القائمة الرئيسية

الصفحات



الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي

الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي

الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة
في نظام الإجراءات الجزائية السعودي

الجزء الأول 

إعداد
الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد
المستشار السابق بالمحاكم المصرية
خبير البحوث الإسلامية برئاسة المحاكم الشرعية (سابقاً)
الأستاذ بقسم العدالة الجنائية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
1429هـ - 2008م




بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
- موضح نظام الإجراءات الجزائية
- النظام الجنائي تعبير له معنيين أحدهما موسع يشمل الجانبين الموضوعي والشكلي لهذا النظام معا، أي أنه يشمل نظام الجزاء ونظام الإجراءات الجزائية، أي معناه الضيق فهو مقصور على نظام الجزاء وحده.
ونظام الجزاء هو مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم من موجبات حدود أو قصاص وديات أو تعازير والعقوبات المقررة لها شرعا أو نظاما فهو النظام الني تباشر عن طريقة الدولة سلطتها في عقاب الأشخاص طبيعيين كانوا أو معنويين لقاء ما اقترفوه من أفعال تعد من قبيل الجرائم.
وهذا ما عناه نظام الإجراءات الجزائية م/ 39 وتاريخ 28/7/1422هـ في مادته الأولى فقرة أولى، والمادة الثالثة في شطرها الأول، إذ تتضمن المادة الأولى على أن المحاكم تطبق على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة، وتنص المادة الثالثة في شبها الأول على اْنه لا يجوز توقيع عقوبة جنائية على أي شخص إلا على أمر محظور معاقب عليه شرعا أو نظاما، يطلق على ذلك مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وهي شرعية جزائية موضوعية.
أما نظام الإجراءات الجنائية فهو مجموعة القواعد التي تبين الولاسائل والإجراءات التي تؤدي إلى كشف عن الجريمة وتعقب مرتكبها والتحقيق معه ومحاكمته والحكم عليه وتنفيذ العقوبة، كما أنها تبين قواعد اختصاص أجهزة العدالة من سلطة جمع الاستدلالات وتحقيق وإدعاء وقضاء وتنفيذ.
أي أنه يشمل الإجراءات التي رسمها النظام لجمع عناصر الإثبات والأدلة والمحاكمة والاعتراض على الأحكام وصولا إلى عقاب المجرم طبقا للنظام الجزائي ثم تنفيذ العقوبة عليه.
وتنص المادة الثالثة على أنه لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعا أو نظاما (وهذه هي الشرعية الجزائية الموضوعية) وبعد ثبوت إدانته بناء على حكم نهائي بعد محاكمة تجرى وفقا للوجه الشرعي (وهذه هي الشرعيه الجزائية الإجرائية).
ننتهي إلى أن نظام الإجراءات الجزائية هو ذلك النظام الذي تنظم الدولة بموجبه كيفية مباشرتها لسلطتها في العقاب.
مهمة نظام الإجراءات الجزائية:
مهمة نظام الإجراءات الجزائية هي رسم الطريق التي تكفل الدولة حقها في عقاب المجرم من غير إخلال بالضمانات الجوهرية التي تكمن البريء من أثبات براءته ومع ضمان حصول المجني عليه حقوقه.
أهمية الإجراءات الجزائية:
الإجراءات الجزائية لا غنى عنها لتطبيق النظام الجزائي الموضوعي فهي رابطة الضرورية بين الجريمة والجزاء.
وتحمي هذه الإجراءات بوصولها إلى تطبيق العقوبات مصالح المجتمع الضرورية وتعيد إليه التوازن التي اختل عن طريق الجريمة وذلك بالعقاب عليها.
غاية نظام الإجراءات الجزائية:
له غاية أساسية مي حماية المجتمع من مخاطر الإجرام إي تحقيق الأمن في الدولة، وهو في ذلك يتفق في غايته مع نظام الجزاء (الموضوعي).
فضلا عن ذلك له أخرى هي حماية البريء من إدانة ظالمة، بل وحماية المجرم ذاته منن إجراءات تعسفية وظالمة تتخذها السلطات المختصة تمتهن فيها كرامة الإنسان وكذلك حمايته من عقوبة أشد مما يستحق، لهذا فإن تحقيق هذه الغاية يتطلب اتخاذ ومع ذلك يجوز للمحاكمة الجزائية الرجوع إلى قواعد نظام الإجراءات والرافعات الشرعية في حالتين:
الحالة الأولى: في حالة وجود إحالة صريحة في نظام الإجراءات الجزائيهّ بالرجوع إلى نظام المرافعات الشرعية مثال ذلك المادة 138 من نظام الإجراءات الجزائية لعام 1422هـ التي تنص على أن يتبع في تبليغ ورقة التكليف بالحضور إلى المتهم نفسه أو في محل إقامته القواعد المقررة في نظام المرافعات الشرعية لعام 1421هـ (راجع المواد 12- 23 من النظام الأخير والمادة العاشرة منه الخاصة بتعريف محل الإقامة). 
الحالة الثانية: وجود نقص في نظام الإجراءات الجزائية بما لا يتعارض مع أحكام هذا النظام فكلاهما يسن إجراءات تتبع قواعدهما أمام المحاكم.
والإجراءات الجزائية في الدعوى الجزائية تثور بصددها مصلحتان متعارضتان العقاب من ناحية ابتغاء المصالح المشتركة للجماعة ومقاصد الشارع بطريق مباشراً وغير مباشر، ومصلحة الأفراد في أن تصان حرياتهم وحقوقهم الأساسية، من نجل ذلك اقتضت حماية الحرية الفرد اعتبر المتهم بريئا حتى تثبت إدانته أما الإجراءات في دعوى المعاملات فلا تثور بصددها ذلك لأنها تهدف إلى كشف الحقيقة وكفاله سير المراكز النظامية التي تتطلب ذلك دون مساس بالحريات.
- وهناك قواعد مشتركة يتم تطبيقها ولا تختلف عند نظر دعوى جزائية أو عند نظر دعوى خاصة: مثال ذلك مبدأ علنية الجلسات ومبدأ شفوية المرافعات والقواعد المتعلقة بإصدار الأحكام وطرق الاعتراض عليها... فقد تضمن نظام الإجراءات الجزائية السعودي نصا يقرر تطبيق أحكام المرافعات الشرعية على الدعوى الجزائية إذا لم يوجد نص في نظام الإجراءات الجزائية فتنص المادة (221) منه على أن تطبيق الأحكام الواردة في نظام المرافعات الشرعية فيما لم يرد له حكم في هذا النظام ولا يتعارض مع طبيعة الدعوى الجزائية.
- ومن الفروق بينهما أن الدعوى الجزائية تسبقها مرحله الاستدلال ومرحله التحقيق الابتدائي على حين أن الدعوى الخاصة (المعاملات) فلا يسبقها استدلال لا تحقيق بل تتم رفعها مباشرة أمام القضاء، كما أن دورالقاضي في الدعوى الجزانية أكثر اتساعًا وأكثر إيجابية من دور في الدعوى الخاصة.
المبادئ التي تحكم اجراءات الجزائية:
تقوم الإجراءات الجزائية على عدد من المبادئ التي تكفل تحقيقه لأهدافه وغاياته، وأهم هذه المبادئ:
1- حماية المواطنين الأبرياء في أشخاصهم ومساكنهم.
2. مبدأ تحريم التعذيب، لأنه يؤدي إلى اعتراف غير صحيح وإهدار للكرامة الإنسانية.
3. مبدأ الحيدة القضائية.
4. مبدأ عدم انعقاد ولاية القاضي دون صلاحيته لتوليها. نوعًا ومكانًا.
5- مبدأ الحرص على إظهار الحقيقة (الشهادة – الكتابة - العلنية في المحاكمة والسرية في التحقيق- حرية المناقشة - علم قضاء القاضي بعلمه الشخصي- ضرورة توقيع متخذ الإجراءات المكتوب- التوقيع على الحكم- ضرورة علم المتهم بجلسة الحقاكمة حتى يحفرها أو بالحكم كي يطعن فيه إذا شاء).
6. مبدأ احترام حقوق المتهم، فيجب أن يكفل له حق الدفاع عن نفسه بنفسه أو بواسطة وكيل أو محام، وحق الطعن في الأحكام الحضورية، وأن يكون المدعى عليه آخر من يتكلم، وأن يكون له أن يدافع عن نفسه دفاعا شفهيا أو من خلال مذكرات مكتوبة، وأن تتاح الفرصة له للرد على الاتهام الموجه إليه. 
خطة الدراسة:
في فصلين: الدعوى الجزائية؟ وإجراءات المحاكمة 
الفصل الأول:
الدعوى الجزائية
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: ماهية الدعوى الجزائية.
البحث الثاني: خصائص الدعوى الجزائية
المبحث الثالث: أطراف الدعوى الجزائية
المبحث الرابع: نظام تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها 
المبحث الخامس: انقضاء الدعوى الجزائية
الفصل الثاني
إجراءات المحاكمة
وفيه خمسة مباحث ة
المبحث الأول: إبلاغ الخصوم وحضورهم.
المبحث الثاني: حفظ نظام الجلسة وتنحي القضاة وردهم عن الحكم 
المبحث الثالث: الإدعاء بالحق الخاص
المبحث الرابع: نظام الجلسة وإجراءاتها ودعوى التزوير الفرعية 
المبحث الخامس: الحكم وأوجه البطلان
الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي
الوسيط في شرح نظام الإجراءات الجزائية السعودي الجديد pdf

شرح نظام الإجراءات الجزائية السعودي pdf

نظام الإجراءات الجزائية 1440

نظام الإجراءات الجزائية 1439

نظام الإجراءات الجزائية الجديد 1440

نظام الإجراءات الجزائية الجديد 1439

نظام الإجراءات الجزائية وورد

نظام الإجراءات الجزائية 1441

 

الفصل الأولالدعوى الجزائية


المبحث الأول
ماهية الدعوى الجزائية
يترتب على وقوع جريمة من جرائم حدوث اضطراب في المجتمع تنشأ عنه دعوى قضائية ضد المتهم بارتكابها تسمى الدعوى الجزائية. وهي تهدف إلى الحصول على حكم من القضاء المختص فاصل في موضوع الجريمة وتحديد المسئول عنها. ومن ثم فإن هذه الدعوى يملكها المجتمع وتباشرها باسمه هيئة في المملكة العربية السعوديه باسم هيئة التحقيق الادعاء ونعرض لتعريف الدعوى الجزائية وتميزها عن غيرها وأنواعها.
تعريف الدعوى الجزائية وتميزها عن غيرها
لم يتضمن نظام الإجراءات الجزائية تعريفًا للدعوى الجزائية؛ بل لقد ترك الأمر للفقه، وهنا يعد مسلكًا حسناً من المنظم السعودي يتفق مع ما تسير الغالبية العظمى من القوانين المقارنة.
الدعوى لغة:
هي اسم من ادعى ادعاءً وجمعها دعاوى، والدعوى اسم والمصدر إدعاء أي اْنها اسم لما يدعى. ويقال ادعى كذا أي زعم له حقاً أو باطلاً.
أولاً: تعريف الدعوى الجزائية:
سنوضع فيما يلي تعريف الدعوى الجزائية في الفقه الإسلامي ثم لدى شراح القانون الوضعي:
1- الدعوى الجزائية في الفقه الإسلامي:
يطلق فقهاء الشربعة الإسلامية على الدعوى الجزائية تسمية دعوى التهمة والعدوان. إذ أن محلها جريمة، والجريمة لديهم يقصد بها: "محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير أو قصاص في الدنيا".
وعلى ذلك الدعوى الجزائية بأنها: قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حق قبل غيره أو دفعه عن حق نفسه، سواء في عقوبة لآدمي كقصاصا أو حد السرقة أو تعزير. 
ويعرف شيخ الإسلام ابن تيمية دعوى التهمة (ت 728) - رحمه اللّه- بقوله: دعوى التهمة أن يدعى فعل محرم على المطلوب يوجب عقوبته مثل قطع الطريق أو القتل سرقة أو غير ذلك من أنواع العدوان المحرم.
ويعرفها البعض بأنها: طلب إيقاع العقوبة على التهم عن فعل محظور شرعًا أو نظامًا( ).
2- الدعوى الجزائية لدى شراح القوانين والأنظمة الوضعية:
يقصد بالدعوى الجزائية كظاهرة قانونية حق المجتمع في الالتجاء إلى القضاء بواسطة الجهاز المختص بالاتهام الذي تمثله الهيئة التي ارتضاها المجتمع للقيام بهذه المهمة، لإقرار مدى ما للمجتمع من حق في معاقبة المتهم بارتكاب الجريمة وتوقيع الجزاء الجنائي عليه سواء كان في صورة عقوبة أو تدبير احترازي( ).
ويقصد بالدعوى الجزائية كظاهرة إجرائية "مجموعة من الإجراءات التي يحددها النظام التي تبدأ بأول عمل من أعمال تحريك الدعوى الجزائية إلى أن تنقضي، سواء بصدور حكم بات أم بغير ذلك من أسباب الانقضاء. 
كما يقصد بها: الإجراءات النظامية التي تباشر أمام رجال القضاء الجنائي سواء كانوا رجال قضاء الحكم أو رجال التحقيق، والمتعلقة بالاتهام في جريمة ما وتنتهي إما بالإدانة أو البراءة( ). أما الإجراءات التي تباشرها الشرطة أو رجال الضبط الجنائي بصفة عامة قبل وصول الأمر إلى هيئة التحقيق والادعاء العام فليست من الدعوى الجزائية، وإن كانت من إجراءات القضية الجنائية.

ثانياَ: تمييز الدعوى الجزائية عن غيرها من الدعاوى:

لا يقتصر الضرر الني تحدثه الدعوى الجزائية على ما يحدث من اضطراب أو خلل في الأمن والنظام العام في المجتمع، بل يترتب عليها في نفس الوقت ضرر مادي أو معنوي يصيب المجني عليه الذي يكون ضحية مباشرة لها أو لورثته في حال وفاته. فتنشأ عن الجريمة إلى جانب الدعوى الجزائية الني تهدف إلى توقيع العقاب، دعوى أخرى خاصة تهدف إلى تعويض الضرر الذي أصاب المضرور من الجريمة تسمى بالدعوى المدنية أو دعوى التعويض أو دعوى الحق الخاص، وهي دعوى يباشرها المضرور من الجريمة أمام المحكمة الجزائية المختصة بالمحاكمة وتطبيق العقوبات.
وإذا كان منبع الدعويين (الدعوى الجزائية ودعوى الحق الخاص) واحدًا وهو الجريمة، إلا أن هناك اختلاف بينهما من حيث الأطراف والسبب والموضوع:
أ- من حيث أطراف الدعوى: أطراف الدعوى الجزائية هما هيئة التحقيق والادعاء العام والمتهم، أما أطراف دعوى الحق للخاص فهما: المتهم والمضرور من الجريمة أو وارثه.
2- من حيث سبب الدعوى: سبب الدعوى الجزائية هو الاضطراب الذي وقع في المجتمع نتيجة الخروج على أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها والتي تجرم أفعالاً وتحدد لها عقوبات معينة. أما سبب دعوى الحق الخاص فهو الضرر الذي نتج عن الخروج على أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها. ويرتب على ذلك نتيجة هامة وهي أنه يمكن مباشرة الجزائية بمجرد وقوع الجريمة، ولكن لا يمكن مباشرة دعوى الحق الخاص إلا إذا تحقق ضحر لمن وقعت عليه الجريمة أو لأحد غيره جراء وقوعها. لذلك فإن هناك أنواع من الجرائم لا يمكن رفع دعوى الحق الخاص بناء عليها مثل جرائم حمل سلاح بدون ترخيص وجرائم التشرد.
3- من حيث موضوع الدعوى: يختلف موضوع الدعوى في الدعوى الجزائية عن دعوى الحق الخاص: إذ أن موضوع الأولى هو رد الفعل الاجتماعي على الاضطراب الذي أحدثه وقوع الجريمة والنبى يتمثل في توقيع العقاب على من بثبت ارتكابه إياها، بينما موضوع دعوى الحق الخاص فهو تعويض من لحقه ضرر من الجريمة سواء أكان ضررًا مباشر أم غير مباشر.
ثالثًا: أنواع الدعوى الجزائية:
لقد ميز نظام الإجراءات الجزائية السعودي بين نوعين من الدعاوى الجزائية هما: الدعوى الجزائية العامة والدعوى الجزائية الخاصة، لكنه لم يعرف كل منها حسمًا لما قد يثار من الخلاف الفقهي في هذا الصدد.
أساس هذه التفرقة: الحقيقة أن أساس التفرقة بين هاتين الدعويين هو أنواع الحقوق التي تحميها كل منهما، فمنها ما هو خالص لهق، ومنها ما يشتمل على حق الله وحق الفرد (الحق الخاص) ولكن حق الله فيه أغلب، ومنها ما يشتمل على حق الله وحق الفرد ولكن حق الفرد فيه أغلب.
فيقصد بحق الله كل تكليف- إيجابياً كان أم سلبيًا- ترجع علة إيجابه على المكلف إلى المصلحة العامة للمسلمين. ويدخل فيه النوعان الأول والثاني من الحقوق الثلاثة سالفة الذكر. أي هو ما يتعلق به النفع من غير اختصاص أحد، فينسب إلى الله تبارك وتعالى لعظم خطره وشمول نفعه، كحرمة الزنا، فإن في منع الزنا والعقوبة الزاجرة عليه فيه نفع عام، وهو سلامة أنسابهم، وإنما نسب إلى الله تعالى لأنه يتعالى عن أن ينتفع بشيء؟ وحقوق الله ثمانية منها عقوبات خالصة كالحدود: كالسرقة والزنا وقطع الطريق. وحق الله تعالى يثبت له حكمان: الأول: أنه لا يجوز إسقاطه بعفو أو صلح أو غيرهما؛ كما لا يجوز تغييره بإسقاطه أو إباحة محرم لأنه تعديل لحكم الله فليس للمسروق منه أن يسقط حد السرقة، ولا للمرأة أن تسقط حرمة الزنا، لأن هذه الحقوق ليست ملكًا لواحد من الناس. والثاني: أن للناس جميعًا ولاسميا أولياء أمر المسلمين المطالبة به والدفاع عنه. وأن لكل أحد أن يقدم من أخل بشيء من الحقوق العامة للقضاء، وأن يشهد عليه وإن لم تطلب منه الشهادة صيانة لهذه الحقوق.
ويقصد بحق الفرد (الحق الخاص للإنسان) كل تكليف- إيجابيا كان أم سلبيًا - ترجع علة إيجابه أو النهي عنه إلى تحقيق مصلحة شخصية خاصة بأحد الأفراد. أي هو ما ترتب عليه مصلحة خاصة لفرد أو أفراد، كحق كل احد في داره وعمله وزوجته. وحكمه أن لصاحبه وحده دون غيره التصرف فيه والمطالبة به، وإسقاطه إذن احتمل الإسقاط. وجزاء الاعتداء على حق الإنسان الخاص هو العقوبة الخالصة: قصاصًا أو تعزيرًا أو الضمان تعويضًا أو ما يدور بينهما كالدية والأرش وحكومة العدل.
أما الحق المشترك فهو ما اجتمع فيه حق الله وحق الإنسان، مثاله صيانة الإنسان لحياته وعقله وصحته وبدنه عن الإفساد. ولقد اختلف الفقهاء حول طبية بعض الحقوق إذ أن هناك من الحقوق التي لو سلم البعض بأنها خاصة - مثل حد القذف- فإن الخلاف بينها يدور حول بعض شروطها، مثل: هل يشترط استمرار الدعوى بها حتى صدور حكم نهائي فيها؟، أم أنه يكفي توافر الدعوى في بدء المطالبة بالحق؟.
الدعوى الجزائية العامة: يقصد بها: الدعوى التي تتعلق بجرائم تقع على الحق العام، ولو تضمنت حقاَ  خاصًا، مثالها الجرائم التي تنال بالاعتداء على الدولة أو المجتمع مباشرة شأن جرائم الردة ومحاربة نظام الدولة أو إشاعة الفتن والاضطراب والإرهاب، والزنا وشرب الخمر وغيرها من الأفعال التي حرمها الشرع الحكيم يرتب على ارتكابها عقاباً ليحمي بذلك أسس الدين الني أنزله والدولة التي أقامها على أساسه. وعلى ذلك فإن إطلاق الدعوى الجزائية العامة فيه إشارة إلى نسبتها إلى المجتمع واستهدافها تحقيق الصالح العام.
الدعوى الجزائية الخاصة: يقصد بها الدعوى التي تتعلق بجريمة نالت الاعتداء الحق الخالص للإنسان أو حقا مشتركًا وحق الإنسان فيه غالب. لهذا يعلق الشارع رفع الدعوى على طلب المعتدي عليه أو ورثته، كجرائم القصاصا، وجريمة القذف (عند من يرى أن القذف اعتداء على حق فردي، والجرائم التعزيرية التي ترتكب ضد الأب. فالدعوى الجزائية الخاصة تتعلق بحق خاص وتستهدف تحقيق الصالح الخاص.

النتائج المترتبة على تقسيم الدعوى الجزائية إلى عامة خاصة:

 
أ- من حيث تدخل المجني عليه في الدعوى: لا يجوز له في الجرائم التي تقع اعتداء على حق الجماعة أن يتدخل في الدعوى الجزائية لا بتحريكها ولا بالادعاء فيها، وإنما تتولى ذلك السلطة المختصة في الدولة وحدها دون غيرها.
وإذا ترتب للمجني عليه في هذا الجرائم حق الاسترداد والتعويض كان له الادعاء به دون أن يمس ذلك الدعوى الجزائية العامة، مثال ذلك في جريمة السرقة، يحق للمسروق منه أن يرفع دعوى المطالبة أو استرداد الشيء المسروق.
2- من حيث تدخل السلطة العامة أو المختصة في الجرائم التي تقع اعتداءً على حق خاص بالتحقيق في وقع الجرائم أو إجراء محاكمة عنها إلا بعد أن يطلب المجني عليه ذلك، أي بشكوى يقدمها إلى السلطات المختصة.
3- من حيث إرث حق المخاصمة: أن حق تحريك الدعوى الجزائية في الجرائم التي تعتبر الاعتداء فيها واقعًا على حق الفرد يرثه عنه ورثته، أما الجرائم التي تعتبر اعتداءً على حق الله (الحق العام) فلا يتصور فيها إرث حق المخاصمة أو الحق في تحريك الدعوى الجزائية، فإذا توفي الشخص المعين الذي كان يباشر الدعوى فيها (مثل ممثل الادعاء أو القاضي) فأن الحق في العقاب لا ينقضي لأنه غير مرتبط بصفته كممثل للدولة يباشر عنها حقوقها أو يستعمل بعض سلطاتها.
4- حيث العفو عن الجريمة وعن العقوبة: جرائم الحق العام (حق الله) لا يجوز فيها العفو مطلقًا، سواء من المجني عليه أو ولي الأمر. أما جرائم القصاص أو الدية فالعفو عنها جائز من المجني عليه وحده عن القصاص مقابل الدية أو بدون دية، وليس لولي الأمر أن يعفو عنها دون موافقة أولياء الدم.
أما في جرائم التعزير فلولي الأمر حق العفو عن الجريمة وعن العقوبة بشرط ألا يمس عفوه حقوق المجني عليه الشخصية، كما أنه ليس للمجني عليه أن يعفو إلا عن ما يمس حقوقه الشخصية الخالصة.

 المبحث الثانيخصائص الدعوى الجزائية

الدعوى الجزائية أو دعوى الحق العام تتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى يجعلها تتميز بخصائص ذاتية تميزها عن دعوى الحق الخاص فهي تتميز بخاصيتين هامتين هما العمومية، وأنها غير متعلقة على شرط.
1- عمومية الدعودى الجزائية:
تستمد الدعوى الجزائية هذه الناصية من جنبين:
الجانب الأول: طبيعة غايتها: فهي ترمي إلى تحقيق الصالح العام الذي يتوقف على تحديد شخصية مرتكب الجريمة، وإقرار سلطة المجتمع قي العقاب وتوقيع هذا العقاب على من يثبت ارتكابه الجريمة. وفي هذا تختلف الدعوى الجزائية عن دعوى الحق الخاص أو ما يعرف بالدعوى المدنية التي يرفعها صاحب الحق للحصول على حقه الحق الخاص أو لإقرار هذا الحق والحقيقة أن هذا الطابع يلازم الدعوى الجزائية في كافة مراحلها وفي كافة أحوالها، أي سواء رفعت من هيئة التحقيق والإدعاء العام مباشرة أو عندما يتوقف تحريكها على تقديم شكوى من صاحب الشأن طبقًا لما يقرره النظام أو في الحالات التي يجوز فيها لهذا الأخير تحريك الدعوى الجزائية بالادعاء المباشر. فالدعوى الجزائية لا تختلف جوهرها ولا تتغير غايتها في جميع الحالات، فغايتها دائمًا هي الوصول إلى توقيع الجزاء الجنائي على مرتكب الجريمة.
الجانب الثاني: من حيث صفة صاحب الحق فيها: فالدعوى الجزائية ليست ملكاً لمن يكفل لهم النظام تحريكها ومباشرتها، وإنما هي ملك للمجتمع دون سواه. والأصل أن هيئة التحقيق والادعاء العام هي التي تحركها وتباشرها باعتبارها ممثله للمجتمع الذي هو الحق والمدعي الحقيقي في الدعوى الجزائية، ومن ثم لا يكون لها أن تخرج على حدود وكالتها، فإن خرجت كان عملها باطلاً.
وملكية المجتمع للدعوى الجزائية مبدأ لا استثناء عليه حتى في الحالات التي يجوز فيها النظام للمجني محليه تحريكها، ذلك أن الصفة العمومية للدعوى الجزائية تتعلق بصاحب الحق في هذه الدعوى لا بصفة القائم بتحريكها. لهذا فقد أطلق على الدعوى الجزائية تسمية الدعوى العمومية إشارة نسبتها إلى المجتمع واستهدافها تحقيق الصالح العام( ). 
ويترتب علة ذلك أنه لا يجوز لهيئة التحقيق والادعاء العام التصالح أو التنازل عن الدعوى الجزائية لا قبل رفعها ولا بعد صدور حكم الإدانة.
وبناء عليه لا يجوز لهيئة التحقيق والادعاء العام الاتفاق المتهم على عدم إقامة الدعوى الجزائية إذا ما قام ببعض الأعمال كدفع تعويض للمجني عليه أو التصدق لجهة خيرية. كما  لا يجوز للهيئة أن تسحب الدعوى من المحكمة للحيلولة دون الحكم فيها. إذ أنه يترتب على اتصال الدعوى الجزائية بولاية القضاء التزامه بالفصل، ولا تكون لهذه الهيئه صفة في إعفائه من هذا الالتزام.
وقد حرص نظام االإجراءات الجزائية السعودي على النص على هذا الالتزام، فتنص المادة الخامسة منه على أنه: "إذا رفعت قضية بصفة رسمية إلى محكمة فلا تجهز إحالتها إلى جهة أخرى إلا بعد الحكم فيها، أو إصدار قرار بعدم اختصاصها بالنظر فيها وإحالتها إلى الجهة المختصة". أي أن القاعدة العامة أنه إذا دخلت القضية في حوزة المحكمة بصفة رسمية فيجب عليها أن تحكم فيها ولا تحيلها إلى جهة أخرى ولكن يجوز لها استثناء أن تصدر قرارًا بعدم اختصاصها بالنظر فيها وإحالتها إلى الجهة المختصة، يستوي في هذا أن تكون الإحالة إلى جهة قضائية مختلفة من حيث الولاية. ومن أمثلة ذلك إحالة المحكمة الشرعية القضية إلى ديوان المظالم، أم من تكون المحكمتان من ذات الولاية، كإحالة محكمة شرعية القضية إلى محكمة شرعية أخرى مختصة من حيت مكان وقوع الجريمة أو من حيث مكان ضبط التهم أو من حيث محل إقامته.
2- عدم تعليق الدعوى الجزائية على شرط:
فتتميز الدعوى الجزائية بأنها لا تتوقف على شرط معين. فالأصل أن هيئة التحقيق والادعاء العام تقيم الدعوى الجزائية، سواء ألحقت الجريمة بشخص ما ضررًا أو لم تلحق به ضررًا قط. أما إذا ثبت أن الجريمة سببت ضررًا، فإن الهيئة تحرك الدعوى الجزائية وتباشرها بغض النظر عن مسلك المضرور من الجريمة، فسواء رضي أو اعترض فإن ذلك لا يؤثر قي تحريك أو سير الدعوى الجزائية.
ومع ذلك فإن هناك حالات معينة نص عليها النظام فلم يجز لهيئة التحقيق والادعاء العام أن تحرك الدعوى الجزائية فيها إلا إذا تقدم المضرور بشكوى، حيث يمكن القول بأن الدعوى الجزائية تكون في هذه الحالات معلقة على شكوى.

 

المبحث الثالثأطراف الدعوى الجزائية

تتكون أية دعوى قضائية من ثلاثة عناصر هي: الخصوم أو الأطراف، والموضوع، والسبب، فالخصوم في الدعوى هم: المدعي والمدعى عليه وكل من تدخل في الدعوى أو أدخل فيها أثناء سيرها.
والمدعي هو الشخص الذي يلجأ إلى القضاء ابتداءً طالبًا منه الحكم له بادعاء معين. والمدعي عليه هو من توجه إليه الطلبات أو الادعاءات.
والحقيقة أن التمييز بين المدعي والمدعي عليه أمر له أهميته الخاصة في الشريعة الإسلامية. لأن المدعي يقع عليه عبء إثبات ما يدعيه بالبينة، بينما يقع على عاتق المدعي عليه دفع الدعوى باليمين إذا لم يستطع المدعي إقامة البينة وطلبها المدعي، لأنها حق له. وتقديم البينة على الإدعاء أثقل كثيرًا من دفعه باليمين.
ويميز فقهاء الشريعة الإسلامية بين المدعي والمدعي عليه: فيرى الشافعية أن المدعي هو من يدعي خلاف الظاهر، أما المدعي عليه فهو من يتمسك بالظاهر، والظاهر قد يكون ظاهرًا بنفسه، وهو ما يكون مستفادًا من الأصول، كالظاهر المستفاد من البراءة الأصلية للذمة، وبراءة الإنسان من الأفعال والأقوال، وقد يكون ظاهرًا بغيره، كالظاهر بالعرف، والظاهر بالقرائن.
وذهب المالكية إلى تعريف الدعي بأنه من لا يرجح قوله بمعهود أو أصل، والمدعي عليه بأنه من رجح قوله بمعهود أو أصل، والمعهود هو العرف والعادة والغالب. أما الأصل فمثاله الأصل براءة الذمة قبل تحقق انشغالها، والأصل علم المضرة والتعدي.
ويرى الحنفيه وبعض المذاهب الأخرى أن المدعي هو من إذا ترك الخصومة لا يجبر عليها، والمدعي عليه هو من إذا تركها يجبر عليها. والدعوى الجزائية كأي دعوى أخرى لها طرفان هما: المدعي والمدعى عليه:
فالمدعي في الدعوى الجزائية هو المجتمع صاحب الحق قي توقيع العقاب على كل من يرتكب أفعالاً تعد اعتداءً عليه وتخل بنظامه العام، وتمثل المجتمع في هذا الخصوص هيئة عامة تسمى هيئة التحقيق والادعاء العام، وهي تقابل ما يعرف في بعض الدول العربية والأجنبية بالنيابة العامة. فهذه الهيئة ليست المدعي نفسه ولكنها النائب النظامي عن المدعي، يشاركها في ذلك جهات أخرى في حالات استثنائية، والمضرور في حالات خاصة، وعلى الرغم من مشاركة هؤلاء للهيئة في تحريك الدعوى في حالات استثنائية إلا أن الهيئة تظل هي الممثلة الوحيدة للمجتمع في الدعوى الجزائية ولو أقيمت من غيرها ابتداءً فالمضرور عندما يحرك الدعوى فهو يطلق الشرارة الأولى ثم يترك للهيئة مباشرة كافه الإجراءات بعد ذلك.
أما الطرف الثاني في الدعوى فهو المدعي عليه أو المتهم وأحياناً يوجد مدع عليه آخر وهو المسئول عن الحقوق المدنية إذا أدخلته الهيئة للحكم عليه بمصروفات الدعوى. وسنقسم هذا المبحث لدراسة طرفي  الدعوى الجزائية إلى:
- هيئة التحقيق والادعاء العام.
- المتهم.
هيئة التحقيق والادعاء العام
هيئة التحقيق والادعاء العام هي المختصة أساسًا في المملكة العربية السعودية بتحريك الدعوى الجزائية واستعمالها أمام المحاكم المختصة، ومع ذلك فقد أسند نظام الإجراءات الجزائية إلى غير هذه الهيئة تحريك هذه الدعوى واستعمالها في أحوال خاصة. وسنوضح في موضع لاحق من هذه الدراسة كيفية تحريك هذه الدعوى سواء عن طريق الهيئة أو عن طريق آخر.
وينظم عمل هذه الهيئة نظامها الصادر عام 1409هـ الذي تنص المادة الأولى منه على أن: "تنشأ بموجب هذا النظام هيئة التحقيق والادعاء العام ترتبط بوزير الداخلية ويكون لها ميزانية ضمن ميزانية الوزارة ".
وهكذا يتضج أن التحقيق والادعاء العام هي المدعي الرئيس في الجرائم طبقًا لنظام الإجراءات الجزائية. وحتى يمكن فهم الدور الذي تقوم به الدعوى الجزائية سنتناول فيما يلي بيان تنظيمها وارتباطها واختصاصات أعضائها وخصائصها.
أولاً: تنظيم هيئة التحقيق والادعاء العام وارتباطها: أشرنا آنفا إلى أن المادة الأولى من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام تنص على أن "تنشأ بموجب هذا النظام هيئة التحقيق والادعاء العام ترتبط بوزير الداخلية ويكون لها ميزانية ضمن ميزانية الوزارة. وتكون مدينة الرياض مقرها الرئيس. وتنشأ الفروع اللازمة داخل المقر الرئيسي أو خارجه". وتشكل الهيئة من رئيس ونائب أو أكثر ومن عدد كاف من  رؤساء الدواوئر ووكلائهم ومن المحققين ومساعديهم" وتكون مسميات وظائف أعضاء الهيئة كما يلي طبقا للمادة (9) من النظام: مساعد محقق- محقق ثان- محقق أول- وكيل رئيس دائرة تحقيق وادعاء (ب)- وكيل رئيس دائرة تحقيق وادعاء (أ) -  نائب الرئيس.
ويعين رئيس الهيئة بالمرتبة الممتازة بأمر ملكي بناء على ترشيح وزير الداخلية ممن تتوفر فيه الشروط المطلوبة لشغل وظيفة نائب رئيس على الأقل.
ويتم شغل وظائف أعضاء الهيئة الأخرى ونقلهم إلى جهات أخرى بأمر ملكي بناء على قرار من لجنة إدارة الهيئة وتوصية وزير الداخلية (م 10 من النظام).
وقد بينت لائحة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام والعاملين فيها الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (140) في 13/8/1409هـ شروط تعيين وترقية ونقل وتقويم أداء أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام (مواد 1 – 26 منها). ولا يجوز لأعضاء الهيئة إفشاء الأسرار التي يطلعون عليها بحكم عملهم ولا بعد تركهم الخدمة (م 8 من نظام الهيئة). 
ويلاحظ أنه لدى كل منطقة من مناطق الملكة الثلاث عشرة فرع لهيئة التحقيق والادعاء العام وقد صدر أمر ملكي في 30/3/1414هـ يحدد هذه الناطق ومقارها وهي منطقة الرياض ومقرها الرياض، ومنطقة مكة المكرمة ومقرها مكة المكرمة، ومنطقة المدينة المنورة ومقرها المدينة المنورة، ومنطقة القصيم ومقرها بريدة، والمنطقة الشرقية ومقرها الدمام، ومنطقة عسير ومقرها أبها، ومنطقة تبوك ومقرها تبوك، ومنطقة حائل ومقرها حائل، ومنطقة الحدود الشمالية ومقرها عرعر، ومنطفة جازان ومقرها جازان، ومنطقة نجران ومقرها نجران ومنطقة الباحة ومقرها الباحة، ومنطقة الجوف ومقرها سكاكا.
 
ثانيًا: اختصاصات هيئة التحقيق والادعاء العام:
طبقا للمادة الثالثة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام تختص الهيئة بالتحقيق في الجرائم والتصرف قي التحقيق برفع الدعوى أو حفظها طبقًا لما تحدده اللوائح والادعاء أمام الجهات القضائية وفقًا للائحة التنظيمية وطلب تمييز الأحكام والإشراف على تنفيذ الأحكام الجزائية والرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف وأي أماكن تنفذ فيها أحكام جزائية والقيام بالاستماع إلى شكاوى المسجونين والموقوفين والتحقق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم، ومشروعية بقائهم في السجن أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق سراح من سجن أو أوقف بدون سبب مشروع، وتطبيق ما تقضي به الأنظمة قي حق المتسببين في ذلك، ويجب إحاطة وزير الداخلية بما يبدو من ملاحظات في هذه الشأن، ورفع تقرير له كل ستة أشهر عن حالة المسجونين والموقوفين.
كما تختص بأي اختصاصات أخرى تسند إليها بموجب الأنظمة أو اللوائح الصادرة طبقًا لهذا النظام أو قرارات مجلس الوزراء أو الأوامر السامية.
وتحدد اللائحة التنظيمية التي تصدر طبقاَ لهذا النظام كيفية ممارسة الهيئة لاختصاصها كإجراء التحقيق والادعاء، وعلاقة المحققين بدوائر الأمن والإمارات وترتيب العمل بين المحققين وهذه الجهات. وتحدد اللائحة التنظيمية الأحكام الانتقالية اللازمة لممارسة الهيئة لاختصاصها.
واستثناء من حكم المادتين التاسعة عشرة والعشرين من نظام مجلس الوزراء- يجوز بقرار من مجلس الوزراء إسناد التحقيق والإدعاء إلى الهيئة في الجرائم التي تنص الأنظمة على إسناد التحقيق والادعاء فيها إلى جهات حكومية، مثال ذلك هيئة الرقابة والتحقيق المسند إليها حاليًا التحقيق والادعاء في الرشوة وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في المادة 8 من نظام ديوان المظالم لسنة 1402هـ.
وتختص لجنة إدارة الهيئة بما يلي:
1- تأديب أعضاء الهيئة بوصفها مجلس تأديب طبقاً للمادة 15 من نظام الهيئة.
2- إنهاء خدمة عضو الهيئة في غير أحوال الوفاة وبلوغ السن النظامية وعدم ثبوت صلاحية العضو خلال فترة التجربة (عام من التعيين) بأمر ملكي بناء على قرار لجنة إدارة الهيئة وطلب وزير الداخلية (م 13 من النظام).
3- نقل أعضاء الهيئة داخل نطاقها أو ندبهم أو إعارتهم (م15 من لائحة الأعضاء والعاملين).
4- ندب الأعضاء الذين تتكون منهم إدارة التفتيش لتقويم أعضاء الهيئة طبقًا للمادة 17 من لائحة الأعضاء والعاملين). وترتبط هذه الإدارة برئيس الهيئة وترفع تقريرها إليه وإلى لجنة إدارة الهيئة.
5- مراجعة قرارات الاتهام في القضايا التي يطلب فيها توقيع عقوبة القتل أو القطع أو الرجم.
6- دارسة الأمور التي تتعلق بالتحقيق والادعاء بناء على أمر وزير الداخلية.
7- إعداد التقرير السنوي للهيئة متضمنا ملاحظاتها ومقترحاتها حول سير عملها، وما تراه بالنسبة للأنظمة والإجراءات التي تطبقها وترفع ذلك إلى وزير الداخلية لرفعه إلى خادم الحرمين الشريفين متضمنًا يراه بشأنه.
8- في حالات التلبس بالجريمة يجب عند القبض على عضو الهيئة وحبسه رفع الأمر إلى لجنة إدارة الهيئة في مدة الأربع، والعشرين ساعة التالية، وللجنة أن تقرر استمرار الحبس أو الإفراج بكفالة، ولعضو الهيئة أن يطلب سماع أقواله أمام اللجنة عند عرض الأمر عليها، وتحدد اللجنة مدة الحبس في القرار الذي يصدر بالحبس أو باستمراره، وتراعي الإجراءات سالفة الذكر كلما رؤى استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقضاء المدة التي قررتها اللجنة. وفيما عدا ما ذكر لا يجوز القبض على عضو الهيئة أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه، أو رفع الدعوى الجزائية عليه إلا بإذن من اللجنة المذكورة، ويتم حبس أعضاء الهيئة، وتنفذ العقوبات السالبة للحرية عليه في أماكن مستقلة (م 19 من النظام).
ثالثًا: خصائص هيئة التحقيق والادعاء العام:
هيئة التحقيق، والادعاء العام شعبة أصلية من شعب السلطة التنفيذية فهي مرتبطة بوزير الداخلية وميزانيتها ضمن ميزانية تلك الوزارة طبقًا للمادة الأولى نظامها. أعضاؤها قابلون للعزل وإنهاء خدمتهم طبقًا للمادة 13 من النظام.
 
وقد يقال بأن الغالب عليها الصفة القضائية نظرًا لطبيعة أعمالها وحصانة أعضائها طبقا للمدة 19 من النظام واستقلالها طبقًا للمادة 5 من نظامها التي تنص على أنه يتمتع أعضائها بالاستقلال التام ولا يخضعون في عملهم إلا لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في مجال عملهم.
ولا ينكر أحد طبيعة أعمالها القضائية المتعلقة بالدعوى الجزائية من تحقيق وادعاء وطعن على الأحكام... إلخ. ولكن يغلب صفتها التنفيذية تبعيتها لوزير الداخلية وقابلية أعضائها للعزل وخضوع أعضائها لنظام الخدمة المدنية وما ينص عليه من واجبات فيما عدا ما ينص عليه نظامها من أحكام وخضوع أعضائها لنظام التقاعد. وهي على كل حال جهاز شبه قضائي.
وتحكم الهيئة قواعد أساسية بعضها منصوص عليه في النظام، وبعضها مستفاد من طبيعة وظيفتها ومن القواعد هي: التبعية التدريجية، وعدم التجزئة، استقلال الهيئة عن القضاء والشرطة وصاحب الادعاء الخاص، عدم المسئولية، عدم جواز رد أعضاء الهيئة، وحصانة أعضاء هيئة التحتيق والادعاء العام. وسنتكلم عن هذه القواعد تباعًا. 
أولاً: التبعية التدريجية: يتبع أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام رؤساؤهم من الناحية الفنية والإدارية. ويتولى رئيس الهيئة الإشراف فنيًا وإداريًا على أعمال أعضاء الهيئة ويساعد رئيس الهيئة في ممارسة اختصاصاته وتحقيق أهداف الهيئة وأعمالها نواب الرئيس (م 3 من مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام) وهم جميعًا يتبعون وزير الداخلية. وتنص "المادة الثانية/ فقرة أولى "من مشروع اللائحة التنظيمية على أن لوزير الداخلية الإشراف على أعمال الهيئة".
والتبعية التدريجية ليست مقصورة على أعمال الاتهام وحدها وإنما تشمل أعمال التحقيق أيضًا. وإنه وإن كان عضو الهيئة ملزمًا بالخضوع لأوامر رؤسائه في مرحلة تحريك الدعوى ومرحلة التحقيق الابتدائي إلا أنه غير ملزمًا بالخضوع لهم بعد إحالة القضية للمحكمة وخروجها من حوزة الهيئة فله أن يبدي طلباته كما يشاء، وإن خالفت رغبات رؤسائه إذ تطلق الحرية لعضو الهيئة لأن رأيه ليس ملزماً للمحكمة ولو طلب البراءة فهي تصدر حكمها حسبما يتراءى لها وحسب اقتناعها بعكس تصرفه قبل الإحالة لأنه يلزم الهيئة بأكملها ولذلك كان مقيدًا بالتبعية التدريجية ولهذا يقول فقهاء القانون بأنه إذا كان القلم مقيدًا إي مرحلة ما قبل الإحالة، فاللسان طليق أي أثناء جلسات المحاكمة، والمحكمة في النهاية لها ألا تتقيد بطلبات الادعاء وتحكم بالإدانة حتى لو طالب البراءة فالمدعي سواء كان عامًا أو خاصاً لا تكتفي المحكمة بأقواله لأنه يجب عليه تقديم البينة على صحة ما يدعيه وذلك تطبيقًا لقول النبي صلعليه وسلم       : (لو يعطي الناس بدعاواهم لأدعى أناس دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على من أدعى).
ولا يجوز للادعاء في المملكة بناء على تعميم وزارة الداخلية رقم 16/2299 في 14/8/1395 أن يتقمص دور الدفاع عن المتهم فيعمل على دحض أدلة الإدانة بأدلة نفي وإنما عليه أن يلتزم دور الاتهام دائمًا لأنه إن فعل ذلك كان هذا من الدعاوي المقلوبة ويتعارض مع مهمته في الاتهام.
والواقع هو أن الادعاء العام ينوب عن ولي الأمر النائب عن المجتمع الإسلامي. والمجتمع كما يهمه إدانة المدان يهمه وبنفس القدر إثبات براءة البريء وعليه فهو خصم عادل إي أنه إذا ظهر له دليل براءة كتقرير صفة تشريحية يقرر أن الجاني عليه قي القتل العمد كان متوفي قبل الاعتداء عليه بإطلاق النار لأن الجروح التي بالجثة غير حيوية، أو إذا ظهرت
مستندات تدل على الحادث كان نتيجة قوة قاهرة أو أنه نتيجة خطأ المجني عليه ولا خطأ من جانب المتهم، وعليه في هذه الأحوال أن يظهر التقرير أو المستندات ولا يدسها لأن التهم بريء حتى تثبت إدانته دون ما شك معقول وفي تبرئ مداناً بناء على الشك خير من أن تدين بريئًا. وفي ذلك يقول النبي صلىعليه وسلم      : (لأن يخطئ الإمام في العفو (البراءة) خير من أن يخطئ في العقوبة).
وهنا يسري بالنسبة للحدود والقصاص والتعازير. ويلاحظ أن إدانة البريء في حالة الشك يترتب عليها إفلات المجرم الحقيقي وإدانة بريء أما إفلات المجرم في حالة الشك فيترتب عليها إفلات المجرم فقط، وهذا أخف الضررين، إذ العداله تأذيها في الحالة الأولى أكثر من تأذيها في الحالة الثانية.
ولذلك كان الاتجاه الحديث في العالم أنه ليس هناك ما يمنع من أن يترافع المدعي بالبراءة أو يفوض الأمر إلى المحكمة، علمًا بأن دليل البراءة قد يظهر بعد رفع الدعوى إلى المحكمة. ومن المعلوم أنه إذا اتصلت المحكمة بالدعوى الجزائية فلا يجوز سحبها منها، ولها أن تحكم بعدم الاختصاص، ولها أن تحكم في الموضوع بالإدانة أو البراءة.
وقد أخذ مشروع اللائحة التنظيمية هيئة التحقيق والادعاء العام بهذا الاتجاه في المادة (60) منها فبعد أن نص في البند الثالث على أن "على المدعى العام التصدي لكل ما يدفع به المتهم أو وكيله للتنصل من التهمة أو الطعن في التحقيقات أو تجريح الأدلة، نص في البند الرابع على أنه "إذا ظهر أثناء نظر الدعوى أدلة نفي مؤكدة فلا يجوز للمدعى العام أن يطلب البراءة للمتهم بل يترك الأمر للمحكمة". فالهيئة لا تنهج سيبل المطالبة بالعقاب دائمًا وإنما تطالب بالتطبيق العادل للنظام.
وفي جميع الأحمال ليس للمدعى بالحق العام أن ينزل عن دعوى الحق العام أو إيقافها بعد رفعها لأنه لا يملك ذلك كماذ قدمنا (راجع أيضًا تعميم وزارة الداخلية رقم 10964 في 11/8/1388) وللقاضي أن بحكم بالإدانة أو البراءة طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية وحسب اقتناعه الشخصي والموضوعي بناء على أدلة المطروحة. ولكن يجوز لصحب الادعاء الخاص أن ينزل عن حقه أمام المحكمة.
ثانيا: عدم التجزئة: يقصد بخاصية عدم التجزئة أن أعضاء الهيئة يكونون وحدة لا تتجزأ بالنسبة للدعوى الجزائية بمعنى أن كلاً منهم يمثل ولي الأمر النائب عن المجتمع فيما يتخذه من إجراءات وذلك في حدود اختصاصه المكاني والنوعي. فإذا قام عضو الهيئة  بإجراء ما في  الدعوى جاز لآخر أن يحل محله في القيام بالإجراءات التالية، وإذا قام أحد أعضاء الهيئة بإجراء فللآخر أن يتمه سواء كان ذلك بالنسبة لأعمال التحقيق أو بالنسبة لأعمال الاتهام فمثلاً إذا بدأ عضو الهيئة بالتحقيق في جريمة وقام آخر من الأعضاء بإتمامه وقام ثالث بحضور الجلسة والمرافعة فيها وسادس بالطعن في الحكم الذي يصدر فيها وهكذا كان ذلك سليمًا لأن الهيئة كل لا يتجزأ ولكن ليس لغير أعضاء الهيئة كوزير الداخلية الذي ترتبط به الهيئة كل لا يتجزأ ولكن ليس لغير أعضاء الهيئة كوزير الداخلية الذي ترتبط الهيئة أن يحل محل أعضائها في علم من أعمالهم لأن إجراءات الدعوى محله للهيئة طبقا لنظامها (راجع المادة 3 من نظم الهيئة).
ولعضو الهيئة أن يحل محل آخر يمثلها خلال الجلسة الواحدة أو ينضم إليه. ولا ضير من تطبيق قاعدة عدم التجزئه على هيئة التحقيق والادعاء العام باعتبارها سلطة تحقيق أو إدعاء، ما دام الأمر كله محكمة الموضوع في النهاية وإن المعول عليه في الحكم هو تحقيقها النهائي وما تقتنع به بناء على الأدلة المطروحة في الجلسة. ويلاحظ أن هذه والقاعدة لا تنطبق على القضاة في المحاكم لأن الأصل هو حضور هؤلاء جميع مجريات الجلسات لتكوين عقيدتهم التي يتبلور بناء عليها حكمهم.
وإنه وإن كان من الناحية التنظيمية قد يكون هناك دوائر للتحقيق وأخرى للإدعاء، إلا أنه يجوز ندب من يقيم بالادعاء للقيام بالتحقيق، أو من يقوم بالتحقيق ليقوم بالإدعاء بل يجوز تكليف المحقق في قضية القيام بالادعاء فيها. وفي ذلك تنص المادة (4/4) من اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام على أنه يجوز حلول أي محقق أو مدع عام محل آخر في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو الادعاء.
ويجوز لرئيس الدائرة المختصة أن يكلف المحقق بمباشرة الدعوى الجزائية أمام الجهة القضائية في القضية التي تتولى التحقيق فيها. إلا أنه يجب أن يحضر ممثل الادعاء العام جلسات المحكمة في الحق العام في الجرائم الكبيرة، وعلى المحكمة سماع أقواله والفصل فيها وفيما عدا ذلك يلزم حضوره إذا طلبه القاضي أو ظهر للمدعي العام ما يستدعيه حضوره (راجع م17، 157 إجراءات). وعلى كاتب الجلسة أن يبين في محضرها اسم القاضي أو القضاة المكونين لهيئة المحكمة والمدعي العام (م156 إجراءات) والخطأ في اسم عضو الهيئة الممثل للإدعاء العام الذي حضر الجلسة لا يؤثر في الحكم   مادام لم يثبت أن شخصًا غير أعضاء الهيئة قد قام بتمثيل الإدعاء.

ويرد على قاعدة عدم التجزئة قيدان:

القيد الأول: أن قاعدة عدم التجزئة لا تسري إلا في حدود الاختصاص المكاني فالأعضاء في دائرة معينة من فرع الهيئة مرتبطون فيما بينهم، ويكونون وحده بذاتها يتبعون رئيسهم ولكل منهم أن يحل محل الآخر في اختصاصه، ويمكن لرئيس الفرع أن يفوض أحد أعضاء دائرة بالفرع للقيام بالتحقيق في قضية من اختصاص دائرة أخرى.
القيد الثاني: أن الاختصاص المسند نظامًا لعضو معين من أعضاء الهيئة لا يجوز أن  يمارسه شخص آخر استنادًا على قاعدة عدم التجزئة فمثلاً:
1- لا يجوز للمحقق بعد انتهاء التحقيق في الجرائم العادية إذا وجد أن الأدلة غير كافية لإقامة الدعوى أن يحفظ هذا التحقيق ويأمر بالإفراج عن المتهم الموقوف وإنما عليه أن يوصي رئيس الدائرة بذلك لأن الحفظ في هذه الحالة وكذلك الإفراج إنما هما من اختصاص رئيس الدائرة.
2- في الجرائم الكببرة لا يكون الأمر بالحفظ والإفراج نافذًا إلا بمصادقة رئيس هيئة التحقيق والادعاء أو من ينيبه. (راجع م124 من نظام الإجراءات الجزائية).
3- إذا أراد المحقق تمديد مدة التوقيف بعد انتهاء مدة الخمسة أيام التي له، فيجب علبه أن يلجأ إلى رئيس فرع الهيئة ليصدر أمره بالتوقيف لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد في مجموعها على أربعين يوماً من تاريخ القبض، وإذا تطلب الأمر التوقيف لمدة أطول يرفع الأمر إلى رئيس الهيئة ليصدر أمره بالتمديد لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد كل منها على ثلاثين يومًا ولا يزيد مجموعها على ستة أشهر من تاريخ في القبض (م114إجراءات).
ثالثا: استقلال الهيئة: هيئة التحقيق والادعاء العام هي المختصة بالادعاء فيما يتعلق بالحق العام والقضاء هو المختص بنظر الدعوى وفحص الادعاء، ورجال الضبط الجنائي هم الذين يقومون بالكشف عن الجرائم وضبط المجرمين وتعقبهم والمعاونة في جمع الأدلة والاستدلالات لتهيئة الدعوى للنظر، والمدعي بالحق الخاص من مصلحته إثبات التهمة للحكم بحقه جنائيًا كان أو مالياً. فما هي علاقة الهيئة بكل من هؤلاء؟
تنص المادة (5) من نظام الهيئة لـ 1409 على أن "أعضاء الهيئة يتمتعون بالاستقلال التام ولا يخضعون في عملهم الأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في مجال عملهم". ولا يجوز لعضو الهيئة الجمع بين وظيفته ومزاولة التجارة أو أي مهنة أو عمل لا يتفق مع استقلال عمل الهيئة وكرامته. ويجوز للجنة إدارة الهيئة أن تقرر منع عضو الهيئة من مباشرة أي عمل ترى أن القيام به يتعارض مع، وجبات الوظيفة وحسن أدائها (م 7 من نظام الهيئة).
وسنتكلم فيما يلي على علاقة الهيئة بكل من القضاء والشرطة والمدعي  بالحق الخاص.
(أ) علاقة الهيئة بالقضاء: أعضاء الهيئة مستقلون تمامًا عن القضاء، بينما تختص الهيئة بتحريك الدعوى الجزائية واستعمالها، يختص القضاء بنظرها، ولو أن هناك بعض حالات استثئائية حول النظام فيها المحاكم حق تحريك الدعوى الجزائية ومع ذلك حتى في هذه الحالات تختص الهيئة بمباشرة الدعوى بعد تحريكها. فالهيئة محول إليها رفع الدعوى الجزائية ولها وحدها حق التصرف فيها تحت إشراف وزير الداخلية، وهي بحكم وظيفتها مستقلة استقلالاً تاما عن السلطة القضائية وغير تابعة لها أية تبعية إدارية في أداء وظيفتها.
ويترتب على استقلال الهيئة عن القضاء النتائج التالية:
أ- أن لها حرية بسط آرائها لدى المحاكم في الجزائية دون أن يكون للمحاكم حق الحد من هذه الحرية إلا ما يقضي به النظام وحقوق الدفاع ولا ينبو عن المنطق الدقيق.
2- ليس القضاء عليها أي سلطة رقابة أو إشراف يتيح له لومها أو تعيبها مباشرة بسبب سيرها في أداء وظيفتها فبن هناك شبهًا في هذا السبيل فليس له إلا أن يتجه في ذلك إلى رئيس الهيئة المشرف مباشرة على أعضاء الهيئة وإلى وزير الداخلية على أن يكون التوجه بصفة سرية رعاية للحرمة الواجبة للهيئة. كما أنه ليس للمحكمة أن ترمي الهيئة في حكمها بأنها أسرفت في الاتهام وأنها أسرفت أيضًا في حشد التهم وكيلها جزافًا.
3 -لا يصح لمن يتولى سلطة الاتهام أو التحقيق في الدعوى أن يشترك في الحكم فيها فإذا كان أحد القضاة الذين حكموا في الدعوى سبق أن مارس التحقيق فيها كعضو في هيئة التحقيق والادعاء العام فيها الحكم الذي اشترك في إصداره يكون باطلاً. وذلك على أساس أن لا يجوز أن يكون الشخص خصمًا وحكمًا في آن واحد وأن يكون رأيا مسبقًا في الدعوى إذ يجب أن يكون خالي الذهن بالنسبة للجريمة التي يفصل فيها ضمانًا للحيدة والنزاهة. ولذلك نصت المادة (90) من نظام المرافعات الشرعية الصادر برقم م/21 في 20/5/1421هـ على أن "القاضي ممنوع من نظر الدعوى وسماعها ولو يطلب في ذلك أحد الخصوم في الأحوال الآتية:
أ- إذا كان زوجًا لأحد الخصوم أو كان قريبا أو صهرًا له إلى الدرجة الرابعة.
ب- كان له زوجة خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته.
ج- كان وكيلا لأحد الخصوم، أو وصيا، أو قيما عليه، أو مظنونة وراثته أو كان زوجًا لوصي أحد الخصوم أو القيم عليه، أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة بهذا الوصي أو القيم.
د- إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصيا عنه أو قينا عليه، مصلحة في الدعوى القائمة.
هـ- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما، أو كان قد أدى شهادة فيها، أو باشر إجراء من إجراءات التحقيق فيها".
وعلى العكس مما تقدم إذا ترك القاضي الذي جلس للحكم في الدعوى منصب القضاء إلى وظيفة في هيئة التحقيق والادعاء العام يستطيع أن يمثل الادعاء في هذه الدعوى لأنه لا تخوف من ذلك لأن المعول عليه هو اقتناع القاضي بأقوال الخصوم.
4- قرارات الهيئة وأوامرها كسلطة ادعاء أو تحقيق في الدعوى الجزائية غير خاضعة لرقابة القضاء الإداري لا من حيث قضاه التعويض أو قضاء الإلغاء لأنها تعتبر من قبيل الأعمال القضائية وليست من قبيل القرارات الإدارية.
5- ليس للقاضي أن يوصي الهيئة بإتباع إجراءات معينة ولذلك تكون المحكمة قد جاوزت سلطتها إذا هي أمرت الدعاء بمباشرة الدعوى القضائية ضد شخص لم تحرك الدعوى ضده كما أنه ليس لها أن تندب الهيئة أثناء المحاكمة لإجراء تحقيق تكملي. ويعد أيضا من قبيل مجاوزة السلطة أن تأمر المحكمة بإيقاف الدعوى حتى يدخل الإدعاء متهما آخر على اعتبار أنه فاعل الجريمة، ولكن للمحكمة أن تأذن للمدعي العام بناء على طلبه في أن يدخل تعديلاً في لائحة الادعاء في أي وقت ويبلغ المتهم بذلك. ويجب أن يعطي المتهم فرصة كافية لإعداد دفاعه بشأن هذا التعديل (راجع 160 إجراءات).
6- لا يجوز للمحكمة إحالة الدعوى إلى جهة أخرى إلا بعد الحكم في موضوعها أو بعدم الاختصاص، وليس للادعاء سحب القضية بعد اتصال المحكمة بها. 
حضور الادعاء العام الجلسات: يجب أن يحضر المدعي العام جلسات المحكمة في الحق العام في الجرائم الكبيرة، وعلى المحكمة سماع أقواله والفصل فيها. وفيما عدا ذلك يلزمه الحضور إذا طلبه القاضي، أو ظهر للمدعي العام ما يستدعي حضوره (م157 إجراءات).
 (ب) علاقة الهيئة بالشرطة: تنص المادة (24) من النظام على أن "رجال الضبط الجنائي هم الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام".
وتنص المادة (25) على أن: "يخضع رجال الضبط الجنائي فيما يتعلق بوظائفهم في الضبط الجنائي المقررة في هذا النظام لإشراف هيئة التحقيق والادعاء العام. وللهيئة أن تطلب من الجهة المختصة النظر في أمر كل من تقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، ولها أن تطلب رفع الدعوى التأديبية عليه، دون إخلال بالحق في رفع الدعوى
الجزائية".
وسبق القول أن المادة (26) تنص على أن من ضمن من يقوم بأعمال الضبط الجنائي: 
ا- مديرو الشرط ومعاونيهم في المناطق والمحافظات والمراكز.
2- ضباط الأمن العام وضباط المباحث العامة، وضباط الجوازات، وضباط الاستخبارات، وضباط الدفاع المدني ومديري السجون والضباط فيها وضباط الحرس الوطني وضباط الأمن الخاصة وضباط الحرس الوطني وضباط القوات المسلمة كل بحسب المهام الموكلة إليه في الجرائم التي تقع ضمن اختصاص كل منهم ومعظهم من رجال قوات الأمن الداخلي... إلخ.
ويتبين من النصوص المتقدمة أن هيئة التحقيق والادعاء العام رئيسة للضبط الجنائي وبالتالي لأعضائها الحق في توجيه نشاط رجال الضبط الجنائي في البحث في الجريمة والكشف عنها وعن مرتكبيها وهنا يقتضي وجود نوع من التعاون بين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ورجال الضبط الجنائي ومن بينهم رجال الشرطة حتى يكفل هذا التعاون الاهتداء إلى فاعل الجريمة وإنزال العقوبة به. وعلى رجال الضبط الجنائي القيام بتنفيذ أوامر هيئة التحقيق والادعاء العام ولذلك جعل نظام الإجراءات للهيئة حق الإشراف عليهم فيما يتعلق بأعمال وظائفهم.
(ج) علاقة الهيئة بالمدعي بالحق الخاص: رأينا أن للمجني عليه أو من ينوب عنه ولوارثه من بعده حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق يها حق خاص ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة، وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور (م17 إجراءات).
ومثال ذلك القصاص والقذف. ولا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراء تحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناء على شكوى المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة إلا إنا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم (م18 إجراءات).
ولمن لحقه الضرر من الجريمة ولوارثه من بعده أن يطالب بحقه الخاص مهما بلغ مقداره أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجزائية في أي حالة كانت عليها الدعوى حتى لو لم يقبل طلبه أثناء التحقيق (م148 إجراءات).
وتعد الشكوى المقدمة ممن أصابه ضرر بسبب الجريمة مطالبة بحقه الخاص إلا إذا قرر صراحة أمام المحقق نزوله عن حقه. وعلى المحقق إثبات ذلك في المحضر والإشهاد عليه مع تصديق المحكمة المختصة على نزوله عن الحق في حد القذف والقصاص (م29 إجراءات).
ويلاحظ أنه إذا كانت المطالبة بالحق الخاص مقصورة على التعويض عن الأضرار الناجمة عن الواقعة الإجرامية المتعلقة بها الحق العام فإن المدعي بالحق الخاص يعاون الادعاء العام في جمع أدلة الإثبات قبل المتهم.
والمدعي بالحق الخاص الذي ينصب طلبة على التعويض لا يمكنه إرغام الادعاء العام على رفع الدعوى الجنائية ليتدخل أمام المحكمة المرفوعة أمامها للمطالبة بالتعويض، إلا إن هناك قيد على الادعاء العام في رفع الدعوى الجنائية في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد وهو وجوب تقديم شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه إلى الجهة المختصة ما لم تر هيئة التحقيق و الادعاء العام مصلحة عامة في رفعها والتحقيق فيها.
رابعًا: عدم المسؤولية: لما كان أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام مكلفين طبقًا لنظام الإجراءات الجزائية بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة (م 16) ضد كل من تقوم الأدلة قبله على ارتكاب الجريمة فإنهم لا يسألون عن نتيجة تلك الدعوى لا مدنيًا ولا جنائيًا ولو حكم ببراءة المتهم لأنهم يستعملون حقاً مخولاً لهم بمقتضى النظام، وترك لهم سلطة التقدير في ذلك ماداموا حسني النية فلا مسئولية عليهم حتى لو ظهر أنهم أخطأوأ في التقدير.
ولكن انعدام المسؤولية ليس مطلقًا إذ يجب أن يكون عضو الهيئة حسن النية في تصرفه، أما إذا كان سيء النية بأن أساء استعمال سلطة وظيفته أو اتخذ ضد المتهم إجراءات غير نظامية كما لو استعمل القسوة معه أو عرضه للتعذيب، أو اتهمه لأغراض شخصية أو رشوة، أو حبسه دون حق فإنه يمكن محاكمته جنائيًا فضلاً عن التعويض عما لحقه أضرار فضلاً عن صحيحة.
وقد نص نظام الإجراءات الجزائية في الأحكام العامة الواردة في الباب الأول منه في المادة الثانية على أنه "لا يجوز القبض على أي إنسان أو تفتيشه أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منها وللمدة المحددة من السلطة المختصة. ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا، كما يحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة".
وحتى لو كان عضو الهيئة حسن النية فإنه لا يعفى إلا من الخطأ العادي كتفسير نص مثلاً، أما إذا كان الخطأ فاحشًا فالمتفق عليه أن ذلك لا يعفيه من المسؤولية. لمن أصابه ضرر الحق في التعويض وتكون المطالبة بالتعويض في حالة رفع الدعوى الجزائية على العضو بالتدخل في الدعوى عن طريق الادعاء بالحق الخاص أمام المحكمة الجزائية.
خامسًا: عدم جواز رد أعضاء التحقيق والادعاء العام: ينص نظام المرافعات الشرعية (م21 في 20/5/1421هـ) على جواز رد القضاة في المواد (92) وما بعدها وبين الأحوال التي يجوز فيها الرد والإجراءات التي تتبع وذلك في الباب الثامن المعقود بعنوان". و هذا النص مقصورًا على القضاة ولا يسري على أعضاء تنحي القضاة وردهم عن الحكم التحقيق والادعاء العام إذ لا يجوز ردهم.
ويرجع عدم جواز رد أعضاء هيئة التحقيق الادعاء العام إلى أن الهيئة خصم للمتهم والخصم لا يجوز رده. وهذه القاعدة محل نقد إذ المصلحة تقضي بإجازة رد عضو الهيئة لأنه قد يكون ذا غرض خاص في القضية لعلاقة قرابة أو صادقة أو مصلحة فيخشى مع ذلك ضياع الحقيقة، كما أنه يمكن نقد الأساس الذي تقوم عليه وهو أن الهيئة خصم والخصم لا يجوز رده إذ أن طالب الرد في الواقع لا يريد رد الهيئة ذاتها وإنما يريد رد ممثلها وأن يستبدل به آخر من أعضائها.
وهنا فعل مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام في المادة 13 منه على أن:
1- "لأي من الخصوم أن يطلب من رئيس الهيئة تنحية المحقق عن التحقيق في القضية قبل مباشرة إجراءات التحقيق الأساسية أو أثناءه لأسباب يوضحها في طلبه ولرئيس الهيئة قبول الطلب أو رفضه.
2- للمحقق إذا كانت لديه أسباب يستشعر معها الحرج في التحقيق بالقضية أن يطلب من رئيسه تنحية بمذكرة مسببه، ولرئيسه قبول الطلب أو رفضه.
3- لا يجوز للمحقق مباشرة أي قضية (أي الادعاء فيها) أو  تحقيقها وتحضيرها أو إصدار قرار فيها في الحالات التالية:
أ- إذا وقعت الجريمة عليه شخصيًا أو كان زوجًا لأحد الخصوم أو تربطه بأحدهم صلة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة.
ب- إذا كان بينه أو بين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها التأثير على مسار التحقيق.
ج- إذا كان قد سبق أن أدى شهادة فيها أو باشر عملاً بوصفه خبيرًا أو محكمًا.
ويرجع باتقدم إلى أن سلطة التحقيق سلطة حيادية. ويلاحظ أن ما ورد في البند 3 يتعلق بالنظام القيام وهو من أسباب عدم الصلاحية. ويلاحظ أن نظام الإجراءات الجزائية قد حطه على القضاة سماع الدعوى إذا وقعت الجريمة عليهم شخصيًا في غير أوقات انعقاد الجلسات كما أحال على أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى المنصوص عليها في المادة 90 من نظام المرافعات ورتب عليها البطلان بالنسبة للإجراءات والحكم. وللقاضي أن يمتنع من تلقاء نفسه عن سماع الدعوى ونظرها إذا تبين له أنه علق بسبب من الأسباب الواردة فيها ويمكن للخصوم الدفع بالبطلان في أي مرحلة كانت عليها الدعوى حتى لو كانت أمام محكمة التمييز. وحتى لو حكمت محكمة التمييز بتأييد الحكم فيمكن للخصوم أن يطلبوا نقض الحكم ونظرة أمام دائرة أخرى وذلك لاتصال البطلان في هذه الأحوال بالنظام العام بعكس أسباب الرد الأخرى المتعلقة بمصلحة الخصوم طبقًا للمادة 92 مرافعات التي يجوز للخصوم الاتفاق على نظر القاضي رغم تعلق سبب من أسباب الرد به، كما أن يجب طلب الرد قبل تقديم الطلبات من الخصوم أو فور العلم بسبب الرد وحتى إقفال باب المرافق أما محكمة أول درجة وبالتالي لا يجوز ذلك أمام التمييز.
كما جاء في مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات في فقراته الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة على المادة 62 إجراءات ما يلي:
62/5 لا يجوز للمحقق أن يقوم بالتحقيق في أي قضية أو التحضير لها أو إصدار قرار فيها في الأحوال التالية:
أ- إذا وقعت الجريمة عليه شخصيًا، أو كان زوجًا لأحد الخصوم، أو كانت تربطه بأحدهم صلة قرابة، أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة.
ب- إذا كان بينه أو بين أحد الخصوم عداوة أو مودة يجرح تأثيرها في مسار التحقيق.
ج- إذا كان قد سبق أن أدى أي عمل في القضية بوصفه خبيرًا أو محكمًا أو وكيلاً أو بأداء شهادة فيها ونحو ذلك.
62/6 لأي من الخصوم أن يطلب من رئيس فرع الهيئة في المدينة التي بها الفرع ورؤساء الدوائر في المحافظات رد المحقق عن التحقيق في القضية قبل مباشرة إجراءات التحقيق أو أثناءها، ويكون ذلك باستدعاء بين فيه أسباب الرد، ولرئيس الفرع أو الدائرة قبول الطلب أو رفضه مسببًا.
62/7 لمحقق إذا كانت لديه أسباب يجد معها حرجًا من التحقيق في قضية أن يطلب من رئيسه بمذكرة مسببة تنحيته قبل البدء فيه، ولرئيسه قبول هذا الطلب أو رفضه.
62/8 مع مراعاة ما جاء في الفقرات 62/5، 62/6، 62/7 من هذه اللائحة إذا أحيلت القضية إلى محقق مختص فلا تحال إلى محقق آخر إلا بقرار مسبب يصادق عليه من رئيس الهيئة أو من ينيبه في الجرائم الكبيرة، ومن رئيس فرع الهيئة في المنطقة فيما عداها.
سادسًا: حصانة أعضاء الهيئة: معناها: لا يجوز القبض على عضو الهيئة أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه، أو رفع الدعوى الجزائية عليه إلا بإذن من لجنة خاصة هي لجنة إدارة الهيئة، ويتم حبس أعضاء الهيئة، وتنفيذ العقوبات المقيدة للحرية عليهم في أماكن مستقلة.
وتنص المادة (19) من نظام الهيئة وهي مقابلة للمادتين (84 من نظام القضاء سنة 1395م) (41 من نظام ديوان المظالم لسنة 1402هـ) على أن "في حالة التلبس بالجريمة يجب عند القبض على عضو الهيئة وحبسه أن يرفع الأمر إلى لجنة إدارة الهيئة في مدة الأربع والعشرين ساعة التالية، وللجنة أن تقرر استمرار الحبس أو الإفراج بكافلة أو بغير كفالة، ولعضو الهيئة أن يطلب سماع أقواله أمام اللجنة عند عرض الأمر عليها، وتحدد اللجنة مدة الحبس في القرار الذي يصدر في الحبس أو باستمراره، وتراعي الإجراءات السالفة الذكر كلما رؤى استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقضاء المدة التي قررتها اللجنة".
المدعى عليه (المتهم)
سنوضح فيما يلي المقصود بالمتهم، والشروط الواجب توافرها فيه، ومتى تبدأ صفة المتهم، ومتى تزول هذه الصفة، وأهمية ثبوتها، وإشكالية رفع الدعوى الجزائية على الشخص المعنوي:
أولاً: المقصود بالمتهم:
المتهم طرف في الدعوى الجزائية وهو يتعين تحديد المقصود به. وقد عبر المنظم السعودي بلفظ المتهم عن الشخص الذي تتخذ ضده إجراءات القضية الجزائية سواء ما تعلق منها بالدعوى الجزائية بمرحلتيها التحقيق والمحاكمة أم بفترة جمع الاستدلالات. فتنص المادة (33) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على أنه: "لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه؛ على أن يحرر محضرًا بذلك، وأن يبادر بإبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام فورًا".
وورد في مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية في المادة 36 تعريف للمتهم أنه: "كل شخص أسند إليه ارتكاب جريمة، أو قامت دلائل كافية على اتهامه بها، أو أقيمت ضده دعوى جزائية".
ويدق الأمر في فترة جمع الاستدلالات؛ وذلك نظرًا لأن هناك من الإجراءات التي تتخذ في هذه المرحلة ما يوجه ضد أشخاص لم ينسب إليهم بعد ارتكاب أية جريمة، مثل إجراءات الاستيقاف التي لا يكون فيها ثمة اتهام بارتكاب جريمة بالنسبة للشخص الذي يوجه إليه هذا الإجراء.

ثانيًا: تمييز المتهم عن المشتبه فيه:

لهذا يفرق البعض من شراح قانون الإجراءات الجنائية بين المتهم والمشتبه فيه.
فالمتهم هو الشخص الطبيعي الذي تتجمع ضده مجموعة دلائل أو قرائن أو أدلة يفترض معها لأنه قد ساهم في الجريمة دون أن يوجه إليه اتهام بعد من سلطة الاتهام، وهذا يكون في مرحلة التحقيق الابتدائي. ويسميه البعض الشخص القابل للاتهام. وتفرق بعض القوانين الوضعية بين المتهم والمشتبه فيه مثالها القانون الفرنسي.
أما فقهاء الشريعة الإسلامية فيطلقون تسمية المدعى عليه على الشخص إذا ساقه خصمه إلى القاضي أو الحاكم، ويسمونه متهومًا إذا كان أمام الوالي أو صاحب الشرطة( ).
أما المشتبه فيه فهو من يقوم ضده اعتقاد يرتكز على عناصر مادية تثير الشبهة أو الشك في أن هذا الشخص مرتكب جريمة. ولذلك لا يعد مشتبهًا فيه من يقصر الأمر بالنسبة له على مجرد تقدم بلاغ ضده. وعلى ذلك فإن معيار التفرقة بين المتهم والمشتبه فيه هو أهمية الشبهات والقرائن والأدلة القائمة ضد الشخص.
وعرفت محكمة النقض المصرية المتهم بأنه كل من وجه إليه الاتهام من أية جهة بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجريمة ومرتكبها وجمع الاستدلالات مادامت قد حامت حوله شبهة أن له ضلعًا في ارتكابها( ).
وينبني على ذلك أن الشخص الذي لم ينسب إليه ارتكاب جريمة لا يُعد متهمًا، حتى ولو كان مسئولاً مدنيًا عن الأضرار التي سببتها الجريمة. والحكمة في ذلك هي أن المحاكمات الجزائية تقوم على مبادئ جوهرية مثل مبدأ شخصية الدعوى الجزائية وشخصية المسئولية الجزائية وشخصية العقوبة الجنائية. فلا يجوز مساءلة شخص جنائيًا ولا عقابه إلا على ما اقترفت يداه هو دون غيره. لهذا لا يعد الأب متهمًا بارتكاب الجريمة التي ارتكبها ابنه القاصر ولا يعد الوارث متهمًا بارتكاب الجريمة التي ارتكبها ابنه القاصر ولا يعد الوارث متهمًا بارتكاب الجريمة التي ارتكبها مورثه.

ثالثًا: الشروط الواجب توافرها في المتهم:

لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على متهم أثير في حقه مانع من موانع المسئولية أو مانع من موانع العقاب أو سبب من أسباب الإباحة وقت ارتكاب الجريمة إذا كان هناك شك حول قيام أحد هذه المواقع أو الأسباب.
ولا يجوز رفع الدعوى على المتهم إذا كان وقت ارتكاب الجريمة عاقلاً ثم أصيب بجنون وقت رفع الدعوى، وذلك حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه ويفهم إجراءات المحاكمة.
ويشترط في المتهم شرط هام وهو أن يكون إنسانًا حيًا. وعلى ذلك فإذا كان قد توفي أثناء الإجراءات السابقة على رفع الدعوى إلى المحكمة تعين على هيئة التحقيق والادعاء أن تصدر أمرًا بحفظ الدعوى الجنائية لانقضاء هذه الدعوى بوفاة المتهم. ولهذا تنص المادة (22) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على أن: تنقضي الدعوى الجزائية العامة في الحالات الآتية: بوفاة المتهم.
ويجب أن توجه الإجراءات ضد شخص محدد، ولكن ليس ما يمنع من أن تبدأ مباشرة إجراءات القضية ضد مجهول حتى يتم الوصول إلى تحديده قبل رفع الدعوى الجزائية إلى المحكمة المختصة، فإذا لم تتوصل الجهة القائمة على الاستدلالات والتحقيقات إلى تحديد شخص المتهم بارتكاب الجريمة فلا يجوز إحالة القضية إلى المحكمة.
ولكن لا يمنع من تحديد المتهم بوصفه شريكًا مع شخص آخر مجهول في ارتكاب الجريمة.
ومتى تم تحديد المتهم فلا يشترط أن يكون حاضرًا، فتجوز محاكمة الشخص غيابيًا.
مع ملاحظة أن الخطأ في اسم المتهم لا يعني عدم تحديد المتهم. فإذا رفعت الدعوى على شخص غير المتهم الحقيقي لتشابه في الأسماء مثلاً فيجب أن تتثبت المحكمة من شخصية المتهم فإذا تبين لها أنه ليس المتهم الحقيقي المقصود تعين عليها الحكم بالبراءة.
ويترتب على رفع الدعوى دون التحقيق من شخصية المتهم بطلان إجراءات رفعها.
ويشترط في المتهم أن يكون أهلاً للدفاع عن نفسه، وهو ما يسمى بالأهلية الإجرائية. ذلك أن المتهم يشارك في الإجراءات الجزائية، ولابد أن يكون عالمًا بجميع عناصر القضية التي جرى بشأنها اتهامه، فيجب أن يكون متمتعًا بالإمكانيات الذهنية التي تتيح له هذا العلم، وبما يسمح له من إبداء دفاعه بالقضية. ولذا تنص بعض قوانين الإجراءات الجزائية مثل قانون الإجراءات الجزائية المصري على أنه: إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله طرأت بعد وقوع الجريمة، يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إلى رشده.

 

المبحث الرابعنظام تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها

أعطى نظام الإجراءات الجزائية السعودي لهيئة التحقيق والادعاء العام صلاحية رفع الدعوى الجزائية ومباشرتها، فتنص المادة (16) منه على أنه: "تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وفقًا لنظامها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة".
وسنوضح في هذا المبحث القواعد النظامية التي تسري على تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها، فتقسم دراستنا على النحو التالي:
- تحريك الدعوى الجزائية واستعمالها.
- مباشرة الدعوى الجزائية.
تحريك الدعوى الجزائية واستعمالها
أولاً: تحريك الدعوى الجزائية:
يقصد به: "العمل الافتتاحي للدعوى الجزائية أمام جهات التحقيق أو الحكم "اتخاذ أول إجراء من إجراءاتها"، أو "الإجراء الذي ينقل الدعوى من حال السكون الذي كانت عليه عند نشأتها إلى حال الحركة، بأن يدخلها في حوزة السلطات المختصة باتخاذ إجراءاتها التالية"، فيعد تحريكًا للدعوى تكليف المتهم بمعرفة هيئة التحقيق والادعاء العام بالحضور أمام المحكمة، واتخاذ هذه الهيئة قرار بإجراء التحقيق والادعاء العام بالحضور أمام المحكمة، واتخاذ هذه الهيئة قرار بإجراء التحقيق في قضية ما أو قرارها ندب أحد رجال الضبط الجنائي لإجراء عمل من أعمال التحقيق( ).
ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن إجراءات الاستدلال لا تعتبر إجراءات تتحرك بها الدعوى الجزائية، لأن هذه الإجراءات ليست من إجراءات الدعوى الجزائية، وإنما  هي "إجراءات تمهيدية تسبق الدعوى الجزائية"( ).
وهذا يجب أن نميز بين مصطلحي: "تحريك الدعوى" و"إقامة الدعوى الجزائية": إذ يقصد بإقامة الدعوى: "نقل قرار الاتهام إلى المحكمة المختصة للمطالبة بتوقيع العقوبة على المتهم".
ثانيًا: مباشرة الدعوى الجزائية أو استعمالها:
1-  يقصد به: "اتخاذ أي إجراء أو مجموعة  من الإجراءات التي يقتضيها سير الدعوى أمام المحكمة نحو الحكم الباب الفاصل في موضوعها، وذلك بدء من الإجراء الأول الذي أقيمت به وانتهاءً بالحكم النهائي فيها".
2- من له صلاحية مباشرة الدعوى الجزائية؟ الذي له صلاحية مباشرة الدعوى الجزائية:
أ- هيئة التحقيق والادعاء العام أصلاً.
ب- ثم يجوز للمجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه أن يرفع الدعوى في القضايا التي يتعلق بها حق خاص: فلا تستأثر هيئة التحقيق والادعاء العام بصلاحية مباشرة الدعوى الجزائية، بل قد يشاركها المجني عليه في هذه الصلاحية وفقًا لنص المادة (17) من هذا النظام، التي تنص على أن: "للمجني عليه أو من ينوب عنه، ولوارثه من بعده، حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص، ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة. وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور". 
والمادة (18) التي نص على أنه: "لا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراءات التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة، إلا إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم".
الإدعاء المباشر: ويطلق على هذا الإجراء عادة في الأنظمة المقارنة تسمية "الإدعاء المباشر"، لأن الذي يرفع الدعوى الجزائية هو المجني عليه "مباشرة دون واسطة هيئة التحقيق والادعاء العام أو غيرها. وتخول هذه المادة "للمجني عليه" الحق في رفع هذه الدعوى مستهدفًا من ورائها الحكم له بحقه الخاص بالتعويض عن الضرر المترتب على الجريمة محل الادعاء الجزائي.
الحكمة من الادعاء المباشر: والحقيقة أن تخويل المجني عليه صلاحية الإدعاء المباشر بتحريك الدعوى الجزائية يحقق نظام "الاتهام الفردي" الذي أقامته الشريعة الإسلامية، حيث تركت زمام الإدعاء بالحق الخاص أمام المحكمة الجزائية في يد المجني عليه، ترضية له، وتقديرًا لما يراه، وحماية لحقه في التعويض، وشفاءً لما يكون قد خالط نفسه من آلام سببتها الجريمة، وقطعًا لدابر الثأر مستقبلاً... وما أكثر ما لا يتسع له المقام في سرد مزايا هذا النظام الإسلامي وبيان سموه على غيره من الأنظمة. كما أن في الإدعاء المباشر من جانب المجني عليه فرصة لتحريك الدعوى الجزائية إذا تقاعست هيئة التحقيق والادعاء العام عن تحريكها.
وتحقيقًا للحكمة من ترك زمام الادعاء المباشر في يد المجني عليه، فقد منحه النظام الحق في أن يتنازل عن ادعائه هذا. وهذا اتجاه إسلامي قويم، لأن به تتحقق مصلحتان: مصلحة المجني عليه في التصالح مع المتهم بمقابل أو بالمجان فتهدأ نفسه، ومصلحة الجماعة في أن يحل الوئام محل الانتقام، وتسود السكينة بدلاً من الضغينة بين الجميع.
المقصود بالمجني عليه يمكن تعريف "المجني عليه" بأنه "صاحب الحق أو المصلحة أو المال المعتدى عليه من جانب مرتكب الجريمة". فهو المعتدى عليه بالإيذاء المستوجب للقصاص فيما  دون النفس، وهو مالك المال المسروق، وهو المودع للمال الذي اختلسه من ائتمنه عليه.
والغالب أن يكون المجني عليه هو "المتضرر" من الجريمة ضررًا شخصيًا ينشئ له "حقًا خاصًا" في التعويض. ومع هذا، فقد لا يلحق بالمجني عليه ضرر ما من الجريمة، ومن أمثلة ذلك الشروع في السرقة إذا لم يترتب عليه أي ضرر يلحق بالمجني عليه، ومن المعلوم أن الشروع في هذه الجريمة – وغيرها من سائر الجرائم – يعتبر من قبيل الجرائم التعزيرية.
وإزاء التفرقة بين المجني عليه والمتضرر من الجريمة، فقد استعمل النظام المصطلح الأول، ومع هذا فإن الربط بينه وبين شريط "تعلق دعواه بحق خاص" يفيد بحكم اللزوم العقلي أنه قد أصابه ضرر من الجريمة ولد له حقًا خاصًا في المطالبة بالتعويض عنه.
وعلى الرغم من أن المجني عليه المتضرر من الجريمة هو الذي رفع الدعوى الجزائية، استنادًا إلى كون النظام قد خوله صلاحية مباشرتها أمام المحكمة المختصة، إلا أن النظام قد ألزم هذه المحكمة بتبليغ المدعي العام بالحضور. وإذا كانت الأنظمة الإجرائية في الدول الأخرى تضع على عاتق المجني عليه المتضرر عبء هذا الإجراء، فقد أحسن النظام السعودي في التخفيف عن المجني عليه ونقل عبء هذا الإجراء إلى المحكمة ذاتها.
ولما كان حضور ممثل هيئة التحقيق والادعاء العام جلسات للمحاكمة الجزائية شرطًا لانعقادها عند نظر الجرائم الكبيرة، فقد اقتضى الأمر تبليغ هذه الهيئة بادعاء المجني عليه ليتسنى لها الحضور مراعاة لشكل انعقاد الخصومة الجزائية في هذه الفئة من الجرائم الكبيرة. وفي رأينا أن عدم حضورها يترتب عليه بطلان المحاكمة، والبطلان هنا من النظام العام، لا يتوقف الحكم به على مطالبة المتهم.
الشروط الواجب توافرها في الادعاء المباشر:
1- أن يتم رفع الدعوى من المجني عليه المتضرر من الجريمة أو يرفعها من ينوب عنه أو يرفعها وارثه من بعده. وبناءً عليه، فلا يقبل الدعوى من دائنيه، ولا ممن حوَّل له حقه في التعويض، ولا من أقارب من غير ورثته، ولا من شركة التأمين مطالبة بما دفعته للمجني عليه تعويضًا له عن الضرر الذي لحق به من الجريمة.
2- أن يكون المجني عليه قد نشأ له حق من الجريمة مباشرة. ولا يحقق هذا الشرط إلا إذا كان الضرر قد ارتبط بالجريمة رباط السبب المباشر بالمتسبب.
ويستوي أن تكون الجريمة التي ولدت الحق الخاص حدًّا، كمن يجني عليه في حد قذف، أو أن تكون قصاصًا فيما دون النفس، أو أن تكون جريمة تعزيرية مثل جريمة السب.
ومن رأينا أنه إذا كان قد أصدر أمر بالحفظ (وفقًا للمادة (124) من هذا النظام)، فإنه لا يحول دون إقامة المجني عليه دعوى الحق الخاص تغليبًا من النظام لحق المجني عليه على حق هيئة التحقيق والادعاء العام في مجال رفع الدعوى الجزائية. ودليلنا على هذا أن من حق المجني عليه إقامة هذه الدعوى حتى ولو كانت هذه الهيئة قد رفضت ادعاءه أثناء تحقيقها للدعوى (استنادًا إلى المادة (148) من النظام).
ولكن لا يشترط للإدعاء العام المباشر أن يسبقه تحقيق أو حتى جمع استدلالات من جانب رجل الضبط الجنائي، لأن حق المتضرر من الجريمة حق أصيل ينبغي ألا يترك استعماله معلقًا على إرادة الغير. ولهذا، فإن المجني عليه أن يلجأ مباشرة في هذه الحالة إلى الادعاء المباشر إذا كانت أدلة ثبوت الجريمة في حق المتهم متوافرة وكافية لديه ولا تحتاج إلى تحقيق.
ونلاحظ أن المادة (18) تعالج مركزين إجرائيين مختلفين يتعلقان بإقامة الدعوى أو مباشرة التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد: الأول: يعلق مباشرة هذين الإجراءين (إقامة الدعوى الجزائية أو التحقيق فيها) على شكوى من المجني عليه، والثاني: يخول هيئة التحقيق والادعاء العام صلاحية إقامة الدعوى الجزائية عن هذه الجرائم أو التحقيق فيها دون توقف على شكوى المجني عليه. وعلى ذلك فالمجني عليه ينفرد بمباشرة دعواه بشرط تقدمه بشكواه إذا تحققت مصلحته الخاصة، وتنفرد هيئة التحقيق والادعاء بمركزها الإجرائي الاستقلالي إذا رأت أن في ذلك تحقيق لمصلحة عامة.
وفي القوانين والأنظمة المقارنة يسود اتجاهان في هذا الصدد:
الاتجاه الأول: يلزم لهذه السلطة مجالاً للملاءمة بين توجيه الاتهام (أي إقامة الدعوى)، وبين الحفظ، بحيث يكون لها أن تمتنع عن توجيه الاتهام على الرغم من توافر جميع أركان الجريمة ونشوء المسئولية عنها إذا رأت أن المصلحة العامة تقتضي ذلك.
وأهم ميزة لهذا الاتجاه الإجرائي الثاني أنه يخفف عن القضاء بعض أعبائه، من جهة، وأنه يحقق المصلحة العامة من جهة أخرى.
وفي ضوء هذه المقارنة بين هذين الاتجاهين، يبدو أن النظام السعودي يرجح الاعتداد بالاتجاه الثاني الذي يخول هيئة التحقيق والادعاء العام سلطة تقديرية في مجال الاتهام أو حفظ الدعوى الجزائية فهيئة التحقيق والادعاء العام هي صاحبة الادعاء العام وذلك بتحريك الدعوى الجزائية (إقامتها) ومباشرتها (استعمالها) وحريتها في ذلك يرد عليها نوعان من القيود:
النوع الأول: يشمل الحالات الثلاث السابق الكلام عنها التي يكون فيها لغير الهيئة حق تحريك الدعوى الجزائية، فيحق للمجني عليه أو لورثته المطالبة بالحق الخاص مهما بلغ مقداره أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجزائية في أي حال كانت عليها الدعوى، حتى ولو يقبل طلبه أثناء التحقيق.
والنوع الثاني: يشمل الأحوال التي يعلق فيها تحريك الدعوى أو إجراء أي تحقيق فيها إلا بناء على شكوى المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إذا كانت الجريمة واجب فيها حق خاص للأفراد ما لم تر الهيئة مصلحة عامة تقتضي ذلك.
وهيئة التحقيق والادعاء تقوم على إقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها نيابة عن ولي الأمر صاحب الولايات في المجتمع الإسلامي بناء على البيعة ومن بينها ولاية الجرائم فبعد أن بينت المادة (44) من النظام الأساسي للحكم رقم أ/90 في 27/8/1412هـ أن سلطات الدولة هي سلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية ومرجعها الملك نصت المادة (54) منه أن "النظام يبين ارتباط هيئة التحقيق والادعاء العام وتنظيمها واختصاصها".
وتستمد الهيئة سلطتها في الادعاء أمام الجهات القضائية وفقًا للائحة التنظيمية من النظام مباشرة إذ تنص نظام هيئة التحقيق والادعاء العام م/56 في 24/10/1409هـ في مادته الثالثة على أن "الهيئة تختص وفقًا للأنظمة ما تحدده اللائحة التنظيمية..."، والهيئة مفوضة من ولي الأمر نيابة عن المجتمع في إقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها ولا تملك النزول عن الدعوى أو عن جزء من إجراءاتها فذلك من حق السلطة التنظيمية وحدها عن طريق النظام ويترتب على ذلك:
1- لا يجوز للهيئة أن تنزل عن الدعوى أو تتركها أو توقفها في أي مرحلة من مراحلها إذ ليس لها أن تنزل عن الطعن المرفوع منها وبالتالي يتعين على المحكمة رغم ذلك أن تفصل في الطعن وذلك إلا في الأحوال التي ينص عليها النظام مثال ذلك عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو فقد نصت المادة (22) من نظام الإجراءات الجزائية على أن الدعوى الجزائية تنقضي في حالة عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو.
2- لا يجوز للهيئة النزول عن حقها في الطعن على الحكم مادام موعد الطعن لم ينقض بعد.
3- يجوز لها أن تعدل عن رأيها الذي تقدمت به إلى المحكمة وبالتالي إذا قدمت قضية باعتبارها جريمة عادية إلى المحكمة المستعجلة وتبينت بعد ذلك أنها جريمة كبيرة من اختصاص المحكمة العامة أو قضاء آخر فلها أن تطلب الحكم بعدم الاختصاص لتقديمها إلى المحكمة المختصة. ولها أيضًا أن تطعن في الحكم الصادر ولو كان موافقًا لطلباتها كما لو تركت الرأي للمحكمة وحُكم بالبراءة.
ثالثًا: طبيعة الإجراءات التي تتخذها هيئة التحقيق والادعاء العام:
من الواضح أن الإجراءات التي تتخذها هيئة  التحقيق والادعاء العام تعتبر إجراءات "قضائية"، وليست إجراءات "إدارية".
وإذا كان الأصل أن تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام إقامة الدعوى الجزائية ضد المتهم، فقد خوَّل النظام هذه الصلاحية كذلك لكل من: المجني عليه، كما أسلفنا القول، والمحكمة، وذلك في حالات استثنائية وردت على سبيل الحصر، منها ما يتعلق بالجرائم التي تقع أثناء انعقاد الجلسة، وتسمى عادة بجرائم الجلسات، منها الترخيص للمحكمة بأن تضيف إلى قرار الاتهام وقائع جديدة لا تحتاج إلى تحقيق من جانبها.
لهذا، فإننا نرى أنه من المناسب التمييز بين اختصاص هيئة التحقيق والادعاء العام وبين اختصاص قاضي الحكم (المحكمة) في هذا المجال وذلك على النحو التالي:
1- أنه لا يجوز للمحكمة – كقاعدة عامة – تحريك الدعوى الجزائية إلا في حالات محددة بنصوص صريحة، مثل حقها في تحريك هذه الدعوى بالنسبة لجرائم الجلسات، كما أسلفنا القول.
2- أنه لا يجوز للمحكمة أن تتدخل في أعمال هيئة التحقيق والادعاء العام فتطلب منها تنفيذ عمل من الأعمال، كتحريك الدعوى ضد متهم لم تحركها قبله لأسباب ارتأتها الهيئة، أو اتخاذ إجراءات معينة أو الامتناع عنها.
3- أن عضو هيئة التحقيق والادعاء العام الذي تولى التحقيق في قضية ما. أو يتخذ فيها أي إجراء من الإجراءات لا يجوز له أن يجلس للقضاء فيها. وإلا كان حكمة باطلاً.
4- أن المحكمة غير مقيدة بطلبات ممثل هيئة التحقيق والادعاء العام أمامها، سواء كانت شفوية أو مكتوبة، ولا تتقيد كذلك بكيفية وصف التهمة الذي قدمته الهيئة إلى المحكمة.
5- لا يجوز للمحكمة أن توجه إلى هيئة التحقيق والادعاء لومًا أو نقدًا. وتطبيقًا لهذا ليس للمحكمة أن تنعي في حكمها على هذه الهيئة أنها "أسرفت في الاتهام"، أو أنها أيضًا "أسرفت في حشد التهم وكيلها للمتهمين جزافًا"، فإن قضت بهذا وجب حذف هاتين العبارتين (وهذا ما يسير عليه القضاء في بعض الدول).
6- لرئيس هيئة التحقيق والادعاء العام الإشراف على أعضاء الهيئة. وله في هذا المصدر أن يصدر إليهم تعليماته. غير أن مخالفتها وإن عرضت عضو الهيئة للمساءلة الإدارية، إلا أنه لا يترتب عليها بالضرورة بطلان الإجراءات وما يترتب عليه من آثار.
أما بالنسبة لإجراء المرافعة، فإنه إذا خالف ممثل الهيئة تعليمات رئيس الهيئة فيما يبديه من طلبات بالجلسة فلا يترتب على ذلك بطلان التمثيل والمرافعة، لأن المحكمة في هذه الحالة يكون لها الرأي الأول والأخير. ومع ذلك يجوز لرئيس الهيئة أن يندب عضوًا آخر للمرافعة إذا كانت الدعوى مازالت منظورة أمام القضاء، كما يجوز له الطعن في الحكم.
7- لا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجزائية إلا بالتحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق والادعاء العام دون غيرها، بوصفها سلطة التحقيق، سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط الجنائي، أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم، ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال ولو في حالة التلبس بالجريمة.
8- لهيئة التحقيق والادعاء العام تحريك الدعوى الجنائية أو الامتناع عن تحريكها طبقًا لما تراه، فهي الأمنية عليها دون غيرها، ولا تتقيد حريتها في هذا النطاق بالمحكمات الإدارية والتأديية، ولا تنازل المجني عليه عن حقوق وصفحه عن الجاني، وهي لا تملك التنازل عن الدعوى في أية مرحلة كانت. وإذا تنازلت عنها أو وعدت بذلك شفاهة أو كتابة. فهذا التنازل عن  حقها في الطعن في حكم من الأحكام. ولو وافقت عليه كتابة، مادام أن ميعاد الطعن لا يزال ممتدًا أمامها. ومثل هذا التنازل يعد مخالفًا للنظام العام.
9- يكون تحريك الدعوى نتيجة علم هيئة التحقيق والادعاء العام بالجريمة مباشرة، أو عن طريق الإبلاغ عنها من المجني عليه، أو من رجال الشرطة، أو من أي فرد من الأفراد ولو كان مجهولاً.
رابعًا: جرائم الجلسات: تنص المادة (21) من نظام الإجراءات الجزائية على أن: "للمحكمة إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها أو بالاحترام الواجب لها، أو التأثير في أحد أعضائها أو في أحد أطراف الدعوى أو الشهود، وكان ذلك بشأن دعوى منظورة أمامها، أن تنظر في تلك الأفعال وتحكم فيها بالوجه الشرعي". وتنص المادة (143) على أن: "ضبط الجلسة وإداراتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها، فإن لم يمتثل وكان للمحكمة أن تحكم على الفور بسجنه مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة، ويكون حكمها نهائيًا، وللمحكمة إلى قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن ذلك الحكم".
فلقد أناطت المادة (21) ضبط الجلسة وإدارتها برئيسها. الذي له – بناءً على ذلك – أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها، فإن امتثل كان بها، وإذا لم يمتثل لأمر المحكمة بإخراجه من الجلسة كان للمحكمة أن تحكم – على الفور – بحبسه مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة. ويكون حكمها نهائيًا لا يقبل الاعتراض عليه. ومع هذا، فللمحكمة – إلى ما قبل انتهاء الجلسة – أن ترجع عن حكمها هذا. ويلاحظ أن هذه الإجراءات والجزاءات ينفرد بها رئيس الجلسة دون أخذ رأي أعضائها المحكمة بشأنها، لأنها مسائل في جوهرها إدارية، حتى لو ترتب عليها الحبس أربعًا وعشرين ساعة. ولذا لا يجوز أيضًا إبعاد المتهم عن الجلسة أثناء نظر الدعوى إلا إذا وقع منه تشويش يستدعي ذلك، وفي هذه الحالة تستمر الإجراءات إلى أن يمكن السير فيها بحضوره، وعلى المحكمة أن توقفه على ما تم من إجراءات في غيبته. كما يلاحظ أن العقاب على التشويش الحاصل بمجالس القضاء هو أمر راجع لمجرد الإخلال بالنظام فيها. ولا شأن له مطلقًا بما قد يحتويه التشويش من الجرائم الأخرى مثل السب. بل هذه ينظر فيها بالطرق النظامية المرسومة. فإذا حكمت المحكمة على متهم بسبب تشويشه في الجلسة فإن هذا الحكم لا يمنع من محاكمته محاكمة مستقلة على تضمنه هذا التشويش من السب.
كما تنص المادة (144) على أن: "للمحكمة أن تحاكم من تقع منه في أثناء انعقادها جريمة تعد على هيئتها، أو على أحد أعضائها، أو أحد موظفيها، وتحكم عليه وفقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقواله". فتتناول هذه المادة معالجة إحدى جرائم الجلسات، تتمثل في التعدي على هيبة المحكمة ككل، أو على هيبة أحد أعضائها دون غيره، أو على أحد موظفي المحكمة الموجودين بالجلسة، ومنهم كاتب الجلسة (أمين السر) وممثل هيئة التحقيق والادعاء العام. إذ أن هذا التطاول على المحكمة الذي يشكل تعديًا على هيبتها يعتبر جريمة تعزيرية. لهذا فإن للمحكمة أن تحاكم من تقع منه هذه الجريمة، وتحكم عليه فورًا وفقًا للوجه الشرعي، بعد أن تسمع أقواله دفاعًا عن نفسه. ولما كانت هذه الجريمة من جرائم الجلسة، وتقع أثناء انعقادها، وأمام الحاضرين الذين يحقق حضورهم شرط "علنية" المحاكمة، فينبغي، لكي يطبق نص هذه المادة، أن يصدر الحكم فورًا بذات الجلسة قبل أن ينفض الحاضرون، حتى تسترد هيئة المحكمة هيبتها أمامهم. ويرجع هذا إلى نص المادة (146) من هذا النظام.
أما إذا لم تحاكم المحكمة من ارتكب الجريمة التعزيرية المذكورة في ذات الجلسة، فالمتهم يحاكم عما ارتكبه وفقًا للإجراءات العادية، لانتفاء الحكمة من التعجيل بمحاكمته أمام الحاضرين.
ويلاحظ أن محاكمة المحكمة للمعتدي على هيبتها مسألة جوازية، يجوز للمحكمة أن تتغاضى عنها، إذا رأت أن اعتذار المتهم – مثلاً – ينطوي على استردادها هيبتها.
وتنص المادة (145) على أنه: "إذا وقعت في الجلسة جريمة غير مشمولة بحكم المادتين الثالثة والأربعين بعد المائة والرابعة والأربعين بعد المائة، فللمحكمة – إذا لم تر إحالة القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام – أن تحكم على من ارتكبها وفقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقواله، إلا إذا كان النظر في الجريمة من اختصاص محكمة أخرى فتحال القضية إلى تلك المحكمة "كما تنص المادة (146) على أن: "الجرائم التي تقع في الجلسة ولم تنتظرها المحكمة في الحال، يكون نظرها وفقًا للقواعد العامة".
وعلى ذلك فإنه إذا وقعت أثناء انعقاد الجلسة كان للمحكمة:
1- إما إحالة القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء لتباشر الإجراءات الملائمة وفقًا للنظام.
2- وإما أن تحكم المحكمة على المتهم وفقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقواله، إذا كان النظر في الجريمة من اختصاص هذه المحكمة أو محكمة أخرى مثلها. فإذا كانت القضية من اختصاص محكمة أخرى، أحالت القضية إلى تلك المحكمة.
تعالج هذه المادة أفعالاً فيها إخلال بأوامر المحكمة، واحترامها، فضلاً عن التأثير في أحد أعضائها: وتطلق على هذا النوع من الأفعال – وهي تشكل جرائم تعزيرية – تسمية "جرائم الجلسات"، لأنها ترتكب أثناء، وبشأن، دعوى منظورة أمام المحكمة، على حد تعبير هذه المادة. لهذا فإنه يشترط أن تقع الأفعال أثناء انعقاد الجلسة.
ولكن يشترط أن تؤدي هذه الأفعال إما إلى الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها أو إلى التأثير في أحد أعضاء المحكمة أو أحد أطراف الدعوى أو الشهود. ومن أمثلة ذلك تأثير المتهم في أحد الشهود لكي يُدلي بشهادة كاذبة لصالحه. فإذا وقع فعل من هذه الأفعال أثناء انعقاد الجلسة، كان للمحكمة أن تنظره، وتحكم فيه بالوجه الشرعي. والحقيقة أن المحكمة تجمع في قضائها بالنسبة لهذه الأفعال بين صفتي الاتهام والحكم، والجمع بينهما في هذا المجال اضطراري، حفاظًا على كرامة المحكمة، وهيبتها، واحترامها. ولهذا يتعين أن يصدر الحكم فورًا بالجلسة أمام الحاضرين الذين شاهدوا الإهانة الصادرة من مرتكب الفعل للمحكمة أو التأثير  على أحد أعضائها أو أحد أطراف الدعوى أو الشهود، فيكون رد الفعل – هو الحكم على مرتكب أي من هذه الأفعال وفقًا للوجه الشرعي – فوريًا ومناسبًا لما حدث مع ملاحظة أن المحكمة – بصفة عامة – تجمع بين سلطتي الاتهام والحكم في جرائم الجلسات.
والحكمة من هذا أن الجريمة تقع في حضرة الجمهور بالجلسة، لهذا يقتضي الأمر إصدار الحكم أثناء حضورهم استردادًا لاعتبار المحكمة وحفاظًا على كرامتها.
5- لا وجوب لسماع أقوال النيابة العامة فيما جرى من المحاكمات على ما يقع بالجلسات المدنية من التشويش وجنح الاعتداء على هيئة المحكمة أو على أحد أعضائها، أما ما يجري في تلك المحاكمات أمام المحاكم الجنائية فسماع أقوال النيابة فيها واجب.
ويتضح من هذه النصوص أن رئيس الجلسة يختص بضبطها وإدارتها فإذا حدث إخلال بنظامها فله سلطة القضاء عليه والحكم على من يدخل بالجلسة، ويتمثل هذا الإخلال في أحد ثلاثة فروض:
الفرض الأول: أن يثير الضوضاء ولا يمتثل لما يجب أن يسود الجلسة من هدوء فيحق لرئيس الجلسة أن يخرجه من قاعة الجلسة، فإن لم يمتثل كان للمحكمة أن تحكم على الفور بسجنه مدة لا تزيد على (24) ساعة، ويكون حكمها نهائيًا ولها قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن ذلك الحكم.
الفرض الثاني: إذا وقعت جريمة: أثناء انعقاد الجلسة ارتكبها الأشخاص الحاضرين وتمثلت في تعد على هيئتها أو على أحد أعضائها أو أحد موظفيها، فللمحكمة أن تحكم عليه وفقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقواله.
الفرض الثالث: إذا وقعت جريمة أخرى: فللمحكمة السلطة المطلقة في أن تتخذ أحد أمور ثلاثة:
1-  أن تحيل القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لتتولى التحقيق فيها واتخاذ ما تراه بشأنها نظامًا.
2- أن تحكم على من ارتكبها وفقًا للوجه الشرعي بعد سماع أقواله، إذا كانت تدخل في اختصاصها.
3- أن تحيل القضية إلى محكمة أخرى: متى كانت هذه المحكمة الأخرى هي المختصة بنظرها، ويتم نظرها وفقًا للقواعد العامة.
خامسًا: تصدي المحكمة لنظر وقائع معينة:
تنص المادة (6) من نظام الإجراءات الجزائية على أن: "تتولى المحاكم محاكمة المتهمين فيما يسند إليهم من تهم وفقًا للوجه الشرعي وطبقًا للإجراءات المنصوص عليها في هذا النظام. وللمحكمة أن تنظر في وقائع غير مدعى بها من المدعي العام مما لا يحتاج إلى تحقيق". وتنص المادة (20) على أنه: "إذا تبين للمحكمة في دعوى مقامه أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم، أو وقائع أخرى مرتبطة بالتهمة المعروضة، فعليها أن تحيط من رفع الدعوى علمًا بذلك، لاستكمال ما يلزم لنظرها والحكم فيها بالوجه الشرعي، ويسري هذا الإجراء على محكمة التمييز إذا ظهر لها ذلك".
ويتضح من هذين النصين أن النظام لم يتقيد بمبدأ شخصية الدعوى (أي الأشخاص الذين أقيمت الدعوى عليهم) وعينيتها (أي بالوقائع التي أقيمت بها الدعوى عليهم)، وذلك على النحو التالي:
- أجاز النظام للمحكمة في المادة السادسة منه أن تنظر في وقائع غير مدعى بها من المدعي العام مما لا يحتاج إلى تحقيق. أما المادة العشرون، فقد ألزمت المحكمة – إذا تبين لها أن هناك متهمين غير من أقيمت عليهم الدعوى، أو وقائع أخرى مرتبطة بالتهمة المعروضة – بأن تحيط من رفعت عليه الدعوى علمًا بذلك لاستكمال ما يلزم لنظرها، والحكم فيها بالوجه الشرعي.
أما عن منح هذه الصلاحية لمحكمة التمييز، فإن مؤدى هذا أن المتهم ستفوته – إذا ما صدر الحكم ضده – درجة من درجتي القاضي. لهذا، ينبغي البحث عن وسيلة تمكنه من إعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم محل الاعتراض لتفصل فيها، حتى لا تفوته إحدى هاتين الدرجتين.
الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي
الوسيط في شرح نظام الإجراءات الجزائية السعودي الجديد pdf

شرح نظام الإجراءات الجزائية السعودي pdf

نظام الإجراءات الجزائية 1440

نظام الإجراءات الجزائية 1439

نظام الإجراءات الجزائية الجديد 1440

نظام الإجراءات الجزائية الجديد 1439

نظام الإجراءات الجزائية وورد

نظام الإجراءات الجزائية 1441

تعليقات