القائمة الرئيسية

الصفحات



محاضرات في مادة مناهج العلوم القانونية والاجتماعية، السداسي الأول، تخصص قانون.






 مناهج العلوم القانونية
  
أ/ حوبه عبد القادر

السنة الأولى

  2009/2010




مقدمة :
    يدرس مقياس مناهج البحث العلمي في كل الجامعات عبر العالم وفي جميع التخصصات العلمية والتقنية، وتخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية. وتهدف منهجية البحث العلمي إلى جعل الطالب الجامعي منهجيا في تفكيره وطروحاته وبحوثه متخلصا من الجمود الفكري ومتوجها نحو الإبداع والتجديد والنقد والتحليل الممنهج والمنظم .
     إن دراسة منهجية البحث العلمي في العلوم القانونية ركيزة أساسية لطلبة التدرج وما بعد التدرج ، ولا يمكن الاستغناء عنها في أية مرحلة من مراحل البحث العلمي النظري أو التطبيقي .
   إن تجنب إصدار أية أحكام تعسفية من طرف الباحث أو وقوعه في السذاجة العلمية يرتكز على مدى تسلحه بالمنهجية العلمية وأساليب البحث وتقنياته .
   ويمكن إجمال موضوع هذه الدراسة في المواضيع التالية :

الفصل الأول : مفاهيم عامة حول العلم والمنهجية

المبحث الأول : الروح العلمية
          المطلب الأول :  الملاحظة
          المطلب الثاني :  المساءلة
          المطلب الثالث :  الاستدلال
          المطلب الرابع :  المنهج
          المطلب الخامس :  التفتح الذهبي
          المطلب السادس :  الموضوعية

المبحث الثاني : مفهوم العلم
          المطلب الأول :  فلسفة العلم
          المطلب الثاني : تعريف العلم
          المطلب الثالث : خصائص العلم
          المطلب الرابع : وظائف وأهداف العلم

المبحث الثالث : مفهوم المنهجية
          المطلب الأول : - تعريف المنهج
          المطلب الثاني : - تعريف المنهجية
          المطلب الثالث : - المنهجية فن أو علم
          المطلب الرابع : - العلاقة بين الفكر والمنهج



الفصل الثاني : البحث العلمي ( مفهومه – أدواته – مراحل إعداده )

      المبحث الأول : مفهوم البحث العلمي ( التعريف – الخصائص – الأنواع )

        المطلب الأول : تعريف البحث العلمي
المطلب الثاني : خصائص البحث العلمي
المطلب الثالث : أنواع البحث العلمي

      المبحث الثاني : أدوات وخطوات ومراحل إعداد البحث العلمي

        المطلب الأول : أدوات البحث العلمي
        المطلب الثاني : خطوات البحث العلمي
        المطلب الثالث : مراحل إعداد البحث العلمي


الفصل الثالث : مناهج البحث العلمي المستعملة في ميدان العلوم القانونية

    المبحث الأول : مفهوم العلوم القانونية وعلاقتها بالعلوم الأخرى

        المطلب الأول : تعريف القانون
        المطلب الثاني : الاستعمالات المختلفة لكلمة قانون
        المطلب الثالث : فروع القانون
المطلب الرابع : علاقة القانون بالعلوم الأخرى

    المبحث الثاني : مفهوم علم المناهج

        المطلب الأول : تعريف علم المناهج
        المطلب الثاني : إشكالية تكوين علم المناهج
        المطلب الثالث : اختلاف علماء المناهج حول تصنيف المناهج العلمية
        المطلب الرابع : العلوم الإنسانية والمناهج العلمية

    المبحث الثالث : مناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في ميدان العلوم القانونية

        المطلب الأول : التعددية المنهجية وأسبابها
        المطلب الثاني : المنهج الاستنباطي
        المطلب الثالث : المنهج الاستقرائي
        المطلب الرابع : المنهج التاريخي
        المطلب الخامس : المنهج الجدلي
        المطلب السادس : المنهج المقارن
        المطلب السابع : المنهج القانوني
        المطلب الثامن : المنهج الوصفي
المطلب التاسع : التعليق على النصوص ( التعليق على نص فقهي - التعليق على نص قانوني )

  - منهج التعليق على القرار القضائي
  - منهج إعداد الاستشارة القانونية
             
الفصل الرابع :  فلسفة القانون
        المبحث الأول : مفهوم فلسفة القانون
        المبحث الثاني : المدارس الفلسفية لأصل القانون

   
الفصل الأول
مفاهيم عامة حول العلم والمنهجية



 المبحث الأول : الروح العلمية


       قبل أن يستعد الإنسان في اتخاذ موقف معين والقيام بنشاط معين أن يستعد ذهنيا وذلك من أجل أن يضمن النجاح فيه لاحقا . فعند جلوس الشخص أما مقود السيارة مثلا ، فهو مطالب بالحذر قبل الانطلاق ، كما يعتبر التركيز ضروري بالنسبة للطالب أمام ورقة الامتحان .
    كذلك الحال في مجال النشاط العلمي ، فإنه يتطلب تحضيرا ذهنيا ، وذلك لأنه لا يمكن اعتبار العلم مجرد مجموعة من المعارف التي يجب تعلمها ، بل هو إضافة إلى ذلك نشاط منتج للمعرفة عن طريق البحوث والدراسات .
  وبذلك فإن هذه الاستعدادات الذهنية التي يجب أن يتميز بها كل باحث علمي نسميها بـ : الروح العلمية فإن كان هناك ما يسمى بالروح الرياضية التي تتميز بها النشطات العلمية ونشاطات البحث العلمي.
   وهذه الروح العلمية لها مميزات خاصة بها يمكن إجمالها فيما يلي :
-          الملاحظة
-          المساءلة
-          الاستدلال
-          المنهج
-          التفتح الذهني
-          الموضوعية

        المطلب الأول :  الملاحظة

لماذا نلاحظ ؟ إنه الفضول في المعرفة أو الرغبة الإيجابية في الاطلاع التي يشعر بها كل شخص ولكن بدرجات متفاوتة إذن الروح الملاحظة هي روح فضولية .
    يظهر الاستعداد الذهني للروح العلمية من خلال الميل نحو الاهتمام بكل ما يحيط بنا ، ما من شخص إلا وجلس في مكان ما في الشارع أو في حديقة أو غابة وكان منشغل بالتركيز على شيء معين . إذن هذا الموقف هو في الحقيقة دليل على وجود رغبة في الكشف عما تخفيه المظاهر الخارجية ، إن هذا الاهتمام الموجه نحو الأشخاص والأشياء ما هو إلا خطوة أولى من جهد لمحاولة فهم محيطنا
   وفي المجال العلمي ، فإنه للوصول إلى الفهم ، فإن العلم قد أعد أدوات كثيرة ، تأتي في مقدمة هذه الأدوات الملاحظة العلمية التي تسمح باكتشاف وفهم بعض جوانب الظواهر التي مازالت إلى حد الآن مبهمة.    
مراحل الملاحظة :
للملاحظة مراحل قسمها العالم selye  وهي : الإدراك والتعرف والتقييم ، إن هذه المراحل هي من مميزات الملاحظة العلمية ، لأنه في الحياة العادية يمكننا التوقف عند المرحلة الأولى والاكتفاء بها ، أما في حالة التزامنا بروح علمية فلابد من اجتياز بقية المراحل
مثال : نفرض مثلا أنك وصلت إلى مقهى وشاهدت في الوهلة الأولى أربعة أشخاص جالسون حول الطاولة ، ففي هذه الحالة تكون قد أنجزت الخطوة الأولى وهي المشاهدة ، ثم تبين لك بعد ذلك أن اثنين منهما قد سبق وأن رأيتهما ، وأن الشخصين الآخرين لم يسبق لك رؤيتهما ، ففي هذه الحالة وهي الخطوة الثانية ، تكون قد تعرفت على اثنين منهما . أما في الخطوة الثالثة والأخيرة فإنك ستحاول معرفة إن كان يجب عليك أن تتوجه نحوهما أو تمتنع عن ذلك  ، ففي هذه الحالة تكون قد قمت بعملية التقييم وهذا التقييم يكون انطلاقا من عدة اعتبارات ومقاييس مثل الرغبة في التحدث معها ، درجة الإزعاج الذي تسببه لهما ، الأهمية المحتملة لموضوع الحديث بينهما .... إلخ
        إن كل هذه العمليات تتم في ذهنك في وقت قصير نسبيا كما أنه لا يمكنك دائما إدراك كل هذه المراحل المختلفة.
    من خلال كل ذلك ، يمكن القول أن الملاحظة العملية تقوم على الإدراك والتعرف ثم التقييم ، وهذا ما يميز الملاحظة العملية عن المشاهدة البسيطة التي لا تمت بأي صلة بالروح العملية .
  - أهمية الملاحظة :
   إن ملاحظة الواقع هو مركز اهتمام الطريقة العلمية في البحث العلمي وأن الملاحظة تسعى إلى معرفة الواقع أو إلى تغييره ، هكذا فإن ملاحظة الواقع لا غنى عنها لكل عمل يريد أن يقوم على أسس علمية فالمؤرخ ابن خلدون يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم التاريخ لكونه أول من ركز بحثه على ملاحظة " طبيعة الأشياء" .

المطلب الثاني :  المساءلة

        المساءلة هي فعل التساؤل حول ظاهرة ما . إنه من المستحيل أن نشاهد كل شيء في الواقع ، حيث أن الأسئلة التي تطرح قبل الملاحظة أو أثناءها هي التي توجه مشاهدتنا إذن بصفة عامة يمكن القول أن الأسئلة هي التي تسمح لنا بانتقاء الظواهر وتحديدها ( الظواهر التي سيتوقف عندها التفكير )
   إذن من خصائص الروح العلمية هو حب التساؤل ، فأثناء قيامنا بالملاحظة فإن الروح العلمية تبحث عن تجاوز مجرد المشاهد البسيطة ، حيث يتم طرح السؤال : لماذا أخذ هذا الشيء أو ذاك هذا الاتجاه أو ذاك ؟
أو لماذا تتبنى هذه المجموعات الاجتماعية هذا السلوك أو ذاك .... إلخ ؟ إنها الروح العلمية التي تحب التساؤل باستمرار.
   بالنسبة للروح العلمية ، فإن كل معرفة هي جواب لسؤال إذا لم يكن هناك سؤال ، لا يمكن أن تكون هناك معرفة علمية
   إن الروح العلمية تطرح بالنسبة للباحث مسألة الشك الإيجابي ، بمعنى عدم قبول أي شيء وكأنه مكسب أبدي إن الشك لا يعني عدم الاعتقاد في أي شيء ، بل الأصح في العلم هو التفكير في أن كل إثبات أو تأكيد سيضل مؤقتا ومن واجب العلماء ألا يتغاضوا عن ذلك .
     وفي مجال البحث العلمي لابد على الباحث أن يستمر في طرح الأسئلة دون توقف ، وذلك من أجل التوصل إلى تسجيل ملاحظات متعددة تكون معللة وموجهة من طرف تساؤلاتهم .
    إن الحديث عن الشك الإيجابي وعملية طرح الأسئلة تولد لنا فكر نقدي ، أي الفكر القائم على التساؤل قبل قبوله لأية فكرة  كانت .
-          أهمية المساءلة :
إن الاستغناء عن التساؤل الهادف والمركز ، يفقد الملاحظة قيمتها فمهما كانت مدة ملاحظتنا لظاهرة ما ودقتها ، فإنها ستكون خالية من كل قيمة مفيدة للمعرفة العلمية دون عملية التساؤل .
   فمثلا أن شخصان يقومان بملاحظة نفس الظاهرة ، وأن أحدهما قد وضع مسبقا تساؤلا حول ما سيشاهده بالنسبة إلى هذا الشخص ، فإن الملاحظة سيكون لها من دون شك معنى أعمق مقارنة بملاحظة الشخص الثاني التي تخلو من أي تساؤل مسبق ، وبالتالي سينساها بمجرد مرورها .
   إذن يمكن القول أن المساءلة هي التي تسمح بتحديد مشكلة البحث وتعريفها .

المطلب الثالث :  الاستدلال

     إن الاستدلال هو فعل التصوير عن طريق الذهن .
إن التجريد هو خاصية من خصائص الروح العلمية والاستدلال ، إنها قدرة الفهم الذي لا نمنحه في الحال لما ندركه .
   إن التجريد هو أساس المعرفة العلمية وهو مسعى أساسي في العلم ، وهو من نتائج الاستدلال .
   إن المساءلة في حد ذاتها قائمة على الاستدلال ، وهنا فالعقل يفرض نفسه كأداة أساسية .

المطلب الرابع :  المنهج

   إن استعمال المنهج في البحث العلمي مسألة جوهرية ، إن طرحنا للأسئلة يجب أن يتم وفق منهج وبصرامة ورغبة في التنظيم كل ذلك من أجل الوصول إلى نتيجة ، كما أن الإجراءات المستخدمة أثناء إعداد البحث وتنفيذه هي التي تحدد النتائج .
    إذن المنهج هو سلسلة من المراحل المتتالية التي ينبغي إتباعها بكيفية منسقة ومنظمة .
   وسنتطرق لاحقا بشيء من التفصيل لخطوات إعداد البحوث وفق منهج محدد وواضح من أجدل الوصول إلى الحقيقة العلمية .
  أهمية المنهج :
   إن إتباع منهج صحيح في البحث يؤدي بنا إلى الوصول إلى نتائج صحيحة .

المطلب الخامس :  التفتح الذهبي
          
التفتح الذهني هو موقف يسمح بتصور طرق جديدة في التفكير .
-    إن السلوكيات والأفعال والاعتقادات التي تتميز بها والحياة اليومية تشكل في غالب الأحيان " بالحس المشترك " .
فمثلا يمكن أن يسود الاعتقاد بأن المهاجرين من دول الجنوب يمثلون حملا ثقيلا على اقتصاديات دول الشمال ، وهذا يدخل في إطار الحس المشترك ، أو أن العائلات التي تتقاسم المهام الأسرية بين الأبوين كأن يكون الأب والأم من العاملين ، فإن ذلك قد يشكل حسا مشتركا على ضرورة عمل المرأة  وقد يشكل في مجتمعات أخرى حسا مشتركا على ضرورة عدم عمل المرأة .
-          إذن التفتح الذهني يتضمن فكرة احتمال عدم ملائمة الواقع مع الأفكار الملقنة والمكتسبة .
-    فالروح العلمية يجب أن تتجاوز الأحكام والحس المشترك المتفق عليه ، وأن تبتعد بقدر الإمكان عن العفوية في التفكير .
-          إن الروح العلمية مطالبة بقبول ووجود طرق أخرى لتصور الأشياء ، غير تلك التي تعودت عليها .
-    إن التفتح الذهني يؤدي بنا إلى ترك الأحكام المسبقة جانبا ، ويؤدي بنا إلى قبول النتائج حتى ولو كانت متناقضة لأفكارنا المكتسبة ، إذن علينا في المجال العلمي أن نترك تصوراتنا الأولية جانبا ، وهذا يتطلب جهدا للتحكم في الذات .
-          أهمية التفتح الذهني :
إن الروح العلمية تستدعي القيام على أساس التفتح الذهني والابتعاد والتراجع عن الاعتقادات والطرق المتعود عليها في التعامل مع الأشياء والتفكير فيها ، حيث أن الاعتماد على الأفكار المسبقة قد يؤدي إلى إخفاء بعض الأبعاد الجديدة للظاهرة التي تجرى ملاحظتها .
-    إن التفتح الذهني يقوم على أساس احتمال عدم ملائمة الواقع مع الأفكار المكتسبة ، ومن ثم فإن الباحث يجب أن يظل مستمرا في تفتحه الذهني طوال مدة إنجازه للبحث .
-          إن التفتح الذهني يتضمن ضرورة الاحتياط من المعرفة العامة وإعادة تقييم المعرفة العلمية .

          المطلب السادس :  الموضوعية

      الموضوعية هي التجرد والحياد في الرأي والموقف ، أو هي ميزة من يتطرق إلى الواقع بأكبر صدق ممكن .
         إن الموضوعية هي بمثابة مثل أعلى يستحيل بلوغه ، بالرغم من أننا نطمح إلى وصف صادق لما نشاهده أو نسمعه ، إلا أن ما نراه أو نسمعه يتم وفق كيانها المتضمن للشعور والإحساس والأحكام والتجارب والمعرف بما في ذلك العقل.
   وبما أننا تطرقنا إلى الموضوعية ، فإنه يجب أن نتطرق إلى مصطلح آخر يقابله وهو" الذاتية "
   فإذا كانت الموضوعية هي الابتعاد عن الذاتية سواء بجكم الجنس أو الموطن أو العرق أو الانتماء السياسي أو الفكري أو الإيديولوجي فإن الذاتية معناه التعامل مع كل هذه الخصائص وبالنسبة للعلوم الإنسانية تثار فيها مشكلة الموضوعية بأكثر حدة من نظيرتها العلوم الطبيعية ، وذلك لأن العلوم الإنسانية موضوعها هو الظاهرة الإنسانية والباحث جزء منها ، ولهذا من الصعب التخلص من شوائب الذاتية والأفكار الشائعة ، ولكن التخلص منها ليس أمرا مستحيلا ، وقد دعا " أميل دور كايم " إلى ضرورة التعامل مع الظاهرة الإنسانية وكأنها كيان مادي خارج عن وعينا وفكرنا ، بمعنى تشبيه الظاهرة الإنسانية بالظاهرة الطبيعية أثناء دراستها كي يمكننا دراستها بموضوعية
  -  أهمية عملية النقد :
     إذا كانت الموضوعية من أهم مميزات الروح العلمية ، فإن الاعتماد عليها لا يعني أننا نسلك بالضرورة طريقا صحيحا لهذا ومن أجل ضمان حد أقصى من الموضوعية يجب على الباحث أن يحكم على عمله من طرف زملائه ، أي من طرف هؤلاء الذين يشتغلون في نفس الميدان العلمي .
    إن " التبادل المعمم للنقد " ضروري للإبقاء على درجات عالية من الموضوعية ، إن النقد الموجه من طرف ما يسمى بـ " المجموعة العلمية communauté scientifique  هي التي تمنح الشهرة لبعض أعضاء هذه المجموعة الذين اجتازوا اختبار الاعتراف النقدي من طرف زملائهم .
    من خلال ذلك ، لا ينبغي التخوف من انتقادات الآخرين مهما كانت هذه الانتقادات ، لأنها تمثل الضمان الأكثر يقينا لاستمرار موضوعية عمل ما ، وهو ما يمثل هدف الروح العلمية
    خلاصة :
     من خلال كل ما تطرقنا له ، يمكن القول أن الروح العلمية هي استعداد ذهني خاص يكتسب عن طريق الممارسة والتجربة وخلال المدة التي يستغرقها انجاز البحث تكون مهمتها الرئيسية هي تنمية القدرات الخاصة بالروح العلمية ، بالتالي تظهر كل النشاطات على أنها ضرورية وفي متناولنا ، إذن تتميز الروح العلمية بستة استعدادات ذات أهمية وهي : الملاحظة ، المساءلة ، الاستدلال ، المنهج ، التفتح الذهني ، وأخيرا الموضوعية ، ولكل واحدة من هذه الاستعدادات دور في هذه اللحظة أو  تلك من لحظات إجراء البحث ، فإذا كانت الملاحظة تسمح بالتحقق من الافتراضات ، فإن المساءلة تساهم في تحديد موضوع البحث ، وإن كان الاستدلال هو الأساس في صياغة مشكلة البحث ، فإن المنهج المتبع يتضمن الإجراءات التي تهدف إلى تنظيم البحث ، وأخيرا إذا كان التفتح الذهني يسمح بالابتعاد على الأفكار المسبقة ، فإن الموضوعية ستظل مثلا أعلى ينتظر بلوغه .
  

المبحث الثاني : مفهوم العلم

   أخذ العلم في وجودنا مكانة خاصة ، وهناك العديد من الأسباب تجعله المصدر الأول للتطور الإنساني ، لكن نطرح السؤال ماهو العلم ؟ وماذا نعني بفلسفة العلم ؟ وخصائصه ، وأهدافه ووظائفه ؟ .

          المطلب الأول :  فلسفة العلم
إن معرفة مفهوم فلسفة العلم ضرورية من أجل معرفة فلسفة القانون التي سندرسها في السداسي الثاني من السنة الدراسية .
  يمكن القول في هذا الإطار أن فلسفة العلم هي ذلك الجانب الذي يبحث في أساس وأصل العلم والنظريات الفلسفية المتعلقة به ، وقد تأرجح العلم بين النظرية المثالية والنظرية المادية ، في حين كان للعلم مفهوم وأساس واضح في فهم المسلمين ، لذلك نحاول أن نتطرق إلى كل هذه النظريات فيما يلي :

الفرع الأول : العلم من  وجة نظر الاتجاه المثالي :
  من أنصار هذه المدرسة الفيلسوف إفلاطون ، وفي رأيه أن النفس البشرية كانت تعلم كل شيء قبل أن تحل بالجسد ، وفي رأيه أن حلول النفس البشرية بالجسد جعل من العقل البشري يحتوي على الفكر الخالص الذي يفسر كل سيء ، ويرى هذا الاتجاه أنه لاحاجة لاتصال الإنسان بالمادة لأن هذه الأخيرة ليست أساس العلم .
وأن مصدرالعلم ليس التبادل من خلال العيش في جماعة بل هو ناتج عن الفكر الخالص .
     وعند أصحاب هذه المدرسة فإنه يجب الابتعاد عن الجانب المادي ، حيث أن العلم عندهم يقتصر على الجانب النظري ، وأن العلم التطبيقي هو أمر غير محبذ لأنه يدنس العلم ، وقد عاب أفلاطون على أحد العلماء اللجوء إلى رسم أشكال هندسية ، حيث أن هذه العملية في رأيه تنزل بالعلم مرتبة الأشياء التي يمكن أن نلمسها ، والعلم لا يلمس ولا يرى بل هو قوى عقلية لا يمكنها النزول إلى الواقع .
     وقد ساعد هذا الفكر على تقسيم المجتمع اليوناني إلى طبقتين أحرار وعبيد ، فكان العبيد يتعاملون مع المادة ( الأعمال اليدوية ) أما الأحرار فيتعاملون مع النقاش والفكر لأن ذلك أمر روحاني يرقى عن مرتبة العبيد   
     وقد انتقلت النظرة المثالية للعلم إلى أوربا طيلة القرون الوسطى ، وكانت الكنيسة في هذه الفترة تسيطر على المجتمع الأوربي  بوصفها مبادئ دينية صارمة ، وتؤدي مخالفة هذه المبادئ إلى المحاكمة وحتى الإ‘دام ، وكانت عملية نشر الكتب لا تتم إلا بموافقة الكنيسة ، وكانت الظواهر العملية في هذه الفترة تفسر بطريقة روحانية بحيث تربط الظاهرة بعالم خفي يتحكم فيها وساد مبدأ " احترام الطبيعة من احترام الله " الذي يفترض عدم جواز دراسة الطبيعة بالتجربة بل يجب دراستها بالمنهج الكنسي وهو المنهج الميتافيزيقي الروحاني ، ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما قامت به الكنيسة من محاكمة ( جاليليو ) عقب تأليفه لكتاب " حوار " حيث عارض فيه مبادئ الكنيسة الذي كان يقضي بأن الأرض هي مركز الكون وأنها ثابتة لا تتحرك وقد وصف ( جاليليو ) الكنيسة بالرجل الساذج ، حيث صور فيه أن ثلاثة رجال يتحاورون حول مبادئ الكون أحدهم ( جاليليو) صاحب النظرية الحديثة والآخر هو عالم مثله يحاوره بحكمة وعلم والثالث رجل ساذج يطرح نقاشا ساذجا غير علمي .
     وقد تقبلت الكنيسة في البداية هذا الكتاب ، لكن فيما بعد انقلبت عليه بعد أن وصلت أخبار  إلى البابا مفادها أن الرجل الساذج الذي يصوره جاليليو في كتابه هو الكنيسة في حد ذاتها ، وقد دعى ( جاليليو ) فيما بعد للمحاكمة من قبل محاكم التفتيش وما كان أمام ( جاليليو ) إلا السجود أمام المحكمة والتوبة عن آرائه العلمية التي خالفت مبادئ الكنيسة .
    من خلال كل ذلك ، يمكن القول أن الكنيسة ساهمت كثيرا في تكريس المجهود الفكري عن طريق اضطهاد العلماء ، وانعكس ذلك على الشعوب فانتشر الجهل والتخلف ، وعاشت أوربا بذلك في القرون الوسطى مرحلة من أسوأ مراحل التاريخ .
      كل هذا الوضع ولد تيارا معاكسا يسعى إلى إحداث التغيير ويعادي النظرة المثالية بل أنه يعادي حتى الدين واعتبره وسيلة لخداع الناس ، وقد قاد هذا التيار الجديد " كارل ماركس " وأسس مدرسة تحمل اسم " المدرسة المادية " .

الفرع الثاني : العلم من وجهة نظر الاتجاه المادي :

يتعارض هذا الاتجاه تماما مع ما ذهبت إليه المدرسة المثالية ، ويرى أنصار هذا الاتجاه أن أفكارنا يجب أن تتوافق مع الواقع وفي هذه الحالة نكون قد اكتسبنا معرفة ، والمعرفة هي إحلال أفكار صادقة محل أفكار غير صادقة ، ويطرح أنصار هذا الاتجاه سؤالا : كيف نعرف أن أفكارنا صادقة ؟
     فوفق هذا الاتجاه أن مجرد الإيمان أن شيئا ما صادقا لا يعتبر معرفة ، على سبيل المثال قال فلاسفة الإغريق ؟أن الأجسام تتألف من ذرات  وهذا صحيح ، ولكن الأمر لديهم لم يكن سوى مجرد تخمين موفق ، فبينما اقتصر على التخمينات ،توصل العلم الحديث إلى هذه الحقائق عن طريق البحوث والدراسات العملية المنظمة .
     من هنا ، لا نكون بصدد المعرفة إلا إذا طورنا هذه الأفكار بطريقة تبين لنا توافقها مع الواقع وإثباته ، وهنا فقط نصل إلى المعرفة .
     إذن فالمعرفة عند أنصار هذا الاتجاه هي مجموع تصوراتنا وآرائنا وقضايانا التي أرسيت واختبرت كانعكاسات صحيحة للواقع الموضوعي .
    وعلى عكس النظرة المثالية ، فإن النظرة المادية ترى ضرورة عيش الإنسان وسط جماعي حتى يطور من لأفكاره ومعارفه ، الآن المعرفة تستمد من الوجود المادي ووجود غيره من الناس .
    إذن المعرفة حسب النظرة المادية تنتج من خلال الاتصال المادي بالطبيعة ، وبذلك فالمعرفة ما هي إلا حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع العملي ، تنص في بحوثنا نبدأ أولا بالتماس المشكلة عن طريق الاتصال بالواقع والمجتمع أو الطبيعة ، ثم توضع نظرية لحل الإشكال ثم نطبق هذه النظرية على الواقع لنعرف مدى توافقها مع الواقع العملي ، وعند فشل هذه النظرية نبدأ بصياغة نظرية أخرى ، وبهذه الكيفية تتطور المعرفة .
    وحسب النظرية المادية فإن أي شيء غير متاح للحواس لا يعتبر معرفة ، وإنما هو خيال ، وهنا انتقد الماديون الدين لأنه مبني على اعتبارات غير مرئية يجب الإيمان بها وهو خداع للناس .
    فإن كانت المدرسة المثالية تفصل بين المعرفة والحواس وتقييم المعرفة على الفكر الخالص ، ويجب تجهل الحواس ، فإن النظرة المادية على العكس تماما من ذلك ، فهي لا تؤمن بالمعرفة التي لا تتاح للحواس ، ومن ثم فهي لا تعترف بالدين لأنه طريقة لخداع الناس ولا يدخل في دائرة المعارف .
  
     أخيرا يمكن القول أن أفكار النظرة المادية للدين أفكارا تتأثر كليا لا يتناسب مع مقتضيات ديننا الحنيف الذي وازن بين النظرة المثالية والمادية ، فإذا كان العداء الذي تتسم به النظرة المادية للدين مرده إلى ممارسة الكنيسة ، فإن الدين الإسلامي أعطى للعلم قيمته ، ووازن بين الطابع المادي للعلم ، وبين المعتقدات الدينية .

  ج- العلم عند العرب والمسلمين :
    أعطى الإسلام للعلم مكانة مرموقة ففي الوقت الذي أعطى كانت فيه أوربا تتخبط في الجهل والتخلف ، كانت الحضارة الإسلامية قد شهدت تقدما في مختلف العلوم ، وكانت العلوم عند العرب يحكمها مبدأ السببية ، أي لكل ظاهرة سبب ومبدأ التنامق والنظام في الكون .
   ففي مجال الطب مثلا ، نجد أن ابن سينا يصف الأعراض ويشخص العلل ، ثم يأتي على بيان الروابط والعلاقات بين العلل المتشابهة .
    وفي مجال الصيدلة ، كانت تعرف قوى الأدوية ، بطريقين ، وهما التجربة والقياس .
     ومن هنا ، (كان العلماء المسلمين ) العلم عند المسلمين موضوع احترام ، ووازن العلماء المسلمين بين النظة المادية للعلم والنظرة المثالية المتمثلة في الدين والمعتقدات ( الدين الإسلامي ) ولم تبدأ أوروبا في التخلص من ظلاميتها إلا بعد أن بدأت عملية انتقال العلوم من اللغة العربية إلى اللاتينية
        

          المطلب الثاني : العلم والمعرفة
            العلم هو مجموعة من المبادئ والقواعد التي تشرح بعض الظواهر والعلاقة القائمة بينها ، وهو جزء من المعرفة يقوم على مجموعة من المناهج الموثوق بها التي يتبعها الباحث لتفسير الظواهر والحقائق ، هذه الأخيرة التي يتم التأكد من صحتها بواسطة التجريب أو العقل .
    أما المعرفة فهي مجموعة من المعني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به .

- أنواع المعرفة :
   هناك المعرفة الحسية ، المعرفة الفلسفية التأملية ، المعرفة العلمية .
أ‌-       المعرفة الحسية : وتتمثل في كل التفسيرات والحلول التي توصل إليها الإنسان عن طريق الحواس ، وتبدأ بالملاحظة البسيطة العفوية التي يعقبها تفسير مباشر وعفوي من طرف الإنسان كإدراكه تعاقب الليل والنهار ، وتقلب الأحوال الجوية وهذه المعرفة لا ترقى إلى مرتبة المعرفة العلمية .
ب‌-     المعرفة الفلسفية التأملية : هذا النوع من المعرفة مبني على التأمل والتفكير في إشكاليات مثل : الموت ، خلق الكون وهي مشكلات غير مرئية ترتبط بعالم الميتافيزيقي.
ج- المعرفة العلمية :  وهي معرفة تقوم على اتباع منهج مضبوط وأساليب بحث ، ويتوصل إليها الإنسان عن طريق الأضرار والبحث التواصل ، وهي على نوعين  :
- المعرفة العلمية الفكرية
-المعرفة العلمية التجريبية
1- المعرفة العلمية الفكرية : في هذا الإطار تدرس الظواهر الإنسانية والاجتماعية ، ويستخدم الباحث هنا أدوات عقلية مثل الاستدلال ويتم التأكد من صحة النتائج عن طريق العقل ، وموضوع المعرفة الفكرية العلمية هي دراسة ظواهر مادية يعيشها الإنسان في واقعه مثل : الدولة ، القانون ، الأمة ، الانتخابات ...إلخ
      وهناك من العلماء من لا يؤمن بالمعرفة العلمية الفكرية ولا يعتبر هذا النوع من المعرفة بأنه ذو طابع علمي ، بل يثؤمن فقط بالعلم الذي يستخدم فيه مغالاة ، لأن المعرفة التجريبية لا تشكل وحدها الطريق إلى العلم وما يؤكد ذلك هو استخدام المعرفة الفكرية العلمية لمناهج البحث العلمي واستخدام الفرضيات والوصول إلى حلول انطلاقا من استخدام قواعد المنهج .
2-المعرفة العلمية التجريبية : وهي مجموعة الحلول والتفسيرات للظواهر الطبيعية والتي توصل إليها الإنسان بدءا بالملاحظة ثم الفرضية ثم التجريب ، ويستطيع أي إنسان التأكد من صحة النتائج بإعادة التجربة ، وهذه المعرفة توصف بأنها موثوق فيها أكثر من غيرها

- العلم والثقافة :
       إن الثقافة هي مجموعة أنماط وعادات سلوكية ومعرف وقيم واتجاهات اجتماعية ومعتقدات وأنماط ومعاملات ومعايير يشترك فيها أفراد جيل معين ، ثم تناقلها الأجيال بواسطة عوامل الاتصال والتواصل الحضاري    
    من خلال ذلك نستنتج أن الثقافة أكثر اتساعا من العلم ، والعلم ماهو إلا جزء من الثقافة .
- العلم والفن :
     يمكن أن نميز بين العلم والفن من خلال الموضوع والهدف والوظيفة والتراكمية .
   ففيما يتعلق بالموضوع ، فموضوع العلم هو اكتشاف النظريات ومحاولة تفسير الظواهر والعلاقات فيما بينها ، في حين أن الفن هو عبارة عن تلك الإجراءات والأساليب العملية لإنجاز فكرة أو عاطفة ما ، وقد يكون إنجاز هذه الفكرة بتطبيق قانون وضعه العلم ، أو يكون ناتج عن ابتكار الفنان في حد ذاته ، أما فيما يتعلق بإنجاز عاطفة معينة ، فيكون عن طريق الأعمال الشعرية والأعمال الأدبية مثل القصة والرواية ...الخ .
    إذن فالعلم يمتاز بالموضوعية ، في حين أن الفن يتعلق بذاتية الإنسان بل هو تعبير صادق عن هذه الذاتية .
    أما من حيث الهدف والوظيفة ، فإن العلم يهدف إلى الاكتشاف والتفسير والتنبؤ ، الضبط والتحكم ، في حين أن الفن يسعى إلى تحقيق عمل تطبيقي تظهر فيه مهارة الفنان وتتدخل فيه شخصيته ، فالفن طابعه تطبيقي في حين أن العلم طابعه نظري .
     ومن حيث التراكمية ، فالعلم يلغي القديم ، فبروز نظرية جديدة ودحضها للنظرية القديمة يسفر عنه إلغاء النظرية القديمة ،في حين أن الفن لا يتميز بالتراكمية فهو يسير في خط أفقي ، ومثال ذلك أنت قد تتذوق الشعر القديم أكثر من الأعمال المعاصرة .

المطلب الثالث : خصائص العلم

يتصف العلم بمجموعة من الخصائص المترابطة التي لابد من توافرها وهي :
-          التراكمية
-          التنظيم
-          الموضوعية
-          المنهجية
-          السببية
-          التعميم
-          اليقسين
-          الدقة
-          التجريد
-          الحتمية
-          الامبريقية
1-               التراكمية :
  نقصد بالتراكمية ، أن العلم يسير في خط متواصل ، فهي عبارة عن إظافة الجديد للقديم ، فالنظريات الجديدة في مجال العلم تحل محل النظريات القديمة إذا أثبتت النظريات الجديدة خطأ النظريات القديمة ، وهذا ما يميز المعرفة العلمية عن المعرفة الفلسفية وعن الفن ، بمعنى أن المعرفة الفلسفية لا تتراكم ، أي كل اتجاه جديد يظهر في الفلسفة لا يبدأ بالضرورة من حيث انتهت المذاهب السابقة .
2-               التنظيم :
   نقصد بالتنظيم ، تنظيم العالم الخارجي وتصنيف الظواهر منأجل دراستها ، فالتفكير العادي لا يتميز بالمنهجية بل بالتلقائية والعفوية ، فالباحث في مجال علم التاريخ مثلا إذا أراد دراسة ظاهرة تاريخية ما فإنه يجد زخما هائلا من الحوادث التاريخية يجب عليه تنظيمها وتصنيفها بحيث يأخذ فقط ما يفيده في بحثه.
3-               الموضوعية :
   وتعني الموضوعية أن تكون خطوات البحث العلمي كافة قد تم تنفيذها بشكل موضوعي وليس شخصي متحيز ، ومن ثم يتحتم على الباحث أن لا يترك مشاعره وآراءه الشخصية تؤثر على النتائج التي يمكن التوصل إليها بعد تنفيذ مختلف المراحل والخطوات المقررة للبحث العلمي .
4-               المنهجية :
إن العلم يستخدم المنهج في الوصول إلى النتائج ، سواء أكان ذلك في عملية جمع المعلومات أو عملية التحليل والتفكير .
5-               السببية :
إن لكل ظاهرة علمية سبب يسعى الباحث لاكتشافه ، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على الصدفة والخرافة في تفسير الظواهر لأن ذلك يؤدي إلى الجمود الإنساني وهذا يعتبر من معوقات التفكير العلمي .
   وكمثال على ذلك ، فإن الإنسان البدائي كان يفسر ظاهرة البرق والرعد – مثلا – تفسيرات خرافية ، ويختلف هذا التفسير الخرافي من عصر لآخر .
6-               التعميم :
   يقصد بالتعميم الانتقال من الحكم الجزائي إلى الحكم الكلي بحيث يدرس العلم الظزاهرة من خلال عينة ، وعند الوصول إلى نتيجة يتم تعميمها على المجتمع الأصلي أو الظاهرة وهذا نظرا لالتعذر دراسة كامل المجتمع الأصلي .
     وكمثال : فإنه لما نقوم بتحليل الدم فإنه يأخذ منه عينة صغيرة توضع في أنبوب اختبار وما ينطيق عليها من موصفات قإنه ينطبق على سائر الدم الموجود في الجسم .
7-               اليقين :
نقصد باليقين هنا اليقين النسبي ، بحيث أنه كثيرا ما تظهر نظريات جديدة يثبت من خلالها فشل النظريات السابقة .
8-               الدقة :
  يجب أن تصاغ النظرية في المجال العلمي بشكل دقيق ، وقد أصبحت العلوم الاجتماعية والإنسانية يعتمد على لغة الأرقام في كثير من الأبحاث مثل استخدام الجداول البيانية ، والنسب المئوية والإحصائيات وغيرها من الأدوات الرياضية .
9- التجريد :
نقصد بالتجريد أن ما يتوصل إليه العلم لا يعني أفرادا معينين بذواتهم بل أن النتيجة التي يتوصل إليها العلم تنطبق على كل من يحمل صفة معينة .
10- الحتمية :
    ونعني بها أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتيجة ، فالقيام بتجربة وإعادة القيام بها يؤدي إلى نتيجة متماثلة .
11-الامبريقية : ونقصد بأن العلم يختص بدراسة العالم المحسوس فقط
    


          المطلب الرابع : أهداف العلم

يهدف العلم إلى الوصف والتصنيف والتفسير والفهم
1-               الوصف :
إن هدف العلم هو وصف الواقع بطريقة صادقة ، وإعطاء وصف دقيق للظاهرة المدروسة وبيان خصائصها ، فالوصف إذن هو تمثيل مفصل وصادق لموضوع أو ظاهرة ما .
2-               التصنيف :
   لا يكتفي العلم بوصف الظواهر ، بل يقوم بتصنيفها ، والتصنيف هو تجميع أشياء أو ظواهر انطلاقا من مقياس واحد أو عدة مقاييس ، ومثال ذلك في مجال علم الاجتماع في حالة وضع نماذج للمجتمعات ، ومثال ذلك في مجال علم النباتات عند قيامنا بتجميع النباتات وتصنيفها حسب عائلاتها النياتية .
3-               التفسير :
لا يتوقف العلم عند عملية الوصف أو التصنيف ، بل يقوم بتفسير الظواهر ، والتفسير هو الكشف عن علاقات تصف ظاهرة أو عدة ظواهر ، لهذا يمثل التفسير القلب النابض للمسعى العلمي ، ذلك لأن العلم يريد أن يكشف عن طريق الملاحظة العلاقات القائمة بين الظواهر ، والعلاقة التي يبحث عنها أكثر هي بطبيعة الحال علاقة سببية ، بمعنى دراسة ما إذا كانت هذه الظاهرة سببا في وجود تلك الظاهرة .
4-               الفهم :
إن الفهم هو اكتشاف طبيعة ظاهرة إنسانية مع أخذ بعين الاعتبار المعاني المعطاة من طرف الأشخاص المبحوثين .


المبحث الثالث : مفهوم المنهجية

إن الوصول إلى المعرفة العلمية تفرض علينا إتباع منهج علمي واضح ، وهذا ما يستخدمه العلم .
من خلال ذلك نتطرق :

          المطلب الأول : - تعريف المنهج

    يقصد بالمنهج الطريق أو المسلك ( في مجال اللغة ) . وفي الاصطلاح ، عرف المنهج تعريفات مختلفة ، ففي العهد الإغريقي يرجع أول استعمال لمصطلح " منهج " المترجم من مصطلح " méthode" ويقصد به البحث أو المعرفة المكتسبة من تعامل الإنسان مع واقعه ، وعرفه الفيلسوف " أرسطو " تلميذ أفلاطون – بأنه البحث نفسه وعرف المسلمون المنهج ( ابن خلدون وابن تيمية ) بأنه عبارة عن مجموعة من القواعد المصوغة التي يعتمدها الباحث بغية الوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظاهرة أو المشكلة موضوع الدراسة والتحليل .
       ويعرف عبد الرحمان بدوي المنهج بأنه " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة ".
   ويعرف جابر عصفور المنتهج بأنه " يهدف إلى الكشف عن الحقيقة من حيث أنه يساعدنا على التحديد الدقيق والصحيح لمختلف المشكلات التي يمكن معالجتها بطريقة علمية ويكننا من الحصول على البيانات والنتائج بشأنها .
    من خلال ذلك يمكن القول أن المنهج هو تلك الطريقة العلمية التي ينتهجها أي باحث في دراسته وتحليله لظاهرة معينة أو لمعالجته لمشكلة معينة وفق خطوات بحث محددة من أجل الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن موضوع الدراسة والتحليل .

         المطلب الثاني : - تعريف المنهجية

   هناك من يجعل مفهوم المنهج مرادف لمفهوم المنهجية فهل المنهج هو المنهجية ؟
    إن المنهجية يقابلها في اللغة الفرنسية Méthodologie  وهذا المفهوم مركب من كلمتين : Méthode وتعني المنهج ، وLogie وتعني علم ، وبذلك فالمنهجية هي العلم الذي يهتم بدراسة المناهج فهي علم المناهج .
     وبذلك فالمنهجية هي أشمل من المنهج ، ففي البحوث العلمية نستخدم مفهوم المنهجية في حال اعتمادنا على مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي ، ونستعمل مفهوم المنهج في حالة اعتمادنا على منهج علمي واحد .


          المطلب الثالث : - المنهجية فن أو علم
ما هو الفن ؟
الفن هو نشاط إنساني خاص ينبأ ويدل على قدرات وملكات إحساسية وتأملية وأخلاقية وذهنية خارقة ومبدعة .
   أو هو المهارة الخاصة في تطبيق المبادئ والنظريات العلمية في الواقع والميدان .
   ومن الناحية الاصطلاحية ، فإن الفن هو المهارة الإنسانية والمقدرة على الابتكار والإبداع والخلق والمبادرة وهذه المقدرة تعتمد على عدة عوامل مختلفة ومتغيرة مثل درجة الذكاء وقوة البصر وصواب الحكم والاستعدادات القيادية لدى الأشخاص
    إذن نلاحظ أن " الفن " مربوط بالعامل النفسي وهذا العامل يتمثل في المهارة الإنسانية .
     وهناك من يعرف المنهج بأنه فن التنظيم الصحيح لسلسة من الأفكار العديدة من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين .
     وبالتالي تظهر فنية المنهجية في تعريف المنهج في حد ذاته ، وتظهر فنية المنهجية في الخطة التي يتصورها أي باحث عند دراسته لموضوع – بحث معين بعد قراءته لمجموعة من المراجع والمصادر ، ومن ثم يقوم بتصميم خطة بحثه ، مثل المهندس الذي يرسم مخطط بنائه ، فالخطة هي بمثابة المشروع الهندسي لبحثه .
    إذن من خلال ذلك يمكن القول أن المنهجية هي فن من هذا الجانب ، وإذا كانت كذلك فهل يمكن أن نفسرها علم ؟
    عرفنا سابق أن المنهجية هي العلم الذي يدرس المناهج ، وتحتوي المنهجية على المنهج وما يطبقه هذا المنهج من ظواهر بمثابة الموضوع ، فمثلا المنهج الإحصائي يقوم بتطبيق موضوع الانتخابات وغيره من المواصيع الكمية .
    إذن المنهجية هي علم وفن في آن واحد

         المطلب الرابع :  العلاقة بين الفكر والمنهج

    تطرح إشكالية حول ما إذا كان الفكر هو الذي يؤثر على المنهج ويحدده أم أن المنهج هو الذي يؤثر على الفكر .
  نتج عن هذه الإشكالية ظهور اتجاهين متناقضين هما :

الرأي الأول : تأثير الفكر على المنهج

يرى هذا الاتجاه أن الفكر هو الذي يؤثر على المنهج ويستدلوا على ذلك بعدة حجج هي :
-    الفكر أوسع من المنهج ، فالفكر عبارة عن كل المعرف والثقافات المختلفة والمتنوعة ، في حين أن المنهج هو عبارة عن أداة تنظيم تلك المعارف والثقافات .
-    إن المنهج ما هو إلا نتاج للفكر ، فالفكر هو الذي وضع لنا منهج في مجال البحث العلمي ، ومن ثم ، فإن الفكر أسبق في الوجود من المنهج .


الرأي الثاني : تأثير المنهج على الفكر
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن المنهج يؤثر في الفكر تأثيرا مماثلا لتأثير الفكر في المنهج ، وهذا التأثير يظهر في النقاط التالية :
-          إن المنهج هو المنظم لأفكارنا ، فلولا وجود المنهج لكنا أمام أفكار مبعثرة .
-    إن اتباع منهج معين في البحث هو الذي يمكننا من إيصال معلوماتنا للآخرين ، إذن على الباحث أن يتبع منهج واضح في بحثه


الفصل الثاني
البحث العلمي ( مفهومه – أدواته – مراحل إعداده )

    
 المبحث الأول : مفهوم البحث العلمي ( التعريف – الخصائص – الأنواع )

        المطلب الأول : تطور الفكر العلمي عبر التاريخ

-          يمكن تقسيم تطور الفكر العلمي إلى ثلاث مراحل هي :
-          مرحلة الفكر البدائي
-          مرحلة الفكر الديني والميتافيزيقي
-          مرحلة الفكر الوضعي

الفرع الأول : مرحلة الفكر البدائي :

في هذه الفترة كانت الحياة الاجتماعية تتميز بالبساطة ، وكان الإنسان يمارس هذه الحياة بدافع الغريزة والفطرة ، وظهرت مجتمعات بدائية انخرط فيها الإنسان من أجل مقاومة الطبيعة وتحدياتها .
    في هذه المرحلة انتشرت الأسطورة والخرافة ، وكان الإنسان يعتقد اعتقادا جازما بالأساطير والخرافات في تفسيره لمظاهر الطبيعة ومختلف الظواهر .
   والتفسير الأسطوري للظواهر يقوم على مبدأ " حيوية الطبيعة " ، والمقصود بهذا المبدأ هو أن التفكير الأسطوري يقوم أساسا على صبغ الظواهر الطبيعية غير الحية ، بصبغة الحياة بحيث تسلك هذه الظواهر كما لو كانت كائنات حية وتحس وتنفعل وتتعاطف أو تتنافر مع الإنسان ، ولو فكرنا مليا في أية أسطورة فسوف نجدها تعتمد على هذا المبدأ اعتمادا أساسيا فأسطورة " إيزيس " التي كان المصريون القدماء يفسرون بها ظاهرة النيل ، هي إضفاء لطابع الحياة . ولانفعالات الأحياء على ظاهرة طبيعية هي الفيضان ، أسطورة خلق العالم على يد سلسلة الآلهة التي تبدأ من " زيوس " عند اليونانيين تقوم على المبدأ نفسه حيث يكون لكل جزء من الطبيعة إله خاص به ، ويسلك هذا الإله سلوكا مشابها لسلوك البشر .
  إذن من خلال ذلك نلاحظ أن هناك اختلافا بين النظرة الأسطورية إلى العالم وبين النظرة العلمية الحديثة ، فإذا كانت الأسطورة تفسر غير الحي عن طريق الحي ، فإن العلم يسعى إلى تفسير الظواهر من خلال عمليات فيزيائية وكيميائية ، وبذلك فإن هدف العلم مناقض تماما لهدف التفسير الأسطوري .
     إن قيام لبشر بالتفكير الأسطوري وتفسير الظواهر استنادا إلى أساطير كان أمرا طبيعيا في أول عهدة بالمعرفة ، حيث أصبح الإنسان ظواهر طبيعية بصبغة أحاسيس الإنسان التي يشعر بها ، فيتصور هذه الظواهر أنها تفرح وتغضب وتحب وتكره .... وهكذا فسر البشر كسوف الشمس في إطار التفسير الأسطوري بأن الشمس غاضبة .

الفرع الثاني : مرحلة الفكر الديني والميتافيزيقي :

    عاش الإنسان مرحلة ظهرت فيها الرسالات السماوية ، منحته آفاق الرقي والتطور ، واستطاع الإنسان أن يخرج من الظلمات إلى النور .
    غير أن أوربا –في الوقت الذي كان المسلمون في عصر التطور والرقي – كانت ترزح تحت تسلط الكنيسة ، فقد كان العلماء ينادون بتعاليم مضادة لما تقول به الكنيسة ومن ثم فمن الواجب اضطهادهم ، وفي بعض الأحيان كان العلماء يتهمون بالسحر ، حتى تكون إدانتهم أيسر ، وفي مجال العلوم الحديثة ضحية الاتهام بالسحر ، فقد كانت الكنيسة تفسر كل الظواهر تفسيرا ميتافيزيقيا ، وكل مخالف لذلك يكون قد اعتدى على مبادئ الكنيسة وبالتالي يجب عقابه .

الفرع الثالث : مرحلة التفكير الوضعي :

    وهذه هي المرحلة العلمية المعاصرة ، وظهرت هذه المرحلة وهذا التفكير كرد فعل مباشر لاستبداد الكنيسة ، التي كانت تعتمد على التفسير الميتافيزيقي في كل الظواهر .
     وقد تضافرت عوامل متعددة أدت بأوربا إلى الانتقال من أسلوب التفكك السائد في العصور الوسطى إلى أسلوب التفكير العلمي الحديث .
   وكانت هذه العوامل تتمثل في عوامل داخلية تتعلق بالمجتمع الأوربي في حد ذاته ، والبعض الآخر يرجع إلى عوامل خارجية ، مثل التأثير الحضاري الذي مارسته الحضارة ال‘سلامية على العقل الأوربي .
   والوضعية هي نظرية تستند إلى المنهج التجريبي الذي أرسى قواعده العالم البريطاني فرانسيس بيكن FRANCIS BACON    في كتابه " القانون الجديد " واستنادا إلى هذه النظرية استقل العلم عن الفلسفة استقلالا كليا ،  فقد كان يستخر من ادعاءات فلاسفة العصور القديمة والوسطى الذين كانوا يتصورون أنه باستطاعتهم حل المشكلات الكبرى بالتأمل النظري وحده .
     وقد تولى الفيلسوف الفرنسي " أوجست كونت " صياغة هذه النظرية بقوله " تتجه الوضعية إلى إقرار قواعد التجربة العلمية ، وتستبعد من مجال دراستها العلل والأسباب التي تكمن وراء الظواهر ، فهي تدرس الأشياء المادية الموجودة وتستقي منها القواعد والقوانين التي تحكم الطبيعة والافتراضات العلمية الصحيحة هي تلك التي تتميز بقابليتها للتحقيق والخضوع للتجربة العلمية "
     وبذلك فمن الصفات الهامة التي أصافها " بيكن " إلى مفهوم العلم قابلية كل علم للتطبيق ، وهذا ما كان موجودا من قبل في العلم الإسلامي ( يعني في فترة الحضارة الإسلامية ) بوضوح ، غير أن بيكن يرجع إليه الفضل في نشرها في العالم الغربي على أوسع نطاق .
       

المطلب الثاني : تعريف البحث العلمي

    البحث في اللغة هو التفتيش والتقصي لحقيقة من الحقائق أم العلم فقد عرفناه سابقا .
    إذن البحث العلمي من الجانب الاصطلاحي له عده تعاريف نأخذ من بينها هذه التعاريف  :
1-     البحث العلمي هو التقصي المنظم بإتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها وإضافة الجديد لها .
2-     البحث العلمي هو وسيلة للاستعلام والاستقصاء المنظم والدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة ، على أن يتبع في هذا الفحص والاستعلام الدقيق خطوات منهج البحث العلمي واختيار الطريقة للبحث وجمع البيانات.
3-     البحث العلمي هو الدراسة الموضوعية التي يقوم بها الباحث في أحد الاختصاصات الطبيعية أو الإنسانية والتي تهدف إلى معرفة واقعية ومعلومات تفصيلية عن مشكلة معينة يعاني منها المجتمع والإنسان سواء كانت هذه المشكلة تتعلق بالجانب المادي أو الجانب الحضاري للمجتمع. والدراسة الموضوعية للجوانب الطبيعية أو الاجتماعية قد تكون دراسة مختبرية أو تجريبية أو دراسة إجرائية أو دراسة ميدانية إحصائية أو دراسة مكتسبة ، تعتمد على المصادر والكتب والمجلات العلمية التي يستعملها الباحث في جميع الحقائق والمعلومات عن المشكلة المزمع دراستها ووصفها وتحليلها .
       
  إذن من خلال التعاريف السابقة ، يمكن القول أن الهدف الأساسي للبحث العلمي هو التحري عن حقيقة الأشياء ومكوناتها وأبعادها ومساعدة الأفراد والمؤسسات على معرفة محتوى ومضمون الظواهر التي تمثل أهمية لديهم أو لديها ، ومما يساعدهم على حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأكثر إلحاحا وذلك باستخدام الأساليب العلمية والمنطقية .
    من خلال كل ذلك يمكن أن نعرف البحث العلمي بأنه الوسيلة الاستقصائية المنظمة التي يقوم بها الباحث في ميدان العلوم الإنسانية ولاجتماعية أو في ميدان العلوم الطبيعية والتقنية ، وذلك بإتباع أدوات بحث معينة ووفق خطوات بحث معينة وذلك من أجل الكشف عن الحقيقة العلمية بشأن المشكلة محل الدراسة والتحليل .

المطلب الثالث : خصائص البحث العلمي

يمكن أن نستنتج خصائص البحث العلمي من خلال التعاريف السابقة ، وهي كما يلي :
-          البحث العلمي بحث موضوعي
-    البحث العلمي بحث تفسيري لأنه يهتم بتفسير الظواهر والأشياء بواسطة مجموعة متسلسلة ومترابطة من المفاهيم تدعى النظريات .
-          البحث العلمي يتميز بالعمومية في دراسة وتحليل الظواهر معتمدا في ذلك على العينات .
-    البحث العلمي بحث منظم ومضبوط لأنه يقوم على المنهجية العلمية بمفهومها الضيق والواسع ، الأمر الذي يجعل البحث العلمي أمر موثوق به في خطواته ونتائجه .

  المطلب الثالث : أنواع البحث العلمي

    هناك عدة معايير لتصنيف البحوث ، فقد تصنف البحوث على أساس طبيعة الموضوع إلى بحوث اجتماعية ، قانونية ، تاريخية ، جغرافية .... الخ ، وهناك التصنيف على أساس النتيجة المتحصل عليها في البحث وعلى أساس كيفية معالجة الموضوع ، هل هي معالجة تفسيرية ، تأصيلية ، وبالتالي نكون أمام بحوث تنقيبية اكتشافيه ، أو بحوث تفسيرية نقدية ، أو كاملة ، أو استطلاعية ، أو بحوث وصفية وتشخيصية ، أو بحوث تجريبية .
    وهناك من يقسم البحوث حسب طبيعتها ودوافع البحث إلى بحوث أساسية ( بحتة ) ، وبحوث تطبيقية .
     وهناك من يقسمها حسب مناهج وأساليب البحث المستخدمة إلى بحوث تاريخية ، بحوث وصفية ، بحوث تجريبية .
     وهناك كثيرا من التصنيفات المختلفة ، وهذه التصنيفات تستند إلى معايير مختلفة ، لذا نحاول أن نتطرق إلى تقسيم البحوث حسب طبيعتها ودوافع البحث ، ثم نتطرق إلى التصنيف على أساس النتيجة المتحصل عليها في البحث وعلى أساس كيفية معالجة الموضوع .
 التصنيف على أساس الطبيعة ودوافع البحث
أ- بحوث أساسية ( بحتة ) :
وتسمى أيضا بالبحوث النظرية ، ويهدف هذا النوع من البحوث إلى التوصل للحقيقة وتطور المفاهيم النظرية ومحاولة تعميم نتائجها بعض النظر عن فوائد البحث ونتائجه ، ويجب على الباحث في هذا المجال أن يكون ملما بالمفاهيم والافتراضات وما تم إجراؤه من قبل الآخرين للوصول إلى المعرفة حول مشكلة معينة .


     ب- البحوث التطبيقية :
ويعرف البحث التطبيقي على أنه ذلك النوع من الدراسات التي يقوم بها الباحث بهدف تطبيق نتائجها محل المشكلات الحالية ، وتغطي العديد من التخصصات الإنسانية كالتعليم والإدارة والاقتصاد والتربية والاجتماع ، ويهدف البحث التطبيقي إلى معالجة مشكلات قائمة لدى المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية ، بعد تحديد المشكلات والتأكد من صحة ودقة مسبباتها ومحاولة علاجها وصولا إلى نتائج وتوصيات تسهم في التخفيف من حدة هذه المشكلات ، ومثالها أبحاث التسويق التي تجريها الشركات ، وأبحاث البنك الدولي حول الدول النامية ، وأبحاث منظمة الصحة العالمية واللجان الخاصة بالمرأة والرضا الوظيفي وغيرها .

   والحقيقة ، أنه يصعب أحيانا التمييز والفصل بين البحوث النظرية والبحوث التطبيقية ، وذلك للعلاقة التكاملية بينهما ، فالبحوث التطبيقية غالبا ما تعتمد في بناء فرضياتها أو أسئلتها على الأطر النظرية المتوافرة في الأدبيات المختلفة ، كما أن البحوث النظرية تستفيد وبشكل مباشر أو غير مباشر من النتائج التي تتوصل لها الدراسات والأبحاث التطبيقية من خلال إعادة النظر في منطلقاتها النظرية لتكييفها مع الواقع .
        وفي الواقع أن هذان النوعان من البحوث يحملان في طياتها أنواعا فرعية متعددة يمكن أن نجملها فيما يلي :
1-               البحث العلمي التنقيبي  واكتشافي للحقائق :
ويهتم هذا النوع من البحوث العلمية بالكشف عن الحقيقة بواسطة إجراء بعض الاختبارات العلمية التجريبية ، ومن الأمثلة على هذا النوع من البحوث تلك البحوث التنقيبية التي يقوم بها المؤرخ بهدف معرفة السيرة الذاتية لشخصية معينة ، وكذلك تلك البحوث التي يقوم بها الطالب في المكتبات من أجل الحصول على مجموعة من المراجع والمصادر المتعلقة بموضوع البحث .
2-               البحث التفسيري النقدي :
      يهتم هذا النوع من البحوث العلمية بالكشف عن الأسباب التي أدت إلى تشكيل فكرة معينة أو موضوع معين والنظر إلى هذه الفكرة أو هذا الموضوع نظرة نقدية للوصول إلى الحقيقة العلمية عن ذات  الشيء ، ومن الأمثلة عن هذا النوع من البحوث نذكر مناقشة رأي مفكر معين حول قضية معينة ، ويستدل الباحث في هذه الحالة بالحجج والبراهين حول مدى صحة أو خطأ رأي غيره .
3-               البحث الكامل :
   يرمي هذا النوع من البحوث العلمية إلى حل المشكلات أو المواضيع حلا  علميا وشاملا يمس كل جوانب وحيثيات الموضوع المراد دراسته وتحليله .
4-               البحث الاستطلاعي :
     يستند هذا البحث إلى أداة " قياس الرأي العام " في مجتمع معين بالاعتماد على وسيلة سبر الآراء SONDGE والتي غالبا ما تستخدم في الظواهر الكمية مثل : ظاهرة الانتخابات ، ظاهرة النحو الديمغرافي ، وحساب متوسط دخل الفرد .... الخ ، ويستهدف هذا النوع من البحوث كذلك تشخيص المشكلة ، ويتم اللجوء إليه عندما يكون موضوع لبحث جديدا  أو عندما تكون هناك ضآلة في المعلومات والمعرف العلمية المتحصل عليها حول الموضوع محل الدراسة والتحليل .
5-               البحث الوصفي والتشخيصي :
  ويهدف هذا النوع من البحوث إلى تحديد سمات صفات وخصائص ومقومات ظاهرة معينة تحديدا كميا وكيفيا .
6-               البحث التجريبي :
ويستخدم هذا البحث في مجال العلوم الطبيعية  والتقنية، حيث يعتمد على المنهج التجريبي .


__________________


         المبحث الثاني : أدوات وخطوات ومراحل إعداد البحث العلمي

        المطلب الأول : خطوات البحث العلمي

تتمثل خطوات إنجاز البحوث العلمية في :
1- الملاحظة
2- الفرضية
3- التجربة أو المقارنة
4- القانون أو النتيجة

الفرع الأول : الملاحظة

تعتبر الملاحظة هي اللبنة الأساسية للبحث العلمي النظري أو التطبيقي على حد سواء ، وبذلك لا يمكن إجراء بحث علمي دون وجود عنصر الملاحظة .
     وهناك عدة تعريف تتعلق بالملاحظة منها بأنها " إدراك الظواهر ، والوقائع ، والعلاقات عن طريق الحواس ، سواء وحدها أو باستخدام المساعدة ، وذلك فيما يتعلق بالغير "
 وهناك من يعرفها بأنها :
" تلك الوسيلة التي نحاول بها التحقق من السلوك الظاهري  للأشخاص ، وذلك بمشاهدتهم بينما هم يعبرون عن أنفسهم في مختلف الظروف والمواقف التي اختيرت لتمثل ظروف الحياة العادية أو لتمثيل مجموعة خاصة من العوامل "
   وبذلك يمكن القول أن الملاحظة هي نوعان :
ملاحظة حسية ، وملاحظة إدراكية .
    فالملاحظة الحسية هي تلك الملاحظة المستمدة من حواس الإنسان الخمس ، وهي متوافرة لدى كل الناس ، ويطلق عليهم بالملاحظة العادية .
  أما الملاحظة الإدراكية فهي تلك التي يكون مصدرها العقل ويتم فيها الاعتماد عن استخدام منهج معين ، وتكمن مهمة الملاحظة الإدراكية في الكشف عن طبيعة الظاهرة وأجزائها ويطلق عادة على هذا النوع من الملاحظة بالملاحظة العلمية ( التعريف الثاني ) وبذلك فالملاحظة العلمية هي تلك التي تكون من اختصاص الباحثين والأكاديميين دون غيرهم .

الفرع الثاني : الفرضية

- إن الفرضية هي إجابة مؤقتة لسؤال البحث .
- ويمكن تعريف الفرضية بأنها تفسير مؤقت أو محتمل يوضح العوامل أو الأحداث أو الظروف التي يحاول الباحث أن يفهمها

- الفرضية هي تفسير مؤقت لا يزال بعيداً وبمعزل عن الحقيقة وامتحان الواقع ، ثم إذا ما درس وامتحن الواقع أصبح بعد ذلك إما فرضا خطأ وزائغا ويجب رفضه وتعديله ، أو صحيحا يصلح أن يكون قانونا يفسر مجرى الظواهر .
وتتميز الفرضية بالخصائص التالية :
-التصريح
- التنبؤ
وسيلة التحقيق الامبريقي
التصريح : الفرضية هي عبارة عن تصريح يوضح في جملة أو أكثر علاقة بين حدين أو أكثر ، مثال ذلك :
تكثر الجريمة في المجتمعات الفقيرة
هذه الفرضية تقيم العلاقة بين حدين : الجريمة – المجتمعات الفقيرة .
1-     التنبؤ : الفرضية هي عبارة عن تنبؤ لما سنكشفه في الواقع ، ففي المثال السابق سنتوقع أننا نجد الجريمة نسبتها مرتفعة في المجتمعات الفقيرة ، مقارنة بالمجتمعات الغنية .
إذن الفرضية هي جواب مفترض للسؤال الذي نطرحه وهو " أين تكثر الجريمة ؟ "
2-               وسيلة للتحقق الامبريقي :
     الفرضية هي وسيلة للتحقق الامبريقي ، إن التحقق الامبريقي هو خاصية من خصائص البحث العلمي تحتوي على مقارنة الافتراضات بالواقع من خلال ملاحظة هذا الأخير .
  إذن التحقق الامبريقي هو عملية يتم خلالها معرفة مدى مطابقة التوقعات والافتراضات للواقع أي الظواهر.
   إن التحقق الميداني يتضمن إذن ملاحظة الواقع ، والفرضية توجه هذه الملاحظة ، إن الفرضية التي تقول أن الجريمة تكثر في المجتمعات الفقيرة ، ستبين إذن صحة هذه العلاقة من خلال ملاحظتها للواقع .
وعموما ، يمكن القول أن الفرضية هي تصريح يتنبأ بوجود علاقة بين حدين أو أكثر أو بين عنصرين أو أكثر من عناصر الواقع .
   لكن في حالة إذا لم نستطع التنبؤ ، فعندئذ ستعوض الفرضية بهدف البحث ، وهدف البحث هو غاية للإجابة عن سؤال البحث ، يستلزم القيام بتحقق أمبريقي ، ويحدث ذلك في البحوث الكيفية ، حيث يصعب قياس الظواهر ، وفي هذه الحالة نقوم بالإحاطة بسؤال البحث دون صياغة الفرضيات ، فمثلا إذا استخدمنا المنهج التاريخي بصفة خاصة ، فإن الباحث لا يستطيع أن يضع الفرضية إلا في نهاية بحثه ، ففي بداية البحث تكون لديه فكرة موجهة خاضعة لتحولات متتالية بالنسبة لهذا النوع من البحوث أو البحوث الوصفية عامة ، فإننا نقدم الإجابة عن السؤال في صيغة " هدف البحث " بدلا من تقديمه في صيغة فرضية .
- أشكال الفرضية :
   يمكن صياغة الفرضية بأشكال مختلفة ، يمكننا أن نميز بين ثلاث أشكال أساسية هي :
- الفرضية أحادي المتغير
- الفرضية ثنائية المتغيرات
- الفرضية متعددة المتغيرات
أ/ الفرضية أحادية المتغير :
    وفي هذه الحالة تركز الفرضية على ظاهرة واحدة بهدف التنبؤ بتطورها ومداها ، مثال :
  " الفقر يزداد في العالم منذ عشر سنوات "
هذه الفرضية أحادية المتغير
ب /الفرضية ثنائية المتغيرات :
   تعتمد الفرضية في هذه الحالة على عنصرين أساسيين يربط بينهما التبؤ ، وغالبا ما يستخدم هذا النوع في البحوث العلمية .
     في هذا النوع من الفرضيات ، تتكون الفرضية من متغيرين ، بمعنى أن إحدى الظاهرتين تتغير بتغير الظاهرة الأخرى مثال :
" ترتفع نسبة المواليد في المناطق الريفية أكثر منها في المناطق الحضرية "
    هذه الفرضية تربط بين نوع المنطقة ونسبة المواليد .
ج/ الفرضية متعددة المتغيرات :
    نقصد بهذه الفرضية أن هناك علاقة بين ظواهر متعددة
 مثال :
" إن الفقر والتفكك الأسري والمنحدرات يؤدي إلى حدوث حالات التسرب المدرسي عند التلاميذ "
من خلال هذه الفرضية ، نلاحظ أن الفقر والتفكك الأسري والمخدرات هي حدود ثلاثة يمكن اعتبارها سببا في التسرب المدرسي .
    وأخيرا يمكن القول أن هناك مصادر عديدة للفرضية يمكن حصرها في خبرة الباحث الذاتية والنظريات العلمية السابقة ، والمكونات الثقافية للمجتمع .
   ويشترط في الفرضية العلمية أن تكون معتمدة على الملاحظة ومطابقة للحقائق العلمية المسلم بها ، وأن تكون مختصرة ودالة عن وجود العلائقية أو الشرطية أو انعدامها.

الفرع الثالث : التجربة أو المقارنة
   
ترتبط التجربة بميدان العلوم الطبيعية والتقنية ، وفي هذه الحالة يكون الباحث في استقلال تام عن الظاهرة المدروسة غير أنه في ميدان العلوم الاجتماعية ومنها العلوم القانونية من المتعذر إجراء التجارب على الظواهر القانونية خصوصا وعلى الظواهر الاجتماعية عموما ، نظرا لتعقد الظاهرة الإنسانية موضوع الدراسة ، وهنا تحل المقارنة محل التجربة ، حيث يعتبرها " إميل دور كايم " تجريب غير مباشر لأن الظاهرة الاجتماعية متغيرة في الزمان والمكان ، وهذا التغير يتطلب من الباحث استخدام أسلوب المقارنة ، عكس الظاهرة الطبيعية التي تتصف بالثبات  .

الفرع الرابع :  القانون أو النتيجة
   إن النتيجة المتوصل إليها في ميدان العلوم الطبيعية والتقنية هي قانون ، وذلك لأن الباحث في هذا الميدان يتعامل مع أشياء مادية ، وإرادته مستقلة تماما عنها . فمثلا اكتشاف " نيوتن " لقانون الجاذبية ، فهذا القانون صالح في كل زمان ومكان ، بينما في ميدان العلوم الإنسانية فإن الأمر مختلف ، حيث أن الباحث هنا هو الإنسان وهو جزء من الظاهرة محل الدراسة ، مما يؤدي بالباحث إلى تكييف نتائج الدراسة وفقا لميولاته ووفقا لما يراه مناسبا ، وهنا فإن النتيجة المتوصل إليها هي مجرد نتيجة نسبية ، قد تطبق في مجتمع دون آخر وفي زمن دون آخر ، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى التغيير المستمر للظاهرة الإنسانية في تعاقباتها زمانيا ومكانيا ً .


        المطلب الأول : أدوات البحث العلمي

   يستعين الباحث في بحثه بمجموعة من الأدوات والتقنيات والأساليب والطرق ، وذلك من أجل جمع المعلومات والبيانات اللازمة ، وتتمثل هذه الأدوات في :

الفرع الأول : العينة
الفرع الثاني : الاستبيان
الفرع الثالث : المقابلة
الفرع الرابع : الملاحظة

الفرع الأول : العينة

   قبل أن نتطرق إلى مفهوم العينة ، لابد أن نعرف مفهوم مجتمع البحث ( مجتمع الدراسة الأصلي )

أولا : تعريف مجتمع البحث :
- مجتمع البحث هو مجموعة عناصر خاصة أو عدة خصائص مشتركة تميزها عن غيرها من العناصر الأخرى والتي يجرى عليها البحث أو التقصي .
- مجتمع البحث هو مجموعة منتهية أو غير منتهية من العناصر المحددة مسبقا والتي ترتكز عليها الملاحظات .
مثال :
- طلبة المركز الجامعي بالوادي هم مجموع الأشخاص أو الأفراد الذين يزاولون دراستهم في هذا المركز الجامعي
- سكان الجزائر هم مجموع الأشخاص أو الأفراد المقيمين بالجزائر .
- إن اعتمادنا على مجتمع البحث معناه تحديد المقياس الذي يجمع بين الأفراد والأشياء ، ويميزهم عن غيرهم من الأفراد أو الأشياء الأخرى . فالدراسة في المركز الجامعي بالوادي مقياس يشمل كل الأشخاص الذين يدرسون في المركز الجامعي بالوادي . والإقامة في الجزائر هي مقياس يشمل كل الأشخاص الذين يعيشون في الجزائر ضمن نفس المجموعة السكانية ، والذي يميزهم عن تلك المجموعات التي لا تعيش في الجزائر.

ثانيا :  تحديد مجتمع البحث :
من اختيار العينة لابد من تحديد مجتمع البحث الذي نريد فحصه ، وأن نوضح المقاييس المستعملة من أجل حصر هذا المجتمع .
1-               هل نهتم بكل مستويات التعليم (الابتدائي – المتوسط- الثانوي – الجامعي ) ؟
   إذ كان الجواب بالنفي ، فلابد من وضع مقياس نوضح به مستوى أو مستويات التعليم المستهدفة بصفة خاصة لنختار عل سبيل المثال مستوى التعليم الثانوي .
      2- هل نريد الاتصال بالأساتذة في المؤسسات الخاصة أو العمومية ، إذا كان الجواب بالإيجاب ، فلن يكون هناك داعيا لإقامة مقياس حول هذا الجانب.
  3- هل سنهتم بكل الأساتذة ، سواء في التعليم العام أو في التعليم الممنوح للكبار ، أو في التعليم لدى المجموعات الخاصة ؟ هكذا، لأسباب عملية وحتى لا يؤدي هذا إلى الخرافات بالنسبة إلى ما نبحث فيه ، فإننا سنقتصر فقط على دراسة أساتذة التعليم العام ، بهذا التدقيق ندخل المقياس الثاني ، الانتماء إلى التعليم العام .
4- يمكننا إضافة مقياس ثالث وأخير ، إذا كنا نهتم مثلا بتدريس العلوم الإنسانية ولم نأخذ سوى الأساتذة الذين يدرسون في هذه التخصصات .
   يمكننا الآن الإشارة بدقة أكثر إلى أن مجتمع البحث الذي سيكون محل الدراسة هو أساتذة ولاية الوادي المحدد حسب المقاييس الثلاثة الآتية : إنهم أساتذة المستوى  الثانوي ، في التعليم العام ، والمتخصصين في العلوم الإنسانية .

ثالثا : مفهوم العينة  
       بعدما عرفنا ما هو  مجتمع البحث أو ما يسمى بالمجتمع الأصلي للدراسة . نتطرق الآن إلى مفهوم العينة .
1- تعريف العينة :
   العينة هي عبارة عن مجموعة جزئية من مجتمع الدراسة  اختيارها بطريقة معينة وإجراء الدراسة عليها ، ومن ثم استخدام تلك النتائج وتعميمها على كامل مجتمع الدراسة الأصلي
   إذن العينة هي مجموعة فرعية من عناصر مجتمع بحث معين ، أي ذلك الجزء من مجتمع البحث والذي سيرتكز حوله البحث .
   إن العملية التي تسمح لنا بانتقاء مجموعة فرعية من مجتمع البحث بهدف تكوين عينة نسميها بـ " المعاينة " وفي  هذا المجال يوجد نوعين كبيرين من المعاينة : المعاينة الاحتمالية – وغير الاحتمالية     - المعاينة الاحتمالية هي تلك المعاينة التي تعتمد على نظرية الاحتمالات ،و هي النظرية التي تسمح بحساب الممكن ، أي احتمال وقوع حدث ، وتكون المعاينة احتمالية عندما يكون لكل عنصر من مجتمع البحث الأصلي حظ محدد ومعروف مسبقا ليكون من بين لعناصر المكونة للعينة ، غير أنه يجب أن تكون لدينا قائمة تشمل كل عناصر مجتمع البحث المراد دراسته .
    هذه القائمة نطلق عليها اسم " قاعدة مجتمع البحث " ومن خلال هذه القائمة سيتم سحب العينة .
ففي المثال السابق مثلا ، لو أردنا إجراء معاينة احتمالية في إطار البحث حول أساتذة العلوم الإنسانية والتعليم العام والثانوي ، فمن الضروري أن تتوفر لدينا قائمة عن كل الأستذة المعنيين من دون حذف أو تكرار للأسماء.
   أما المعاينة غير الاحتمالية ، فنقصد بها أن احتمال اختيار عنصر من مجتمع بحث ما غير  معروف ، بحيث أنه من المستحيل أن نعرف أن لكل عنصر من البداية حظ مساو أم لا لأن ينتقى ضمن العينة .

2- المعينات الاحتمالية :
هناك ثلاثة أنواع من المعاينات الاحتمالية هي :
- المعاينة العشوائية البسيطة والمنتظمة
- المعاينة الطبقية
- المعاينة العنقودية .

أ/ المعاينة العشوائية البسيطة :
نقصد بالمعاينة العشوائية البسيطة أخذ عينة بواسطة السحب بالصفة من بين مجموع عناصر مجتمع البحث ، ويتم تشكيل هذه العينة على أساس أن يكون هناك احتمال متساو أما جميع العناصر في مجتمع الدراسة لاختيارها بمعنى أن فرض اختيار أي عنصر من مجتمع الدراسة متساو بجميع أفراد المجتمع .
  وفي نفس الوقت ، فإن اختيار أي عنصر من عناصر مجتمع البحث لا يؤثر على اختيار العناصر الأخرى ، وعادة ما تستخدم جداول الأرقام العشوائية لاختيار مثل هذه العينات ، ويتم ذلك وفق مجموعة من الخطوات على النحو التالي :
1-يتم ترقيم عناصر مجتمع البحث ، ولنفرض أن مجتمع البحث كان يشمل 100 عنصر أو وحدة ، فيتم ترقيمها بالتسلسل من 1 إلى 100 .
2-يستخدم الباحث جداول الأرقام العشوائية ، ويقوم باختيار العينة التي يريدها ، ولنفترض أنها 10 عناصر أو وحدات .
3-تتم عملية الاختيار بأن يقوم الباحث باختيار عمود أو وصف كامل من جدول الأرقام العشوائية ، وبالتالي تكون الأرقام في هذا العمود هي أرقام عناصر العينة المراد استخدامها بعد أن يجري مطابقتها مع أرقام مجتمع البحث وفرزها ، لتكون العينة المنشودة ، مع ملاحظة أن اختيار نقطة البداية على جدول الأرقام العشوائية تكون عشوائية ، ويمكن أن يتحرك الباحث بشكل أفقي أو عمودي في الجدول لاختيار عينة ، وبدون تكرار للأعداد مع إغفال الأعداد التي لا تقع ضمن الأرقام التي بحملها أفراد العينة .
    ويمكن أن تكون العينة العشوائية منتظمة كما في المثال التالي :
 إذا كان لدينا مجتمع بحث مكون من 1000 عنصر، وأردنا اختيار عينة من هذا المجتمع تساوي 100 عنصر ، فإن نتبع الخطوات التالية في اختيار العينة :
1-               ترقيم أفراد مجتمع البحث بشكل متسلسل من 1 إلى 100
2-     يتم اختيار المفردة أو العنصر الأول من العينة بشكل عشوائي ، ولنفترض أن الاختيار وقع على الرقم 5
3-     يتم إضافة قيمة المفردة الأولى إليها من أجل اختيار المفردة الثانية والتي تكون 10 ، ونستمر في العملية حتى نختار أفراد العينة والبالغ عددهم 100 ، وتصبح العينة كالتالي :
5-10-15-20-25-30-35.........إلخ
   ويلاحظ أن اختيار العينة العشوائية المنتظمة يتم بسرعة أكبر مما عليه الحال في العينة العشوائية البسيطة كذلك فإن العينة العشوائية المنتظمة تعطي تمثيلا أفضل لمجتمع البحث من العينة العشوائية البسيطة .
ب/ المعاينة الطبقية :
   المعاينة الطبقية هي أخذ عينة من مجتمع البحث بواسطة السحب بالصفة من داخل مجموعات فرعية أو طبقات مكونة من عناصر لها خصائص مشتركة .
    إذن المعاينة الطبقية هي صنف من المعاينة الاحتمالية الذي ينطلق من فكرة أن هناك خاصية أو عدة خصائص تميز عناصر مجتمع البحث والتي لابد من أخذها بعين الاعتبار قبل الانتهاء ، وبذلك فإن هذا الإجراء يسمح بإنشاء مجموعات صغيرة أو طبقات سيكون لها بعض الأنسجة لأننا نعتقد أن العناصر المكونة لكل طبقة لها بعض التشابه وأنكل منها يتميز في نفس الوقت عن المجموعات الأخرى .
    إذن تنحصر خطوات اختيار هذا النوع من العينات في عدة خطوات هي :
- تقسيم مجتمع البحث الأصلي إلى طبقات أو مجتمعات صغيرة غير متداخلة .
- تحديد نسبة أفراد العينة من كل طبقة وبما يتناسب مع عددها الكلي .
- اختيار عشوائي لأفراد العينة من كل طبقة .
مثال :
1-               مجتمع البحث هو أساتذة العلوم الإنسانية في التعليم الثانوي العام في ولاية الوادي .
2-     من أجل اختيار العينة ، يمكن إتباع طريقة المعاينة الطبقية ، بحيث نقسم أساتذة العلوم الإنسانية في التعليم الثانوي العام في ولاية الوادي ( مجتمع البحث ) إلى مجموعات فرعية حسب معيار معين ، مثل معيار السن ، فيكون التقسيم على النحو التالي مثلا :
  -الأساتذة الذين تتراوح أعمارهم من 25 إلى 30 سنة في المجموعة الأولى .
  -الأساتذة الذين تتراوح أعمارهم من 30 إلى 35 سنة في المجموعة الثانية .
  -الأساتذة الذين تتراوح أعمارهم من 35 إلى 40 سنة في المجموعة الثالثة .
  -الأساتذة الذين تتجاوز أعمارهم 40 سنة في المجموعة الرابعة .
3- نقوم بتحديد نسبة أفراد العينة من كل مجموعة ( طبقة بما يتناسب مع عددها الكلي ، فمثلا إذا كانت المجموعة الأولى فيها 100 أستاذ ، والمجموعة الثانية فيها 200 أستاذ ، والمجموعة الثالثة فيها 300 أستاذ ، والمجموعة الرابعة فيها 400 أستاذ ، فإذا حددنا عدد أفراد العينة في المجموعة الأولى بـ 10 فإن عدد أفراد العينة في المجموعة الثانية يكون 20 ، والمجموعات الثالثة يكون 30 ، والمجموعة الرابعة يكون 40 ، وبالتالي يكون عدد أفراد العينة في مجموعة هو 100من بين 1000 أستاذ الذي هو مجتمع البحث .
    إذن المعاينة الطبقية يعتمد على وضع مجموعات فرعية داخل البحث ، وهذه المجموعات تختلف عن المجموعات الأخرى في مجال السن مثلا أو المهنة ، أو الجنس .... إذن العيار المعتمد في هذا التقسيم هو اشتراك هذه المجموعات في خصائص معينة ، تجعلها تختلف عن المجموعات الأخرى .

ج/ المعاينة العنقودية :
    المعاينة العنقودية هي أخذ عينة من مجتمع البحث بواسطة السحب بالصفة لوحدات تشمل كل وحدة منها على عدد معين من عناصر مجتمع البحث .
    إذن في مجال المعاينة العنقودية يلجأ الباحث إلى تحديد العينة أو اختيارها ضمن مراحل عدة ، ففي المرحلة الأولى يتم تقسيم مجتمع البحث إلى شرائح أو فئات حسب معيار معين ، ومن ثم يتم اختيار شريحة أو أكثر بطريقة عشوائية ، وبالنسبة للشرائح التي لم تكن ضمن الاختيار في هذه المرحلة تستبعد نهائيا من العينة .
          في المرحلة الثانية يتم تقسيم الشرائح التي وقع عليها الاختيار في المرحلة السابقة إلى شرائح أو فئات جزئية أخرى ، ثم يتم اختيار شريحة أو أكثر منها بطريقة عشوائية أيضا ، وهكذا يستمر الباحث حتى يتم الوصول إلى الشريحة النهائية التي يقوم بالاختيار منها وبشكل عشوائي عدد مفردات العينة المطلوبة .
مثال :
   يرد أحد الباحثين دراسة مستوى دخل الفرد في الجزائر ومستوى ادخاره ، فإذا تقرر استخدام المعاينة العنقودية لاختيار عينة الدراسة ، فقد يتم تقسيم الجزائر إلى ولايات ، ثم اختيار ولاية أو أكثر منها بشكل عشوائي ، ونفترض أنه وقع الاختيار على ولاية الوادي ، هنا يجب استبعاد باقي ولايات الجمهورية الجزائرية من الدخول في العينة ، وبالتالي يتم اختيار العينة المطلوبة من ولايات الوادي بطريقة العينة العشوائية البسيطة أو المنتظمة .
    نلاحظ أن المعاينة العنقودية توفر على الباحث الكثير من الوقت والتكلفة والجهد فبدلا من اختيار الباحث لعينة من مختلف مناطق الجزائر ، تم حصرها بموجب هذه الطريقة في ولاية واحدة فقط ويستطيع الباحث تقسيم ولاية الوادي كذلك إلى مناطق إذا أراد ليحصر عينته بشكل أكثر تحديدا .
   وتتميز طريقة العناقيد عن الطبقات ( المعاينة الطبقية ) بكون الأولى موجودة في الواقع ، في حين أن الطبقات يتم إعدادها أو إنشاؤها من طرف الباحث .

3-  المعينات غير الاحتمالية:
إن المعاينات غير الاحتمالية لا تقوم على الصدفة فهي تتصف بأن عناصر مجتمع البحث فيها لا تعطي نفسها بالظهور في العينة ، ومن ثم لا يمكن تحديد نسبة احتمال ظهور كل عنصر في العينة بشكل مسبق. إن بعض البحوث لا تتطلب بالضرورة أن تكون العينة المأخوذة من مجتمع البحث الأصلي ممثلة ، حيث أنه من الممكن أن يهتم الباحث – مثلا- بدراسات الحالة ، أو ربما يريد التعمق في مختلف أنواع السلوكات دون اعتبار لوزنها في مجتمع البحث
 إن الانتقاء غير الاحتمالي يكون ناتج عن " صدفة مجهولة " حيث أن اختيار عنصر ما ليكون من ضمن العينة غير معروف وغير محدد مسبقا ، كل عنصر له الحظ في أن يكون من ضمن العينة لكن أي حظ ؟ إن هذه الإمكانية تبقى مجهولة لأن عدم الانطلاق من قاعدة مجتمع البحث لا يسمح بقياس احتمال اختيار عنصر ما .
          وللمعاينة غير الاحتمالية أنواع مختلفة نذكر منها :
- المعاينة العرضية
- المعاينة النمطية
- المعاينة الحصصية

1-               المعاينة العرضية
وهي سحب عينة من مجتمع البحث حسبما يليق بالباحث .
      إذن ، المعاينة العرضية هي تلك المعاينة غير الاحتمالية التي تواجه صعوبات أقل أثناء انتقاء العناصر فمثلا لو أردنا معرفة وجهة نظر عمال مصنع حول موضوع معين فسنلقى بالعمال المترددين على المقهى أثناء فترة الغذاء ،أو نقوم برصدهم أثناء الخروج من المصنع عند نهاية العمل في آخر النهار ، ذلك دون أن نتساءل عن أولئك الذين لا يتناولون غذاءهم بالمقهى في منتصف النهار ، ولا عن أولئك الذين لا يخرجون من المصنع في نهاية النهار عندما نكون نترصد هم ، في هذه الطريقة من المعاينة لا نعرف الأشخاص المبعدين من العينة .
إذن ، المعاينة العرضية تتميز بأن الاختيار يتم بناء على أول مجموعة يقابلها الباحث وتوافق على المشاركة في الدراسة .  إن هذا النوع من المعاينات يتميز بالسهولة في اختيار عينة الدراسة وانخفاض التكلفة والوقت والجهد المبذول من الباحث ، كما تتميز بسرعة الوصول لأفراد الدراسة والحصول على النتائج .

2-               المعاينة النمطية :
   المعاينة النمطية هي سحب عينة من مجتمع بحث بانتقاء عناصر مثالية من هذا المجتمع  ، لذا تسمى بالمعاينة المقصودة أو المعاينة الهدفية  وهي الطريقة التي يتم بواسطتها انتقاء أفراد العينة بشكل مقصود من قبل الباحث نظرا لتوفر بعض الخصائص في أولئك الأفراد دون غيرهم ، وحيث أن تلك الخصائص هي من الأمور الهامة بالنسبة للدراسة .
مثال :
    إذا أراد الباحث دراسة آراء القراء حول صحيفة معينة فعليه في هذه الحالة اختيار عينة من قبل الأفراد الذين لديهم بعض الاطلاع على ما ينشر في تلك الصحيفة لأنه من غير المنطق أن يضمن دراسته أفرادا لا يطلعون على الصحيفة المذكورة .
   إذا كنا نقوم ببحث حول طبيعة الاهتمامات الاجتماعية للطلبة والطالبات الثانويين ، فيمكننا أن نقرر توجيه اهتمامنا إلى الطلبة المسجلين في العلوم الإنسانية أننا نعتقد منطقيا أن هؤلاء هم أكثر اهتماما بالمسائل الاجتماعية من غيرهم .

3-               المعاينة الحصصية :
  المعاينة الحصصية هي سحب عينة من مجتمع البحث بانتقاء العناصر المهيأة طبقا لنسبتهم في هذا المجتمع  
     إذن المعاينة الحصصية تشبه المعاينة الطبقية من حيث المراحل إلى فئات أو شرائح ضمن معيار معين ، ثم يتم بعد ذلك اختيار العدد المطلوب من كل شريحة بشكل يتلاءم وظروف الباحث .
 مثال :
لو أردنا معرفة الرأي العام للسكان في مدينة ما حول مسألة معينة ونعلم أن 60   من سكان هذه المدينة من الذكور ،وأن 40  من الإناث ، فإننا نحاول أن نمثل كلا الفئتين بحصة معينة في العينة تتناسب مع حجم الفئة نفسها .
    إن المعاينة غير الاحتمالية الحصصية تشبه المعاينة الاحتمالية الطبقية ، إلا أن الأولى لا تكون في حاجة إلى سحب عن طريق القرعة ، لهذا يستحيل قياس درجة تمثيلية العينة التي تكونت بهذه الكيفية ، والتي تعكس مع ذلك النسبة الموجودة في مجتمع البحث .
   وتستخدم المعاينة الحصصية عادة من طرف دور السبر وبعض الهيئات أو المنظمات الحكومية .
ثانيا : الاستبيان :
1-هناك عدة تعاريف للاستبيان نذكر منها :
- أداة تتضمن مجموعة من الأسئلة أو الجمل الخبيرة التي يطلب من المفحوص الإجابة عنها بطريقة يحددها الباحث حسب أغراض البحث .
-مجموعة من الأسئلة المكتوبة والتي تعد بقصد الحصول على معلومات أو آراء المبحوثين حول ظاهرة أو موقف معين .
-وسيلة لجمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث عن طريق إعداد استمارة يتم تعبئتها من قبل عينة ممثلة من الأفراد ، ويسمى الشخص الذي يقوم بإملاء الاستمارة بالمستجيب .
-أداة لجمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث عن طريق استمارة معينة تحتوي على عدد من الأسئلة ، مرتبة بأسلوب مناسب ، يجرى توزيعها على أشخاص معينين لتعبئتها .

2- خطوات الاستبيان :
إن عملية الاستبيان تتطلب وضع أسئلة من خلال الخطوات التالية :
1-تحديد موضوع الدراسة بشكل عام والموضوعات الفرعية المنبثقة عنه ، مثال ذلك : دراسة الخدمات التي تقدمها المكتبة الجامعية للطلبة وهيئة التدريس ، حيث يتم تحديد هذه الخدمات وتقسيمها إلى خدمات الإعارة والخدمات المرجعية ، الخدمات الإعلامية ... إلخ
2- يتم صيغة مجموعة من الأسئلة حول كل موضوع فرعي بحيث تكون جميع هذه الأسئلة ضرورية وغير مكررة .
3-إجراء اختبار تجريبي على الاستبيان عن طريق عرضه على عدد غير محدد من إفراد مجتمع الدراسة قبل اعتمادها بشكلها النهائي ، والطلب منهم التعليق عليه وبيان الأسئلة الغامضة أو غير المفهومة ، ومدى تغطية الاستبيان لموضوع الدراسة ، واقتراح أسئلة إضافية لم ترد في الاستبيان ، ويجب كذلك عرض الاستبيان على عدد من المحكمين المتخصصين في مجال البحث العلمي .
4- تعديل الاستبيان بناء على الاقتراحات السابقة وطباعته بشكله النهائي ، متضمنا مقدمة عامة وفقرات الاستبيان .
5- توزيع الاستبيان على عينة الدراسة بالطرق المناسبة .

أنواع الاستبيان :

   يمكن للباحث أن يستخدمن في مجال الاستبيان أنواعا مختلفة من الأسئلة ، ويعتمد ذلك على طبيعة الدراسة ، وإمكانات الباحث ومهرته في منهج البحث ، وطبيعة عينة الدراسة ،وبشكل عام تقسم الأسئلة إلى :
  1- الأسئلة المغلفة ( الاستبيان المقيد ) :
الاستبيان المقيد هو الذي يكتب فيه تحت كل سؤال عدد من الإجابات ، وعلى المجيب أن يختار أحدها أو بعضها .
      ويمتاز هذا النوع من الأسئلة بالمميزات الإيجابية التالية :
- الإجابات محددة وموحدة مما يمكن الباحث من أن يقارن بسهولة .
- سهولة عملية تصنيف وتبويب وتحليل الإجابات ، مما يؤدي إلى التقليل من الكلفة المالية وكذا يوفر الوقت على الباحث .
- وضوح المعاني والدلالات ، وتقليل الحيرة الغموض لدى المستجيب .
- اكتمال الإجابات نسبيا ، والحد من بعض الإجابات غير المناسبة .
     - سهولة التعامل مع الأسئلة التي تحتوي إجاباتها على أرقام مثل العمر والدخل .
      - ارتفاع نسبة الردود على الاستبيان.
      أما عيوب هذا النوع ، فيعاب على الأسئلة المغلقة أنها تقيد المبحوث في إجابات محددة مسبقا ، كما أن الباحث قد يغفل بعض الإجابات أو الخيارات أحيانا ، وهنا ينبغي أن يضع خيارا أخيرا من نوع : ( غير ذلك : أرجوا التحديد )
2-الأسئلة المفتوحة ( الاستبيان المفتوح )
وهنا يكون للمجيب مطلق الحرية في الإجابة على الأسئلة وفي هذه الحالة قد تأتي الإجابات متنوعة تنوعا واسعا .
   إذن هنا تكون الحرية في الإجابة على الأسئلة متروكة للمبحوث ، بطريقته ولغته وأسلوبه الخاص الذي يراه مناسبا .
   ويكون استخدام هذا النوع من الأسئلة عندما لا يكون لدى الباحث معلومات موسعة وتفصيلية ومعمقة حول الظاهرة المدروسة أو المشكلة .
    وهذا النوع من الأسئلة يمتاز بأنه لا يقيد المبحوث بأجوبة محددة ، بل تكون له الحرية في كتابة ما يراه مناسبا من المعلومات .
 أما عيوب الأسئلة المفتوحة ، فإنه قد يجيب المبحوث على السؤال بطريقة مختلفة إذا لم يفهمه ، كما أن هناك صعوبة في تصنيف الإجابات وتحليلها من قبل الباحث .

3-الاستبيان المقيد المفتوح ( الأسئلة المغلقة المفتوحة )
 وهذا النوع من الاستبيان يجمع بين النوعين السابقين فيختار الإجابة الملائمة ويعلق عليها حسب ما يبدو له من آراء .
          إذن ، يطرح الباحث في البداية سؤالا مغلقا ، أي يحدد فيه الإجابة المطلوبة وقيد المبحوث باختيار الإجابة ، وبعد ذلك يتبعه بسؤال مفتوح يطلب فيه الإجابة ، وبعد ذلك يتبعه بسؤال مفتوح يطلب فيه من المبحوث توضيح أسباب اختياره للإجابة العينة ، ويمتاز هذا النوع بأنه يجمع بين الاستبيان المقيد والاستبيان المفتوح .
  مثال :
    -هل تعتقد أن النظام العقابي في الجزائر نظام رادع ؟
               (   )     نعم   -     (   )  لا
   إذا كانت الإجابة ( لا ) ، فما هو البديل ؟
1-   هل تعتقد بوجود عوائق أمام الصادرات الوطنية ؟
        (   )     نعم   -     (   )  لا
إذا كانت الإجابة ( نعم) ، فما هي أهم هذه العوائق ؟
4- الشروط الواجب مراعاتها أثناء إعداد الاستبيان :
  هناك شروط شكلية وأخرى موضوعية يجب توافرها :
أ/ الشروط الشكلية :
  تتمثل الشروط الشكلية فيما يلي :
-تقديم الاستبيان في شكل مطبوع طباعة واضحة ولائقة .
- يجب أن يقسم الاستبيان إلى ثلاثة أجزاء :
1-المقدمة : وتتضمن التعريف بالباحث وأهمية البحث ، مع إعطاء ضمانات حول سرية المعلومات .
2-معلومات وإرشادات حول تعبئة الاستبيان ، وهذا يدرج الباحث عنوانه لكي يستطيع المجيب الاتصال به من أجل الاستفسار .
    3- المتن : يتضمن الأسئلة الموجهة للمبحوث .
 ب/الشروط الموضوعية :
- يجب صياغة الأسئلة بشكل واضح وبلغة تتناسب مع مستوى المبحوثين .
- تجنب استخدام تعابير ومصطلحات غامضة ، أو تحتمل أكثر من تفسير ، وفي حالة ورود مثل هذه المصطلحات فعلى الباحث تعريفها لإزالة هذا الغموض .
- أن يكون طول السؤال مناسبا ، ويجب تجنب الأسئلة الطويلة التي قد تضلل المبحوث .
- التدرج في طرح الأسئلة من السهلة إلى الصعبة ومن العامة إلى الشخصية أو الخاصة .
- يجب أن يعالج السؤال مشكلة واحدة أو ظاهرة واحدة ويجب تجنب الأسئلة التي تتطرق لأكثر من مشكلة أو موضوع واحد في نفس السؤال .
5- طرق إرسال الاستبيان :
   يرسل الاستبيان إما باليد أو بواسطة البريد التقليدي أو عن طريق الهاتف أو عن طريق البريد الالكتروني .
1-     باليد مباشر : وتمتز هذه الطريقة بسهولتها وقلة تكلفتها، وإمكانية الحصول على جميع الاستبيانات الموزعة كاملة ، وتوضيح بعض الأسئلة التي قد لا يفهمها المبحوث .
2-     بواسطة البريد التقليدي : تمتاز هذه الطريقة بإمكانية تغطية مناطق واسعة ومتباعدة ، وعدد كبير من الأفراد بتكلفة قليلة وجهد قليل ، كما تعطي هذه الطريقة الفرصة للمبحوث للإجابة على أسئلة الاستبيان في الوقت الذي يريده دون تأثير من الباحث ، غير أنه يعاب على هذه الطريقة انخفاض نسبة الردود ، وغياب الفرصة لتوضيح بعض الأسئلة التي يمكن أن تكون غير واضحة للمبحوث .
3-               عن طريق الهاتف : تمتاز هذه الطريقة بسهولتها وإمكانية مقابلة أفراد في مناطق مختلفة من العالم ، غير أنها مكلفة ، وتتطلب وجود الشخص في الوقت المحدد ، وتوافر أجهزة لدى الطرفين .
4-     عن طريق البريد الالكتروني : هذه الطريقة تسمح بتوزيع الاستبيان إلى أي شخص في العالم عن طريق شبكة الانترنت التي توفر خدمة البريد الالكتروني ، إلا أنها تقتصر على الأفراد الذين ليهم مثل هذه الخدمة ، كما أن نسبة الردود قد لا تكون مرتفعة .
  مزايا وعيوب الاستبيان :
1- مزايا الاستبيان :
للاستبيان مزايا تتمثل في :
- توفير الكثير من الوقت والجهد على الباحث في عملية جمع المعلومات ، خاصة إذا كان الاستبيان قد أرسل بالبريد .
- الوصول إلى كم هائل من المبحوثين في مختلف مناطق العالم وفي فترة زمنية معقولة ، خاصة مع توفر البريد السريع وخاصة البريد الالكتروني .
2- عيوب الاستبيان :
    للاستبيان عيوب ، فعلى الرغم من مزاياه كأداة لجمع المعلومات ، إلا أن لها بعض العيوب التي يجب على الباحث أن يقلل منها ما أمكن ، ومن العيوب :
- قلة الكشف عن الصدق والثبات .
- تأثر صدق الاستبيان بمدى تقبل المستجيب لها .
- يتأثر صدق الإجابة بوعي الفرد المستجيب ودرجة اهتمامه بالظاهرة أو المشكلة أو البحث .
- قد يترك المبحوث ( المستجيب ) عددا من فقرات الاستبيان دون إجابة ، دون أن يعرف الباحث السبب وراء ذلك .
ثالثا : المقابلة
    إن المقابلة هي عبارة عن محادثة شفوية يقوم بها الباحث ، ويجمع من خلالها معلومات بطريقة شفوية مباشرة من البحوث ، والفرق بين المقابلة والاستبيان هو أن المبحوث هو الذي يكتب الإجابة على الأسئلة ، بينما في المقابلة يقوم الباحث بنفسه بكتابة الإجابات التي يتلقاها من المبحوث .
    إذن المقابلة عبارة عن حوار يدور بين الباحث والشخص الذي تتم مقابلته وهو المستجيب ( المبحوث ) وهذا الحوار يبدأ بخلق علاقة وئام بينهما ، من أجل أن يضمن الباحث الحد الأدنى من تعاون المستجيب ، ثم يقوم الباحث بعد ذلك بشرح الغرض من المقابلة ، وبعد أن يشعر الباحث أن المستجيب على استعداد للتعاون يبدأ بطرح الأسئلة التي يحددها مسبقا ... ثم يسجل الإجابة بكلمات المستجيب ، وهكذا يلاحظ أن المقابلة عبارة عن استبيان شفوي .
1-تعريف المقابلة :
        هناك عدة تعريفات للمقابلة منها :
- لقاء يتم بين الشخص المقابل ( الباحث أو من ينوب عنه الذي يقوم بطرح مجموعة من الأسئلة على الأشخاص المستجيبين وجها لوجه ، ويقوم الباحث أو المقابل بتسجيل الإجابات على الاستمارات .
     - وسيلة شفوية ، وتتم بطريقة مباشرة أو هاتفية ، من أجل جمع البيانات ، يتم خلالها سؤال فرد أو خبير عن معلومات لا تتوفر عادة في الكتب أو المصادر الأخرى .
- محادثة موجهة بين الباحث وشخص أو أشخاص آخرين بهدف الوصول إلى حقيقة أو موقف معين يسعى الباحث للتعرف عليه من أجل تحقيق أهداف الدراسة . 
1-               أنواع المقابلة :
 يمكن تقسيم أنواع المقابلة حسب عدد من تتم مقابلتهم إلى مقابلة فردية ومقابلة جماعية .وتقسم من حيث طريقة إجراءها أو تنفيذها إلى :
           -مقابلة شخصية ، وتتم وجها لوجه مع المبحوث .
           -مقابلة تلفونية وتتم عن طريق الهاتف
           -مقابلة تلفزيونية وتتم باستخدام أجهزة السمعي البصري .
          - مقابلة بواسطة الحاسوب من خلال البريد الالكتروني أو غيره من البرامج الأخرى متل السكايب ومختلف البرامج الأخرى .
   وقد تختلف المقابلة في درجة الحرية الممنوحة للمستجيب في إجاباته ، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم المقابلات إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي :
           -المقابلة المفتوحة ، وهنا يعطى المستجيب الحرية في الكلام دون محددات للزمن أو للأسلوب ، وهذه قد تعطى معلومات ليست ذات صلة بالموضوع .
        -المقابلة شبه المفتوحة ، وهنا تعطي الحرية للمقابل بطرح السؤال بصيغة أخرى والطلب من المستجيب مزيدا من التوضيح .
   - المقابلة المغلقة : وهنا يطرح المقابل السؤال وينظر الإجابة مباشرة على السؤال دون أن يفسح المجال أثناء المقابلة .
3- الأمور الواجب مراعاتها في أثناء إجراء المقابلة : هناك بعض الشروط يجب على الباحث مراعاتها أهمها :
         1- تدريب الأشخاص المكلفين بإجراء المقابلة ، والتأكد من كفاءتهم للقيام بذلك ، وقد يلجأ الباحث إلى أشخاص آخرين للقيام بهذه المهمة من أجل مساعدته في إجراء المقابلات ، وفي هذه الحالة يجب عليه تعريفهم بطبيعة الدراسة والبحث ، وأهدافها تدريبهم على فن إجراء المقابلة من حيث كيفية البدء بها وطرح الأسئلة وأخذ الملاحظات خلال المقابلة وطرق إنهاء المقابلة ، وأحيانا يتم إجراء تجارب أولية مع هؤلاء الأشخاص من أجل التأكد من مهارتهم وإتقانهم لهذه المهمة ، وما هو مطلوب منهم في أثناء القيام بذلك .
  2- الترتيب المسبق للمقابلة : وفي هذه الحالة يجب على الباحث أن يتصل بالشخص المبحوث وتحديد موعد لإجراء هذه المقابلة وإعطاء المبحوث فكرة عن موضوعها حتى يتمكن من تهيئة نفسه ومراجعة بعض المصادر مسبقا للحصول على المعلومات التي قد تتطلبها المقابلة .
3- تحديد مكان إجراء المقابلة : فمن الأفضل أن تجرى المقابلة في مكان بعيد عن العمل إذا أمكن ، وهذا يوفر للباحث والبحوث جوا أكثر هدوءا لإجراء المقابلة ، أما إذا تم إجراء المقابلة في مكان العمل فيفضل أن يكون خارج أوقات العمل .
4- مظهر الباحث : يجب أن يتناسب مظهر الباحث مع مظهر المبحوث ، بحيث يؤدي ذلك إلى إحداث نوع من الألفة بين الطرفين ، وهذا يؤثر على إجابات المبحوثين ، ونتيجة لذلك فعلى الباحث أن يجمع معلومات ؟أولية عن الجماعات أو الأفراد الذين سيجري معهم المقابلة .
5-مراعاة قواعد وأسس طرح الأسئلة بشكل غير متحيز ،بمعنى أن لا يوحي السؤال نوعا من الإجابة ، مثال ذلك السؤال التالي : يشير معظم الكتاب والخبراء ورجال القانون في مجال شؤون القانون بأن التعديلات الأخيرة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية سوف تساهم في تكريس دولة القانون والحفاظ على الحريات العامة ، ما هي وجهة نظرك حول ذلك ؟
   نلاحظ من خلال هذا السؤال ، أن الباحث قد ضمن السؤال إجابة مسبقة ، وكان الأفضل طرح السؤال كما يلي : بحسب اعتقادك ما هو أثر التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديدة ؟
6- يجب على الباحث عند طرح الأسئلة أن يتكلم بطريقة عادية جداً ، لأنه حتى ولو تم صياغة السؤال بشكل حيادي فإن نبرة السؤال وطريقة طرحه قد يوحي ببعض الإجابة ، وبذلك يجب على الباحث تجنب ذلك .
7- عدم طرح الأسئلة الشخصية في بداية المقابلة ومحاولة تأخيرها حتى النهاية .
8- أن يظهر الباحث للمبحوث اهتمامه بالأجوبة .

4/ مزايا وعيوب المقابلة :
للمقابلة مزايا وعيوب نذكر منها :
أ- مزايا المقابلة :
   تعتبر المقابلة أداة من أدوات البحث العلمي وجمع المعلومات والبيانات ، مما يجعلها وسيلة فعالة في العديد من البحوث الاجتماعية ومنها القانونية ، وأهم هذه المزايا :
-ارتفاع نسبة الردود مقارنة بالاستبيان .
- هي أحسن وسيلة لجمع المعلومات في المجتمعات الأمية وفي وسط الأطفال والأشخاص الذين لا يستطيعون الكتابة ، وهذا لا يتوافر بالنسبة للاستبيان .
-المرونة وقابلية توضيح الأسئلة للمبحوث في حال عدم فهمه للسؤال ، كما أنه من جهة أخرى تعطى للباحث فرصة الاستفسار إذا كانت إجابة المبحوث غير واضحة .
- تقليل احتمالية نقل الإجابة عن آخرين أو إعطاء الاستمارة لأشخاص آخرين ليقوموا بملئها .
- توقيت المقابلة ، حيث يستطيع الباحث تسجيل زمان ومكان إجراء المقابلة ، وخاصة إذا كان ذلك له أثر على الإجابة .
    ب- عيوب المقابلة :
  للمقابلة عيوب يمكن إجمالها فيما يلي :
-المقابلة عملية مكلفة وشاقة ، وتحتاج إلى دعم ، بحيث إذا لم يكن الباحث مدعوما من طرف مؤسسة ما ، فإنه يصعب عليه القيام بها ، خاصة لما يتعلق الأمر بالترخيص للدخول إلى الأمكنة التي يجري فيها المقابلة ، وكذا مقابلة الشخصيات السياسية ، وأحيانا يتعرض الباحث إلى مخاطر عند إجراء مقابلات مع زعماء الجماعات الخطيرة .
-قد تتأثر القابلة بالحالة النفسية للباحث والمبحوث ، فإذا كانت الحالة النفسية لأي منهما غير جيدة في أثناء إجراء المقابلة ، فإن هذا سيؤثر على البيانات والمعلومات المعطاة ، أما في الاستبيان فإن الشخص يختار الوقت المناسب له للإجابة .
رابعا : الملاحظة
   تعتبر الملاحظة من أقدم وسائل جمع المعلومات ، حيث كان يستخدمها الإنسان في التعرف على الظواهر الطبيعية وغيرها من الظواهر ، وقد استعانت العلوم الإنسانية والاجتماعية بأداة الملاحظة في مجال البحوث العلمية الاجتماعية .
    هذه أهم تقنيات وأدوات البحث العلمي ( العينة – الاستبيان – المقابلة – الملاحظة ) وتستخدم العلوم الاجتماعية هذه التقنيات في مجال البحوث الاجتماعية وخاصة في ميدان علم النفس وعلم الاجتماع ، أما في ميدان العلوم القانونية فيتم استخدام هذه التقنيات في البحوث ذات العلاقة بعلم الاجتماع والعلوم السلوكية مثل علم الإجرام والعقاب ، وكذا في مجال دراسة المؤسسات العقابية وإدارة السجون ، حيث أنه في هذا المجال يكون للناحية الميدانية في البحث أهمية كبيرة ، كما مكن استخدام أداة الاستبيان والمقابلة في هذا المجال .



        المطلب الثالث : مراحل إعداد البحث العلمي القانوني

    البحث العلمي القانوني هو عبارة عن دراسة موضوع قانوني أو التطرق إلى مسألة قانونية من جميع الجوانب العلمية التي تتصل بهذا الموضوع أو هذه المسألة عن طريق التحليل العلمي الدقيق لأحدث المعلومات المتجمعة حولها ، وذلك من أجل حل مشكل من المشاكل المطروحة .
   قد يتناول البحث القانوني بالتحليل والدراسة والتفسير موضوع قانوني كمفهوم أصل الدولة في القانون الدستوري ، الرقابة الدستورية على القوانين ، الإرهاب والمقاومة في القانون الدولي  .... إلخ .
    وهناك من يفرق بين البحث العلمي القانوني النظري والبحث العلمي القانوني التطبيقي ، فإذا كان البحث النظري يتناول موضوعا مجردا ويصاغ عادة بشكل موجز ، وقد يتخذ أحيانا شكل تساؤل أو شكل مقارنة فإن البحث التطبيقي يتناول التعليق على القرارات القضائية ، والأحكام وتحليل النصوص القانونية .
   وعموما ، فإن البحث العلمي يجب أن يكون منظما ويتبع مراحل منهجية مضبوطة ، هذه المراحل تشترك فيها كل البحوث بما فيها بحوث العلوم القانونية ، وهناك بعض الخصوصيات قد تنفرد بها فروع معينة من العلوم ، ويمكن إجمال هذه المراحل فيما يلي :
  1-مرحلة اختيار الموضوع
  2-مرحلة البحث عن المراجع والمصادر وجمعها
   3-مرحلة القراءة والتفكير
   4-مرحلة تصميم خطة البحث
   5-مرحلة جمع وتخزين المعلومات
  6-مرحلة الكتابة
  7- الملاحق
  8-مرحلة توثيق المراجع والمصادر ( الببلوغرافيا ) .

        قبل البدء في تحليل هذه المراحل المنهجية ، لابد من تفسير بعض المصطلحات ذات العلاقة ، وتتمثل في :
  -البحث الصفي
 -مذكرة الليسانس
-مذكرة الماجستير
- أطروحة الدكتوراه
1- البحث الصفي :
       يقصد بالبحث الصفي ذلك البحث الذي يكلف به الأستاذ الطالب خلال السداسي أو خلال السنة الدراسية ويهدف هذا البحث إلى تدريب الطالب على استعمال المراجع والمصادر الموجودة في المكتبة ، وإبراز مقدرته على جمع المعلومات وتحليلها وتشجيع الطالب على القراءة وتنمية معلوماته في مجال التخصص الأكاديمي .
    ومن مميزات البحث الصيفي أنه يكون قصير بحيث لا يتجاوز 20 صفحة ، وذلك نظراً لقصر المدة الزمنية ، وتتم مناقشته من طرف الأستاذ والطلبة .
2-               مذكرة الليسانس :
          وهي عبارة عن بحث طويل نسبيا مقارنة بالبحث الصفي بحيث يتراوح عدد صفحاته بين 70 و90 صفحة ،وهذه المذكرة تكون ثمرة مجهود أربع سنوات أو خمس سنوات من الدراسة في مرحلة التدرج ، وبواسطتها يتحصل الطالب على شهادة الليسانس في أحد فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية ، وفي مجال العلوم التقنية هناك كذلك مذكرة يتمكن الطالب من خلالها من الحصول على شهادة مهندس .
  وتتم مناقشة هذه المذكرة من طرف لجنة مناقشة تتألف من : رئيس اللجنة ، العنصر المناقش ، والمشرف على الطالب .
    في النظام الجديد للتعليم العالي (LMD) يتكون النظام الدراسي في مستوى الليسانس ثلاث سنوات تختم بمذكرة الليسانس .
3- مذكرة الماجستير :
     وهي عبارة عن بحث أطول من مذكرة الليسانس وهو عبارة عن بحث مكمل للمقاييس النظرية التي يدرسها الطالب طيلة سنة من الدراسات العليا في جامعة معينة .
   وتتم مناقشة هذا البحث أمام لجنة مكونة من أساتذة مختصين من ذوي الدرجات العلمية العالية وتتكون هذه اللجنة عادة من رئيس اللجنة والمشرف وعضوية مناقش أو عضوين .
4- أطروحة الدكتوراه :
    وهي عبارة عن بحث طويل وشامل لنيل شهادة الدكتوراه في مؤسسات التعليم العالي ، ويكون هذا البحث إما في شكل توسيع لمذكرة الماجستير أو في شكل بحث في موضوع جديد يتوصل إليه الطالب إلى معلومات جديدة .
   تناقش أطروحة الدكتوراه أمام لجنة مناقشة من ذوي الدرجات العلمية العليا ، وعادة ما تتألف هذه اللجنة من أربعة إلى خمسة أعضاء .
   ويكون بعض الأعضاء في اللجنة سواء في الماجستير أو الدكتوراه من جامعات أخرى .
    هذه هي البحوث العلمية الأكاديمية ، وتتمثل في مذكرة الليسانس ومذكرة الماجستير وأطروحة الدكتوراه ، وتختلف هذه البحوث سواء من حيث حجم البحث أو المدة التي ينجز فيها البحث ، إلا أن كل هذه البحوث تستخدم نفس المراحل المنهجية التي سنتطرق إليها فيما يلي :


1/ مرحلة اختيار الموضوع :

   إن أول الصعوبات التي يواجهها الباحث هي اختيار موضوع مناسب من الناحية الذاتية والموضوعية ، ويجب على الباحث أن يختار موضوعه بعناية كبيرة ، حتى لا يصدم فيما بعد بمشكلة تغيير الموضوع الذي يتطلب في إجراءات إدارية طويلة لتغيير الموضوع كما هو الحال في رسائل الماجستير والدكتوراه.
    إذن ، هذه المرحلة هي أهم مرحلة في مجال إعداد البحوث العلمية الأكاديمية ، إذ بدونها لا يمكن لأي باحث القيام بإعداد بحثه ، فمن غير المنطقي والمعقول أن يتطرق الباحث إلى المراحل الأخرى مالم يبدأ بهذه المرحلة فعن طريقها يتحدد الموضوع الذي يريد البحث فيه .
   أولا : إن اختيار موضوع البحث يبدأ أولا من الشعور بالمشكلة ، فماهي مشكلة البحث ؟ وكيف تنشأ ؟ وكيف يتم تحديدها ؟
1-               تعريف المشكلة :
    إن مشكلة البحث هي عرض هدف البحث في شكل سؤال يتضمن إمكانية التقصي بهدف إيجاد إجابة .
         إذن ، المشكلة بمعنى آخر هي الموضوع الذي ينوي الباحث معالجته ، أنها التصور القبلي للموضوع وكيفية حله والإجابة عنه ، وذلك بتقديم تفسيرات وإجابات وهناك من يعرف مشكلة البحث على أنها عبارة عن موضوع يحيطه الغموض ، أو ظاهرة تحتاج إلى تفسير .
2-               كيف تنشأ المشكلة :
      إن الباحث في مجال العلوم القانونية يهتم بالظواهر القانونية مثل الدولة ، المجلس الدستوري ، المحكمة العليا ، الأمم المتحدة ، مجلي الأمن ، المحكمة الجنائية الدولية ... إلخ .
    إن كل هذه الظواهر وغيرها ، تطرح بالنسبة للباحث إشكالات ناتجة عن الملاحظة ، فملاحظته إلى " مجلس الأمن الدولي " مثلا تطرح بالنسبة إلى الباحث عدة تساؤلات مثل : فعالية المجلس في وقف النزاعات المسلحة ، وملاحظته إلى " المجلس الدستوري " مثلا يطرح مسألة الرقابة على دستورية القوانين وهذا على سبيل المثال .
   إذن ، يمكن القول أن الملاحظة المباشرة للمحيط الخارجي تدفع إلى طرح تساؤلات حول أسباب حدوث  الظاهرة أو الأزمة أو النزاعات أو .... إلخ .
3-               تحديد المشكلة :
    يمكن أن يكون تحديد المشكلة في هيئة سؤال ، أو يكون في صفة علاقة بين متغيرين ـأو أكثر كعلاقة زيادة جنوح الأحداث بارتفاع نسبة التسرب المدرسي .
    ولابد في مجال البحث العلمي حول الإشكالية أن نتطرق إلى تدقيق الإشكال أو المشكلة ، فلا شك أن اختيار موضوع البحث في حد ذاته يثير تساؤلات حول ما نريد معرفته وأن استعراض الأدبيات يمكن أن يفتح منافذ أخرى في هذا الشأن .
   ولتدقيق مشكلة البحث هناك أربعة أسئلة رئيسية نطرحها من أجل تدقيق المشكلة هي :
-لماذا نهتم بهذا الموضوع ؟
- ما الذي نطمح بلوغه ؟
-ماذا نعرف إلى حد الآن ؟
-أي سؤال بحث سنطرح ؟
وكمثال : نأخذ موضوع " دور الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات .
1- لماذا نهتم بهذا الموضوع ؟ ( القصد من البحث ) :
 يجب أن نحدد لقصد الذي جعلنا نختار موضوعا دون آخر فاختيار موضوع " دور منظمة الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة " هو من أجل معرفة مدى قدرة هذه المنظمة على القيام بدورها المنوط بها استنادا إلى ميثاقها .
    بعد توضيح القصد من تناول الموضوع المختار نستطيع طرح السؤال الثاني .
1-               ما الذي نطمح بلوغه ( أهداف البحث ) :
   إن القيام بالبحث غرضه هو وصف الظواهر ، تصنيفها ، تفسيرها ، فهمها ، أو التركيب بين هذه الاحتمالات .
    ففي المثال السابق ، يمكن أن تهدف إلى تصنيف أجهزة الأمم المتحدة ، فندرس دور الجمعية العامة ونقارن بينهما في مجال حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة .
2-               ماذا تعرف إلى حد الآن :
     علينا الآن أن نبدأ في تقييم المعلومات حول المشكلة التي جمعناها أساسا من خلال قراءتنا للأدبيات ، ومن ثم يمكننا أن نمتلك معلومات ذات طبيعة فعلية ومعلومات نظرية ، كما يمكننا الحصول على معلومات من نوع منهجي أي الكيفيات التي تم وفقها إنجاز البحوث السابقة ، والتي ستساعدنا في المراحل الأخرى .
     هذه المعلومات التي تحصلنا عليها تشكل ما يسمى بـ " حوصلة السؤال " .
3-               أي سؤال بحث سنطرح :
بعد تحديدنا للقصد من البحث والهدف منه ، والوصول إلى حوصلة السؤال في شكل المعلومات المتوصل إليها نستطيع في الأخير صياغة مشكلة بحثنا في شكل سؤال ففي المثال السابق يمكن أن يكون السؤال كما يلي : " إلى أي مدى تمكنت الأمم المتحدة من حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة "

ثانيا : طرق اختيار موضوع البحث
   يكون اختيار موضوع البحث استنادا إلى طريقتين :
1-الطريقة الأولى :
    هنا يكون الباحث ( الطالب ) حراً في اختيار موضوع بحثه ، وتدفعه إلى هذا الاختيار رغبته في دراسة هذا الموضوع أو ذلك وإلى أهمية ذلك الموضوع .
2- الطريقة الثانية :
   قد يقوم المجلس العلمي أو الأستاذ المشرف بوضع قائمة للبحوث المراد دراستها ، وتقدم للطلبة من أجل اختيار موضوع من بين هذه المواضيع .

وهناك نوعان رئيسيان في الاقتباس :
أ‌-       الاقتباس المباشر ( الحرفي) : و يكون عند نقل بعض المقولات و الآراء أو الأفكار من المراجع و المصادر نقلا حرفيا و مباشرا من طرف الطالب و من أمثلة ذلك :
     يعرف الأستاذ.......... البحث العلمي بأنه"........."
و يشترط في الاقتباس المباشر ما يلي :
-         أن لا يتجاوز ستة أسطر
-         أن يكون في وسط الصفحة
-         أن يكون بين مزدوجتين
-         أن يكون بخط أقل حجما من الخط العادي
-         لابد من وضع علامة في شكل رقم في نهاية الاقتباس المباشر
و عند استعمال الطالب للاقتباس المباشر ،قد يجد الطالب نفسه أمام حذف بعض الكلمات و الجمل التي يراها غير مناسبة لموضوعه ، فيضع مكانها ثلاثة نقاط متتالية... و هو ما يسمى بالاقتباس المتقطع((
    و في حالة اعتماد الباحث على مراجع بغير لغة البحث كأن يكون البحث باللغة العربية و استعان الباحث بلغة فرنسية أو إنجليزية ، في هذه الحلة يكن الباحث أمام خيارين :
أولا : يجب أن يكتب الفقرة المقتبسة بنفس لغة المرجع أو المصدر ،                                          ويكتب الترجمة في الهامش
ثانيا : أن يقوم بترجمة الفقرة المقتبسة من المرجع الأجنبي ،ثم يقوم بكتابته  في متن البحث ثم يكتب الفقرة المقتبسة بنفس لغة المرجع في الهامش مع كتابة   كل المعلومات المتعلقة بالمرجع في الهامش
   و مع ذلك ، يمكن التنبه إلى أن الاعتماد على الاقتباس الحرفي (المباشر) بكثرة يؤدي إلى إلغاء شخصية الباحث و هذا يؤثر على البحث .
  ب-الاقتباس غير المباشر (غير الحرفي ):
  إن الاقتباس غير المباشر عبارة عن نقل غير حرفي لبعض المقولات و الآراء و الأفكار من المراجع، و في هذه الحالة يستعمل الباحث أسلوبه الخاص في التعبير و الصياغة ، بالإضافة إلى ذلك فإن الباحث في هذه الحالة غير مقيد بعدد الأسطر كما هو الحال في الاقتباس المباشر
  3-توثيق:
        الهــوامـــش :
   إن قيام الباحث أو الطالب بالاقتباس من المراجع و المصادر سواء كان اقتباس حرفيا أو اقتباس غير حرفي يفرض عليه ضرورة أن يشير إلى ذلك الاقتباس في الهامش و ذلك بوضع علامة أو رقم في نهاية الاقتباس و يقوم بإعطاء جميع المعلومات في هذا الهامش فيما يخص المرجع أو المصدر الذي أقتبس منه . ومثال ذلك  : اسم و لقب المؤلف ، عنوان المرجع ، دار، النشر بلد النشر ، مدينة النشر، سنة النشر، ثم الصفحة أو الصفحات التي توجد فيها المعلومات المقتبسة.مع ضرورة أن تكتب الهوامش بخط أقل حجما.
  و يمكن أن يقوم الباحث بإتباع طريقة التهميش في آخر كل صفحة أو في آخر كل فصل أو في آخر البحث و الحقيقة أن الطريقة الأولى هي الأكثر انتشارا

-1توثيق الهوامش بالنسبة للكتب:
قد يذكر الكتاب في الهامش لمرة واحدة و قد يذكر أكثر من مرة .فإذا ذكر الكتاب في المرة الأولى يجب أن تذكر كل المعلومات المتعلقة به و ذلك حسب الترتيب التالي:
  -اسم المؤلف و لقبه ، إن كان الكتاب له أكثر من مؤلف تذكر اسماؤوهم و يعطف بينها بحرف (و) و طريقة كتابة اسم المؤلف و لقبه تختلف عن طريقة توثيق المراجع حيث نبدأ بذكر لقب المؤلف ثم اسمه.
 - عنوان الكتاب
 - دار النشر
 - بلد النشر
 - مدينة النشر
 - تاريخ النشر
 - رقم الصفحة ،وفي حالة الاعتماد على أكثر من صفحة يمكن كتابة أول صفحة آخر صفحة مثل : ص12-20 و يمكن أن نكتب ص12 وبعدها.
 ويفصل بين هذه البينات بفاصلة(,)
  و أما في حالة إذا تكرر ذكر الكتاب كثر من مرة ، ففي هذه الحالة ،إذا ذكر الكتاب مرة أخرى و لم يتوسطهم أي مصدر آخر ،فلا تذكر كل المعلومات ،و إنما تذكر عبارة "المصدر نفسه" أو "المرجع نفسه"،و يذكر بعدها رقم الصفحة ،و إذا كان الكتاب باللغة الأجنبية يذكر عبارة (ibid) و هي اختصار للكلمة اللاتينية(ibidem)و تعني المرجع نفسه  
     أما إذا ّكر الكتاب مرتين غير متتاليتين،أي أنه يوجد كتاب آخر يتوسطهما، ففي هذه الحالة لا يعاد ذكر كل البيانات،إنما يذكر اسم المؤلف و تتبعه عبارة "المرجع السابق" ثم رقم الصفحة،و إذا كان لهذا المؤلف أكثر من مصدر اعتمد عليه الباحث،فإن ذكر اسم المؤلف و عبارة المرجع السابق غير كافية في هذه الحالة،بل يضاف إلى ذلك عنوان الكتاب قبل ذكر المرجع السابق،ثم نذكر بعد ذلك الصفحة .
  و في حالة إذا كان الكتاب باللغة الأجنبية و يذكر عبارة (opcit)و هي عبارة عن اختصار لعبارة(oeracitato) اللاتينية التي تعني المرجع السابق .
  2-توثيق الهوامش بالنسبة للمجلات:
  نميز في هذه الحالة كذلك بين ذكر المقال لأول مرة وبين تعدد استعماله .
  في حالة ذكر المقال مرة واحدة : نذكر البيانات التالية:
-اسم ولقب المؤلف
-عنوان المقال بين قوسين
-اسم المجلة تحته خط
-اسم الهيئة التي تصدرها
-بلد ومدينة النشر
-سنة النشر
-رقم العدد
-رقم الصفحة
  و في حالة ذكر المقال لأكثر من مرة،في هذه الحالة كذلك يجب أن نميز بين ما إذا ذكر المقال مرتين متتاليتين،وبين ما إذا كان المقال مذكور أكثر من مرة
  ففي حالة ذكر المقال مرتين متتاليتين يجب ذكر عبارة "المرجع نفسه"، ثم رقم الصفحة
      أما إذا ذكر أكثر من مرة و بطريقة غير متتالية يجب ذكر اسم المؤلف و عبارة "المرجع السابق"أو "المقال السابق" ثم رقم الصفحة، و إذا كان للمؤلف أكثر من مقال اعتمد عليه في البحث،يذكر اسم المؤلف ثم عنوان المقال ثم عبارة "المرجع السابق"أو "المقال السابق، ثم رقم الصفحة
   3-توثيق الهوامش بالنسبة للرسائل و الأطروحات:
  في حالة الاقتباس من الرسائل الجامعية مثل الماجستير و الدكتوراه يجب على الباحث إتباع الخطوات التالية:
-اسم و لقب الباحث متبوع بفاصلة
-عنوان البحث متبوع بفاصلة
-تحديد طبيعة البحث،هل هو لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه و يكون متبوع بفاصلة
-اسم المعهد أو الكلية و اسم الجامعة متبوع بفاصلة
-تاريخ المناقشة،و يقتصر على ذكر السنة فقط متبوع بفاصلة
-رقم الصفحة أو الصفحات متبوعة بنقطة
  و في حالة تكرار الاعتماد على هذا المرجع ، نتبع نفس القواعد التي تنطبق على الكتاب .
   4-الهوامش بالنسبة للوثائق الرسمية: 
  تتمثل الوثائق الرسمية في كل ما يصدر عن الجهات الرسمية من رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو المنضمات جماهيرية ، أو إقليمية و دولية.
   و في حالة الاقتباس من هذا النوع من المصادر يجب على الباحث أن يتقيد بالخطوات التالية:
-رقم المادة أو الفقرة ، متبوع بفاصلة .
-رقم الصفحة أو الصفحات متبوع بنقطة.                                    
5-توثيق الهوامش بالنسبة للصحف:
  إذا تم الاعتماد على صحيفة معينة يتعين التقيد بالخطوات التالية في التوثيق:
-اسم و لقب كاتب المقال متبوع بفاصلة
-عنوان المقال بين مزدوجتين متبوع بفاصلة
-اسم الصحيفة و تحته خط متبوع بفاصلة
-رقم العدد متبوع بفاصلة
-تاريخ صدور الصحيفة متبوع بفاصلة
-رقم الصفحة متبوع بنقطة
مثال:
  الطاهر يحياوي"مقاومة الاستعمار لم تتوقف"،المساء  ،العدد2807،18-19نوفمبر1954،ص15.
6-توثيق الهوامش بالسبة للمطبوعات:
إذا اعتمد الباحث على مطبوعات في بحثه يجب عليه التقيد بالخطوات التالية:
-الاسم الكامل للمحاضر متبوع بفاصلة
-عنوان المحاضرة بين مزدوجتين متبوع بفاصلة
-اسم المقياس مع تحديد المستوى الدراسي متبوع بفاصلة
-تاريخ إلقاء المحاضرة(الجامعة و الكلية و القسم) متبوع بفاصلة
-رقم الصفحة أو الصفحات متبوع بنقطة .
وفي حالة تكرر ذكر هذه المطبوعات،نتبع نفس القواعد المطبقة على الكتاب
7-توثيق الهوامش بالسبة للمقابلات الشخصية:
  يستعمل هذا النوع من المصادر غير المنشورة غالبا في البحوث الميدانية،حيث يجد الباحث نفسه ملزما بإجراء مقابلات شخصية مع مسئولين أو بعض المعنيين بالموضوع الذي يريد الباحث دراسته .
  و في حالة اعتماد الباحث على هذا النوع من المصادر،فإنه ينبغي أن يقوم بتهميشه في بحثه و في هذه الحالة عليه إتباع الخطوات التالية:
-كتابة اسم ولقب الشخص المبحوث(الذي تم إجراء المقابلة معه)متبوع بفاصلة
-وظيفة الشخص أو منصبه متبوع بفاصلة
-اسم المكان الذي تمت فيه المقابلة كالبلد و المدينة و المقر،متبوع بفاصلة
-تاريخ إجراء المقابلة
 مثــال :
   -مقابلة مع السيد مدير المركز الجامعي بالوادي،الجزائر،الوادي،المركز الجامعي بالوادي،10ديسمبر2009
4-الأمانة العلمية:                                                                     يجب على الباحث الالتزام بالأمانة العلمية عند كتابة للبحث و ذلك من أجل الحفاظ على شخصيته و تمتينها و جعلها أكثر صلابة و من خلال ذلك يجب عليه عدم نقل الأفكار أو الآراء أو المقولات دون أن يشير إلى أصحابها في الهامش،وفي مقابل ذلك على الباحث أن يعتمد على مرجعيته الفكرية .
5-الإبداع و الخلق و التجديد العلمي:
  في مجال البحوث الصفية لا يطلب من الطالب أن يبدع في مجال هذه البحوث،في حين أن بحوث الماجستير أو الدكتوراه فإن الباحث يصدر دراسة إشكاليات و عليه أن يجد حلا لها،فعليه في هذه الحالة أن يقوم باكتشاف حقائق جديدة أو أن يقوم بتجديد معلومات سابقة و وضعها في قالب جديد .
  سـابعـا: الملاحـق:
  تعتبر الملاحق ذلك الجزء الذي يلي البحث و يشمل على معلومات إضافية متممة للمادة الرئيسية[1] .
  و قد يرفق البحث الصفي أو بحوث الماجستير و الدكتوراه بملاحق قد تتمثل في نصوص قانونية،أو قرارات أو اتفاقيات دولية،أو خرائط و جداول....الخ
  و في هذه الحالة فإن الطالب أو الباحث يكون في حاجة إلى مرحلة أخرى من مراحل إعداد البحث العلمي و هي مرحلة الملاحق،و تدرج هذه الملاحق مباشر بعد خاتمة البحث و قبل قائمة الراجع2 .
  إن القاعدة العامة في تصنيف ما هو ملحق و ما لا يعتبر كذلك،هي أهمية المعلومات المقدمة،و ارتباطها غير المباشر بالموضوع،ففي مجال العلوم القانونية عادة ما تكون الملاحق متمثلة في مشاريع قوانين و النصوص الكاملة للأحكام و القرارات القضائية،و أوراق المرافعات و الرسومات الهندسية،كتلك الرسومات التي تبين القيود القانونية على حق الملكية العقارية المتمثلة في شروط فتح المطلات.
ثـامـنا: مرحلة توثيق المراجع و المصادر(الببليوغرافيا):
  تعتبر الببليوغرافيا آخر مرحلة في عملية إعداد البحث العلمي،فعند قيام الباحث بإكمال بحثه معتمدا في ذلك على كتب أو مقالات أو أعمال عديدة،و من أجل أن يتمكن القراء من التحقق من دراستكم،فإنه من المفيد أن تشير إلى المراجع و المصادر التي اعتمدتم عليها [2]و الحقيقة أن البحث لا يكون كاملا إلا إذا ذكر الباحث جميع المراجع و المصادر التي اعتمد عليها و استخدمها في دراسته                           و تتعلق مرحلة توثيق المراجع و المصادر بوضع هذه المراجع و المصادر في   قائمة في آخر البحث و هذه هي الطريقة المتبعة في عرض المراجع و المصادر في البحوث العلمية في شتى المجالات
 و تعنون قائمة المراجع بكلمة"refevences"أو ""literature citedأما كلمة "bibliography"التي كانت شائعة سابقا،فلم تعد مقبولة اليوم لوصف قائمة المراجع،لأنها اشتمال القائمة على كل ما سبق نشره في موضوع الدراسة،و هو أمر لم يعد ممكنا في الوقت الحالي بسبب كثرة البحوث و تعددها و لم يعد بالإمكان حصرها .
  و تجدر الإشارة إلى أن الباحث ملزم بأن يتبع مجموعة من القواعد و الشروط و الأحكام عند كتابته للمراجع في قائمة المراجع،و من بين هذه الأحكام :
-ضرورة مراجعة بيانات كل مرجع كلمة كلمة بدقة تامة،و ضرورة ملاحظة عناوين المراجع و أسماء المؤلفين
-ضرورة التأكد من سنة النشر .
-التأكد من وضع كل المراجع المعتمدة في المتن في قائمة المراجع
-لا يجوز أبدا نقل مرجع من مرجع آخر،حيث أن مجرد ذكر مرجع في قائمة المراجع معناه أن الباحث قد اطلع عليه و اعتمد عليه في دراسته،و هذا يرتبط بالأمانة العلمية للباحث التي هي من خصائص البحث العلمي .
  و من جهة أخرى تخضع كتابة المراجع في قائمة المراجع إلى بعض الأحكام أيضا يجب التقيد بها منها:
-أن تكتب قائمة المراجع و المصادر بنفس حجم الخط العادي للكتابة،بينما تهميشها يكون بخط أقل حجما من الخط العادي المستعمل في البحث.
-أسبقية لقب المؤلف عن اسمه بالنسبة لقائمة المراجع،بينما أسبقية الاسم عن اللقب بالنسبة لتهميش المرجع .
-هناك من يكتب عدد صفحات الكتاب في قائمة المراجع بينما لا تكتب في التهميش حيث تذكر رقم الصفحة التي اقتبس منها الطالب أو الباحث فقط.
  و تخضع الإشارة إلى المراجع في قائمة المراجع إلى ترتيب يختلف أحيانا من كاتب لآخر،و من بين ذلك:
   1-الكتب
2-الرسائل الجامعية
3-المجلات العلمية و الدوريات
4-الوثائق الرسمية
5-الصحف
6-المطبوعات غير المنشورة
7-المواقع الإلكترونية
  و بالإضافة إلى هذا الترتيب التسلسلي للمراجع في قائمة البحث،يجب على الطالب أن يراعي أيضا الترتيب الترتيب الأبجدي أو الألفبائي لترتيب أسماء المؤلفين1




















الــفـــصل الــثالــث


المناهج المستعلمة في العلو القانونية











  مناهج البحث العلمي في العلوم القانونية قبل التطرق لمختلف مناهج البحث العلمي لابد أن نتطرق إلى مفهوم العلوم القانونية بمختلف أنواعها و أقسامها ثم نعرج على مفهوم علم المناهج،لنصل أخيرا إلى دراسة مناهج البحث و تطبيقاته في ميدان العلوم القانونية .
   أولا: مفهوم العلوم القانونية و علاقتها بالعلوم الأخرى
1-   تعريف القانون:
   يرجع أصل هذه الكلمة إلى الأصل اليوناني"kanon"و هي تعني العصا المستقيمة،غير أن استخدامها في اللغة اليونانية كان بطريقة مجازية للتعبير عن معنى"القاعدة أو المبدأ"،فهم لا يقصدون بها الدلالة على العصا كأداة للضرب أو التأديب،بل يقصدون بها الدلالة على الاستقامة في القواعد و المبادئ القانونية .
  و قد انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات،ففي اللغة الفرنسية نقول"droit"و في اللغة الإيطالية نقولdirito"". فالقانون لغة:معناه الخط المستقيم الذي يعتبر  مقياسا للانحراف1.
2-الاستعمالات المختلفة لكلمة "قانون":
  ميزت اللغة الفرنسية بين عدة مفردات:هناكdroit  و هناكcode  و هناكloi   
ففيما يتعلق بكلمة قانون droit  فهي تستعمل للتعبير عن مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد و علاقاتهم فيما بينهم في المجتمع على وجه ملزم،و هذا يدخل في المعنى العام مثل:علم القانون،كلية القانون
   و هناك استعمال كلمة قانون بمفرد التقنين:code و يقصد بالتقنين مجموعة النصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون مثل:التقنين المدني،تقنين العقوبات ...و تسمى باللغة الفرنسية code فنقول:code civil و code fénal
   و هناك استعمال كلمة قانون بمعنى تشريعloi فالتشريع هو مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في صورة مكتوبة،دون غيرها من القواعد التي تنشأ من المصادر الأخرى مثال ذلك:قانون تنظيم الجامعات،قانون،الخدمة الوطنية...
3-فروع القانون :
  ينقسم القانون إلى قانون عام و قانون خاص
   -القانون العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها كلما كانت الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة سيادة و سلطة
  -القانون الخاص:و هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها فيما بين الأفراد أو فيما بين الأفراد و الدولة باعتبارها شخصا معنويا لا يمارس سيادة و لا سلطة.
4-علاقة القانون بالعلوم الأخرى:
  تعتبر العلوم القانونية فرعا مهما من العلوم الاجتماع و ترتبط بها ارتباطا وثيقا يتجلى في كافة مجالات الحياة الاجتماعية.
  إن الظاهرة القانونية هي ظاهرة اجتماعية و ليست ظاهرة منعزلة عن المجتمع، فقد حاول بعض رجال القضاء دراستها بعزل عن كل الظواهر الاجتماعية الأخرى (أنصار النظرية الصافية للقانون)إلا أنهم فشلوا في نهاية المطاف.
  إن العلوم القانونية بمختلف تخصصاتها مثل:فلسفة القانون- القانون المدني –القانون الدولي –القانون الاقتصادي –تاريخ النظم القانونية....تربط فيما بينها روابط وثيقة،بل أن هذه العلوم مرتبطة بالظاهرة الاجتماعية في عمومها .
أ-علاقة العلوم القانونية بعلم الاجتماع:
   إن القانون وجد من أجل تنظيم المجتمع،و من ثم كانت الظاهرة القانونية جزء لا يتجزأ من الظاهرة القانونية و أبعادها الاجتماعية.
   إن الدراسات الاجتماعية هي الخلفية الحقيقية لرجال القانون،حيث يوفر علماء الاجتماع لرجال القانون المعطيات الاجتماعية الواقعية من إحصائيات مضبوطة دراسة سياسية حاسمة لرسم الإصلاحات الضرورية .
     ب-علاقة العلوم القانونية بعلم النفس:
   يدرس على مستوى معاهد الحقوق في العالم بكامله"علم الإجرام و العقاب" أو ما يسمى أحيانا بـ"علم النفس الجنائي" حيث يدرس هذا العلم "الظاهرة الإجرامية بمختلف أبعادها النفسية". و يقدم علم النفس هذا المجال المعطيات الضرورية من أجل وضع القوانين الجنائية و كيفية التعامل مع السجناء. فقد نبهت الدراسات النفسية من خطورة العوامل النفسية السيوكولوجية التي تقف وراء السلوك الشاذ و تدفع بالشخص إلى فقدان التوازن و الاعتداء على الغير1 .
   ج-علاقة العلوم القانونية بعلم الاقتصاد:
  يهتم علم الاقتصاد بالمشكلة الاقتصادية،حيث يدرس قضايا الإنتاج و قضايا الأسعار و التكاليف و التضخم و نظام الصرف و التوزيع و التسويق و إشكالية العرض و الطلب...الخ.
  و يتمثل دور القانون في كل هذه الحالات بتقنين حل المشكل الاقتصادي من وجهة نظر أداة الحكم التي تملك سلطة القرار السياسي و الاقتصادي،فإذا كانت أداة الحكم تسمح بملكية وسائل الإنتاج للدولة فقط،فلأن القانون يترجم هذا التصور من خلال عملية تقنين تدخل في إطار النص على ملكية وسائل الإنتاج للدولة،و العكس صحيح.
   د-علاقة العلوم القانونية بالسياسة:
  يظهر الارتباط بين القانون و السياسة واضح من خلال ما نلاحظه في الواقع،فإذا كان القانون يقوم بتقنين حل المشكل الاقتصادي في مجال علم الاقتصاد،فإن دوره في مجال علم السياسة يتمثل في كيفية القيام بحل المشكلة السياسية و علاج أزمة الحريات عن طريق ما يسمى بالقانون الدستوري خصوصا و القانون العام عموما، بحيث يجسد حكم النخبة في ظل الأنظمة الحزبية .
  هـ-علاقة العلوم القانونية بعلم التاريخ:
  يدرس علم التاريخ الأحداث و الظواهر الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي تمر بها الشعوب في زمان معين و مكان معين.و هذه الدراسة لها انعكاس على النظم القانونية المعاصرة،و ذلك لأن النظم القانونية السائدة داخل مجتمع هي وليدة تطور تاريخي،لهذا تدرس على مستوى معاهد الحقوق دراسة تاريخ النظم القانونية في الحضارات السابقة.
     ثـانـيا: مفهوم علم المناهج
  بعدما تطرقنا في السداسي الأول إلى مفهوم البحث العلمي و مراحل إعداد البحوث العلمية،نتطرق في هذا المجال إلى المناهج العلمية التي تستخدمها العلوم القانونية و قبل ذلك لابد أن نعطي لمحة عن مفهوم علم المناهج(methodologie)و ذلك من خلال:
    -تعريف علم المناهج
   -إشكالية تكوين علم المناهج
   -اختلاف علماء المناهج حول تصنيف المناهج العلمية
   -العلوم الإنسانية و المناهج العلمية
1-تعريف علم الناهج:
  تتكون المنهجية في اللغة الفرنسية من كلمتين "methode"و تعني النهج و"logie"و تعني العلم،و من خلال التركيب نحصل على"methodologie"و نقصد بها "علم المناهج"
  إذن علم المناهج هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الناهج المطبقة في البحوث العلمية
  و قد جاءت هذه المناهج التي اعتمدها علم المناهج استنادا إلى دراسات متخصصة من طرف الكثير من العلماء المناهج،و يود تطبيقها إلى الوصول إلى نتائج سليمة للبحوث.
  و في الواقع يمكن أن يسير البحث وفق خطوات منظمة و دقيقة بطريقة تلقائية، حيث أن السير الطبيعي للعقل إذا لم تحدد أصوله مسبقا و كان منظما من شأنه أن يسطر لنفسه منهجا بدون الاعتماد على ما هو موجود من قواعد منهجية مسطرة مسبقا .
  إلا أن المنهج التلقائي قد يعرض صاحبه للخطأ،حيث أن الاعتماد على المناهج المعتمدة و الموضوعة من قبل باحثين متخصصين في علم المناهج يقلل من هذه الصعوبات و يساعد إلى الوصول إلى نتائج سليمة
  من خلال ذلك يمكن القول أن علم المناهج هو عبارة عن ذلك العلم الذي يبين لنا مجموعة القواعد و القوانين التي تبين لنا الخطأ و الصواب في خطوات البحث، و طرق البحث عن الحقيقة.                        
2-إشكالية تكوين علم المناهج:
  اختلف الفلاسفة في مجال تكوين علم المناهج،و قد أثار"كلود برنار" هذا الإشكال في كتابه"المدخل لدراسة الطب التجريبي". و قد ظهرت ثلاثة آراء حول كيفية تكون المناهج العلمية،و هل يتم وضعها من طرف فلاسفة و علماء متخصصين في علم المناهج مسبقا، أم يتم وضعها من طرف العلماء المتخصصين في مختلف العلوم،حيث يتخصص كل عالم بوضع المناهج التي تلاؤم بحثه.
  ظهرت ثلاثة آراء في هذا المجال:
الرأي الأول:
  يرى أنصار هذا الرأي أن المناهج يجب أن تصاغ من طرف فلاسفة و علماء مناهج،حيث أن هذه العملية فلسفية،و يحتاج الأمر إلى عملية الكشف عن الروابط و العلاقة ما بين المبادئ التي تحكم العلوم انطلاقا من فكرة وحدة العقل الإنساني و وحدة المنهج.
  من خلال ذلك،يرى أنصار هذا الاتجاه أن صياغة المناهج لا يقوم بها الباحثين أو العلماء المتخصصين،حيث أن الباحث أو العالم المتخصص لا يمكنه الوصول إلى الروابط التي تحكم العلوم بمختلف أنواعها،في حين أن الفيلسوف أو عالم المناهج يستطيع الوصول إلى ذلك،لأن هذه العملية هي عملية فلسفة بالدرجة الأولى .
الرأي الثاني:
  و من زعماء هذا الاتجاه"كود برنار"،حيث يرى أن المناهج يضعها العلماء المتخصصون كل حسب ميدان تخصصه،فالعالم المتخصص في ميدان معين أدرى بذلك التخصص من غيره في المجالات الأخرى،و أدرى بالمناهج المتبعة في هذا المجال و ما يخدم بحثه و موضوعه،فلا يستطيع الفيلسوف أن يضع منهجا يسير عليه الباحث المتخصص لعدم درايته بكل دقائق هذا التخصص و ما يتطلبه من وسائل و أدوات منهجية.
الرأي الثـالـث:
  يعتمد هذا الاتجاه على المزج بين الرأي الأول و الرأي الثاني فهو يرى أن الفيلسوف هو وحده من يكشف على العلاقات بين مختلف العلوم و الروابط بينها،و لهذا فالفيلسوف يضع المبادئ الأساسية لكل منهج،و دور العالم المتخصص هو البحث عن آليات تطبيق المنهج في تخصصه،فيكون بذلك للفيلسوف مجاله،و يكون للعالم المتخصص مجاله الخاص به.
3-اختلاف علماء المناهج حول تصنيف المناهج العلمية:
  من بين التصنيفات الحديثة في مجال التصنيفات الحديثة في مجال علم المناهج هناك:
      -تصنيف ويثني"withney"
     -تصنيف ماركيزMarquis""
     -تصنيف جود و سكيتس (good/scates)
1-تصنيف ويتني"Withney":
  يقسم"ويتني"المناهج إلى1:
-منهج وصفي
-منهج تاريخي
-منهج تجريبي
-البحث الفلسفي
-البحث الاجتماعي
-البحث الإبداعي
  من خلال هذا التقسيم الذي اعتمده"ويتني"،نلاحظ أنه يخلط بين المنهج و البحث،فالبحث الاجتماعي مثلا ليس منهجا و إنما هو من أنواع البحوث،و هذا البحث يحتاج إلى منهج في إعداده.
2-تصنيف ماركيز"Marquis"2:
-المنهج الفلسفي
-منهج دراسة الحالة
-المنهج التاريخي
-منهج المسح
-المنهج التجريبي
  يعتبر هذا التقسيم منهج دراسة الحالة و منهج المسح منهجين أساسيين،لكن هما في الأصل منهجيين فرعيين تابعين إلى المنهج الوصفي.
3-تصنيف جود و سكيتس"good/scates":
-المنهج التاريخي
-المنهج الوصفي
-منهج المسح الوصفي
-المنهج التجريبي
-منهج دراسة الحالة
-منهج دراسة النمو و التطور و الوراثة
  من خلال ملاحظة التقسيم،نلاحظ أنه وقع في نفس التقسيم الذي اعتمده التقسيم السابق في ما يخص منهج المسح و منهج دراسة الحالة،و اعتبارهم منهجيين أساسيين
  -العلوم الإنسانية و المناهج العلمية:
  يطرح البعض إشكالية خضوع العلوم الإنسانية لقواعد المنهج،و هذا يطرح من جهة أخرى مدى علمية العلوم الإنسانية بالمعنى الدقيق للعلم.ففي السابق لم ييتقبل العلماء تطبيق المناهج العلمية في مجال العلوم الإنسانية فقد كان البعض ينظر إلى هذه العلوم بأنها ليست علوما كما هو الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية،إلا أن هذا الأمر من جهة أخرى يطرح خصوصية العلوم الإنسانية و تعقد ظواهرها،و عدم تجانسها وعدم ثباتها و صعوبة استخدام التجريب في هذا المجال بالإضافة إلى ضعف الموضوعية في مجال الدراسات الإنسانية نظرا لاتصالها بالإنسان موضوع الدراسة.
1-تعقيد الظواهر الإنسانية:
  تتعلق الظاهرة الإنسانية بعناصر متعددة و معقدة،مثل العناصر الجغرافية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية بالإضافة إلى المعتقدات و العادات و الأعراف من خلال كل ذلك يجد الباحث نفسه في مجال الدراسات الإنسانية و الاجتماعية أمام تنوع كبير و متغيرات كثيرة تتدخل الظاهرة الإنسانية و يزيدها تعقيدا .
  و إذا كان من خصائص العلم هو السببية و التعميم  بالنسبة كنتائج التي تنتج من نفس الأسباب فإن الأمر بالنسبة للعلوم الإنسانية معقد جدا،لدرجة أننا نجد صعوبة كبيرة في تحديد هذه الأسباب بالكامل
2-عدم تجانس الظاهرة الإنسانية:                                                                  يقوم البحث العلمي على فرضية التجانس أو فرضية وحدة الطبيعة،و الظواهر الطبيعية نتيجة تشابه بعضها يمكن تقسيمها إلى فئات متجانسة و استخراج القوانين التي تحكم كل فئة على حدا.لكن الظواهر السلوكية ظواهر فردية و يصعب تكرارها و من ثم من الصعب أن نحصل على تعميمات.
3-ديناميكية الظواهر السلوكية:
  نتيجة لسرعة تغير الظاهرة الإنسانية و السلوكية،فإن الباحث قد يجد نفسه في الوقت الذي يدرس فيه الظاهرة السلوكية الإنسانية أنه يدرس الظاهرة من الناحية التاريخية و ليس دراستها في الوقت الراهن لأن ثمة تغير حدث للظاهرة المدروسة.
4-عدم القدرة على استخدام التجريب في مجال الظاهرة الإنسانية:
  إذا كانت التجربة من ركائز البحث العلمي،فإنها في مجال العلوم الإنسانية لا مكان لها،فالظاهرة الإنسانية ظاهرة سلوكية لا نستطيع إخضاعها للتجريب،فهي ظاهرة معنوية غير ملموسة.و قد بدأ الباحثون في مجال علم النفس محاولة استخدام التجريب الدراسات النفسية إلا أن ذلك يبقى محدودا جدا
5-صعوبة التقيد بضوابط الموضوعية في مجال الدراسات الإنسانية:
  إن الموضوعية هي من خصائص العلم و البحث العلمي و قد يحاول الباحث في مجال العلوم الإنسانية أن يتقيد بضوابط الموضوعية،إلا أنه يجد نفسه أحيانا في اتجاه فكري معين،و قد تجعل الباحث يوصف بأنه متحيز إلى تيار معين،مثل الاتجاه الاشتراكي أو الاتجاه الليبرالي،أو غير ذلك
  إن دراسة الباحث الاجتماعي لظاهرة إنسانية معينة تجعله يسعى لتحقيق نتائج في البحث تتوافق مع معتقداته و ذاتيته أي مع عواطفه و أحاسيسه و غير ذلك،في حين أن الأمر في مجال العلوم الطبيعية يجعل من الظاهرة المدروسة ظاهرو مادية موجودة خارج فكر و وعي الإنسان و هنا يجد نفسه يتعامل معها بكل حياد.
  من خلال كل ما تطرقنا له، نلاحظ أن الظاهرة الإنسانية هي ظاهرة معقدة و صعبة التعامل معها من خلال ذلك اعتبر بعض العلماء أن العلوم الإنسانية لا يمكن أن نطبق عليها المنهج العلمي الذي يتميز بالتجريد و العموم و الوصول إلى نتائج نستطيع تعميمها،و من ثم فقد اعتبرها البعض بأنها لا ترقى إلى درجة العلم،و الاعتقاد بعدم إمكانية تطبيق المناهج العلمية عليها
المناهج المطبقة في العلوم القانونية
  تعتبر العلوم القانونية أحد فروع الإنسانية و الاجتماعية و بذلك فهي تخضع من حيث الدراسة المنهجية إلى كل الأسس و الركائز المعتمدة في مجال الدراسات الاجتماعية بصفة عامة .
  و تتميز العلوم الاجتماعية و من بينها العلوم القانونية بأنها تستخدم مجموعة من المناهج في البحث الواحد و هذا ما يسمى بالتعددية المنهجية،و هذا ما تقضيه الدراسات الاجتماعية و منها القانونية
  من خلال ذلك سنتناول:
أولا: التعددية المنهجية و أسبابها
ثانيا: المنهج الاستنباطي
ثالثا: المنهج الاستقرائي
رابعا: المنهج الجدلي
خامسا: المنهج التاريخي
سادسا: المنهج المقارن
سابعا: المنهج القانوني
ثامنا: المنهج الوصفي
  أولا: التعددية المنهجية و أسبابها
  يهدف البحث الاجتماعي من العهد الإغريقي حتى وقتنا الحالي إلى محاولة الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن الظاهرة الاجتماعية المدروسة.
  و لا تتميز البحوث الاجتماعية و منها القانونية بأحادية المنهج و إنما بالتعددية المنهجية و هذا يدخل في إطار التكامل المنهجي و يمكن أن يرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل نذكر منها:
-         كون الظاهرة الإنسانية و الاجتماعية تشكل جزء من الباحث في حد ذاته و هو جزء لا يتجزأ منها و ليس مستقلا عنها مثلما هو الحال في مجال العلوم التطبيقية و الطبيعية
-         إن كل منهم هو وليد عصر معين و نتاج مفكر معين،و هذا معناه أن المنهج المعمول به في العهد اليوناني لم يعمل به العهد الروماني و هكذا  
-علاقة العلوم القانونية بغيرها من العلوم الاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى استخدام مناهج أخرى،فمثلا للقانون علاقة كبيرة بعلم التاريخ فتستخدم بذلك العلوم القانونية في بحوثها المنهج التاريخي،و كذلك نظرا للعلاقة الوطيدة بين العلوم القانونية و العلوم الاقتصادية تستخدم المنهج الإحصائي...
  و في هذا المجال يقول"أرسطو" في كتابه
"إن بعض العلوم لا يقبل إلا لغة الرياضية،و البعض الآخر لا يريد إلا أمثلة،و البعض يريد الاستشهاد بالشعر،و البعض يحتم في كل بحث برهانا محكما،بينما غيره يعتبر هذه الأحكام إسرافا...ولكن يجب أن يبدي بتعريف مقتضيات كل نوع من العلوم فلا وجوب لدقة الرياضية في كل موضوع و إنما فقط في الكلام عن المجردات،و لذلك فالمنهج الرياضي لا يصلح للعلم الطبيعي لأن الطبيعة تحتوي المادة".
-تعدد الظاهرة القانونية في حد ذاتها،و هذا يحتم عدم إمكانية استخدام منهج وحيد في دراستها،و في هذه الحالة يستخدم الباحث في مجال العلوم القانونية مزيج من مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي و كمثال على ذلك:
  لدراسة ظاهرة الانتخابات يتوجب على الباحث أن يعتمد على المنهج الاستقرائي بالنسبة للمترشحين للعملية الانتخابية،و المنهج التاريخي لمعرفة نتائج العملية الانتخابية السابقة،و نعتمد على المنهج المقارن للمقارنة بين ماضي العملية الانتخابية و حاضرها كما نعتمد على المنهج الإحصائي عند قيامنا بقياس اتجاهات الرأي العام و كذا نسبة المشاركة على العملية الانتخابية و نسبة الأصوات المقبولة و الملفات.
  وفي الحالة نكون أمام تعددية منهجية في بحث قانوني،و هذا في إطار التكامل المنهجي 
ثانيا: المنهج الاستنباطي
1- تعريف الاستنباط :
يعرف الاستنباط بأنه ذلك الاستدلال التنازلي الذي ينتقل فيه الباحث من الكل إلى الجزء ،  أي الدراسة الكلية الظاهرة معينة وصولا إلى جزئياتها ()()
  و كمثال على ذلك يبدأ الباحث في دراسة السلطات الرئيسية في الدولة و هي السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و السلطة القضائية ، و انطلاقا من دراسة النظام السياسي للدولة و هي الظاهرة الكلية وصولا إلى دراسة كل سلطة على حدا أي وصولا إلى الظاهرة الجزئية المتفرعة عن الظاهرة الكلية و هي نظام الحكم السياسي المتبع في الدولة و في هذا المثال نلاحظ أن دراسة السلطات المختلفة للدولة تفرض علينا انطلاقا من دراسة نظام الحكم المتبع فيها ، و في هذه الحالة نكون أمام استدلال تنازلي تنتقل فيه من دراسة الظاهرة الكلية إلى دراسة الظاهرة الجزئية.
  و يعرف عبد الناصر جندلي المنهج الاستنباطي بأنه تلك الطريقة الاستدلالية التي تعتمد على قاعدة تحليل كل جزء من أجل الوصول إلى معرفة يقينة بشأن الظاهرة محل الدراسة و التحليل
  و من خلال ذلك يمكن القول أن الاستنباط هو كل استدلال لا تكبر نتيجة المقدمات التي تكون منها ذلك الاستدلال ، ففي كل دليل استنباطي تكون النتيجة دائما مساوية أو أصغر من مقدماتها ، و كمثال على ذلك :
          أحــمـد إنــســان¬ المقدمة الصغرى
          كل إنسان يموت¬ المقدمة الكبرى
          أحــمـد يــمـوت ¬النتيجة
  ففي هذا المثال نلاحظ أن النتيجة أصغر من المقدمات السابقة عليها ، حيث أنها تتعلق بإنسان مجرد أي تخص فردا من الانسان و هو "أحمد" في حين أن المقدمة القائلة بأن كل انسان يموت فهي تتعلق بجميع الأفراد .
ففي هذا المثال نلاحظ أن التفكير أخذ طريقةه من العام إلى الخاص أي من الكل إلى الجزء أي من المبدأ العام إلى التطبيقات الخاصة.
ففي المثال السابق كانت النتيجة أصغر من المقدمات نحاول أن نأخذ مثال تكون فيه النتيجة مساوية للمقدمات:
                        الحيوان إما صامت إما ناطق
                       و الصامت يموت و الناطق يموت                      
                       فالحيوان يموت
  ففي هذا المثال استنتجنا أن " الحيوان يموت" بطريقة استنباطية ، و لكن نلاحظ أن النتيجة مساوية للمقدمة التي ساهمت في تكوين الدليل عليها القائلة " الصامت يموت و الناطق يموت" لأن الصامت و الناطق هما كل الحيوان بموجب المقدمة الأخرى القائلة "الحيوان إما صامت إما ناطق"
  و يرجع استخدام المنهج الاستنباطي إلى الفيلسوف " أفلاطون" من خلال أبحاثه السياسية و الاجتماعية ، و يظهر ذلك من خلال مؤلفه "الجمهورية " كما يرجع استخدامه المنهج الاستنباطي إلى ثقافته الرياضية الواسعة()  
2- مفهوم الاستدلال :
  مادام أن المنهج الاستنباطي هو استدلال تنازلي فلا بد أن نفهم معنى الاستدلال ، لذلك نحاول أن نتطرق إلى تعريف الاستدلال ، و مبادئه

أ- تعريف الاستدلال :
  يعرف الاستدلال بأنه ذلك البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها و يسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة دون الالتجاء إلى التجربة.
  و قد يكون هذا السير استنادا إلى الحساب أو بواسطة القول.
و يعرف الاستدلال كذلك بأنه "عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها ، و يسير رفقها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة .
  و الحقيقة يستخدم الاستدلال في مجال الرياضيات لكن تطبيقه انتقل إلى بقية العلوم ،ففي مجال العلوم القانونية يعتمد القاضي على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للمسألة المعروضة عليه، فهو يطبق الاستدلال بناء على ما لديه من قضايا.
3- مبادئ الاستدلال :
  يعتمد المنهج الاستنباطي على مجموعة من المبادئ الاستدلالية هي :
1- البديهية :
  يمكن تعريف البديهية بأنها أي افتراض يكون مقدمة لاستنتاج تصريحات أخرى منطقيا.
و تعرف كذلك بأنها قضية بينة بذاتها ، و ليس من الممكن أن يبرهن عليها ، و تعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها.
إذن من خلال ذلك يمكن القول أن البديهية تأخذ بشكل أساسي على أنها صحيحة و لا تحتاج إلى أي إثبات ، ومن ثم جاءت تسمية "بديهية".
من خلال كل ذلك تمتاز البديهية بالمميزات التالية():
1- هي بينة نفسية بحيث تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.
2- هي أولية منطقية بحيث أنها قضية أولية غير مستنتجة من قضية أخرى .
3- هي قضية صورية عامة أو قضية مشتركة بحيث تقبل من كافة العقول و لا تعني فرعا واحدا من العلوم
فالبديهية تستعمل في الرياضيات ، و تستعمل كذلك في مجال العلوم الاجتماعية و من أمثلة البديهيات :
- إذا أضيفت أشياء متساوية إلى أشياء متساوية كانت النتائج متساوية
- الكل أكبر من كل جزء من أجزائه
- إذا طرحت أشياء متساوية كانت النتائج متساوية
 2- المسلمة :
المسلمات هي القضايا التركيبية التي و إن كانت غير بينة بنفسها إلا أنها يصادر عليها و نتقبلها نظريا و نسلم بها لأنها لا تؤدي إلى تناقص و مثال ذلك قولنا الإنسان يفعل دائما ما ينفعه ، و أن كل إنسان يطلب السعادة.
3- التعريفات :
  التعريف هو عبارة تصف معنى مصطلح معين ، و هذا هو المفهوم  العام للتعريف.
  أما المفهوم الدقيق فالتعريف هو تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا يجمع كل صفات الشيء و يمنع دخول صفات أو خصائص خارجة عنه.
  و إن الجمع و المنع هي الصفتان اللتان تمنحان للشيء المعرف هويته الحقيقية و من خصائص التعريف إذن أنه يكون جامعا مانعا و مباشرا أو غير مباشر و يستعمل التجريد و التعميم.
  و التعريف قد يكون رياضيا و هو التعريف الثابت غير المتغير ، و قد يكون دينيا بحيث يتطور بتطور الشيء ذاته و هذا ما يحصل أحيانا في مجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية نظرا لخصوصية هذه الدراسات و حركيتها و ديناميكيتها.
دور الاستدلال في العلوم القانونية:
يعتبر المنهج الاستنباطي من أهم المناهج المستعملة في مجال البحث القانوني ، و يعتبر الاستدلال بصفة خاصة أحد ركائز الدراسات القانونية نظرا لاستخدامه من طرف القضاة و المحاميين و الباحثين في مجال العلوم القانونية.
  و في المسائل القانونية التي تطرح على القاضي يستخدم القاضي أداة القياس() لتكييف النزاع المعروض عليه ، حيث يكيف القاضي المسألة ما إذا كانت مسألة واقع أم مسألة القانون ، و الفرق واضح بين مسألة الواقع و مسألة القانون ففي الحالة الأولى لا رقابة للمحكمة العليا عليها ، في حين أن الحالة الثانية تخضع لرقابة المحكمة العليا حيث أن دور المحكمة العليا هو مراقبة تطبيق القانون
 مــثـال:
 قام عمر ببيع عقاره إلى أحمد بتاريخ 01/01/1994،و هذا الأخير لم يقم بتسجيل العقد و شهره،و بعد مرور سنة ، قام عمر ببيع العقار نفسه بتاريخ 01/01/1995 إلى المدعو علي الذي قام بتسجيله و شهره .
السـؤال : أي المشتريين الأسبق تاريخيا في شراء العقار؟
الجواب :
  - تاريخ 01/01/1994 أسبق من تاريخ 01/01/1995 ( مقدمة كبرى)
  - عقد البيع الخاص بأحمد مؤرخ في 01/01/1994 و عقد البيع الخاص بعلي مؤرخ في 01/01/1995 (مقدمة صغرى)
  - عقد أحمد أسبق تاريخيا من عقد علي ( النتيجة)
من خلال هذا المثال نلاحظ أن المقدمة الكبرى و المقدمة الصغرى تتكون من وقائع مادية ، وهذه الحالة تكون المسألة مسألة واقع.
  لكن إذا طرح السؤال بالطريقة التالية : إلى أي من المشتريين تنتقل الملكية؟
الجواب:
  - تنتقل ملكية العقار في عقد البيع بعد الشهر العقاري (مقدمة كبرى)
  -عقد البيع الخاص بأحمد لم يتم شهره،و عقد البيع الخاص بعلي تم شهره(مقدمة صغرى)
  - تنتقل الملكية إلى علي (نتيجة)
ففي هذا المجال نلاحظ أن المقدمة الكبرى هي مبدأ قانوني و في هذه الحالة فالمسألة هي مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا.
  من خلال ذلك يمكن القول أن التمييز بين مسألة الواقع و بين مسألة القانون يقدم على الربط بين وقائع مادية و وقائع مادية أخرى في حالة مسألة الواقع تقوم على الربط بين وقائع مادية و مبادئ قانونية في حالة مسألة القانون.
إذن من خلال ذلك يعتمد القاضي على الاستدلال في الوصول إلى الحكم و حل النزاع بحيث يتم الربط بين الوقائع المادية و المبدأ القانوني و يؤدي ذلك إلى الوصول إلى النتيجة المتمثلة في الحكم .
  من خلال كل ذلك ،فإن الاستدلال ارتكزت عليه الدراسات القانونية في مجال فلسفة القانون و علم الاجتماع القانوني ، و البحث عن أصل الدولة و السلطة و الأمة و الديمقراطية.....إلخ
  بالإضافة إلى ذلك فإن المنهج الاستنباطي الاستدلالي له أهمية كبيرة في العمل القانوني من خلال تدقيق كلام الشهود و الوثائق لمعرفة صحتها ، و في إعداد الأبحاث و المذكرات القانونية بحيث تلتزم بالقواعد المنطقية و عملية تكييف المسائل القانونية.
ثـالـثا: المنهج الاستقرائي
أولا: تعريف المنهج الاستقرائي
الاستقراء هو عبارة عن استدلال تصاعدي حيث ينطلق الباحث من الجزء إلى الكل ، أي من الظاهرة الجزئية إلى الظاهرة الكلية ()
إذن يتمثل المنهج الاستقرائي في السير من الخاص إلى العام و معنى كلمة "استقراء" بحسب الترجمة للكلمة اليونانيةenaywyn يقود حيث تدل على حركة العقل للقيام بعمليات هدفها التوصل إلى قانون أو قاعدة كلية تحكم الفرعيات أو التفاصيل التي تم إدراكها من قبل الأفراد()
  و الفرد بين الاستنباط و الاستقراء يتمثل في أننا ننتقل في الاستقراء من الجزئيات إلى القانون الكلي الذي يحكمها ،في حين أننا في عملية الاستنباط ننتقل من القانون الكلي إلى الجزئيات التي تقع تحته. إذن هناك تداخل بين عملية الاستقراء و عملية الاستنباط و الخلاف بينهما لا يكون إلا في الاتجاه العكسي من أسفل إلى أعلى بالنسبة للاستقراء و من أعلى إلى أسفل بالنسبة إلى الاستنباط()
و كمثال على عملية الاستقراء :
  أن يقوم الباحث بدراسة علاقة جهاز القضاء بجهاز التنفيذ ، ثم علاقة القضاء بالجهاز التشريعي ثم علاقة القضاء بالجهاز التشريعي ثم علاقة الجهاز التشريعي بالجهاز التنفيذي ، من خلال كل ذلك نصل إلى تقرير مبدأ الفصل بين السلطات كمبدأ السلطات كمبدأ ضروري لنظام الحكم في الدولة .
  و في هذا المثال تكون قد انتقلنا من دراسة الجزئيات المتمثلة في السلطات المختلفة إلى دراسة الكليات المتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات ، و بالتالي نكون قد استخدمنا المنهج الاستقرائي في الدراسة.  
من الناحية التاريخية ، يعتبر الفيلسوف "أرسطو" أول من استعمل المنهج الاستقرائي في أبحاثه و تحليلات السياسية حول الدولة و الحكومة و قد انتقد الفيلسوف "أرسطو" المنهج الاستقرائي الاستنباطي الذي استعمله الفيلسوف "أفلاطون" و نتيجة هذه الانتقادات جاء المنهج الاستقرائي
ثـانـيا: خطوات المنهج الاستقرائي :
يتبع المنهج الاستقرائي الخطوات التالية :
1- تحديد الظاهرة المراد دراستها
2- جمع المعلومات المتعلقة بالظاهرة
3- الوصول إلى نتائج و الكشف عنها
  و قد قام الفيلسوف "أرسطو" باستعمال المنهج الاستقرائي في دراسته للدولة و الحكومة حيث ينتقل من الجزء إلى الكل، و يتمثل الجزء في الأسرة و القرية أما الكل فيتمثل في الدولة ، و التي يعتبرها "أرسطو" بأنها نتاج تطور تاريخي مر بمراحل اجتماعية للوصول إلى مرحلة الدولة و هي : الأسرة القرية ، الدولة.
فالأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع و هي تتكون من الزوج و الزوجة و الأبناء و كذلك الأهل و الأقارب و العبيد. و هذه الأسرة لا يمكنها أن تعيش بمعزل عن بقية الأسر، كذلك وجدت القرية التي تشمل مجموعة من الأسر.
أما الدولة فهي تتكون من مجموعة من القرى و هي تمثل الظاهرة الكلية عند "أرسطو"، أما الأسرة و القرية فتمثل الظاهرة الجزئية.
و من خلال ذلك، فإن المنهج الاستقرائي أصبح مطبقا بشكل واسع من طرف مفكري العصر الحديث في مجال القانون الدستوري خصوصا و العلوم الاجتماعية عموما.
رابـعا : المنهج التاريخي
يعني علم التاريخ بدراسة الحوادث الماضية من أجل فهم الحاضر و من ثم التنبؤ بالمستقبل و من خلال ذلك فإن الباحث في مجال علم التاريخ يقوم بتحليل الأحداث الماضية و تفسيرها بهدف الوقوف على مضامينها و تفسيرها بصورة علمية تحدد تأثيرها على الواقع الحالي للمجتمعات()
  يقول عبد الرحمن بن خلدون في أهمية الاستعانة بالتاريخ :
"إن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على الأحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم و الأنبياء في سيرهم و الملوك في دولتهم و سياستهم حتى تعم فائدة الاقتداء في ذلك لما يرونه في أحوال الدين و الدنيا، فهو (أي المؤرخ) محتاج إلى معارف متنوعة و حسن نظر و تثبت يفضيان إلى الحق و ينكبان عن المزلات و المغالط .
لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل لم يؤمن مزلة القدم ، و التاريخ في ظاهرة لا يزيد عن أخبار الأيام و الدول و السوابق من القرون الأولى و في باطنه (أي التاريخ) نظر و تحقيق و تحليل و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها()
  و الجدير بالذكر أن بعض الباحثين يرون أن التاريخ لا يعتبر علما باعتبار أن من يقومون باسترجاع الأحداث الماضية لتحليلها لا يقومون بملاحظة الظواهر التي حثت فعلا حتى يمكن لهم دراستها بطريقة موضوعية و أن المؤرخين يعتمدون على الاستماع أو النقل عن الآخرين أو القيام بتجميع بعض المقالات المنشورة هنا و هناك و في كل هذه الحالات ،فإن الأمر يتطلب الحيطة و الحذر لتفادي الوقوع في الخطأ أو التأويل غير الدقيق للظواهر التي وقعت في الماضي()
إلا أن كل ذلك لا يقلل من امكانية استخدام المنهج التاريخي في البحوث ، لأن علم التاريخ عبارة عن قواعد ذات دلالات هدفها تحليل و تحقيق للكائنات من خلال سرد أو إيراد علمي منطقي للوقائع و أسبابها من لحظة تحققها في الماضي إلى غاية الوقت الحالي .
من خلال كل ذلك عرف بعض الباحثين التاريخ بأنه"التدوين للأحداث الماضية" و عرفه البعض الآخر "وصف الحقائق التي حدثت في الماضي بطريقة تحليلية ناقدة"
  من خلال ذلك ، نلاحظ أن علم التاريخ لا يمكن فصله عن المنهج التاريخي ،و ذلك باعتبار البحث أو التقصي العلمي وسيلة موضوعية هدفها الوصول إلى نتائج أو قوانين أو قواعد يمكن تعميمها و استخدامها للتنبيء بما قد يحدث في المستقبل ضمن السياق التاريخي.
  بعدما تطرقنا إلى تعريف التاريخ ، من الضروري أن نعرف الآن المنهج التاريخي ، فما هو المنهج التاريخي ؟و ماهي خصائصه؟
تعريف المنهج التاريخي:
  تعرف الدكتورة ليلى الصباغ المنهج التاريخي بأنه"مجموعة الطرائق و التقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي ، و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية و إعادة بناء الماضي ، بكل دقائقه و زواياه ، و كما كان عليه في زمانه ،و مكانه و بجميع تفاعلات الحياة فيه، و هذه الطرائق قابلة دوما للتطور ، و التكامل مع تطور مجموع المعرفة الإنسانية و تكاملها و نهج اكتسابها"
  إذن يمكن القول أن المنهج التاريخي هو ذلك المنهج الذي يقوم على طريقة علمية يتبعها الباحث من أجل الوصول إلى المعرفة و الحقيقة ، و يتبع في ذلك الدراسة التحليلية للظاهرة المدروسة من خلال الإطار الزماني و الإطار المكاني ، و يكون ذلك وفق خطوات معينة تعتمد على المصادر التاريخية من أجل فهم الظاهرة كما هي في الوقت الحالي.
خصائص المنهج التاريخي:
  يتميز المنهج التاريخي بأنه يسعى إلى سد فجوات الوقائع و الأحداث الاجتماعية و السياسية ، كما يزودنا بإحساس تاريخي لأن الأحداث التاريخية ليست منعزلة أو المستقلة عن بعضها البعض،و إنما هي مترابطة في سياق زمن محدد.
خطوات المنهج التاريخي:
من أجل دراسة الظاهرة التاريخية يتطلب من الباحث أن يتبع الخطوات التالية :
1- تحديد الظاهرة محل الدراسة و البحث
2- جمع المعلومات و المصادر التاريخية بشأن الظاهرة المدروسة
3- نقد المصادر التاريخية
4- عملية التركيب و التفسير التاريخي
5- الوصول إلى نتائج
1- تحديد الظاهرة التاريخية ( المشكلة التاريخية)
  إن تحديد الظاهرة التاريخية يتعلق بتحديد المشكلة التي يريد الباحث التصدي لها في بحثه.
و يستعين الباحث في مجال العلوم القانونية بالمنهج التاريخي حيث يقوم بتحديد الظاهرة التاريخية المتعلقة بموضوع بحثه و مثال ذلك : أصل الدولة و نشأتها في مجال القانون الدستوري – التطور التاريخي للعقوبات في النظم القانونية المختلفة ....إلخ
2- جمع المعلومات و المصادر التاريخية :
  تعتبر مرحلة جمع المعلومات و الوثائق و المصادر التاريخية من أهم مراحل المنهج التاريخي، و يكن تقسيم المصادر التاريخية إلى قسمين: مصادر أولية ، و مصادر ثانوية
   * المصادر الأولية : تتمثل في الآثار و الوثائق الرسمية مثل المعاهدات و الاتفاقيات و الخطب ، و المؤتمرات الصحفية ..... و تسمى هذه المصادر كذلك بالمصادر الأصلية أو المباشرة
   * المصادر الثانوية : و تتمثل في كل ما نقل و كتب بالاستناد إلى المصادر الأولية و يمكن القول أن المصادر الثانوية هي الأعمال العلمية و الأدبية التي تكتب تحليلا للمصادر الأولية.
3- نقد المصادر التاريخية:
  تعتبر هذه المرحلة بالنسبة للباحث من أصعب مراحل البحث التاريخي لأنها تتعلق بنقد الوثائق التاريخية التي تشكل الركيزة الأساسية للدراسة التاريخية.
  و تتعلق هذه المرحلة بالبحث عن صحة الوثيقة المعتمد عليها في البحث التاريخي و التأكد من شخصية أصحابها و مدى نسبتها لهم، بمعنى أن الباحث يتطرق إلى مدى صحة أو خطأ أو تزييف المصادر التاريخية.
  و النقد الذي يقوم به الباحث إما أن يكون نقدا خارجيا أو نقدا داخليا.
 * النقد الخارجي : و يتعلق بالتأكد من صحة الوثيقة من خلال مظهرها الخارجي و علاقتهما فعلا بعصر من العصور التي صدرت فيها من خلال الدراسة الزمانية و المكانية انطلاقا من نوع الخط و اللغة المستعملة في الكتابة و شخصية مؤلفها و ربط زمن صدور الوثيقة بحياة شخصية هذا المؤلف.
  * النقد الداخلي : و يسمى بالنقد الباطني ، و يتعلق النقد الداخلي بالتفاصيل الموضوعية التي تتضمنها الوثيقة و هو نوعان :
  - نقد باطني إيجابي ( نقد داخلي إيجابي) و يتعلق بتفسير النص التاريخي و هدف المؤلف منه.
  - نقد باطني سلبي ( نقد داخلي سلبي) و يتعلق بتحليل شخصية المؤلف و ظروفه ، مدى صة ما ورد من حوادث .
من خلال ذلك فإن النقد الداخلي يفرض على الباحث أن يقارن الوثيقة التاريخية المعتمدة في البحث مع وثائق أخرى صادرة عن نفس الشخص لمعرفة مدى تطابق الآراء الواردة فيها أو تناقضها أو تقاربها ، لأن التضارب قد يدلنا على أن الوثيقة منسوبة إلى شخص آخر.
كما يقوم الباحث بدراسة الفترة الزمنية التي كتبت فيها تلك الوثيقة و هل تتوافق مع ما ورد فيها و ذلك من خلال وثائق أخرى.
كما يقوم الباحث بدراسة كل الوثائق التي تتعلق بنفس الظاهرة المدروسة و معرفة مدى انسجامها مع بعضها البعض من حيث مضمونها.
4- عملية التركيب و التفسير التاريخي:
بعد الانتهاء من عملية نقد المصادر التاريخية يقوم الباحث بالانتقال إلى عملية التركيب و التنظيم و كذلك التفسير استنادا إلى التفسير السببي للظاهرة التاريخية.
 و يتتبع الباحث في هذه العملية خطوات معينة هي :
-تكوين محصلة واضحة للباحث حول كل حقيقة من الحقائق التي جمعها و اكتشفها.
- يقوم الباحث بتنظيم الحقائق المتوصل إليها عن طريق تصنيفها إلى حقائق جزئية استنادا إلى التسلسل التاريخي للأحداث.
- ملء الفراغات التي تحدث أثناء تصنيف الحقائق ، و يؤدي ذلك إلى اسقاط حوادث لم ترد في الوثائق أو استنتاج حوادث لم يتم ذكرها في الوثائق و لكنها وقعت.
- استعمال عملية ربط العلاقات بين الحقائق التاريخية ربطا حتميا و سببيا بمعنى الخضوع إلى عملية التسبيب و التعليل التاريخي.
5- الوصول إلى استخلاص النتائج :
  و هذه المرحلة الأخيرة حيث يتوصل المؤرخ أو الباحث إلى مجموعة من النتائج.
هذه هي خطوات المنهج التاريخي الذي يستخدمه المؤرخ في دراسته التاريخية العلمية ، كما يمكن تطبيق المنهج التاريخي في الدراسات القانونية و السياسية ،و هذا ما سنحاول التطرق له فيما يلي
  المنهج التاريخي في العلوم القانونية
تستعين العلوم القانونية بمختلف فروعها بالمنهج التاريخي ،فإذا درسنا أصل القانون أو تطور حركة التشريع ، فلا بد أن نرجع إلى الحضارات القديمة ، و كمثال على ذلك الحضارة البابلية ، فقد عرفت هذه الأخيرة ما يسمى بــ"قانون حمورابي"،و في الحضارة الرومانية هناك"الألواح الأثني عشر لجوستنيان" و بذلك فعند دراستنا للنظم القانونية السابقة لا بد علينا استخدام المنهج التاريخي .
  و عند دراستنا للعقوبة و تطورها التاريخي عبر النظم القانونية المختلفة لابد علينا التقيد بظوابط المنهج التاريخي في هذه الدراسة العلمية.
خــامــسـا : المنهج المقارن
تحل المقارنة في مجال العلوم القانونية خصوصا في العلوم الاجتماعية و الإنسانية عموما محل التجربة ،فإذا كانت العلوم الطبيعية تستخدم التجربة و تعتمد عليها في أبحاثها فإن المقارنة هي البديل في مجال العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، و يصنف العالم الاجتماعي "إميلدور كايم" المنهج المقارن بأنه " نوع من التجريب غير المباشر"
إن المنهج المقارن يدفعنا إلى توضيح معنى المقارنة ، فهذه الأخيرة تعني تلك العملية التي يتم من خلالها إبراز أوجه الشبه و أوجه الإختلاف بين شيئين متماثلين أو أكثر ، و هذا يعني أنه لا يمكنأن تجرى المقارنة بين شيئين متناقضين.
  و بذلك فإن المنهج المقارن هو تجريب غير مباشر و يقصد إميل دور كايم هنا بالمقارنة و التي هي المعوض الأساسي و الرئيسي للتجريب المباشر ،و هذا ما يعتبر من خصائص العلوم الإنسانية و الإجتماعية.
و يعرف جون ستيوارت مل المنهج المقارن بقوله "إن المنهج المقارن الحقيقي يعني مقارنة نظامين سياسيين متماثلين في كل الظروف و لكنهما يختلفان في عنصر واحد ، حتى يمكن تتبع نتائج هذا الاختلاف .
و عموما ، فإن المنهج المقارن هو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة الظواهر حيث يبرز أوجه الشبه و أوجه الإختلاف فيما بين ظاهرتين أو أكثر ، و يعتمد الباحث من خلال ذلك على مجموعة من الخطوات من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المتعلقة بالظواهر المدروسة.
تطبيق المنهج المقارن في الدراسات القانونية :
  تجرى على مستوى العلوم القانونية الكثير من الأبحاث التي تستعمل المنهج المقارن ، من خلال مقارنة مؤسسات قانونية (مؤسسة الرقابة على دستورية القوانين – مؤسسة وظيفة السلطة التنفيذية...) المؤسسات قانونية في نظم قانونية أخرى . و كثيرا ما تؤدي هذه الدراسات المقارنة إلى تعديل و تغيير المنظومة القانونية بما يتوافق مع التطورات الجديدة
خطوات المنهج المقارن( بحيث أن تكتب قبل تطبيق المنهج المقارن في الدراسات               )
  يتبع الباحث في مجال الدراسات المقارنة في مجال العلوم القانونية الخطوات التالية :
- تحديد الظواهر المتجانسة(المتماثلة) و ليس الظواهر المتناقضة.
- القيام بجمع المعلومات بواسطة استخدام بعض أدوات البحث العلمي.
- القيام بعملية التحليل و التصنيف للمعلومات و مقارنتها.
ســادسـا: المنهج الوصفي
  يعتمد هذا المنهج على التركيز الدقيق على الوصف، حيث يصف ظاهرة معينة استنادا إلى وضع حالي، و من خلال ذلك يطرح الباحث مجموعة من الأسئلة:
               - ما هو الوضع الحالي لهذه الظاهرة؟
               - ما هي العلاقات بين الظاهرة المحددة و الظواهر الأخرى؟
               - ما هي النتائج المتوقعة لدراسة هذه الظاهرة؟
و قد تكون الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال القيام بعملية جمع الحقائق و البيانات الكمية أو الكيفية عن الظاهرة المدروسة مع محاولة تفسير هذه الحقائق تفسيرا كافيا
  و يهدف المنهج الوصفي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف نذكر منها :
- القيام بجمع المعلومات ذات العلاقة بموضوع الظاهرة المدروسة بطريقة مفصلة
- القيام بتوضيح الظواهر الأخرى و علاقاتها بالظاهرة المدروسة.
- مقارنة الظاهرة محل الدراسة بالظواهر الأخرى المحيطة بها.
  إذن يمكن القول أن المنهج الوصفي هو ذلك الطريقة العلمية التي يعتمدها الباحث في دراسته لظاهرة معينة وفق خطوات معينة،و يقوم خلالها بتحليل المعطيات و البيانات التي بحوزته المتعلقة بالظاهرة المدروسة و ذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المتعلقة بالظاهرة.
  إذن من خلال ذلك نلاحظ أن هناك خطوات للمنهج الوصفي هي :
- تحديد الظاهرة محل الدراسة و البحث.
- القيام بجمع المعلومات المتعلقة بالظاهرة المراد دراستها.
- و ضع الفرضيات
- اختيار عينة الدراسة
- القيام باختيار أدوات البحث التي سيستعملها الباحث في دراسته
- الوصول إلى نتائج
- القيام بتحليل النتائج و تفسيرها و الوصول إلى تعميمات.
أنواع المنهج الوصفي :
  تتقسم المناهج الوصفية إلى أنواع هي :
- منهج الدراسات المسحية
- منهج دراسة الحالة
- منهج دراسات النمو و التطور
أنواع الدراسات الوصفية:
  يتدرج تحت المناهج الوصفية مجموعة من المناهج الفرعية مثل:
- منهج الدراسة المسحية
- منهج دراسة الحالة
1- منهج الدراسة المسحية :
يعتبر منهج المسح من أكثر المناهج استعمالا في البحوث الوصفية، و استنادا إلى هذا المنهج فإن الباحث يقوم بعملية دراسة شاملة لموضوع دراسته و جمع البيانات و المعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة، و تحليل الوضع الراهن لها في بيئة محددة و وقت محدد.
من خلال ذلك يمكن القول أن المنهج المسحي يهدف إلى:
1- وصف الظاهرة المدروسة و تشخيصها و تحليلها و جمع بيانات حولها و تقرير حالتها كما هي في الوقت الراهن، و في هذا المجال فإن الدراسة المسحية تتعلق بالوقت الذي يجرى فيه البحث و لا تتعلق بالظاهرة و لا بمستقبلها.
2- يقوم الباحث بتقديم المعايير المحددة التي يجب أن تكون الظاهرة وفقها.
3- من خلال دراسة الواقع يقوم الباحث بإسقاط ما هو موجود فعلا في المجتمع مع ما ينبغي أن يكون عليه الحال وفق معايير محددة، و في هذا الإطار فإنه يقوم بمقارنة بين الواقع و بين المعايير المحددة.
4- يقوم الباحث بتقديم اقتراحات و أساليب من أجل الوصول إلى ما ينبغي أن تكون عليه الظاهرة استنادا إلى المعايير المحددة.
5- يصل الباحث في الأخير إلى استخلاص النتائج التي يمكن تطبيقها على مجتمع الدراسة كله
  إن الدراسات المسحية تعتمد كثيرا على أدوات البحث العلمي التي، و لا يمكنها أن تغفل ذلك، بل أن هذه الأدوات هي محور هذه الدراسة و مثال ذلك المقابلات التي يجريها الباحث مع العينة التي يخارها من مجتمع الدراسات و كذلك قيامه بعملية الاستبيان.....الخ
  و الحقيقة أن للدراسات المسحية أنواع كثيرة منها: المسح المدرسي – الدراسة المسحية للرأي العام – المسح الاجتماعي .
* المسح المدرسي:
و يتعلق هذا المسح بدراسة قطاع مهنة التعليم، حيث يقوم الباحث بتسليط الضوء على العملية التربوية و مدى فعاليتها. و مثال ذلك أن يقوم الباحث بدراسة مسحية للجهاز القائم بالتدريس ( المدرسون) و ذلك من خلال مجموعة من العناصر يمكن أن تتمثل في نسبة المدرسين إلى التلاميذ في المدرسة، الصفات الشخصية التي ينبغي أن تتوافر في المدرس و علاقتهما بفاعلية التدريس، الحجم الساعي لساعات التدريس، مستوى أجور المدرسين، أعمار المدرسين و علاقتها بفاعلية التدريس...الخ
  و قد يقوم الباحث بإجراء دراسة مسحية تتعلق بالطلبة أو التلاميذ من خلال مجموعة من العناصر يمكن أن تتمثل في رغبة الطلبة أو التلاميذ في دراسة مادة معينة و مدى استعدادهم لتلقي المعلومات فيها، المستوى الاجتماعي للطلبة أو التلاميذ و مدى تأثير ذلك على عملية التعلم، المستوى الاقتصادي للطلبة أو التلاميذ و مدى تأثير ذلك على عملية التعلم...الخ.
و قد يقوم الباحث بدراسة المناهج الدراسية المطبقة و مدى تأثيرها وفعاليتها في مجال التعليم، وذلك من خلال أهداف هذه المناهج و محتواها، و طرق و أساليب تدريسها، و في هذا الإطار تكون الدراسة المسحية المدرسية دراسة تربوية.
* الدراسات المسحية للرأي العام:
  يعتبر هذا النوع من الدراسة أحد أنواع الدراسات المسحية، و هي تتعلق بالرأي العام، و الرأي العام هو مجموع الآراء و الأحكام السائدة في المجتمع،و التي تكتسب بصفة الاستقرار، و التي قد تختلف في وضوحها و دلالتها، و لكنها تكون صادرة عن اتفاق متبادل بين غالبيتهم، رغم اختلافهم في مدى إدراكهم لمفهومها، و مبلغ تحقيقها لينفعهم العام،و مصلحتهم المشتركة.   
  من خلال ذلك فإن الرأي العام هو اتجاه جماعي يعبر عن رأي الغالبية العظمى بين أفراد مجتمع معين نحو أمر من أمور التي تتعلق بهم و تؤثر فيهم.
  و إذا كان الأمر كذلك، فإن عملية مسح الرأي العام تعتبر طريقة للتعرف على آراء الناس بشأن مسألة معينة في وقت معين، و يتعلق الأمر هنا بمسألة مفتوحة للجدل و النقاش().
  و هذه الدراسة المسحية للرأي العام تستخدم بالضرورة أدوات البحث العلمي و خاصة المقابلات و الاستفتاءات، كما أنها تختار عينة  كبيرة العدد عل أن تمثل وجهات نظر قطاعات مختلفة و متنوعة معتمدة في ذلك على تنوع السن و الديانة، و الدرجة العلمية و الحالة العائلية و المستوى الاجتماعي و الاقتصاد و غيرها من المعايير المختلفة و ذلك من أجل أن تكون عملية قياس الرأي العام عملية موضوعية و تقترب من الواقع.
  و مثال ذلك: نطرح سؤالك ما رأيك في إلغاء عقوبة الإعدام من التشريع الجزائري، نحاول من خلال هذا السؤال أن نعرف توجه الرأي العام الجزائري من خلال عملية سبر الآراء.
* المسح الاجتماعي:
و هو نوع من الدراسات المسحية يرتكز على الدراسة العلمية لظروف المجتمع و حاجاته يقصد الحصول على بيانات و معلومات تتعلق بالظاهرة المدروسة و القيام بتحليلها و تفسيرها للوصول إلى تعميمات بشأنها.
  من خلال ذلك نلاحظ أن الدراسة المسحية الاجتماعية تستهدف دراسة ظاهرة أو مشكلة اجتماعية معينة في منطقة معينة من أجل الوصول إلى حلول بشأن الظاهرة المدروسة.
و مثال ذلك دراسة ظاهرة الفقر في المجتمع معين، أو ظاهرة استهلاك المخدرات و ترويجها...الخ.
  إذن من خلال ذلك فالمسح الاجتماعي قد يعالج مشكلة مرضية في المجتمع، و يحاول الباحث أن يعالجها معالجة إصلاح بمعنى محاولة النهوض بالأوضاع القائمة، و وضع خطة أو برنامج للإصلاح.
  و قد يكون هذا المنهج شاملا لجميع أفراد المجتمع و تكون هذه الحالة أمام المسح الاجتماعي الشامل، و قد يكون لعدد محدود و نكون في هذه الحالة أمام المسح بطريقة العينة()  
من خلال ذلك، فإن المسح الاجتماعي يحقق فوائد كبيرة في مجال عمليات التخطيط الذي ترتكز عليه السياسة العامة للدولة التي تستهدف تطوير الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و تنميتها في فترة زمنية معينة بالإضافة إلى ذلك فإن المسح الاجتماعي يستفاد به في دراسة الخصائص السكانية و الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية لجماعة من الجماعات للتعرف على القدرة الشرائية لأفراد المجتمع و مدى تأثيرها و تأثرها بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي...الخ()  
2- منهج دراسة الحالة :
  يعتبر منهج دراسة الحالة أحد المناهج الوصفية التي تعنى بدراسة وحدة من وحدات المجتمع دراسة تفصيلية من مختلف جوانبها، و ذلك من أجل الوصول إلى تعميمات تنطبق على غيرها من الوحدات() و من خلال ذلك فإن هذا المنهج يتميز بالتعمق في دراسة وحدة معينة سواء كانت هذه الوحدة فردا أو قبيلة أو قرية أو مؤسسة اجتماعية أو مجتمعا محليا أو مجتمعا عاما، يهدف إلى جمع البيانات و المعطيات و المعلومات المفصلة عن الوضع القائم المتعلق بالوحدة المدروسة و تاريخها و علاقاتها بالبيئة و تحليل نتائجها بهدف الوصول إلى تعميمات يمكن تطبيقها على غيرها من الوحدات المتشابهة في المجتمع الذي تنتمي إليه هذه الوحدة أو الحالة، غير أنه يشترط أن تكون الحالة ممثلة للمجتمع الذي يراد الحكم عليه()
من خلال التعريف الذي تطرقنا له يمكن أن نستنتج:
مميزات منهج دراسة الحالة:
1- يهدف هذا المنهج إلى الحصول على معلومات شاملة و مفصلة عن الحالة المدروسة.
2- القيام بدراسة متعمقة للحالة المدروسة.
3- القيام بدراسة الحالة المدروسة من حيث متابعة تطورها تاريخيا و حاليا، و هذا ما يميز منهج دراسة الحالة عن منهج الدراسات المسحية.
خطوات منهج دراسة الحالة:
  يمكن أجمال خطوات منهج دراسة الحالة فيما يلي :
1- القيام بتحديد المشكلة و اختيار الحالة موضوع الدراسة.
2- القيام بجمع البيانات و المعلومات الضرورية لفهم الحالة المدروسة، و ذلك عن طريق الاستعانة بأدوات البحث العلمي كالاستبيان و المقابلة.
3- تحديد الفرضيات
4- القيام بمسايرة الحالة من أجل الوصول إلى مختلف التطورات المتعلقة بها.
5- الوصول إلى استخلاص النتائج المتعلقة بالحالة المدروسة و وضع التعميمات على بقية الحالات الأخرى.
استخدام منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية:
  يستخدم منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية، و يظهر ذلك بصفة خاصة في مجال العلوم الجنائية فمثلا من أجل معرفة الدوافع الإجرامية، فإنه يتوجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل تفسير السلوك الإجرامي خاصة مع التطور المذهل للظاهرة الإجرامية و ظهور أنماط لم تكن معروفة في السابق.
  و هذا يتطلب دراسات قانونية متخصصة و معمقة و كل ذلك من أجل الوصول إلى وضع تشريعات و قواعد تواجه هذه الظواهر الجديدة، و هذا بطبيعة الحالة بالاشتراك مع الباحثين من مختلف التخصصات
ســابعا : المنهج الإحصائي
  قد يتساءل البعض عن علاقة الإحصاء بمجال العلوم القانونية خصوصا و العلوم الاجتماعية عموما، إلا أن الجواب هو أهمية استخدام الإحصاء في هذه المجالات، فقد بدأ يتسع مجال استخدامه بل أصبح المنهج الإحصائي أحد المناهج المهمة في مجال العلوم الاجتماعية.
  إن استخدام المنهج الإحصائي في مجال العلوم الاجتماعية أضفى الصبغة العلمية على الدراسات و الأبحاث الاجتماعية و أكسبها الدقة و المصداقية و الموضوعية و الحقيقة أن العلاقة بين العلوم الاجتماعية و بين العلوم الرياضية عموما و الإحصاء خصوصا يرجع إلى العهد الإغريقي، حيث كان الفيثاغوريين يستخدمون الإحصاء في بحوثهم، وقد استخدمه عالم الاجتماع " إميل دوركايم" في دراساته على ظاهرة الانتحار، كما استخدمه "روسو" في أبحاثه الاجتماعية.
تعريف المنهج الإحصائي:
  يتكون المنهج الإحصائي من كلمتين: المنهج و الإحصاء أما المنهج فقد تطرقنا له في الأول، و أما الإحصاء فله تعريف لغوي و تعريف اصطلاحي.
أما التعريف اللغوي، فإن كلمة إحصاء مشتقة من كلمة "أحصى"، فنقول أحصى الشيء أي عده و ضبطه()
  أما التعريف الاصطلاحي، فهو علم يتركز على تجميع الظواهر و الوقائع و الأشياء و تنسيقها على نحو يؤدي إلى علاقات عددية ثابتة تمكن الباحث من التكهن بالمستقبل()
  إذن، من خلال ذلك، فإن علم الإحصاء هو علم و فرع من فروع الرياضيات، وهو يعتمد على الجداول و البيانات و عرضها و تحليلها رياضيا، و إذا كان هذا هو علم الإحصاء، فإن المنهج الاحصائي هو تلك الطريقة العلمية التي تعتمد على الكم، و التي يتبعها الباحث معتمدا في ذلك على خطوات معينة تقوم على جمع المعلومات و البيانات تتعلق بظاهرة معينة و تحليل رياضي من أجل الوصول إلى نتائج دقيقة و علمية بشأن الظاهرة المدروسة.
  من خلال ذلك فإن المنهج الإحصائي يتميز بأنه
- يعتمد على الكم في تفسير الظواهر الإجتماعية.
- يعتمد على لغة الأرقام
- يعتمد على الإستقراء في تحليل الظاهرة الاجتماعية حيث ينطلق من الجزء نحو الكل، و يظهر ذلك على طريقة سبر الآراء
خطوات المنهج الإحصائي:
  تتمثل خطوات المنهج الإحصائي فيما يلي:
1- تحليل الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة
2- القيام بجمع البيانات و المعلومات المتعلقة بالظاهرة
3- ترجمة هذه البيانات و المعلومات في شكل جدول أو منحنيات بيانية.
4- تصنيف البيانات
5- القيام بتحليل هذه البيانات و المعلومات انطلاقا من الجداول أو المنحنيات البيانية
6- الوصول إلى نتائج قابلة للتعميم.
1)- تحديد الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة:
و هذه هي الخطوة الأولى التي يبدأ بها الباحث دراسته و تعتبر الخطوة الأولى في جميع مناهج البحث العلمي.
2)- القيام بجمع البيانات و المعلومات المتعلقة بالظاهرة:
  بعد أن يقوم الباحث بتحديد الظاهرة الاجتماعية، يشرع في جمع البيانات المتعلقة بموضوع البحث و الدراسة و يعتمد في ذلك على بعض أدوات البحث العلمي كالمقابلات و سبر الآراء و الاستبيان.
3)- ترجمة هذه البيانات و المعلومات في شكل جداول أو منحنيات بيانية:
حيث يقوم الباحث في هذه الحالة بوضع رسوم بيانية انطلاقا من المعلومات و البيانات التي بحوزته و قد تكون هذه الرسوم في شكل جداول أو منحنيات أو مدرجات تكرارية أو دوائر نسبية....الخ
4)- تصنيف البيانات:
حيث يقوم الباحث بتنظيمها و تبويبها
5)- الوصول إلى نتائج قابلة للتعميم:
  و هذه هي الخطوة الأخيرة التي تشكل هدفا منشودا للباحث، و هدف الباحث من استعماله للمنهج الإحصائي هو الوصول إلى نتائج دقيقة حول الظاهرة المدروسة.
استخدام المنهج الإحصائي في مجال العلوم القانونية:
  يمكن أن تستخدم كل فروع العلوم القانونية المنهج الإحصائي في البحوث القانونية، و هذا انطلاقا من أن هذه العلوم جزء لا يتجزأ من العلوم الاجتماعية التي أصبحت تعتبر المنهج الإحصائي وسيلة لإضفاء الدقة على البحوث و الدراسات ففي مجال القانون الدستوري و بالضبط في مجال عمليات الانتخابات، فإن عملية الإحصاء تعتبر هي الوسيلة الأولى التي لا يمكن التخلي عليها في إضفاء طابع الدقة على عملية الانتخابات و ذلك بوضع  جداول و أعمدة بيانية و دوائر نسبية من أجل معرفة عدد المشاركين و عدد الأصوات المقبولة و عدد الأصوات الملغاة و من أجل معرفة المترشح الفائز في العملية الانتخابية
مثال:




محاضرات في فلسفة القانون



لا يمكن التطرق لدراسة فلسفة القانون دون إعطاء لمحة حول العلوم القانونية  المختلفة ، لذلك نحاول أن نبرز مفهوم العلوم القانونية و العلاقة بينهما و بين كل فروع العلوم الأخرى التي لها علاقة بها .
1/* تعريف القانون :
أصل هذه الكلمة هو يوناني  و هي تعني العصا المستقيمة ، غير أن استخدامها في اللغة اليونانية  كان بطريقة مجازية للتعبير عن معنى " القاعدة أو المبدأ " ، فهم لا يقصدون بها الدلالة العصا لأداة الضرب أو التأديب ، بل يقصدون بها الدلالة على الاستقامة في القواعد و المبادئ القانونية
و انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات ففي اللغة الفرنسية نقول : ، اللغة الايطالية نقول :    
    فالقانون لغة : معناه الخط المستقيم الذي يعتبر مقياسا للانحراف
2/* الاستعمالات المختلفة لكلمة " القانون " :
ميزت اللغة الفرنسية بين عدة مفردات : هناك : ، هناك : ، هناك :
فيفها يتعلق بكلمة قانون فهي تستعمل للتعبير عن مجموعة  القواعد التي تنظم سلوك الأفراد و علاقتهم فيما بينهم   في المجتمع على وجه ملزم ، و هذا يدخل في المعنى العام مثل : علم القانون ، كلية القانون
و هناك استعمال كلمة قانون بمعنى التقنيين و يقصد بالتقنيين مجموعة النصوص  القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون مثل : التقنيين المدني ، تقنيين العقوبات .......
و تسمى باللغة الفرنسية فنقول : و و هناك  استعمال كلمة قانون بمعنى تشريع فالتشريع هو مجموعة القواعد القانونية تضعها اللغة التشريعية في صورة مكتوبة ، دون غيرها من القواعد التي تنشأ  في مصادر أخرى .
و من كل ذلك : قانون تنظيم الجامعات ، قانون الخدمة الوطنية
العلاقة بين القانون و الحق :
ينظم القانون بتواعد سلوك الأشخاص  و علاقتهم  بينهم في المجتمع ، و هو عندما يقوم بذلك ،فإنما يحدد في الوقت نفسه المصالح المشروعة  لكل شخص و يعرف له في صدور معينة سلطة القيام ببعض الإعمال تحقيقا لهذه المصالح مما يجعله في مركز قانوني ممتاز بالنسبة إلى آفة الأشخاص الآخرين ، بحيث يلزمون باحترام هذا المركز و بعدم التعرض لصاحبه فيما يمارسه من سلطات أو مزايا يزوده بها القانون تحقيقا لمصلحة مشروعة .                       هذه السلطات التي يعترف بها القانون تحقيقا للمصالح المشروعة تسمى حقوقا و هي تقابل الالتزامات التي يفرضها القانون ، فالصلة وثيقة بين القانون و الحق لان كل الحقوق تتولد عن   
القانون الذي يرسم إطارها بين حدود ، مثال :
القاعدة القانونية التي تمنع الأفراد بالغير تقرر واجبا يلتزم به الكافة و يقابل هذا الواجب حقا لمن يصاب بضرر في الحصول على تعويض ممن يتسبب بخطاه في الإضرار به .
القاعدة القانونية التي تلزم  المدين بالوفاء بالدين ، حيث تقرر واجبا على هذا المدين ، و يقابله حق الدائن يسمى حق الدائنية ، يحول هذا الأخير سلطة الاتحاد و القضاء من اجل إلزام المدين بالوفاء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علاقة العلوم القانونية بالعلوم الأخرى :
قبل أن ينظر إلى واسط يجب أن تعرف أقسام  العلوم  القانونية و هي :
القانون العام و القانون الخاص .
1/* القانون العام :  
يقسم القانون العام إلى : قانون عام خارجي و قانون عام داخلي
القانون العام الخارجي :  هو القانون الدولي العام و هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها فيما بين الدولة أو احد فروعها باعتبارها أشخاصا معنوية عامة ذات سيادة و بين دول أخرى أو احد فروعها في الخارج له نفس الصفة أو فيما بين الدولة و مجموعة من الدول الأخرى أو إحدى المنظمات الدولية سواء في زمن السلم أو الحرب أو الحياد
القانون العام الداخلي : و له عدة فروع و هي :
القانون الدستوري – القانون الجزائي – القانون الإداري – القانون المالي – قانون الإجراءات الجزائية
1/* القانون الدستوري : و هو دستور الدولة أو القانون الأساسي للدولة و يتضمن دستور الدولة مجموعة من القواعد التي تبين :
أ / نظام الحكم في الدولة ( هل هو نظام ملكي – نظام دستوري – نظام رئاسي – برلماني ...)
ب / السلطات العامة في الدولة ، السلطة التشريعية ، القضائية ، التنفيذية ، و وظائف كل منهم و العلاقات فيما بينهم
ج / حقوق الأفراد العامة مثل حقهم في المساواة امام القانون و حق الانتخاب و حرية الرأي و العقيدة و الاجتماع و الصحافة ...الخ
د / الواجبات العامة التي تقع على عاتق الأفراد كواجبهم في الدفاع عن الوطن و واجبي أداء الضرائب
2/* القانون الإداري : و هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم هيئات و سير الادارة و القواعد القانونية القابلة للتطبيق عليها و علاقاتها  بالافراد .
بمعنى آخر القواعد التي تنظم قيام السلطة التنفيذية بأداء وضايفها الإدارية المختلفة و تبين كيفية إدارتها للمرافق العامة و استغلالها للأموال العامة ، و تلك التي تحدد علاقة الحكومة بموضفيها و تتناول نشاط الإدارة و ما يصدر عنها من قرارات إدارية و ما يترتب من عقود إدارية . و يحدد القانون الإداري أسس الرقابة القضائية على إعمال الإدارة و يحدد طريقة ممارسة هذه الرقابة بواسطة المحاكم القضائية العادية او بواسطة قضاء إداري مستقل .
القانون الجنائي :
وهو مجموعة القواعد القانونية التي تبين القواعد الموضوعية و الإجرائية في مجالي التجريم و العقاب و بذلك فهو ينقسم إلى قسمين :
1/ قانون العقوبات : و هو القواعد القانونية التي تبين الجرائم المختلفة و العقوبات المقررة لها ..
2/ قانون الإجراءات الجزائية : وهو مجموعة القواعد التي تبين الإجراءات التي تتبع في ضبط الجرائم  و التحقيق فيها و إصدار الأحكام على المتهمين بارتكابها كما يبين وساءل الطعن في هذه الأحكام و طرق تنفيذ العقوبات على المتهمين و كيفية اتخاذ تدابير الام بالنسبة لطوائف خاصة منهم
القانون المالي :
و هو مجموعة القواعد التي تنظم مالية الدولة من حيث تحديد وجوه المصروفات المختلفة و بيان مصادر الإجراءات ( من رسوم و ضرائب و غيرها ..... ) و كيفية تحصيلها و اعداد الميزانية و تنفيذها و اسس الرقابة على هذا التنفيذ .
فروع القانون الخاص :
القانون الخاص هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات فيما بين الافراد او بين الافراد و الدولة باعتبارها شخصا عاديا و ليس باعتبارها سلطة عامة
و للقانون الخاص مجموعة من الفروع هي :
القانون المدني : و يسمى بالشريعة العامة و تنظم احكامه العلاقات الخاصة بين الافراد  ما لم يحكمها فرع آخر من فروع القانون الخاص . و معنى ذلك ان القانون المدني يكون واجب التطبيق على العلاقات التجارية الخاصة بين الافراد ما لم يوجد نص في اقانون التجاري . و هكذا مع بقية فروع القانون الخاص
و في جميع دول العالم يحتوي القانون المدني على النصوص التي تحكم العلاقات الشخصية و العلاقات المالية
فالعلاقات الشخصية و يطبق عليها كذلك الاحوال الشخصية تتعلق بالقواعد التي تحكم الاهلية و عوارضها ، و كذلك العلاقات العائلية مثل : الزواج و الطلاق كما تتضمن الاحكام المتعلقة بالمراث و الوصية و غيرها .
اما العلاقات المالية بين الافراد فهي تحتوي على الحقوق الشخصية و الحقوق العينية
فالحقوق الشخصية هي تلك الحقوق تترتب لشخص معين يسمى الدائن على شخص آخر يسمى المدين . و يسمى حق الدائن بحق الدائنية و حق المدين بحق المديونية او الالتزام .
غير ان ما يجدر ملاحظته او أن مضمون القانون المدني في الدول الاوروبية و الغربية يتضمن القواعد التي تحكم العلاقات الشخصية و كذا القواعد التي تحكم العلاقات المالية معا ، في حين ان الدول العربية يتضمن قانونها المدني القواعد المتعلقة بالعلاقات المالية فقط ، بينما هناك قانون آخر يتعلق بتنظيم العلاقات الشخصية او ما يسمى بالاحوال الشخصية .
القانون التجاري : و هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات التي تنشا عن المعاملات التجارية ، بحيث يحتوي على القواعد المتعلقة بتعريف التاجر و تحديد الاعمال التجارية ، و العقود التجارية و الشركات التجارية و الاوراق التجارية .و يعالج كذلك افلاس التجار و اجراءات التسوية القضائية .
و استقل القانون التجاري عن القانون المدني نظرا لتشعب الاعمال التجارية و اتساع مجالها و عامل السرعة الواجبة في الاجراءات التجارية
 و مثال ذلك : في مجال قواعد الاثبات
في المعاملات المدنية يجوز الاثبات عموما بشهادة الشهود في حدود 10000.00 دينار جزائري ،و مازاد على ذلك يجب ان يكون ثابتا بالكتابة و لا تقبل فيه بينة آخري 
بينما في المعاملات التجارية يكون الاثبات جائزا بكل الطرق ايا كانت قيمة العقد التجاري سواء ان كان ذلك بسندات رسمية ، سندات عرفية ، فتورة مقبولة ، دفاتر الطرفين ...
القانون البحري :
يقصد به تلك الاحكام التي تنظم العلاقات الخاصة بالملاحة في البحار و قد كانت هذه القواعد منظمة في مجال القانون التجاري الا انها انفصلت و شكلت قانونا فاصلا ينظم النقل بالتجارة البحرية و تنظيم الملاحة البحرية و السفن و عقود عمل البحارة و سلطة قائد السفينة على افراد طاقها ..............و غيرها من الاحكام
القانون الجوي :
و هذا القانون هو حديث ، و ذلك لان استخدام الطائرة  كوسيلة للنقل الاشخاص و البضائع لم يتحقق الا في بداية القرن العشرين .
و القانون  الجوي هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات المتولدة عن استخدام البيئة الجوية .
اذا كان القانون البحري يهتم بالسفينة ، فان القانون الجوي يهتم بالطائرة و القواعد القانونية التي تحكمها مثل    صلاحيتها و تسجليها و اثبات جنسيتها و سلطة قائدتها و مسؤوليته عن نقل الاشخاص و البضائع و عقود عمل الملاحين الجويين (طاقم الطائرة ) و التصرفات القانونية التي تقع على الطائرة لا بيع و الرهن و التأجير .......
و تعتبر المعاهدات الدولية المصدر الاساسي للقانون الجوي في كل الدول :
قانون العمل :
و يتعلق هذا القانون بتنظيم العلاقات بين العمال و اصحاب الاعمال و ذلك في نطاق العمل المأور  أي العمل التابع حيث يرتبط بصاحب العمل برباطة ببعية بطلق عليها التبعية القانونية يكون العامل بواجبها خاضعا لرقابة و توجيه رب العمل و ينتج عن ظهور هذا القانون انتشار الاتجاهات الاجتماعية في اعقاب القرن التاسع نتيجة التقدم الصناعي و ظهور صراع بين الطبقة البرجوازية و الطبقة العاملة ، و ظهرت النقابات التي وقفت في وجه السيطرة البرجوازية مطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية و تأثرت هذه النقابات بالأفكار الماركسية ، كل ذالك دفع الدول الصناعية الى التدخل من أجل حماية العمال من تعسف ارياب العمل ، و ذلك يوضح قواعد قانونية تكفل الحفاظ على حقوق العمال و تحقيق الكثير من المزايا مثل تأمينهم من اصابات العمل و تحديده مدة العمل القصوى و النظر على الراحة الأسبوعية و الإجازات المدفوعة ، الاجر و تقرير حد ادني للجر... و غيرها . كل هذا يحقق للعامل قدرا من الاستقرار  تقيه من تعسف صاحب العمل . لأن هذه القواعد تعتبر قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها حتى لو كان ذلك بالإتفاق .
قانون الاجراءات المدنية :
ينظم  قانون الإجراءات  المدنية القواعد المتعلقة بالسطلة القضائية ، حيث يبين المحاكم المختلفة و تشكيلها و إختصاصها و يدخل كل هذا فيها يسمى بالتنظيم القضائي .
كما ينظم قانون الإجراءات المدنية القواعد المختلفة بالإجراءات الواجب اتباعها في رفع و مباشرة الدعى المدنية و التجارية و تنفيذ ما يصرد فيها من أحكام ،و يدخل هذا في مجال حماية حقوق الإنسان .
القانون الدولي الخاص :
ينظم هذا الفرع في قانون العلاقات بين الأشخاص حين تشمل عنصر اجنبي ، وذلك لبيان المحكمة المختصة بالفصل فيها و القانون الواجب التطبيق بالنسبة لها .
اذن القانون الدولي الخاص يتحلى بالمنازعات التي يكون أحد أطرافها اجنبي أو كلا الطرفيين أجنبيين ، و مثال على ذلك :
ان تم زواج بين جزائري و تونسية في الجزائر ، أو أن يشتري تاجر جزائري من تاج إيطالي بضائع معينة ، أو أن يبيع جزائري لآخر عقار مملوكا له في فرنسا أو أن يصاب  مواطن مغربي في حادث سيارة بالجزائر .....الخ
في كل هذه الحالات ، يتنوع النزاع حول القانون الواجب التطبيق على المسألة القانونية ، هي يطبق القاضي الوطني قانونه اأم يطبق القانون الأجنبي الذي يتبعه أحد أطراف النزاع .
بعدما تعرضنا الى مفهوم القانون و بيان انواعه ، نتطرق إلى خصائص القانون و فق ما يلي :
*/ القانون مجموعة قواعد سلوك
 */ القانون مجموعة قواعد مجردة و عامة
*/ القانون مجموعة قواعد إجتماعية
*/ القانون مجموعة قواعد ملزمة
1- القانون مجموعة قواعد سلوك :
و نقصد بذلك أن قواعد القانون قواعد تقويمية ،لما ينبغي أن يكون  عليه سلوك الإفراد في المجتمع ، بمعنى أن القانون لا يصنع قواعد تقريرية  لما هي عليه فعلا هذه السلوك باعتبار أن
قواعد السلوك تصنع نظاما  للمجتمع .
2- القانون مجموعة قواعد مجردة و عامة :
و نقصد بذلك أن القانون يتضمن تكليفا عاما مجردا ، أي أن القاعدة القانونية لا توجه إلى شخص معين بذاته ، كما لا تتناول واقعة مجددة ، إنما هي موجهة بصيغة عامة  و مجردة سواء من حيث الأشخاص فتكتفي القاعدة القانونية ببيان الشروط الواجب توفرها في من توجه اليه هذه القواعد ، او من حيث الواقع فيقتصر الأمر على بيان الشروط اللازمة في كل واقعة يعنيها القانون بقواعده
ويمكن أن توجه القاعدة القانونية الى فئة معينة مثل فئة القضاة او الاطباء او طلبة الجامعة ..الخ ، غير أن هذه الفئة تكون معينة بأوصافها لا بذواتها ، و بذلك فإن معنى العمومية و التجريب للقاعدة القانونية لا يعني أن توجه الى جميع الاشخاص في المجتمع ، بل يمكن ان توجه الى فئة معينة بأوصافها
ويمكن أن تتعلق القاعدة القانونية بشخص واحد ، غير أن  هذا الشخص يكون معين بصفته لا بذاته ، و مثال على ذلك :
القاعدة او القواعد التي تتعلق برئيس الجمهورية و تحدد سلطاته و اختصاصاته أو تلك التي تتعلق بالوزير الاول  فتحدد صلاحياته ...الخ كل هذه القواعد  لا تحدد هذا الشخص بذاته بل بصفته
3- القانون مجموعة قواعد اجتماعية :
نقصد بالمجتمع ، ذلك المجتمع السياسي المنظم الذي يخضع أفراده لسيادة  سلطة عامة تلك عليه حق الجبر و القهر هذا المجتمع السياسي المنظم هو دولة ، غير أنه قد يوجد الاقنون في مجتمع لا تتوفر فيه عناصر الدولة مادامت هناك سلطة في هذا المجتمع تلك فيه حق السيادة  و الاجبار فقد لأنه المجتمع القبلي يخضع لقوانين بالرغم من أنه لم يرق الى مرتبته الاولى .
لذلك  فالقانون يوجد في النجتمع ، وينظم سلوكات الأفراد و علاقتهم  في المجالات  المختلفة بوضع قواعد ملزمة تبين حدود حرياتهم و تحقق العدل فيما بينهم مراعية التوفيق بين مصالحم المتقارضة
4- القانون مجموعة قواعد ملزمة :
من خصائص القاعدة القانونية انها مصحوبة بجزاء يوقع على مخالفيها ، حيث أن مخالفة القواعد القانونية أمر متصور في المجتمع و هذا ما يستوجب وجود سلطة عامة في المجتمع تسيد لها مهمة كفالة احترام القانون و ذلك عن طريق توقيع الجزاء من اجل فرض احترام القانون .
و يهدف الجزاء الى الضغط على ارادة من تسول لهم انفسهم مخالفة قواعد القانون فترغمهم على الخضوع لاحكامها ان لم يطيعوها من تلقاء انفسهم .
و يتميز الجزاؤ بأنه ذو طابع مادي ملموس ، حيث يمس المخالف في ماله او شخصيته هذا ما يميز قواعد القانون عن قواعد الاخلاق التي يتمثل الجزاء فيها على تانيب الضمير.
ويرفع الجزاء من السلطة العامة التي تملك تنفيذه جبرا على  المخالف باسم المجتمع .
غير انه يمكن ان يقوم الشخص المعتدي عليه بالدفاع عن نفسه في اطار ما يسمى بالدفاع الشرعي ،و هنا يعفى الشخص من المسؤولية الجنائية و كذا المسؤولية المدنية
و للجزاء صور مختلفة حيث يتخذ صورا متنوعة فكل فرع من فروع القانون له نوع من الجزاءات مثال :
1 – في مجال القانون الجنائي تكون الجزاءات متمثلة في جزاءات بدنية تمس الجسم و قد تصل الى عقوبة الاعدام بالنسبة للجرائم الخطيرة ، و قد تكون العقوبة هي السجن المؤبد او المؤقت او تكون الحبس و قد تتعلق العقوبة بالغرامات المالية او المصادرة ، و يتم ذلك بحكم من القضاء و الجنائي و بموجبه تؤول الى الدولة ملكية الاشياء المستخدمة في تنفيذ الجريمة
2 – في مجال القانون المدني : و يكون الجزاء هنا عبارة عن تعويضات مالية و يكون ذلك عن طريق الزام الشخص بدفع مبلغ من المال للشخص المضرور .
و قد يكون الجزاء يتمثل في ابطال العقد و البطلان هو الجزاء المقرر على عدم استكمال العقد لاركانه مستوفية لشروطها ... الخ .
و يمكن ان يكون الجزاء الجنائي مقترنا بالجزاء المدني كما هو المال في جريمة القتل حيث يتعرض القاتل للعقوبة الجنائية المقررة ( الاعدام او السجن ) كما يتعرف للحكم بالزامه بدفع مبلغ مالي كتعويض لورثة القتيل . و كذلك الحال في جريمة السرقة حيث يضاف الى العقوبة الجنائية المقررة الزام السارق برد الشيئ المسروق او دفع مبلغ مالي كتعويض .
علاقة القانون بالعلوم الإجتماعية الاخرى :
يرتبط القانون بكل فروع العلوم الاجتماعية ارتباطا وثيقا وذلك على اساس ان الظاهرة القانونية  هي جزء لا يتجزأ من الظاهرة الاجتماعية من خلال : نتطرق الى علاقة القانون يعلم الاجتماع و علم الية و الاتقاد   و علم التاريخ
1 – علاقة العلوم يعلم الاجتماع :
ان العلوم القانونية هي جزء من العلوم الاجتماعية ، و القانون ماهر الا نظام لظبط سلوكات المجتمع ، و اذا كان علم الاتماع يدرس الظاهرة الاجتماعية مثل : ظاهرة الطلاق ، ظاهرة التخلف ، ظاهرة الزواج ... الخ . كان دور القانون يمكن في تعتنين معالجات علم الاجتماع .
وتختلف القوانين و النظام باختلاف المجتمع ففي المجتمع الرأس مالي تهدف القوانين الى ضيانة رؤوس الاموال و في المجتمع الاشتراكي تسعى القوانين الى رفاهية الجماهير الشعبية و بذلك فان القوانين يجب ان تتماشى مع طبيعة المجتمع الذي يقبل هذه النظام القانونية استفادا الى ظروفه المادية و النفسية و الدينية .
2 – علاقة القانون بعلم السياسة :
يهتم علم السياسة بدراسة علم الدولة و اهدافها و المؤسسات السياسية التي تسعى الى تحقيق هذه الاهداف فاذا كانت السياسية تهتم بكل مشكل سياسي فان القانون يقدم كيفية القيام بهذا الحل و علاج ازمة الحريات عن طريق ما يسمى بالقانون الدستوري خصوصا و القانون العام عموما بحيث يجسد القانون حكم الفرد في ظل الحكم الفردي و يجسد حكم النخبة في ظل حكم المجالس و يجسد حكم الطبقة السياسية في ظل الانظمة الحزبية اذن يمكن ان يسمى بعلم هندسة السياسية .
3 – علاقة القانون بعلم الاقتصاد :
اذا كانت العلوم السياسية تهتم بالمشكل السياسي فان علم الاقتصاد يهتم بالمشكل الاقتصادي فيدرس قضايا الانتاج و قضايا السعار و التكاليف و التضخيم و نظام  الصرف و التوزيع و التسويق و اشكالية العرف و الطلب ... فاذا كان دور القانون في المجال السياسي هو تعتنين حل المشكل السياسي فان دوره في مجال الاقتصاد اداة الحكم التي تملك سلطة القرار السياسي و الاقتصادي فاذا كانت اداة الحكم تسمح بملكية رسائل الانتاج للدولة فقط فان القانون يترجم هذا التصور من خلال عملية تعتنين تدخل في اطار النص على ملكية رسائل الانتاج للدولة و العكس صحيح.
4 – علاقة القانون بعلم التاريخ :
يدرس علم التاريخ الاحداث و الظواهر الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي تمر بها الشعوب في زمن معين و مكان معين و هذه الدراسة لها انعكاس على النظم القانونية المعاصرة ، و ذلك لان النظم القانونية السائدة داخل مجتمع هي وليدة تطور تاريخي و لهذا تدرس على مستوى ما هذا الحقوق دراسة النظم القانونية و السياسية المختلفة في الحضارات السابقة .
مفهوم فلسفة القانون :
يقصد بفلسفة القانون ذلك الجانب العلمي الذي يحتص بدراسة موقف الفلسفة من الظاهرة القانونية و شرح معانيها و مضامينها المختلفة .
لقد عالج كل مفكر فلسفة القانون وفقا لمذهب  الفكري ، فالفلسفة تدرس عموميات الظاهرة القانونية في حين أن رجل القانون يهتم بتفاصيل الجزئيات فالفلسفة عند " ارسطو " هي علم العموميات . و معرفة الاصول الاولى و العلل التي تؤدي الى الأشياء ، و تعني فلسفة القانون شأن كل فلسفة بالجوانب العالمية و النواحي العامة للقانون فالفلسفة لا تقصر على مميزات قانون وطني بل تمتد الى ماهو مشترك بين الأنظمة القانونية المختلفة ، ذلك أن القانون ليس مجرد ظاهرة وطنية بل هو ظاهرة انسانية .
و من المواضيع التي تدرسها فلسفة القانون العلاقة بين القانون و القوة ، و القانون و الأخلاق ، القانون و العدل ، القانون والحرية ، القانون و السيادة ، القانون و المجتمع ، القانون العرف .
هل القانون ضروري ا م لا ؟
هناك اتجاهين متناقضين في هذه المسألة اتجاه يرى ضرورة وجود القانون ،و اتجاه آخر يرفض المفهوم القمعي لقوى القانون و النظام .
4 – الاتجاه الاول : ضرورة القانون
يرى اصحاب هذا الاتجاه أن القانون وسيلة لتحقيق الانسجام الاجتماعي عن طريق كبح مشاعر الشر لدى الانسان و انطلق البعض من مرضية أن الانسان شرير بطبعه و أن أي تقدم اجتماعي لا يمكن تحقيقه دون قانون العقوبات الزاجر و ان طلق البعض الآخر من مرضية أن الانسان طير بطبعه و لكنه يسبب الخطيئة أو الفساد أو بعض نواحي الضعف الداخلي كالشجع . تشوهت طبيعته الحقيقة الأصلية ، و لهذا اصبح من الضروري وجود نظام قانوني رادع لظبط هذه الطبيعة البشرية . ومال الذين يحبذون هذه الفرضية المتفائلة العيوب الانسانية الى العودة الى عهد ذهبي من البراءة ، البرائية حينما كان الناس يعيشون حياة بسيطة سعيدة و منظمة جيدا لم يكن الانسان فيها بحاجة الى نظام قانوني خارجي او زجزي لكبح نزواته التي كانت سليمة من عيب الانانية و موجهة نحو الخير العام للبشر .
ففيما يتعلق بالرأي الأول الذي يعتبر أن الإنسان شرير بطبعه فيجد تبريره في الصين القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد لدى مدرسة مشهورة تسمى بـ " المشرع " حيث كانت تؤمن بأن الإنسان ذو طبيعة شريرة ، و أن الطريق الخيرة التي يسلك الإنسان ، إنما مرجعة في الغالب تأثير البيئة الإجتماعية . و خاصة تعاليم الدين و طقوسه و ظوابط قوانين العقوبات و من المبادئ التي تؤمن حقا هذه المدرسة المبدأ القاتل : " أن قانونا واحد مقترنابعقوبات شديدة لضمان تنفيذه افضل من كل كلمات الحكام لحفظ النظام ...." و في نفس الحقبة أكد كتاب الشاستر ( فكر وفلس الهندية ) أن الإنسان عاطفي بطبعه و جشع ، و أنه إذا ما ترك له الحنان فإن العالم سيتحول الى ورشة للشيطان يسود فيها " منطق السمك " أي أن الكبير يأكل الصغير .
و يرى الفقهية " يودان " أن حالة الانسان الاصلية هي حالة الفوضى و العنف و القوة و  وصف  " هوبز " حياة الانسان البدائي بانها حياة قائمة على العنف و القوة و انها حالة حرب مستمرة . و يرى " هيوم " أن المجتمع البشري لن يكون له وجود دون الاقنون و الحكومة و القمع و من هنا فان القانون ضرورة طبيعية للبشر .
و فيما يتعلق بالرأي الثاني : فقد قال الفيلسوف " سنيكا " ان الانسان كان ينهج بالفطرة نحو الخير ، كانت كلماته بسيطة هي السبب في الحروب و العنف ، حيث كان الانسان في البداية يعيش بسلام و سعادة و كان كل شيئ مملوكا على الشيوخ و لم تكن هناك ملكية فردية و بمرور الزمن ظهر الشجع و اخنقت البراءة ، و تمزق المجتمع ، و اضطر الناس الى خلق القوانين التي تقيدهم .
2 – الاتجاه الثاني : عدم ضرورة القانون
يرى اصحاب هذا الاتجاه ان الانسان خير  بطبعه سيظل كذلك فاصحاب هذا الاتجاه يرفضون المفهوم القمعي لقوى هذا القانون و النظام و يرون ان البيئة الاجتماعية هي اساس الشرور في الوضع البشري  ،و خاصة وجود نظام قانوني  مفروض من الفوق ،   و يرغب هؤلاد الى العودة الى الحالة البدائية ( العصر الذهبي الاول ) ، و من ايضا هذا الاتجاه الفيلسوف " افلا طون " كانت متكلفة حيث ترتكز على ماض خيالي للإنسان أكثر مما تستند  الى طاقة كامنة في الانسان لتحقيق مجتمع عادل مثالي ، و فضلا عن ذلك فإن هذا المجتمع المثالي ليس محكوما بنظام قانوني مثالي بل على العكس من ذلك فهو مجتمع متحرر  من اقواعد القانونية يسود فيه الانسجام العقلاني كنتيجة للدوافع الاجتماعية و الاحساس الطيب لدى اعضائه .
و قد اوضح الفيلسوف " أفلا طون " ان الصورة المثالية لهذه الدولة التي لا قانون لها ، تستقي الانسجام الداخلي فيها من العقل الانساني الذي يصل الى ارقى  مستوياته في مدارج التطور بتعاقب الملوك الفلافسة الذين يتم اختيارهم بفضل حكمتهم و معرفتهم .
و قد وضع " أفلا طون " ثقته في نظام تعليم لا يربي الحكام الاكفاء فحسب بل يكيف بقية المواطنين ليكونوا مطيعين موالين .
والحقيقة أن الدراسات الحديثة تؤكد ما للتعليم من أهمية في مجال إخضاع الناس, لذلك يسمى التعليم بعملية "غسل الدماغ".
وفي نفس هذا الاتجاه دافع زعيم المدرسة الروسية الفوضوية "باكونين" على هذا المسعى, واعتبر القمع والملكية الخاصة أعداء لسعادة البشرية والرخاء العام, وشد على جدوى التعاون البشري, وأن مجرد التطور الحتمي يؤدي إلى أن يحل مبدأ التعاون محل مآسي المجتمع القمعي.
واعتبر "كارل ماركس" القانون مجرد نظام قمعي للحفاظ على امتيازات طبقة الملاك, وأن الثورة ستؤدي الى قيام مجتمع لا طبقي, وستلغى الدولة والقانون, لأن لن تكون هناك حاجة لدعم نظام قمعي , لأن القانون وفقا للنظرية الماركسية وليد الملكية الخاصة التي أنتجت الصراع الطبقي, وهذا الصراع هو الذي استلزم وجود القانون, وأنه لا تلازم بين المجتمع والقانون, وبتحقق الشيوعية تختفي الدولة التي صنعت القانون, ومن أجل بلوغ هذه المرحلة فانه تبقى الدولة ماسكة بزمام الأمور تمارس القمع بواسطة القانون كمرحلة انتقالية, وهذه هي مرحلة الاشتراكية.
من خلال كل ما سبق, يمكن القول أن القوانين ضرورية في أبسط أشكال المجتمع ففي أي مجتمع بدائي كان أو متطور من الضروري وجود قواعد وقوانين تحدد الشروط التي يستطيع الرجال والنساء أن يتزاوجوا ويتعايشوا في ظلها مثلا.
وهناك قوانين تحكم العائلة وعلاقاتها فيما بينها, وقوانين تحكم الأنشطة الاقتصادية ... أن الفكرة القائلة بأن أي مجتمع بشري على أي مستوى كان, يمكن أن يقوم على أساس أن بمقدور كل امرئ أن يعمل ما يعتقده صوابا في حالته الخاصة, فكرة خيالية لا تستحق الاعتبار.
المذاهب الفلسفية وفكرة القانون
     يقصد بمذاهب الفلاسفة في مجال علم القانون تلك الأفكار التي طرأت في زمن معين ومكان محدد باعتبارها آراء خاصة بكل منهم فعبروا عنها وناقشوها في حوار جاد مثمر أدى إلى إثرائها والاقتناع بها .
     وقد تحولت هذه الآراء إلى نظريات علمية ، ونتج عن تطبيقها في عدة مناطق وأماكن وفي أزمنة مختلفة ومتباعدة أن أصبحت مذهبا فلسفيا قابلا للتطبيق في مجتمعات أخرى .
     ونتيجة لاستمرارية التفكير الإنساني قد يقوم هناك مذهب آخر يعارض المذهب السابق أو يعدله أو يضيف له مبادئ جديدة .
     من خلال كل ذلك ، سنتطرق إلى هذه المذاهب والاتجاهات الفلسفية المختلفة ، بدءَ بالمذاهب الشكلية ، ثم المذاهب الموضوعية وأخيرا المذاهب المختلطة.
أولا: المذاهب الشكلية
Les Doctrines Formatistes 
      تهتم هذه المذاهب بالجانب الشكلي للقاعدة القانونية ، بحيث تنظر إلى القانون من خلال الشكل الذي أضفى على القانون قوة الإلزام في مواجهة أفراد المجتمع .
      من خلال ذلك ، فإن المذاهب الشكلية تنظر إلى الجهة التي أصدرت القانون وأضفت عليه القوة الإلزامية ، فالقانون عندهم هو مشيئة السلطة العليا في المجتمع تصدره في أي شكل وعلى أية صورة مادام يعتبر ملزما للأفراد بطاعته واحترامه ، إن الدولة هي التي تصنع القانون وتنشئه وتلزم الآخرين بإتباعه والخضوع له ، وقد تستخدم القوة إن لزم الأمر ، وقد يكون هذا القانون تشريعا أو عرفا أو دينا منزلا .
      ومن أنصار هذا المذهب الفقيه الانجليزي "أوستن" ، والفقيه الألماني "هيجل" والفقيه النمساوي "كلسن" وكذلك فقهاء "الشرح على المنون"
      وقد اتفقوا من حيث المبدأ أن القانون من إرادة الحاكم واختلفوا في بعض الجزئيات .
1-مذهب "جون أوستن"
       كان "جون أوستن" أستاذا للقانون بجامعة لندن في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، يقول "أوستن" : "إن موضوع القانون هو القانون الوضعي الذي يقوم بوضعه حكام سياسيون من أجل طائفة حكومية سياسيا...".
      وبذلك ، فإن أصل القانون هو إرادة الحاكم أو السلطان وحده، أي أن القانون هو مشيئة الدولة . وقد استمد "أوستن" أفكاره من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القديم،إذ كانوا يرون أن القانون هو من فعل القوة . وقد تأثر الفقيه "أوستن" بما جاء به الفقيه الانجليز "توماس هوبز" الذي كان يقول أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر من شخص يملك حق الطاعة إلى أشخاص من هم أفراد المجتمع عليهم واجب الطاعة .
       إذن خلاصة مذهب "أوستن" هي أن الدولة تقوم بوضع القانون وتعمل على كفالة احترامه جبرا على الأفراد باعتبارها صاحبة السيادة والسلطة ، فالقانون لا يقوم إلا في ظل مجتمع سياسي ، وأن يصدر في شكل أوامر و تكاليف وأن يقترن الأمر أو التكليف بتوقيع الجزاء عند مخالفته .
أ)- معنى القانون لا يقوم إلا في مجتمع سياسي :
       يقوم المجتمع السياسي في تنظيمه على وجود طبقتين :
- الطبقة الأولى تتمثل في الطبقة الحاكمة التي بيدها السلطة ، ولها حق الأمر والنهي ، وقد يكون الحاكم فردا أو هيئة أو نظام سياسي ديمقراطي أو استبدادي ، ملكية أم جمهورية ، مطلقة أم مقيدة . وهذه الهيئة هي التي تتولى وحدها تنظيم العلاقات الاجتماعية عن طريق إصدار القوانين .
- الطبقة الثانية تتمثل في الطبقة المحكومة ، ويقتصر دورها على تطبيق الأوامر أو النهي الصادر عن الهيئة الحكام التي تتولى أيضا توقيع الجزاء على كل مخالف لهذه القوانين . من خلال ذلك ، فإن مذهب "أوستن" يقوم على أساس أن تكون القوانين صادرة من الحاكم ، وأن أية أوامر لا تصدر عن هذا المصدر لا تعد بمثابة الأمر القانوني العام ، وبذلك فإن أي تكليف يصدر عن غير هذه الجهة لا يكون له صفة الأمر الملزم .
ب)- معنى وجود أوامر و تكاليف :
     نقصد بوجود أوامر وتكاليف أن القانون ليس مجرد نصيحة يقدمها الحاكم للمحكومين ، بل هو أمر ونهي يصدر من السلطة الحاكمة إلى المحكومين الذين يجب عليهم الطاعة.
      إن "أوستن" آمن بأن القانون هو أمر أو نهي أو تكليف الهيئة الحاكمة ، وكل مخالف له يتعرض للجزاء المنصوص عليه . وهذا الجزاء تنفرد بتوقيعه سلطة عامة مختصة .
ج)- معنى توقيع الجزاء عند مخالفة القانون :
      وقد يتبادر إلى الذهن أن الجزاء المقصود به هو الجزاء العقابي أو الجنائي ، سواء تمثلت العقوبة في الإعدام أو وقعت على الحرية بالسلب أو التقييد ، أو كانت العقوبة تتمثل في الغرامة المالية، غير أن الجزاء ليس كله جنائيا بل قد يكون مدنيا ، مثال ذلك : بطلان العقود ، أو التصرفات المبرمة عند مخالفتها للقانون ، وقد يجتمع الجزاء الجنائي والمدني كما في حالة جريمة القتل أو السرقة أو في جريمة القذف ....الخ .
      وعموما ، فإن للجزاء معنى أوسع مما هو معروف ، فالجزاء القانوني هو كل إجراء قسري يحاول القانون بواسطته فرض إرادته كملاذ أو حل أخير على المعتدي الذي يرفض الامتثال لأمر قانوني أو قضائي .
     وقد أنكر الفقيه "أوستن" تسمية القانون على القانون الدستوري باعتباره مجرد قيود فرضتها الدولة على نفسها . كما أنكر على قواعد القانون الدولي العام صفتها القانونية باعتباره مجرد قواعد مجاملات أو واجبات أدبية تراعيها الدول فيما بينها .
     ففي مجال إنكاره صفة القانون على القانون الدستوري يرى "أوستن" أن القانون الدستوري هو وضع قيود على سلطة الحاكم،والحاكم لا يمكن أن يخضع لسلطة أعلى ، فهو إذا نظم علاقته بالأفراد والتزم ببعض القيود ، فإنما يفعل ذلك باختياره ، حيث يستطيع أن يستبدلها عندما يحلو له ذلك وفي أي وقت كان ، أو بإمكانه أن يتخلص منها تماما وبصفة نهائية . وبذلك فقواعد القانون الدستوري تظل دون جزاء ، وبذلك فهي لا تنفذ جبرا و قهرا.
ومن ثمّ، فقواعد القانون الدستوري تفقد صفة القانون بالمعنى الصحيح للكلمة ، فالحاكم إذا خالف قواعد الدستور لا يعقل أن يوقع الجزاء على نفسه .
     وفي مجال القانون الدولي العام، ينكر"أوستن" صفة القانون على قواعده ، فهو يرى أنه مادامت كل الدول متساوية في الحقوق و السيادة ، وأن المجتمع الدولي يفتقد إلى هيئة تملك القوة أو الشرعية تجيز لها إصدار القوانين ، أو فرض ما تصدره من أوامر ونهي لجميع الدول أو أداة جبر وقهر لتطبيق هذه القوانين على الدول المخلة بذلك .
     وهكذا ، فإن الفقيه "أوستن" يرى أن تخلف عنصري الأمر والنهي وكذا الجزاء معناه إنكار صفة القانون .
      بالإضافة إلى كل ذلك ، فإن "أوستن" ينكر "العرف" كمصدر من مصادر القانون ، ويعتبر التشريع المصدر الوحيد للقواعد القانونية .فالعرف لا يعدو أن يكون مجرد بديل بدائي للقانون والذي يعبر عن طابع من الأنظمة القانونية تختلف عن المعايير التي تمت في ظل المجتمعات القديمة .
نقد مذهب "أوستن":
1- يخلط "أوستن" بين القانون والدولة،حيث يقول أن القانون لا يوجد إلا في مجتمع سياسي منظم ، غير أن الحقائق التاريخية تبين عكس ذلك ، حيث يعتبر القانون ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون ظاهرة سياسية أو وضعية ، فقد نشأ المجتمع في صورته البدائية في صورة أعراف قبل أن يصبح المجتمع مجتمعا سياسيا .
2- يخلط "أوستن" بين القانون والقوة ، حيث يجعل القانون والقوة رهنا بإرادة الحاكم ، وتصبح إرادة الحاكم هي القانون ، ويكون الحكم للقوة والحاكم يفرض ما يشاء على الأفراد استنادا إلى إرادته . غير أنه من المفروض أن الحاكم يكون في خدمة القانون و التقيّد  بنصوصه ، وكفالة احترامه بالقوة إن لزم الأمر .
3- جعل القانون يعتمد على التشريع وحده ، فلا نكون أمام قاعدة قانونية إلا إذا كانت صادرة من الحاكم ، إلا أن الواقع يثبت وجود مصادر أخرى للقانون مثل العرف الذي كان المصدر الأول للقانون في السابق .ومازال يمثل الأساس في بعض الأنظمة القانونية خاصة في مجال القانون التجاري كما هو الحال في انكلترا .
4- أنكر "أوستن" صفة القانون على القانون الدولي العام،على أساس عدم وجود سلطة في المجتمع الدولي تفرض احترام قواعد هذا القانون في حالة ما إذا قامت إحدى الدول بعدم احترام ذلك . إلا أن ذلك ينقص الكثير من الواقعية ، فغالبية الفقه يرى أن القانون الدولي هو قانون بالمعنى الصحيح للكلمة ، ويتوفر له عنصر الإلزام الذي تملكه "الأمم المتحدة" بمنظماتها المختلفة ، وجمعيتها العامة ، ومجلس الأمن الدولي ، ومحكمة العدل الدولية ، والواقع يثبت أن الأمم المتحدة قد تدخلت في الكثير من النزاعات المسلحة . إلا أن ما تجدر ملاحظته الفعالية مرتبطة بموازين القوى في المجتمع الدولي .
بالإضافة إلى كل ذلك ، يمكن القول أن المعاهدات الدولية التي تبرمها الدول تكفل الاستقرار الدولي.
5- يرى "أوستن" أن القانون الدستوري لا يعتبر قانونا بالمعنى الحقيقي للكلمة ، وذلك لتخلف عنصر الجزاء ، غير أن الواقع يثبت غير ذلك ، فالمسلم به حاليا هو أن الأمة هي التي تنصب الحاكم حاكما ، وبالتالي لها حق توقيع الجزاء عليه إذا خالف الدستور .
6- إن الأخذ بهذه النظرية يؤدي إلى الاستبداد والدكتاتورية واعتبارهما مصدر للقاعدة القانونية .
مذهب الشرح على المنون
(مدرسة تفسير النصوص)
-L’école de l’exégèse-
تكونت هذه المدرسة في فرنسا عقب وضع تقنياتها في مطلع القرن التاسع عشر ، حيث بدأ الشراح ينظرون إلى تلك التقنيات نظرة تقديس ، ويعتبرونها كاملة مشتملة على كل القانون ، وبذلك قصروا اهتمامهم على دراسة نصوصها متنا متنا ، بل تقيدوا في شرح القانون وعرض موضوعاته المختلفة بترتيب نصوص القانون وأرقام مواده ، وبذلك عرفت هذه المدرسة باسم مدرسة الشرح على المنون أو مدرسة التزام النص .
        وقد بلغت هذه المدرسة أوج عظمتها في فرنسا خلال القرن التاسع عشر . تأسست سنة 1808 على يد : "ديلفانكرو" و "برودون" ، و "توليه" ......
        ويرى فقهاء هذه المدرسة ، أن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون ، وأن دور الفقيه يقتصر على تفسير نصوص التشريع ، واستخلاص الأحكام منه ، وعند تفسير الفقيه للنص يتعين عليه أن يبحث عن إرادة المشرع وقت وضعه للنصوص لا عند تطبيقها ، حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية بعد ذلك . وإرادة المشرع إما أن تكون حقيقية وإما أن تكون مفترضة.
   فإذا كان النص واضحا في صيغته ولا خفاء في معناه ، فيستدل على الإرادة الحقيقية من واقع النص ذاته ومعاني ألفاظه ومفرداته مع إعمال قواعد اللغة . مما يكاد يقتصر معه دور المفسر على التطبيق الآلي للنص ، إذ كما يقولون "لا اجتهاد في مورد النص".
   وإذا لم يوجد نص كحالة معينة ، وجب البحث عن الإرادة المفترضة للمشرع فيما يتعلق بهذه الحالة وقت وضع التشريع . أي إرادته التي نفترض أنه كان يقول بها وقت وضع التشريع لو أنه أراد وضع قاعدة للمسألة المعروضة والتي لم يوضع لها نص يضمنها .
  فالعبرة إذن لدى هذه المدرسة بإرادة المشرع عند وضع النص سوى أكانت هذه الإرادة حقيقية أم مفترضة .
   - وإذا كان لمذهب هذه المدرسة مزاياه في أنه يمنع تحكم القضاة ويكفل استقرار معنى التشريع وثباته ، إلا أنه يعاب عليه أنه يؤدي إلى جمود القانون وعرقلة تطوره وحصره في نطاق إرادة المشرع وقت وضع النصوص حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية تغيرا كبيرا وقت تطبيق نص القانون وتفسيره عما كانت عليه وقت وضعه .
   - مذهب الشرح على المنون يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون وهذا غير صحيح .
   - ومنهج الشرح على المنون يؤدي هو الآخر إلى فكرة الاستبداد والقهر ، والدكتاتورية ، وإهمال إرادة الأمة .
مذهب هيــــــــــــــــــغل (فريدريش)
    انتشرت الهيجلية انتشارا واسعا ،  حتى أوشكت أن تصبح العقيدة الرسمية للدولة ، ففي المجال القانوني ، يرى هيغل أن الدولةسيدة نفسها في الداخل ، فكل من يدخل في تكوين الدولة في الداخل يخضع لها ، وأن المجتمع لا يصل إلى مرتبة الدولة إلا إذا رأى جميع الأفراد في المجتمع أن ثمة مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه إرادتهم إلى تحقيقها ، فتتحدد إرادتهم وحرياتهم بهذه المصلحة فتتجلى فيها ، وهذا ما يطلق عليه وحدة الإرادات الفردية ، فالدولة في مفهوم هيغل تجسد إرادة الإنسان وحريته ، إن حرية الإنسان الحقيقية لا تتحقق إلا باندماجه في الدولة ، وهنا يخضع كل الأفراد خضوعا تاما للدولة التي يتحقق كيانها على إرادات الأفراد العامة ، وعند هيغل السيادة واحدة لا تتجزأ تذوب فيها كل الاعتبارات و وجهات النظر . وهذه السيادة تتجسد في شخص واحد هو صاحب السلطة في الدولة ، وإرادته في القانون الواجب التطبيق وذلك لأنه يملك القوة لفرض إرادته .
          ويرى هيغل من جهة أخرى أن الدولة سيدة نفسها في الخارج
وعنده أنه لا توجد سلطة أعلى من سلطة الدولة ، فالدولة سيدة نفسها ، والدول جميعها متساوية في السيادة ، وبالتالي لا توجد سلطة دولية تقوم بتنظيم العلاقات بين الدول أو تقوم بحل النزاعات بينها ، وهكذا تكون الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ سياسة الدولة وإرادتها ، والغلبة تكون للأقوى ، الذي يستطيع فرض إرادته بالقوة .
       وتعتبر الحرب عند "هيغل" نوع من القضاء الإلهي ، فالحرب هي عادلة ومشروعة ، وتنتهي لصالح الدولة القوية ، والدولة القوية هي التي تسيطر على العلاقات الدولية وتبقى هكذا حتى قيام دولة أخرى التي تنتقل إليها السيطرة على العلاقات الدولية .
      إن هذا المذهب قد وضع الأساس للعديد من النظم الشمولية مثل الفاشية والنازية .
نقد مذهب ديغول :
1- يؤدي هذا المذهب إلى تكريس الدكتاتورية ، كما أنه يعبر عن نزعة متطرفة تدعو الشعب الألماني للسيطرة عالميا ... وهي فكرة المجال الحيوي التي طورتها النازية .
2- يوحد هيغل بين إرادة الحاكم وبين القانون ، وهذا غير منطقي ، فهذا يؤدي إلى السيطرة والاستبداد.
3- ينكر هيغل حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية ويعتبر الحرب هي الوسيلة المشروعة في علاقات الدول فيما بينها .
مذهب كلسن
     يعتبر مذهب كلسن أحد المذاهب الشكلية ، وقد اهتمت بالشكل حتى سميت بمدرسة القانون البحت أو القانون الصافي باعتبار أنها تفصل بين الشكل والمضمون ، وتقصر دراسة القانون على أساس الشكل وحده ، وبذلك أصبح علم القانون كعلم الرياضيات أو الهندسة معتمدا على المنطق ، أي الامتناع التقييم والالتجاء إلى التجريد ، بحيث يجب على الباحث أن يتجنب مضمونه من حيث العدل والظلم . وكذلك التخلص من النزعة في فحص الظروف الواقعية للحياة أو إلى ربط القانون بالسياسة ، فهي العناصر  لا صلة لها بعلم القانون .
     يرى كلسن أنه يجب استبعاد العناصر غير القانونية أو أية عناصر تقييميه. فالعدالة مثلا : مفهوم مثالي قيمي فهي مفهوم نسجي متغير في الزمان والمكان، ويرى كلسن أنه إذا لزم الأمر إعطاء معنى محدد لها ، فهي عنده مرادفة لـ"السّلام" ، ويرى كلسن أن "أي نظام عادل ولو كان قائما على الاستغلال ، مادام يستطيع حفظ النظام والأمن"،وبذلك فإن كلسن وأصحاب النظرية القانونية الصرفة يرون أن قواعد القانون الوضعي واجبة الطاعة حيث أن النفع العائد عن الطاعة أكبر من الضرر الناتج عن العصيان .
    ويرى كلسن أن القانون هو الدولة و الدولة هي القانون ، فهو يدمج الدولة والقانون دمجا تاما ، فهو لا يرى أن الدولة تصنع القانون فحسب بل هي القانون ذاته وبذلك فالدولة ليست شخصا معنويا ، وإنما هي مجموعة قواعد قانونية هرمية إلى أن نصل أعلى قاعدة قانونية وهي الدستور أو القاعدية الأساسية التي تعتمد عليها بقية القواعد القانونية الأخرى .
   ففي مجل العقود مثلا ، ينشئ العقد ضوابط قانونية بين طرفيه ، ومصدر هذه الضوابط أو الالتزام هو العقد يستمد قوته من التشريع الذي يقضي بأن "العقد شريعة المتعاقدين" ، والتشريع يستمد قوته من الدستور الذي يعطي للسلطة التشريعية حق إصدار النصوص القانونية .
   وفي مجال النشاط الاداري ، شرطي المرور هو يؤدي عمله ضابطا قانونيا فرديا ، وهنا يستمد الشرطي قوته من القانون ، وهذا الأخير يستمد قوته من الدستور .
   وهكذا ، فإن وحدة القانون والدولة لدى "كلسن" يعتبر شكلا واحدا ، ولذلك فالدولة على أنها تجمع بشري مقيم على أرض وخاضع لنظام قانوني معين ، وما يميز الدولة كظاهرة مستقلة هو التنظيم القانوني.

نقد:
1- يقول كلسن أن هناك تدرج هرمي في القواعد القانونية فالقرار يستند إلى النظام ، والنظام يستند إلى التشريع والتشريع يستند إلى الدستور ، والسؤال المطروح: إلى ماذا يستند الدستور ؟ . يقول كلسن أنه القاعدة الأساسية أو المعيار الأساسي .
2- إن القول بأن القانون هو الدولة لا يستند إلى أساس واقعي ، فالدولة مستقلة عن القانون، وهذا معمول به في كل النظم القانونية ، فالدولة هي التي تضع القانون ، وبذلك فهي ليست القانون في حد ذاته ، لذلك وجدت الدساتير لتقيد سلطة الدولة والتزامها باحترام المؤسسات والحقوق والحريات .
3- مذهب كلسن لا يعترف لكل العناصر غير القانونية وتأثيرها في القانون كغيره من أصحاب المدارس الشكلية إنما القاعدة القانونية هي قبل كل شيء قاعدة اجتماعية .
المذاهب الموضوعية
   إذا كانت المذاهب الشكلية تهتم بالجانب الشكلي الذي ظهرت فيه القاعدة القانونية ، فإن المذاهب الموضوعية تنظر إلى جوهر القانون و موضعه، وذلك عن طريق تحليله من الناحية الفلسفية والاجتماعية للتعرف على طبيعة وكيفية نشأته .
    وظهرت في هذا الإطار اختلافات ، فالبعض اتجه نحو المثل العليا في تكوين القاعدة القانونية والعدالة الإنسانية كأساس للقانون وهو ما يطلق عليه بالاتجاه المثالي ، في حين اتجه البعض الآخر إلى النظر نحو الحقائق الواقعية الملموسة التي تسجلها المشاهدات والتجارب العلمية وهو ما يعلق عليه بالاتجاه الواقعي .
أولا: الاتجاه المثالي :
   سنقوم في هذا الإطار بدراسة نظرية العقد الاجتماعي لأنها تعتبر أهم النظريات المثالية .
- نظرية العقد الاجتماعي :
تعود فكرة العقد الاجتماعي إلى الفكر الإغريقي حيث ذكرها (أفلاطون) في كتابه "الجمهورية" قائلا : ((عندما يتصرف الناس بمحض نزواتهم فيتعدى الواحد منهم على الآخر ، ويذوق الجميع مرارة الظلم والقهر ، يتفق الكل بأن الطريقة الوحيدة لحسم النزاعات القائمة وضمان الأمن والسلامة للجميع تكمن في عقد اتفاق اجتماعي يميز بين الأعمال الإجرامية فيمنعها والأعمال الخيرية فينشرها )) .
    وقد عرفت فكرة العقد الاجتماعي رواجا كبيرا في أواخر القرن السادس عشر،وأقبل عليها المفكرون ورجال القانون فألفوا منها صيغا ونماذج اجتماعية تهدف كلها إلى تنظيم المجتمع وهيكلته من الناحية السياسية والقانونية .
    وتفترض نظرية العقد الاجتماعي أن الأفراد كانوا يعيشون على الفطرة لا يخضع أي منهم لأية ضوابط معينة ، وأن ظهور الدولة بما لها من قوة وسيادة يرجع إلى عقد أو اتفاق أبرمه هؤلاء الأفراد فاستبدلوا بذلك القانون الطبيعي الذي كان ينظم حالتهم الطبيعية بقانون بشري تنتج عنه ظهور حقوق مدنية وسياسية .

    ويعتبر من أهم أصار هذه النظرية الفلاسفة :
توماس هوبز ، و جون لوك ، و جان جاك روسو .

1-نظرية العقد الاجتماعي عند توماس هوبز:
يعتبر هوبز من أنصار الملكية المستبدة ، وهو ينظر إلى المجتمع على أنه مجتمع ذئاب مفترسة ينهش بعضها البعض ويفترس القوي فيها الضعيف .
   وبذلك فإن هوبز يبدأ تفكيره بأن المصلحة الذاتية هي محرك السلوك الإنساني ، فالإنسان كائن أناني يسعى بكل الطرق إلى تحقيق مصالحه ونزواته قبل كل شيء ، وبالتالي فإنه "هوبز" يرى أن الحالة الطبيعية  هي حالة حرب عارمة يتحارب فيها الكل ضد الكل ، ويكون "قانون الغاب" هو مسيطر على حياة الأفراد .
   ومن أجل وضع حد لهذه الحالة الفوضوية بدأ الإنسان يبحث عن الوسيلة التي تمكنه من  الخروج من تلك الوضعية إلى وضعية جديدة يسودها الأمن والاستقرار والسلم ،فاهتدى إلى فكرة العقد الذي بموجبه يتنازل الأفراد عن كل حقوقهم وحرياتهم لشخص غير طرف في العقد يختارونه من بينهم دون شروط ولكي يتمكن هذا الشخص من ممارسة سلطاته ويضمن الأمن والاستقرار ويجب أن يتمتع بسلطة لا تقاوم (سلطة مطلقة) ، فلا يحق بالتالي للشعب أن يثور ضد هذا الحاكم لأن إطلاق سلطته أرحم للشعب من العودة إلى حياة الفوضى .
    واستنادا إلى هذا الاتفاق نشأت السلطة السياسية والدولة .
نقد :
ما يؤخذ على الفيلسوف "هوبز" هو إطلاقه لسلطة الملك من جهة ، والخلط بين الدولة و الحكومة من جهة أخرى ، لأنه يطالب بمنح السيادة للحاكم ، وهذا يعني أن السلطة في يد الحاكم وليست في يد الدولة التي تفوضها له ، وبالتالي فإن تغير الحاكم يؤدي إلى زوال الدولة .
2-نظرية العقد السياسي عند "جون لوك" :
   ينطلق الفيلسوف "جون لوك" من أن حياة البشر كانت تقوم على المساواة والسلام والحرية ، وهي حياة الفطرة ، غير أنهم أرادوا إنشاء مجتمع أكثر تنظيما وتحديدا للحقوق والحريات ، وإنشاء هيئة تقوم بتنفيذ القانون الطبيعي ، فقرروا إبرام عقد فيما بينهم يؤدي إلى ظهور سلطة  تكون مهمتها تحقيق العدالة ، إذن مبرر وأساس قيام الدولة عند "لوك" هو الرضا لا غير .
      ويرى "جون لوك" أن أطراف العقد اثنان ، الأفراد والحاكم المختار من قبلهم ، ومن ثمة تكون سلطته مقيدة بما اتفق عليه أثناء التعاقد ، وفضلا عن ذلك فإن "لوك" يرى أن الأفراد لم يتنازلوا عن إبرام العقد عن جميع حقوقهم وإنما عن الجزء الضروري منها لاقامة السلطة والدولة بما يكفل احترام حقوق الأفراد وحمايتها .
     وعلى الحاكم أن يسخر كل جهوده لتحقيق الصالح العام واحترام حقوق الأفراد الخاصة ومن بينها حق الملكية ، وفي حالة إخلاله بالتزاماته فإنه يحق للأفراد فسخ العقد وتنحيته ، بل أنه يحق للشعب أن يثور ضده إذا حاول مقاومة إرادة الشعب التي تمثل السلطة العليا في الدولة .
      إن معنى الطغيان عند "جون لوك" هو ممارسة السلطة تخطيا لحدود الحق وليس لأحد أن يفعل ذلك ، كأن يمارس الحاكم السلطة لا لمصلحة الخاضعين لها ، بل لمصلحته الشخصية فالحاكم أيَا كان اسمه ، إذا لم يتبع القانون ، وإذا كانت أوامره وأفعاله غير موجهة إلى  حماية أملاك الشعب ، جازت مقاومته كطاغية كما يقاوم أي شخص يعتدي على غيره ، وكما يواجه للصوص و السّارقين في الطريق ...
نقد :
  أول ما نقوله إلى أنصار هذا الاتجاه هو أن العقود السياسية تقع بشكل عرضي ، وغالبا ما تكون من أجل إقامة نظم سياسية جديدة في إطار دولة سابقة في أجل خلق دولة جديدة .
3-نظرية العقد الاجتماعي عند "جان جاك روسو" :
   يرى "جان جاك روسو" في كتابة "أصل عدم المساواة بين الناس" أن حياة الأفراد الطبيعية البدائية كانت تتميز بالعدالة الطبيعية والمساواة والحرية ، إلا أنه نتيجة اكتشاف الزراعة والاختراعات ظهرت الملكية الفردية التي نتجت بسببها فوارق بين الأفراد فانهارت المساواة وتحولت حياتهم إلى مأساة وشقاء وازدادت بذلك الحروب والخلافات بسبب التنافس على الثروة ، مما دفع الأغنياء إلى البحث عن وسيلة تكفل لهم القضاء على هذه الوضعيات فاستمالوا الفقراء من أجل إقامة مجتمع العقد يبرم بينهم للمحافظة على أموالهم والقضاء على الحروب بحيث يتنازل كل فرد عن جميع حقوقه الطبيعية للجماعة كلها .
   ويبيّن "روسو" كيفية إبرام العقد حيث يرى أن الأفراد يبرمونه مع أنفسهم بصفتهم أفراد منفصلين عن بعضهم ، وباعتبارهم أفراد متحدين في الجماعة السياسية التي يرغبون في إقامتها . ويعني ذلك أن روسو يتصور الجماعة كأنها تكونت فعلا فيدخلها كطرف في العقد مع الأفراد يتنازل لها هؤلاء عن جميع حقوقهم وحرياتهم الطبيعية مقابل الحصول على حقوق وحريات مدنية تقررها الجماعة للأفراد .
    وينتج عن هذا العقد أمران أساسيان ، أولهما أن الأفراد متساوون من جهة الحقوق والواجبات ، وأن الجماعة المستقلة عنهم تتمتع بالسيادة الكاملة والسلطة المطلقة من جهة ثانية . وبذلك فلا تعارض بين إطلاق سلطة الجماعة المجردة وبين حريات الأفراد لأن إصدارها لقانون من أجل تحقيق الصالح العام يكون تعبيرا عن الإرادات الجزئية للأفراد . مما يستبعد فكرة صدور قانون لا يتماشى وحرياتهم وحقوقهم .
نقد :
- لقد عيب على أصحاب هذه النظرية أنهم أقاموا هذه النظرية على الخيال ، فلم يثبت تاريخيا بأنه وقع اجتماع بين الناس أبرموا أثناءه عقدا فيما بينهم لإقامة مجتمع سياسي .
- إن إبرام العقد لإقامة نظام معيّن ، يتطلب وجود جماعة منظمة لأن العقد لا ينتج آثاره إلا إذا كانت هناك نصوص تحدد حقوق وواجبات الطرفين .
- إنّ العقد يفتقد للطابع القانوني إلا إذا كان هناك نظام سابق عليه.
- إن فكرةالتاريخي.ل الوظيفة التشريعية لا تخلو من عيوب . حيث نجده يطالب لإصدار قانون الحصول على جميع الأصوات وهذا يعد من الأمور المستحيلة لذلك تطرح مسألة مدى قوة وإلزامية هذه الإرادة العامة إذا وجدت أقلية معارضة (وهذه يجب أن تكون).


المدرسة الواقعية
تنظر هذه المدرسة إلى القانون من خلال النظرة الواقعية ، بحيث تعتبر القانون عبارة عن علم اجتماع واقعي يقوم على الملاحظة والتجربة ، وهذا بخلاف ما تنظر له المدرسة المثالية ، التي تعتمد في أصلا القانون إلى أساس ميتافيزيقي .
    تعتمد الفلسفة الواقعية على العالم المحسوس الذي يرتبط بالمشاهدة والتجربة ، ومن ثم فهي تعارض ما تذهب إليه الفلسفة المثالية التي تنكر الملموس ، وتتجه إلى العالم الميتافيزيقي .
    ومن أهم الاتجاهات الواقعية :
- المذهب التاريخي .
- مذهب التضامن الاجتماعي .
- المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي .
المذهب التاريخي :
يسمى هذا المذهب كذلك بمذهب التطور التاريخي ، وقد ظهرت بوارده منذ القرن الثامن عشر في فرنسا ، ومن أنصاره الفقيه "مونتسكيو" وأشهر كتبه "رمح القوانين" الذي صدر سنة 1748.
   وقد ظهر هذا الكتاب في وقت مازال الملوك يعتبرون أنفسهم أنهم ظل الله في الأرض ، وكانوا يمسكون بزمام الحكم بقبضة من حديد .
    وقد كان الفقيه "مونتسكيو" حريصا على ضرورة القضاء على السلطة الفردية المتسلطة ومنع التعسف في استعمال السلطة ، ونتيجة لذلك فقد دعا إلى الأخذ بمبدأ دستور شهير عرف بـ"مبدأ الفصل بين السلطات".
    يتمثل "مبدأ الفصل بين السلطات" في أن هناك حدود لا يجب أن يتعداها الإنسان حتى لا يصطدم بحدود سلطة أخرى ، ومن أجل وضع حد ومنع التعدي على حدود السلطات الأخرى ومنع الإساءة و التعسف ، ومن أجل المحافظة على عدم انهيار الحريات العامة ، فإن "مونتسكيو"  يرى ضرورة توزيع السلطة بين ثلاث هيئات هي :
- الهيئة التشريعية
- الهيئة التنفيذية
- الهيئة القضائية
    لكن كيف تتحقق الحرية إذا اجتمعت هذه السلطات في يد شخص واحد أو هيئة حكومية واحدة ، في هذه الحالة ستكون بصدد حالة استبداد وتسلط .
    ومن جهة أخرى ، انعكس تفكير الفقيه "مونتسكيو" على تفسير أصل القانون حيث يعتقد أن الظروف الاجتماعية لا تأثر في نشوء القواعد القانونية ، فهو يرى بأن قوانين كل بلد تتأثر بطبيعة هذا البلد ، وبجّوه البارد أو الحار أو المعتدل ، وهي تتأثر كذلك بمركز البلد وبطبيعة أرضه ومدى ما وصل إليه من تقدم ، وتطور ونوع الحياة فيه .
    وبذلك ، فإن الأخذ بمبدأ الفص بين السلطات حسب "مونتسكيو" يضمن ممارسة واحترام الحقوق والحريات الفردية على أن توزع تلك السلطات الثلاث، فتكون السلطة التشريعية بيد الشعب أو ممثليه ، وتكون السلطة التنفيذية بيد ملك قوي ، وتكون السلطة القضائية بيد هيئة مستقلة .
    وقد عبر الفقيه "بورتاليس" عن مبدأ آخر وهو (أن القانون يوحد ويتطور آليا مع تقدم الأمن دون تدخل من الإدارة الإنسانية ومقولته المأثورة في هذا الشأن .. تتكون تقنيات الشعوب مع الزمن ، فهي في الحق لا تصنع ...).
    ومن أنصار المذهب التاريخي كذلك الفقيه "سافيني" ، حيث نادى بضرورة إتباع هذا النهج وذلك بمناسبة اعتراضه على الدعوى إلى تقنيين القانون الألماني .
   ومن الحجج التي استند إليها "سافيني" في ذلك هو اعتماده على أن القانون ينشأ في ضمير الشعب ، وينبع من روح الشعب ، ويتطور تلقائيا تبعا لهذه الروح ، فالقانون عند "سافيني" كاللغة يتكون بطريقة تدريجية غير محسوسة مستندا إلى الاقتناع في الشعب ، ثم ينتقل القانون إلى مرحلة متقدمة من التطور فيتخطّى وعي الشعب ليتركز بيد العلماء .
   من خلال كل ذلك ، يمكن القول أن مراحل القانون – حسب رأي سافيني – عبارة عن قوى داخلية تعمل في هدوء بعيدة عن التدخل الحكومي ، وأن القيام بندوة في تقنين معناه عرقلة سيره وتطويره.
   وللمذهب التاريخي مجموعة من الأسس نذكر منها :
1-إنكار وجود القانون الطبيعي : يعتمد منطق المذهب التاريخي على رفض وجود القانون الطبيعي ، لأن هذا الأخير جامد ، في حين أن القانون متغير ويتطور وفقا لحاجات كل أمة وظروفها .
فالقانون إذن عبارة عن عادات تنمو داخل المجتمع وتتطور حيث تترسخ في المجتمع .
2- القانون وليد حاجة الجماعة :
يرى أنصار المذهب التاريخي أن القانون وليد الزمن أي من صنع الزمن ونتاج والتاريخ, فهو وليد حاجة الجماعة وما يتفاعل مع وحداتها من عوامل, ومن ثم فانه يتغير ويتطور حسب ظروف كل مجتمع, وهو يختلف من دولة إلى أخرى, بل ويغير في الدولة نفسها من جيل إلى آخر حسب تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية, وان الجماعة لا يحدها زمن معين أو جيل معين بل هي كالسلسلة تتدرج في حلقاتها الأجيال وتتعاقب على مرار زمن فيرتبط فيها الحاضر بالماضي, ويمهد الحاضر للمستقبل, وبذلك فان القانون هو ثمرة التطور التاريخي, وليس ثمرة جيل من أجيال الجماعة .
3- القانون يتكون ويتطور آليا :
وفقا للمذهب التاريخي فان القانون يتطور في تفاعل مستمر في الضمير الجماعي لكل أمة, وهو بذلك يتكون تكوينا ذاتيا آليا لا تخلقه اراده إنسانية أو تحوله عن طريقه المرسوم  .
من خلال كل ذلك , يمكن القول أن المذهب التاريخي في أصل القانون قد ساهم بشكل كبير في الدور الاجتماعي للقانون وصفته الاجتماعية, وكشف عن الارتباط الواضح بين القانون والبيئة التي ينشأ فيها .
     ورغم ذلك, فأن المذهب التاريخي قد بالغ من ربط القانون بالجماعة, وبالتالي فان ذلك يجعله ينكر الدور العقل الإنساني وقدرته في تكوين القانون , فقد يصدر المشرع قوانين يراها نافعة وفي خدمة المجتمع دون أن يتقيد بالظروف الاجتماعية.
     بالإضافة إلى ذلك فان المذهب التاريخي قد بالغ في اعتبار القانون وليد البيئة, والظروف الخاصة بكل مجتمع ، في حين نجد أن الكثير من الدول قد اقتبست قوانينها كلها أو في جزء منها من قوانين دول أخرى تختلف عليها من حيث الظروف والبيئة الجغرافية ومع ذلك نلاحظ نجاعة هذه القوانين ونفعيتها كما أن النظرة إلى الفرق باعتباره الشكل الأمثل الذي يصدر به القانون ، فإن صحة هذه النظرة في عصور الإنسانية الأولى حيث يكاد يتكون القانون تكوينا أليا فهي لا تصدق اليوم بشأن المجتمعات الحديثة التي تعددت فيها حاجات المجتمع وتعارضت مصالحهم الأمر الذي يتطلب تدخل الإرادة الواعية في اختيار أحسن الوسائل لتحقيق الغاية منه ، وهذا يكون بالضرورة عن طريق التشريع .
أما مسألة اعتبار أن تقنيين القانون يؤدي إلى تجسيده والوقوف في وجه سيره وتطوره ، فإن هذا غير صحيح ، فكثيرا ما يلجأ المشروع إلى تعديلات جديدة للقانون كلما تطلب الحال ذلك .
المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي
يطرح التساؤل في هذا الاطار حول هدف القانون.
هل يهدف القانون الى حماية الفرد أو المجتمع, الى سعادة الفرد كفرد, أو الى الخير العام باعتبار أن الفرد عضو في المجتمع ؟
أولا: المذهب الفردي
يقوم المذهب الفردي على اعتبار أن الفرد هو الأساس وأنه ولد حرا, وأن الجماعة ما هي إلا مجموعه من الأفراد وهدف الجماعة هو الحفاظ على حريات الأفراد, وبذلك فيجب أن يتمتع بالحقوق والحريات في جوانبها المختلفة ,إلا أن ممارسة الفرد لحقوقه وحرياته قد تتعارض مع حقوق الآخرين, ونتيجة لذلك وجد القانون من أجل الحفاظ على ممارسة الأفراد لحقوقهم, ولا يتدخل القانون في هذه الحال هالا بالقدر الذي يساعده في تحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه.
من خلال ذلك, يمكن القول أن هدف المذهب الفردي هو الحفاظ على حرية الفرد, وبذلك فالمذهب الفردي يقوم على أساس أن مصلحة الفرد هي الغاية, وهدف القانون والجماعة ماهي الا نسيج صناعي يمارس كل فرد نشاطه ممن خلاله, ويرى أنصار هذا المذهب أن تحقيق مصلحة الفرد تؤدي الى تحقيق مصالح الجماعة , لأن مصالح الجماعة ما هي إلا مصالح الأفراد مجتمعة.
وقد انعكس هذا المذهب على وظيفة الدولة التي تقوم عليها الأنظمة الحرة التي تجد أساسها في المذهب الفردي الذي تضمنه بنود إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 التي تستند الى فكرة القانون الطبيعي الذي أقام العلاقات الثابتة بين مختلف الظواهر, وأن الباعث على النشاطات المختلفة خاصة منها الاقتصادية هو المصلحة الشخصية التي تتوافق مع المصلحة العامة, وذلك بترك الافراد أحرارا ومتساوين يمارسون ما يحلولهم من مهن, مما يولد في نفوسهم روح التنافس والابتكار فتكثر الخيرات ويزداد التطور, كل ذلك في صالح المجتمع.
إن التنازع والتنافس بين الأفراد ومصالحهم, يتم حسمه عن طريق قانون السوق, ولا تتدخل الدولة  ..
وخلاصة القول فان المذهب الفردي يهدف الى حماية الفرد ومنحه حريته كاملة, والجماعة ما هي الا مجموعة من الأفراد, وأن تحقيق المصالح الفردية معناه تحقيق مصالح الجماعة, وأن الدولة لا تادخل في حقوق وحريات الأفراد وتقتصر على مرافق الدفاع والأمن والقضاء.  
نقد:
- يعتبر المذهب الفردي أن حقوق الفرد سابقة على وجود في الجماعة وهذا غير منطقي ، حيث لا يمكن وجود حقوق للفرد سابقة على وجود الجماعة .
- إن المذهب الفردي يعمل مصالح الجماعة ، حيث يعتبر المجتمع عبارة نسيج وجد من أجل تحقيق مصالح الفرد بصورة مطلقة ، وهذا يؤدي إلى بث الأنانية في النفوس ويهمل مصالح الجماعة .
ثانيا: المذهب الاشتراكي (الاجتماعي)
      ينظر المذهب الاشتراكي إلى القانون عكس النظرة الفردية ، فالفرد في مفهوم المذهب الاشتراكي هو كائن اجتماعي مرتبط بغيره من الناس ، والجماعة هي الغاية من الوجود ، وليست أداة لغيرها من الغايات لذلك يجب تسخير الأفراد لخدمتها كل يشارك بنصيب من مجهوده في سبيل تحقيق الصالح العام المشترك .
       وقد انتقلت هذه الأفكار الاشتراكية إلى السيدان العمليين في القرن العشرين . ويؤدي   الأخذ بهذا المذهب إلى اتساع نشاط الدولة و وظائفها وتهدف الاشتراكية إلى جعل الدولة  مسيطرة على وسائل الإنتاج وإلغاء الفوارق الطبقية ، بالإضافة إلى ذلك تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
       وترى المدرسة الاشتراكية أن القانون هو تدبير برجوازي تلجأ إليه الطبقة الغنية لحكم الطبقة الفقيرة واستغلالها اقتصاديا ، وأن الدولة فهي الجهاز القانوني بأكمله الذي توظفه البرجوازية لقمع الطبقة العاملة واستغلالها .
       ويعترف الماركسيون بالطابع التقدمي للدولة من حيث أنها مرحلة ضرورية لتساهم في إعداد المجتمع لخوض غمار الثورة الشيوعية .
      ويرى الماركسيون أن الدولة تموت ، وتفسح المجال للمجتمع الشيوعي الذي يطبق مبدأ التنظيم الذاتي ، ويتحقق الانسجام والشيوعية  .
     إلا ن الشيوعية لم يتم الوصول إليها، بل انهارت الاشتراكية حيث تحولت هذه الأخيرة إلى جهاز تسلطي وبيروقراطي يقمع الحريات ويقيدها ، وأدى ذلك في النهاية إلى انهيار الاشتراكية كنظام وكأيديولوجية وانتهت الحرب الباردة بانتصار المعسكر الرأس مالي وانتشار المذهب الليبرالي والسوق الحر .
     ومن خلال ذلك ، فإن الحرية وفق المذهب الاشتراكي ليست حقا طبيعيا كما يزعم أنصار المذهب الفردي ، وإنما هي ممنوحة للفرد من الجماعة ،وقد أدى ذلك إلى توسيع نطاق القاعدة القانونية وانبساطها على مختلف أفاق النشاط في الجماعة فتقلص بذلك "مبدأ سلطان الإرادة" و "حرية التعاقد" وزيادة تدخل الدولة لإقامة المساواة الحقيقية بين المتعاقدين لمنع تحكم أحد طرفي العقد ، وبما يملك في قوة اقتصادية من            من ظروف العرض والطلب.
نقد:
- تعرف هذا المذهب إلى الكثير من الانتقادات منها أن القضاء على نشاط الفرد وإضعاف روح الابتكار عنده نتيجة حرمانه من حق الملكية .
- إذا كان هذا النظام يؤدي إلى القضاء على الاستغلال فإنه من جهة أخرى يسمح لطبقة أخرى باستغلال الطبقة العاملة واستبعادها ، وذلك عن طريق القضاء على حرياتهم وحقوقها.
مذهب التضامن الاجتماعي
La Doctrine De Le Solidarité Sociale
   من أبرز فقهاء هذه المدرسة ، الفقيه الفرنسي "ليون ديجي"، وكذلك الفقيه "موريس هوريو" .
   يرى الأستاذ "ليون ديجي" أن القانون مرتبط بالتضامن الاجتماعي، حيث يرى"ديجي" أن الإنسان قد عاش في الماضي كما يعيش الآن مع غيره في حياة اجتماعية ، والمجتمع بالنسبة إليه يعتبر حقيقة واقعية . فالإنسان هو من جهة عضو في جماعة إنسانية ، ومن جهة أخرى هو إنسان له كيان شخصي مستقل عن المجتمع ، له حاجاته الشخصية وميوله الخاص الذي لا يمكن إشباعه إلا في ظل مجتمع .
    من خلال ذلك ، يرتبط الإنسان بأفراد المجتمع ارتباط تضامن ، فالتضامن عند "ديجي" حقيقة علمية واقعية ، وليست مثلا أعلى ميتافيزيقي . ويرى "ديجي" أن ظاهرة التضامن ظاهرة حقيقية ويظهر ذلك كمثال : 
- عند القبائل الرُّحل ، حيث كان الناس يجتمعون للدفاع عن كيانهم وظروف حياتهم .
- في مجال الأسرة ، نلاحظ التضامن بصورة واضحة وكاملة ، حيث أن الدافع المؤدي إلى ذلك أكثر مما سبق والمتمثل في عوامل القراية والدين .
- أمّا في المدن ، فيظهر التضامن الاجتماعي بين الأسر ذات التقاليد والأصول والأعراض المتحدة .
     وما يمكن قوله بشأن هذه النظرية أنها تفترض قيام تضامن اجتماعي سامي على كل الخلافات الموجودة بين الطبقات ، وهذا معناه أن الفوارق الموجودة مهما تضاعفت وتسلطت معها الطبقة الحاكمة فإن الطبقة المحكومة تبقى مقيدة بفكرة التضامن .
مفاهيم عامة حول دولة القانون
    شاع مفهوم دولة القانون في نهاية القرن العشرين ، ومفهومه ببساطة هو حكم القانون الشامل و سمو قواعده فوق الجميع .
     ويتركز هذا المفهوم على مجموعة من الأسر ينبغي أن تسير عليها الأنظمة الحاكمة وتتمثل هذه الأسس في :
- ضرورة وجود دستور.
- مبدأ الفصل بين السلطات .
- التعددية السياسية .
- حرية التعبير والصحافة والرأي .
     ويدخل كل ذلك في إطار ما يسمى بـ: احترام حقوق الإنسان.
1)-ضرورة وجود الدستور :
    كلمة دستور ليست عربية الأصل ومعناها هو القانون الأساسي ، لكن هناك من يستعمل الدستور بهذا المعنى، وهناك من يستعمل "مصطلح القانون الأساسي" للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور ، غير أنها تعتبر أساسية حيث توجد هناك قوانين أخرى تتناولها بالشرح، أو قوانين أخرى تتناول أحد جزيئات القانون الأساسي.
   إذن فالدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الكلمة في حيز أنها يمكن أن تستعمل بمعنى واسع فيكون مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة ، وقد يكون مكتوبا أو عرفيا . ومن خلال هذا المفهوم ، فإن الدستور يوجد في كل جماعة من الأسرة حتى الدولة وهذا هو المعنى الواسع للدستور.
   وقد بدأت الحركة الدستورية في الظهور في عصر النهضة الأوروبية من أجل تفسير السلطة الواسعة للملك ومن ثمّ ظهرت الدساتير المكتوبة من أجل الحد من السلطة المطلقة و الاستبدادية للملوك.
   أما من الناحية القانونية ، فإن الدستور ينظم شؤون الدولة وعلاقة أجهزته ببعضها البعض ، كما أن الحكام يمارسون وظائفهم ز اختصاصاتهم طبقا لهذا الدستور .
    ومن الجانب القانوني فإن الدستور له مفهوم شكلي وآخر موضوعي .
أما المفهوم الشكلي فهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ، إذن المفهوم الشكلي للدستور يتمثل في مجموعة النصوص القانونية المتضمنة في الوثيقة الدستورية الموضوعة من طرف هيئة مختصة .
    غير أن هذا المفهوم الشكلي يتعارض مع وجود دساتير عرفية غير مكتوبة في وثيقة معتمدة لدستور ، ومثال لذلك دستور انكلترا .
أما المفهوم الموضوعي فيتعلق بمجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات المختلفة واختصاصاتها،وكذلك مجموعة القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم العامة وضماناتها . وفي كل هذه الأحوال دون النظر إلى ما إذا كانت مكتوبة في وثيقة أو كانت عرفية .
     ومن خلال المفهومين السابق ذكرهما اختلف الفقهاء حول المعيار المعتمد في تعريف الدستور فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي معتبرا الدستور هو تلك الوثيقة المكتوبة والمدوّنة ، ومنهم من اعتمد المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور.
2)-مبدأ الفصل بين السلطات :
     من المبادئ التي يرتكز عليها مفهوم دولة القانون بدأ الفصل بين السلطات .
     لقد اقترن هذا المبدأ بالفقيه"مونتسكيو" الذي تطرق له في كتابه "روح القوانين".ويرى "مونتسكيو" أن مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة للتخلص من السلطة المطلقة للملوك ، حيث أن جمع السلطات في يد واحدة يؤدي إلى الاستبداد ، وللحد من ذلك كان يجب وضع قيود على تلك السلطات ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بوجود سلطة مقابلة لها – السلطة توقف السلطة .
     من خلال ذلك ، يجب أن تكون السلطات موزعة بين هيئات مختلفة تعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة وتوقف كل منها الأخرى عند اعتدائها على اختصاصاتها .
    ويرى الفقيه "مونتسكيو" أن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى ضمان احترام الحقوق والحريات الفردية بحيث يجب أن توزع هذه السلطات بين ثلاث هيئات :
- السلطة التشريعية تكون بيد الشعب أو ممثليه
- السلطة التنفيذية بيد ملك قوي
- السلطة القضائية تسند إلى هيئة مستقلة
3)-التعددية السياسية :
     لقد كانت الأنظمة السياسية في النظام الدولي السياسي قبل انهيار المعسكر الاشتراكي يحضى بحماية مبدأ السيادة ، حيث أنه بموجب هذا المبدأ كانت الأنظمة السياسية تقبل في الأمم المتحدة سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية .
     وقد جاء في اللائحة المتعلقة بالعلاقات الودية سنة 1975 أن لكل دولة حق الاختيار الحرية نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي . والاختيار في هذا النص يخص "الدول" لا "الشعوب" أي أن هناك إمكانية الاختيار من طرف الحكومات ضد إرادة الشعوب .
     غير أن هناك تحول على صعيد المجتمع الدولي ، وأصبحت الأمم المتحدة تعمل على تجسيد مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة وكذلك المساعدة على إجراء هذه الانتخابات فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1990 اللائحة 150/45 حول تعزيز فعالية مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة كعنصر أساسي للتمتع الفعلي بعدد كبير من الحريات والحقوق الأساسية الأخرى .
    غير أن هذه النصوص قد لاقت مقاومة شديدة من تلك الدول التي أبقت على هذه النصوص نظرية دون تطبيقها في الميدان . وقد تجسدت هذه المقاومة في صدور نصوص لاحقة وفي نفس الوقت الذي صدرت فيه النصوص التي تؤكد على ضرورة وجود انتخابات وتعزيز فعاليتها . وتمثلت هذه النصوص اللاحقة في تلك النصوص التي تلحّ على احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول فيما يتعلق بالمسارات الانتخابية .
     من خلال كل ما سبق يمكن القول أن دولة القانون هي هدف ومسعى حضاري تتسابق من أجل تحقيقه شعوب العالم وحضاراته ، وقد تختلف هذه الشعوب في منهاجها وطرفها لتحقيق هذا المبتغى الاستراتيجي إلا أنها تهدف في الأخير لبلوغ خضوع الدولة للقانون وتحقيق العدالة داخل المجتمع وبين الأفراد .

المصدر: https://sites.google.com/site/institutdroiteloued/confer

تعليقات