القائمة الرئيسية

الصفحات



قراءة شكلية في المرسوم الجديد المتعلق بالساعة القانونية الأستاذ رضى بلحسين.

قراءة شكلية في المرسوم الجديد المتعلق بالساعة القانونية
الأستاذ رضى بلحسين






تنص المادة 1 من المرسوم الملكي رقم 455.67 المؤرخ في 02/06/1967 بشأن الساعة القانونية بأن «الساعة القانونية في تراب المملكة هي التوقيت الزمني المتوسط لخط گرينويتش.
غير أن هذه الساعة يمكن أن تضاف إليها كل سنة ستون دقيقة ابتداء من تاريخ يحدد بموجب مرسوم و يرجع الى التوقيت العادي طبقا لنفس الشروط».
نفهم من هذه المادة على أن المشرع هو الذي يختص باختيار الساعة القانونية للمملكة إزاء خط غرينويتش ، و قد كرس هذا الاختيار في الانتساب للتوقيت الزمني المتوسط المزامن لهذا الخط gmt،ليكون هو التوقيت الرسمي للمملكة كقاعدة عامة واجبة التطبيق.و هو أيضا من يضع فرضية الخروج عن التوقيت الزمني المتوسط gmt كاستثناء يحيد عن القاعدة ، و قد رسم الإطار العام لتطبيق هذا الاستثناء عبر:
-تحديد الطبيعة العرضية و المؤقتة و السنوية لهذا التغيير ، و ذلك بأن يطرأ كل سنة  عند الإقتضاء و في حيز زمني مؤقت يحدد بواسطة مرسوم .
- حصر هذا التغيير في وحدة زمنية ثابتة محددة في ستون دقيقة.
- تحديد منحى تغيير الساعة القانونية بالزيادة و ليس بالنقصان.
- منح صلاحية تفعيل هذا التغيير إلى رئيس السلطة التنفيذية (الوزير الأول سابقا و رئيس الحكومة حاليا) و ذلك بحصر مهمته فقط و لاغير  في تحديد تاريخ بداية و نهاية الخروج عن التوقيت العادي .
و تفعيلا لهذا التغيير صدرت عدة مراسيم أولها المرسوم رقم 2.78.252 المؤرخ في 26 ماي 1978 ، و آخرها المرسوم رقم 2.18.855 الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 2018 الذي نص في مادته الأولى : «تضاف ستون (60) دقيقة إلى الساعة القانونية المحددة في تراب المملكة بموجب الفصل الأول من المرسوم الملكي رقم 455.67 بتاريخ 23 من صفر 1387 (2يونيو 1967) ...» ، و نص في مادته الثانية : «يمكن لرئيس الحكومة ، و لفترة محددة ، توقيف العمل بالتوقيت المشار إليه في المادة الأولى عند الإقتضاء». 
بإسقاط مضامين المرسوم الملكي أعلاه كتشريع ، على مرسوم 28 أكتوبر 2018، نجد هذا الأخير قد حاد عن مهمته التنفيذية :
أولا : لأن مادته الأولى لما نصت على أن تضاف ستون (60) دقيقة إلى الساعة القانونية تكون قد تعرضت لما حسمه المرسوم الملكي لسنة 1967 كمرجع تشريعي في الموضوع، ذلك أن المهمة الموكولة إليه كمرسوم ليست إضافة ستون دقيقة و إنما تفعيل هذه الإضافة بتحديد تاريخ لبدء و انتهاء سريانها في حيز زمني مؤقت من ،و الذي من المفروض أن يقل عن الحيز المخصص للتوقيت الرسمي في كل سنة ، درءا لتجاوز الإستثناء لمبدئه.
ثانيا : لأن هذه  المادة لم تعتمد على الطابع العرضي و المؤقت في تغيير التوقيت الرسمي للمملكة و إنما جعلته أمرا مفترضا و مبسوطا على طول السنة من بدايتها إلى نهايتها ، و بذلك تكون قد قلبت المبدأ إلى استثناء ، و ذلك باعتماد التوقيت المضاف  gmt+1 كأصل ، و الرجوع إلى التوقيت الرسمي gmt -المحسوم قانونا- كاستثناء غير معلوم و كلما دعت إليه الضرورة، و الحال أن ما يجب الرجوع إليه هو التوقيت العادي و ليس العكس ، كما تؤكده المادة 1 من المرسوم الملكي لسنة 1967  في عبارة «... و يرجع إلى التوقيت العادي طبقا لنفس الشروط» .
و قد نستنتج مما سبق على أن مرسوم 26/10/2018 قد انتقل من «تطبيق» إلى «تنظيم» الساعة القانونية بالمغرب عبر اعتماد التوقيت المضاف gmt+1 على حساب التعطيل الكلي للتوقيت الرسمي gmt على إمتداد كل السنة ، ليصبح أمر اللجوء إلى هذا الأخير في معرض الحاجة فحسب، ليس من مكنة العودة إليه كأصل و إنما من باب الإلتجاء إليه كاستثناء، مما قد يعتبر تعديلا مبطنا للقانون الواجب التطبيق، و حري أن نتساءل ما إذا كان في الأمر خرق لمبدأ المشروعية و إخلال لمبدأ توازي الشكليات ؟
في نظرنا أن المقابلة التي قمنا بها أعلاه بين مرسوم 2018 (كتنظيم) ، و المرسوم الملكي لسنة1967 (كتشريع) سوف تعطينا جواب خاطئ- صحيـح  للسـؤالune fausse bonne réponse ، لأن المقاربة السليمة للإشكال تفرض علينا الإجابة على سؤال مسبق يتعلق بمدى تنظيم المرسوم الملكي لمجال لازال من اختصاصه كقانـون حسب دستـور 2011 ؟ 
الجواب عن هذا السؤال سيكون بداهة بالنفي،لأن أمر تنظيم الساعة القانونية  لم يعد من اختصاص القانون حسب المادة 71 من دستور 2011 ، و إنما من اختصاص المجال التنظيمي للسلطة التنفيذية ، لذلك فرئيس الحكومة و إن أخطأ إزاء المرسوم الملكي لسنة 1967 فهو لم يخطئ إزاء الدستور لكونه مارس ولو بطريقة «مرتبكة» جزءا من صلاحياته .
و مادام الأمر كذلك فالوضع السليم يفرض اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتغيير شكل المرسوم الملكي لسنة 1967 من قانون إلى مرسوم , و هو ما يصطلح عليه بمسطرة رفع الشرعنة  أو نزع الطابع التشريعي عن القانون laprocédurededélégalisation  المنصوص عليها في المادة 73 من الدستور التي تنص  « يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، بعد موافقة المحكمة الدستورية، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها».
فرنسا كانت لها تجربة متفردة في الموضوع ، و لم تسلك هذه المسطرة سنة 1978 عندما انتقلت في تنظيم الساعة القانونية من المجال التشريعي إلى المجال تنظيمي ، و اقتصرت في إصدار المرسوم 09 غشت 1978 الذي ألغى في مادته الأولى قانون 09 مارس 1911 المحدد للساعة القانونية الفرنسية ، و هي حالة فريدة يتم من خلالها إلغاء قانون بواسطة مرسوم في تجاوز صريح لمبدأ توازي الشكليات والذي يمكن اعتباره إلى حد ما إلغاء كاشفا للقانون ما دام أن موضوعه لم يعد من مجال اختصاصه حسب دستور 1958، و هي تجربة تبقى في جميع الأحوال قابلة للإستلهام في الممارسة المغربية .  

تعليقات