القائمة الرئيسية

الصفحات



مدى قابلية الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في مجال التحفيظ لوقف التنفيذ

 


مدى قابلية الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في مجال التحفيظ لوقف التنفيذ ؟



تعليق على حكم:
ضرورة توسيع وقف التنفيذ في مجال التحفيظ حفاظاً على
الإستقرار الإجتماعي

متى يتم توحيد الاجتهاد القضائي؟

عبدالله الشرقاوي

يُثير الدكتور العربي مياد جوانب من إشكاليات التحفيظ العقاري في ضوء مناقشة أمر لقاضي المستعجلات، الذي نشرناه في عدد يومي السبت والأحد ما قبل الماضي، والنشور بهذا الموقع.
إن إثارتنا لمثل هذه المواضيع هي من باب إغناء النقاش القانوني والفقهي، الذي يفترض أن تفتح فيه كل من وزارة العدل، عبر مديريتيها (المدنية والجنائية) والمجلس الأعلى نوافذهما، في إطار حل المشاكل والإشكاليات المتعددة، التي تعتري العمل القضائي، بدءاً من توحيد الاجتهاد القضائي القار، والقيام بدورات تكوينية بالمعهد العالي للقضاء، والخروج بخلاصات مُحددة للأيام الدراسية التي عقدها المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الخمسينية لهذه السنة، وغيرها من اللقاءات التي سبق أن عقدها، باعتبار أن توحيد الاجتهاد القضائي القار لوحده عامل أساسي لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، ومدخل للتنمية المستدامة، وولوج محطة فضاء عولمة القضاء.. إل
خ.

الدكتور: العربي مياد - باحث
meyad.larbi@conamail.com

أعاد الأمر الصادر عن قاضي المستعجلات بالمحكمة الإبتدائية بالرماني المؤرخ في 23 أكتوبر 2007 ، والمنشور بجريدة (العلم) بالعدد 20875 بتاريخ 27 و28 أكتبور 2007 بالصفحة 5  (قضايا ومحاكم) النقاش حول مدى إمكانية الأمر بوقف للتنفيذ ضد الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ.

- 1) الوقائع:


تتمثل وقائع القضية في أنه بتاريخ 20 شتنبر 2007 تقدمت الطالبة بمقال استعجالي أمام محكمة الرئيس تبسط بواسطته أن محكمة الاستئناف بالرباط أصدرت بتاريخ 10 ماي 2007 قرارا يقضي بتأييد الحكم المستأنف القاضي بالمصادقة على تقرير الخبرة المنجزة من طرف الخبير، وبالتالي فرز نصيب المطلوب في الرسم العقاري، وأن الطالبة قد آثارت في مراحل الدعوى أن الخبرة لم تكن موضوعية كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة العقار، وتربته، وجودته والمدة الزمنية، لأجله تلتمس إصدار أمر بوجود صعوبة حقيقية تشوب الملف التنفيذي، وبالتالي تأجيل التنفيذ حتى يبت المجلس الأعلى في طلب النقض المرفوع من طرف الطالبة.
وبتاريخ 8 أكتوبر 2007 أدلت الطالبة بمذكرة توضيحية بخصوص أسباب النقض، من بينها المنازعة في الخبرة العقارية لتجاهلها المساواة بين الملاك على الشياع في الاستفادة من إيجابيات وسلبيات العقار موضوع القسمة.
وبعد حجز الملف للتأول أصدر قاضي المستعجلات، الأمر القاضي بالتصريح بوجود صعوبة قانونية في تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالرماني، المؤيد استئنافيا،وكذا إيقاف إجراءات التنفيذ إلى
حين رفع الصعوبة، أو ارتفاعها.
وقد كانت المحكمة المذكورة قد قضت بقيمة العقار المحفظ، وبفرز نصيب المطلوب في الصعوبة وفق أحد المشروعين الواردين في تقرير الخبرة.

-2 ) التعليل:

 وقد علل قاضي المستعجلات أمره متسائلا هل تندرج دعاوى قسمة العقارات المحفظة ضمن المفهوم الوارد في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية، الذي ينص على
أن الطعن أمام المجلس الأعلى يوقف التنفيذ في التحفيظ العقاري.
وفي معرض جوابه عن هذا التساؤل خلص إلى
أن الغاية التي استهدفها المشروع من إقرار جواز إيقاف تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة في مجال التحفيظ العقاري المطعون فيه بالنقض هي تحصين عملية تأسيس الرسم العقاري، وحماية الطابع النهائي لهذا الرسم، انسجاما مع مضمون الفصل 62 فيه قانون التحفيظ العقاري، كما أن تقسيم الرسم الأصل إلى رسوم فرعية يعتبر بمثابة رسوم عقارية جديدة، مما يُفيد أن أحكام قيمة العقارات المحفظة تندرج ضمن قضايا التحفيظ العقاري، التي خصها المشروع بالأثر الواقف للتنفيذ.

- 3 ) المناقشة:


 بداية لابد من الإشارة إلى
أن الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية يُثير نقاشا مُتباينا بين الفقه المغربي، نظرا لغموض مفهوم عبارة التحفيظ العقاري الواردة فيه.
وبمناسبة تعليق الأستاذ عبد القادر الرافعي على
هذا الفصل ارتأى وضعه في إطاره التاريخي، حيث أبرز أن الفصل 47 فيه ظهير 12 غشت 1913، ينص على أن القرارات الصادرة في مادة التحفيظ العقاري لاتقبل الطعن بالنقض إلا من طرف الوكيل العام، ولفائدة القانون، فقط.
 كما نص الفصل 96 من نفس الظهير على
عدم جواز الطعن بالنقض ضد القرارات الإستئنافية الصادرة بخصوص رفض التَّحفيظ، أو التَّسجيل، أو التَّشطيب.
وقد تدخل المشرع بمقتضى ظهير 4 غشت 1944 واعتبر هذه القرارات قابلة للطعن بالنقض من طرف الوكيل العام، ولفائدة القانون.
وبعد إنشاء المجلس الأعلى المغربي بتاريخ 27 شتنبر 1957 أصبح الطعن بالنقض موقفا للتنفيذ، وتكرس هذا المبدأ بصدور ظهير 26 ماي 1958 ليعدل الفصلين 47 و96 من ظهير التحفيظ العقاري.
وفي ظل هذه التعديلات أصدرت المحافظة العامة منشورا تفسيريا بتاريخ 20 يونيو 1958 تلزم كل مدعي حق على
عقار في طور التحفيظ إرفاق القرار الاستئنافي، الصادر لفائدته بشهادة عدم الطعن بالنقض.
وبصدور قانون المسطرة المدنية بتاريخ 28 شتنبر 1974 أصبح الطعن بالنقض في مجال التحفيظ موقفا للتنفيذ.
وقد خلص أستاذنا إلى أنه من خلال قراءة الفصل 361 المذكور فإنه لايستحمل إلاَّ المساطر التي تهم مرحلة ماقبل التحفيظ ولايمكن أن يسحب على
العقارات المحفظة (راجع مقاله: (مفهوم التحفيظ حسب قانون المسطرة المدنية) منشور بمجلة (القضاء والقانون) العدد 145 بالصفحة 91 ومايليها).
وفي اعتقادنا فإن الأمر يدعو إلى الرجوع الى
قانون التحفيظ العقاري، وكذا القانون المتعلق بتطبيق نظام التحفيظ العقاري وما استقر عليه العمل القضائي، لفهم المقصود بقضايا التحفيظ الواردة في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية، دون إغفال الإتجاه الذي سار فيه فقهاء المحافظة العقارية.
وبالنسبة لفقهاء المحافظة العقارية لابد من الإشارة إلى
أنه بتاريخ 16 مارس 1981 صدر منشور  باللغة الفرنسية رقم 280 تحت عنوان: (وقف التنفيذ بسبب الطعن أمام المجلس الأعلى، طبقا لمقتضيات الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية مُضمَّنه أن تساؤلا طرح على وزارة العدل :فيما إذا كان وقف التنفيذ بسبب الطعن بالنقض يشمل مسطرة التحفيظ في مرحلتها القضائية، وكذا تسجيلات الحقوق العينية في الرسوم العقارية؟
وقد أجابت هذه الوزارة بواسطة رسالتها عدد 1748 بتاريخ 9 يونيو 1980 بأن وقف التنفيذ في مجال التحفيظ المنصوص عليه في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية يجب أن يُفهم في شموليته، وبالتالي فهو يخصُّ مسطرة التحفيظ ومسطرة التقييد، ولو كانت نية المشرع ترغب في تقييد هذا المعنى لأُشِيرَ إلى ذلك صراحة.
ومن تم يتعين على المحافظين قبل تسجيل أي قرار قضائي استئنافي مُطالبة المُستفيد بالإدلاء بشهادة بعدم الطَّعن، غير أنه بمقتضى المنشور رقم 314 بتاريخ 19 ماي 1989 غيَّرت المحافظة العقارية رأيها مُستندة على مضمون قرار المجلس رقم 125 بتاريخ 2 يونيو 1988، في الملف الإداري 5676 ، المنشور بمجلة (القضاء والقانون) عدد 139، مفاده أن دعاوى التحفيظ تقتصر فقط على الدعاوى التي تهم مسطرة التحفيظ دون ماعداه من المساطر اللاَّحقة على
تأسيس الرسم العقاري (راجع مجموعة الدوريات الصادرة عن قسم المحافظة العقارية/ الجزء الخامس).
في هذا الصدد ينبغي الإشارة أيضا إلى أن هذا الإتجاه تراجع عنه المجلس الأعلى في مجموعة من قراراته، نذكر على الخصوص منها القرار عدد 5026 بتاريخ 28 مارس 1998، في الملف المدني رقم 94
/290 مفاده أن الطعن بالنقض في قضايا التحفيظ العقاري يُفقد القرارات المطعون فيها قوتها الثبوتية المطلقة، عملا بالفصل 361 من قانون المسطرة المدنية.
والمحكمة التي علَّلت رفضها طلب إيقاف البت في دعوى الشّفعة إلى أن يبت المجلس الأعلى في طلب النقض المرفوع إليه ضد القرار الصادر في قضية التحفيظ بين أطراف دعوى الشفعة بعلة أنه ليس ضمن فصول ظهير 12 غشت 1913، المتعلق بالتحفيظ العقاري ما يوجب إيقاف البت في النزاع المتعلق بطلب التحفيظ يعتبر تعليلا فاسدا، لخرقه مقتضيات الفصل 361 المُستدل به (قرار منشور من طرف عبد العزيز توفيق في: (التعليق على قانون المسطرة المدنية) بقرارات المجلس الأعلى، ومحاكم النقض العربية لغاية سنة 2000 بالصفح 234).
والحاصل أن مصطلح التحفيظ الوارد في المادة 361 من قانون المسطرة يعني تبعا لمدلول الفصل 1 من قانون التحفيظ العقاري جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان اخراجه منه.
وقد أشار الدكتور أحمد ادريوش إلى أن المشرع المغربي لم يستقر على استخدام مصطلح التحفيظ إلاَّ منذ بداية الخميسنيات من القرن الماضي، ذلك أن التسجيل هو أول رسم اعتمده في الظهائر الأولى الصادرة سنتي 1913 و1915، ومنذ بداية الخمسينات أخذ يستعمل مصطلح التحفيظ العقاري، ولعل أول مرة استعمله كانت سنة 1951 إلى
جانب مصطلح التَّسجيل العقاري (راجع: (القانون العقاري الجديد) الصيغة العربية الرسمية المجهولة طبعة 2002، ص 38 وما يليها).
والمقصود إذن أن المشرع المغربي يتأرجح بين التسميتين إلاَّ أننا نرى أن مصطلح التحفيظ العقاري هو أشمل من المعنى الحرفي له، وانما يمتد الى كل المنازعات القضائية المتعلقة بالعقارات المحفظة، أو تلك التي في طور التحفيظ، وبالتالي أي طعن بالنقض، سواء تعلق بالتعرض، أو بتسجيل حق من الحقوق العينية بوقف التَّنفيذ.
وحبذا لو أن هذا الإتجاه شمل جميع المنازعات العقارية، لا فرق بين المحفَّظة، وغير المحفظة إذ أن للعقارات المحفظة حماية قانونية خاصة، ومناعة من كل ادعاء استحقاق، أو حيازه بمجرد إنشاء الرسم العقاري، أما غير المحفظة فهي سائبة، ويمكن لكل شخص ادعاء تملكه لها، سواء تحث ذريعة الحيازة، أو التَّملك، أو غيره من الأسباب الواقعية.
ويرى جانب من المهتمين أن قرار القسمة تؤدي إلى تغيير المراكز القانونية للمالكين، حيث أن أي استبعاد للبعض يؤدي إلى هضم حقوقهم.
وهكذا قضى المجلس الأعلى بأن المحكمة صادفت الصواب لما قضت بالقسمة بين الملاكين المسجلة أسماؤهم في الرسم العقاري للملك المطلوبة قسمته واعتبرت البيوع المدعى بها غير موجودة مادامت غير مسجلة في الرسم العقاري للعقار المطلوبة قسمته، عملا بالفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري (قرار رقم 154 بتاريخ 9 يناير 1996 في الملف رقم 88
/5289، منشور من طرف عبد العزيز توفيق بمجلة (قضاء المجلس الأعلى خلال 40 سنة) ص 93، في القسمة
لكن ماذا لو تعلق الأمر بعقار غير محفظ حيث لا يمكن ضبط الملاك بصفة مُطلقة، ويبقى
ادعاء تملكه واردا في كل وقت وحين إلى حين تحقق شروط الحيازة المكتسبة، وعلى هذا الأساس فإن وقف التنفيذ في مجال التحفيظ يجب أن يوسع ليكون وقف التنفيذ في مجال المنازعات العقارية برمتها، سواء كانت محفظة، أم غير محفظة، حفاظا على الإستقرار الاجتماعي.
يستخلص مما سبق أن اتجاه قاضي المستعجلات بمحكمة الرماني كان على صواب، إلاَّ أننا نرى أنه من حيث التَّعليل يتطلب المزيد من المناقشة، لاسيما من حيث اعتبار الرسوم المستخرجة من الرسم الأصلي رسوما جديدا. ذلك أنه إذا أقررنا أن الرسوم المقتطعة من الرسم الأصلي رسوما جديدة، فبالتَّبعية تكون غير قابلة للتَّشطيب، والحال أن مثل هذه الرسوم لا تسري عليها مقتضيات الفصل 62 من قانون التحفيظ، بخصوص التَّطهير، وعدم قابليتها للطعن. وإنما تدخل في باب إشهار الحقوق العَيْنية العقارية المقامة على العقارات المحفظة وفي تسجيلها في السجلات العقارية الواردة في الفصل 65 من قانون التحفيظ وما يليه، في القسمة وبالتالي فهي قابلة للتَّشطيب.

تعليقات