القائمة الرئيسية

الصفحات



التـبـلــيغ في الميدان الضريبي وفق المسطـرة الجديدة ذ. عبد المولىعابد مفوض ملكي بالمحكمة الإدارية بوجدة

التـبـلــيغ في الميدان الضريبي وفق المسطـرة الجديدة  ذ.  عبد المولىعابد مفوض ملكي بالمحكمة الإدارية  بوجدة







مداخلة القيت في ندوة" المنازعات الانتخابية والجبائية  من خلال توجهات  المجلس الأعلى


المركب الرياضي والاجتماعي لبنك المغرب
حي الرياض –مدينة العرفان
10-11 مايو 

التـبـلــيغ في الميدان الضريبي وفق المسطـرة الجديدة  ذ.  عبد المولىعابد مفوض ملكي بالمحكمة الإدارية  بوجدة




التـبـلــيغ في الميدان الضريبي وفق المسطـرة الجديدة  ذ.  عبد المولىعابد مفوض ملكي بالمحكمة الإدارية  بوجدة


التـبـلــيغ في الميدان الضريبي وفق المسطـرة الجديدة

ذ.  عبد المولىعابد
مفوض ملكي بالمحكمة الإدارية
بوجدة


توطئة :
التبليغ بمفهومه القانوني هو إعلان رسمي يعلن بمقتضاه صاحب شأن عن عمل قانوني واقع وذلك بنية ترتيب أثر قانوني.
و يعتبر التبليغ بهذا المعنى من أهم الإجراءات القانونية التي تتحكم في مصير الدعاوى القضائية وغيرها من المساطر بل و حتى قبل عرضها على القضاء كجهات التحكيم التي أسند لها القانون حق التدخل لفض بعض النزاعات و هكذا فإن عملية التبليغ تهدف بالأساس إلى تمكين الشخص المراد إعلامه أو من يمثله قانونا من معرفة كل محتويات المطالبة و ذلك عن طريق الانتقال إلى موطنه الأصلي أو المختار أو القانوني أو مركز أعماله و تسليمه الإجراء المطلوب ليتحقق إعلامه إما شخصيا أو بواسطة نائبه أو أي شخص مؤهل قانونا لذلك و بالتالي فإن عملية التبليغ أو الإعلام المذكورة لا تكون صحيحة إلا إذا قام بها من جهة من أسند إليهم القانون تلك المهمة و تمت وفق الشكليات التي رسمها القانون كما أشير إليها ذلك أعلاه من جهة أخرى
فالتبليغ إذن هو إجراء جوهري هدفه إخبار المعني بالأمر بشيء معين يتولى القيام به من حددهم القانون لذلك فهو في التشريع المغربي ّإما الموظف التابع لوزارة العدل )عون التبليغ( أو العون القضائي أو نائبه المحلف أو السلطة الإدارية أو الموظف التابع لمصلحة البريد أو الأعوان الدبلوماسيون أو القنصليون أو غيرهم ممن أسند لهم القانون هذه المهمة بمقتضى نصوص خاصة )أعوان الإدارة الضريبية المحلفين(.
فأهمية التبليغ ودوره الأساسي إذن تتجلى انطلاقا مما ذكر أعلاه في ضمان حق الدفاع و تحقيق المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات هذا الحق الذي يعتبر مقدسا وركيزة أساسية في قانون الإجراءات التي نصت عليه جميع التشريعات الحديثة والتي يحرص العمل القضائي أشد الحرص على احترامه باعتباره يتيح للأطراف إمكانية مناقشة الدعاوى و المطالبات و كذا الوسائل و الأسباب التي بنيت عليها و التعبير عن وجهة النظر بشأنها في إطار ما أصبح يسمى بالمسطرة التواجهية التي تتيح لكل طرف التعبير عن رأيه و الدفاع عن مصالحه بكافة الوسائل المتاحة قانونا.
و لما كانت عملية التبليغ بالأهمية أعلاه فقد نصت عليها جميع التشريعات ووضعت لها قواعد دقيقة و محكمة تكفل ضمان حق الدفاع و ذلك بتبليغ الأوراق القضائية و غير القضائية  للأطراف المعنية بها و منها المشرع المغربي الذي خصص لها الفصول 36-37-38-39-40 و 41 و كذلك الفصول 519-520-521-522-523-524-525 و 526
و باستقراء قانون المسطرة المدنية يمكننا استنباط ثلاث إمكانيات تنجز بواسطتها عملية التبليغ :
v          عن طريق أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو كتابهم المحلفون.
v          عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.
v          بالطريقة الإدارية بواسطة أعوان السلطة.
كما أن عملية التبليغ هذه لن تكون صحيحة إلا إذا سلم الطي )الإعلان( إلى الشخص نفسه أو في موطنه إلى أحد أقاربه أو خدمه أو لكل شخص يسكن معه، ويعتبر محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب.
و إذا كانت المسطرة أعلاه هي بإيجاز القاعدة العامة لمسطرة التبليغ في الميدان المدني فهل تبقى هذه القواعد سارية المفعول وجديرة بالتطبيق حتى في غيرها من المساطر خاصة منها الميدان الضريبي و تحديدا فيما يتعلق بمسطرة الفرض التلقائي للضريبة من جهة و مسطرة تصحيحها في الثلاثية الضريبية من جهة ثانية ؟
للجواب على السؤال المطروح وجب تناول هذا الموضوع في محورين أساسيين.
×       المحور الأول : المقتضيات القانونية الخاصة بموضوع التبليغ في الميدان الجبائي
×       المحور الثاني : الإشكالات التي تطرحها مسطرة التبليغ في الميدان العملي.
*  المحور الأول : المقتضيات القانونية الخاصة بموضوع التبليغ في الميدان الجبائي.
و هذه المقتضيات يمكن استنباطها من قوانين النصوص القانونية المتعلقة بمسطرة التبليغ التي أتت بها قوانين المالية المتلاحقة إلى حدود صدور قانون المالية سنة 2005، ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين أساسيتين :
* المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل صدور قانون المالية لسنة 95 و ما لحقها من
 تعديلات بمقتضى قوانين المالية اللاحقة.
إن المتتبع لقوانين المالية الصادرة ما قبل سنة 1995 و السنوات التالية لها يلاحظ باستقراء النصوص القانونية المنظمة لمسطرة التبليغ في الميدان الضريبي خلال هذه المرحلة أن هذه المسطرة كانت تتم عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتسليم و أن هذه الطريقة بعد وضعها محك التجربة لم تحقق النتيجة المرجوة وهي الوصول إلى التبليغ بالمفهوم الذي يحقق ما أصبح يسمى بالمسطرة التواجهية في الميدان الضريبي التي تعتمد في جوهرها على إشراك الملزم في عملية ربط الضريبة عن طريق الحوار مع الإدارة  تحقيقا للعدالة الضريبية المرجوة في إطار جو يسوده الاطمئنان و المسؤولية،  و ذلك لكون أغلب التبليغات الموجهة بالطريقة المذكورة كانت ترجع بعبارة – غير مطلوب أو عنوان ناقص – و جدير بالذكر أن القضاء كان لا يعتبر رجوع الطي بعبارة : " غير مطلوب." تبليغا قانونيا. ينتج آثاره و سار في اتجاه الحكم بإلغاء أو بطلان عدد كبير من الضرائب استنادا إلى وسيلة خرق المقتضيات القانونية المتعلقة بمسطرة التبليغ.
و نتيجة لهذه الوضعية و ما نتج عنها من آثار سلبية على عملية ربط الضريبة وبالتالي على عائدات الخزينة تدخل المشرع في محاولة لمعالجة ما يمكن أن نسميه بأزمة التبليغ في الميدان الضريبي و التي تمثلت في غل يد إدارة الضرائب في فرض الضريبة في حالة رجوع التبليغ بالبريد المضمون بعبارة : " غير مطلوب " من خلال قانون المالية لسنة 1995 حيث جاء بمقتضيات جديدة في المادة 15 و ذلك بالنسبة لكل الضرائب الإقرارية أو ما أصبح يعرف في هذا الميدان باصطلاح الثلاثية الضريبيــة )الضريبة العامة على الدخل – الضريبة على الشركات – الضريبة على القيمة المضافة( حيث نصت المادة المذكورة على ما يلي :
" إذا تعذر تسليم التبليغ المقرر بالعنوان الذي حدده  الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة لأي سبب من الأسباب غير الامتناع عن التسليم، بوشر التبليغ المذكور بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية."
و يجب أن يقوم العون المبلغ بتقديم الوثيقة المراد تبليغها إلى المعني بالأمر في ظرف مغلق و يثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين وفق مطبوع تقدمه الإدارة وتسلم نسخة من هذه الشهادة إلى المعني بالأمر.
كما نصت المادة المذكورة على الإجراءات الشكلية الواجب توافرها في الشهادة المذكورة من اسم العون المبلغ و صفته و تاريخ التبليغ و الشخص المسلمة إليه الوثيقة، وفي الحالة التي لا يستطيع أو لا يريد الشخص الذي تسلم التبليغ توقيع الشهادة أوجبت على العون المكلف بالتبليغ أن يشير إلى ذلك في الشهادة المذكورة و في جميع الأحوال يوقع العون تلك الشهادة و يوجهها إلى مفتش الضرائب المعني بالأمر.
و في حالة تعذر إنجاز التبليغ  نظرا لتعذر الاتصال بالخاضع بالضريبة أو الشخص الذي ينوب عنه أوجبت الإشارة إلى ذلك في الشهادة المذكورة التي ترجع إلى المفتش المعني.
كما بينت الحالة التي تعتبر فيها الوثيقة مبلغة بصورة صحيحة و ذلك عندما تسلم :
-                               فيما يخص الأشخاص الطبيعيين إما للشخص المعني بالأمر و إما بموطنه إلى أقاربه أو مستخدميه أو إلى أي شخص آخر يسكن أو يعمل مع الموجهة إليه الوثيقة.
-                               فيما يخص الشركات و الأشخاص المعنوية الأخرى إلى الممثل القانوني أو المستخدمين أو إلى أي شخص آخر يعمل مع الخاضع للضريبة الموجهة إليه الوثيقة مطبقة بذلك النصوص الخاصة بالتبليغ المقررة في ق.م.م. و تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن العمل القضائي الإداري كان سباقا إلى تطبيق هذه المقتضيات )ق.م.م( وذلك  لسد الفراغ التشريعي الذي كان يميز القوانين الضريبية السابقة.
-                               و جدير بالذكر من جهة ثانية أن المقتضيات المتعلقة بالتبليغ المذكورة قد خضعت بدورها لعدة تعديلات – و هكذا تم تغييرها بمقتضى المادة 11 من قانون المالية رقم 96/97 ثم بالمادة 10 من القانون المالية لسنة 2001 وأصبحت بالتالي مسطرة التبليغ الجديدة تتم وفق ما ذكر أعلاه مع إعطاء الإدارة الضريبية الحق في إجراء التبليغ إما عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالاستلام أو عن طريق الأعوان المحلفين سواء منهم العاملين بالإدارة المذكورة أو بكتابة الضبط أو الأعوان أو بالطريقة الإدارية و ذلك بغية تسهيل إجراءات المسطرة وضمان تسريعها غير أن هذه المسطرة و تحت ضغط العمل القضائي سرعان ما تم الاستغناء عنها بدورها بمقتضى قانون المالية لسنة 2005 في المادة 10 منه وهو موضوع المرحلة الثانية كما سبق ذكره.
* المرحلة الثانية : المقتضيات القانونية التي جاء بها قانون المالية لسنة 2005 في مجال التبليغ .
هذه المرحلة يؤشر لها قانون المالية لسنة 2005  و بالتحديد المادة العاشرة  من كتاب المساطر الجبائية الجديدة المحدثة بموجبه و التي جاءت مسطرة التبليغ فيها بطريقة مغايرة للقواعد العامة المقررة في قوانين المالية السابقة التي أقرها العمل القضائي في مجال التبليغ وهكذا نص المشرع على أن : " التبليغ يتم بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه إما برسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية."
ويجب أن يقوم العون المبلغ بتقديم الوثيقة المراد تبليغها إلى المعني بالأمر في ظرف مغلق. و يثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين وفق نموذج تحدده الإدارة وتسلم نسخة من هذه الشهادة إلى المعني بالأمر.
و يجب أن تتضمن شهادة التسليم البيانات التالية :
اسم العون المبلغ و صفته – تاريخ التبليغ – الشخص المسلمة إليه الوثيقة وتوقيعه و إذا لم يستطع أو لم يرد الشخص الذي تسلم التبليغ توقيع الشهادة وجب على العون الذي قام بالتسليم أن يشير فيها إلى ذلك و في جميع الحالات يوقع العون المذكور لشهادة ويوجهها إلى مفتش الضرائب المعني بالأمر.
و إذا كانت المقتضيات  المذكورة أعلاه تعتبر هي نفسها التي أقرها قانون المالية لسنة 1995 و ما أدخل عليه من تعديلات بمقتضى  قوانين المالية اللاحقة فإن الخلاف الجوهري الذي جاء به الفصل المذكور يتجلى أساسا في المسطرة المتبعة في حالة تعذر التبليغ لعدم العثور على الخاضع للضريبة أو من ينوب عنه حيث نص على ما يلي :
" إذا تعذر القيام بالتسليم المذكور نظرا لعدم العثور على الخاضع للضريبة أو الشخص النائب عنه، وجبت الإشارة إلى ذلك في شهادة التسليم التي توقع من طرف العون و ترجع إلى المفتش المشار إليه في الفقرة السابقة."
و تعتبر الوثيقة مبلغة بصورة صحيحة :
1-          إذا وقع تسليمها :
Û         فيما يخص الأشخاص الطبيعيين إما للشخص المعني و إما بموطنه  لأقاربه أو مستخدمين عنده أو لكل شخص آخر يسكن أو يعمل مع الموجهة إليه الوثيقة أو في حالة رفض تسلمه الوثيقة المذكورة بعد انصرام أجل 10 أيام التالية لتاريخ رفض التسلم.
Û         فيما يخص الشركات والهيئات الأخرى المشار إليها في المادة 8 من القانون رقم 89/17 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل إلى الشريك الرئيسي أو ممثل الشركة القانوني أو مستخدميها أو أي شخص آخر يعمل مع الخاضع للضريبة الموجهة إليه الوثيقة أو في حالة رفض تسلم الوثيقة المذكورة بعد انصرام أجل العشرة )10( أيام التالي لتاريخ رفض التسليم.
2-          إذا تعذر تسليمها إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتش الضرائب عندما يتم توجيه الوثيقة في رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتسليم أو بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية و تم إرجاع الوثيقة مذيلة ببيان غير مطالب به أو انتقل من العنوان أو عنوان غير معروف أو غير تام أو أماكن مغلقة أو خاضع للضريبة غير معروف بالعنوان في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة )10( أيام التالية لتاريخ إثبات تعذر تسليم الظرف المذكور.
و هكذا فباستقراء النص المذكور يلاحظ أن المشرع رتب الآثار القانونية المترتبة عن رفض التبليغ على الحالة التي يتعذر فيها التبليغ للخاضع للضريبة رغم أن الحالة الأولى )رفض التسليم( تفيد أن الملزم من خلال رفضه التوصل بالطي يكون قد عبر عن إرادته الشخصية بحرية و اختيار و عن طواعية عدم سلوك المسطرة  التواجهية والآثار القانونية المترتبة عن ذلك. في حين أن الملزم في الحالة الثانية لم تتح له فرصة التعبير عن إرادته بشكل صريح لسبب من الأسباب التي قد تكون ناتجة عن قوة قاهرة أو عن حالة واقعية معينة أو عن تزوير ... إلخ.
هذا و إن كانت مسألة التهرب الضريبي تطرح نفسها بحدة في هذا المجال، و أنه يلاحظ لأول وهلة أن نية المشرع قد انصرفت إلى محاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي لها انعكاسات سلبية على عائدات الخزينة، فإن الحسم في كل حالات تعذر التبليغ بالطريقة التي صيغ بها النص يجعله يصطدم و مبدأ حق الدفاع في كثير من الحالات التي يكون فيها الملزم حسن النية لا يتوفر فعلا إلا على العنوان الذي قدمه للإدارة وأن أسباب تعذر التبليغ لا ترجع في الواقع إلى دقة العنوان و ضبطه بقدر ما ترجع إلى عامل و سلوك العنصر البشري و طبيعة الجهة التي يقطن بها إضافة إلى الطريقة المختارة من طرف الإدارة لإجراء التبليغ المذكور.
و تجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي و هو بصدد دراسة مسطرة التبليغ ومدى مطابقتها للقانون قد اعتبر في كثير من أحكامه أنه متى ثبت أن الإدارة قد قامت بكل ما بوسعها لإيصال طي التبليغ إلى الملزم بعنوانه الذي قدمه لها أو الموثق بعقوده أو إقرارته أو مراسلاته كان التبليغ صحيحا و منتجا لآثاره على اعتبار أن الشخص لا يمكن أن يستفيد من أخطائه، مما يكون معه العمل القضائي قد كان سباقا و هو يقرر المبدأ المذكور إلى محاربة ظاهرة التهرب الضريبي من جهة و إلى المحافظة على حقوق الملزم حسن النية من جهة أخرى.
تلك هي إذن مسطرة التبليغ في الميدان الضريبي سابقا و حاضرا فما هي الإشكاليات المطروحة في الميدان العملي في ضوء المادة 10 السالفة الذكر، ذلك ما سنتناوله في المحور الثاني أسفله.
*  المحور الثاني : الإشكاليات المتعلقة بالتبليغ في الميدان العملي.
لا يختلف اثنان حول تأكيد كون مسطرة التبليغ بالمفهوم الذي سبق بيانه كانت و لا تزال مصدر اهتمام كافة فعاليات المنظومة القانونية.
كما لا يختلف اثنان في تأكيد أن كافة التشريعات مهما بلغت درجة دقتها في صياغة النصوص القانونية فإنها لا تستطيع أن تضع يدها على جميع مكامن النقص والقصور التي يمليها وضع القوانين موضع التنفيذ ، وأن الاجتهاد القضائي كان و لا يزال هو الجهة الكفيلة بحل الإشكاليات المطروحة لتلك الحالات و كان مصدر إلهام المشرع في صياغة الكثير من النصوص التشريعية الصريحة في كثير من المجالات و منها المجال الضريبي، و في هذا الإطار لا بد من التذكير بأن نسبة مهمة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية قد عالجت بشجاعة الحرص على تطبيق القانون تطبيقا سليما في مجال التبليغ القانوني المنتج لآثاره في الميدان الضريبي سواء تعلق الأمر بحالات مراجعة أسس فرض الضريبة المصرح بها و عرض النزاع على أنظار اللجان أو بمناسبة الفرض التلقائي للضريبة اللذين ظلا يشكلان مجالا خصبا لإشكالية التبليغ و طرح عدة منازعات كثيرة أمام المحاكم انتهت أغلبها بالحكم بإلغاء الضرائب المفروضة لعدم تطبيق مسطرة التبليغ تطبيقا سليما هذا الموقف الذي تولد عنه التعديل الوارد بقانون المالية لسنة 2005 و الذي وضع حدا لحالات النقص و القصور في النصوص المتعلقة بالتبليغ في قوانين المالية السابقة و الذي كان يتولى الاجتهاد القضائي إقرار قواعده.
لكن و بالنظر إلى ما سبق بيانه أعلاه، يمكننا طرح السؤال التالي :
هل نص المادة 10 أعلاه يستطيع أن يلامس جميع الحالات و الإشكاليات التي تتولد  و تنبثق عن وضع النص المذكور موضع التطبيق على أرض الواقع ؟
لقد سبق لنا أن أكدنا أعلاه أن أي تشريع مهما كانت درجة دقته في الصياغة لن يستطيع أن يضع يده على كافة الجوانب و أن وضعه موضع التنفيذ قد تتولد عنه إشكاليات جديدة تستوجب تدخل الاجتهاد القضائي إلى جانب المشرع باستلهام روح هذا الأخير تارة و أخرى استنادا إلى القواعد العامة المقررة قانونا لإيجاد الحلول المناسبة لها. و هكذا يمكن القول في ضوء الوضعية الجديدة أن النص المذكور و إن كان قد وضع حدا لوضعية سابقة أزعجت الإدارة الجبائية بعد إلغاء مجموعة مهمة من المساطر بسبب الإخلال بمسطرة التبليغ فإن وضع النص المذكور موضع التنفيذ قد تنتج عنه حالات أخرى تتعارض من جهة مع المبادئ العامة للقانون بصفة عامة و أخرى مع ما هو مقرر في بعض المساطر الضريبية كمدونة تحصيل الديون العمومية.
و هذه الإشكاليات يمكن أن تكون إما مرتبطة بالشخص نفسه (الملزم( او بما يعرف بوثيقة التبليغ )شهادة التسليم( و إما بالشخص القائم بالتبليغ أو الجهة التي تقوم مقامه.
و هكذا فباستقراء نص المادة 10 المذكورة و المقتضيات الجديدة التي جاءت بها في ميدان التبليغات فإنه يلاحظ أن المشرع قد أطلق يد الإدارة الضريبية في هذا المجال فبعد أن أكد أن التبليغ يتم بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة ، أعطى لها الاختيار في القيام بهذه العملية إما عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لها أو لكتابات الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية مما يطرح السؤال حول الإجراءات الشكلية المتطلبة قانونا الوارد ذكرها في الفقرة الثانية من الفصل المذكور فيما يخص التبليغ عن طريق البريد المضمون و الذي غالبا لا يتم بانتقال ساعي البريد خاص إلى محل سكنى المعني بالأمر لعرض الطي على الملزم، إضافة إلى أن الإشهاد بالتسليم في كثير من الحالات يكون غير متضمن لجميع البيانات اللازمة كاسم العون المبلغ و صفته و تاريخ التبليغ و كذا الإشارة إلى عدم قدرة المتسلم على التوقيع على الوثيقة، كما أنه اعتبر أن الوثيقة تكون مبلغة بصورة صحيحة في حالات حددها صراحة كالتالي :
1-         في حالة تسلمها إلى الشخص نفسه بموطنه أو لأحد أقاربه أو مستخدمين لديه أو لكل شخص آخر يسكن معه أو يعمل مع الموجهة إليه الوثيقة أو في حالة رفض تسلم الوثيقة الموجهة إليه بعد انصرام أجل 10 أيام التالية لتاريخ الرفض المذكور و هذه الحالة عموما لا تطرح أي إشكال إلا في حالة محدودة كحالة الزور مثلا.
2-         إذا تعذر تسليم الوثيقة إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتش الضرائب سواء عن طريق البريد المضمون أو عن طريق أعوان كتابات الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية و رجوع الوثيقة بعبــــارة : " غير مطالب به" أو "انتقل من العنوان" أو عبارة : " غير معروف بالعنوان" بعد انصرام أجل 10 أيام من تاريخ إثبات الملاحظة المناسبة بالوثيقة.
و هكذا يلاحظ أن المشرع قد سوى بين حالات تعذر التبليغ لرفضها الصريح من طرف الملزم بحالات تعذره لعدم العثور على الملزم بعنوانه أو رجوع الطي بملاحظة : " عنوان ناقص" أو "غير معروف" أو " مكان مغلق" أو رجوع الإفادة من إدارة البريد بعبارة : " غير مطالب به"، كما يلاحظ أن المشرع المغربي قد خالف بهذا المقتضى ما سار عليه اجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى و قلص من إمكانية اتباع المسطرة التواجهية بين الإدارة و الملزم التي تسلكها جل القوانين الضريبية، و نحى منحى آخر لا يحقق التوازن بين مصلحة الملزم و الإدارة الضريبية خصوصا في ظروف ما تعرفه إدارة الضرائب من نقص في العنصر البشري المؤهل عمليا و أدبيا لمباشرة المساطر الضريبية و ما يعرفه الواقع الاجتماعي المغربي من وضعية غير مستقرة لأرقام الشوارع و الأحياء ناهيك عما تعرفه وضعيات التجزئات السكنية الجديدة من انعدام الترقيم و تسمية الأزقة و الشوارع بها مما ينعكس سلبا على وضعية الملزمين في خرق واضح لحقوق الدفاع و للنصوص المتعلقة بالتبليغ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية و كذا في القانون رقم 97/15 بمثابة مدونة التحصيل مما سيولد إشكاليات تتجلى في دفع الملزم بعدم توصله بالإشعار الموجه إليه لاستلام الرسالة المضمونة علما أن عملية الإشعار في هذا الباب لا تتم بالشكل المطلوب من طرف الجهة الإدارية المختصة، و قد يدفع بكون عنوانه صحيح و أن تعذر التبليغ يرجع إلى شخص القائم بعملية التبليغ أو إلى أن الخطأ الوارد في رقم منزله لا يد له فيه بعد إعادة ترقيم الحي أو إعطائه اسما جديدا و ما إلى ذلك. أو أنه كان في حالة القوة القاهرة عند توجيه الطي عن طريق البريد المضمون مما تعذر عليه معها تسلمه، أو أن العنوان المدلى به هو نفسه الذي وجهت به الرسالة أو الوثيقة و أن لا خطأ له في ذلك لكون المدينة أو القرية التي يسكنها ليست لها عناوين مضبوطة، كما أنه قد يدفع بأن عنوانه المدلى به هو الصحيح أيضا لكن التبليغ الموجه إليه قد جاء ساعة وجوده هو و زوجته في العمل– إلى غير ذلك من الحالات التي لا مناص من التصدي لها إلا عن طريق الاجتهاد القضائي الشريك الوحيد للمشرع و ضامن الحقوق لجميع الأطراف إدارة و أفرادا.
تلك هي على سبيل المثال لا الحصر بعض الإشكاليات التي يطرحها تطبيق نص المادة 10 المذكورة على أرض الواقع و التي لا مناص منها إلا بإقرار إجراءات عادلة في ميدان التبليغ في المجال الضريبي تضمن للملزم الحق في الدفاع عن مصالحه و للدولة حقوقها في مختلف المجالات و ذلك في إطار احترام القانون و مبادئه العامة من جهة و الحوار من جهة أخرى
خاتمة :
مما تقدم يمكن القول أن جميع المراحل التي مرت بها مسطرة التبليغ في الميدان الضريبي بعد إحداث المحاكم الإدارية كانت نتيجة للمبادئ التي أقرها العمل القضائي بخصوص مسطرة التبليغ الواجبة الاتباع و أن تدخلات المشرع المتتالية في هذا الشأن و إن كانت في ظاهرها تهدف إلى سد الثغرات التي كانت تتضمنها قوانين المالية السابقة فإنها في واقع الأمر قد جاءت كرد فعل للمبادئ المذكورة التي أقرها العمل القضائي خلال حقبة معينة من الزمن  بخصوص مسطرة التبليغ و غلق باب الاجتهاد القضائي باستبعاد تلك المبادئ عن طريق النص الصريح على المسطرة الواجبة الاتباع في هذا الصدد .
كما يلاحظ و إن كان المسلك الذي اختاره المشرع لا يعتبر عيبا في حد ذاته من حيث تدخله لسد الفراغ التشريعي و إحداث نصوص قانونية صريحة لسد باب الجدل، فإن أول ملاحظة يمكن استنباطها هي اعتبار القضاء خصما لا شريكا خلافا لما سارت عليه أغلب التشريعات التي تسعى إلى تكريس قواعد الاجتهاد القضائي و المبادئ العامة للقانون وصياغتها في نصوص قانونية من جهة و إلى إصلاح جهاز الإدارة عن طريق التكوين والتكوين المستمر لتتماشى و السياسات العامة للبلاد و المبادئ العامة المنصوص عليها عالميا و منها حق الملكية و حق الدفاع.
و في نهاية هذا الباب و كيف ما كان موقف المشرع المغربي من العمل القضائي فإنه يمكن القول أن هذا الأخير يبقى مصدر إلهام المشرع الضريبي المغربي باعتباره الشرفة التي تمكنه من رصد الأمور و اتخاذ ما يلزم من إجراءات و مساطر من شأنها المحافظة على مكاسب الخزينة و مواردها من جهة و حماية المواطن من التعسف والانحراف من جهة ثانية.

تعليقات