وجهة نظر
كيف تصبح رجل قانون ناجح
تعلمت من الأستاذ الفقيه الدكتور إدريس الضحاك طريقة فريدة للبت في النوازل المعروضة على القضاء، فمن نصائحه القيمة للملحقين القضائيين آنذاك قوله:
عندما تعرض عليكم قضية ما ابحثوا عن الحل الذي يقتضيه المنطق السليم ثم قوموا بتكييفه في إطاره القانوني.
ولقد اكتشفت سحر هذه الوصفة عندما جربت مخالفتها، فضاع جهدي سدى، وتأكد لي بعد ذلك أن سر نجاح رجل القانون وتمكنه من عمله مردّه قدرته الفائقة على تصور الحلول المنطقية للنوازل قبل حلولها القانونية، وخلصت من ذلك الاكتشاف وهذا الإيمان إلى أن ما ينصحنا به الدكتور الجليل إدريس الضحاك ينبني على قاعدة أصولية قارة مفاذها أن قواعد القانون هي بالأساس بنيت على قواعد المنطق، ووجد واضعوها استثناءات لها هي بدورها أسست على الفرضيات التي يمكن أن تحصل في الواقع العملي، فإذا كان عقاب جريمة القتل العمد هو السجن المؤبد أو الإعدام بحسب الأحوال انسجاما مع منطق الأمور، فإن المنطق ذاته يفترض أن هناك ظروف وملابسات قد تَمْنَعُنا مِنَ إيقاع هذه العقوبة كحالة الدفاع الشرعي أو الاستفزاز أو العاهات العقلية التي تعدم الإرادة أو تنقص الأهلية، فلو أن القاضي لجأ رأسا إلى الحل القانوني و أعمل عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد دون أن يحلل النازلة بعيدا عن نصوص القانون وانسجاما مع المنطق السليم، فسيكتشف أن هذا القاتل إنَمَا أتى فعله مثلا لكونه دافع عن نفسه، وأن طريقة دفاعه عن نفسه تساوت مع طريقة الاعتداء عليه، فهو في حكم مسلوب الإرادة، فهذه العملية الواقعية المنطقية، هي التي يمر منها إلى التكييف القانوني السليم، فيصدر حكمة المتفق مع أحكام المنطق والقانون معا.
في جميع مواد القانون مدنية أو تجارية أو جنائية أو اجتماعية أو شرعية، إبْحَثْ عن الحل المنطقي السليم وألبسه نصوص القانون، فإنك بذلك سوف تصدر حكما قضائيا قلما تلغيه محكمة الطعن.
لو أَنَّك راجعت نصوص القانون برمتها لأيقنت أن القاعدة العامة التي تنبني عليها أساسها المنطق، ولولا هذا الأساس لما استطاعت أن تنظم سلوك الإفراد داخل الجماعة.
النصيحة المثالية التي أفادني بها الدكتور إدريس الضحاك زرعت بداخلي موهبة النقد البناء لنصوص القانون التي تجافي المنطق السليم، وتنبأت لها بالعمر القصير، فإما أن تعدل وتغير في أقرب فرصة زمنية وإما تبقى نصا رقميا كضيف ثقيل على الأسرة القانونية.
إن القاعدة القانونية والحكم القضائي يولدان من رحم المنطق السليم، وقد افترض المشرع أنْ تتضاءل القدرة العقلية لتصور الحلول المنطقية السليمة فأجاد إمكانية إلغاء القوانين والأحكام القضائية بالطرق القانونية المعمول بها.
على أن إيجاد الحل المنطقي للنوازل قبل تكييفها وفق أحكام القانون يتطلب من رجل القانون أن يزاوج بين الموهبة والتمرس وسعة الاطلاع والمواكبة، فإذا كانت الموهبة هبة من الله، فإن صقلها بالتجربة والمراس والقراءة فرض عين لا نبوغ لرجل القانون بدونه.
ولو أنك استجليت تاريخ قضائنا الإسلامي لألفيت أن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده الخلفاء الراشدين كانوا يسندون مهام القضاء لمن رجح عقله واتسعت مداركه ونبغ بعلمه الغزير ولعل قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع شريح العراقي خير مثال: فعندما استعمل عمر فرسا للغير، وأصيب الفرس بعطب اختصما أمام رجل من المسلمين فقضى بينهما بقوله: " أخدته سليما، فأنت ضامن حتى ترده صحيحا" فكان هذا الحكم هو سبيل لتولي شريح العراقي منصب القضاء"
من حسن حظنا أننا تتلمذنا على يد قامات فكرية وقضائية ذات صيت، والدكتور إدريس الضحاك من هذه القامات الفكرية التي نصحتنا قبل أزيد من ثلاثة عقود من يومنا هذا قائلا: لكي تكونوا قضاة ناجحين، ابحثوا عن الحلول المنطقية للنوازل ثم كيفوها وفق نصوص القانون. وهكذا كان.
الأستاذ رشيد مشقاقة
رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين
كيف تصبح رجل قانون ناجح
تعلمت من الأستاذ الفقيه الدكتور إدريس الضحاك طريقة فريدة للبت في النوازل المعروضة على القضاء، فمن نصائحه القيمة للملحقين القضائيين آنذاك قوله:
عندما تعرض عليكم قضية ما ابحثوا عن الحل الذي يقتضيه المنطق السليم ثم قوموا بتكييفه في إطاره القانوني.
ولقد اكتشفت سحر هذه الوصفة عندما جربت مخالفتها، فضاع جهدي سدى، وتأكد لي بعد ذلك أن سر نجاح رجل القانون وتمكنه من عمله مردّه قدرته الفائقة على تصور الحلول المنطقية للنوازل قبل حلولها القانونية، وخلصت من ذلك الاكتشاف وهذا الإيمان إلى أن ما ينصحنا به الدكتور الجليل إدريس الضحاك ينبني على قاعدة أصولية قارة مفاذها أن قواعد القانون هي بالأساس بنيت على قواعد المنطق، ووجد واضعوها استثناءات لها هي بدورها أسست على الفرضيات التي يمكن أن تحصل في الواقع العملي، فإذا كان عقاب جريمة القتل العمد هو السجن المؤبد أو الإعدام بحسب الأحوال انسجاما مع منطق الأمور، فإن المنطق ذاته يفترض أن هناك ظروف وملابسات قد تَمْنَعُنا مِنَ إيقاع هذه العقوبة كحالة الدفاع الشرعي أو الاستفزاز أو العاهات العقلية التي تعدم الإرادة أو تنقص الأهلية، فلو أن القاضي لجأ رأسا إلى الحل القانوني و أعمل عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد دون أن يحلل النازلة بعيدا عن نصوص القانون وانسجاما مع المنطق السليم، فسيكتشف أن هذا القاتل إنَمَا أتى فعله مثلا لكونه دافع عن نفسه، وأن طريقة دفاعه عن نفسه تساوت مع طريقة الاعتداء عليه، فهو في حكم مسلوب الإرادة، فهذه العملية الواقعية المنطقية، هي التي يمر منها إلى التكييف القانوني السليم، فيصدر حكمة المتفق مع أحكام المنطق والقانون معا.
في جميع مواد القانون مدنية أو تجارية أو جنائية أو اجتماعية أو شرعية، إبْحَثْ عن الحل المنطقي السليم وألبسه نصوص القانون، فإنك بذلك سوف تصدر حكما قضائيا قلما تلغيه محكمة الطعن.
لو أَنَّك راجعت نصوص القانون برمتها لأيقنت أن القاعدة العامة التي تنبني عليها أساسها المنطق، ولولا هذا الأساس لما استطاعت أن تنظم سلوك الإفراد داخل الجماعة.
النصيحة المثالية التي أفادني بها الدكتور إدريس الضحاك زرعت بداخلي موهبة النقد البناء لنصوص القانون التي تجافي المنطق السليم، وتنبأت لها بالعمر القصير، فإما أن تعدل وتغير في أقرب فرصة زمنية وإما تبقى نصا رقميا كضيف ثقيل على الأسرة القانونية.
إن القاعدة القانونية والحكم القضائي يولدان من رحم المنطق السليم، وقد افترض المشرع أنْ تتضاءل القدرة العقلية لتصور الحلول المنطقية السليمة فأجاد إمكانية إلغاء القوانين والأحكام القضائية بالطرق القانونية المعمول بها.
على أن إيجاد الحل المنطقي للنوازل قبل تكييفها وفق أحكام القانون يتطلب من رجل القانون أن يزاوج بين الموهبة والتمرس وسعة الاطلاع والمواكبة، فإذا كانت الموهبة هبة من الله، فإن صقلها بالتجربة والمراس والقراءة فرض عين لا نبوغ لرجل القانون بدونه.
ولو أنك استجليت تاريخ قضائنا الإسلامي لألفيت أن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده الخلفاء الراشدين كانوا يسندون مهام القضاء لمن رجح عقله واتسعت مداركه ونبغ بعلمه الغزير ولعل قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع شريح العراقي خير مثال: فعندما استعمل عمر فرسا للغير، وأصيب الفرس بعطب اختصما أمام رجل من المسلمين فقضى بينهما بقوله: " أخدته سليما، فأنت ضامن حتى ترده صحيحا" فكان هذا الحكم هو سبيل لتولي شريح العراقي منصب القضاء"
من حسن حظنا أننا تتلمذنا على يد قامات فكرية وقضائية ذات صيت، والدكتور إدريس الضحاك من هذه القامات الفكرية التي نصحتنا قبل أزيد من ثلاثة عقود من يومنا هذا قائلا: لكي تكونوا قضاة ناجحين، ابحثوا عن الحلول المنطقية للنوازل ثم كيفوها وفق نصوص القانون. وهكذا كان.
الأستاذ رشيد مشقاقة
رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم