاهدة – أن تسلم بأن الجرائم التي تنطبق عليها هذه المادة جرائم يجوز فيها التسليم فيما بينها. ولم تغفل الإتفاقية عن التأكيد بأن كل جريمة من الجرائم التي تنطبق عليها هذه المادة تعتبر مدرجة كجريمة يجوز فيها تسليم المجرمين، في اي معاهدة لتسليم المجرمين سارية فيما بين الأطراف، وتتعهد الأطراف بإدراج تلك الجرائم في عداد الجرائم التي يجوز فيها تسليم المجرمين في اية معاهدة لتسليم المجرمين تعقد فيما بينها(22).

 

‌ب-   أخذ التشريع الوطني بالإعتبار:

لقد أخضعت الإتفاقية تسليم المجرمين، والأسباب التي يجوز أن يستند إليها الطرف متلقي الطلب لرفض التسليم للشروط التي ينص عليها قانون الطرف متلقي الطلب أو معاهدات تسليم المجرمين الواجبة التطبيق(23). وكذلك فقد أجازت الإتفاقية للدولة متلقية الطلب أن ترفض الإستجابةلمثل هذه الطلبات عند وجود دواع كافية تؤدي إلى إعتقاد سلطاتها القضائية أوسلطاتها المختصة الأخرى بأن الأستجابة ستيسر ملاحقة أي شخص أو معاقبته بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو معتقداته أو أنها تلحق ضرراً لأي سبب من هذه الأسباب بأي شخص يمسه الطلب  

 

‌ج-    تدارك الآثار السلبية التي قد تترتب على عدم حصول التسليم:

وذلك بتخويل الدولة المطلوب منها التسليم سلطة تنفيذ العقوبة الصادرة عن محاكم الدولة الطالبة في الشخص المطلوب تسليمه(25). ولا نود التوسع في هذه النقطة في هذا المقام لأننا سنتعرض لها بالتفصيل عندما نبحث الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية في الفرع الرابع من المطلب الأول.

 

ومن أجل تدارك الآثار السلبية التي قد تنجم عن عدم التسليم فقد اجازت الإتفاقية للطرف متلقي الطلب، ومع مراعاة أحكام قانونه الداخلي وما يلزمه من معاهدات لتسليم المجرمين، وبناء على طلب من الطرف الطالب أن يحتجز الشخص المطلوب تسليمه اذا كان موجودا في اقليمه، أو ان يتخذ التدابير الملائمة لضمان حضور ذلك الشخص عند إجراءات التسليم، وذلك اذا اقتنع الطرف متلقي الطلب بأن الظروف تبرر ذلك، وبأنها ظروف عاجلة(26).

 

وكذلك فقد أكدت الإتفاقية، ودون الإخلال بممارسة أي اختصاص قضائي جنائي مقرر وفقا للقانون الداخلي للطرف الطالب، أن على الطرف الذي يوجد في إقليمه الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة اذا لم يسلمه بصدد جريمة منصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (3) للأسباب المبينة في الفقرة الفرعية (أ) من الفقرة (3) من المادة (4)، أن يعرض القضية على سلطاته المختصة بغرض الملاحقة، ما لم يتفق على خلاف ذلك مع الطرف الطالب(27)، وذلك تداركا لآثار عدم التسليم.  

 

هذا وقد حظت الإتفاقية الأطراف على السعي لإبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف لتنفيذ تسليم المجرمين، أو تعزيز فعاليته(28).

 

الفرع الرابع
الإعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية

 

يرى أحد الباحثين بأنه بات من المسلمات لحقبة طويلة تلازم فكرة السيادتين التشريعية والقضائية في المجال الجنائي، وانه على خلاف الأحكام المدنية، فإن الأحكام الجنائية الصادرة عن محكمة أجنبية لم يكن لها قوة تنفيذية على إقليم دولة أخرى. ولكن العديد من المفاهيم المتعلقة بالسيادة الوطنية قد تغيرت أمام ثورة المواصلات والاتصالات من ناحية، وامام استفحال ظاهرة الجريمة المنظمة من ناحية أخرى، الأمر الذي دفع المشرع الوطني إلى ان يتقبل في حدود معينة الاعتراف ببعض الآثار الأحكام الجنائية الصادرة عن محاكم دولة أخرى، دون أن يتخلى كلية عن الاحتفاظ بهيمنة قانونه الوطني عند الحاجة(29).

 

وعلى أية حال فقد عالجت اتفاقية فيينا سالفة الذكر موضوع الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية على استحياء، ضمن موضوع تسليم المجرمين، ودون ان تعيره الاهتمام الكافي الذي اعارته للموضوعات الأخرى، كالاختصاص القضائي، وتسليم المجرمين، والمصادرة، وغيرها من الموضوعات التي أفردت لكل منها مادة مستقلة، مفصلة أحكام كل منها بإسهاب. وأما بالنسبة لموضوع الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الاجنبية فقد عالجته في الفقرتين(10 و 12) من المادة(6) المخصصة لموضوع تسليم المجرمين، وذلك تفاديا للآثار السلبية التي قد تنجم عن عدم التسليم.

وهذا ما تؤكده الفقرة (10) من المادة (6) التي جاء فيها، إذا رفض طلب التسليم الرامي إلى تنفيذ عقوبة ما، لأن الشخص المطلوب تسليمه من مواطني الطرف متلقي الطلب، ينظر الطرف متلقي الطلب اذا كان قانونه يسمح بذلك وطبقا لمقتضيات هذا القانون، وبناء على طلب من الطرف الطالب، في تنفيذ العقوبة المحكوم بها بموجب قانون الطرف الطالب، أو ما تبقى من تلك العقوبة.

 

وبمعنى آخر فلا بد من توافر أربعة شروط للاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية وهي:

 

‌أ-   أن يتم رفض طلب التسليم الرامي إلى تنفيذ عقوبة ما، من قبل الدولة المطلوب منها التسليم، لأن الشخص المطلوب تسليمه من مواطنيها.

‌ب-  أن يتم التنفيذ بناء على طلب الدولة التي طلبت التسليم فرفض.

‌ج-    ان يسمح قانون الدولة المطلوب منها التسليم بذلك، وأن تراعي الأحكام التي ينص

   عليها هذا القانون في هذا الشأن.

‌د-      أن يتعلق الأمر بتنفيذ العقوبة المحكوم بها بموجب قانون الدولة طالبة التسليم، أو بما

   يتبقى من تلك العقوبة.

 

وقد أجازت الإتفاقية للأطراف إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة، خاصة أو عامة، بشأن نقل الأشخاص المحكوم عليهم بالسجن وبأشكال أخرى من العقوبة السالبة للحرية بسبب جرائم تنطبق عليها المادة (المادة 6) إلى بلدانهم، لكي يملكوا هناك باقي العقوبة المحكوم عليهم بها(30).

 

 

 

الفرع الخامس
المساعدة القانونية المتبادلة

 

لقد حثت اتفاقية فيينا سالفة الذكر الدول الأطراف على أن تقدم لبعضها البعض المساعدة القانونية المتبادلة في اي تحقيقات وملاحقات وإجراءات قضائية تتعلق بأية جريمة منصوص عليها في الفقرة(1) من المادة (3) من هذه الإتفاقية(31). وكذلك فقد أجازت هذه الإتفاقية أن تطلب المساعدة القانونية المتبادلة التي تقدم وفقا لهذه المادة (المادة 7) لأي من الأغراض التالية:

 

1.     أخذ شهادات الأشخاص أو إقراراتهم.

2.     تبليغ الأوراق القضائية.

3.     إجراء التفتيش والضبط.

4.     فحص الأشياء وتفقد المواقع.

5.     الإمداد بالمعلومات والأدلة.

6.  توفير النسخ الأصلية أو الصور المصدقة من المستندات والسجلات، بما في ذلك السجلات المصرفية أو المالية أو سجلات الشركات أو العمليات التجارية.

7.  تحديد نوع المتحصلات أو الأموال أو الوسائط أو غيرها من الأشياء، أو تتبع أثرها لأغراض الحصول على أدلة(32).

 

ومن أجل مكافحة غسيل الأموال فإن الإتفاقية لم تجز لأي دولة طرف في الإتفاقية أن تمتنع عن تقديم المساعدة القانونية المتبادلة بموجب المادة (7) من الإتفاقية بحجة سرية العمليات المصرفية(33).  

 

ولا ننسى أن نذكر بأن الإتفاقية قد حرصت على التوكيد، على مراعاة أحكام التشريع الوطني لكل دولة طرف في الإتفاقية(34)، وما ترتبط به الدول الأطراف من اتفاقيات أخرى(35).

 

ومما يذكر في هذا المقام أن المساعدة القانونية لم تكن هي المساعدة الوحيدة التي حضت عليها الإتفاقية، فهناك أشكال أخرى من المساعدة والتدريب والتعاون التي حضت عليها هذه الإتفاقية.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد حضت الإتفاقية الدول الأطراف على إنشاء قنوات اتصال بين أجهزتها لتسهيل التبادل المأمون والسريع للمعلومات المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (3) من هذه الإتفاقية(36)، وتشجيع تبادل الموظفين وغيرهم من الخبراء(37)، ومساعدة الأطراف لبعضها البعض في تخطيط وتنفيذ برامج الأبحاث والتدريب التي تكسب العاملين الخبرة اللازمة لمتابعة حركة الأموال المستمدة من ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (3) من هذه الإتفاقية(38)، ومساعدة الدول الأطراف لدول العبور وخاصة في الدول النامية بتقديم برامج تعاون تقني فيما يتعلق بالأنشطة المتعلقة بتجريم المخدرات، وما يتصل بها من أنشطة أخرى(39)، أو بتقديم مساعدات مالية بهدف تعزيز المرافق التي تمنع الاتجار غير المشروع بالمخدرات في هذه الدول(40). ولم تكن اتفاقية فيينا هي الوحيدة التي حضت على المساعدة القانونية المتبادلة، فقد حضت كافة المؤتمرات والاتفاقات التي عقدت بشأن محاربة غسيل الأموال على هذه المساعدة (راجع ص4 من هذا البحث).

 

وفي ختام هذا المطلب أود القول بأن المشكلة لا تكمن في وجود التشريعات التي تجرم غسيل الأموال، فالتشريعات كثيرة سواء على المستوى العالمي أو الاقليمي، أو الوطني، وإن لم تكن بعض الدول لم تسن بعد التشريعات اللازمة لمكافحة غسيل الأموال، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود التعاون الصادق والجاد من قبل بعض الدول لمكافحة غسيل الأموال، نظرا لما تجنيه هذه الدول من أموال قذرة، ودون الاهتمام بمصادرها غير المشروعة بحجة انها بحاجة لهذه الأموال من اجل التنمية، ومحاربة الفقر والبطالة وغيرها من الذرائع الباطلة، ولكن الأدهى من ذلك وأمر أن بعض الدول والمؤسسات المالية تقدم التسهيلات اللازمة لغاسلي الأموال القذرة مقابل العمولة التي تدفع لها، والتي وصلت حديثا إلى حوالي 25% من قيمة الأموال التي تغسل(41).

 

المطلب الثاني

وسائل المكافحة على الصعيد الوطني

 

لقد سارت العديد من الدول في طريق مكافحة غسيل الأموال، وخطت خطوات هامة في هذا الطريق، ولكنها لم تصل إلى نهاية الطريق بسبب وجود عقبات منعتها من ذلك، أهمها عقبة التمسك بالسرية المصرفية. ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وألمانيا، وانجلترا، وسويسرا، وإيطاليا، واستراليا، ومصر، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، ولبنان، والأردن ... الخ. ولكن أهم الدول التي قطعت شوطا لا بأس به في هذا المجال هي الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وألمانيا، واستراليا. ولن يتسع المجال في هذا المقام لعرض تجارب كل الدول، لذلك سنكتفي بعرض التجربة الفرنسية كمثال على تجارب الدول الأجنبية في مكافحة غسيل الأموال، ولأن هذه الدولة لها باع طويل في هذا المجال ولا يفوتنا أن تعرض للتجربة الأردنية في هذا المجال، خاصة وأن المشرع الأردني ادخل حديثا تعديلا على قانون العقوبات، اعتبر بموجبه غسيل الأموال جريمة مستقلة وقائمة بذاتها. وبناء على ما تقدم سنقسم هذا المطلب إلى فرعين وذلك على النحو التالي:

 

الفرع الأول: التجربة الفرنسية في مكافحة غسيل الأموال.

الفرع الثاني: التجربة الأردنية في مكافحة غسيل الأموال.

الفرع الأول
التجربة الفرنسية في مكافحة غسيل الأموال

 

سنتعرف على التجربة الفرنسية في مكافحة غسيل الأموال من خلال تعرضنا لنصوص القانون التي تجرم وتعاقب على هذا النشاط، ومن خلال التعاون الدولي الفرنسي في مكافحة هذه الجريمة.

 

أولا: التجريم:

نظرا لانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات، فقد قام المشرع الفرنسي بتجريم صور شتى ومتنوعة لهذه الظاهرة. ويعد قانون 24/12/1953، وقانون 31/12/1970 حجر الأساس في التشريع الفرنسي لمكافحة انتاج وتعاطي والاتجار بالمخدرات. ثم جاء بعد ذلك قانون 31/12/1978 ليعدل في بعض أحكام القانونيين السابقين، وليشدد الجزاءات الواردة فيهما. وقد اهتم المشرع الفرنسي في قانون 1987 بملاحقة عائدات المخدرات والحيلولة دون فوز الجناة بها، لذلك أصبح من الضروري تعقب صفقات المخدرات، ومصادرتها، وملاحقة الذمة المالية لتجار المخدرات، وما يمتلكونه من أصول وأموال نجحوا في غسلها وإضفاء صفة المشروعية عليها. ولكن هذه الملاحقة لم تكن بالأمر السهل، نظرا لاستخدام تجار المخدرات لأساليب التحايل والخداع وتهريب الأموال إلى خارج فرنسا، وإخفاء كافة العلاقات والاتصالات المباشرة بين القائمين على صفقات المخدرات ومنفذيها. ولهذا حرص المشرع الفرنسي على توسيع نطاق البحث عن الأموال والثروات غير المشروعة المتحصلة عن الاتجار بالمخدرات حتى ولو شمل ذلك بعض المؤسسات المالية التي ترتبط بالتعامل في هذه الأموال والثروات، وهذا ما دفع المشرع الفرنسي إلى الإسراع بإصدار قانون 12/يوليو/1990، الذي اهتم بدور المؤسسات المالية في مكافحة غسيل الأموال المتحصلة من الاتجار في المخدرات، والحد من إطلاق مبدأ سرية المعاملات المصرفية، دون المساس بما يفرضه هذا المبدأ على المؤسسات المصرفية من قيود. وهذا واضح من نص المادة (3) من هذا القانون التي أوجبت الإخطار عن الأموال والعمليات المصرفية التي تبدو أنها متحصلة عن إحدى جرائم المخدرات، والمادة (14) التي تلزم المؤسسات المصرفية بإجراء فحص لكل عملية مصرفية تزيد عن مبلغ معين حيث يشك في مشروعية مصدرها، حتى ولو لم تكن متعلقة بجرائم المخدرات، وفي مثل هذه الأحوال فإن على البنك أن يستعلم من العميل عن حقيقة مصدر هذه الأموال، والجهة المحولة إليها هذه الأموال، وعن الشخص المستفيد منها.

 

وكذلك فقد أوجبت المادة (15) من قانون 12/يوليو/1990 على البنك ان يظل محتفظا بالمستندات الخاصة بكافة عملائه لمدة خمس سنوات بعد قفل حساباتهم وانتهاء علاقتهم به(42). ولكن المشرع الفرنسي لم يتوقف عند هذا الحد، بل خطى خطوات كبيرة في مكافحته لغسيل الأموال واستخدام الأموال المتحصلة من مصادر غير مشروعة، وذلك بالقانون رقم (96-392) الصادر في 13/مايو/1996، الذي تضمن الباب الأول منه النصوص المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال، والتعاون الدولي في ضبط ومصادرة عائدات الجرائم، في حين كرس الباب الثاني منه للنصوص الهادفة إلى تعزيز مكافحة الاتجار في المخدرات.

ومما يلاحظ على هذا القانون ما يلي:

‌أ-   قيام المشرع الفرنسي بتجريم ومعاقبة مختلف صور غسيل الأموال المتحصلة عن جناية أو جنحة، أيا كانت هذه الجناية والجنحة، وسواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهذا ما يؤكده نص المادة (324/1+2)(43).

وهذا ما قام به المشرع الامريكي من قبل حين أصدر قانونا عام 1970، يتعلق بسرية الحسابات المصرفية، والذي هدف إلى تعقب العمليات النقدية لمنع عمليات غسيل الأموال سواء كانت ناتجة عن تجارة المخدرات، أو الناتجة عن التهريب، أو عن القمار، أو عن الاختلاس، أو عن التهرب الضريبي، أو التجارة في الممنوعات(44).

 

‌ب-   الحرص على تجريم غسيل الأموال الناتجة تحديدا عن إحدى جرائم المخدرات:

حرص المشرع رغم عمومية نص المادة (324/1+2) على تجريم وعقاب غسيل الأموال الناتجة عن إحدى جرائم المخدرات، وهذا واضح من إدراج المادة (222/38) في صلب قانون العقوبات الجديد، والتي تعاقب على تسهيل التبرير الكاذب لمصدر الأموال أو الدخول أو صنعها أو بيعها أو تصديرها أو نقلها أو حيازتها أو عرضها أو النزول عنها أو اكتسابها أو استعمالها، وكذلك الأموال المتحصلة عن جريمة إنتاج أو صناعة المواد المخدرة أو جلبها أو تصديرها بطريق غير مشروع، أو المساعدة في عمليات ايداع أو إخفاء أو تحويل العوائد المتحصلة عن إحدى هذه الجرائم.

 

وبناء على ذلك فقد ذهب أحد الباحثين(45) إلى القول بأن قانون العقوبات الفرنسي الجديد يحتوي على جريمة غسيل الأموال بوصفها تكييفا عاما أو أصليا يسري على جميع الأموال الناتجة عن أي مصدر غير مشروع، ويحتوي أيضا على جريمة غسيل الأموال بوصفها تكييفا خاصا في مجال مكافحة المخدرات.

 

وقد يرجع السبب في ذلك إلى ان المشرع الفرنسي قد أراد أفراد نص خاص لغسيل الأموال الناتجة عن إحدى جرائم المخدرات لمزيد من الردع في مجال مكافحة المخدرات، رغم أن التكييف العام لغسيل الأموال يسمح بذلك، هذا من ناحية، ولكي يزيد العقوبة المقررة من ناحية أخرى. وهذا واضح من رفع عقوبة غسيل الأموال المتحصلة عن إحدى جرائم المخدرات إلى السجن لمدة عشر سنوات وغرامة مقدارها خمسة ملايين فرنك فرنسي، بينما العقوبة المقررة لجريمة غسيل الأموال كوصف عام هي خمس سنوات وغرامة مقدارها مليونان ونصف المليون فرنك فرنسي(46).

 

 

 

ثانيا: الجزاءات:

 

يعاقب القانون الفرنسي على جريمة غسيل الأموال في صورتها البسيطة بالسجن لمدة خمس سنوات وبغرامة مقدارها مليونان ونصف المليون فرنك فرنسي. ولكن هذه العقوبة تشدد لكي تصبح السجن لمدة عشر سنوات، وتضاعف الغرامة لتصبح خمسة ملايين فرنك فرنسي(47)،  اذا توافر أحد الظرفين التاليين:

‌أ-       الاعتياد أو استخدام الوسائل التي ييسرها مزاولة نشاط مهني.

‌ب-  وقوع الجريمة بصورة جريمة منظمة.

 

وكذلك يعاقب القانون الفرنسي على الشروع في جرائم غسيل الأموال، وبنفس العقوبة المقررة للجريمة التامة(48).

 

وهناك العديد من العقوبات التكميلية التي توقع على مرتكبي جرائم غسيل الأموال التي ترتكب من الأشخاص الطبيعيين، كالمنع من تولي الوظائف العامة، وحظر إصدار الشيكات، والمنع من مزاولة النشاط المهني أو الاجتماعي الذي وقعت الجريمة اثناءه أو بمناسبته، ووقف رخصة القيادة لمدة معينة، أو إلغاؤها، ومصادرة سيارات فاعل الجريمة، وأسلحته، والأشياء المستخدمة في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لذلك، أو الأشياء المتحصلة عن الجريمة، والمنع من ممارسة الحقوق السياسية، والمدنية، وحقوق الأسرة، والمنع من مغادرة إقليم الدولة، ومنع الأجنبي مرتكب الجريمة من دخول إقليم الدولة(49).

 

وكذلك فقد قرر المشرع الفرنسي مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا عن جرائم غسيل الأموال، وعدد الجزاءات التي يمكن أن يحكم بها عليه(50).

 

ثالثا: تفعيل التعاون الدولي لمكافحة جريمة غسيل الأموال

 

من اجل تعزيز التعاون الدولي في مكافحة غسيل الأموال فإن القانون الفرنسي يعاقب كل من قام بطريق التصدير أو الجلب أو النقل أو المقاصة بعملية مالية بين فرنسا والخارج أو شرع في القيام بذلك اذا انصبت هذه العملية على أصول مالية يعلم الشخص بأنها ناتجة بطريق مباشر أو غير مباشر عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون الجمارك أو إحدى جرائم المخدرات. وقد هدف المشرع من ذلك التغلب على حيل التمويه المصرفي التي يلجأ إليها في غسيل الأموال، ومواجهة الصعوبات الناشئة عن تطبيق قواعد الإختصاص في حال وقوع أركان الجريمة على إقليم أكثر من دولة. وكذلك يعاقب القانون الفرنسي على القيام بالمقاصة المصرفية أو الشروع فيها. وقد هدف المشرع الفرنسي على القيام بالمقاصة المصرفية أو الشروع فيها. وقد هدف المشرع الفرنسي من ذلك منع إفلات المحترفين في غسيل الأموال من الملاحقة القانونية. وكذلك فقد ساوى المشرع بين غسيل الأموال المتحصلة بطريق مباشر أو غير مباشر عن إحدى الجرائم التي سبق الإشارة إليها. وقد هدف المشرع من ذلك تفعيل ملاحقة تدوير الأموال في صورها المختلفة، وتعقب عمليات غسيل الأموال بغض النظرعن تغير طبيعة هذه الأصول أو الأموال.

 

ويضاف إلى ذلك أن المشرع الفرنسي قد جرّم غسيل الأموال على الرغم من أن العملية المالية لم تقع بأكملها على الإقليم الفرنسي، وقد هدف من ذلك مكافحة غسيل الأموال الذي يقع في صورة جريمة منظمة(51).

 

هذا عن تعزيز التعاون الفرنسي لمكافحة غسيل الأموال في ظل التشريعات التي سبقت قانون 13/5/1996، وأما عن تعزيز التعاون الدولي في مكافحة غسيل الأموال في ظل هذا القانون الجديد فقد حظي بإهتمام المشرع الفرنسي. ويمكن التعرف على اهتمام المشرع الفرنسي في هذا المجال من خلال إجازته تطبيق أحكام هذا القانون – 13/5/1996 – على كل طلب تقدمه إحدى الدول الأطراف في معاهدة مجلس أوروبا التي عقدت في ستراسبورج عام 1990، والمتعلقة بغسيل الأموال المتحصلة عن جناية، وكشفها وضبطها، ومصادرتها، اذا كان الهدف من الطلب اتخاذ أحد الإجراءات التالية:

 

‌أ-   البحث والكشف عن عوائد الجريمة، أو عن الشيء الذي استخدم في ارتكابها، أو كان معدا لإرتكابها، أو عن اي مال تماثل قيمته عوائد الجريمة.

‌ب-  مصادرة هذه الأشياء أو العوائد أو الأموال.

‌ج-    اتخاذ الإجراءات التحفظية على هذه الأشياء أو العوائد أو الأموال(52).

 

ولكن المشرع الفرنسي أجاز رفض الطلب المقدم من إحدى الدول الأطراف في معاهدة مجلس اوروبا والمتعلق بغسيل الأموال في الحالات التالية:

 

‌أ-       اذا كان تنفيذ هذا الطلب مخالفا للنظام العام.

‌ب- اذا كانت الأفعال محل الطلب موضوعا لملاحقات جنائية في فرنسا، أو موضوعا لحكم نهائي صادر على الإقليم الفرنسي.

‌ج-   اذا كان الطلب متعلقا بجريمة سياسية.

‌د-     اذا كان الحكم الأجنبي الذي استند إليه الطلب قد صدر حاليا من الضمانات الكافية الخاصة بحقوق الدفاع.

‌ه-       اذا كانت الأفعال التي استند إليها الطلب لا تشكل جريمة وفقا للقانون الفرنسي. ولكن

     الطلب يقبل في مثل هذه الحالة اذا اقتصر موضوعه على البحث أو الكشف عن

     عوائد الجريمة أو الأشياء التي استخدمت في ارتكابها، أو التي كانت معدة لارتكابها،

     ولكن بشرط إلا ينطوي هذا الطلب على اتخاذ تدابير ماسة بالحرية.

‌و-     اذا كان الطلب لا ينطوي على أهمية تبرر اتخاذ الإجراء المطلوب، أو كان تنفيذه

   يمكن أن يضر بالسيادة أو الأمن أو المصالح الأساسية لفرنسا.

 

وأما فيما يتعلق بتنفيذ الإنابات القضائية فإنها تتم وفقا لأحكام القانون الفرنسي(53).

 

ومن مظاهر تعزيز التعاون الدولي الفرنسي  في مكافحة غسيل الأموال تقدم فرنسا بمشروع لمكافحة غسيل الأموال إلى الدول الصناعية السبع، ويرتكز هذا المشروع على المبادىء التالية:

 

‌أ-   أن يقوم البنك المركزي بمراقبة تدفقات رؤوس الأموال إليها، وذلك بهدف التعرف على مصادر الأموال والغاية من دخولها إلى الدولة.

‌ب- على العميل في حال ايداع أموال ذات قيمة كبيرة تقديم مستندات تفيد عدم اعتراض الحكومة التابع لها المودع على عملية الإيداع.

‌ج-  تأمين سرية العملاء، بحيث لا يكشف عن العملاء الذين رفضت طلباتهم من اجل الحرص على بقاء العلاقات الودية بين العميل والبنك الذي يتعامل معه.

‌د-  التدقيق الشديد في تحرير الفواتير والاعتمادات التي تحدث عبر الدول الاوروبية، حتى لا يمكن استغلال هذه الفواتير والمستندات في تضخيم القيمة وزيادة التكاليف وتهريب راس المال بواسطتها.

وقد أعتبر المحللون هذا المشروع لا غبار عليه إلا فيما يتعلق بالشرط الذي يلزم المودع بتقديم مستندات تفيد عدم اعتراض الحكومة التابع لها على عملية الايداع، لان ذلك يؤدي إلى تعقيدات ادارية لا تلائم الحرية الاقتصادية ومناخ الاستثمار، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى عدم ملاءمة هذا الشرط لجذب الودائع إلى البنوك المحلية54  ,

 

رابعا : الإعتراف بحجية الأحكام الجنائية الاجنبية :

من اجل تعزيز التعاون الدولي في مكافحة غسيل الأموال فقد افصح المشرع الفرنسي عن اعترافه بحجية الأحكام الجنائية الاجنبية55، التي تقضي بالمصادرة، على الاقليم الفرنسي، ولكن وفق شروط وضوابط معينة وهي :

         1.    شروط الاعتراف الفرنسي بحجية الحكم الجنائي الاجنبي :

‌أ-       ان يقضي الحكم بمصادرة اموال متحصلة عن نشاط غسيل الأموال.

‌ب-  ان يكون الحكم نهائيا، ومكتسبا قوته التنفيذية وفقا لقانون الدولة الطالبة.

‌ج-   أن تكون الأموال المطلوب مصادرتها بموجب الحكم الأجنبي مما يجوز مصادرته طبقا للقانون الفرنسي.

‌د-     أن ينصب الحكم على مصادرة مال معين أو غير معين يمثل العائد المتحصل عن جريمة وقعت على الإقليم الفرنسي، أو أن ينصب الحكم على الإلزام بدفع مبلغ معين من النقود يماثل قيمة هذا المال.

‌ه-      يصدر الترخيص اللازم لتنفيذ الحكم الأجنبي القاضي بالمصادرة عن محكمة الجنح التي تختص بذلك بناء على طلب النيابة العامة(56).

 

2. ضوابط تنفيذ الحكم الجنائي الأجنبي:

 

‌أ-       أن لا يكون تنفيذ الحكم الأجنبي مضرا بالحقوق المشروعة المقررة للغير على الأموال محل المصادرة.

‌ب- أن تتبع قواعد قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي أمام محكمة الجنح الفرنسية التي تنظر إصدار الترخيص لتنفيذ الحكم الأجنبي.

‌ج-  يحق لمحكمة الجنح الفرنسية أن تستمع بطريق الإنابة القضائية عند الحاجة للشخص المحكوم عليه وكل الأشخاص الذين تتعلق حقوقهم بالأموال محل المصادرة في الحكم الجنائي الأجنبي، إذا كان هذا الاستماع ضروريا، ويجوز لهؤلاء الأشخاص أن يستعينوا بمحام أمام القضاء الفرنسي.

‌د-  تملك المحكمة الفرنسية في حال عدم كفاية الأوراق أو الأدلة أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي على الرغم من كونها مقيدة من حيث المبدأ بأوراق الحكم الأجنبي القاضي بالمصادرة(57).

 

وخلاصة القول فإن الأحكام التي استحدثها قانون 13/5/1996 والمتعلقة بمكافحة غسيل الأموال تعد خطوة غير مسبوقة في مجال التعاون الدولي لمكافحة غسيل الأموال، وخاصة في مجالي الإختصاص الجنائي الدولي، ومجال الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية، ولكنها في الوقت نفسه لا تشكل انتقاصا من هيمنة القانون الفرنسي اذا كان هناك حاجة لإظهار هذه الهيمنة(58).

 

 

 

الفرع الثاني

التجربة الأردنية في مكافحة غسيل الأموال

 

سنتعرف على التجربة الأردنية في مكافحة غسيل الأموال من خلال التعرض للنصوص القانونية التي تجرم هذا النشاط وتعاقب عليه سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك على النحو التالي:

 

حتى تاريخ 2/10/2001 لم يسن المشرع الأردني أي قانون توجد صلة مباشرة بينه وبين غسيل الأموال. وكل ما كان موجودا حتى هذا التاريخ هو عبارة عن مجموعة من القوانين الخاصة التي لا توجد صلة مباشرة بينها وبين غسيل الأموال، والتي تعالج الآثار السلبية الناجمة عن بعض الجرائم.

 

ومن هذه القوانين، قانون صيانة اموال الدولة رقم (20) لسنة 1966، وقانون الجمارك رقم (16) لسنة 1983، وقانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (11) لسنة 1988، وقانون اعمال الصرافة رقم (26) لسنة 1992، وقانون البنوك رقم (28) لسنة (2000).

 

فعلى سبيل المثال فقد فرض المشرع في قانون صيانة أموال الدولة، مصادرة الأموال التي يحصل عليها الجناة من أجل حرمانهم من هذه الأموال، ومنعهم من التصرف بها، وكذلك فرض متابعتها في حال التصرف بها للغير، بهدف إخفائها أو إظهارها وكأنها أموال مشروعة(59).

 

وأما في قانون الجمارك فقد اكد المشرع على مكافحة التهريب الجمركي وآثاره، ولكن المكافحة تقتصر على الجرائم التي يتم اكتشافها، وتنحصر في البضائع موضوع التهريب فقط(60).

 

وأما بالنسبة للعقاب فقد فرض المشرع ما يلي:

 

‌أ-   عقوبة الغرامة التي لا تقل عن (50) دينار ولا تزيد عن (1000) دينار، وعند التكرار فإن العقوبة هي الحبس التي تتراوح بين شهر وثلاث سنوات، والغرامة المذكورة، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

‌ب-  وغرامة جمركية بمثابة تعويض مدني لدائرة الجمارك على النحو التالي:

 

 

1.     من ثلاثة أمثال القيمة إلى ستة أمثال القيمة على البضائع الممنوعة المعينة.

2.     من مثلي القيمة والرسوم إلى ثلاثة أمثال القيمة والرسوم معا عن البضائع الممنوعة أو المحجوزة.

3.      من مثلي الرسوم إلى اربعة امثال الرسوم عن البضائع الخاضعة للرسوم اذا لم تكن ممنوعة أو محجوزة، على ان لا تقل عن مثل قيمتها.

4.      من (10-25) دينار عن البضائع غير الخاضعة للرسوم، وهي التي لا تكون ممنوعة أو محجوزة.

 

‌ج-    مصادرة البضائع موضوع التهريب، أو الحكم بما يعادل قيمتها مشتملة على الرسوم

   عند عدم حجزها أو نجاتها من الحجز، والحكم بمصادرة وسائط النقل والادوات و

   المواد التي استعملت في التهريب، وذلك فيما عدا السفن والطائرات والقطارات ما لم

   تكن قد أعدت أو استؤجرت لهذا الغرض، أو الحكم بما يعادل قيمتها عند حجزها أو

   نجاتها من الحجز(61).

 

ومما يلاحظ على هذه العقوبات ان المشرع لم يفرض مصادرة الأموال التي يمتلكها المهرب سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، الأمر الذي يؤدي إلى إتاحة الفرصة من جديد امام المهرب لتكرار جريمته، لأن الأموال التي حصل عليها من الجرائم التي لم يتم اكتشافها تبقى في منأى عن الحجز والمصادرة، وقد يستطيع المهرب إخفائها عن رقابة الأجهزة المختصة في الدولة. لذا فقد بات من الضروري تعديل أحكام قانون الجمارك لكي يشمل حجز ومصادرة أموال المهرب ، وخاصة اذا كان هذا الشخص من أصحاب السوابق، وذلك لأن الجرائم الجمركية تساهم في تفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري بين العاملين في أجهزة الدولة(62).

 

واما في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، فقد جرم المشرع مجموعة من الأفعال التي تتعلق بالاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ومثال ذلك استيراد المواد المخدرة، وتصديرها، وحيازتها، ونقلها، وإنتاجها، وصنعها، وتعاطيها، والاتجار بها، وزراعتها، وإخفائها ... الخ. وكذلك فقد فرض المشرع عند هذا الحد، ولكنه فرض مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والنباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، وبذورها، والأجهزة والآلات المستعملة، ووسائط النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة، ولكن بدون الإخلال بحقوق الغير حسن النية(64).

 

وكذلك فقد اجاز المشرع للنيابة العامة التحقيق في المصادر الحقيقية للأموال العائدة للأشخاص الذين يرتكبون الجرائم المنصوص عليها في قانون المخدرات، وذلك من اجل التأكد من أن مصدر هذه الأموال أحد الأفعال المحظورة أم لا، فإذا كان مصدر هذه الأموال أحد الأفعال المحظورة جاز للمحكمة أن تقرر إلقاء الحجز عليها ومصادرتها.

 

وأما في قانون البنوك الأردني فقد فرض المشرع على البنك اذا علم ان تنفيذ أي معاملة مصرفية أو ان تسلم أو دفع اي مبلغ يتعلق أو يمكن ان يتعلق بأي جريمة أو بأي عمل غير مشروع أن يقوم فورا بإشعار البنك المركزي بذلك(65).

 

وبتاريخ 5/8/2001 أصدر البنك المركزي تعليمات مكافحة غسيل الأموال رقم (10/2001) سندا لأحكام المادة (93) من قانون البنوك رقم (28) لسنة 2000، وسندا لأحكام قانون اعمال الصرافة رقم (26) لسنة 1992، والتي جاء في ديباجتها – رغبة من البنك المركزي في المساهمة في دعم الجهود المبذولة لمكافحة عمليات غسيل الأموال، وحرصا على سمعة الجهاز المصرفي داخل المملكة وخارجها فإننا ندرج أدناه الإجراءات التي يتعين على البنوك وشركات الصرافة اتباعها، لغايات مكافحة عمليات غسيل الأموال.

 

وقد أفصح البند الأول من هذه التعليمات عن المقصود بعمليات غسيل الأموال، والذي يتمثل فيما يلي:

‌أ-   إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة والمتأتية من عمل غير مشروع، أو إعطاء معلومات مغلوطة عن هذا المصدر بأي وسيلة كانت، وتحويل الأموال أو استبدالها لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها.

‌ب-  تملك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استخدامها أو توظيفها بأي وسيلة من الوسائل لشراء أموال منقولة، أو غير منقولة، أو للقيام بعمليات مالية.

وقد بينت البنود من ثانيا إلى الرابع عشر الإجراءات الواجب إتباعها من قبل البنوك، والتي لا يتسع المجال لسردها في هذا المقام.

 

وأخيرا فقد سن المشرع القانون المؤقت رقم (54) لسنة 2001 المعدل لقانون العقوبات الأصلي رقم (16) لسنة 1960، حيث ألغت المادة (2) من القانون المعدل نص المادة (147) من القانون الأصلي واستعاضت عنه بنص جديد يحتوي على فقرتين، تنص الفقرة الثانية منه على أنه "يعد من جرائم الإرهاب أي فعل يتعلق بأي عملية مصرفية، وبصورة خاصة إيداع اموال لدى اي بنك في المملكة أو اي مؤسسة مالية تمارس أعمال البنوك أو تحويل هذه الأموال من قبلها إلى اي جهة كانت اذا تبين أنها اموال مشبوهة ولها علاقة بنشاط إرهابي". وقد استرسل المشرع في نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون المعدل سالف الذكر، حيث بين الإجراءات الواجبة الاتباع في مثل هذه الحالة، وهي:

 

‌أ-   الحجز التحفظي على هذه الأموال بقرار من النائب العام، وحظر التصرف بها إلى حين استكمال إجراءات التحقيق بشأنها.

‌ب-  قيام النائب العام بالتنسيق والتعاون مع البنك المركزي واي جهة ذات علاقة، محلية أو دولية، بالتحقيق في القضية، وإذا ثبت له أن لتلك العملية المصرفية علاقة بنشاط إرهابي فيتم إحالة القضية إلى المحكمة المختصة.

‌ج-   يعاقب من يرتكب هذه الجريمة بالأشغال الشاقة المؤقتة (3-15 سنة) ويعاقب الإداري المسؤول في البنك أو المؤسسة المالية الذي أجرى العملية، وهو عالم بذلك بالحبس، وتتم مصادرة الأموال التي تم التحفظ عليها.

 

وهكذا يتضح لنا من نص المادة (93) من قانون البنوك رقم (28) لسنة 2000، ومن نص المادة (2/2) من القانون المؤقت رقم (54) لسنة 2001 المعدل لقانون العقوبات الأصلي، ومن تعليمات البنك المركزي رقم (10/2001) الاتجاه الجديد للمشرع الأردني والمتمثل في تجريم وعقاب كل نشاط متعلق بغسيل الأموال، ومهما كان مصدر هذه الأموال، أي سواء كانت هذه الأموال ناتجة عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات، أو عن نشاط إجرامي آخر.

 

ومما لاشك فيه أن هذا الإتجاه الجديد للمشرع الأردني يمثل إستجابة لسياسة التعاون الدولي في مكافحة جريمة غسيل الأموال(66)، وإن لم يسن بعد قانونا خاصا بمكافحة غسيل الأموال.

 

وقبل أن نختتم دراستنا لهذا الموضوع نود أن نشير بعجالة إلى أهم العقبات التي تحد من مكافحة هذه الجريمة الخطيرة وإن كانت تستحق بحثا مستقلا.

 

بالرغم من كل الجهود الدولية والوطنية  التي بذلت لمكافحة جريمة غسيل الأموال، وكشف مصادر الأموال غير المشروعة، فلا تزال هنالك العديد من العقبات التي تقف امام هذه المكافحة وتحد من فاعليتها.

 

أهم العقبات التي تحد من مكافحة جريمة غسيل الأموال:

 

1.  التمسك بالسرية المصرفية: تعد السرية المصرفية من أكثر العقبات التي تعترض مكافحة جريمة غسيل الأموال، لأنها تعد مانعا من الكشف عن الأموال المودعة في المصارف، وملجأ للأموال المشبوهة. ويرجع السبب في ذلك إلى حرص المصارف على عدم تقديم المعلومات اللازمة عن عملائها إلا وفق ما تسمح به القوانين، من أجل حماية الحقوق الشخصية لهؤلاء العملاء(67).

ولكنني أعتقد أن أهم الأسباب التي تمنع بعض المصارف من الكشف عن الأموال المودعة لديها يكمن في المصلحة التي تعود على هذه المصارف، حيث ان نسبة العمولة التي تتقاضاها بعض المصارف التي تساهم في عمليات غسيل الأموال قد وصلت في السنوات الأخيرة إلى 25% من قيمة الأموال القذرة، بعد أن كانت 6% فقط في عقد الثمانينات من القرن الماضي(68). ولذلك أرى بأن من الواجب على الدول أن تعدل تشريعاتها بشكل يسمح بالكشف عن مصادر الأموال المشبوهة اذا كانت جادة في مكافحة عمليات غسيل الأموال.

 

2.   قصور التعاون الدولي في مكافحة ظاهرة غسيل الأموال: والدليل على ذلك أن عدد الدول التي انضمت إلى اتفاقية فيينا لعام 1988 الخاصة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات قد بلغ (145) دولة فقط من دول العالم، وان عدد الدول التي تطبق الإجراءات التي أوصت بها الإتفاقية قد بلغ حوالي (40) دولة فقط.

 

3.   عدم وجود تعريف شامل وموضوعي لجريمة غسيل الأموال يتسع نطاقه ليشمل التجريم كافة المصادر غير المشروعة، أي سواء كانت ناجمة عن الاتجار بالمخدرات أو غيرها من الأنشطة الإجرامية الأخرى، كالرشوة، والفساد المالي، والإداري، والدعارة، والقمار، وتجارة الأسلحة ... الخ.

 

4.   عدم الإستقرار   المالي والسياسي في بعض الدول: الأمر الذي ادى إلى ايجاد تشريعات غير جادة في مكافحة جريمة غسيل الأموال، ومن هذه الدول على سبيل المثال روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث قدرت الأموال الناجمة عن الجريمة المنظمة حوالي 25% من الدخل القومي الإجمالي لروسيا(69).

 

5.   الأسواق المالية: تعد الأسواق المالية إحدى العوائق أمام مكافحة غسيل الأموال، وتقدر نسبة ما يغسل من الأموال القذرة من خلالها حوالي 25% من إجمالي حجم الأموال التي تغسل، ويرجع السبب في ذلك إلى سرية التعاملات في أسواق المال، حيث تعد سرية التعاملات حق توفره جميع البورصات العالمية(70).

 

6.   ضعف أجهزة الرقابة: رغم قيام بعض الدول المهتمة في مكافحة غسيل الأموال بإنشاء أجهزة متخصصة في هذا المجال، - كجهاز إدارة خدمة الدخول الداخلية في امريكا، وهيئة تراكفين في فرنسا، والوكالة المركزية الاسترالية في استراليا، ولجنة المراقبة لمنع غسيل الأموال في لبنان – فما تزال أجهزة الرقابة تعاني من بعض الثغرات التي تحد من فعاليتها. ومن هذه الثغرات تعدد القوانين المطبقة، والغموض في المهام المطلوبة من هذه الأجهزة، وانعدام التنسيق بين الأجهزة المكلفة بالمراقبة، ومحدودية إنتاجية هذه الأجهزة في المراقبة والملاحقة. فعلى سبيل المثال صدر عن المصارف الفرنسية (2700) تصريح بالشبهات، إلا أنه لم يحل للقضاء الفرنسي سوى (90) ملفا فقط، ولم يتم الوصول إلى نتيجة إلا في عدد قليل من هذه الملفات ال (90)(71).

 

7.  عدم وجود أو نقص البرامج التدريبية للعاملين في المصارف: إن إنعدام الخبرة لدى العاملين في المؤسسات المالية والمصرفية يشكل عقبة امام مكافحة غسيل الأموال، ولذلك يجب إخضاع هؤلاء إلى برامج تدريبية تساعدهم على كشف أساليب الحيل والخداع التي يتبعها الجناة في إخفاء مصادر الأموال القذرة، وكذلك تعريفهم بالإجراءات القانونية الواجبة في هذا المجال. ولكي تكون هذه البرامج فعالة يجب أن يتولى التدريب خبراء على مستوى عال من التخصص والكفاءة تعريفهم بالإجراءات القانونية الواجبة في هذا المجال. ولكي تكون هذه البرامج فعالة يجب أن يتولى التدريب خبراء على مستوى عال من التخصص والكفاءة في مجال مكافحة غسيل الأموال، وإذا كان ذلك متعذرا في بعض الدول، فيمكن إرسال بعض الأشخاص إلى دول أخرى لها باع طويل في مكافحة غسيل الأموال، أو استقدام بعض الخبراء في هذا المجال، ليقوموا بتدريب العاملين في المؤسسات المالية والمصرفية وإكسابهم الخبرة اللازمة(72).

 

8.  عدم وجود أو ضعف أجهزة وأنظمة المعلوماتية: إن عدم وجود أجهزة معلوماتية في الكثير من الدول، وكذلك عدم وجود أو ضعف أنظمة المعلوماتية المتطورة، والتي تساعد على التعرف على مصادر الأموال المشبوهة بشكل سري وسريع، يشكل عقبة تقف أمام مكافحة أنشطة غسيل الأموال. ولذلك يجب على كل الدول توفير أجهزة وأنظمة المعلوماتية المتطورة، وكذلك تدريب القوى البشرية على هذه الأجهزة والأنظمة من أجل مراقبة الأموال القذرة، وتتبع حركتها، واستعمالها، بشكل سري سريع. كما يجب على كل دولة استحداث مركز معلوماتية رئيسي يكون على اتصال سري مع المؤسسات المالية والمصرفية، لكي تقوم هذه المؤسسات المالية والمصرفية، لكي تقوم هذه المؤسسات بتزويده بالمعلومات الضرورية واللازمة لمكافحة جريمة غسيل الأموال(73).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة والتوصيات

 

بعد أن فرغت من التعريف بوسائل مكافحة جريمة غسيل الأموال على الصعيد الدولي، وذلك من خلال التعرض للنصوص القانونية التي تجرم وتعاقب على هذه الجريمة، أو التي تبين معايير الإختصاص القضائي الجنائي، أو التي تعالج موضوع تسليم المجرمين، أو التي تعالج موضوع الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية، أو التي تعالج موضوع المساعدة القانونية المتبادلة، في كل من اتفاقية فيينا لعام 1988 الخاصة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وغيرها من الاتفاقيات والمؤتمرات الإقليمية، فقد تعرضت لوسائل مكافحة هذه الجريمة على الصعيد الوطني، وذلك من خلال التعرض للتجربة الفرنسية في هذا المجال، - من حيث التجريم، والجزاء، وتفعيل التعاون الدولي، والاعتراف الفرنسي بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية كمثال على تجارب الدول الأجنبية -، ومن خلال التعرض للتجربة الأردنية، سواء فيما يتعلق بالنصوص القانونية التي تكافح جريمة غسيل الأموال بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال النصوص القانونية التي صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين، أو بصورة مباشرة من خلال نصوص القانون المؤقت رقم (54) لسنة 2001 المعدل لقانون العقوبات الأصلي، والذي يمثل استجابة لسياسة التعاون الدولي في مكافحة هذه الجريمة، وإن لم يسن المشرع الأردني قانونا خاصا بمكافحة هذه الجريمة، وبعد أن تعرضت بإيجاز لأهم العقبات التي تحد من فعالية هذه الوسائل سواء على المستوى الدولي أو الوطني فقد خلصت إلى ما يلي:

 

1.  عدم وجود تعريف موضوعي وشامل لجريمة غسيل الأموال، لذلك فإنني اوصي بضرورة وضع تعريف موضوعي وشامل لهذه الجريمة بحيث يتسع نطاقه ليشمل كافة المصادر غير المشروعة للأموال القذرة.

 

2.   قصور التعاون الدولي في مكافحة ظاهرة غسيل الأموال، ولذلك فإنني أوصي بتفعيل التعاون الدولي في هذا المجال من خلال مبادرة الدول بالانضمام إلى اتفاقية فيينا لعام 1988 سالفة الذكر، ومن خلال إلتزام الدول بالانضمام بعد أو التي انضمت بتطبيق الإجراءات التي نصت عليها هذه الإتفاقية، أو من خلال ابرام معاهدات جديدة تواكب التطور الذي حصل في الأساليب التي يلجأ إليها الجناة في غسيل الأموال.

 

3.   ما زالت الكثير من البنوك أو المؤسسات المالية تتمسك بالسرية المصرفية بحجة المحافظة على أسرار المودعين، وهذا الكلام حق ولكن قد يراد به باطل. لذلك نهيب بالدول أن تقوم بتعديل نصوص قوانينها بالشكل الذي يسمح بالكشف عن المصادر غير المشروعة للأموال القذرة من جهة، وبالشكل الذي يسمح بالمحافظة على حقوق المودعين من جهة أخرى(74).

 

4.      ضرورة قيام الأجهزة المعنية في الدولة بتشديد الرقابة على الأسواق المالية، حتى لا تكون هذه الأسواق الملجأ الذي يلجأ إليه من أجل غسيل الأموال القذرة وإضفاء صفة المشروعية عليها.

 

5.   على الدول التي لا توجد فيها أجهزة لضبط جرائم غسيل الأموال أن تقوم بإنشاء هذه الأجهزة، وتدريب أفرادها في الداخل اوالخارج، وإقامة روابط وثيقة بينها وبين قطاع المصارف والمؤسسات المالية من أجل مكافحة هذه الجريمة(75).

 

6.   على الدول أن تولي عناية خاصة بتبادل المعلومات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال، وذلك من خلال إنشاء شبكات معلومات ثتائية ومتعددة الأطراف، من أجل تبادل المعلومات بين الاجهزة المختصة(76).

 

7.   على الدول التي لم تسن بعد قوانين خاصة بمكافحة غسيل الأموال القيام بذلك، على ان تراعي في هذه القوانين أحكام المعاهدات الدولية والاقليمية المتعلقة بغسيل الأموال(77).

 

 على الدول التي لا توجد لديها الخبرة الكافية في مكافحة هذه الجريمة الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال(78).  وعلى الدول الغنية والمتقدمة في هذا المجال دعم الدول الفقيرة، سواء كان هذا الدعم ماليا أو عينيا اة بإرسال الخبراء


تعليقات