القائمة الرئيسية

الصفحات



حق الدفاع ومتابعة النيابة العامة

 


حق الدفاع ومتابعة النيابة العامة

 

 عبد الاله ابو عباد الله

محام بهيئة المحامين

بالدار البيضاء

 

تعترض الممارس للقانون - في بعض الأحيان - إشكاليات عملية تدفعه إلى التأمل والبحث فيها. ومن جملة هذه الإشكاليات مدى احترام مبدأ حق الدفاع في متابعة النيابة العامة وذلك على ضوء مقتضيات قانون المسطرة الجنائية.

 من المعلوم أن النيابة العامة تملك حق المتابعة أو حفظ الملف انطلاقا من سلطة الملائمة التي منحها إياها المشرع (الفصل 38 الفقرة الثالثة من ق.م.ج) كما لها أن تقدم المتهم في حالة اعتقال أو في حالة سراح انطلاقا من السلطة التقديرية التي منحها لها الفصل 76 من ق.م.ج بعد تعديله إذ انه حتى في حالة انتفاء حالات التلبس بمفهوم الفصل 58 من ق م ج فان النيابة العمومية يجب عليها تقديم المتهم في حالة اعتقال اذا لم تتوفر فيه ضمانات الحضور حسب سلطتها في التقدير رغم كون هذه السلطة خاضعة لمراقبة قضاة الزجر عندما يطلب منهم ذلك في إطار طلبات الإفراج المؤقت.

 نخلص مما سبق ان سلطة الاتهام اما ان ترفع دعواها الى المحكمة الزجرية بواسطة استدعاء مباشر وقانوني تسلمه الى المتهم ( وهذا هو ما أشارت إليه الفصول 366، 393، 419، م ق م ج) واما ان تقدمه في حالة اعتقال مباشرة وبدون استدعاء.

 فأين النيابة العامة من هذه المقتضيات القانونية في الحياة العملية؟ وما مدى احترام حق الدفاع عند المتابعة؟

في كثير من الأحيان تعمد النيابة العامة بعد استنطاق المتهم الى إشعاره فورا بموضوع متابعته  وبالقاعة التي سوف يناقش ما نسب إليه دون تسليمه استدعاء قانوني بذلك ويحال المتابع بهذه الطريقة رغم مخالفتها لصريح الفصل 366 من ق م ج والتي يحيل عليها كذلك الفصلان ( 393 و419 من ق م ج) جاء في مقتضيات الفصل366 ما يلي: "ترفع الدعوى الى المحكمة كما يلي :

1-   ………

2-   بالاستدعاء المباشر الذي تسلمه النيابة العامة …………. للمتهم ………".

وإذا ما رجعنا الى مقتضيات الفصل367 من نفس القانون فإننا نجده يحدد البيانات الإلزامية التي يجب ان يتضمنها الاستدعاء وهي يوم وساعة ومحل انعقاد الجلسة ونوع الجريمة وتاريخ ومحل اقترافها وهي كلها معلومات يمكن للمتهم ان يطلع عليها بطريقة او بأخرى خلال استنطاقه من طرف النيابة العامة الا لنصوص المطبقة بشان الجريمة التي لا يرد لها   ذكر عندما تشعر النيابة العامة المتهم بالأفعال المنسوبة اليه. ويعد هذا خرقا لحق الدفاع. ومما يزكي هذا الرأي ان المشرع رتب البطلان كجزاء للإخلال بهذه البيانات وهو لم يجعل الجزاء كذلك الا لكونه يريد حماية حق الدفاع ومن ضمنه حق المعرفة المسبقة للنصوص المطبقة على الوقائع المنسوبة للمتهم حتى يسهل عليه سبيل دفاعه والبحث عن مدى توافر العناصر التكوينية المضمنة في الفصل المتابع به في الواقع المنسوبة اليه . اما كون النيابة العامة تكتفي في متابعتها بجمل فضفاضة قد تنطبق على هذا الفعل كما قد تنطبق على غيره وكمثال على ذلك ( متابعة شخص ما بالزور واستعماله رغم ان هذا الفعل تجرمه وتعاقب عليه عدة فصول من القانون الجنائي انظر الفصول من334 الى367 ) او ( متابعته بجنحة الضرب والجرح مع ان هذه الجريمة ينص على عقابها كل من الفصل 400 او 402 وكذلك الفصل404 من مجموعة القانون الجنائي دون ذكر الفصل403 لان النيابة العامة غالبا ما تتابع المتهم بجريمة الضرب والجرح المؤدي الى الموت دون نية إحداثه مما يسهل نوعا ما مهمة الدفاع) الأمر الذي يجعل مهمة الدفاع عسيرة وشبه معطلة مع كثرة الفصول التي قد تنطبق على النازلة دون تحديد لها من طرف سلطة الاتهام. وتتجلى هذه الصعوبة اكثر عندما تتابع النيابة العمومية متهما بأحد النصوص الخاصة كمدونة الجمارك مثلا او ظهير 5 يونيو1974 المتعلق بزجر الإدمان على المواد السامة ووقاية المدمنين عليها فكل ما تفعله هو نسبة فعل ما الى المتابع دون تحديد الفصل الذي قد ينطبق على ما نسب اليه بالرغم من كون تلك النصوص تحتوي على عدة فصول من شانها ان تنطبق على الفعل المتابع من اجله المتهم فيكون هذا الأخير او هيئة الدفاع مجبرين على تحليل الوقائع ومحاولة تكييفها من اجل معرفة الفصل الذي قد ينطبق عليها بالتحديد مما يعد معه هذا هدرا لمجهود كان من اللائق ان ينصب من الاول على تهيئ الدفاع بدل القيام بعمل جعله المشرع عل كاهل النيابة العامة وبذلك يخرق حق الدفاع الذي هو حق المعرفة المسبقة للفصول القانونية المتابع بها المتهم قبل مناقشتها من طرف هيئة الحكم حتى يمكنه تهيئة دفاعه على ضوئها.

 ونفس المنحى اكد عليه ظهير الإجراءات الانتقالية المؤرخ بـ 11 رمضان 1394 ( 28/9/1974) في الفصل 14 في الفقرتين الثانية والثالثة منه.

وتطبق كذلك المبادئ المشار اليها أعلاه حق في حالة تقديم المتهم في حالة اعتقاد لان الفقرة 2 من الفصل76 من قانون المسطرة الجنائية تحيل فيما يخص رفع الدعوى على الشروط المحددة في الكتاب الثاني والمتعلق بإجراءات المسطرة امام هيئات الحكم والتي من ضمنها كيفية رفع الدعوى العمومية امام تلك الهيئات وما يحتمه ذلك من احترام الفصول المنظمة للاستدعاء وبياناته القانونية وخصوصا منها الإشارة الى فصول المتابعة لان هذه النقطة هي التي تهم اكثر من غيرها المتهم لما فيها من تسهيل ممارسة حقه في الدفاع بالاضافة الى أنها تقيد المحكمة في النظر فيها دون سواها( انظر قرار المجلس الاعلى عدد 1515 الصادر بتاريخ 21/10/82 في الملف الجنحي عدد 82026 والمنشور بمجلة القضاء والقانون العدد 131 الصفحة 144 والذي جاء فيه " لا يجوز للمحكمة ان ت دين المتهم بأفعال لم يتابع من اجلها بصفة قانونية من طرف النيابة العامة ".

 نخلص مما ذكر ان النيابة العامة في بعض متابعاتها عندما تحيل المتهم على هيئة الحكم دون استدعاء قانوني - كما يقرر ذلك قانون المسطرة الجنائية ودون إعلامه بالفصول المدعى خرقها من طرفه مكتفية بتسليمه ورقة عليها ختم النيابة العامة مع تاريخ الجلسة ورقم القاعة او عندما تتابعه مثلا بنص خاص يشتمل على عدة فصول دون ذكر الفصل بالتحديد الذي وقع خرقه تخرق بذلك حق الدفاع المتجلي في حق المعرفة المسبقة لفصول المتابعة حتى يكون المتهم على بينة من امره وحتى يتمكن من إعداد دفاعه في احسن الظروف وان القول بان حضور المتهم يوم الجلسة يجعل دفعه بعدم قانونية الاستدعاء الذي وجه إليه غير ذي موضوع ما دام انه قد حضر واعلم بالأفعال المنسوبة اليه من طرف المحكمة هو قول مردود وكما يقال فان أعمال العقلاء منزهة عن العبث وليس عبثا ان المشرع في قانون المسطرة الجنائية قد رتب كجزاء لخرق البيانات القانونية للاستدعاء ومن بينها عدم الإشارة للفصول الواجبة التطبيق والتي يحيل عليها الفصل 76 من نفس القانون واكد عليها قانون الإجراءات الانتقالية البطلان اذا ما تمسك بخرقها المتهم قبل كل دفع او دفاع في الجوهر طبق الفصل318 من ق م ج ) والمتهم لا يمكنه التمسك بذلك الا اذا كان حاضرا في الجلسة.


تعليقات