أبحث في هذه المشاركة المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية و التقصيرية ما لها وما عليها ولكي نتعرض لها نتناول بداية تقسيمات المسؤولية منذ البدء حيث تقسم المسؤولية إلى :
1ـ مسؤولية طبيعية أو أدبية
2 ـ ومسؤولية قانونية
فالمسؤولية الأدبية هي أوسع نطاقاً من المسؤولية القانونية وعنصرها ذاتي هو الضمير بينما عنصر المسؤولية القانونية هو موضوعي سلطة الدولة وهذه يمكن الإفلات منها بينما المسؤولية الأدبية أصعب الإلات منها إذا كان الضمير هو الحكم
ومن ثم تقسم المسؤولية القانونية إلى :
أ ـ مسؤولية جزائية و ب ـ مسؤولية مدنية
ثم تقسم المسؤولية المدنية إلى :
1 ـ مسؤولية تعاقدية و 2 ـ مسؤولية تقصيرية
الفرق بين المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية :
يتناول القانون الجزائي الفعل الضار اللاحق بالمجتمع وما ينجم عنه ويقيم عليه مسؤولية الفاعل الجزائية بينما يتناول القانون المدني الفعل الضار الذي يصيب الفرد ويبني عليه مسؤولية الفاعل المدنية وعليه تختلف المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجزائية وينجم عن هذا الاختلاف النقاط التالية :
1 ـ المسؤولية الجزائية الجزاء فيها عقوبة تطالب بها النيابة العامة كونها ممثلة للمجتمع وهي لا تملك التنازل عنها ولا الصلح عليها بينما في المسؤولية المدنية والمتعلقة بضرر يصيب الفرد فالجزاء هو التعويض وللمضرور النزول عنه والتصالح عليه ولو مات المسؤول يمكن مطالبة ورثته بالتعويض .
2 ـ المسؤولية الجزائية تخضع لمبدأ مهم وهو لا عقوبة بلا جريمة ولا جريمة بدون نص فالأفعال التي تترتب عليها المسؤولية الجزائية محددة تحديداً دقيقاً ومن ثم تتحدد العقوبات بينما المسؤولية المدنية تخضع للمبدأ الذي نصت عليه المادة 164 من القانون المدني كل خطأ سبب ضرراً للغير يستوجب التعويض فلا تحصر صور الخطأ ولا تعد وبالتالي فالمسؤولية المدنية أوسع نطاقاً .
3 ـ قد يحصل التلازم بين المسؤولية المدنية والجزائية كحالات الاعتداء على النفس والمال ولكن أيضاً يحصل الانفكاك بينهما فقد تقوم المسؤولية الجزائية دون المدنية كما في الجرائم المقتصرة على الحق العام دون أن تمس أفراداً كجرائم مخالفات السير مثلا والتسول وأحياناً تتحقق المسؤولية المدنية دون الجزائية مثل خلافات العمل والتجاوز على العقارات وهنا نرى أن المسؤولية الجزائية تارة هي الأعم حيث توجد مع المدنية كما في جرائم المال أو الاعتداء على النفس وأن توجد بدونها كمخالفات السير التي لا تؤذي الأشخاص وتارة المدنية هي الأعم حيث توجد مع الجزائية وتوجد بدونها كحوادث العمل
نتائج ترتب المسؤوليتين في عمل واحد :
إذا ترتب على عمل مسؤوليتين جزائية ومدنية فإن المسؤولية الجزائية وهي الأقوى تؤثر على الثانية المسؤولية المدنية بالنواحي التالية :
1 ـ التقادم : لا تسقط الدعوى المدنية بالتعويض الناشئة عن جرم جزائي إذا كانت الدعوى الجزائية لم تسقط بعد مادة 173/2 مدني سوري
2 ـ من حيث الاختصاص : يمكن إقامة الدعوى المدنية بالتعويض أمام المحكمة الجزائية ويفصل بالدعويين معاً وفق نص المادة الخامسة من قانون الأصول الجزائية وهذا لا ينفي حق المدعي بإقامتها أمام المحكمة المدنية لكن في هذه الحالة تطبق قاعدة الجزائي يعقل المدني ويوقف البت بالدعوى المدنية لحين انتهاء الدعوى الجزائية عملاً بقاعدة الجزائي يعقل المدني
3 ـ من حيث حجية الأمر المقضي وفق نص المادة 91 بينات ( القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجزائي في الوقائع التي لم يفصل فيها هذا الحكم أو الوقائع التي فصل فيها دون ضرورة ) أي انه لحجية الحكم الجزائي شرطين وهما :
أ ـ أن يكون الحكم الجزائي قد فصل في الوقائع المعروضة على القاضي المدني
ب ـ أن يكون فصله في تلك الوقائع ضرورياً
ولو صدر الحكم الجزائي بالبراءة فلا يمنع هذا الحكم المحكمة المدنية من الحكم بالتعويض بناء على الخطأ المدني
قيام مسؤوليتين معاً في بناء عمل واحد :
إن تعدد مصادر المسؤولية المدنية واختلاف أحكامها ووجود نقاط مشتركة كل ذلك يستتبع وجود تبعات يتعين النظر لها ومعالجتها فالقضية الواحدة حسبما تواجه من زاوية أو من أخرى قد تفسح المجال لقيام مسؤولية دون أخرى الأمر الذي يعطي المضرور الخيار بين المسؤوليتين أو الجمع بينهما فهناك المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية بشكل واسع
التنسيق بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية
الموازنة بينهما :
1 ـ وحدة الأساس : تتحقق المسؤولية العقدية عند الإخلال بتنفيذ المتعاقد لالتزامه أو تنفيذه على وجه معيب بينما المسؤولية التقصيرية هي إخلال بالتزام قانوني عام لا يتغير وهو عدم إلحاق الضرر بالغير فبالتالي الأساس واحد بينهما وهو الخطأ وإن كان مصدر هذا الالتزام في العقدية العقد وفي التقصيرية العمل غير المشروع
2 ـ نقاط الخلاف بينهما :
في المسؤولية العقدية الطرفان اتفقا مسبقا على الشروط والالتزامات التي تحكم عقدهما والإخلال بها هو الذي يسبب المسؤولية التي تولدت عن مخالفة رابطة نظمها الطرفان
بينما في المسؤولية التقصيرية الطرفان غريبان عن بعضهما قبل الفعل الضار وقيام المسؤولية على ملحق الضرر وبالتالي فالمسؤولية هنا ناجمة ليست عن مخالفة التزام عقدي مسبق بل عن مخالفة التزام عام يفرضه القانون وهو عدم إلحاق الضرر بالغير وهذا الخلاف يترتب عليه نتائج منها ما تتعلق بقواعد الإثبات ومنها ما يتعلق بالقواعد الموضوعية
1 ـ ففيما يتعلق بقواعد الإثبات :
المسؤولية العقدية تقوم على الخطأ المفترض فمجرد عدم تنفيذ الالتزام العقدي يعتبر موجباً للتعويض والدائن لا يطالب بإثبات خطأ المسؤول وعلى المدين أن يثبت أن عدم تنفيذ الالتزام يعود لسبب أجنبي خارج عن إرادته بينما في المسؤولية التقصيرية على المضرور إثبات خطأ المسؤول ولحوق الضرر به جراء هذا الخطأ ولكن هذا الفرق ليس عاماً دائماً إذا نلاحظ أنه في حالة الالتزام ببذل عناية كما هو حال مهمة المحامي فالمحامي ملزم ببذل عناية وليس بتحقيق غاية وعلى الدائن هنا إثبات تقصيره وإهماله على اعتبار أن هناك عقد مفترض بين المحامي ووكيله ببذل كل جهد للدفاع عن حقوقه وكذلك هناك بعض حالات المسؤولية التقصيرية بشكلها الموسع تقوم على الخطأ المفترض ولا يلزم المضرور مثله مثل حال المضرور في المسؤولية العقدية لا يلزم بإثبات الخطأ ومثاله هنا مسؤولية الحارس بالتزامه ببقاء الشيء تحت سلطته الفعلية بحيث لا يلحق الضرر بالغير فالفارق بين المسؤوليتين في عبء الإثبات ينحصر في فرقين هامين هما :
أ ـ أن الإثبات في المسؤولية العقدية يبقى أخف لأن معظم الالتزامات التزامات بتحقيق نتيجة بينما معظم الالتزامات في المسؤولية التقصيرية هي التزامات ببذل عناية
ب ـ أن الدائن في المسؤولية العقدية يمكنه التملص من عبء الإثبات بأن يطالب المدين بالوفاء فقط فيضطر المدين لإثبات وفائه بالالتزام وفيما لو فشل يلجأ الدائن لإقامة دعوى المسؤولية العقدية .
2 ـ الفرق من حيث القواعد الموضوعية :
هناك أربعة فوارق بينهما لهذه الناحية :
أولاً : فروق من حيث الشروط :
1 ـ الأهلية : أهلية التمييز كافية لقيام المسؤولية التقصيرية بينما في اكتمال العقود ومن ثم قيام المسؤولية العقدية يستلزم كمال الأهلية المقررة قانوناً وبالتالي فأهلية التعاقد أكثر شدة
2 ـ الإعذار : في المسؤولية التعاقدية لا بد من الإعذار كشرط لقيام المسؤولية العقدية ومن ثم المطالبة بالتعويض (ويقوم استدعاء الدعوى مقام الإعذار وفق ما نص عليه القانون المدني ) بينما في المسؤولية التقصيرية لا حاجة له
3 ـ شرط الإعفاء من المسؤولية : يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقدية بينما يقع هذا الشرط باطلاً في المسؤولية التقصيرية إذ لا يتصور أن نتفق مسبقاً على أن نعفي مسبب الضرر نتيجة إخلاله بالتزام فرضه القانون من التزامه
ثانياً ـ مدى التعويض : في المسؤولية العقدية يكون التعويض عن الضرر المباشر المتوقع بينما في المسؤولية التقصيرية يكون عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع
ثالثاً ـ تعدد المسؤولون : إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية العقدية فلا يفترض التضامن بينهم بل لا بد من إثبات ذلك بينهم بموجب اتفاق مسبق ( مادة 279 مدني ) إما إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية التقصيرية فإن التضامن بينهم يقوم بحكم القانون ( م 170 مدني )
رابعاً ـ التقادم : تتقادم المسؤولية العقدية بخمسة عشرة سنة ( مادة 372 مدني ) أما المسؤولية التقصيرية فتتقادم بثلاث سنوات أو بخمسة عشر سنة وفق الحال ( م173 /1 )
تحديد نطاق المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية
تعتبر المسؤولية العقدية التي تنحصر في دائرة المتعاقدين استثناء من المسؤولية التقصيرية التالي هي أوسع وأشمل فإذا عرفنا نطاق المسؤولية العقدية يكون ما خرج عن هذا النطاق داخلاً في نطاق المسؤولية التقصيرية .
شروط تحقق المسؤولية العقدية :
لتحققها يجب توافر ثلاث شروط :
أولاً : وجود عقد صحيح بين الدائن والمدين :
إذا يشترط لقيام المسؤولية العقدية وجود عقد صحيح بين الطرفين وهذا بالطبع يختلف عن اتفاق إرادتين على سبيل المجاملة كطلب تقديم خدمة أو الخطبة فلو وقع خطأ في حال اتفاق إرادتين ونجم عنه ضرر فالمسؤولية هنا تقصيرية .
ولو شاب العقد شائبة كأن كان عقد باطلاً أو قابلاً للإبطال عدنا للمسؤولية التقصيرية فالعقد لا بد أن يكون صحيحاً
ثانياً : أن تنشأ المسؤولية العقدية بين الطرفين المتعاقدين :
فالعقد المستند لقيام المسؤولية العقدية هو بين الطرفين ولا يحق لطرف أجنبي عنه التمسك بهذه المسؤولية بل له لو أصابه ضرر من احد الطرفين التمسك بالمسؤولية التقصيرية
ثالثاً : أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن قد وقع بسبب عدم تنفيذ العقد :
فإذا كان الضرر ليس ناشئاً عن التقصير بالتزام في التنفيذ فلا تكون المسؤولية عقدية والأصل أن عدم تنفيذ التزام في العقد سواء التزام أصلي أم تبعي ينشأ مسؤولية عقدية
الجمع والخيار بين المسؤوليتين
قد تتوافر في العمل الواحد شروط المسؤولية العقدية والتقصيرية كما في عقد المحامي بموكله والطبيب بزبونه
فبخصوص الجمع اتفق الفقهاء على عدم جواز الجمع للأسباب التالية :
أ ـ لا يجوز الحصول عن نفس الضرر على تعويضين تارة عن العقدية وأخرى عن المسؤولية التقصيرية
ب ـ عدم الجواز كي لا يستفيد من أحكام المسؤولية التقصيرية بما يروق له ومن المسؤولية العقدية بما يروق له فتنشأ مسوؤلية هجين لا أحكام لها مختلة في الشروط والنتائج كالتقادم مثلاً
أما بخصوص الخيار بينهما :
في خلافات متعددة في الفقه والقضاء في مختلف الدول جنح القضاء السوري إلى عدم الخيرة ففي حالة العقد الطرفين قبلا بداية أن ينظما علاقتهما بعقد يحدد التزاماتهما نحو بعضهما البعض بينما في المسؤولية التقصيرية الطرفان أجنبيان عن بعضهما قبل وقوع الخطأ وترتب الضرر عليه ووقوع بعض حالات الخرق للعقد حتى تصل للجرم الجزائي لا يبرر كاستثناء خرق عدم الخيار بشكل عام
ولكن بعض الفقهاء أجاز ذلك في حالة اتفاق المتعاقدين فيما لا يتصل بالنظام العام وأن يلجأ الدائن على أي منهما ولكن ألا ترى أن هذه الحالة بالتالي عادت لنص العقد ؟؟
اجتهادات محكمة النقض و أمثلة على المسؤولية بنوعيها
1 ـ (إن دعوى مخاصمة القضاة هي دعوى تعويض تقوم على قواعد المسؤولية التقصيرية )
( أساس 947 قرار 794 تاريخ 13 / 12 / 2004 )
2 ـ مسؤولية حارس الأشياء مسؤولية مفترضة ما لم يثبت وقع الضرر بسبب أجنبي
( أساس 358 قرار 23 تاريخ 28 / 1 / 1998 )
3 ـ إذا انبرم عقد التأمين على ضمان تعويض الأضرار الجسدية فلا يجوز تخطي ذلك وتشميل عقد التأمين لأمور لم يشملها ولم يرد لها أي ذكر في العقد
( أساس 1252 قرار 931 تاريخ 27 / 9 /1998 )
4 ـ المسؤولية المدنية أوسع من المسؤولية الجزائية حتى ولو أسقطت الدعوى العامة
( أساس 1930 قرار 1700 تاريخ 8/ 12 / 1996 )
وهنا يفترض لو سقطت الدعوى العامة أو تقرر عدم المسؤولية الجزائية فهذا لا يحجب عن الجهة المتضررة طلب التعويض عن الضرر الذي حل بها نتيجة الحادث الذي أودى بحياة مؤرثها
5 ـ المسؤولون عن عمل ضار متضامنون في المسؤولية ويجوز للمضرور مخاصمتهم مجتمعين أو منفردين فالمدعي هو الذي يحدد خصمه بالدعوى ولا يلزم على مخاصمة أحد لايريد مخاصمته
( أساس 1567 قرار 1214 تاريخ 5/ 6 / 2000 )
6 ـ ( عقد التأمين يعطي حقاً مباشراً للمتضرر تجاه مؤسسة التأمين بالمطالبة بالتعويض دون أن يحق لها أن تتمسك بالدفوع التي ترد على المؤمن له )
( أساس 998 قرار 1354 تاريخ 28/ 6 / 2000 )
7 ـ عقد الإيجار تعد في بعض الأحوال أسرة المستأجر طرفاً مقدراً في العقد وعليه الأضرار التي يحدثونها في العين المؤجرة لا تعد من قبيل الضرر الناجم عن فعل الغير
8 ـ هناك عقد الاشتراط لمصلحة الغير نجد أن المنتفع علاقته بالمتعهد علاقة مباشرة ناجمة عن العقد رغم أنه طرف غريب عن العقد عند التعاقد لكن شروك والتزامات العقد انصبت لمصلحته وهو يستطيع مطالبة المتعهد بشكل مباشر لا عن طريق المشترط ولا يتأثر حقه بوفاة المشترط أو المتعهد أو فقد الأهلية لأي منهما
وهذا بعض من الإحاطة بقواعد المسؤولية بنوعيها الجزائية والمدنية المدنية ومن ثم العقدية والتقصيرية أمل إغناؤه بالمناقشة البناءة
المراجع : مجلة المحامون السورية واجتهادات محكمة النقض السورية و النظرية العامة للالتزام للفقيه الدكتور محمد وحيد الدين سوار.
المصد:منتدى المحامين العرب.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم