القائمة الرئيسية

الصفحات



التحصين ضد الجريمة في الشـــــــــــــــــــــــــــــــريعة الإسلاميـــــــــــــــــــة

التحصين  ضد الجريمة  في الشـــــــــــــــــــــــــــــــريعة الإسلاميـــــــــــــــــــة

التحصين  ضد الجريمة  في الشـــــــــــــــــــــــــــــــريعة الإسلاميـــــــــــــــــــة







التحصين  ضد الجريمة
في
الشـــــــــــــــــــــــــــــــريعة الإسلاميـــــــــــــــــــة
[ وطرقه المجدية لمنع ظهور الجريمة في المجتمعات والأفراد ]
بحث مقدَّم إلى الحلقة الدراسية المعقودة يومي 21 و 22 / 4 / 1990 في وزارة الداخلية العراقية  ،  باقتراح  ومشاركة  مع جمعية منتدى الإمام أبي حنيفة 
في الأعظميَّة

الدكتور
محمد محروس المدرس الأعظمي


1421 هـ                                          2000م

المقدِّمـــــة


    الحمـد لله الذي أحصن عقول المؤمنين عن حضيض مقولات الكافرين ، بكلامٍ عربيٍّ مبين ، فكانت أبكار أفكارهم – بعد الاقتران بسلسبيل مَعين المُعين – عرائس موائس ، حاصنات عن سواقطِ  فعال من حضج  عـن المهيع المستقيم ، فأضحـى [ الحِصنُ الحصينُ ] لعصمةِ زُبدةِ محصولِ عقيدةِ الموحدين ، التمسكَ بسنة الموصوف بالمأمون بعد الأمين . 
   فحيهلا   إلى موروث المبعوث بالنهج البهِج ، فها قد هاجت اللواعج إلى تشويق الداعي إلى أمر رحِب ، ومن شيمة أهل الفضل أن إذا دُعى أحــدهم – تالله – يستجـبْ ، حتى إذا لَمَصَ  – أحدُهُم – اللمجة  ضرب إلى تلك الكنوز بطـــون النُجُب  ،  فما يُرتضى في محِجَّة أهل الحِجى تضييعُ الموجود ، وتغريبَ دين المعبود الودود ، طمعاً في مفقودٍ لا يعود ، وإن عاد لا يجُود ، فما دعوناكم إلاَّ إلى خويصةِ مالكم كمستنابٍ حرِصَ وحفِظ وأناب ، فدعا مُنيبه إلى ما أتمن عليه إبراء للذمم ، وخوفاً من هول يومُ يُلجم فيه من ُلجِم . 
    فيا من يعلم خائنه الأعين وما تُخفي الصدور ، و { يعلم ما في الأرض ومـا يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعـرج فيها وهو الرحيم الغفور }  ، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين . 
      وبعـــــد ~~
   يشرفني ويفرحني أن تأخذ مبادرةُ جمعيـة منتــــدى الأمام أبي حنيفة رضي الله عنه – التي يشرفني أن أكون أحد العاملين فيها  – طريقها إلى التنفيذ ، بحرص المخلصين  من المسؤولين ، وحرصهِم على تركيز القيم ، والإجهاز على الجريمة ، والسعي حثيثاً لاقتلاعها من جذورها ، بدلاً من الملاحقة بعد الوقوع ، دون تتبع عروق تلك الشجرة الخبيثة بين رياض الفضيلة الغناء ، التي يرعاها ديننا القويم ، وقد غرس تلك الروضة الغناء ذلك الدين في سالف تجربته ، وسابق تطبيقه ، فلننظر كيف وصل الإسلام في تطبيقه إلى الأمثل في مجتمع إنساني على الأرض ، وليس في عالم المثال ، فنستعرض في هذا سبُلُهُ وطُرقه .. فقد تتبعنا نظريات الغرب في هذا المضمار حقباً ، وأمعنــــَّا في دراستها وترجمتها زمنا ، وأعرضنـا عن تجربـة الإسلام جـهلاً [ والمرء عدو ما جهل ] ،  وكان جهلنـا بها متعمداً ، وهو في ذاته ينبغي تحصين أنفسنا ضده ، وذلك بسبب ما أشــاعه العدو - وصدقناه من غير تحرٍ - عن شريعتنا ، فأصبحت غريبة بفعل عامدٍ ، ومكروهةٍ بإرجاف جاهل ، تابِعَ في اجترار مقولات لا يريد سماع مناقشتها بـ : هدوءٍ ، أو تروٍٍ ، أو بعلمية ، أو موضوعيةٍ .. يدعيها البعض رياءً ، ولا يرتضيها في ممارسته مع المخالفين !! . 
  فيا أيها القوم .. لا أدعوكم  إلى غير الموضوعية والعلمية ، ومن ثم الجهر بالحق - إن ارتضيتم ما ستعلموه عن هذه الشريعة الغـــراء  وقانون السماء - ، { إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا  ويوم  يقوم  الأشهاد   يوم لا ينفع الظالمين معذرتُهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار }    . 
  { ثم نُنْجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجِ المؤمنين   قل يا أيها الناس  إن كنتم في شكٍ من ديني فلا أعبد الذي تعبدون من دون الله ولكن أعبُدُ الله الذي يتوفاكم  وأمرت أن أكون من المؤمنين   وأنْ أقِم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونّن من المشركين   ولا تدعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين   وإن يمسسك الله بضرٍّ فلا كاشف له إلا هو وإنْ يُردْك بخير فلا رادَّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم  قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل   واتَّبع ما يوحي إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين } . 
    أيها القوم … كونوا ممن يصدق فيهم قول رسول الله    : { الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة }  ..  وكونوا من الفئة الظاهرة التي يقـول فيها  نبيكم  : { ما تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون }  .
×××××××
وندعو الله  أن يوفق العاملين لكلِّ ما ينفعٍ ، وأن يوفق العاملين لخدمة الإسلام ، وإظهار ناصع جبينه ، وبياض وجهه .. وهو العالم بالنيَّات ، سائلين إياه  الثبات . . والحمد لله ربِّ العالمين                                                                                                                        
                                                          الدكتور
 هاتف / 4225253 و 4228669 .        محمد محروس المدرس الأعظمي هاتف المدرسة الوفائية الدينية / 8879723 .






الباب الأولفيمفهـــوم التحصيـــــــن








ونتكلم عن المفهوم في فرعين ..

الفرع الأول
في المفهـــوم اللغــوي

التحصين : مصدر الفعل الخماسي [ تحصَّن ] .
 تحصَّن  : اتخذ له حصنا . 
وتحصَّن بالحصن : احتمى به . 
وتحصَّنت المرآة  : عفّت .
وجميع أوزان هذه المادة تدل على هذه المعاني : 
فحَصّن المكانُ    : مُنِعَ ، فهو حصين . 
وحَصَنَت المرأة حِصنا وحَصَانةَ : عفّت . 
وحَصُنَ الرجل   : تزوّج . 
وأحَصَن الرجلُ  : عفّ ، فهو مُحْصَن ، وهي مُحُصَنة . 
وفي القرآن الكريم : { .. والمحصنات من النساء .. }  .
وأحصن الشيء    : منعه وصانه . 
وفي القرآن الكريم : { والتي أحصنت فرجها .. }  .
وأحصن الرجل المرأة   : زوجها … فكأنما منع عنها الزلل . 
وحصنّ الشيء          : أحصنه . 
والحاصن .. والحاصنة : العفيفة ، أو المتزوجة .. من النساء . 
والحِصْن   : الموضع المنيع .. وجمعه : حصون ، وأحصان ، وحِصنه . 
والحصين  : المحكم والمنيع .
وأبو الحصيّن : كنية الثعلب .     
قلــــــت  :  فإنه يتقي مصارع الصيادين ، ويحُصن نفسه منهم   بأساليبه المعروفة ، فسمي بذلك . 


×××××××



الفرع الثاني
في المعنــى الاصطلاحــي

    فنستدل بما تقدم على أن [ التحصين ]  لفظة مناسبة لفكرة جعل المجتمع وأفراده ، غير مهيئين أصلاً  لارتكاب الأفعال المحظورة .
     فالمعنى الاصطلاحي [ للتحصين ] – على ما أرى – هو : اتخاذُ السبل التي تجعل المجتمع والأفراد ، غير مستعدين أصلاً لمقارفة الفعل المحظور ، والسعي لسلب الاستعداد الفطـري لهما لذلك ، بتغليب نزعة الخير فيهما . 
   فبدء التحصين الذي نتكلم عنه بعيد .. وبعيد جداً ، ويمتد إلى مراحل متقدمة من مراحل الإنسان ، وقد تمتد مراحله إلي ما قبل ولادته ، بل إلى ما قبل العلم اليقيني لبني البشر بإمكان وجوده أو عدمه ، فهذا الاحتياط هو الأبعد من البعيد !! . . ولعلنا نلمسه في حض رسول الله   على اختيار الزوجة الصالحة لتكون في المستقبل أماً صالحة ، وصولاً إلى مجتمع أصلح . - وسنعود إلى هذا لاحقاً - . 
   فبهذا – لعمر الله – مدىً في مراعاة مصلحة المجتمع لا أظن قانوناً ، ولا شريعة ،  ولا نظاماً اجتماعيا في الأرض - قديماً أو حديثاً - قد وصل إليه ، ولا أحتاط في هذا الأمر أحد مثل هذه الحيطة البعيدة . 
إذن .. فهو الأنسب في الاستعمال من أي مصطلح غيره .
×××××××
   فالوقاية .. هي الحفظ والصيانة عن الأذى والضرر ، وذلك بعد وجودهما فعلا ، أو إمكان وجودهما في التوِّ واللحظة ، فهو بحكم الموجود .. أما قوله تعالى : { فوقاهم الله شر ذلك اليوم .. }  وهو لم يقع بعد ، فنقول فيه : إن شرور ذلك اليوم واقعة لا محالة ، لصدق الشارع في إخباره جلَّ في علاه ، فهو بحكم الواقع فعلاً ، والوقاية – حينئذ – تكون بعد وقوع شروره .  
   فالوقاية إذن .. كالجُنّةِ التي يُتترس بها المقاتلِ من شر واقع .. أو : هو بحكم مسلم الوقوع ، لان الجريمةَ مظنةُ تلف النفس في كل لحظة . 
  فمرحلة الوقاية .. تكون بعد وجود المحذور ، ودور المتوقي الاحتماء ، وهو عمل سلبي محض ، يحمي به المرء نفسه دون اكتراث لبقـاء أو زوال الحـــالة ، فضلا عن عدم دلالتها على منع الوجود .. وهو المقصود . 
  فهي إذن لا تصلح في الدلالة على ما نريد - رغم شيوع استعمالها - . 
   أما المكافحة .. فهي : المواجهة – في أحد معانيها - .
 والمواجهة : صيغة [ مفاعلة ]  وهي تقتضي وجود الفعل من أكثر من واحد . فدورها يكون مع موجود أيضا .. يقول الشاعر الصوفي : 
     آنست في الحي ناراً                ليلاً فبشرت أهلي
     قلت امكثو فلعلـي                أجد هداي لعلـي  
     دنوت منها فكانـت               نار المكلَّم قبلـي
     نوديت منها كفاحـاً              ردَّ لياليَ وصلـي 
                                                                        
    و معنى [ المكافحة ] في المواجهة والملاقاة مطرّد - حتى في غير الإنسان - يقال .. تكافحت الكباش  : تناطحت . 
                 وتكافحت الأمواج  : تلاطمت . 
وقد تكون المكافحة من الفعل .. [ كفح ] ، تقول :
                  كفح الشيء كفحاً : كشف عنه غطاءه . 
                  وكفح لجام الدابة : جذبه لتقف .. يقال : كفحها باللجام . 
                  والكفيــــح  : الكفء ، والنظير . 
                  والكفيــــح  : الضيف المفاجيء .         
×××××××
    فعلــى ما تقدم .. فإنَّ استعمال لفظ [ المكافحة ] في مثل بحوثنا غير دقيق ، فهي تصدق على حالة [ ظهور ] الفعل المحظور ، وبالتالي مواجهته من كفٍ نظير . 
   والواقع أن الإنسان لا تكافئه الجريمة ، بل تفَوَّق على كثيرٍ غيرها ، فما ظنك بها ؟ . 
   فهذا الاصطلاح أليق ما يكون بأجهزة [ شرطة المكافحة ] ، التي تصادم الحالة الجرمية لتحاصرها ، وتجهز عليهـــا ، وتصطرع معهـــا ، يرجحها على الجريمة في اصطراعها ، قوة الدولة وإمكاناتها .
   في حين التحصين يمنع ظهور الحالة الجرمية ، ولا يقتصر على قوة الدولة وغلبتها - وسنراه لاحقاً - . 
   فتعبير [ المكافحة ] وإن كان أبعد مدىً من [ الوقاية ] ، فهو لا يسعفنا فيما نحن بصدده ، ألا وهو : سلب الاستعـداد الفطري للمجتمعات والأفــــراد ، حتى لا تظهر الحالة الجرمية أصلا فيـهما . فمصطلح [ التحصين ] هو الأليق بذلك كله ، فمتى أقر في هذه الحلقة الدراسية .. فليعول عليه إذن في الاستعمال بعدئذ  . 






الباب الثانيفيطرق التحصين في الشريعة الإسلامية









ويتضمن هذا المبحث الفروع الآتية ..

الفرع الأول
تمازج  القاعدتين الخلقية - أو الدينية -
مع القاعدة القانونيـــة ، وخلـــق الوازع الذاتي

   مما ترجمه أبناء المسلمين الدارسون في بلاد الفرنجة حرفياً عن كتب هؤلاء ، ومنذ زمن مبكر – بعد عودة بعوثهم من الغرب –  هو .. أن لا علاقة للقاعدة القانونية بالقاعدة الخلقية أو القاعدة الدينية . مستعملين [ أو ] التسوية ، لان الدين عندهم هو الأخلاق ، والأخلاق هي الدين ‍‍!! . 
   لقد أخذ هؤلاء بتدريس هذه المقولة في دروس المدخل لدراسة القانون في كليات الحقوق في البلاد الإسلامية ، مسببين بذلك جدلاً مستمراً بين الطلاب ومدرسيهم ، إذ – غالبا – مـــا يختلط على الطلاب كون الشريعة الإسلامية [ دين ] ، ومع هذا فهي تنظم العلائق القانونية ، فضلاً عن أمور العقيدة والأخلاق ، وأن التشريعات العراقية النافذة اعتبرتها من مصادر القانون ، فأنَّى يستقيم هذا مع ذاك ؟ .
   الواقع أن هذه الترجمات ، ومحاولة ادعاء [ العصرنة ] ، ومجاراة الغربيين في مقولاتهم ، جّر علينا ويلات ، لا يعرف المسبب لها خطورة ما يفعل ، والنتائج المترتبة على ما يقول ، وعلى ما يتبنى ويشيـع من أفكار ، ويريد لطلابه أن يؤمنوا بذلك تبعاً له ، وهو ذاهل عن تلك المخاطر‍‍ ، وقد نرى أحدهم ينتقد أحوالاً في المجتمع لا يرتضيها ، وقد يكون نقده بعد أن يغلب طبعُه على تطبعه ، وبعد رجوعه إلى قيم مجتمعه بعد غربة طويلة ، وما درى أن ما أستوجب نقده من أحوال ، كان هو أحد المسببين له يوماً ما . 
   إن الغربيين في كلامهم منطقيون منسجمون مع أنفسهم ، لأن [ الدين ] الذي يقصدونه عند الإطلاق ، هو دينهم - وهو المتبادر إلى الفهم - ، ولمَّا كان دينهم قد جاء خُلواً من القواعد القانونية والتنظيمية ، فقد حصل ذلك الانفصام الذي سيبقى ما تعاقب الملوان وكرّ الجديدان  ،  ويكون مصدر القاعدة القانونية عندهم بعيدا كل البعد عن القاعدتين : الخلقية  والدينية ! . 
    أما إذا أطلق المتكلم الكلام في مثل بلادنا عن الدين ، فلا ينصرف القول إلاً إلى الدين المعهود في بلد المتكلم ، وهو دين الأكثرية .. أو الدين الغالب ، وذلك هو الإسلام .  فيحصل التناقض المعيب ، البعيد عن الدقة العلمية من جهة ، والمؤدي إلى نتائج خطيرة من جهة أخرى ، فالناقل من غير تمحيص ، واقعٌ – لا محالة – في حيص بيص ، إذ سيحير بين المترجَم ، وبين ما يعرفه عن دينه .. بل وما يقوم بتدريسه في درسٍ آخر مثلاً !! ، وهذه هي الازدواجية التي أرادها الغربيون لنا ، ونجحوا مع بعضنا فيها !! ، لكن منْ نوَّر الله  بصيرته لم يقع في حبائلهم – وهم كثيرٌ والحمد لله -  . 
  إن من نافلة القول ومكرور الكلام ، أن نقول أن الشريعة الإسلامية ، نظام حياتي متكامل ، يعالج أحوال الإنسان وشؤونه الثلاث : 
 الأول / الفكر أو العقيدة ..               
 والثاني / النفس أو الأخلاق ..
 والثالث / كسب الجوارح .. أو الأمور العملية المسماة [ بالفقه ] ، وهـذه - ما عدا العبادات منها – تصلح أن تسنَّ قوانين على العباد . 
لقد امتزجت هذه المعالجات ، وأثَّر بعضها في البعض الآخر إيجابياً ، وتأثر بعضها بالبعض الآخر كذلك ، فهل بقي لما يقولونه مجالٌ ؟؟ ! . 
   ففكرة وجود الخالق المدبر – مثلاً - .. تجعـل المخلوق بحاجة إليه دوماً ، فكانت الحاجة إلى الشرائع والرسل .
    وفكرة وجود الحساب الأخروي .. جعلت العمل الدنيوي متقناً ، وذلك خوفاً وطمعاً .. يقول تعالى : { تتجافى جُنُوبُهم عن المضاجع يدعون ربَّهم خوفاً وطمعا .. } .
   وفكرة الحث على الصدق ضمن قواعد الأخلاق – مثلاً - .. جعلت المؤمن الصادق يلتزم .. بالقواعد ، والأحكام الشرعية التزاماً صادقاً ، فلا يكذب ، ولا يغش ، ولا يمارئ ، ولا يداريء . وهذا تطبيق حسن للقاعدة القانونية . 
   وان الذي يوفى بالعقد وفاء تاماً ،  ينطلق بوفائه بالتزامه من الأمر الإلهي الذي يقول : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } .
فتأثرت الأحكام العملية إيجابياً بالأفكار الإعتقادية .. وهكذا .
   فكلما تمازجت القاعدتان القانونية والقاعدة الدينية أو الخلقية ، كلما توصلنا إلى تطبيق حسن والتزام أحسن ، فالمسلم الحق .. 
       صادقٌ          لا يكذب ، فيقبل بصدق ويرفض بمثله .         
      أميـنٌ           لا يغش
      صريحٌ           لا يداهن أو يداري
      حاسـمٌ          لا يماري
      وفـيٌّ           لا يغدر أو يتنكر
نشيط ٌ     لا يركن إلى الكسل والتسويف
قنوعٌ       لا يطمع
        شجاع       لا يهاب 
آمر بالمعروف ، ناه عن المنكر ، ناصح لأئمة المسلمين وعامتهم .
فبالله عليك .. ما الذي تريدُ أكثر من هذا : 
       الــدول ... من مواطنيها ؟
       والأمـم  … من أبنائها ؟
       والعقائد  ... من المؤمنين بها ؟ 
       والشرائع ... من الملتزمين بهديها ؟
       والنظـم … من الخاضعين لها ؟
  إن أحسن نتيجة نصل إليها من تمازج القاعدتين ، هي أن يجعل الإنسان من نفسه رقيباً على ذات نفسه في الالتزام الجيد ، والأداء الأجود ، متحلياً بشخصية واحدة ..
      مستـمرة  ..  غير متقطعة 
      مستقيمة    ..  غير ملتوية 
      واضحة    ..  غير غامضة 
      حاسمة     ..  غير مترددة 
       مبـادرة  ..  غير متريثة الريح لتميل حيث تميل . 
   إنَّ أوضح أمثلة للشخصية الإسلامية التي تمتعت بالوازع الذاتي ، وكانت في المركز من دائرة الإسلام الواسعة ، هي شخصيات الصحابة الكـرام  ، التـي تغنينا بمواقفها ، وما زلنا نعيش على فتات أمجـــادها ، فكم من كتب تطبع ؟ ، أو خطب تلقى ؟ ، وأموال تدخل الجيوب عن طريق الكلام عن هذا الجيل المثالي .. لا غير ؟ !! . 
   إنَّ الوازع الذاتي وصل بـ [ ماعز  ] و [ الغامدية ]   إلى .. الإقرار بالزنا ، حتى أقيم على كل منهما حد الرجم بنفس رضية ، لا يثنيها عـن ذلك ثانٍٍ ، فهذا هو قِمة التمازج المنشود ، في الكشف عن الفعل الجرمي ، وقبل ذلك  منــــع ظهور الحالة الجرمية أصلاً لدى الكثير الأكثر من أفراد الأمة غيرهما . 
   إنَّ المسلم الذي يعتقد أن الحساب الأخروي آت لا محالة ، لا يرضى أن يحصل على [ نفع ] : حالٍّ ، عاجلٍ ، ميسور ، مقدور بكل وسائل الدنيا ، لأنه يخاف موقفاً تشيـب من هولهِ الولـدان ، وتذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت  ، يوم يودُّ المرء لو يفتدي من عذاب يومئذٍ : ببنيـه ، وأمه ، وأبيه ، وصاحبته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعاً .. ثم ينجيه  !! .. 
    فكم من وارثة مؤمنة دفعت لاخوتها خارج نطاق المحكمة ، ما أعطاه إيّاها قانون عبد الكريم قاسم المخالف لحكم رب عبد الكريم ، ورب العالمين .. حين سوَّى بين حصة الذكر والأنثى بحججٍ واهية  . 
   كما أن فهم الناس ، أن هذه القاعدة القانونية أو تلك مصدرها فقه أمتهم ، وفقهاء دينهم ، هو أدعى : لقبولهم ، ورضاهم ، وتسليمهم ، مهما كان التكليف ممتداً في مداه ، كثيراً في مقداره .. والعكس نراه حاصلاً ، في التهرب من أبسط التكاليف التي لا يعتقدون أن لها بالدين : مساساً ، أو صلة ، أو حتى مصاهرة .
   إن كثيراً مما تسعى إليه الدولة وتبتغيه ، وتسنُّه قوانين على العباد ، نجد له تخريجاً فقهيا في هذا المذهب الإسلامي أو ذاك ، ولكي يكون الناس أحرص من الحريص في التطبيق ، لا ينقصنا إلا عزو القواعد إلى المدارس الفقهية الإسلامية . لكن أقول – والأسف يغمرني – أن طول العهد بأحكام الإسلام ، وسماحنا لمطاعن الأعداء بالانتشار بيننا ، وعجز المتصدين للدفاع عن الإسلام لبيان حِكَم الأحكام وعقلانيتها ، أضاع على الجميع كثيراً من الفرص .. فكما قال رسول الله  لعمه في حالة النزع مطالباً إيَّاه بتلفظ الشهادة : قلها – يا عمَّاه - أضمن لك الجنة !! .. 
 نقـول لكم .. قولوها ، نضمن لكم :
1. حسن التطبيق .
2. والالتزام الذاتي من الناس .
3. والإحجام الملموس عن خرق القواعد القانونية . 
  فالغلبة بالتغلب على هوى النفس ، وليس عاراً أن يقول المسلم : أنَّ  هذا القانون استمددته من ديني ، بل العار كل العار إذا قال : ما أخذت من الغريب أفضل ! ، فهو ما عرف مخبوء كنوزه ، أو وعى معقول أحكام شريعته .. 
والغافل ، وغير الواعي ، ينبغي أن :  يُنبه .. وهذا ما نفعله بعونه !.
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ    والماء فوق ظهورها محمــــول
فاستجارتهم بالغريب ، كالمستجير بعمرو :
والمستجير بعمرو عن كربته    كالمستجير من الرمضاء بالنار
×××××××
الفرع الثاني
سد الذريعة .. أو الاحتياط البعيد لمنع وقوع الجريمة

    إذا جاز لي تشبيه دليل سد الذرائع بشيء لتقريبه إلى الأذهان ، فهو ينطبق على مقصود المثل الشعبي الذي يقول : [ باب اللي يجي منها ريح سدها واستريح ] ! .
   وهذا المعنى عينه مقصود في مثل الفلاحين القائل : [ الماي ينسد من الصدر ] ! ، أو : كما قيل  : [ كص راس موِّت خبر ] ! .
فهو :  منع الوسائل المشروعة التي تؤدي إلى الغايات غير المشروعة .

×××××××

   وفي موضوع التحصين ، نصل من هذا الدليل إلى مبتغانا في مطلبين  :  
المطلب الأول
منع الوسائل المشروعة في ذاتها

   وذلك لقطـع السبيل الموصل لهدف غــير مشروع ، وهذا قامت على مشروعيته أدلة كثيرة من النصوص الشرعية ..  

[ أولاً ]
الأدلة من الكتاب 
  أ. قوله تعالــــى : {  يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا ..}   
                   ب . وقولـه  : { ولا تســــــــبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .. } .
ج . وقوله    : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن .. } .

×××××××

[ ثانياً ]
 من السنة النبوية 
 أ . قول الرسول  : { أيّما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية } .
 ب . قوله  لعليِّ  : { يا عليِّ لا تُتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة } .
×××××××
       وبما تقدم - وغيره - .. جاز : 
  1. تحديد الثروة إذا : اتخذت سبيلا لإذلال الناس ، أو للتحكم بأقواتهم وأرزاقهم ، أو التأثير في السياسة العامة ، أو إذا أضحــت صادةَّ لأصحابها عن الجهاد ، أو عن العمل الجاد بانغماسهم في الترف .. مع أن الأصل أن مقدار المال المملوك لا يحدد .
2. وجازت : تنظيمات المرور في منع بعض المباحات ، لحفظ أرواح الناس وممتلكاتهم ، والحفاظ على الوقت من الإهدار ، بمنع أسبابه كحدوث الازدحام . 
3 . وجاز  : منع بيع العنب لمن يعلم أنه سيتخذه خمرا ، أو بيع المواد الأولية لمن يصنعها محرمات .. أو آلات لهــوٍ ، أو بيع السلاح في وقت الفتنة ، أو صنعه ..الخ .
4 . وجاز  : منع تأجير أي مكان قد يتخذ وكراً لفئة ممنوعة ، أو لخزن مواد محرمة ، أو بيع العقارات لبعض الناس – كاليهود مثلاً ، أو بعض الناس في بعض الأماكن - ، منعاً لما قد يحصل من أضـرارٍ عديدة .. الخ .
5. وجازت : التنظيمات البلدية وشروطها بالنسبة للأبنية ، دفعاً لأضرار المرض – عند فقدان التهوية ، ودخول الشمس مثلاً - ، أو الإضرار بالآخرين بالنسبة لعلو البناء وشبه ذلك .. الخ .  
   ولو استطردنا في ضرب الأمثلة والتطبيقات لطال بنا المقام ، وهذا الدليل ملجأ عظيم لتحقيق مثل مقاصدنا . 
    وينبني على ما سبق قولهم : [ الأمور بمقاصدها ]  و [ للوسائل حكم المقاصد ] . 

    كل هذا لا وجود له في القانون ، وذلك للانفصام الحاصل بين القاعدة الخلقية أو الدينية - كما يقال - وبين القاعدة القانونية . وبالتالي لا نستطيع إبطال المباح ، أو الجائز ، وبالتالي إبطال ما يتم بضمنه ، أو ما ينبني عليه ، لان القانون – بمصادرة الحالية – يقف عند حدود الدنيا ، والأديان تمتد إلى الآخرة ، فهي تستطيع أن توظف أموراً كثيرة لنفع الدنيا ، فتبطل أفعالاً مباحة ، أو تقيدها ، إذا قصد بها الممنوع . وما نجده في التشـــريع العراقي – كالقانون المدني – من بعض تطبيقات هذا الدليل كقاعدة : [ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ]  ، فمصدره الفقه الإسلامي ، والتشريعات التي استمد منها - كمجلة الأحكام العدلية -  . المطلب الثانيالاعتــداد بالنيــة


     ولما كانت النية أمرا مكتوماً غير ظاهر ، والأحكام تناط بالأوصاف الظاهرة المنضبطة ، فأقيمت مقام النية أمور كثيرة للاستدلال عليها ، منها: 
1. اللفظ / فإن [ ما امتلأ به القلب فاض على اللسان ] ..
    فالاستدلال بألفاظ العقود على اتجاه النية للالتزام .
    والاستدلال بألفاظ القذف على نية القاذف إيقاع الأذى بالمقذوف .
    والاستدلال بألفاظ الطلاق للاستدلال على عزم الزوج فكّ عقدة النكاح .
    والاستدلال بالشهادتين على اطمئنان القلب بالإيمان . 
    والاستدلال ببعض الألفاظ الدالة على الردة والكفر .
×××××××
2. الآلة / 
    كالاستدلال بها لوصف إزهـاق الروح بالوصف المناسب .. من : عمدٍ ، أو خطأ ، أو شبه عمد ، أو ما أجري مجرى الخطأ .
    والاستدلال بها على عدم اتجاه النية إلى القتل أصلاً .
×××××××
3- دلالة الضرورة / وهي الاستدلال بحال الساكت على أمور .. هي : 
   أ. استدلالهم عند عدم ذكر تمييز العدد الذي تعارفوا على حذفه لمعطوف على عدد ذكر تمييزه ، كقولهم : مائة وخمسة وسبعون ديناراً مثلاً ، فالمائة لم يذكر تمييزها ، وعرف من تمييز المعطوف عليه .
  ب. أو سكوت من كانت حالته البيان ، سواء كان دائماً كالنبيِّ ، أو في خصوص الحالة كالمخصوصة .. كالموظف المختص حين يسكت عند رؤية شئ ، فينبغي أن يكون ذلك دلالة على عدم ممنوعيته .
 ج. أو ذكر أمرين ، ثم يذكر حكم أحدهما ، ويُسكت عن الآخر ، فيلزم من حكم المذكور معرفة حكم المسكوت .. كقول الشريك لشريكه لي نصف الأرباح ، فيعني أنَّ للمخاطب النصف الآخر .
 د. أو دلالة السكوت لدفع التغرير ، فالوليُّ حين يرى القاصر يبيع ويشتري ، ويسكت ، فمعناه إذنه له بالتصرف ، فلا يدفع بعدم الإذن حينما يترتب على الصغير مالٌ .
×××××××
4- الفعل /  كالبيع بالتعاطي دليل على اتجاه نية المتعاقدين لإجراء التصرف القانوني ، وان لم يعبر عن ذلك بلفظ – وهو الأصل - . 
×××××××
   إنَّ البحث وراء [ الباعث الدافع ] .. وعــدم الوقوف عند [ السبب القصدي ] ، يجعل سعي من يريد الالتفاف على القاعدة القانونية ، أو التوسل بوسيلة ما للوصول إلى الحالة الجرمية .. عسيراً إن لم نقل مستحيلاً .
  وهذا الباعث الدافع - أو الهدف البعيد غير الظاهر - مؤثر في موقف الفاعل ، إذ تسعى الشرائع السماوية – وعلى وأسها الشريعة الإسلامية - إلى جعله هدفاً بعيداً جداً ، ومؤشراً جداً ، فتخلق  [ الوازع الذاتي ] الذي يجعل من ذات المرء رقيباً على ذات نفسه ، بعد أن تجعل له هدفاً بعيداً ومهماً .. وهو :  خشية العقاب المؤجل والحساب المؤخر ، والطمع في النفع المنتظر ، وبالتالي يسأل المرء نفسه – في ضوء هذه الفكرة – ألف مرة ومرة .. عن :
     صحة هذا التصرف أو ذاك ؟ .
     وهل يرضى الله  عنه أم لا ؟ .
 كلُّ ذلك قبل الإقدام على أيِّ فعلٍ من الأفعال .
وكذلك كانت إجابات المفتين ، وقضاء القضاة – في العصور المختلفة – على حسب الظواهر ، على أن يسأل المرء عن المكتوم من أمره أمام الله .. وقد يُخوِّف أحدهما بالآخرة لكي لا يدلي بمعلومات خاطئة ، تؤثر في صحة الجواب أو الحكـــم ، ومـن هذا المنطلق كان قول الرسول : { استفت قلبك وان أفتاك الناس وأفتوك }  . 
    فليس مجرد استحصال فتوى المفتى رافعاً للمؤاخذة عن المكلف ، فإنما يفتي هؤلاء بحسب ما يعرض أولئك - المستفتون - .
    وكذلك القضاة .. فتبقى مسؤولية الإنسان حيث هي ولا ينجيه حكم الدنيا .
    فهذه الفكرة كانت وما تزال خير مسيطر على الحالات الخارجة عن السياق ، والتي قد توصف بالإجرام .
   مما تقدم كان القول الشائع : [ ذبها برأس عالم واطلع منها سالم ] !!  غير مطلق الصحة ، وفيه ما فيه من المآخذ  . 
   وهذا الأصل مؤكدٌ بالقول الصحيح المعنــى المنســوب للمصطفى : { أُمِرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر }  .
   إن العقيدة كلما استحكمت من المرء ، أجهزت على التناقض الذي قد يحدث بين الظاهر والباطن .
    ومن هذا المنطلق كانت مشروعية [ التقية ] في أضيق نطاق ، وتجاه الكفار فقط ، وبشروط قاسية ، فصعب كتم الحالات الجرمية إذن - إلا عند من جعل هذا المبدأ [ التقية ] دينا - ، وهــذه هي [ الفرق الباطنية ] ، وهذا يحتاج إلى مزيد بيان ، إذ أن [ التحصين الفكري ]  أهم أنواع التحصين طرا على الإطلاق ، ومنه ننطلق الى [ تحصين] ما دونه ، لذا كان الولاء للدولة عند متطابقي الظواهر والبواطن صحيحا ، كما ان رفضهم شريف ينبع من المناصحة والتوجيه ، وعكسهم عكسهم . 

×××××××
   إن البحث عن إظهار المكتوم ، أو تـرك أمره لله ، وعقابه – حينئذ – أشد وأنكى ، أمر يستقيم في هذه الشريعة الغراء ..
 فمن ذلك : 

1. مــا تقرره القاعدة – وهي حديث للرسول  ـ : { اليمين على نية المستحلف }  .. وذلك من حيث الحساب الأخروي ، وذلك قطعا لدابر اليمين الكاذبة التي لا نستطيع استبيان كذبها .  فقد ينوي الحالف نيَّةً يحتال بها لتفويت الفــرصة على الخصم في الوصول إلى مبتغاه ، مع عدم وقوعه في الحرام – على ما يزعم - ، كأن يستعمل ألفاظاً مشتركة ، أو ينطق بصيغة اليمين صارفاً له إلى غير تلك الواقعة .. الخ ، وكلُّ ذلك لا ينجيه من حساب الله  ، ولو أنَّه قد يصل إلى مبتغاه في الدنيا !! . 
×××××××
2. وكان : السفر بنية الإفطار تحيَّناً لقضائه في وقت أنسب ، مجلبة للإثم . 
×××××××
3. وكان : التصدق طـوعا ببعض المال قبـل حولان الحول ، أو هبة البعض .. إسقاطا للصدقة الواجبة ، لا شك هو مجلبة للإثم بالنية – وليس العكس - ، قطعاً لدابر .. التلاعب بالشرع ، وتضييع حقوق الفقراء ، فلا يكون الجائر سبباً لإسقاط الواجب . 
   وتصويره : لو كان لمكلَّف عشرون مثقالاً من الذهب ، وهو زائد عن حوائجه ، وقبيـل انتهاء الحـول المشروط لوجـوب الإخـراج ، يتصدق [ بحبةٍ ] فيُسقط بذلك باقي نصف المثقال الذي سيجب عليه بعد أيام !! .
        أو  : أن يهـب زوجته ، أو ولده شيئاً يثلم النصاب قبل تمام الحول ، ثم يعيدونه إليه بعده !! .
   فكلُّ ذلك جالبٌ للإثم .. وهو سيصدُّ الكثير عن أمثال هذا التلاعب .
وكذا : الواهب ، والواقف ، وغيرهما إذا كان الساقط يفوق .. الموهوب ، والموقوف .  
فأيـة منافع تلك التي تقدمها فكرة التزاوج بين القاعدتين القانونية والدينية ؟ ، وأي حسن في التطبيق ذلك يا ترى ؟ ، فهذا التماسك والتلازم بين التطبيق الدنيوي الجيد ، المبني على فكرة الحساب الأخروي ، يعطي ثماراً لا تجد لها نظيراً في أية مجموعة فقهية ، أو كيان قانوني ، أو فكــرة فلسفية ، أو تنظيم فكري . 
   فحينما منعت الدولة الإمام أبا حنيفة  من الفتوى ، بسبب ما كان يفعله من نقد أحكام قاضي الكوفة علناً في مسجد الكوفة ، نراه يمتنع عن إجابة سؤال زوجته في بيته ، التزاما بهذا الأمر .. 

    فهل بعد هذا الالتزام من التزام ؟ ! .
    ولذلك قلنا : قولوها نضمن لكم الالتزام ، وحسن التطبيق . 




الفرع الثالثمنع مباحين أو اكثر لدرء وقوع جريمة محتملة


    فالابتعاد لا يكون هنا بالابتعاد عن الجريمة ذاتها ، أو بالابتعاد عن سببها فقط ، فالاحتياط أبعد من هذا كلِّه ، وذلك بالابتعاد عما يؤدي إلى خلق السبب ذاته . وهذا من الاحتياط الأبعد من البعيد ، وهو بمثابـــــــــة [ السواتر ] المتعددة التي يلي بعضها بعضاً ، وتحتمي بها الجيوش أمام العدو في حروب زماننا ، فإذا انهار [ ساتر ] فالآخـر يصمد ، وإلا فالثالث لا محالة ، وأمثاله كثيرة .. نتكلم عنها في جانبين من جوانب التطبيق :

المطلب الأول
في تحصين العقيدة
 
    العقيدة هي أصل الدين وأصل الإسلام ، وهي رأس العلوم ، وبصلاحها تصلح الفروع ، وبفسادها يشتط بالأناسيِّ المذهب ، ويُجعلون طرائـــق قددا ، وأيادي سبا .. فإن وافقت فروعهم الصحة مع فساد العقيدة فذلك صدفة ، وإلا فـ [ ما بني على الفاسد فاسد ] و [ هذه العصا من تلكم العصية ، ولا تلد الحيةّ إلا حيةّ ]  . 
    لهذا حرص الإسلام على سلامتها ونقاوتها ، وديمومة صفائها ، ونهى عن التفرق فيها ، وتسعى الأمم – والإسلام منها -  وما تزال ، إلى وحدة عقيدة أبنائها ، فبها يستمسك الناس بالعروة الوثقى ، و يلتمُّ شعث الأمة على أمر جامع .
    لذا كان أمر الاهتمام بها ، هو في الذروة من الأمر بلا منازع ، ويؤيده احتياط الشارع الحكيم في حفظها الاحتياط الأبعد ، فلم يحتط الباري  ، وكذا رسوله الكريم   في أمـرٍ إلا : بهـــا ، وفـي أمر الزنا ..  – وسنأتي إليه لاحقا - .
 ونورد في أدناه الاحتياط لها في كلام الله ، وفي السنة النبوية  كالآتي :

[ أولاً ]
النصوص من آي الكتاب 

  أ- الآية الأولى / قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نَزَل على رسوله والكتاب الذي أنزلَ من قبلُ ومن يكفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً   إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا   بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما   الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أ يبتغون عندهم العزّة فانّ العزةّ للهّ جميعا  وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا }  .
فنرى الآيات وهي : 
     1. تُقرر المطلوب – وهو الإيمان -  وتمتدح المؤمنين به . 
     2. تُنكر على المتنكبين للطريق الصحيح ، وكذلك المتلونيـن والمنافقين .
      3. بينت سبيل التحصين ضد هذه الحالة التي تقرر نكرانها - وهو مرادنا - .. فمنعت : 
         أولاً - اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ابتغاءً للعزة .. فانتزعت ما يؤدي إلي الحالة الممقوتــة بانتزاع سببها في قوله تعالى :  { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا } ، فإذا كان سبب موالاة الكـافرين هو ابتغاء العزة ، فليس لكم منها شيء فهي لله ، فما الذي يحدوكم لموالاتهم ، وهم سبب لتغيير العقيدة وتشويشها وتكديرها ؟ !! .
         ثانياً – مجالسة الكافرين إذا خاضوا بالاستهزاء بآيات الله . 
فهنا احتاطت احتياطات عدة ، لأجــل نقاء العقيدة .. وكالآتي :
    الاحتياط الأول /  منعت مجالسة الكافرين ، بإلغاء السبب الحادي لتلك المجالسة ، وهو طلب العزة .
    الاحتياط الثاني / منعت [ سماع أقوالهم ]  الناتجة عن مجالستهم .
    الاحتياط الثالث / منعت [ حدوث الشبهـــات ] الناتجة عن سماع أقوال الكافرين .      
    الاحتياط الرابع /  منعت [ حصول الشك ] الناتج عن الشبهات الملقاة في النفس بسماع أقوال الكافرين .
    الاحتياط الخامس / منعت [ تغيير العقيدة ] ، وهو الذي يـوصل إلى الكفـر .. وهو : [ الفعل الجرمي ] الذي لا يراد ظهوره .. !! .
   فلأجل هذا [ منع ] الشارع سماع أقوالهم ، فضلا عن مجالستهم ، أو اتخاذهم أولياء .. فهذا هو تحصين الرب واحتياطه ..
             فهل وجدنا في فعل المخلوقين مثله ؟ !! . 
   لقد احتاط الشارع الحكيم في الأسلوب احتياطاً بعيداً ، واحتاط في محله احتياطاً مثله – ، ومحله هو سماع القول المؤدى إلى الشك - ، وهو بدوره يؤدي إلى تزعزع العقيدة ، الموصل إلى الكفر !! . 

××××××

   ب - الآية الأخرى هي قوله تعالى : { وكذَّب به قومُك وهو الحق قل لسْتُ عليكم بوكيل   لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون   وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره  وإمَّا ينْسِينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين  وما على الذين يتَّقون من حسابهم من شئٍ ولكن ذكرى لعلَّهــم يتَّقون   ودّ الذين اتَّخذوا دينهم لعباً ولهــواً وغرَّتهم الحيـاة الدنيا وذكِّر به .. }  .
والكلام فيها كالكلام عن سابقتها . 
×××××××

[ ثانياً ]
النصوص من السنة النبوية الشريفة
 
     لقد حرصت الشريعة الإسلامية عموماً ، والسنة النبوية خصوصاً ، على تمييز شخصيـة المسلم تميُّـزاً ظاهراً ، في المظــاهر والمخابر .
     فأمَّـــــا المخـابر فهي [ العقيدة ] .. /  وقد مرَّ قبل قليل ما اتَّخذه الشارع الحكيم لحفظها سليمةً ، وصيانتها عن التكدير والتأثر بتشويش الكفار والمخالفين .
     أما المظاهر فهي [ الأفعال ] .. /  فقد تكفلت السنة النبوية الشريفة مهمة صونها وتميُّزها عن مظاهر المخالفين ، وصولاً إلى الصيانة التامة للمسلم وعقيدته ، وعدم جرِّه بمظاهر معيَّنة إلى ذلك التأثر .
  وبمراجعة ما ورد في السنة الشريفة ، سنجد الآتي :
  
  أ . مما ورد في الآثار ، أنَّ رسول الله  قد خالف المشركين عند الإفاضـة مـن [ المزدلفة ] إلى [ منى ]  ، فكانت قريش – وهم  من الحُمْس  ـ  لا يفيضون إلاَّ بعد شروق الشمس وكانوا ينادون : أشرق ثبير – جبل المزدلفة – كيما  نثور !! ، فأفاض الرسول  بعد الفجر ، وقبل الشروق مخالفةً لهم ، وتمييزاً لفعله وفعل المسلمين عن فعل الكفار  .
××××××
ب . اتَّخذ الرسول  يوم الجمعة يوماً دينيَّاً للمسلمين ، فقال  :
{ نحن الآخِرون السابقون ، بيد أنَّهم أُوتوا الكتـــاب من قبلنا ، وأُوتيناه من بعدهم ، وهذا اليوم الذي كتــب الله عليهم فاختلفـــوا فيه ، فهدانــــا الله  له – يعني يوم الجُمُعة – فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غداً ، والنصارى بعد غدٍّ }  .
ج . نهى رسول الله  صوم يوم السـبت – كما في الترمذي – ثم قال الترمذي  : [ .. ومعنى هذا أن يُخصَّ الرجل يومَ السبت  بصيام ، لأن اليهود تعظِّم يوم السبت ]  .
×××××××
  د . وروى عن ابن عباس حديثاً في [ عاشوراء ] ، ثم نقل قول ابن عباس  ، وهو : [ صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود .. ] .
×××××××
  هـ . وقد أكدَّ المصطفى  على مخالفة اليهود خصوصاً ، والكفار عموماً – وبها وردت الرواية - ، فأمر  بإعفاء اللحى ، وبإحفاء .. وإخفاء .. وإنهاك الشوارب   ـ على اختلاف الرواية - .
×××××××
 و . ولقد .. كان رسول الله   إذا اتَّبع الجنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد ، فعَرَض له حبرٌ  من اليهود فقال : هكذا نصنع يا محمد .
قال الراوي : فجلس رسول الله  . . { وقال : خالفوهم }  .
   ز . وقال رسول الله  : { خالفوا اليهود فإنَّهم لا يصلون في نعالهم ، ولا خفافهم }  .
×××××××
 ح . وقد يُخالف  من هو أشدُّ تأثيراً من الكفار دون الآخر ، ثم يعود إلى ما يُخالف الذي قد وافقه قبلاً ، بعد انحسار تأثير الآخر .. ففي ابن ماجة : [  كان أهل الكتاب يَسدلون أشعارهم ، وكان المشركون يَفْرقون ، وكان رسول الله  يُحبُّ موافقة أهل الكتاب ، قال : فسدل رسول الله  ناصيته ثم فرق بعد ] .
×××××××
    ط . وخالف الرسول  ما زعمته اليهود في العزل عن الزوجة ، حينما قالوا : أنَّـه [ الموؤدة الصغرى ] ، فقال  : { كذبت اليهود ، إذا أراد الله أن يخلقه فلم يمنعه }  .

   هذا ومن تتبع نصوص الشارع الحكيم ، سيجد الكثير من النصوص .
×××××××

المطلب الثانيالاحتياط  في  الفروع العملية


   ونلاحظه في موضوع أولاه  الشارع اهتماماً ظاهراً ، وهو [ الزنا ] ، باعتباره أمرا يؤدي إلى : 
1. شيــوع الفاحشة في المجتمعات .
2. واختلاط الأنساب .
3. وتحلل الخلق .
4. وكثرة الأمراض . 
   5.   وتنامي عدد اللقطاء  ومجهولي النسب ، الذين يصيبوهم شرور جناية آبائهم على مجتمعاتهم . 
   فالزنا .. هو رأس الشرور في الأخلاق ، كما أن المال رأس الشرور في الاقتصاد - إذا لم يحسن أمرهما - وكلاهما : [ الشهوة و حب المال ]  انعكاس لغريزة من غرائز الإنسان المركوزة في ذاته بأصل الخلقة ، لا يستطيع منها فكاكاً ولا خلاصاً ، فهما أولى بالتنظيم الدقيق ، واتخاذ السبل لظهور الهدف المنشود دون شطط ولا زلل .. من ذلك كان الاهتمام مميزاً.  
 ونستعرض نصوص الشارع الحكيم في الموضوعين ..

[ أولاً ]
  النصوص الخاصة بالتحصين ضد الزنا

   أ - قوله تعالى : { يا نساءَ النبيِّ لستنَّ كأحدٍ من النساء إن اتَّقيتنَّ فلا تخضعنَ بالقول فيطمعَ الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً   وقَرْنَ في بيوتِكُــــنَّ ولا تبرجْنَّ تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطِعنَّ الله ورســـــوله إنما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً }  . 
   فمنع النص [ خضوعهن بالقول ]  أي : ميوعته ، وتكسيره ، والتغنج به ، على عــــادة [ الصبايا ] منهن ، وما ذلك إلاَّ لمنع تحــرك الشــــهوة .. [ فيطمع الذي في قلبه مرض ] ، وهي التي تدفع إلى .. [ الزنا ] .. الذي احتاط له الشارع الحكيم بعد احتياطات :
    الاحتياط الأول / منع الميوعة  .
    الاحتياط الثاني / منع تحرك الشهوة حين منعت الميوعة .
    الاحتياط الثالث / منع الوقوع في الزنا - وهو المحرم لذاته - .
    الاحتياط الرابع / منع اختلاط الأنساب .. وهو المؤدي إلى الشرور التي بسطناها ..  فكيف يكون بعد هذا الاحتياط ؟ !! .
×××××××
    ثم لما أراد الله أن يطهر أهل بيت النبي   - أي نساءه – فقد هداهن إلى ما يؤدي إلى هذا التطهير ، بمنع ما يؤدي إلى الوقوع في خلافه .. فمنعهن من : 
    الاحتياط الأول / منع الخضوع في القول .
    الاحتياط الثاني / منع الخروج من البيت ، عدم القرار فيه .
    الاحتياط الثالث / منع من التبرج . 
وكلِّ هذه يؤدي إلى أن تلوكهنَّ الألسن ، وفي ذلك انتقاصٌ من مقام النبوة ، وهناك احتمالات اتِّهامهن .. ومنع حصول ما تقدَّم  .. هو المطلوب !! .

   ثم أراد الله   للنتائج أن تدوم بدوام هذه الوسائل ، فقد هـداهن لطريق [ الاستقامة ] .. وما أدراك مـا [ الاستقامة ] ؟؟ ..
  هي التي شيبت محمدا   ، حينما يقول   : { شيبتني هود وأخواتها } .. لأن فيها : { فاستقم كما أمرت }   . 
×××××××
   نعم .. أراد الله  لهن [ الاستقامة ] بعد [ التحصين ] ، فهداهن إليه ، وصولاً إلى تطهيرهن ، وإذهاب الرجس عنهن رضوان الله عليهن ، وحفظ مقام النبوة من كلِّ شائبة  ، فأردف المنع بالمبادرة ، والمنهيات بالمأمورات .. فقال تعالى : 
{ .. وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا  واذكرنَ ما يُتلى في بُيُوتِكُنَّ من آيات الله والحكمة إنَّ الله كان لطيفاً خبيرا }  . 

×××××××
 إنَّ فكرة [ الاستقامة ] خيرٌ من فكرة [ الرعاية اللاحقة ] التي يفخر بها الوضعيون .. مـن : علماء النفس ، والتربية ، وعلم الإجرام !! ، والتي تعنـي عندهم : العنـاية بالمجرم بعد أن يكون كذلك ، لأجل إصلاحه !! ، والشريعة الغرَّاء اجتثَّت جذور خلق الإجرام ، واحتمالات ظهوره .. بفكرة [ الاستقامة ] .  
   فانظر المنهج الواضح ، بالمنع من وسائل خلق أسباب الإجرام ، ثم استدامة الحال ، والمتابعة المستمرة من غير ترك .
  فأين نحن من هذا المنهج الاحتياطي ؟ ، والمتابعة وعدم الانقطاع ؟ 
×××××××
ب – قوله تعالى : {  قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم أن الله خبير بما يصنعون   وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاَّ ما ظهر منها وليضْرِبنَ بخُمُرهنَّ على جُيُوبِهِنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاَّ لبُعُولتِهِنَّ أو آبائهنَّ أو آباء بعولتهنَّ أو أبنائهنَّ أو أبناء بُعُلَتهنَّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنَّ أو بني أخواتهنَّ و نسائهنَّ أو ما ملكت أيمانُهُنَّ أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يطالعوا على عورات النساء ولا يضربن بأرجُلهنَّ ليُعلم ما ُيخفين من زينتهنَّ وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تُفلحون  } .
   فالآية طلبت :
1. غضَّ البصر .
2. ومنعت ضرب الأرجل .
3. وطلبت عدم إبداء الزينة .
4. وضرب الخُمُر على الجيوب - شق الصدر - .
   وذلك ..
منعا لتحرك الشهوة .. الدافعة إلى الزنا .. المسبب لكثير من الشرور !! . 
×××××××
ج _ قول الرسول   : { لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة }  .
  والكلام في الحديث الشريف هو نفس الكلام عن الآيتين السالفتين .
×××××××
د- قول الرسول   : { أيَّما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا  من ريحها فهي زانية }  . 
 
   وهذا تنفير شديد للمرأة حتى تترك سبيل الإغراء ، المحرك للشهوة ، والدافع إلى الزنا ، والمسبب للشرور .. 
   وهذا كله من الاحتياط البعيد سد للذريعة المؤدية إلى الأفعال الجرمية وآثارها الهادمة للمجتمعات قبل الأفراد . 
×××××××

[ ثانياً ]
النصوص الخاصة بالتحصين ضد إغراءات المال 

   ونستطيع أن نضيف إلى المال [ السلطة ] .. فكلاهما قوتان تغريان صاحبها بالإيغال في تجاوز الحدود الحائلة دون الفعل الجرمي .. ويصدق هذا في حالة انفراد المرء بقوة إحداهما ، وإذا اجتمعا فالخطر أشدُّ وأقوى ، يؤيده ..  قوله تعالى : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمَرْنا – وفي رواية أمَّرنا – مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا }  .

 فرواية الأصل [ أمرنا ] .. تعني :
   قيل معناها : [ كثَّرنا ] مترفيها .
  وقيل بمعنى : أمرناهم بالطاعة ففسقوا .

 وعلى الرواية الأخرى ,,  تعني : 
  جمع سلطة المال .. وسلطة الإمْرة ، فمؤداها إلى الهلاك بسبب : الطغيان ، والعتو ، والاستعلاء .. لا محالة ، بتأييد قول الله تعالى :
  { وانْ منْ قرية إلاَّ نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا }  . 

   لهذا كان : 
1. أمر[ السلطة ]  و [ الحكم ] .. وصلاحهما ، من بواعث منع ظهور الحالة الجرمية . 
2. و حسن التصرف في المال - بجمعه من حله ، وأداء ما لله فيه – من بواعث منع ظهور الحالة الجرمية  . 
×××××××
  ولأجل كلِّ ما تقدم .. قيل : [ الغني الشاكر خير من الفقير الصابر ] ، فنجد كثيراً من الناس في المعارضة .. هم غيرهم وهم في الحكم !! ، والكثير ممن يتقلب في الغنى .. غيره وهو في حال الفقر !! .

   فالــذي ينجو من مؤاخذة ربِّ العالمين بصدق – وكذا مؤاخذة الدنيا – هـو من إذا .. ابتلى لا يزيغ ، فليس المرء ممن يكون ممدوحا  لعدم : الظلم ، وعدم الفسق ، وعدم الجور .. وهو في المعارضة ، بل العبرة بهذه الأوصاف وهو في [ السلطة ] ،  فمقياس الحالة الجرمية يكون بتوفر أسبابها ، ثم عزوف الذي تيسرت له عن الظلم .
   وكـذا الحال بالنسبة للفقير ، فلا يُمدح لمجرد عدم ارتكاب المحظور ، بل يستحق المدح .. إذا ابتلى بالمال فما : ظلم ، ولا احتكر ، ولا فسق ، ولا طغى ، كما يقول القرآن الكريم : { أن رآه استغنى } .

   لأجل ما تقدم قالوا .. الزهد :  فراغ القلب من الدنيا ، مع عدم فراغ اليد منها !! . 
   ومن هذا الميزان يُعلم حال الكثير من دعاة الإصلاح ، مع أنهم ليسوا من ذوي الصلاح !! ، لما تيسر لهم من وسائل دفعت بهم إلى السقوط .
×××××××
إنَّ السلطة والمال ستاران ترتضي وتقبل الناس احتماء المحتمي بهما ، لتبرر لصاحبيهما – أو أحدهما - ارتكاب الفعل الجرمي !! . 
   ومن أجل هذا – أيضاً - كانت : معالجات الشريعة ، وتوجيهاتها ، ونصحها ، وترغيبها ، وترهيبها .. موجه إلى هؤلاء ، أو بياناً لجسامة ضررهم ، وتقبيحاً لاحتمائهم بما وُهبوا ، فهو [ تحصين ] لمن لم يبتلَ، وهذا هو التحصين الأبعد  .
   وهو توجيه للمبتلى بهما .. والإسهاب في هذا الموضوع يطول . 
ويقول ربكم جل وعلا : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون } . 


×××××××

الفرع الرابع
سد الذريعة بالاحتياط الموغل في البعد 
الممتد إلى ما قبل الولادة

       ويمكننا أن نجد هذا في تطبيقين .. هما :

 المطلب الأول 
في اختيار المرأة الصالحة

    فحين يحض الرسول   على اختيار المرأة لصفاتها الصالحة بقوله : 
{ تنكح المرأة لأربع : لجمالها ، ولحسبها ، ومالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك } .
  وحين ينهى عن اختيارها لأجل الجمال مــــع ســؤ التربية : بقوله   : { تخيروا لنطفكم فان العرق دساس }. 
  فكلُّ ذلك لـ : حكمٍ تشريعيَّةٍ ، ونظرةٍ بعيدة .. في أن هذه الزوجة ستكون [ أمَّاً ] ، بل هذه هي الصفة الأبقى لها ، وإن فارقت زوجها بـ : بموتٍ ، أو فُرقةٍ !! ,
 ولقد جعل المصطفى   حقوقاً ثلاثة للولد – مقابل كل الحقوق للوالد – ، وهذه الثلاثة هي : 
1 . أن يختار له الأب أمَّاً صالحة .
2 . وأن يحســن اختيار اسمه .
3 . وأن يُحسن تربيته . 

   فكـل ما تقدم هو : [ الاحتياط الأبعد الموغل في البعد  ] .. الممتد إلى ما قبل الولادة ، لمنع ظهور الفعل الجرمي  ، حتـى ينشأ الولد نشأة صالحة في كنف أم صالحة ، ولا يؤثر في نفسه اسمه تأثيرأ سيئاً ، ويدفعه الإسم – مع المعرة -   إلـى ارتكاب ما لا يرتضي ، انتقاماً وثأراً لنفسه من : أهله ..  ومن المجتمع ، ولعل كثيرا مما يقع في المجتمعات سببه أمثال ما تقدم !! .
×××××××
 الطلب الثاني 
في منــع السخرية والتنابز بالألقــاب
                                          
   وقد يكون [ للسخرية ] ، [ للتنابز بالألقاب ] تأثيرٌ كتأثير .. [ الإسم السيء ] أو أشدَّ تأثيرا ، وحين ينهى الباري عن ذلك كلِّه ، فهو  : حكيمٌ في أمره ونهيه ، وفي خلقه وتكوينه ..  يقول تعالى : 
     {  يا أيُّها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيراً منهنَّ ولا تلمزوا أنفسَكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفُسُوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } . 
    فوصف الباري  ذلك الصنف من الناس .. بـ [ بالظلم ] ، هو منتهى التبشيع لذلك الفعل ، والرغبة في الابتعاد عنه ، ومعلومٌ أن ترتيب العقوبة على الفعل من طرق الاستدلال على التحريم .. 
  
فناهيك بذلك من وصفٍ من الباري لأمثال هؤلاء !! .

×××××××

     وقد يسعى هذا الموصوف بخسيس الأوصاف للثأر لنفسه ، بمحاولة جعل الجميع مثله ، مادام لا يستطيع الارتقاء إلى مصَّافهم ، ولعـــــــل كثيراً من [ المأبونين ] قد أصبحوا من [ اللاطة ] ..  بسبب ماضيهم !! ، والأمر يستأهل مزيداً من دراسة ، واستفاضة بحث . 

×××××××
الفرع الخامس
خلق الحاجز النفسي الحائل دون الإقدام على الجريمة

   بالإضافة إلى الطريقين السابقين من طرق التحصين ، ففي هذا الفرع نبحث الطريق الثالث . وهذا الطريق من الطرق المهمة الحائلة دون الإقدام على الفعل المخالف للشريعة والقانون ، وهو غير [ الوازع الذاتي ] . 
   فالأخير أبعد مدىً ، وأكثر جدوىً ، وأضمن نتائج ، وهو يقتلع جــذور  [ النفس الأمارة بالسوء ] ، وهذا يتفاوت عند الناس بحسب تمكن ذلك الوازع منها . 
   ولما كان الناس متفاوتين في تطويع نفوسهم لمثل هذه الدواعي ، فقد جعل لكل نفسٍ طريقاً آخر غير الطريق المخصص لغيرها .
  فإنَّ المؤمنين بالله متفاوتون في سبب إيمانهم ..
فمنهم /  من عرف الله بذاته لأنه [ معروف ] لديه ، فهذا هو [ العارف] . ومنهم / من عرفه بآثاره ، وهؤلاء هم [ سواد الناس ] .
 وبين الاثنين مسافة بعيدة .. يقول العلامة عبد الرحيم المولوي الكردي في منظومته [ الفضيلة ]  : 
ممـــن به لمن عليه تستدل          مسافةٌ لا تستظل لا تستزل
×××××××
وهكذا الحال في خلق النفس الخيِّرة :
 
فبعضها /  وهو العالي منها ، يكفيه قناعتـه بتوجيـه الله ورسوله  ليجعل من نفسه رقيبـا على ذات نفسه ،  وهذا مبتغانا ، وهو أعلى درجات التحصين . 
×××××××
وبعضها /  يحتاج إلى مزيد معالجة ، وكثير تنبيه وتطبيب ، وهذه سنَّ لها الشارع الحكيم ما يناسبها ، ونبحثه فيما يأتي :

المطلب الأول
البدء بتشريع العقوبة الأعلى للفعل الجرمي ..
ثم النزول بها إلى الأخف

   وهذا ما يجعل العقوبة الشديدة مستحضرةً في ذهن المقبل على الفعل المحظور ، فيردعه خوفه من شدة العقوبة . فحين يقول الله جل وعلا : 
{ السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاًً من الله } .
يراجع العازم على أخذ مال الغير نفسه ألف مرة ومرة قبل الإقدام على ارتكاب فعلته ، وإن كانت شروط إيقاع العقوبة به عسيرة ، وقد يصعب تحقيقها ، وبالتالي عدم توقيع العقوبة ذاتها – غالباً – لـ  : 
1. صعوبة شروط إيقاع العقوبة من جهة .
2. وصعوبة الإثبات الذي أحاطها الشارع الحكيم به .
3. وسقوط العقوبــة [ بالشبهات ] .. 
  لكن العازم على الفعل الجرمي تتراقص أمامه الحالة الأصلية ، ويندر أن يتذكر الاستثناء ، فضلاً عــن التأثر فيه  .. فكــانت حكمـة الله – وما تزال بالغة - في معالجة النفس الإنسانية بهذا الطريق المجدي ، الذي ثبتت جدواه على مرِّ عصور التطبيق . 
×××××××
    في ذات الوقت لو أردنا تقييم تجربة المشرع العراقي حينما شدد عقوبة السرقة في زمن الحرب – لبعض الحالات – وأوصلها إلى الإعدام !! ، فما أجدى ذلك ولا نفع نفعا بارزاً ، فكانـت الجرائم تزداد رغم شدة العقوبة ، وذلك لما استقر فـي ذهن الناس أن السارق يحبس مدة قصيرة ، وقد يعفى .. الخ ،  ولعقوبة القطع حكم أخرى لا مجال لسردها الآن  . 
×××××××
    وفي جريمة القتل العمد ، جعلت العقوبة الأصلية هي [ القصاص ] ، فالقاتل عمداً يرسخ في ذهنه أنه .. مقتول لا محالة ، ولا يخطر على باله - عند التفكير بارتكاب الفعل المحظور - : موانع العقاب ، أو احتمال عفو الأولياء ، أو غير ذلك .. فيكون هذا مجدياً أحسن جدوى في كف العازم على الدخول في صف المجرمين .. عن ذلك . 
   أما حين يعلم أن الحكم الأصلي هو : [ السجن المؤبد ] .. وقد تقل العقوبة ، وأنَّ  [ الإعدام ] .. هو الاستثناء .
   أو اعتماده على أمورٍ كثيرةٍ : كالعفو الكلِّيِّ ، أو الجزئيِّ .. 
فكل ذلك لا يخلق حائلا أو حاجزاً نفسياً – بحالٍ - لدى هذا المخلوق !! .. وكذا الحال في كل جرائم الحدود ، فعقوباتها : 
1. تسقط بالشبهات .
2. وُتخفف بالتداخل .
3. وتسقط بالتوبة قبل القدرة على ذلك المجرم – ما لم يكن فعله متعلقاً بحقٍّ من حقوق العباد - .. الخ . 
فما تقدَّم هي .. الظروف المساعدة للمجرم !! ، والعكس صحيح  !! . 
×××××××
   فالذي ذكرناه من معالجات الشريعة ، يؤثر إيجابيا في منع ظهور الفعل الجرمي ، وهي المرحلة التالية لمرحلة [ التفكير ] ، في حين [ الوازع الذاتي ]  يمنع مجرد التفكير بأمثال هذه الأفعال .

××××××××
المطلب الثاني
خلق الحاجز النفسي بإشهار العقوبة

    فقصور نظــر بعض البشر يجعلهم غير متصورين لتعاسة حال المجرمين ، وساعة إيقاع العقوبة بهم .. فلهؤلاء شرع الله علنية العقوبة ، يقول  تعالى :
 { سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آياتٍ بيناتٍ لعلكم تذكرون   الزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما مائة جلدة ولا تـــأخذكم بهمـا رأفة في دين الله أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخـر وليشهد عذابهما طائفة مــن المؤمنين }  .  
×××××××
  كذلك نجد التعازير - وهي العقوبات غير المحددة – تتسع لكل هذا ، فقد يقضي القاضي : بإشهار العقوبة ، أو التشهير بالجاني .. ويكفيه ذلك ردعاً له ولغيره من الناس . وقد أدركنا هذا ، وهو مما تفعله الشرطة في بعض الأحيان ، وقبل ثلاثة عقود من الزمان  . 

×××××××
المطلب الثالث
تبشيع صورة المجرم في نصوص الشارع الحكيم

  وهذا يوصل إلى خلق حاجز نفسي يحول بين الفرد والإقدام على الفعل المحظور ، منه :
[ أولاً ]
من نصوص الكتاب 

     1.  قوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلاَّ زانيةً أو مشركة والزانية لا ينكِحها إلاَّ زانٍ أو مشرك وحرِّم ذلك على المؤمنين }  . 
    فالزاني لا يليق أن تقبل به عفيفة ، بل لا تقبله زوجا لها إلا امرأة  ملوثة بعار الزنا ، أو بأسوأ منه وهو عار الشرك .. وهكذا المرأة الزانية لا يقبلها رجل عفيف ، بل لا يليق بها إلاَّ زانٍ مثلها ، أو من هو أسوأ وهو الشرك . . وكل هذا تبشيع لأمر الزنا ، وتنفيرٌ لنفوس الناس منه . 
×××××××
 2. وقوله تعالى في وصف حادث الإفـك – الرميِّ بالزنا من غير دليل -وتبشيع صورة التشنيع ، والإفاضة بما ليس بخير ، وكل هذا يعد أفعالا جرمية في الإسلام : { إذ تَلَقَّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم } . 
×××××××
   3.  وقوله تعالى : { إنَّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعُنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم }  . 
فاقتران الفعل باللعن ، ووصف الفاعل به تبشيعٌ له ، وهو أدعى للترك  .
×××××××
   4.  وقوله تعالى في تقبيح الكفر : { والذين كفروا أ‘ْمالُهُم كسرابٍ بقيعةٍٍ يحْسَبُهُ الضمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ووجد الله عنده فوفَّاه الله حسابه والله سريع الحساب  أو  كظلماتٍ في بحرٍ لجيٍّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } .  
×××××××
   5.  وقولــــــه تعالى في تقبيح صورة خيانة العلم ، أو وضعه في غير أهله : { مثل الذي حمِّلوا التوراة ثم لم يَحْمِلوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثلُ القوم الذين كذَّبوا بآيــات الله والله لا يهدي القوم الظالمين } . 
×××××××
   6.  وقوله تعالى في وصف النفاق : { ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين  ُيخَادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون  في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون   وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون  إلاَ إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون  …   مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون  صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون } . 
×××××××
    7.  وقوله تعالى في تشيع صورة الكافرين : { ومثلُ الذين كفروا كمثل الذي ينعِقُ بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون }  . 
××××××××
  8.  وقوله تعالى في تبشيع صورة الرياء في الإنفاق : { يا أيها الذين آمنوا لا تُبطلوا صدقاتِكم بالمنِّ والأذى كالذي يُنفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين } . 
×××××××
   9. وقولــه تعالى في تبشيع صورة الممسكين عن الإنفاق في الخير : {  أَيَوَدُّ أحدُكُم أن تكون له جنةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلِّ لثمرات وأصابه الكِـبَر وله ذريةٌ ضعفاءُ فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك  يُبيِّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }  .
××××××××
   10. وقوله تعالى في تبشيع صورة إنفاق الكفار في محاربـة الرســــول  : { مثلُ ما يُنفقون في هذه الحياة الدنيا كمثلِِ ريحٍِ فيها صرٌّ أصابت حَرْث قومٍ ظلموا أنفُسَهم فأهلكتْهُ وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون }  . 
××××××××
   11.  وقوله تعالى في تبشيع صورة الكفر بعد الإيمان : { واتْلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتِنا فأنسلخ منها فأتْبَعَه الشيطانُ فكان من الغاوين   ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخْلَد إلى الأرض واتَّبع هواه فمثلُهُ كمثل الكلب ان تحمِلْ عليه يلهَث أو تتركه يلهث ذلك مثلُ القومِ الذين كذَّبوا بآياتنا فاقْصُص القَصَصَ لعلهم يتفكرون  سـاءَ مثلاً القومُ الذيـن كذَّبوا بآياتنا وأنفُسَهُم كــانوا يظلمــون } .
×××××××
   12 . وقوله تعالى في تشبيه عمل الكفار وثمرته : { مثل الذين كفروا بربهم أعماُلهُم كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد } . 
×××××××
   13. وله تعالى في تشبيه كلام السوء : { ومثلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجْتُثَّتْ من فوق الأرض مالها من قرار }  . 
××××××××
  14 . وقوله تعالى في تبشيع صورة الكفر : { أوَ منْ كان ميْتاً فأحييناهُ وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثَلُهُ في الظُلُمات ليس بخارجٍ منها وكذلك زُّيّن للكافرين ما كانوا يعملون } . 
××××××××
    15.  وقوله تعالى في وصف الكافرين بواقع حالهم تذكــــيرا ببشاعـــة صورتهم : { للَّذين لا يؤمنون بالآخرة مثلُ السَوْء ولله المثلُ الأعلى وهو العزيز الحكيم } .
××××××××
   16.  وقوله تعالى في تبشيع صورة كفران النعمة : { وضرب اللهُ مثلاً قمريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقُها رغداً من كلِّّ مكانٍ فكفرت بأنْعُمِ اللهِ فأذاقها اللهُ لباسَ الجوعِ والخوفِ بما كانوا يصنعون }  . 
××××××××
  17.  وقوله تعالى في تبشيع صورة المتخذين من دون الله بشراً جعلوهم أولياء لهم : { مثلُ الذين اتَّخذوا من دون اللهِ أولياءَ كمثلِ العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهنَ البُيُوت لبيتُ العنكبوت لو كانوا يعلمون  إنَّ اللهَ يعلمُ ما يدعون من دونه من شيءٍ وهو العزيز الحكيم   وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقِلُها إلا العالِمُون }  . 
××××××××
   18.  وقوله تعالى في وصف الغيبة : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إن بعض الظن أثمٌ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيُحبُّ أحَدُكُم أن يأكل لحم أخيه ميْتاً فكرِهتموه واتَّقوا الله إن الله توابٌ رحيمٌ } .
×××××××
   19. وقوله تعالى في تبشيع صورة : جمع المال ، والزهو ، والفخر ، والبطر والأشر : { اعلموا إنَّما الحياةُ الُّدنيا لعبٌ ولهوٌّ وزينةٌ وتفاخُرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعْجبَ الكفارَ نباتُهُ ثم يَهِيجُ فتراهُ مُصْفرَّاً ثم يكونُ حُطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوانٌ وما الحياةُ الدنيا إلاَّ متاعُ الغُرُور }   .
×××××××

[ ثانياً ]
في نصوص السنة النبوية 

   1. قوله  في وصف الأنانيـــة والنزعة الفردية وتبشيع صورتها : { مثل الواقع في حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم سّفل وأصاب بعضهم علو وكان الذين في السفل يستقون من العلو فيمرون عليهم فيؤذونهم فقال الذين في العلو قد آذيتمونا ، تصبون علينا الماء فأخذوا فأسا فجعلوا يحفرون في السفينة فقال الذين في العلو : ما تصنعون ؟ فان تركوهم وما يريدون غرقوا جميعا وان اخذوا على أيديهم نجوا جميعا } . 
×××××××
   2. وقوله  في صفة الكفار وعدم جدوى عملهم : { مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع .. ومثل الكافر كمثل الأرزة المجدبة على أصلها ، لا يقصفها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة }  .  
×××××××
  3.  وقوله  في تقبيح وضع المنافق : { مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين ، لا تدري إلي أيهما تذهب }   . 
×××××××
  4.  وقوله   في تقبيح مآل هذا الصنف مـن الناس ، وسوء نتيجتهم : { من كان ذا لسانين في الدنيا كان له لسان من نار يوم القيامة } . 
×××××××
    5. وقوله  لعلي  في صفة المنتقص لصلاته ، ذامَّاً  إياه  : { يا علي مثل الذي لا يتم الصلاة كمثل حُبلى حملت فلما دنا نِفاسُها أسقطت فلا هي ذات ولد ولا هي ذات حمل ، مثل المصلي كمثل التاجر لا يخلص ربحه حتى يخلص له رأس ماله ، كذلك المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة } . 
×××××××
    6.  وقوله  في تبشيع صورة غير المتم لصلاته : { أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق في صلاته ، فقيل : وكيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها } . 
×××××××
   7.  وقوله  في ذم عدم العمل ممن علم : { مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل السراج يضئ للناس ويحرق نفسه } . 
××××××××
  8. وقوله  في تبشيع الخلط بين العملين السئ والصالح : { مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم يصلي مثل الذي يتوضأ بالقبح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي } . 
×××××××
  9. وقوله  في تبشيع صورة العائد في هبته : { مثل الذي يتصدق ثم يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله } . 
××××××××
  10 .  وقوله  في تقبيح حال مجالس جليس السوء : { ومثل جليس السوء مثل القين إذا لم يحرق ثوبك أصابك من ريحه } .
 

ونكتفي بهذه النماذج وغيرها كثير .


×××××××









الفرع السادس
امتداح صورة الصلاح والالتزام

    ومن طرق التحصين في هذه الشريعة الغرَّاء ، عدم الاكتفاء بالحاجز النفسي - بصورته السلبية - ، والاكتفاء بتبشيع صورة الحالة المعيبة غير المرضية من الشارع ، فقد خطى المشرع خطوة أخرى ، وذلك بامتداح صورة الصلاح ، والالتزام بالأحكام ، والبعد عن الزلل والخطل . 

  إن هذه الحالة مما تنفرد  بها الشريعة الإسلامية ، فكل القوانين تعاقب في حالة الخروج عليها ، ونادراً ما  تكافئ – والندرة تقرب من  العدم  - ، لكن الشريعة الإسلاميـة تكافئ دائـماً على الالتزام ، وتعطي المحفزات العديدة ، وهذا من مميزات هذه الشريعة ، ودواعي نجاح تطبيقها ، وسموِّها على بقية التطبيقات القانونية ، وهذا دافع مهم لإبعاد المكلف عن : الخطــل ، والخطــأ ، والزلــل ، ومحّفــِز قوي ، ومحصِّن له ضد الجريمة ، وحافظ لــه ضمن حدود الفضيلة ..

 سنتكلم عنها في المطالب الآتية : 

المطلب الأول
الشكر من الله تعالى نفسه للعبيد 
على الالتزام التطبيقي

لقد بلغت المجازاة على الفعل الحسن ، وعلى الالتزام ..  شأوا عظيما ،  ويكفيك أن الباري  يُجازي بنفسه على الفعل الحسن ، ويشكر هو نفسه جلَّ وعلا مخلوقيه وعبيده على : الإلتزام ، والطاعة ، وعلى التطـوع ، وفـي ذلك أبلغ أنواع دفع المكلف ليكون .. بعيداً عن التمرد ، وعن المخالفة ، والطمع في عطاء الله ورضاه .. 

1. يقول تعالى   : { .. وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله .. }  . 
×××××××
2. ويقول تعالى : { إنَّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجَّ البيت فلا جناح أن يطَّوَّف بهما ومن تطوع خيراً فإنَّ الله شاكرٌ عليم }  .
×××××××
3. ويقول تعالى : {  نعمةً من عندنا كذلك نجزي من شكر } 
×××××××
          4. ويقول تعالى : { فاذكروني أذكركم .. }  . 
×××××××
5. ويقول تعالى : { .. وكان الله شاكراً عليما }  .
×××××××
6. ويقول تعالى : { .. فأولئك كان سعيهم مشكورا }  .
×××××××
أمَّا .. تكفل الله  بمجازاة الشاكرين ، فهو من المحبذَّات التي ورد في القرآن الكريم ، وهذا من أساليب الناجعة .. 
1
. يقول تعـالى : { .. وسيجزي الله الشــاكرين   .. وسنجزي الشاكرين }  .
××××××
2. ويقول تعالى : { .. أليس الله بأعلم بالشاكرين }   . 
×××××××
  ولا يغيـب عن الذهن أن الله  حين يذكر [ علمه ] بفعل عبده – أيّاً كان - ، فهو نوع مجازاةٍ له ، فضلاً كون ذلك يعني أنَّ الله لن يترك من علم شكره لربه من غير مجازاة .
×××××××
المطلب الثاني
المجازاة على الحسنة بمجرد النية
    فمن همَّ بحسنةٍ - وإن لم يفعلها - كتبت له حسنة ، ومن هم بسيئة ثم عدل عنها كتبت له حسنة . ولا يحاسب المرْ على السيئة إلا بعد الفعل ،     والبعد عن السيئات ، وجعل تفكير المرء محصورا في الخير ، وهو أسلوب تربوي ونفسي بعيد الآثار ، بعيد النظرة في معالجة النفس الإنسانية ...
       
  فقد روى ابن عباس  ، عن النبي الأكرم   - فيما يروي عن ربِّه : { قال قال : إنَّ الله كتب الحسنات والسيِّئات ثم بيَّن ذلك ، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً ، فإن همَّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشرَ حسنات إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ . 
   ومن همَّ بسيِّئةٍ فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة ، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئةً واحدة }   
المطلب الثالث 
مضاعفــــــة الأجور

فالحسنة بعشر أمثالها وقد تصل إلى سبعمائة ضعف ، وبعض الأفعال لا حساب لأجورها ، كأجور الصابرين والشهداء ...
1. يقول تعالى  : { .. والله يُضاعف لمن يشاء والله واسعٌ عليم }  
×××××××
       2. ويقول تعالى : { .. فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً }   . 
×××××××
       3. ويقول تعالى : { من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم }   .
×××××××
       4. ويقول تعالى : { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يُضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكورٌ حليم }   .
×××××××
       5. ويقول تعالى : { .. ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } . 

 6. ويقول تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلاَّ مثلها }  
×××××××
المطلب الرابع 
نيل الأجور بمباشرة المباحات بنية الطاعة لله
 
    1. ففي الحديث الشريـف : { .. أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر ؟ فقال : 
أ رأيت إن وضعها في الحرام أكان يأثم ؟ قال : بلى قال كذلك إذا وضعها في الحلال فهو يؤجر } .. 
×××××××
 2. قول الرسول الله  روى الإمام احمد في مسنده حديث أبى ذر الغفاري عن الرسول  : { .. قال أ رأيت لو كان إثما أليس كان يكون عليه الوزر فقالوا نعم قال فكذلك يؤجر } .

×××××××

    ونصوص الشارع الحكيم من الكتاب والسنة ، كثيرة متظافرة ،  والتي فيها تشبيه الملتزمين والعاملين بأحكام الشرع بتشبيهات لطيفة ، وتصفهم بأوصاف إلى النفوس عجيبة .. ولو استعرضناها لطال بنا المقام .. 







الفرع السابع
تبيان حِكَم تحريم بعض الأفعال .. و حِكَم منع الجرائم

    إن من طرق التحصين المجدية التي اتَّبعتها الشريعة الغرَّاء ، هو بيان الحكمة من منع هذا الفعل أو ذاك ، فيجعله – ذلك البيان - أرضى في النفس البشرية ، وتكون النفس أقبل له عند البيان .
   فالحكمة : هي الفائدة العملية التي ترتجى من هذا الفعل أو ذاك ، سواء كان الفعل إيجابيا [ عمل ] ، أم سلبيا [ امتناع عن فعل ] .
  فما أمر الله بأمر ، ولا نهي عن منهي عنه .. إلاَّ لحكمة ، وهذه الحكم بعضها منصوص عليها ، وأخرى ليست كذلك ، فهي تستفاد بنظر أهل النظر ، وعدم النص عليها في أحايين كثيرة مقصود ، لتفاوت تلك الحكم واختلافها ، بـاختلاف الأشخاص والأزمان والبلاد ، فما يستفيده أهل بلد أو الناس في زمن ، قد يستفاد وغيره معه في زمن آخر .
    وعلى كل حال فمعرفة الإنسان الفائدة المرتجاة من تحريم هذا الفعل أو ذاك ، تجعله مقبلا على الامتناع عنه ، ملتزما بذلك عن رضى وقناعة ، بعيدتان عن الخوف من السلطة فقط ، فيكون التزامه مستمرا غير متقطع ، وشخصيته واحدة غيرة متعددة ، ومواقفه ثابتة غير متلونة ، وبذلك نضمن تطبيقاً أسلم ، والتزاما أمثل . 
×××××××
   فإذا علم الإنسان أن : القتل بغير نفس .. أو فساد في الأرض ، هو أشبه بقتل الناس جميعا ، أي : قتل هذا الإنسان وقتل ذريته ، فالناس كلهم ولد آدم ، ولد رجل واحد ، ولو قتل آدم لقتلت البشرية !! ، فشبَّه الله  قتل النفس بهذا تبشيعا لصورة القتل ، وتبيانا لحكمة التحريم .. فذلك ادعى لعدم الإقدام على القتل – وقد مرَّ - . 
×××××××
  وكذلك إذا سمع قول الرسول  : { الإنسان بنيان الرب ملعون من هدمه } ، علـم أن الذي يهدم بنيان إنسان آخر ، أو يتلف عضواً له يضمنه ، فهادم بنيان ربه ضمانة كبير ومسؤولية عظيمة ، فيكون أدعى للترك . 
×××××××


[ مثال تطبيقي لبيان حِكم بعض الأحكام ]
 
   وما  نستطيع قوله في حكمة قطع اليد في السرقة كمثال تطبيقي .. هو :  
إن حفظ حقوق الناس واجب ، فاستحصال حق العامل من رب العمل ، وحق الفلاح من صاحب الأرض ، مما قامت لأجله ثورات وتغيرت نظم ، وسرقة الإقطاعي والرأسمالي هو جزءٌ كدّ العامل أو الفلاح ، حتى وان كان الجزء الأعظم ، فهو يترك له شيئا مهما كان ضئيلا .. لإجل استبقاء حياته – في الأقل – لمنفعة نفسه ، لكي يعاود العمل والإنتاج ، ومع هذا فقد سوَّغ ذلك :       
1.  خرق النظام القانوني وشرعيته ، بشرعية الثورة !! .
2.  وسـوغّ ذلك تلـف النفس أنفس كاملة مكررة إلى ما شاء الله من الأنفس ، فجاز تلف الكل مكرراً إلى عددٍ لا يحصى ، مقابل الجزء !! .
3.  وسوَّغ ذلك انتصاب الثوار [ وكلاء عن الغير من غير توكيل ] ، للمطالبة بحقوق [ الكادحين ] !! .
4. وسوَّغ – عندهم - عدم التوازن بين الهدف ، وبين الفعل  .. فالمطالبة هي بحقوقٍ للغير – كما يقال - ، ولكن المبذول هو : [ الأرواح المتكررة ] من غير أصحاب الحق !! .
5. وسوَّغ – عندهم - التغيير الفدائي غير المتدرِّج .. وغير محسوب النتائج ، وفي ذلك من الأضرار التي لا يقدِّرها إلاَّ أصحاب الاختصاص القانوني والشرعي !! .
×××××××
     أمـا في جريمة السرقة وعقوبة قطع اليد جزاءً لها في الشريعة الإسلامية ..  فقد جوزنا فيها [ قطع الجزء لا غير ] ، مقابل سرقة الكل على افتراض أن السارق أخذ بغير حقٍّ غالب ما عند المسروق  .
    وقد يكون المسروق أرملةً ذات أيتام ، وكان زوجها قد مات شهيداً في الدفاع عن : الوطن ، والعِرض ، والدين ، والأهل ، والعشيرة .. الخ .            وقد يـكون السارق [ هارباً ] من الخدمة العسكرية ، فكان ضرره متضاعفاً ، وفيه من مخالفة [ القيم ] – عدا أخذ أموال الغير – ما فيه ، إذ فضلاً عن تخلفه عن أداء واجبه تُجاه من ذكرنا ، فقد خان ذلك الذي ذهب إلى الجهاد ليصون : مال السارق ، وعرضه ، وأمنه ، ومصالحه .. وحين وضع أهله وعياله أمانةً بيد [ المجتمع ] ، كان أعتى الخائنين لكلِّ الأمانات ذلك السارق . 
   وتصور معي – ايُّها القارئ العزيز – أن السرقة من تلك المرأة ، كان في ليلة عيد ، ولم يكــن لديها غيــر الذي سرق منها ، ويُصبح أبناءها [ الأيتام ] في صباح العيد ولا شئ لهم .. أيِّ شئ !! .
   ومع كلِّ ما تقدم نجد من [ يتخندق ] مع ذلك الجاني ، تاركاً [ خندق  المجتمع ] ،  و [ خندق الصلاح ] .. فهل يجوز مثل هذا ؟؟ !!! .
×××××××
   فالذي يسوِّغ [ الثورة ] للأسباب التي ساقها ، فلابد أن  يسوِّغ قطع اليد ..  لا محالة ، والذي لا يسـوغ قطع اليد .. عليه ألاَّ يسوغ حق الثورة ، ولا قائل بهذا العصر الحديث !! . 
   وهكذا يجب أن يجري الأمر في كل حكمٍ .. وفي كل عقوبةٍ ، ببيان حكمتها ليكون ذلك ادعى للقبول بها .. وبالتالي القناعة بعدالتها ، فالامتناع عن أسباب الوقوع بها . فان الشعور بالظلم يدفع إلى تحمله مادام الفاعل يعد نفسـه منتقمـا ، فدفع هذا الشعور يضمن لنا نتيجة مهمة ، ودفعه يكون بالعلم ، وإنما العلم بالتعلم والتعليم بتعليم المرء نفسه ، وتعليم غيره إياه .. ولأجل هذا وغيره ، قال علماء المسلمين : [ ان التكليف طلب الوقوع منه – من المكلف – امتثالا إو ابتلاء ، وهو ممن لا شعور له به محال ، لأنه فرع العلم وطلب المحال محال .. ، قيل إن اللازم التكليف بشرط عدم الفهم محال ،  فلما ثبت أن العلم من ضروريات حقيقة التكليف ، ضرورة تصور الامتثال او الابتلاء ، فوجوده بدونه محال ، والمحال محال في جميع الأوقات ، واستدلوا : لو صح لصح تكليف البهائم .. ] . 


×××××××




الفرع الثامن 
الاحتفاظ  بالإنسان عضواً صالحاً سوياً .. وعدم التفريط  به

   إن الإنسان - بموجب النظرة الإسلامية - يولد : نقياً ، طاهراً ، بعيداً عن كل ذنب يكون قد اقترفه أسلافه الأقربون والأبعدون ، فهو لا يحتاج إلى : [ تعميد ] ، ولا [ تطهير ] ، ولا [ مراسيم ] ، ولا [ تبريك ] .. فإنه .. { ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه : يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه } – كما في الأثر عنه عليه الصلاة والسلام - .
   ومن هذا المنطلق في وصف المخطئ بالخطأ لسبب عارض ، يوصله إلى الاحتراف والانغماس في الرذيلة ، ويصدق على هذه الحالة المثل الشعبي الــذي يقــــــول : [ كالوله ترس ترس لما انترس ]   . فمن المستفيد ؟؟ .. 
الجواب : لا أحد !! . 
×××××××
   هذه النظرة التربوية البعيدة ، والاعتزاز بإنسانية الإنسان ، وافتراض نقاوته الفطرية ، سعى إليها الإسلام ، وطبقها تحقيقاً لهذه الأهداف ،  ومنعاً لرفد حضيض المجرمين بما يبقي له الدوام والاستمرار.. ونجد هذه السياسة قد اتبعت بأساليب متعددة ، وهدف واحد ، وذلك : 

المطلب الأول 
درء الحدود بالشبهات

    وهذه قاعدة جليلة ، بعيدة الغور ، وآثارها بعيــدة المدى ، أساسها قول المصطفى  : { ادرؤا الحدود بالشبهات ، فإن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة } ، وروى الترمذي في سننه عن رسول الله  : 
{ ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة }  .
   ومؤداها : إن إفلات مجرم خير من معاقبة برئ .. فالمجرم قد يتوب ، وإن أصر يقع - لا محالة – في يد السلطة ، ولكن معاقبة البريء لا يزول أثرها قط ، وقد تدفع إنسانا إلى صف المجرمين من لم يكن ليخطر بباله يوماً أن يكون منهم !! ، بسبب إيقاع عقوبـــةٍ ما به ظلماً .
    وكم سببـت هذه الحالة من مآسي وذيول وتفرعات ، انجرت آثارها إلى أجيال ، فلم يتزوج بنات [ المظلوم ] أحد من الناس !! ، وقد تطلَّق بعضهن !! ، ويندفع المتهوم إلى ارتكاب الفعل حقيقة .. فتتأصل الأحقاد ، ويرثها الأبناء عن الآباء وهلم جرا !! .. 
  فلو دفعت العقوبة لأدنى شبهة .. فلا ضير في ذلك ، لكن أضرار الحالة المعكوسة هو .. ما علمنا . 
وكل هذا فيما كان حقا خالصا لله .
××××××
المطلب الثاني 
جواز تلقين المتهم الرجوع عن إقراره

   ففي نطاق الحق المتقدم ، فإن ذات الفكرة تستقيم . لتحقيق عين الهدف ، بل هو ما طبقه رسول الله  ، فكان يقول - لـماعز – حين أقر بالزنا : 

{ لعلك قبلت .. لعلك لمست .. لعلك .. لعلك }  !! .
 ولما أصر [ ماعز ] على إقراره ، لم يجد مناصاً عليه الصلاة والسلام .. من إقامة الحد عليه ، وكان يُحبُّ   ألاَّ يفعل !! . 
   فبالإضافة إلى ما قدمناه من حكم تلقين الرجوع عن الإقرار ، فإن رسول الله   يهدف إلى حكمه أخرى ، وفلسفة تربوية عالية ، ألا وهي :   عدم إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، بعدم استسهال هذا الفعل أو ذاك ، أو مــادام القائمون بـه كثر .. على طريقة : [ حشرٌ مع الناس عيد ] -  كما يقال - ، بل سعى المصطفى  إلى إبقاء : الوجل ، والخجل ، والخوف ، والحياء لدى الآخرين .. كحوائل دون تكـرار شبيه الفعل من آخرين .    فهل ظهر لك المراد ؟ ؟ .

×××××××

المطلب  الثالث
إحاطة بعض الجرائم بوسائل إثبات شديدة يستحيل تحققها !!

     وهذه  الاستحالة واقعية .. لا عقلية ، وذلك في [ جريمة الزنا ] ، وهي من أخطر الجرائم – كما مرَّ بنا قبلاً - .
    ولتحقيق كل ما سبق ، نرى المشرع الإسلامي قد سلك سبيلاً آخر في هذا المقام ، حين اشترط لها : أربعة شهادات من الرجال ، يكونون قد شاهدوا الفعل المحظور بتمامه .. اللهم إلا إذا كان الزانيان أرادا اطِّلاع الآخرين على فعلهما ، فحينئذ حق لهما العذاب ، فإن لم يكن من جهة الفعل ..  فمن جهة : ظروفه المذكورة المصاحبة له ، وما فيها من سؤ الخلق ، والمبالغة في هتك القيم . 
    والإسلام حين يحيط هذا الفعل الجرمي الشديد الخطورة  بهذا السياج من وسائل الإثبات ، بالرغم من حرصه على عدم وقوع ذلك الفعل  بما احتاط من احتياطات كثيرة مرَّت بنا آنفا ، فذلك لان آثار ثبوت الفعل خطيرة ، ونتائجه وبيله .. من : نفي النسب ، أو حصول الملاعنة ، أو الشك في الأنساب ، وتلويث الأعراض ، وتلطيخ السمعة ، وسقوط العدالة  ..  وغير هذا كثير . 
   إن استقرار المجتمع ، واطمئنان الناس إلى : نسائهم ، وانسهم بولدهم بعيداً عن الشكوك .. مدعاة : إعمار الأرض ، ودوام الحياة . وإلا فليس في إيقاع العقوبة : دفعٌ للغُصَّة ، أو طردٌ للسهاد ، وليس فيه نفحٌ عن الأعراض ودفعٌ  لقالة السوء  .. 
  وإلاَّ فما طعم الحياة إذا تسرعنا في نسبة هذا الفعل لأدنى سبب  ؟ ؟


×××××××




الفرع التاسع
تحقيـق حِكـم الله [ مع ] أحكامـه ..
 صوناً للناس عن الجريمة

   فالأحكام الإسلامية ما شرعت إلاَّ لمصلحة .. هي النفع المباشر الحالِّ الواقع في الدنيا ، وهذا يكون : بجلب المنفعة ، أو درء المفسدة ، وهي مصداق قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }  .  
  إن هذا الأسلوب في العربية  - النفي والاستثناء – يفيـد الحصر ، فيكون معناها : ما أنت يا محمد إلاَّ رحمة .. 
   فرحمته عليه الصلاة والسلام في حياته ، من وجوه منها :  

 1.  أمانهم من العذاب .. يقول تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون }   . 
2. أما بعد مماته عليه السلام ، فرحمته في  أحكام شريعته ، ونحن المشتغلون بها ملزمون ببيان : أحكامها ، وتوضيح حِكمها ، وإيراد وجه الرحمة فيها . 
3. فمن تلك الرحمة – بعد مماته عليه السلام - : أنها لو طبقت تطبيقاً محققاً لحكمتها ، لا تطبيقا تكرارياً لمجرد تحقيق التطبيق الشكلي ، بل لتحقيق الوجود مع تحقيق المقصود ، وحينئذ نصل إلى مقاصدنا في كل جانب من جوانب الحياة . 
××××××××

 فبالنسبة لتحصين المجتمع ضد الجريمة ، فإننا نصل إليه بتحقيق حِكم أحكام كثيرة عند التطبيق الهادف .. لا مجرد التطبيق ، ومنها :

المطلب الأول  
الـــزواج المبكــر

   فهذا يعصم الشباب من الزنا في أوج نضوجهم الجسماني ، وفترة اشتداد ميلهم إلى إشباع الغريزة  .
    فليس من الحكمة التشريعية والاجتماعية ، أن نحرم من ازداد توقانه إلى الإشباع الغريزي ..  منه ، ثم نطلقه له بعد أن يكون قد .. شرق وغرب !! ، وذاق وجرب !! ، واعتاد التغيير !! .
   فمثل هذا  لا يجد - بعدئذ - لفراش الزوجية حرمة !! ، ويتزوج وهو فاتر الهمة ، بعد أن يكون قد : بدا عليه الضعف ، ودب إليه الخور ، وبعد أن بدد ذلك في الحرام !! .
   فالذي لا يتيسر له سبيل قضاء تلك الغريزة الهائجة المائجة من الطريق المستقيم ، لابـد أن يصيبها من الحـرام ، أو يصيب من الحرام ، إلاَّ ما رحـم ربي ..  وقليل ما هم !! . 
   فأي دفع للحـرام نسلكه ، وأي سبيل للجريمة نيسره ، ونحن نكلم أولادنا : بتأخير الزواج !! ، وقولنا لأحدهم : لم العجلة بالزواج قبل تكوين  النفس ؟؟ !!  .. وقولنا له – عند طلب الزواج - : [ لازم أولاً تشوف دربك ] !! .. وغير ذلك من العبارات التي تُبعد الشابَّ عن إحصان نفسه بالطريق الشرعي !! ، ثم : نعيب عليهم إذا زلَّوُا !! ، ونبحث مشاكلهم إذا ضلوا !! .. فمن هو إلى الضلال أقرب ؟ ! ، ومن هو للصلاح أحوج ؟ ! 
          نعيب زماننا والعيب فينا          ولو نطق الزمان إذاً هجانا
×××××××
المطلب الثاني   
 رضائية عقد الزواج في الشريعة الإسلامية 

    وهو أسلوب حكيم لتيسير الزواج ، وقضاء الغريزة من السبيل الصحيـح ، والبعد عن غيره من السُبُل ، فما يسرت الشريعة عقداً كتيسيرها الزواج ، فكما جعلت الزنا أشد الشرور ، فقد جعلت الزواج أيسر العقود  ، إبعاداً  للناس عن ذلك الشر ، بتيسير مناقضه .. وتعسيره في أزماننا هو تعسير الناس ليس إلاَّ !! .
   على أنَّه [ لولي الأمر ] أن يتدخل لتحقيق حكمة الله من هذا العقد ، بدل أن تنفق الدولة إنفاقاً كثيرا لمكافحة ذيول وشرور الأفعال الجرمية ، ولتكسب الأمة ذراريَ .. وأناسيَ صالحةً ، وكثيرة .
××××××××
    فانظر إلى : الترابط  ، والتظافر في الأحكام ، والتكامل بينها ، المؤدية إلى تربية حصينة ، تفتح سبل الخير ، ولا تقتصر على : المنع ، والغلق ، وقطع الطريق ، والتضييق ، بل هي .. موازنة حكيمة من لدن عليم خبير. 

×××××××
المطلب الثالث 
فرض المهر في الزواج وما فيه من مصالح جمَّة 
  
  إن الغالبية العظمى من المذاهب الإسلامية لا تسوِّغ خلو عقد النكاح عن المهر ، بل إذا خلا منه .. نفياً من العاقدين ، أو سهواً منهما ، فحينئذٍ يوجبون [ مهر المثل ] ، والمحصِّلة .. هي : أن لا بدَّ من مهرٍ في عقد النكاح ! ، فهل لذلك من [ حكمةٍ ] يقبلها العقل السليم ؟؟ ، وتحقق نفعاً عملياً .. أم الأمر على غير هذا ؟؟ .
    نقول /  
1.  إنَّ فرض [ المهر ] على يُريد الزواج  فيه : حِكمٌ  ، وفوائد .. فهو برهان منه لزوجته على كونه أصبح : كاسباً  ، طالبا للرزق ، وقد انتهى اتِّكاله  على غيره ، وهو لا يتواكل . 
  وبذلك  ندفع إلى المجتمع : عاملاً جديداً ، ومنتجاً ، هو في أوج قوته ، وشبابه ، وعطائــه ، تدريباً له ، وتعليماً ،  وتمريناً له .. على أمورٍ كثيرةٍ – سيرد ذكرها -  .
  فإذا استطاب الشَّاب الكسب .. وتعلَّمه ، فإنَّه سوف يوغل فيه ، ويتمسك بهذا النهج في قابل أيامه .
فتلك تربية الإسلام !! .
×××××××
2. تهيئة المُقدِم على الزواج ليكون : منفقاً غير مُمسكٍ ، متحملا أعباء أسرة ، حيث تطيب نفسه بالإنفاق بعد إذ كان يُنفَق عليه أضحى منفِقاً . 
إن المنفِق يحتاج للكسب ، فيكون ذلك وسيلةً لدفع الشباب للعمل وبالتالي نجد شباباً تنفق مـن كسبها ،  ويقبل على تحمل أعباء الأسـرة بـ : رضا ، وقبول ، وقناعة ، واقتدار ، وبذلك نقطع على الإجرام حوافز ودوافع كثيرة ، فالزواج بغير هذا توريط قد يدفع إلى الإجرام ، وهذا ما نراه عند الغفلةِ عن حكم الله في أحكامه وعدم السعي لتحقيقها ، والعكس صحيح تماماً ..
×××××××
3.  لم يكن المهر :  ثمناً ، ولا أجراً ، بل هو .. هبة ، وهدية من الزوج لزوجته ، برهاناً لها على صلاحه ، واقتداره ، وطيب نفسه ، وقدرته على الكسب ، وتأصيلاً للآصرة الحاصلة بهذا العقد ، وتأليفا للقلوب ، وتقريبا للنفـوس ، فالهدايا مفاتيـح القلوب ، ولهذا قال تعالى في وصف المهر :  { وآتوا النساء صدقاتهن نحله .. }  .. أي : هدية . 

×××××××

المطلب الرابع
عدم رضا الإسلام بالمغالاة بالمهور .. دفعاً لوقوع الفعل الجرمي

 ولعل من أول دوافع الإجرام بفعل الزنا ، أو ودوافعه .. هو :
    موقف النساء في المغالاة بمهورهن ، فذلك يمنع ظهور أسرة جديدة ، في مجتمع صالح بعيد عن شرور الزنا ، والعلاقات غير المشرعة .. بل هو أول دافع لذلك .
   وهو أول تعسف في استعمال الحق .
    وهو أول فعل غير مرضي في العلاقة الزوجية .
 لكن – للأسف – ينصب الإنكار على الزوج إذا تعسف في استعمال حق الطلاق ، وغيره من الحالات .
    فالبدء في التعسف ، والصدِّ عن : الإحصان ، والعفة ، وتفويت فرص الزواج في أوج الحاجة إليه .. أمرٌ كثير الشرور ، ووباله وخيم ، وضرره عميم ، وبالتالي تدفع النساء بفعلهن الرجال إلى الطريق المعوج دفعاً ، حتى إذا تزوجت إحداهن بعد سـنيهــات واحداً من أولئك الذين دفعتهم إلى الانغماس فـي مقارفة الأفعال المحظورة .. نراها وقد ضجت بالشكوى ، وجأرت إلي الله من هذه البلوى ، فصاحبها التي تؤويه له صويحبات !! ، وفي عينيه نظرات لا تستقر في قرار !! ، ولا يأبه لمن بقربه .. بل هو إذا سار لا يكاد ينظر أمامه !! ، وإن عاتبته عن حاله .. فقد  يقول لها :  لولا دفعكن – معشر النساء – في البدء لهذا ، فتحول معتاداً على مالا يرضى من أمور ، وبالتالي لما بقي بعد الزواج على هذه الحال ، ولما كان مآله إلى هذا المآل ، فقد صدق من قال : 
والنفس كالطفل ان تُهمله شبَّ على 
                                    حب الرضاع وإن تفطمه  ينفطـــم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتهــا 
                                   انّ المعاصي تقوّى شهــــوة النهم

   فما جعل بيد المرأة من أمر الزواج قليل - كالمهر مثلا - ، وهي قد صيرته سبباً للإجرام ، وفوَّتت حكمة الله فيه !! .
فالواجب الالتفاف إلى مثل هذا .. وإلفات أنظارهن إليه .
×××××××
    وكذا الأمر في بقية الأحكام والمعاملات ، فالمال – مثلاً - : وسيلة وليس هدفاً ، وجعله من بعض الناس هدفاً ، تفويتٌ لحكمة الله فيه ، وبالتالي يكون سبباً للجرائم الاقتصادية ، فالواجب بيان : 
  حكمه ، وحكمته ، وحقـوق الله فيه ، ومسؤوليته العظيمة  يوم القيامة .. وهكذا .. إلخ . 
×××××××
   إن توجيه السياسات : الاجتماعية ، والاقتصادية ، والتربوية ، والأمنية .. على غير وفق هدف الشارع  الحكيم  ، حتى ليكون العمل اليومي ، والخدمة العامة سبباً دافعا للفعل الجرمي ، وحينئذ يكون فعل كثير من هذه الجهات هو عين الفعل الجرمي . 
  فالطالب هو : تكوين مجتمعه ، وجامعته ، وأساتذته .. فسكوت بعضهم عن مخالفته دفعٌ له للإجرام ، وتعويده على استمرار المخالفة واستمرائها ، فكيف إذا أضحى المربي سبباً في الجنوح ؟ !!
   إن العطف الزائد ممن لهم تأثيرٌ على فردٍ ما ، ما هو إلاَّ تعويدٌ له على الإندفاع في المخالفة ، والاقتراب من الفعل الجرمي الذي يودي به إلى الحضيض ! . 
×××××××
    وإعطاء الصلاحية لمن لا يُحسنها ، وضعف الرقابة ، وعدم دقة التشريعات ، وسوء صياغتها .. وغيره .. وغيره ، كلُّها دوافع للوقوع في قعر الهاوية ، والتمرغ بأوحال الأفعال الممنوعة والمعاقب عليها .
×××××××
 
ولا جدوى من الإكثار من ألا مثله فالفكرة أصبحت واضحة .


×××××××







الباب الثالث
طــرق التحصيـن ضد [ العــود ]
 في 
الشـريعة الإسلاميـة






     إذا كانت الشريعة الغراء قد سدت المنافذ المؤدية إلى أسباب ارتكاب الجريمة ، فلا يعني هذا ألا نجد من يرتكبهـا ، فالناس متفاوتون في كل شيء .. في : ظروفهم الخاصة ، وتقبلهم للأحكام ، وعملهم على الإلتزام بها ، واستفادتهم منها .. وغيره . 
   فإذا ظهرت الحالة الجرمية ، فان المشرع الإسلامي لا يترك هذا دون تدارك ، فإن فكرة الاحتفاظ بالشخص سوياً في مجتمعه ، وعدم التفريط به تمتد حتى بعد ارتكابه فعلاً جرميَّــاً معيناً . 
   فالذي .. [ مضى فات ، والمؤمل غيب ، وعلى المرء الساعة التي هو فيها ] ، وساعته التي هو فيها  تلزم أن يعود إلى صفوف المجتمع ، لينفع .. ولذلك وجب الاحتياط من معاودة ارتكاب الفعل المحظور .. وهذا هو العود .. وعولج هذا بطرق ، نعالجها فيما يأتي :  

الفــــرع الأول  
مفهـوم التوبـة

   والتوبة هي : الإقلاع عن الذنب – مع القدرة - متصلاً بالموت ، والندم عما فات ، والاستغفار ، وإعادة حقوق الآدميين . 
    وبابها مفتوح .. ولعل ذلك من تطبيقات سياسة الاحتفاظ بالفرد عضواً صالحاً في المجتمع – وسبق الكلام فيها - ، ولم نجعلها هناك لأنها تكون بعد ارتكاب الفعل الجرمي ، فموضعها هنا أليق بمنطقيَّة البحث وتقسيماته.. 
×××××××
 يقول  : { ان الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر }  . 
ويقول تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه واصلح فان الله يتوب عليه } . ويقول تعالى : { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربـكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب بعــده وأصلح فانه غفور رحيم  وكذلك نفصـل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين }  .
ويقول تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى } .
ويقول تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما    يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا  إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما ، ومـــن تاب وعمـــل صالحا فانه يتوب إلى الله متابا  }  . 
ويقول تعالى : { فأما من تاب وآمن وعمـــل صالحا فعسى أن يكــــون من المفلحين }   . 
ويقول تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون  إلا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }   .
ويقول تعالى : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيما }  . 
ويقول تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم  إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم }  .
×××××××
   وقد استفاضت الآيات في هذا ، مع اتفاق الجميع على أن التوبة لا تقبل حين الغرغرة ، وحالة اليأس ، وذلك لما ورد في الحديث المتقدم ..  وما ورد في قوله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما   وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهــم كفارا اعتدنا لهم عذابا أليما {   . 
×××××××
   فإذا علم هذا ، علمنا أن التوبة سبيل للاحتفاظ بالفرد الذي زلت قدمه في صفوف المجتمع ، وعدم اليأس من صلاح حاله ، وبالتالي فإن ذلك قطعُ الطريق عليه للعود إلى ارتكاب الفعل الجرمي ، والتخلص من الحالة المعيبة في المجتمع بإصلاحها ، وفـي ذلك تدارك مبرور ، وأسلوب ميسور ، وطريقٌ مفيدٌ ناجح ، وعلاجٌ ناجعٌ ،  يجنب المجتمع تحمل أعباء الحالة الشاذة إلى ما لانهاية .
×××××××
    وقد صور المشرع الإسلامي ، حالة الخطأ على اعتبار أنَّها حالة عامة لبني البشر ، حتى لا يبقى المخطئ  يشعر بشذوذه عن مجتمعه ، وبالتالي فإن من حقِّه أن  يمعن في الإجرام ، مادام المجتمع قد تخلى عنه ، فقطع هذا الأسلوب  السبيل على الخاطئ ، فالخطأ حالة غير مستبعدة ، لكن الأحسن منها هي التوبة ، ويقول  : { كل ابن آدم خطَّاء ، وخير الخطَّائين التوابون }  . 
×××××××
لقد أطمع الرسول  الناس في التوبة بأحاديث شريفة شتى ، وفي ظني أن ذلك صادر من منطلق تربوي قويم ، وأسلوب تهذيبي حكيم ، ووسيلة إصلاحية تليق بمن يريد صلاح الدنيا بيسر ، والتخلص من أعباء الحالة الشاذة إذا ظهرت ، لتـنصرف الدولة إلى أُمور أهم ، بدل أن يبقى من آثار الحالة السـلبية ما : يقلق ، ويكلف ، ويتعب .
يقول  : {  يدا الله يُبسطان لمسيء الليل أن يتوب بالنهار ، ولمسيء النهار أن يتوب بالليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها }  . 
×××××××
  ولقد وسع المصطفى  مفهوم التوبة ، ولم يضيقها .. يقول  : 
{ النـدم توبـة }    .

    إنَّ الأفكار والتطبيقات إنَّما تُقاس بنتائجها ، وتطبيقات التوبة في العصور الإسلامية : أجادت ، وأفادت ، ونفعت ، واختصرت على الدول  .. إجراءات ، ونفقات ، وعادت بالخارج عن الجادة إليها من قريب . 
فهل إلى مرد من سبيل ؟ .
×××××××
   ولا نريد أن نفيض في : التوبة ، وشروطها ، وأحكامها ، بل يعنينها من ذلك .. فلسـفتها ، ونفعها ، وجدواها ، كأسلوب بقطع دابر الحالات الشاذة بأخصر طريق . 
×××××××

الفرع الثاني
 تداخل العقوبات وسقوطها بالتوبة قبل القـدرة 
في حقوق الله الخالصة

   فهذه فكرة تجدي أيما جدوى في عدم عودة المجرم إلى إجرامه وتقييم عليه الحجة ، وتعذره فلا حجة ولا عذر له أمام الناس في الاستقرار ، فما دامت توبته قبل القدرة عليه مسقطه للعقوبة فليبادر إليها إذا ، ومـا دامت العقوبات تتداخل بعد القدرة ، فقد أحسن المجتمع إليه برغم الإسـاءة ، فليقلع عما تورط فيه إذاً .. ! . 
   فهذه التربية المبينة على الغور في أعماق النفس الإنسانية ، من عالمٍ خبيرٍ بها ، لا ريب أنها ستكون معالجاتٍ مجدية ، وأساليب نافعة ، ونتائج تلك مضمونه .. يقول تعالى  { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }                        
×××××××
  أما معالجات من أسموا أنفسهم بـ :علماء النفس ، وعلماء الاجتماع ، وعلم الإجرام .. وغيرهم ، فلا تداني معالجات الله خالقهم قط ، فهذه النفس الإنسانية العجيبة الغريبة ، يستحيل على إنسان : محدود التجربة ، ضئيل المعرفة ، أن يغور في أعماقها ، ويستكنه ذاتها ، ويسـتنكه منها رائحتها . 
  فأين علم المخلوق من علم الخالق ؟ وعلم المحدود من علم الواسع ؟ 
×××××××
    لذا فالدعـوة لاعتماد معالجات الله ، والسعي لتحقيق مبتغاه - جل جلاله - من أحكامه ، يكون : 
1. بدراسـة علمية لا عاطفية .
2. وتقبل إقناعي لا عاطفي .
3. وتعليم ذلك للناس .
4. وابتغاء الحكمة والمنفعة المنشودة من كلِّ حكمٍ من أحكام الله  ، حتى لا يكون التطبيق نمطياً بحتاً ، وآلياً صرفاً ، بجمـــودٍ ، وهمود ، فلا يتسم التطبيق – حينئذٍ – بتحقيق المقصود ، وكأن التطبيق للتطبيق  ..  وهذا غير حقيق . 

   أعاننا الله  على فهم دينه ، وتعليمه للناس كافة .. وهو المعين والمجيب ~~


                                     الدكتور
                                      محمد محروس المدرس الأعظمي


الأعظمية / محلة 314 / زقاق 88 / دار 41
هاتــف / 4225253 و 4228669
هاتف المدرسة الوفائية / 8879723



الخاتمة

    في الختام .. أقدم بعض المقترحات ، في ضوء الدراسة المتقدمة ،  لسعياً إلى إيجاد واقع جديد بتبديل ما لم  يثبت جدواه ، والاستفادة من قيم السماء ، وأحكام رب الخلق ، وهدي نبيه  فأقول :

    أولاً / أقترح : تأليف لجنة عليا دائمة للتحصين ضد الجريمة ، تضع البرامج ، وتوجه ، وتدرس ، وتتابع .. فليست الأمية في معايبها أكثر ضرراً من الجريمة في مآسيها !! .
 وأترك  :  نطاق الهيئة ، وواجباتها التفصيلية ، إلى وقته المناسب بعد إقرار المقترح . 

    ثانياً  / أقترح : عقد نــــدوة فكرية ، وحلقة دراسية متخصصة في موضوع .. [ التحصين الفكري  ضد الحركات الباطنية والهدامة في المجتمع العراقي ]  .
   فالصلاح في ظواهر إنسان قد فسدت بواطنه .. أمرٌ لا يُرتجى  ، بل لا يُرتجى نفع ممن تعددت انتماءاته ، واحتمى بأساليب التشرنق والكتمان ، فأكثر الهدم من أفراد ينتمون إلى : نحلٍ ، ومـذاهب ، وعقائد غير معروفة ، وأفرادها يتظاهرون بما يفعله الغير – بل قد يُبالغون لدفع الشكوك !! - ، في حين لهم : تنظيماتهم ، وسلوكهم ، وارتباطاتهم ، وأولوياتهم .
   وقد يستغلون مواقع معينة لتحقيق مآرب قديمة ، وبدون دراسة هذا وتشخيصه يبقى هؤلاء يمررون على الكل ما يريدون ، بمظاهر لا تتفق مع المخبر ، ولا يُحسن الكثير اكتشاف ذلك التلون ، بله الوصول إلى الحقيقة .

ثالثا / أقترح : تـوجيه وسائل الإعلام توجيها أكثر جدوى في : تثبيت القيم ، والمثــــل ، وفسح المجال لاختصاصات أخرى غير الذي يُسمَّى  فناً ، مع اقتصارهم في معنى الفن على كلِّ ما يخدش الحياء !! ، أو – في الأقل – ما لا علاقة له بالدين .. ولا بالتراث بعامة .. كالخط .. والزخرفة الإسلامية .. والهندسة والمعمار التراثيين !! . 
 على أن يكون المخصص من المجال الإعلامي بما توازى ما يسمح به لأولئك ، ولا بدَّ من التوسع في مفهوم الفن ، فلا يقتصــر على الهابط الباثُّ لسوء الخلق ، وما يعلم الشبيبة أساليب الجريمة ، والانحدار للهاوية..  وإلاَّ ثم لم تجد مؤتمراتنا ، ولا ينفع نواحنا ، ولا مواعظ زهادنا ، ولا إنكار مخلصونا للحالة الشاذة في المجتمع .
  إن عكس المرجو يكون حاصلاً - في الأغلب - بما يشرع من تشريعات .. أو يُشاع من أفكار ، لا يستند في الكلِّ لغير الأسس الغربية الاستعمارية التي لا تريد لنا خيراً ، وهي لم تجد في بلدانهم نفعاً . 
ولو ضربنا أمثلةً على هذا  من التشريعات السائدة ، أو الواقع المُعاش ، فإن الأمر سوف يطول . 

رابعاً / أقترح : التأكيد على الإرشاد الديني ، ووضع خطط متكاملة له ، وأهدافاً معينةً واضحةً ، وألا يترك الوعاظ في كلامهم من غير تحديدٍ للهدف ، فذلك هدرٌ : للجهد ، والوقت ، وتضييعٌ لحكمة العبادة !! . 
على أن يستوعب ذلك الإرشاد كلَّ البقاع في القطر ، بدل اقتصاره على أمهات المدن فقط . 

خامساً / أقترح : أن يكون دور المنظمات والاتحادات في عملية التحصين إيجابيا ، فالاتحاد العام لنساء العراق - مثلا - ما عالج مسألة البغاء ، والانحدار من بعض النساء إليه ، أو العلاقات الجنسية غير المشروعة ، وكذلك حالات النساء المتسولات ، والمتمسكات ، والعلاقات الشبابية غير المشروعة .. فذلك أمر يكون ذا فوائد جمة للمجتمع والبلاد .. وكذلك الحال مع غيره من المنظمات .  

سادساً /  أقترح : أن تدرس العملية التربية في .. المدارس ، والمعاهد ، والكليات ، وتقصِّي أسباب الانحدار الخلقي ، وظواهر المخالفات الكثيرة لدى الطلبة .
  كما لا نغفل عن الحالات الكثيرة التي نجدها عند المدرسين ، وحتى في نطاق الكليات . 
  فتفشي : حالة الوساطة بينهم ، والتستر على المخالفات لدى الطلاب ، هو مخالفة معيبة قد تصل إلى درجة الفعل الجرمي ، فصلاح المجتمع بصلاح تعليمه ، وتربية أبنائه ، وحسن انضباط المربين ذاتهم . 
  إن دراسة هذا قد يجر إلى أسباب هذه الظواهر لدى الفريقين .. [ طلاباً ومدرسين ] ، وذلك يحتاج إلى حلقة دراسية متخصصة مستقلة . 

  سابعاً / أقترح : دراسة أحوال القضاء ، والأجهزة الأمنية .. فعدم اطمئنان الإنسان إلى حماية حقوقه ، يدفع إلى كثيرٍ من الحالات الجرمية .
  ولعل الدول تسعى دوماً إلى : حماية القضاء ، وتنقية الأجهزة الإجرائيَّة .. وحديثما يطول ، فلتتكفل به حلقة دراسية متخصص . 
                                والحمد لله ربِّ العالمين ~~
                                                         الدكتور
محمد محروس المدرس الأعظمي 

الأعظمية – محلة 314 / زقاق 88 / دار 41 .
هواتف الدار – 4225253 , 4228669 .
هاتف المدرسة الوفائيَّة الدينيَّة – 8879723 .
الفهرس
الصفحة      الموضوع               
              الإهداء
              المقدِّمة
              الباب الأول / مفهوم التحصين
                  الفرع الأول / في المفهوم اللغوي
                  الفرع الثاني / في المفهوم الاصطلاحي 
              الباب الثاني / طرق التحصين في الشريعة الاسلامية
                  الفرع الأول / تمازج القعتين : الخلقية والقانونية
                  الفرع الثاني / سدِّ الذريعة .. أو الاحتياط البعيد
                          المطلب الأول / منع الوسائل المشروعة في ذاتها
                          المطلب الثاني / الاعتداد بالنية        
                  الفرع الثالث / منع مباحين أو أكثر لدرء وقوع الجريمة 
                          المطلب الأول / الاحتياط في تحصين العقيدة 
                          المطلب الثاني / الاحتياط  في الفروع العملية
                  الفرع الأربع / الاحتياط الموغل في البعد 
                         المطلب الأول / اختيار المرأة الصالحة
                         المطلب الثاني / منع السخرية والتنابز 
                 الفرع الخامس / خلق الحاجز النفسي 
                        المطلب الأول /  البدء بالعقوبة الأعلى 
                        المطلب الثاني / إشهار العقوبة 
                        المطلب الثالث / تبشيع صورة المجرم والإجرام
            الفرع السادس /  امتداح صورة الصلاح 

    الصفحة       الموضوع                     
                          المطلب الأول / المجازاة بمجرد النيَّة
                          المطلب الثاني / مضاعفة الأجور 
                          المطلب الثالث / نيل الأجور من مباشرة المباحات 
                    الفرع السابع / تبيان حِكم تحريم ومنع الأفعال
                    الفرع الثامن / الاحتفاظ بالمسلم عضواً صالحاً في المجتمع  
                         المطلب الأول / درء الحدود بالشبهات
                         المطلب الثاني / جواز تلقين المتهم الرجوع في إقراره   
                         المطلب الثالث / إحاطة التهم بوسائل اثبات شديدة
                    الفرع التاسع / تحقيق حِكم الله في الأحكام عند التطبيق
                         المطلب الأول / الزواج المبكر 
                         المطلب الثاني / رضائية عقد الزواج
                         المطلب الثالث / فرض المهر في النكاح
                         المطلب الرابع / عدم البالغة بالمهور
                  الباب الثالث / طرق التحصين ضد [ العود ]   
                  الخاتمة  





[ كتب وبحوث للمؤلف ]
1. مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية / طبعته وزارة الأوقاف العراقية .
2. الشخصية الإسلامية وموقعها بين النظم والعقائد / الطبعة الأولى - دار البشير / عمان ، والطبعة الثانية - دار [ الراشدون ] - الموصل .
3. رفع أكف الضَّراعة لجمع كلمة أهل السنة والجماعة / طبع في بغداد .
4. الزكاة ومصرف [ في سبيل الله ]  والدعوة الإسلامية ، وتأسيس البنوك الإسلامية / مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي ـ طبع في بغداد .
5. المرة والتكرار في نصوص الأوامر الشرعية / مسـتل من مجلة المجمع العلمي العراقي لسنة 1997.
6. نثار العقول في علم الأصول / مطبوع في بغداد . 
7. كشف اللثام وبلغ المرام في قوله تعالى : [ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ] / مطبوع في بغداد .
8. العقل والنفس والروح / مخطوط .
9. مكانة الحرب العربي في الإسلام / مخطوط .
10. البهرة من الفرق الإسماعيلية / مخطوط.
11. الخوارق في الشريعة الإسلامية - بحث في الباراسايكولوجيا الإسلامية -  / مخطوط .
12. الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية  / مخطوط - مقدّم لؤتمر الدعوة في لكنهؤ / الهند - .
13. بيع الحقوق والمنافع / مخطوط - مقدَّم للمجمع الفقهي الهندي - .
14. قراءة قانونية في سورة يوسف / مطبوع  .
15. توازن التبعات في الشريعة الإسلامية / مخطوط .
16. الإيضاح والبيان الظهوري على التسهيل الضروري لمسائل القدوري / طبع في  بغداد عام 1999 .
17. شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذه القــاضي أبي يوسـف ، في : 
- آداب العالم والمتعلم - / مخطوط .
18. التصوف في الإسلام / مخطوط .
19. بين الإسلام وأمثلة العوام في دار السلام / مخطوط .
20. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / مخطوط .
21. مصطلحات رمضانية / طبع في بغداد - أحاديث في الراديو ، ومسلسل تلفزيوني - .
22. أسماء القران في القران / طبع - أحاديث من الراديو - .
23. كليات القرآن الكريم / مخطوط .         


24. توازن التبعات في الشريعة الاسلامية / مخطوط .
25. التحصين ضد الجريمة في الشريعة الإسلامية /  مقدم إلي الندوة المشتركة بين وزارة الداخلية ومنتدى الإمام أبي حنيفة  / هذا الكتاب .
26. مبادءات ومتابعات / مجموعة مقالات صحفية في شتى العلوم .
27. نقد قانون الأحوال الشخصية العراقي / مخطوط .
28. العامي الفصيح / مخطوط .
29. عظمة التشريع الإسلامي / مخطوط .
30. الشركات في الفقه الحنفي / مخطوط .
31. ظهور الفضل والمنَّة في بعض مسائل الأجنَّة [ نقل الدم ، نقل الأعضاء ، التكرير -الاستنساخ - ، الإجهاض ] / طبع في بغداد  .
32. أفضليَّة المرأة في التشريع الإسلامي / مخطوط . 
33. المنهجيَّة البحثيَّة الإسلامية / مخطوط .
34. الأعظميَّة .. وآل العلقبند / مخطوط .  
35. المتَّفق لفظاً والمختلف صُقعاً أو معنىً / مخطوط .
36. شرح غريب الألفاظ المتداولة / مخطوط .
37. مصـرف في سـبيل الله وإنشـاء البنوك الإسلامية / طبع في بغداد – بحث مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي - .
38. الاستنساخ البشري – بالمشاركة - / مقدَّم إلى بيت الحكمة ببغداد / وطبعه البيت .
39.  مقالات ومقدمات كتب ومحاضرات وتعقيبات في مواضع شتى .


[ المؤلف في سطور ]

ـ  هو ..  محمد محروس بن عبد اللطيف بن مصطفى بن الشيخ عبد الغني مدرس الحضرتين [ الأعظمية الحنفية والقادرية الكيلانية ] والمدرسة الوفائيَّة بن الشيخ محمد المدرس فيما ذكر بن الشيخ مصطفى نائب الشرع ببغداد والمدرس فيما ذكر بن الشيخ أحمد نائب الشرع والمدرس فيما ذكر بن الوليِّ الكامل والعلاَّمة الكبير الشيخ مصطفى العلقبند الكبير مفتي الحنفيَّة ببغداد المحميَّة ومؤسس الطريقة العلقبندية العليَّة الطائي الأعظمي الحنفي والمعروفة عائلته بآل المدرس لتدريسهم في الحضرتين . وفي المدرسة الوفائية الدينيَّة .. بن عبد النبي بن خليل السنبسي الطائي الأعظمي الحنفي ..
ـ ولـد في الأعظمية 1360 هـ  الموافق 1941 م ، درس على علماء بغداد الشيوخ  الأجلاء  : محمد القزلجي ، وعبد القادر الخطيب ، ونجم الدين الواعظ  ،  وأمجد الزهاوي  ،  ومحمد فؤاد الآلوسي – و أختص به في المدرسة المرجانية  إلى حين وفاته فيها ساجداً بين العشائين سنة 1963 - ، والدكتور عبد الكريم زيدان  ،  وأخيراً على العلامة عبد الكريم محمد المدرس  - متع الله المسلمين بحياته -  .  
ـ   تلقى على علماء مصر الأجلاء الشيوخ الأفاضل : محمد أبو زهرة ، محمد سلام مدكور ، محمد الزفزاف  ،  أحمـد هريدي - مفتي الجمهورية - ، محمد أحمد فرج السنهوري ، زكريا البّري ، زكريا البرديسي ،  علي الخفيف ،  واختص أخيراً بالشيخ عبد الغني عبد الخالق المشرف على رسالته للدكتوراه وعنوانها : 
[ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ]  .
ـ حاز بكالوريوس الحقوق من بغداد سنة 1962 م  .
ـ وحاز دبلوم الشريعة من حقوق القاهرة سنة 1967 .
ـ وحاز ماجستير الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون بالأزهر سنة 1968 . 
ـ والدكتوراه بذات  الاختصاص .. سنة 1977 .
ـ عمل : محامياً ، و مدير ناحية ، و مديراً للمدارس الدينية العراقيَّة في الأوقاف ، ومشاوراً قانونياً لها ، ومديراً للدراسات الإسلامية فيها ، ورأس أول بعثة حج عراقية عليا إلى الديار المقدَّسة سنة 1975.
ـ ثم درّس في كليّات : الإمام الأعظم ، والقانون ، والشرطة ، والتراث الجامعة ، وفي القسم العالي في ندوة العلماء في : لكنهؤ / الهند .
ـ عضو دائم في المجمع الفقهي في ا لهند .
ـ رأس منتدى الإمام أبي حنيفة في مدينة الأعظميَّة .. لسنوات عديدة .
ـ شارك في مؤتمرات علميّة وفقهيّة في :  العراق .. والهند .. والحجاز .. وبلاد الشام .
ـ مدرس المدرسة الوفائيَّة الدينيَّة ببغداد .. حالياً .



هذا الكتاب

     دراسة معمَّقة في فلسفة العقوبة ، وأسباب الجنوح ، والأسباب المؤدية إلى ارتكاب الفعل الجرمي .. 
    ثـم يعرِّج الكتاب على معـالجات الإسلام الناجعة والناجحة ، واعتنائه بـ [ التحصين ] ..  وهو مصطلحٌ اقترحه المؤلف ، وأخذت به الجهات المختصة  ، وهو أبعد مدىً من .. [ المكافحة ] ، ومن [ الوقاية ] .
    وفيه بيان احتياطات الإسلام البعيدة لمنع ظهور الفعل الجرمي ، ومعالجات منع [ العود ] ، وأساليب هذا الدين المتين في الاحتفاظ بالمسلم عضواً صالحاً في المجتمع ، وعدم التفريط به بسهولة .. 
    وتضمـن الكتاب مقارنات عدَّة بالفقه القانوني ، والواقع التشريعي القانوني ، بما يُظهر تلك المكنونات التي يغفل عنها الكثير . 
    وتضمن مقترحاتٍ – في ضوء الدراسة – للحفاظ على المجتمع المسلم نظيفاً ، بعيداً عن مهاوي الهلكة .
   فكلُّ مسلمٍ معنيٌّ بما عالجه الكتاب .. حيث أظهر – بالأدلة العقلية – عمق .. وتفوَّق .. النظرة الإسلامية العلاجية .

موافقة وزارة الإعلام رقم 550 في 26 / 8 / 1999 م ،





تعليقات