📁 آخر الأخبار
  الكتابة الإلكترونية

  الكتابة الإلكترونية



المقدمة:
     إن المجتمع الدولي ما فتئ أن يخرج من آثار الثورة الصناعية الأوروبية، ويلم بجوانب تكنولوجياتها، حتى وجد نفسه أمام ثورة جديدة وهي الثورة المعلوماتية، والتي سبقت إلى اكتشافها الدول المتقدمة، بعد تدخل الكمبيوتر حتى في أدنى تفاصيل الحياة اليومية للمواطن في هاته الدول، وواكبتها الدول النامية، إذ وجدت نفسها أمام حتمية التعامل بهاته التكنولوجيا، وكانت من اشتراطات انضمامها للمنظمة العالمية للتجارة.
وانتهت  الجهودات الدولية إلى إصدار ما جادت به قريحة لجنة القانون التجاري الدولي لدى هيئة الأمم المتحدة بما عرف بقانون اليونسترال الدولي المتعلق بالتجارة الالكترونية، والتوقيع الالكتروني، وذلك بتاريخ 5 جويلية 2001، والذي ضبط معالم التعامل الالكتروني والتزامات وحقوق الأطراف بمقتضاه وإجراءات العمل بالتقنية الالكترونية، وواكبته في هذا المجال العديد من الدول المتقدمة، وخاصة بعدما أصبحت التجارة الدولية لا غنى لها عن تقنيات الكمبيوتر والسندات الالكترونية في ربط المتعاملين عبر شبكات الانترنيت والتي جعلت العالم قرية واحدة.
ولعل أن المعاملات ومنذ الأزل بين الناس كانت تحتاج إلى موثوقية، ودعم الائتمان، وقد عرفت تقنية التوقيع التقليدي، منذ أمد أنها الضامنة في وفاء الأطراف بالتزاماتهم، فثار الإشكال حول كيفية تحقيق نفس النتيجة حيال المعاملات والصفقات التي تبرم عبر الانترنيت، فابتكر العلم تقنية التوقيع الالكتروني، والتي هي بعيدة في تعريفها عن التقليدي منه، محققة لنفس أهدافه، وظهر التوقيع الالكتروني، كوسيلة جديدة في إثبات الالتزامات والحقوق الناشئة بمقتضى المحررات الالكترونية.
وأمام هذه القفزة النوعية للثورة المعلوماتية في العالم سارعت كثير من الدول غربية منها أو عربية لتبني المسألة.
ولم يختلف المشرع الجزائري عن نظرائه من المشرعين، وعمد إلى إدخال التوقيع الالكتروني كتقنية جديدة، وتحدث عنها وبصفة حصرية في المادة 323 مكرر وما بعدها إلى المادة 327 من القانون المدني بعدما شملها التعديل بموجب القانون 05-10 المتمم والمعدل للقانون المدني، وعند هذا الحد توقف المشرع، على خلاف معظم التشريعات العربية والتي أسهبت في الحديث عن هاته التقنية وأصدرت فيها قوانينا خاصة.
ومن الملاحظ أن المشرع خص قواعد الإثبات دون غيرها بالتعديل، فارتأينا تناول تقنية الكتابة الالكترونية والتوقيع الالكتروني من هذا الجانب، غير أنه كان من الواجب أولا ضبط المفاهيم المتعلقة بها، باعتبارها غريبة عن المجتمع الجزائري – وإن كان أغلبه وليس كله – محاولين تقديم تعريفات، مارين إلى حجيتها في الإثبات.
فما هو مفهوم المحرر الالكتروني كسند في الإثبات؟
وما هو التوقيع الالكتروني باعتباره وسيلة تقنية لدعم صحة ما ورد في المحرر الالكتروني؟
وفي حال صحتها، ما هي القيمة القانونية لهاته المحررات أمام القضاء؟ وما مدى مصداقية الإثبات بموجب هاته المحررات؟ أو بمعنى آخر، هل يمكن لهاته المحررات أن تتعرض لاعتداءات تؤدي إلى التشكيك في صحتها؟ وفي إطار دعم موثوقية هاته التقنية، ما الذي وفره العلم وكرّسه المشرّع في هذا الشأن؟



الفصل الأول:  عناصر المحرر الإلكتروني:

       لقد كانت ولفترة من الزمن المحررات المعروفة على الساحة القانونية تقليدية، التي كتب في عناصرها كبار الفقهاء وبات من المعروف أن المحررات نوعين رسمية وعرفية وقد تناول رجال قانون الإثبات كبريات الإشكالات في مسائل الإثبات بهاته المحررات، ولكن ما فتئت أن ظهرت الثورة المعلوماتية، والتي معها وجد الإنسان نفسه أمام ضرورة التعامل بهذه الوسيلة، وشيئا فشيئا تطور الأمر  إلى أن أصبح لا غنى له عنها، وأصبح الكمبيوتر بما حمله من أنظمة وسيلة لمعيشة الإنسان وكانت المحررات التقليدية قيد يغل سرعة المعاملة، فاكتسحت المعاملة الإلكترونية الساحة التجارية، مما دفع العديد من الأنظمة التشريعية لتبني المسألة فظهر ما يسمى بالمحررات الإلكترونية، ولا تكاد تختلف هاته الأنظمة في شكل هاته المحررات ووسائلها ولا في شرط التوقيع الالكتروني كدعامة  للتعامل بها.
وعليه ستقتصر دراستنا في هذا الفصل لضبط المفاهيم الأولية لهذا النوع من المعاملة، وندقق في عناصر هذا النوع من المحرارت متناولين موقع الكتابة الإلكترونية من التعديل.

المبحث الأول: الكتابة الإلكترونية:

سنتحدث عن الكتابة الإلكترونية كمفهوم جديد ظهر علي الساحة المعاملاتية في التشريعات المقارنة والتشريع الجزائري، وبعدها نحاول تحديد موقع الكتابة الإلكترونية من التعديل.

المطلب الأول: ماهية الكتابة الإلكترونية 
الفرع (01): مفهوم المحرر الإلكتروني في قانون اليونسترال والتشريعات المقارنة 
1- ضبط قانون اليونسترال في مادته الثانية (02) بعض مصطلحات المعاملة الإلكترونية  فجاء فيها أنه" يراد  بمصطلح « رسالة بيانات » المعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تبادل البيانات الإلكترونية أو البريد الإلكتروني أو البرق أو التلكس أو النسخ البرقي "وقد عرف نفس القانون تبادل البيانات الإلكترونية على أنه نقل المعلومات الكترونيا من حاسوب إلى حاسوب آخر باستخدام معيار متفق عليه لتكوين المعلومات.
وجاء في القانون الإماراتي مفهوم السجل أو المستند الإلكتروني، فعرفه في المادة الثانية (02)  "سجل أو مستند يتم إنشاؤه أو تخزينه أو استخراجه أو نسخه أو إرساله أو إبلاغه أو استلامه  بوسيلة إلكترونية على وسيط ملموس أو على وسيط إلكتروني آخر، ويكون قابلا للاسترجاع بشكل يمكن فهمه".
وعن القانون المصري، فقد عرف المحرر الإلكتروني أنها رسالة تتضمن معلومات تنشأ أو تدمج  أو تخزن أو ترسل أو تستقبل كليا أو جزئيا بوسيلة إلكترونية أو رقمية أو ضوئية أو بأية وسيلة أخرى مشابهة".
- و تبنى المشرع الفرنسي مفهوم الكتابة الإلكترونية بمقتضي تعديل سنة 2000 وذلك في المادة 1316 إذ جاء فيها أنها «كل مجموعة من أحرف وأرقام وأية إشارة أخرى أو رموز تكون ذات دلالة يمكن حفظها وقراءتها عند طلبها، مهما كانت الدعامة أو وسيلة الاتصال المتبادلة"

الفرع  (02): مفهوم الكتابة الالكترونية عند المشرع الجزائري بموجب القانون رقم 05-10:  
أما عن المشرع الجزائري فقد واكب مصدره التاريخي المشرع الفرنسي معرفا الكتابة الإلكترونية بمقتضى المادة 323 مكرر بمقتضى القانون 05-10 على أنه "تسلسل حروف أو أوصاف أو أرقام أو أية علامات أو رموز ذات معنى مفهوم، مهما كانت الوسيلة التي تتضمنها وكذا طرق إرسالها"        
فالمشرع الجزائري كنظيره الفرنسي لم يقتصر على الكتابة التقليدية على أنها مجموعة حروف وإنما أضاف إلى ذلك كل ما يؤدي إلى معنى متفق عليه بين الأطراف من أوصاف أو أرقام أو علامات أو رموز،كما أضاف بأي وسيلة كانت ومهما كانت طريقة إرسالها بمعنى الوسائل والتي تتضمن المحررات الإلكترونية بمفهومها المجرد، ويقصد بها المعلومات والبيانات التي تحتويها الأقراص الصلبة أو المرنة، أو تلك التي يتم كتابتها بواسطة الكمبيوتر وإرسالها ونشرها على شبكة الانترنيت، وتعتبر هذه الأخيرة أهم وسيلة على الإطلاق ، مما يجدر بنا التعريف بها لارتباطها الوثيق بالمحررات محل الدراسة.
فتعرف الانترنيت على أنها " شبكة هائلة من أجهزة الكمبيوتر المتصلة فيما بينها بواسطة خطوط الاتصال عبر العالم " . 
وفي البداية كانت الحكومة الأمريكية هي المالك الوحيد لشبكة الانترنت، ثم انتقلت الملكية إلى المؤسسة القومية للعلوم (مؤسسة أمريكية)             
أما الآن فشبكة الانترنت مفتوحة للجميع ولا مالك لها ، غير أنه يجب تفرقتها عن الإكسترانات والانترانيت، فالأخيرة تعرف على أنها:" عبارة عن سلسلة من شبكات المعلومات يمتلكها مشروع مؤسسة واحدة وهذه الشبكات قد تكون داخلية محدودة النطاق تتصل ببعضها البعض داخل نفس المكان، أو تكون شبكات واسعة النطاق تتصل ببعضها البعض بأماكن مختلفة، ويتم الربط بينها وبين شبكة الانترنت بواسطة جهاز كمبيوتر أو أكثر يكون بمثابة المدخل الرئيسي بها على الانترنيت ".                                                                            
أما الإكسترانات هي: « جزء من شبكة الانترانيت الداخلية الخاصة بالمنشأة أو المشروع، ولكن تم إمداده و إتاحة استخدامه لأشخاص خارج المنشأة وفروعها» .

تحليل عناصر التعريف الوارد بالمادة 323 مكرر: 
1)- إن مفهوم الكتابة الإلكترونية بمقتضي المادة 323 مكرر يقصد به أن المشرع اعتمد علي أية وسيلة كانت سواء على الورق أو على القرص المضغوط 
أو القرص المرن، وكل التطورات التي قد تحصل لا حقا في المستقبل 
2)- كما أضاف المشرع: « ... مهما كانت الوسيلة التي تتضمنها بمعنى سواء كانت الكتابة منقولة عبر اليد أو عبر شبكة الانترنيت».
3)- وأضاف المشرع  شرطا آخر متعلق بالرموز والحروف والإشارات في وجوب أن تكون واضحة لا لبس فيها تؤدي إلى معنى واحد مشترك، فإذا كانت الإشارات مشفرة يصعب فكها، لم يصح المحرر الالكتروني .                                                                                      
ومن خلال ما سبق من تحليل للتعريف يتضح أن التشريعات لم تعتمد - بعد تعديلها- الكتابة التقليدية لوحدها كوسيلة في الكتابة الالكترونية، وإنما أضافت الوسائل الحديثة السالفة الذكر، فقال الأستاذ كمال العياري "أدخلت مسحة من التطور على مفهوم الكتابة مما آل إلى التخلي عن التعريف التقليدي المرتكز على المفهوم الورقي والمادي، فالاعتراف بالكتابة في الشكل الالكتروني قد أدى في الحقيقة إلى تقويض ثنائية المحتوى والوعاء، التي كانت تشكل إحدى أهم خصائص الكتابة التقليدية ولكن الفصل بين مضمون الكتابة ....... ويعيب قيمتها القانونية بالنقصان " .

المطلب الثاني: موقع الكتابة الإلكترونية من التعديل بموجب القانون 

رقم 05-10: 
تناول المشرع الجزائري كنظيره الفرنسي الحديث عن المحررات الإلكترونية كوسيلة إثبات فاكتفت أحكام القانون رقم 05/10 الحديث عنها في باب الإثبات، ولكن هل هذا يعني أن المشرع نظم هذا النوع من المحررات كوسيلة إثبات فقط؟ وما مدى إمكانية تصور الرسمية في هذه المحررات؟ وهل يمكن للتعامل الإلكتروني شموله لبقية أدلة الإثبات من إقرار ويمين وشهادة ...؟ 
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة متناولين النقاش في هذه النقاط كما يلي: 


الفرع (01): مدى تنظيم المشرع للمحرر الإلكتروني كشرط انعقاد أو دليل إثبات 
إن المشرع الجزائري قد تناول الحديث عن المحررات الإلكترونية في باب الإثبات، غير أنه لم ينظم الحديث عنها في باب المعاملات العقدية ولا التجارية، مما يثير التساؤل حول ما إذا كان المشرع يقصد أنها مقبولة للإثبات بها دون أن تصح معها التصرفات الشكلية والتي تتطلب الكتابة كركن انعقاد فيها كالبيوع العقارية، والسفن والشركات ...الخ.
ولقد أثيرت هذه الإشكالية سابقا أمام الفقه الفرنسي بصدد الحديث عن نفس الموضوع، ذلك أن موقع المادة 1316 مدني فرنسي هي نفسها المادة 323 مكرر مدني جزائري.
فذهب جانب من الفقه الفرنسي، وبحكم موقع المادة 1316 من التعديل إلى التفسير الضيق لمفهوم الكتابة الإلكترونية واعتبار أن المحرر الإلكتروني دليل إثبات ولا يصح به الانعقاد طالما لم ينظم المشرع ذلك في النظرية العامة للعقد والالتزامات، كما أن الأعمال التحضيرية لمشروع القانون رقم 230-2000 جاء فيها أن تعريف الكتابة الوارد بنص المادة 1316 "لا يتعلق إلا بالكتابة كأداة للإثبات،  ويبقى دون أثر بالنسبة للكتابة المتطلبة لصحة التصرف" .
في حين كان من رأي الجانب الآخر من الفقه أن تواجد المادة في باب الإثبات لا يمنع من إمكان اعتبار أن الكتابة الإلكترونية شرط لصحة التصرف والانعقاد ذلك أن هذه المادة الوحيدة التي تناولت تعريف الكتابة الإلكترونية من جهة، ومن جهة أخرى فإن التفسير الموسع بهذه الطريقة فيه حماية للمستهلك المتعامل بالطريق الإلكتروني باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة.
- وأمام هذا الجدل الفقهي في فرنسا، جاء قانون التوجيه الأوربي رقم 2000/31 الصادر بتاريخ 08/06/2000 مكرسا لهذا المفهوم الواسع موجب الدول الأعضاء العمل على تطوير الأنظمة القانونية بما يشجع على إبرام العقود الإلكترونية .
واستجابة من المشرع الفرنسي لمقتضيات التوجيه الأوربي بشأن التجارة الإلكترونية، تم إعداد مشروع قانون بشأن مجتمع المعلومات وفقا للمادة 23 منه والذي اقترح استحداث فصل جديد ضمن الباب الثالث من الكتاب الثالث من التقنين المدني الفرنسي بعنوان " العقود والالتزامات" في الشكل الإلكتروني.
وهذا ما تم فعلا في نص المادة 1369/1 "عندما تكون الكتابة متطلبة لصحة التصرف القانوني، فإن هذا التصرف القانوني، يمكن إعداده وحفظه في الشكل الإلكتروني وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 1316/1 إلى 1316/4" 
ضف إلى ذلك المرسومين الصادرين بتاريخ 10/08/2005 المنظمين لمهنة الموثق والمحضر القضائي واللذان دخلا حيز التنفيذ في 01/02/2006 والتي أجازت العقود الرسمية الإلكترونية  .
أما عن المشرع الجزائري فهو فعلا قد استقى أصول التعديل من القانون الفرنسي وذهب كسابقه إلى تعديل أحكام الإثبات فقط، مما يثير التساؤل أيضا عن قيمة المحررات الإلكترونية لإثبات صحة التصرف وربما كان سيقوم الجدل الفقهي السابق، غير أننا نرى أن موقع المادة من التعديل  تستوجب الفهم أنها تخص الإثبات لا غير، وعلى المشرع أن يخطو خطوة إلى الأمام كالمشرع الفرنسي بإصدار قوانين ومراسيم تنظم التعاقد الإلكتروني، وتعتبره كشرط انعقاد وصحة.
وفي انتظار ذلك، فإننا نرى أنه ما على القضاء الجزائري إلا اعتبارها وسيلة للإثبات، طالما لم ينص عليها المشرع كشرط انعقاد، وفي اعتقادنا أن هذا الأخير بمواكبته التشريع الفرنسي، ورغم علمه أنه قد أدخل تعديلات تخص التعاقد الإلكتروني في باب العقود والالتزامات، غير أنه اكتفى بإيرادها في باب الإثبات، مما يجعلنا نشك أنه استبعد مؤقتا مسألة التعاقد الإلكتروني، رغم الثورة الفقهية التي قامت في فرنسا بخصوص نفس المادة.

الفرع الثاني: مدى شمول التعديل الإلكتروني للمحررات الرسمية والعرفية:

بعدما خلصنا إلى أن القاضي الجزائري وأمام قصور التعديل ما عليه إلا أن يأخذ المحرر الإلكتروني كدليل إثبات فقط، ما يفتأ أن يجد نفسه أمام إشكالية أخرى، هل أن قواعد الإثبات بموجب هذا المحرر تجيزه أن يكون رسميا؟.
وفي الحقيقة أن المادة 323 مكرر موازية للمادة 1316/1 من القانون المدني الفرنسي، والتي طرحت نفس الإشكال وثار جدل فقهي.
فكان لرأي القول أن موقع المادة في مقدمة باب الإثبات بالمحررات، هو قرينة أن المشرع قصد أن تكون المحررات الإلكترونية شاملة للرسمية منها والعرفية.
وذهب فريق ثاني أن المشرع قد قصر مجال إعماله في المحررات العرفية فقط، ذلك أن العقود الرسمية يشترط لصحتها حضور الضابط العمومي وتوقيعها، هذا الأخير هو الذي يمنحها الرسمية، والذي لا يمكن حضوره، إذا ما تعلق الأمر بالكتابة في الشكل الإلكتروني.
غير أنه من غير المستبعد أن نتصور الرسمية في المحررات الإلكترونية، كما يرى الأستاذ مولود قارة ذلك أن المادة 12 من قانون دبي للمعاملات الإلكترونية كرست تنظيم السند الرسمي بوسيلة إلكترونية مع اتخاذ توقيع وختم الموثق أو الضابط العمومي للشكل الإلكتروني، فالموثق أصبح له دور جديد بمراقبته صحة الوثائق الإلكترونية وحفظ أصولها بوضع توقيعه الإلكتروني وترتيبها رقميا وزمنيا، والمقصود هنا بالموثق الإلكتروني حسب المشرع الإماراتي هو مزود خدمات التصديق . 
وبذلك يمكن تصور المحرر الإلكتروني الرسمي ولن نطيل الحديث عن هذا الموضوع في هذا الفصل، لأنه سيكون محل مناقشة في الفصل الثاني.
أما عن المحررات العرفية، فقد كان موقف المشرع فيها واضحا، ناهيك عن المادة 323 مكرر، فقد تناول في المادة 327 تعديله متحدثا عن التوقيع الإلكتروني، باعتبار أن التوقيع هو ثاني ركن أساسي في الورقة العرفية بعد الكتابة الإلكترونية، والتي اعترف بها المشرع في المادة 323 مكرر. 
وبذلك نخلص للقول أن إدراج المشرع التعديل المذكور في المادة 323 مكرر ضمن القواعد العامة للإثبات قصد بها شمول الكتابة الإلكترونية للمحررات الرسمية منها والعرفية.
وتجدر الإشارة أن المشرع الجزائري قد نظم الإثبات الإلكتروني ضمن المحررات أو الإثبات بالكتابة، بمعنى أن باقي أدلة الإثبات قام باستبعادها من إقرار، ويمين وشهادة...... غير أن الإقرار إذا كان مكتوبا يصبح محرر لا يبتعد عن أحكام المادة 323 وما بعدها من القانون المدني.
وبذلك نكون قد حصرنا نطاق التعديل بأنه يشمل الحديث عن قواعد الإثبات بموجب المحررات، عرفية كانت أو رسمية.

المبحث الثاني:  التوقيع الالكتروني:
كان التوقيع الإلكتروني ومنذ اكتشاف الكتابة ولا زال حتى الآن هو الوسيلة الوحيدة التي تدعم الثقة في التعامل بين الناس، وبقولنا التوقيع، في البداية لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن القارئ سوى التوقيع التقليدي ، والذي لا يمكنه أن يكون إلا بخط اليد، غير أن التحول من المحسوس إلى الرقمي ، ومن الدعامة المادية إلى الدعامة الإلكترونية، فرض ضرورة إعادة النظر في المبادئ والقواعد التقليدية لقانون الإثبات، وخاصة بالنسبة للتوقيع الإلكتروني، فسارعت العديد من الدول ومن بينها الجزائر إلى إدخال تعديلات في تشريعاتها، بما جعلها تتبنى التوقيع الإلكتروني كدعامة في الإثبات الحديث، ولذلك كان من الواجب علينا التعريف بهذه الوسيلة التي أدخلها المشرع في القانون المدني، كتعديل دون أن يضبط مفهومها، ولنا ضبطه من خلال التشريعات المقارنة، وتناول صوره المختلفة، وكيفية تمام إنشائه، وبصورة أقرب من هي السلطات المخولة لمنحه؟ وسنحاول الإجابة على هذه الأسئلة متناولين ماهية التوقيع الإلكتروني، ثم السلطات المانحة له.


المطلب الأول:  ماهية التوقيع الالكتروني:

     وسنتطرق للحديث في هذا المطلب لمفهوم التوقيع الإلكتروني مارّين إلى أشكال وروده.
الفرع الأول: مفهوم التوقيع الإلكتروني:
      يتمثل التوقيع الإلكتروني في علامة شخصية خاصة ومميزة يضعها الشخص باسمه أو ببصمته، أو بأي وسيلة أخرى على مستند لإقرار والالتزام بمضمونه  وقد كان المشرع الجزائري في المادة 327 من القانون المدني قبل تعديله، يقصر التوقيع على الإمضاء فقط، غير أنه وبصدور القانون رقم 05-10، أضاف أشكالا جديدة لدعم موثوقية المحرر، إلى جانب التوقيع، بحديثه عن البصمة .
والإمضاء هو الكتابة المخطوطة بيد من تصدر منه، ويشمل الاسم كاملا أو مختصرا، كما يشمل كل إشارة أو اصطلاح خطي يختاره الشخص لنفسه بمحض إرادته للتعبير عن صدور المحرر منه، والموافقة على ما ورد فيه والالتزام بمضمونه، فهذا التوقيع بمفهومه التقليدي، فماذا عن التوقيع الإلكتروني؟ 
          وتعريفا به فسنتناول مفهومه عند الفقهاء وفي التشريعات المقارنة:
- فقد تناول قانون اليونسترال النموذجي بشأن التوقيع الإلكتروني، مفهومه في المادة الثانية (02) منه على أنه: << بيانات في شكل إلكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقيا، يجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات، ولبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة
في رسالة البيانات>>
- أما القانون الفيدرالي الأمريكي المتعلق بالتجارة الإلكترونية الصادر في 30/06/2000، فقد عرفه أنه عبارة عن << أصوات أو إشارات أو رموز، أو أي إجراء آخر يتصل منطقيا بنظام معالجة المعلومات إلكترونيا، ويقترن بتعاقد أو مستند أو محرر، ويستخدمه الشخص قاصدا التوقيع على المحرَر>>.
- أم التعليمة الأوربية المؤرخة في 13/12/1999، فقد عرفت في مادتها الثانية التوقيع الإلكتروني أنه عبارة عن << معلومات أو معطيات في شكل إلكتروني، ترتبط أو تتصل منطقيا بمعطيات إلكترونية أخرى، وتستخدم كوسيلة لإقرارها>>.
في حين سكتت المادة 1316/4 من القانون المدني الفرنسي عن تعريف التوقيع الإلكتروني، فعرفه المرسوم الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي في 30/03/2001 على أنه << مجموعة من البيانات تصدر عن شخص نتيجة للالتزام بالشروط الواردة في الفقـرة الثانيــة من المـادة 1316 من القانـون 
المدني >>.
أما المشرع الجزائري، فقد سكت عنه بالمرَة، واكتفى في الفقرة الثانية من المادة 327 بالنص على أنه ( يعتدَ بالتوقيع الإلكتروني وفق الشروط المذكورة في المادة 323 مكرر 1) .
غير أن مفهوم التوقيع الإلكتروني، لم تحدده التشريعات بدقة بقدر ما حدده أصحاب الشأن وأهل الخبرة في هذا المجال، فجاءت تعريفاتهم كما يلي:
فمنهم من عرفه أنه ملف رقمي صغير( شهادة رقمية) تصدر عن أحد الهيئات المتخصصة والمستقلة، ومعترف بها من الحكومة، وفي هذا الملف يتم تخزين الاسم وبعض المعلومات المهمة الأخرى مثل رقم التسلسل وتاريخ انتهاء الشهادة ومصدرها، وهي تحتوي عند تسليمها لك على مفتاحين، خاص وعام، والأول منهما هو التوقيع الإلكتروني المميز صاحبه عن بقية الناس، أما العام، فيتم نشره في الدليل وهو متاح لعامة الناس.
وهناك من عرفه أنه مجموعة من الرموز أو الأرقام أو الحروف الإلكترونية تدل على شخصية الموقع دون غيره                                                ومن التعاريف التي اقترحها الفقهاء بخصوص التوقيع الإلكتروني على أنه ( إتباع مجموعة من الإجراءات أو الوسائل التقنية التي يتاح استخدامها عن طريق الرمز أو الأرقام أو الشفرات، بقصد إخراج علامة مميزة لصاحب الرسالة التي نقلت إلكترونيا) .

الفرع الثاني: أنواع التواقيع الإلكترونية:
وقد حصر خبراء هذه التقنية أنواع التواقيع الإلكترونية في ثلاثة أصناف وهي:
أولا: التوقيع اليدوي: la signature numérique
يتم هذا التوقيع بواسطة الموقع نفسه الذي ينقل المستند الموقع منه يدويا إلى جهاز الماسح الضوئي (scanner)، فيقوم بقراءة وتصوير ونقل التوقيع كمجموعة رسوم بيانية تحفظ داخل جهاز الكمبيوتر، فيتحول إلى
توقيع إلكتروني، يمكن إضافته إلى الوثيقة المراد توقيعها، وتم تطوير هذا النوع من التوقيع باستخدام قلم إلكتروني حسابي يمكنه الكتابة على شاشة الحاسب الآلي، وذلك عن طريق استخدام برنامج خاص بذلك، يقوم بالتقاط التوقيع، والتحقق من صحته، وقبوله إذا كان صحيحا، ورفضه إذا كان غير ذلك .
ورغم قدرة هذه التقنية على تحويل التوقيع التقليدي إلى الشكل الإلكتروني، إلا أنه قد يؤدي إلى زعزعة الثقة لاستطاعة الشخص المستقبل الاحتفاظ بهذا التوقيع ووضعه على مستندات أخرى، وذلك بنفس الطريقة التي وضع بها هذا التوقيع.
ثانيا: التوقيع البيومتري: la signature biométrique
يعتمد هذا التوقيع على الخصائص الذاتية للإنسان  كالبصمة بواسطة الإصبع أو شبكة العين أو نبرة الصوت أو الحمض النووي الجيني، وغيرها من الخصائص الذاتية للإنسان.
وتتم هذه العملية عبر استعمال كمبيوتر وكاميرا وجهاز لقراءة البصمة فبتاريخ 14/08/2000 أدخلت شركة (litronic) نظام توقيع يعتمد على الخصائص البيولوجية للإنسان، فعندما يقوم شخص بتوقيع مستند إلكتروني، يتم التحقق من هويته عبر تلك الخصائص .
لكن هذه الآلية تعترضها عدة عقبات، لاحتمال تغير
بعض خصائص الإنسان بفعل الظروف، كتآكل بصمات الأصابع عبر الزمن أو بفعل بعض المهن اليدوية، أو تأثير التوتر على نبرة الصوت، وتشابه أشكال أوجه التوائم، لهذا فإن هذا النوع من التواقيع الإلكترونية نادر عبر شبكات الانترنيت.
ثالثا: التوقيع الرقمي:  la signature numérique ou digitale
وهو عبارة عن تشفير رقمي يعتمد على خوارزمات أو معادلات حسابية رياضية لضمان سرية المعلومات والاتصالات بطريقة آمنة، عبر تحويله إلى شكل غير مفهوم إلا من صاحب العلاقة، حيث يتم التوقيع الإلكتروني باستعمال مفتاح معين لتشفير الرسالة الإلكترونية، ثم يعمد مستقبل تلك الرسالة إلى فك التشفير بمفتاح الآخر للحصول على المعلومات المرسلة، فإذا ظهرت الرسالة بعد فك التشفير بصورة واضحة ومقروءة كان توقيع المرسل صحيحا، ويقوم هذا التوقيع الرقمي على استعمال تقنية مفتاحين أحدهما عام والثاني خاص، وهم عبارة عن بيانات معلوماتية رقمية متسلسلة ضخمة قد تصل إلى أكثر من 300 رقم.
وهذه المفاتيح تعتمد في الأساس على تحويل المحرر المكتوب من نمط الكتابة الرياضية إلى معادلة رياضية وتحويل التوقيع إلى أرقام، فبإضافة التوقيع إلى المحرر عن طريق الأرقام يستطيع الشخص قراءة المحرر والتصرف فيه، ولا يستطيع الغير التصرف فيه إلا عن طريق هذه الأرقام  ويصادق عليها من سلطة مختصة تصدر شهادة مصادقة للتوقيعات الإلكترونية، فالمفتاح الخاص يستعمل من صاحب التوقيع أما العام فيستعمل من الجميع، ويعتبر هذا التوقيع التقنية الأكثر شيوعا في الاستعمال بين الناس.
وهذا النوع من التواقيع، لا يمكن التعامل بموجبه إلا عن طريق وسيط والمتمثل في سلطات المصادقة، والتي ستكون محل بحثنا في المطلب الثاني.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك توقيع آخر يتم بواسطة الرمز السري، وذلك بإدخال بطاقة ممغنطة في آلة مناسبة، ثم إدخال الرقم السري والضغط على زر الموافقة لإتمام العملية المطلوبة، وهو التوقيع الأكثر شيوعا في الاستعمال في أجهزة الصرف الآلي، لدى المصارف للحصول على كشف حساب أو سحب مبالغ نقدية أو تحويلات مالية إلى حساب آخر.

المطلب الثاني:  كيفية استخدام التوقيع الالكتروني:

إن أهم ميزة يتصف بها التوقيع الإلكتروني عن التوقيع التقليدي، أنه ليس ناشئا بمحض إرادة الموقع، وبمعنى آخر أن التوقيع التقليدي هو من إنشاء صاحبه، فله الحرية في اختيار أي رمز يدل على اسمه أو لقبه خاص به، في حين أن التوقيع الإلكتروني لا يعتبر كذلك إلا إذا حصل عليه من السلطات المعنية، ووفقا للإجراءات المحددة.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري تحدث عن التوقيع الإلكتروني في القانون 05-10 كوسيلة جديدة للإثبات، ولم يعقب ذلك بتنظيمات ولوائح تبين شكل هذا التوقيع، وكيفية منحه، وفي انتظار ذلك، وفي رأينا أن المشرع الجزائري لن يخرج عن غيره من التشريعات المقارنة في تبني إجراءات منح واستعمال التوقيع الإلكتروني.
ولذا وأمام انعدام النص الجزائري المنظم لعملية التوقيع الإلكتروني، فسنتناول إجراءاته حسب التشريعات المقارنة، والتي وإن اختلفت فيما بينها في بعض الجزئيات، فإنها تتفق في الخطوط العريضة لكيفية العمل بهذه التقنية، بادئين بكيفية الحصول عليه، ثم الجهات المانحة له.

الفرع الأول: إجراءات الحصول على التوقيع الإلكتروني وتقنية عمله:
يمكن حصر إجراءات في الخطوات التالية:
1- للمعني والذي يريد التعامل عبر الوسائط الإلكترونية أن يتقدم إلى أحد الهيئات المتخصصة  في إصدار هذه الشهادات وذلك مقابل مبلغ معين من المال سنويا، وتتم مراجعة الأوراق والمستندات ومطابقة الهوية بواسطة بطاقة التعريف أو رخصة السياقة أو جواز السفر، سواء تم الحضور الشخصي أمام هذه الهيئات، أو يكفي إرسال الأوراق بالفاكس أو البريد.
2- يتم إصدار شهادة ومعها المفتاح العام والخاص للمستخدم الجديد.
3- عندما ترسل الرسالة الإلكترونية، يقوم المعني بتشفير الرسالة باستخدام المفتاح العام التابع للمستقبل أو المفتاح الخاص به، وفي كلتا الحالتين يرفق توقيعه الإلكتروني داخل الرسالة.
4- يرسل البرنامج الخاص بالمستقبل بإرسال نسخة من التوقيع الإلكتروني إلى الهيئة التي أصدرت الشهادة للتأكد من صحة التوقيع.
5- تقوم أجهزة الكمبيوتر المتخصصة في الهيئة بمراجعة قاعدة البيانات الخاص بها، ويتم التعرف على صحة التوقيع وتعاد النتيجة والمعلومات الخاصة بالشهادة إلى الأجهزة الخاصة بالهيئة مرة أخرى.
6- يتم إرسال المعلومات والنتيجة إلى المستقبل مرة أخرى ليتأكد من صحة وسلامة الرسالة.
7- يقوم المستقبل بقراءة الرسالة وذلك باستخدام مفتاحه الخاص إذا كان التشفير   قد تم على أساس رقمه الخاص أو بواسطة الرقم العام.



الفرع الثاني: سلطات المصادقة:
ربما من الملاحظ في إجراءات العمل بتقنية التوقيع الإلكتروني، نجد أن هناك وسيط دائما، سواء في الحصول على التوقيع الإلكتروني، أو في التعامل بمقتضاه، ألا وهي سلطات المصادقة.
وهي عبارة عن أشخاص طبيعية أو اعتبارية ترخص لها السلطات المختصة باعتماد التوقيع الإلكتروني  وسواء كانت هيئات عامة أو خاصة، فهي هيئات مستقلة وحيادية، وقد أجاز قانون اليونسترال النموذجي لسنة 2001 لسلطات المصادقة تقديم خدمات أخرى ذات صلة بالتواقيع الإلكترونية.
فمثلا في جمهورية مصر العربية: نص قانون التوقيع الإلكتروني على إنشاء هيئة لها الشخصية الاعتبارية العامة، يطلق عليها اسم هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، ونصت على تبعية هذه الهيئة لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على أن يكون مقرها بالجيزة، وفروعها في جميع أنحاء الجمهورية .
وهناك من دارسي القانون، من منح صفة الموثق لهذه السلطات، بما معناه حضورها في المعاملة الإلكترونية، يضفي عليها الصفة الرسمية .
وكما سبقت الإشارة فالمشرع الجزائري لم يأت بتنظيم جديد يبين تطبيقات تقنية التوقيع الإلكتروني، وينشئ سلطات المصادقة هذه، المانحة للشهادات، والمصادقة على صحة التوقيعات.
شهادة التصديق الإلكتروني:
هي الشهادة التي تصدرها جهات التصديق الإلكتروني المرخص لها بالعمل، ومضمونها الإقرار أن التوقيع الإلكتروني توقيع صحيح ينسب إلى من أصدره، ويستوفي الشروط والضوابط والمعايير الفنية والتقنية المنصوص عليها في القانون.
وقد عرفها قانون اليونسترال في المادة الثانية منه أنها تعني رسالة بيانات أو سجلا آخر،ويؤكد الارتباط بين الموقع وبيانات إنشاء التوقيع.
وعن القانون التونسي رقم 83 لسنة 2000، فعرفها أنها الوثيقة الإلكترونية المؤمنة بواسطة الإمضاء الإلكتروني للشخص الذي أصدرها، والذي يشهد من خلالها أثر المعاينة على صحة البيانات التي تتضمنها، وعليه يمكن حصر التزامات سلطات المصادقة في:
- الحماية والسلامة للتوقيع الإلكتروني، والتأكد من صحته.
- إعلام المتعاملين معها بطريقة استعمال خدماتها وكيفية إنشاء التواقيع الإلكترونية وتقديم النصائح.
- الالتزام بالسرية لحماية الحياة الخاصة من خلال حماية المعلومات التي حصلت عليها حول شخصية طالب الشهادة.
- ضمان صحة المعلومات وضمان كفايتها، وتأريخها، وتبويبها.....إلخ.
وهناك العديد من سلطات المصادقة على التواقيع الإلكترونية والمعترف بها على الصعيد الدولي منها:
M TRUST, WEB TRUST, ARINIC, TRADE VPI………
وكخلاصة عامة ننتهي إلى القول إلى أن التوقيع الإلكتروني:
1- غير مقتصر على التوقيع الخطي فقط، وإنما يشمل البصمة، وفي قراءة المادة 327 من القانون المدني المعدل نجد أنها أدخلت لصحة المحرر العرفي البصمة إلى جانب التوقيع، ففي هذه الحالة فالتوقيع الإلكتروني بالبصمة يدخل في باب التوقيع لا البصمة باعتبار أن البصمة الإلكترونية هي نوع من التواقيع الإلكترونية.
2- لا يتم التوقيع عبر وسيط مادي وإنما إلكتروني.
3- لزوم تدخل طرف ثالث ليقوم بدور الوسيط بين أطراف المعاملة، والذي يضفي الثقة والرسمية على المعاملة الإلكترونية والمتمثلة في سلطات المصادقة.

الفصل الثاني: الإثبات بالمحرر الالكتروني في ظل القانون 05/10:    


من أهم الظواهر التي برزت في العصر الحالي شيوع عمليات التجارة الإلكترونية عبر شبكة الانترنت و تنامي استخدام السندات والعقود الإلكترونية والتي تفرض التعامل بالمحرر الإلكتروني.
لكن لا زال هناك تردد في استخدام مثل هذه الوسيلة الحديثة الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى غياب منظومة تشريعية تقنن استعمالها أو تحدد بدقة قيمتها القانونية في حالة المنازعة أمام القضاء، وأمر بديهي أن نجد القوانين السارية المفعول تجهل التعامل فى الشكل الإلكتروني لأنه ولوقت قريب لم يكن الأشخاص يبرمون تصرفاتهم إلا في الشكل التقليدي باستعمال الأداة الورقية التي كانت تعد الوسيلة الوحيدة التي يصب فيها التصرف القانوني ويتم بها إثباته بين أطراف العلاقة والغير. 
لكن وأمام ظهور ما يسمى بالمحررات الإلكترونية بالمفهوم الذي أوضحناه بالتفصيل في الفصل الأول، أصبحت هناك ضرورة ألزمها التطور التكنولوجي لإدخال مثل هذه الوسائل في النظام القانوني للدولة والاعتراف بها كوسيلة لإبرام التصرفات القانونية والاستناد لها كأدلة إثبات، وفي إطار ذلك انطلقت حملات تشريعية في العديد من الدول استهدفت استيعاب هذه الوسائل الحديثة ومرجعيتها الأولية كانت قوانين اليونسيترال النموذجية (UNCITRAL ) التي أصدرتها لجان الأمم المتحدة محاولين بذلك ضبط ومعالجة المسائل القانونية التي أثارتها هذه الوسائل، ومن بينها قبول المحررات الإلكترونية كأدلة كتابية في الإثبات وحجيتها القانونية.
في إطار هذه العملية أصدرت بعض الدول قوانين مستقلة فيما ذهبت أخرى إلى إدخال تعديلات على قوانينها المتعلقة بالإثبات وهو ما انتهجه المشرع الجزائري بموجب القانون 05/10 المعدل و المتمم للقانون المدني والذي تطرق إلى المفهوم الجديد للكتابة المتضمن الكتابة في الشكل الإلكتروني كما أبرز بناءا على نص المادة 323 مكرر1 القيمة القانونية للمحررات الإلكترونية بأن أعطاها الحجية والقوة الثبوتية الكاملة مثلها مثل الأدلة الكتابية العادية.
غير أن الحجية الممنوحة للورقة في الشكل الإلكتروني لا تمنح بشكل تلقائي ذلك أن المحرر حتى يعتد به كدليل كتابي في الإثبات يجب أن تتوافر فيه شروط تضمن صحته ولقد أورد المشرع الجزائري شروطا لصحة المحررات في الشكل الإلكتروني حتى يعتد بها كدليل كتابي كامل إلا أن البيانات المتبادلة في إطار المعاملة الإلكترونية تتم بواسطة أجهزة مفتوحة للاستعمال العام كالإنترنيت مثلا مما يجعل الشكوك تدور حول مصداقية المعلومات الواردة بالمحرر الالكتروني ومدى إمكان توافر شروط الصحة المتطلبة فيه، الأمر الذي استلزم توفير وسائل تدعيم الثقة بهذا النوع من الأوراق وتساعد على توفير شروط صحته حتى يكتسب الحجية القانونية الممنوحة له حسب القانون 05/10.
لذلك ارتأينا معالجة هذا الفصل حسب التقسيم الآتي: 
المبحث الأول:  شروط صحة المحرر الإلكتروني.
المبحث الثاني:  وسائل حماية صحة المحرر الإلكتروني.
المبحث الثالث: حجية المحرر الإلكتروني في الإثبات.

المبحث الأول: شروط صحة المحرر الإلكتروني:

إن المحرر التقليدي تختلف حجيته بحسب وروده في شكل رسمي أو عرفي فالمحررات الرسمية هي ألأقوى في الإثبات من المحررات العرفية ، لذلك نجد لها شروطا تختلف بحسب نوع الورقة فهذه ألأخيرة حتى تكتسب الصفة الرسمية  و تكون حجة على الكافة بما ورد فيها لابد من صدورها من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة وذلك في حدود سلطته واختصاصه مع ضرورة مراعاة الأوضاع القانونية في تدوين الورقة من خلال التأكد من هوية وأهلية طرفي العلاقة وقيامه بإجراء عملية التوثيق، أما بالنسبة للمحررات العرفية فيشترط فيها الكتابة والتوقيع ممن صدر عنه.
لذلك فإنه من باب أولى أن المحررات الإلكترونية و التي يتم إنشاؤها في بيئة علمية خاصة تتميز بداءة بعدم الحضور الشخصي للأطراف فحتى يكون لمثل هذه المحررات الحجية الكاملة في الإثبات وإمكانية مساواتها بالمحررات التقليدية يجب توافر جملة من الشروط منها ما تم النص عليه صراحة بموجب القانون ومنها ما تفرضه الطبيعة الإلكترونية للمحرر فجاء نص المادة 323 مكرر 1 من القانون 05/10 مانحا للكتابة في الشكل الإلكتروني نفس الحجية المقررة للدليل الكتابي العادي لكن بشرط إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها وأن تكون معدة ومحفوظة في ظروف تضمن سلامتها، كما جاء نص الفقرة (02) من المادة 327 ليؤكد أن الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني يكون وفق الشروط المذكورة في المادة 323 مكرر 1.
         لكن الملاحظة الأولية على هذين النصين المستحدثين أنهما جاءا قاصرين، أين عالج المشرع المسألة بشكل عام دون توضيح. كما أقتصر الأمر على شرطين حتى أنه لا توجد إحالة إلى أي تنظيم يصدر لاحقا يفصل المسألة أكثر من الناحية التقنية وأمام انعدام فقه متأصل في مجال الإثبات بالوسائل الإلكترونية لحداثة الموضوع ارتأينا بيان الشروط الواجب توافرها حسب ما نصت عليه التشريعات المقارنة التي قطعت أشواط متقدمة في هذا المجال، وبيان موقف المشرع الجزائري على ضوءها. 
 

   المطلب الأول: شروط المحرر الإلكتروني:                 

في هذا الصدد لا نفرق بين المحررات الرسمية و المحررات العرفية، لأننا لسنا بصدد ورقة محررة أمام موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة وأخرى محررة بمعرفة الأطراف ولا تتضمن شكلية خاصة وهذا راجع لعدم وجود فرق بينهما على مستوى المعاملة الإلكترونية لورودهما بنفس الأشكال تقريبا. الأمر الذي ترتب عليه أن المحرر الإلكتروني مهما كان نوعه يجب أن تتوافر فيه نفس شروط الصحة والتي نوردها فيما ما يلي: 

ـ الفرع الأول : الكتابة القابلة للفهم و القراءة
          إن كانت مثل هذه المسألة لا تطرح إشكال على الإطلاق بالنسبة للمحررات العادية كونها أوراق مكتوبة بحروف اللغة الوطنية، في حين أن المحرر الإلكتروني يكون في شكل معادلات خوارزمية تنفذ من خلال عمليات إدخال البيانات وإخراجها من خلال شاشة الحاسوب ( ) ولعل المسألة تطرح أكثر إذا تعلق الأمر بالرسائل المشفرة(2) وعليه حتى يمكن اعتماد مثل هذه الأوراق في إثبات تصرف ما لا بد من استعمال نظم معالجة رقمية للمعلومات   تسمح بقراءة مضمون الرسالة وفهمها. 
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشرط نص عليه المشرع في القانون 05/10 بطريقة ضمنية من خلال نصه في المادة 323 مكرر على أنه:" ينتج الإثبات بالكتابة من تسلســل حروف أو أوصاف أو أرقــام أو أيــة علامات أو رموز ذات معنى مفهوم مهما كانت الوسيلة التي تتضمنها وكذا طرق إرسالها ".
   الفرع الثاني : التوقيع والتوثيق:
    إن شرط التوقيع وإن لم ينص عليه التعديل نستند فيه على القواعد العامة المقررة بموجب قواعد الإثبات والتي تشترط لصحة المحرر العرفي توقيعه ممن صدر عنه التصرف، كما يشترط في المحرر الرسمي اشتماله على توقيعات الأطراف والموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة.
وفيما يتعلق بالتوثيق فهي مسألة مرتبطة أساسا بالتوقيع الإلكتروني فهي شرط من شروط صحته لذلك نرجئ الحديث عنها إلى المطلب الثاني.   
الفرع الثالث: إمكانية الاحتفاظ بالمحرر الإلكتروني 
               في الشكل الأصلي المتفـق عليه:
نص المشرع الجزائري على أن تكون الكتابة في الشكل الإلكتروني معدة ومحفوظة في ظروف تضمن سلامتها. كما تم النص على هذا الشرط في المادة (08) الثامنة من قانون اليونسيترال النموذجي والقوانين العربية للتجارة الالكترونية( ) حيث تؤكد هذه النصوص على سلامة المعلومات الواردة في المحرر الإلكتروني دون أن يلحقها أي تغيير، لذلك نجد أن غالبية القوانين الحديثة الصادرة في هذا المجال نصت على وجوب  اعتماد سجل إلكتروني ( ) يتم حفظه ضمن أوعية إلكترونية وفق ما نص عليه القانون أو اتفق عليه الأطراف بهدف توفير إمكانية الإطلاع على المعلومات الواردة بالسجل من الأشخاص المخول لهم ذلك ومنهم القاضي في حالة وجود منازعة حول المحرر وأحسن طريقة لتوافر هذه الشروط في السجل الالكتروني واكتسابه الحجية اللازمة في الإثبات هو تعيين جهة محايدة تتولى مباشرته ومتابعته( )ومن الوسائل التي يتم الاحتفاظ بالمحررات والأوراق الإلكترونية على متنها نجد الشريط المغناطيسي، شبكة الانترنيت، الأقراص المرنة (Les disquettes) ( )، الأقراص المضغوطة (CD) والقرص الصلب (( Hard disk  وغيرها والملاحظ أن القوانين التي نظمت المسألة تجنبت تحديد وسائل الحفظ وذلك بهدف ترك المجال مفتوحا أمام وسائل التكنولوجيا التي قد تظهر مستقبلا.


   الفرع الرابع : إمكانية استرجاع المحررات الإلكترونية المحفوظة:      
هذا الشرط الرابع مرتبط بالشرط السابق ذلك أن عملية حفظ المحررات في الوعاء الإلكتروني تتم بالشكل التقني الذي يسمح بالإطلاع عليها عند الحاجة أو طبع نسخ عنها.
ومن خلال عرض هذه الشروط نلاحظ جليا مدى القصور الذي يشوب المواد التي جاء بها تعديل القانون المدني بموجب القانون 05/10 بحيث اكتفى بتقرير أفكار ومبادئ عامة في موضوع يحتاج إلى تدقيق سواء لضبط المسألة من الناحية القانونية أومن الناحية التقنية عكس التشريعات الأخرى العربية منها والغربية التي نظمت استخدام الوسائل التقنية بموجب قوانين خاصة محاولة استيعاب الموضوع من كل الزوايا القانونية ولعل السبب يرجع إلى حذر المشرع من فتح الباب أمام هذا النوع الحديث من المعاملات نظرا لعدم استقرار المفاهيم القانونية المتعلقة بها وفضل إدخال تعديل مبدئي في انتظار تشريع شامل للمسألة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المجتمع الجزائري لم يصل بعد إلى استعمال هذا النوع من التكنولوجيا في تصرفاته القانونية لعدم تمكنه من وسائل التطور وقلة الثقة في المعاملة الإلكترونية.
لكن هذا الوضع لم يكن يمنع المشرع من ترك المجال مفتوحا على الأقل أمام المراسيم التنظيمية سيما الوزارة المختصة بالاتصال والإعلام تمهيدا لوضع حلول قانونية لنزاعات قضائية قد تطرح على جهاز العدالة خصوصا مع فتح السوق الوطنية على الاستثمار الأجنبي.

المطلب الثاني: شروط صحة التوقيع الإلكتروني:                

إن الأهمية التي يكتسيها التوقيع الإلكتروني في مجال تدعيم الحجية القانونية للمحرر الإلكتروني تفوق بكثير تلك التي يتمتع بها التوقيع الخطي ذلك أن هذا الأخير أهميته تظهر بالنسبة للمحرر العرفي في حين أن التوقيع الإلكتروني يدعم الثقة ويوثق الورقة العرفية والرسمية على حد سواء وذلك بسبب غياب الموظف العام على الأقل حاليا لأن القوانين المنظمة لعمل الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة كالموثق تجهل بعد التصديق في الشكل الإلكتروني. مما أدى إلى ظهور مفهوم آخر للتوثيق بحيث أصبحت جهات المصادقة التي تنشئها الدول تتولى عملية منح توقيع إلكتروني يتوافر على جملة شروط تضمن صحته. وتقوم بعد ذلك بمنح شهادة مصادقة على صحة التوقيع المستعمل في التعبير عن إرادة الموقع في إبرام التصرف القانوني.
وقبل التطرق لهذه الشروط بنوع من التفصيل بداءة نقول أن الإحالة التي نص عليها المشرع بموجب المادة 327/فقرة 2 المستحدثة على الشروط الواردة بالمادة 323 مكرر 1 فيما يتعلق بصحة التوقيع الإلكتروني هي إحالة غير صائبة في نظرنا، ذلك أن هذا الأخير أكثر تعقيدا وخصوصية من الكتابة التي يتضمنها المحرر الإلكتروني لكونه وسيلة التعبير عن إرادة إبرام التصرف مما يجعل مسألة قبوله كدليل كتابي كامل تستلزم شروط أخرى إضافة إلى تلك المتطلبة في الكتابة منها ما هو مستنبط من التوقيع العادي و منها ما نصت عليه المادة 323 مكرر 1 ومنها ما هو تقني ومنها ما يتعلق بجانب المعلومة الإلكترونية وفيما يلي نحاول بيان هذه الشروط( ): 
- الفرع الأول: أن يكون متميزا ومرتبطا بشخص صاحبه:    
    يعتبر التوقيع التقليدي علامة شخصية و مميزة لصاحبه فكذلك التوقيع الإلكتروني هو علامة مميزة وخاصة بشخص واحد دون غيره لارتباطه بمفتاح عام وخاص متعلق بذلك التوقيع دون غيره فالجهات المعتمدة لمنح التوقيعات الإلكترونية تمنح توقيعا إلى شخص الطالب ويكون متمتعا بخصائص رقمية أو بيولوجية تتصل بالموقع كقزحية العين أو نبرة الصوت وغيرها.
- الفرع الثاني : أن يكون كافيا لتحديد هوية صاحبه:
   يجب أن يكون التوقيع الإلكتروني كافيا لتحديد هوية الموقع على الرسالة الإلكترونية،وذلك من خلال الرجوع إلى الهيئات المتخصصة بالتصديق فكما رأينا سابقا أنه عند طلب توقيع إلكتروني تقوم الهيئة المتعمدة بمرجعة الأوراق والوثائق ومطابقة الهوية بواسطة جواز سفر أو رخصة قيادة وفي بعض الحالات يطلب من الشخص الحضور شخصيا للمقر. وعند استخدام الشخص لتوقيعه في عملية ما يتم التأكد من صحته لدى هذه الجهة التي تراجع أجهزتها قاعدة البيانات الخاصة بالتوقيع الإلكتروني المعني.
 والمثال على ذلك التوقيع بالرقم السري في بطاقات الصراف الآلي الذي بمجرد إدخاله في جهاز الصراف يتعرف عليه ويدخل الشخص الموقع لحسابه وعملية تحديد هوية مبرم التصرف القانوني أمر مهم خاصة في مجال الوفاء بالالتزامات العقدية ليتم تحديد أهلية صاحب التوقيع فلا يمكن تصور منح شخص عديم الأهلية أو ناقصها توقيعا إلكترونيا كما يجب تحديد من يتحل المسؤولية عند الإخلال بالالتزامات المتفق علبها ( ).
  وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض القوانين ( ) التي وضعت قرينة قانونية تعتبر فيها التوقيع الإلكتروني الموثق بشهادة المصادقة صادر عن الشخص المنسوب إليه ومحدد لشخصيته ودال على موافقته على مضمون المحرر الإلكتروني الموقع عليه وذلك إلى غاية إثبات العكس.       
- الفرع الثالث : سيطرة صاحب التوقيع على منظومة التوقيع:                    
     يجب على صاحب التوقيع الإلكتروني أن يكون حريصا على تأمينه و حمايته بحيث لا يستطيع أي شخص معرفة فك رموزه أو شفرته وذلك باعتماد بصمة إلكترونية أو استعمال نظام تشفير وهو ما يقابله في التوقيع التقليدي البصمة البيولوجية وعُقد التوقيع الخطي والختم الخاص بالموقع ( ).
- الفرع الرابع : ارتباط التوقيع الإلكتروني بالمحرر ارتباطا وثيقا :   
 معنى ذلك ضرورة تكامل البيانات المتعلقة به بحيث يكون أي تغيير يلحق رسالة البيانات أو المحرر الإلكتروني بعد توقيعه قابلا للكشف بحيث أن تعديل أحدهما يؤدي إلى تعديل الآخر ولا يمكن بالتالي فك الشفرة.
- الفرع الخامس:  التوثيق:
مجموعة من الإجراءات التي يتم تحديدها من قبل الأطراف بهدف التحقق من أن التوقيع الإلكتروني قد تم تنفيذه من قبل شخص معين، وذلك باستخدام مختلف الوسائل بما فيها وسائل التحليل على الرموز والكلمات والأرقام وفك التشفير وأي وسيلة تحقق أمان التوقيع .( )  
          إن إصدار أي محرر إلكتروني مهما كان لا بد من القيام بتوثيقه لدى جهة معتمدة يتم تحديدها من قبل الحكومة ( ) تتولى – كما سبق بيانه- إعطاء شهادات مصادقة وذلك بعد تأكدها من مطابقة التوقيع الإلكتروني وصحته وبمنح هذه الشهادة يصبح للتوقيع الحجية القانونية في مواجهة أطرافه والغير من تاريخ ثبوت تاريخ التوثيق. 
      بعد إتمام إجراءات التوثيق يتم منح صاحب المحرر الإلكتروني رمز التعريف الشخصي الخاص بهذا المحرر من طرف نفس الهيئة الموثقة ويستفاد من هذا الرمز إمكانية التمييز المحرر من غيره. ويتم استخدامه من قبل الشخص المرسل إليه.
ويجدر التنويه إلى مسألة توثيق المحررات الإلكترونية الرسمية فأمام إطلاق المشرع لنطاق اعتماد المحررات في الشكل الإلكتروني وقبولها كدليل كتابي في الإثبات وعدم ورود أي استثناءات عكس بعض القوانين من جهة ومن جهة أخرى عدم معرفة قانون التوثيق الجزائري حتى بموجب آخر تعديل لما يسمى بالموثق الالكتروني Notaire- électronique . في الحقيقة أن هذه المسألة تخف حدة طرحها بالنسبة للدول التي وضعت تشريعات نظمت بموجبها الهيئات المكلفة بمنح وتوثيق التوقيع الإلكتروني والتي اعتبرت سواء صراحة أو ضمنا أن الموثق الإلكتروني يقصد به مزود خدمات التصديق ( ) لذلك نقول أن هناك فراغا كبيرا في قانوننا الحالي فالمشرع الجزائري لم ينظم هيئات المصادقة ولم يبين الجهة المكلفة بتحديدها، مما يجعل من النصوص المستحدثة في ظل القانون 05/10 تحمل بذور جمودها إذ لا يتصور ثقة الأفراد في وسيلة لا توفر أدنى ضمان هذا في المحررات العرفية فما بال المحررات الرسمية الأمر الذي يحد من تفعيل هذه النصوص بشكلها الحالي.
المبحث الثاني: وسائل حماية صحة المحرر الإلكتروني 
                    (أمن المعلومات الإلكترونية): 
     مصداقية الوثيقة الإلكترونية من المسائل التي يبني عليها القاضي اقتناعه بالمحرر كدليل كامل في الإثبات ومنحه الحجية القانونية المقررة. غير أن المحررات التقنية الحديثة تتصف بخصوصية ألا وهي تبادلها بين أطراف العلاقة عبر وسيلة من وسائل المعلوماتية كشبكة الانترنيت التي تعد مفتوحة على الاستعمال غير المحدد. مما يجعل البيانات التي تتضمنها هذه الوثائق معرضة للتغيير أو التحريف أو التزييف خاصة وأننا بّينا فيما يتعلق بشروط صحة المحرر الإلكتروني أن توافرها غالبا باستخدام تقنيات تكنولوجية متطورة توفر الأمان، لكن مجرمي المعلوماتية دائما يجدون ثغرة أمنية في هذه الوسائل لاختراقها والتلاعب ببياناتها لذلك فالمحررات الحديثة الشكل تحتاج إلى وسائل لتوفير حماية وأمن للمعلومات الواردة كما تحتاج إلى تجريم الأفعال المرتبطة بتزييف أو تحريف أو تغيير مهما يكن شكله في مضمونها.
لذلك ارتأينا أن نبحث في هذه الجزئية وذلك من خلال بيان السبل التقنية والقانونية التي يمكن أن توفر الأمن للمعلومة الإلكترونية وذلك مع إبراز حدود معالجة المشرع الجزائري للموضوع.  
 المطلب الأول: الحلول التقنية لحماية أمن المعلومات (الحماية القبلية):
      أمام المخاطر التي تقف عقبة في تنامي التبادل في الشكل الإلكتروني حاول المختصون في مجال الإعلام الآلي تطوير الوسائل والنظم المستعملة في تبادل الوثائق عبر شبكات المعلوماتية لضمان الحفاظ على مضمون الرسالة كما تم إنشاؤها أصلا و إعدادها في ظروف تضمن سلامتها. وهناك العديد من الوسائل لكن من بين الأكثر نجاعة نجد نظام التشفير الذي يبنى على معادلات رياضية وكذا البصمة الإلكترونية و التي تعد أسلوب متطور يعتمد على التشفير أساسا، لذلك نتطرق للتشفير بشيء من التفصيل ثم نشير إلى البصمة الإلكترونية باعتبارها أحدث ما تم التوصل إليه في عالم التشفير من حيث توفير الأمن التقني للمعلومة.  
     الفرع الأول: نظام التشفير               
      التشفير هو أحد فروع العلوم الرياضية ومر بمراحل من التطور وكان استخدامه محصورا في الأغراض الحكومية والعسكرية وأصبح الآن يدخل في الكثير من نظم المعلومات و الشبكات ( ) ولمعرفة درجة الأمان ومدى المصداقية التي توفرها هذه الوسيلة نحاول تحديد مفهوم التشفير وطرقه ومدى مشروعيته من الناحية القانونية وتأثيره على حجية الدليل الإلكتروني في الإثبات في ظل القانون 05/10



  أولا: تعريف التشفير:
      انفرد المشرع التونسي ( ) بتعريفه للتشفير صراحة حيث نص أنه " استعمال رموز وإشارات غير متداولة تصبح بمقتضيات المعلومات المرغوب تحريرها أو إرسالها غير قابلة للفهم من قبل الغير أو استعمال رموز وإشارات لا يمكن وصول المعلومة دونها. كما تضمن مشروع قانون المعاملات الإلكترونية المصري الصادر عام 2001 تعريفا للتشفير يقوم تقريبا على نفس العناصر ( )
     أما بالنسبة للفقه فقد عرّف البعض التشفير أنه " عملية تحويل النص إلى رموز وإشارات غير مفهومة تبدو غير ذات معنى لمنع الغير من الإطلاع عليها إلاّ الأشخاص المرخص لهم بالإطلاع على النص المشفر وفهمه".
   ثانيا: طرق التشفير:
      آلية التشفير تتم من خلال نوعي: التشفير التماثلي وغير التماثلي وفيما يلي سنحاول بيان سمة كل نوع:
- ( أ ) – التشفير المتماثل (المفتاح العام ) :
      هذا النوع يستخدم فيه كل من مرسل البيانات ومستقبلها المفتاح الخاص المعد بين طرفي العلاقة ليتم التشفير من خلاله ويتم فك الشفرة بنفس المفتاح ويتم الاتفاق على كلمة مرور والتي في حال إدخالها يتم تحويل عبارة المرور إلى عدد ثنائي يتم فهمها من قبل أجهزة الحاسب الآلي ويضاف بعد ذلك رموز أخرى لزيادة طولها ويشكل العدد الثنائي مفتاح تشفير الرسالة الذي يستخدم لفكه مستقبلا ولإعادة الرسالة إلى شكلها الأصلي المفهوم نستخدم كلمة المرور المعتمدة في العملية ( ).
- هذا النوع من التشفير تم اعتماده في البنوك لتشغيل آلات الصراف الآلي    ومن عيوبه تبادل المفتاح السري نفسه بين الطرفين مما يسهل الحصول عليه.
- ( ب )- التشفير اللامتماثل ( المفتاح العام و الخاص ): 
       نظرا لعيوب النوع الأول عوض بنوع آخر يتم فيه استخدام مفتاحين المفتاح الخاص يكون معروفا لدى المرسل أما المفتاح العام فيكون معروف لدى الغير و يستطيع المفتاح العام فك شيفرة الرسالة التي تم تشفيرها بالمفتاح الخاص بذلك ويمكن استخدامه أيضا لتشفير رسائل مالك المفتاح الخاص ولكن ليس بالإمكان استخدام المفتاح العام لفك شيفرة رسالة مشفرة فمالك المفتاح الخاص وحده يمكنه ذلك.
     ويعاب على هذا النوع من التشفير استغراقه وقتا أكثر من الأول للقيام بعملية التشفير أو فكّها، كما لا يتمتع بدرجة عالية من الآمان.
ثالثا : مشروعية تشفير بيانات المحرر الإلكتروني 
             وتأثيره على حجيته في الإثبات:
       بعد أن تم تحديد مفهوم التشفير و الطرق التي تتم بها العملية اتضح أنه بموجبه يتم استعمال معادلات رياضية ينجم عنها جعل المحرر الإلكتروني غير مفهوم ومعناه غير واضح.
      ومن المقرر أن الدليل حتى يعتمد عليه لا بد أن يكون واضح و قابل للقراءة عند الحاجة لذلك فإن مسألة تشفير الرسالة الإلكترونية تحتاج  إلى نص قانوني يسمح بها ومن خلال استقراء المواد 323 مكرر، 323 مكرر 1 و327 فقرة 2 نجد أن المشرع الجزائري لم يقر باستعمال التشفير صراحة ولكن عالج المسألة بطريقة ضمنية وذلك نستشفه من نقطتين: 
- 1 – اشتراطه إعداد الكتابة في الشكل الإلكتروني وحفظها في ظروف تضمن سلامتها ( المادة 323 مكرر 1 ) ودونما تحديد للطريقة التي ترسل بموجبها   ( المادة 323 مكرر ).
- 2 – اعتداده بالتوقيع الإلكتروني والذي يرتكز أساسا على عملية التشفير        و ذلك بتحويل التوقيع إلى رموز وإشارات تعبر عن الموقع وتحدد شخصيته وذلك باستعمال التشفير اللاتماثلي.
         وعليه أمكن القول أنه في ظل القانون المدني التشفير تمت معالجته قانونا بطريقة غير مباشرة عكس ما فعل المشرع التونسي الذي ذهب أبعد من الإقرار بمشروعية تشفير البيانات بل أوقع عقوبات جزائية على الاستعمال غير المشروع لعناصر التشفير ( ).
  أما بالنسبة لحجية الرسالة المشفرة في الإثبات فالتساؤل يطرح عن إمكانية اعتبار النص المشفر محررا إلكترونيا يعتمد كدليل في الإثبات والسبب في ذلك أن من خصوصيته أنه غير مفهوم وغير قابل للقراءة والتي هي من الشروط الواجب توافرها – كما سبق بيانه- في المحرر الإلكتروني حتى يعتبر صحيحا ويقبل كدليل إثبات لكن نعتقد حسب رأينا أن التشفير وضع لمنع أي تغيير أو تعديل لمضمون الرسالة من طرف الغير وليس في مواجهة الأطراف  المرخص لها بالإطلاع على الرسالة وتملك مفتاحا خاصا لفك الشفرة وإرجاع الرسالة إلى شكلها الأصلي المفهوم والواضح .
الفرع الثاني : البصمة الإلكترونية:
      يعد التشفير من وسائل الأمان التقنية التي تستعمل لحماية المحرر الإلكتروني بكافة عناصره من كتابة وتوقيع إلكترونيين، غير أن هناك وسيلة أخرى لكن تتعلق بالتوقيع الإلكتروني و هي البصمة الإلكترونية والتي تعد أحد صوره و يتم اشتقاقها وفقا لخوارزميات معينة تدعى إقترانات التمويه وتتكون من بيانات لها طول ثابت يتراوح عادة بين 128 و160 Bit وتستطيع هذه البصمة تمييز الرسالة الأصلية فأي تغيير فيها يفضي إلى بصمة مختلفة تماما وتستخدم البصمة الإلكترونية كثيرا في إنشاء التوقيعات الرقمية، فهي إلى جانب ضمان الرسالة فهي تمنع المرسل من التنكر للمعلومات التي أرسلها.

المطلب الثاني: الوقاية البعدية للإثبات بالمحررات الإلكترونية (الردع الجزائي)
تحدثنا في المطلب الأول عن الوسائل التقنية التي وفرها العلم لدعم موثوقية الإثبات بالمحرر الإلكتروني من تشفير وبصمة إلكترونية، غير أنه قد يحدث وأن يقم تجاوز هذه الوسائل، وهنا يأتي دور المشرع في المتابعة،فما مدى تنظيم التشريعات المقارنة والتشريع الجزائري  لجرائم التحوير والتغيير في المحررات الإلكترونية.
الفرع الأول: الحماية الجزائية للمحررات الالكترونية في التشريعات المقارنة:
لقد عمدت التشريعات المقارنة إلى تنظيم مسألة الحماية الجزائية، فتضمن قوانينها الجزائية بنصوص تعاقب على التحوير والتغيير.
وأهم تشريع تناول ذلك هو القانون رقم 15 لسنة 2004 والمنظم للتوقيع الالكتروني، والخاص بجمهورية مصر العربية، فجاء في نص المادة 23 بالعقاب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من:
1- أصدر شهادة تصديق إلكتروني دون الحصول على ترخيص بمزاولة النشاط من الهيئة.
2- أتلف أو عيب توقيعا أو وسيطا محررا إلكترونيا أو زور شيئا من ذلك بطريق الاصطناع أو التعديل أو التحويل أو بأي طرق أخرى.
3- استعمل توقيعا أو وسيطا أو محررا إلكترونيا معيبا أو مزورا مع علمه بذلك.
4- توصل بأية وسيلة إلى الحصول بغير حق على توقيع أو وسيط أو محرر إلكتروني، أو اخترق هذا الوسيط أو اعترضه أو عطله عن أداء وظيفته.
وقد ضاعف المشرع المصري العقوبة في حالة العود  أما قانون المعاملات والتجارة الالكترونية رقم 02 لسنة 2002 الخاص بدولة الإمارات العربية المتحدة فقد عاقبت المادة (29) منه بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أنشأ أو نشر عن معرفة أو وفر أية شهادة أو بيانات غير صحيحة لأي غرض احتيالي أو أي غرض غير مشروع.
كما عاقبت المادة 30 من نفس القانون كل من قدم متعمدا بيانات غير صحيحة عن هويته أو تفويضه إلى مزود خدمات التصديق بغرض طلب استصدار أو إلغاء أو إيقاف شهادة.
وعن القانون البحريني للتوقيع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية الصادر بتاريخ 14/09/2002، فقد عاقب في مادته (24) بالسجن لمدة لا تزيد عن 10 سنوات، وغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل:
1- نسخ أو حيازة أو إعادة تكوين أداة إنشاء توقيع إلكتروني لشخص آخر أو الدخول على أداة إنشاء هذا التوقيع دون تفويض بذلك من هذا الشخص أو بسوء نية.
2- تعريف أو تغيير أو استعمال أو إفشاء أداة إنشاء توقيع إلكتروني لشخص آخر دون تفويض منه بذلك،أو بما يجاوز حدود هذا التفويض.
3- إنشاء أو نشر أو تحريف أو استعمال شهادة أو توقيع إلكتروني لغرض احتيالي أو لأي غرض غير مشروع.
4- انتحال هوية شخص آخر، أو الادعاء زورا بأنه مفوض منه من قبله في طلب الحصول على شهادة أو قبولها أو طلب تعليق العمل بها أو إلغائها.
5- نشر شهادة أو وضعها في متناول أي شخص يحتمل أن يعتمد عليها أو على توقيع إلكتروني وارد بها من خلال الاستناد لأية بيانات مدرجة بهذه الشهادة مثل الرموز أو كلمات السر أو لوغريتمات أو مفاتيح التشفير العامة أو أية بيانات تستعمل لأغراض التحقق من صحة التوقيع الإلكتروني.
- وقد عاقب المشرع التونسي على الجرائم المتعلقة بالتوقيع الإلكتروني والمصادقة والتوثق منه في الفصل الثالث والأربعون (43) وما بعده، وأهمها ما ورد في الفصل (48) في المعاقبة على كل استعمال غير مشروع لعناصر تشفير شخصية متعلقة بإمضاء غيره، وذلك بالسجن لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى عامين وغرامة من 1000 إلى 10.000 دينار تونسي أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- وعن قانون اليونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية لم يتناول الحديث عن الخروقات، وكذلك العقوبات المقررة في مجال الاعتداء على التوقيع الإلكتروني واكتفى بضبط اشتراطات الحصول على التوقيع الإلكتروني والتزامات أطراف هذه التقنية تاركا المجال للتشريعات الداخلية لضبط الجرائم التي تعاقب عليها .
الفرع الثاني: مدى تنظيم المشرع الجزائري للمسألة:
بالرجوع إلى أحكام القانون المدني بعد تعديلها بموجب القانون رقم 05-10 الصادر بتاريخ 20 يونيو2005 والذي تناول في باب الإثبات الحديث عن الكتابة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني، من خلال المواد من 323 مكرر إلى 327 منه.
غير أن المشرع الجزائري لم يعقب هذا التعديل، بقانون أو مرسوم يفسر كيفية العمل بهذه التقنية، وكيفية الحصول عليه -على خلاف معظم التشريعات العربية- ولعل أن هذا الفراغ القانوني، يتسبب في عرقلة وقتية للعمل بهذه التقنية.
وفي رأينا أن المشرع بإدخاله للتعديلات الواردة في القانون المدني دون ضبط تقنيات العمل بها، أراد من ورائه التصدي إلى بعض الحالات التي عرضت على القضاء بشأن المعاملات الإلكترونية، فجاء التعديل كخطوة أولية للتصرف في هذه القضايا، أما التعامل بمقتضى هذه التقنية يبقى موقوفا إلى حين صدور التنظيمات واللوائح المتعلقة به.
وفي انتظار ذلك، نتصفح النصوص والقوانين المتفرقة والتي كرست الحماية الجزائية في مجال المعلوماتية:
1- الأمر رقم 97/10 المعدل والمتمم بالأمر 03-05 والمتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة:
فمن خلال هاذين الأمرين نجد أن المشرع قد وسع قائمة المؤلفات المحمية، حيث أدمج تطبيقات الإعلام الآلي ضمن المصنفات الأصلية وعبر عنها بمصنفات  قواعد البيانات وبرامج الإعلام الآلي .
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المستجدات التي اعتمدها المشرع الجزائري تعود لأسباب أهمها أن من شروط الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة هو المصادقة على اتفاقية (بارن) وهو ما قامت به الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي 97/341 .
كما أن المادة 151 من الأمر 03-05 عاقبت عن جنحة التقليد لهذه المصنفات بنصها عن:
- الكشف غير المشروع عن مصنف أو أداء فني.
- المساس بسلامة مصنف أو أداء فني.
- استنساخ مصنف أو أداء بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مقلدة أو مزورة.
- استيراد نسخ مقلدة أو تصديرها.
- بيع نسخ مزورة من مصنف أو أداء فني.
- تأجير مصنف أو أداء فني أو عرضه للتداول.
وعلى اثر ذلك جاءت العقوبات بمقتضى الأمر 03/05 وهي الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 500.000 لإلى 1.000.000 دج.
ورغم اعتراف المشرع الجزائري لبرامج الإعلام الآلي وقواعد البيانات بصفة المصنف المحمي إلا أنه لا يخفى علينا أن الحماية الجزائية للبرامج من خلال حق المؤلف تنصب بصفة أساسية على شكل البرنامج أو مضمونه الابتكاري فقط دون أن تغطي تلك الحماية كل مضمون البرنامج، ولهذا السبب كان من الضروري البحث على نوع آخر من الحماية ينضم الى الحماية السابقة من الحماية الجزائية لهذه البرامج في مثل هذه الحالات، ولذلك فلا مفر من ضرورة اللجوء إلى استحداث نصوص تجريبية خاصة بالمعلوماتية 
2- القانون رقم 04-15 المعدل والمتمم لقانون العقوبات والمتعلق بنظام المعالجة الآلية  للمعطيات: 
وتجدر الإشارة أولا إلى أن هذا القانون جاء سابقا على التعديل الوارد في القانون المدني والمتضمن الحديث عن المحررات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني.
وقد اكتفى هذا القانون بالعقاب على المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، والذي عرفه الفقه الفرنسي أنه كل مركب يتكون من وحدة أو مجموعة وحدات معالجة التي تتكون كل منها من الذاكرة والبرامج والمعطيات وأجهزة الإدخال والإخراج وأجهزة الربط التي يربط بينها مجموعة من العلاقات التي عن طريقها تحقق نتيجة معينة وهي معالجة المعطيات على أن يكون هذا المركب خاضع لنظام الحماية الفنية                                                         وبالتالي فالمصلحة التي يريد حمايتها المشرع من تجريمه للاعتداء على نظام المعالجة الآلية للمعطيات هي هذا النظام في حد ذاته  وعليه لا يمكن لهذه النصوص لتتسع لتشمل ما ورد في القانون المدني من تعديلات، أو بالأحرى لا يمكن لها أن تحقق لها الحماية الجزائية والردعية لكل معتدٍ على هذه التقنية.
ولكن لا بأس أن نشير إلى ما أورده المشرع في هذا الباب، فبمقتضى المادة 394 مكرر من قانون العقوبات عاقب المشرع على الدخول والبقاء عن طريق الغش في كل جزء من منظومة المعالجة الآلية للمعطيات أو حاول ذلك، وذلك بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وغرامة من 50.000 دج إلى 100.000 دج، وضاعف العقوبة إذا ترتب عن ذلك حذف أو تغيير لمعطيات المنظومة وإذا تم تخريبها تكون العقوبة الحبس من 6 أشهر إلى سنتين وغرامة من 50.000 دج إلى 150.000 دج.
- أما المادة 394 مكرر1 عاقبت على كل من أدخل بطريق الغش معطيات في نظام المعالجة الآلية أو زال أو عدل بطريق الغش المعطيات التي يتضمنها وقد عاقبت المادة 394 مكرر2 على:
1- كل تصميم أو بحث أو تجميع أو توفير أو نشر أو الاتجار في معطيات مخزنة أو معالجة أو مرسلة عن طريق منظومة معلوماتية يمكن أن ترتكب بها الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم.
2- حيازة أو إفشاء أو نشر أو استعمال لأي غرض كان المعطيات المتحصل عليها في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم.
وأمام هذا القصور النسبي لنصوص القانون في مجال المعلوماتية، وجب على المشرع، تحيين نصوص قانون العقوبات بما يتوافق مع القانون المدني إذ أن نصوص الملكية الفكرية ونظام المعالجة الآلية لم يتحدث عن الانتهاكات التي يمكن أن تقع على التوقيع الالكتروني والمحررات الالكترونية كوسيلة للإثبات.
وفي انتظار ذلك، نحاول من خلال بحثنا هذا المقاربة بين نصوص التزوير في المحررات التقليدية والتزوير في المحررات الالكترونية.
3- نصوص التزوير في قانون العقوبات:
إن التشكيك في مصداقية المحررات في الإثبات لا تكون إلا بالطعن فيها بالتزوير، وإذا كان قانون العقوبات قد تحدث عن جرائم التزوير في المحررات التقليدية عرفية كانت أو رسمية، فما مدى اتساع هذه النصوص لتشمل الحديث عن الالكترونية منها ؟.
وقد انقسم الفقهاء في هذا الطرح:
فذهب رأي إلى أنه من الشروط الأولية لقيام جريمة التزوير، أن تتم على محرر مكتوب، وهو ما لا ينطبق على معطيات النظام المعلوماتي قبل أن نأخذ شكل المحرر أو المستند الالكتروني والتي تمثل أحد مستخرجات الحاسب الآلي .
وبالتالي لا يمكن تصور التزوير إلا في المحررات الالكترونية المستخرجة من الحاسب الآلي، وعليه يكون مشمولا بالنص الجنائي، أما الدعامات والأشرطة الممغنطة فتفتقر إلى صفة المحرر، وبالتالي فإن النصوص لا تشملها.
في حين يرى جانب آخر إلى إمكانية تصور اتساع نصوص التزويد في المحررات التقليدية لتشمل الالكترونية منها،مستندين في ذلك إلى عدة أدلة أهمها أن كثير من التشريعات عرفت التزوير أنه تغيير الحقيقة بأي وسيلة كانت سواء كان ذلك في محرر أو دعامة أو سند طالما
  أن هذه الدعامة ذات أثر في إنشاء حق أو لها شأن في إحداث نتائج معينة.
  وقد ذهب هذا الرأي إلى المساواة بين المستند الورقي والمستند الالكتروني، وقرروا أن سجلات الحاسب الآلي ومخرجاته، وما يسجل في ذاكرته والأسطوانات والشرائط الممغنطة تعتبر من قبيل المستندات  
وفي هذا الإطار نجد المشرع الفرنسي، ومنذ تعديله لقانون العقوبات سنة 1992 والذي دخل حيز التطبيق سنة 1994، نص على أن التزوير يكون بأي وسيلة مهما كانت في محرر أو أي سند للتعبير عن الرأي والذي يكون أو من الممكن أن يكون له أثر في إنشاء دليل على حق أو فعل تكون له نتائج قانونية، ولذا جاء النص الفرنسي مستوعبا للمحررات الالكترونية بالنص على لفظ أي سند أو دعامة أو بأي وسيلة مثل الشرائط الممغنطة والمسجلة .
وإذا كانت النصوص الفرنسية تستوعب المحررات الالكترونية فإن النصوص الجزائرية في هذا الشأن ما تزال قاصرة وأن التعديلات المقررة بموجب القانون رقم 05-10في باب الإثبات والمتعلقة بالمحررات الالكترونية والتوقيع الالكتروني، تحتاج إلى حماية خاصة بمقتضى نصوص خاصة تنظم أولا تقنية العمل بها، وتنص فيما بعد عن جزاء الاعتداءات على هذه التقنية، وهذا لن يكون إلا بإصدار المشرع لقانون خاص بالتوقيع الالكتروني، وينظم اشتراطاته،وحالات الاعتداء عليه والجزاءات المقررة لذلك، مسايرا في ذلك التشريعات المقارنة، لا سيما العربية منها.

المبحث الثالث: حجية المحرر الإلكتروني في الإثبات
      إن المحررات الإلكترونية إذ ما استجمعت شروط صحتها و ذلك بتوفير وسائل لحمايتها من العبث بمضمونها فإنها تكون مقبولة كدليل لإثبات الحق المدعى به ومسألة قبولها من بين أدلة الإثبات لم تكن بالسهولة التي قد يتم تصورها بل كانت هناك صعوبات قانونية واجهت المبادلة الإلكترونية سيما في مجال الإثبات مما أدى إلى بروز جهود على الصعيد الدولي تمخضت عنها مجموعة قوانين اليونسيترال النموذجية المتعلقة بمجالات مختلفة من تجارة وتوقيع ، تحكيم إلكتروني و غيرها، كما سعت غالبية الدول إلى مسايرة التطور و الانتقال من مرحلة التعامل بالورق إلى التعامل في الشكل الإلكتروني بأن حاولت تهيئة بيئة قانونية ملائمة لقبول رسائل البيانات الإلكترونية كأدلة إثبات ومن بينهم نجد المشرع الجزائري الذي خطى خطوة أولى في هذا الاتجاه ، لذلك حاولنا في إطار هذا المبحث أن نختم ببيان الحجية القانونية التي منحها المشرع لهذا النوع الجديد من الأدلة و ذلك مقارنة مع القوانين التي سبقتنا في هذا المجال .

المطلب الأول : الموقف التشريعي المقارن          
      من باب التوسع في مسألة الحجية التي منحت للمحرر الإلكتروني سواء بالنسبة للكتابة  في الشكل الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني ارتأينا الإشارة إلى موقف مشرعي عديد الدول و كذا القوانين النموذجية المعتمدة من الأمم المتحدة وذلك حتى نستنير أكثر بخصوص التعديل الذي أورده المشرع الجزائري بموجب القانون 05/10 المعدل و المتمم للقانون المدني .
الفرع الأول : الاعتراف بالمحرر والتوقيع الالكترونيين 
العقد الأخير من القرن الماضي أصبحت الحاجة إلى خلق تجارب تمس التنظيم القانوني للرسائل الإلكترونية في مجال الإثبات فاعتمدت لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية مشروع قانون نموذجي ( )  والذي  استهدف بيان كيفية استيفاء رسائل البيانات لشروط الكتابة العادية لإمكان الاعتراف لما بذات الحجية التي يحظى بها المحرر التقليدي وهو ما نصت عليه المادة (09) من قانون اليونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية.
    كما أصدرت أجهزة الإتحاد الأوروبي تعليمات بشأن التوحيد القياسي الأوروبي للتوقيعات الإلكترونية و التي على إثرها تم إنشاء لجنة التوقيع الإلكتروني ( ) إلى جانب جهود دولية عديدة سارت على منهج واحد يسمح باعتماد الإثبات الإلكتروني  ومن بينها: اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بنقل البضائع بحرا لسنة 1978 ( قواعد هامبورغ) و التي قالت بجواز أن يكون التوقيع على سند الشحن بخط اليد أو بالصورة المطابقة للأصل ( فاكسميل) أو بالتثقيب أو بالختم أو بالرموز أو مستخرجا بأية وسيلة آلية أو إلكترونية أخرى إذا كان ذلك لا يتعارض مع قوانين البلد الذي يصدر فيه سند الشحن ( ).
     أما على صعيد التشريعات الداخلية نجد أن كثيرا من الدول و عملا بتوصيات لجنة اليونستيرال للأمم المتحدة عدلت في قوانينها ونصت على الحجية الكاملة للدليل الإلكتروني ومساواته بالدليل العادي وذلك بتوافر شروط كما سبق التوضيح( ).
   و بما أن النظام القانوني الفرنسي يعتبر من أقرب الأنظمة للتشريع الجزائري نتعرض للتعديلات التي أدخلت عليه بشيء من التفصيل ، حيث بموجب القانون رقم 2000/230 المؤرخ في 13-15-2000 تم تعديل المادة 1316 بفقراتها و المادة 1317 حيث قام المشرع الفرنسي بموجب المادة 1316 –1 بإعطاء الكتابة في الشكل الإلكتروني في نفس القوة الثبوتية الممنوحة للكتابة على الدعامة الورقية مع اشتراط إمكانية تحديد هوية منشئ الرسالة الإلكترونية وحفظها و إعدادها ضمن ظروف تسمح بالثقة في صحة هذا المحرر ، كما نصت المادة 1316 –3 أن الكتابة في الدعامة الإلكترونية لها نفس القوة الثبوتية المعطاة للكتابة على الدعامة الورقية .
   و ننوه أن مشروع القانون كان ينص في الفقرة 3 من المادة 1316 –1 أنه لا يمكن الإثبات بالكتابة الإلكترونية بما يخالف أو يجاوز الكتابة المحررة على سجلات أو ورق مهما كان إذا كانت موقعة من الأطراف . لكن لم يتم المصادقة على هذه الفقرة( ).
   كما أن مشروع القانون كان يعتبر الرسائل الإلكترونية لا تشكل دليلا كاملا بل مجرد بداية ثبوت بالكتابة ( ).
أما بالنسبة  للتوقيع الإلكتروني فقد تم الاعتراف له بنفس حجية التوقيع التقليدي لكن تم التمييز بين نوعين من التواقيــع الإلكترونية مــن حيث الحجية فلقد نصــت المادة ( 02) من المرسوم رقم 2001/272 ( ) في مضمونها على أن التوقيع الإلكتروني المحمي هو الذي أعطى له القانون قرينة قانونية مفترضة على صحته إلى غاية إثبات العكس 
فالمشرع الفرنسي مثله مثل المشرع الأردني و مشرع إمارة دبي سار على نهج قانون اليونسيترال النموذجي في التفرقة بين التوقيع الإلكتروني العـــــــــــــادي و المحمي فالأول يحدد هوية صاحبه و يدل على رضاه بمضمون المحرر و بالتالي الحجية فيه لا ترقى إلى درجة اليقين التام و يخضع للسلطة التقديرية للقاضي ، في حين أن التوقيع الإلكتروني  المحمي ( المعزز) إضافة للشروط السابقة يجب أن يحقق ربطا وثيقا بين المحرر و التوقيع بحيث لا يمكن تعديله و صدور شهادة من جهة معتمدة و استخدام منظومة توقيع تضمن مصداقيته و بتوافر كل هذه الشروط يعتبر التوقيع صحيحا و له الحجية الكاملة إلى حين إثبات العكس.
و من خلال ما سبق نجد أن الموقف التشريعي المقارن أجمع كله على الاعتراف بالمحررات الموقعة إلكترونيا كأدلة إثبات و منحها الحجية الكاملة بتوافر شروط محددة و هي الشروط السابق بيانها في المبحث السابق.
الفرع الثاني : حالات عدم الاعتراف بالمحرر و التوقيع الإلكترونيين.
 معظم الدول التي أصدرت تشريعات خاصة بالمعاملات الإلكترونية قامت بإدراج شروط خاصة استثنت من خلالها بعض المعاملات و لم تقبل فيها المحررات الإلكترونية حتى و لو كانت مستوفية لكافة الشروط و يمكن تقسيم هذه المعاملات المستثناة إلى طائفتين ( ).
الطائفة الأولى:  المعاملات ذات الشكلية الخاصة .   
و هي تلك التي تتطلب لإبرامها إجراءات خاصة و وجود محررات ورقية حسب نصوص القانون المدني أو نصوص قانونية خاصة نظرا لأهميتها و خطورتها لذلك رأى مشرعو بعض الدول ( ) استثنائها من الاستخدام الإلكتروني ومن بينها : 
- مسائل قانون الأسرة مثل الزواج و الطلاق و الوصايا، التبني، الميراث، الوقف...الخ
- التصرفات العقارية الخاصة بنقل الملكية ، إنشاء أو تسجيل أي حق من الحقوق العينية المتعلقة بالعقارات ، تقرير رهن أو امتياز عليها.
- عقود بعض الخدمات العامة كعقود المياه و الكهرباء.
- الدعاوى القضائية وإعلانات الدعاوى والمرافعات وقرارات وأوامر المحاكم والإعلانات القانونية.
الطائفة الثانية :   معاملات الأوراق المالية : كالسندات القابلة للتداول كالأسهم   
وننوه في هذا الصدد أن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي انتهى إلى جواز التعاقد الإلكتروني لكن استثنى ثلاثة عقود و ألزم إبرامها في الشكل التقليدي و هذه العقود هي عقد الزواج لاشتراط الشهادة و عقد الصرف لاشتراط التقايض و عقد السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.( ) 

المطلب الثاني : حجية الإثبات الإلكتروني في التشريع الجزائري 
الفرع الأول: مدى ضرورة التعديل                
      قام المشرع الجزائري بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20-06-2005 المعدل و المتمم للأمر رقم 75/58 المتضمن القانون المدني بإدراج مواد جديدة تتعلق بالإثبات بالورقة الإلكترونية لذلك ارتأينا تبيان النظام القانوني في الإثبات قبل التعديل لمعرفة ما إذا كانت هناك حتمية و ضرورة دفعت بالمشرع إلى هذا التعديل أم أن القواعد التقليدية كانت كافية لاستيعاب هذا النوع من المعاملات .
أولا : الواقع القانوني للإثبات قبل التعديل
         تتلخص قواعد الإثبات في القانون المدني بإيجاز في النقاط التالية : 
  ـ الإثبات المقيد في المواد المدنية : وذلك حسب ما أوضحته المادة 333 وما يليها من القانون المدني .
   - الإثبات الحر في المواد التجارية و من الاستثناءات على ذلك عقود الشركات.
   - التركيز في الإثبات بالكتابة على الدعامة الورقية و الشكلية الرسمية بالنسبة للمحررات الرسمية و التوقيع بخط اليد ( ) في المحررات العرفية . 
  - عدم جواز اصطناع الشخص دليلا لنفسه.
و منه بمحاولة بسيطة لجعل هذه القواعد تستوعب الوسائل الحديثة في التعامل نجدها غير صالحة خصوصا أن هذا التعامل يعتمد على دعامات إلكترونية و ليست ورقية هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التصرف القانوني يتم ضمن برامج حاسوب تخضع لإرادة المبرمج مما يجعل المعلومات المخزنة من صنع مستعمله أي صادرة منه ومن ثم لا يجوز قانونا الاحتجاج بها كدليل إثبات ( )     
ومن هنا جاءت الحتمية إلى تعديل قواعد الإثبات نظرا لعجز القواعد التقليدية على استيعاب التصرفات في الشكل المستحدث. و هذه الأخيرة لا تملك قوة ثبوتية لذلك تحتم على المشرع التدخل لإعطائها قوة ثبوتية بموجــب نص قانوني( )
الفرع الثاني :  الموقف التشريعي في ظل تعديل 2005.
    إن المشرع الجزائري كغيره من المشرعين اعتمد في تعديله لأحكام القانون المدني على المبادئ التي جاء بها القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية فجاء بنص المادة 323 مكرر 1 على النحو التالي: 
" يعتبر الإثبات بالكتابة في الشكل الإلكتروني كالإثبات بالكتابة على الورق بشرط إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها و أن تكون معدة ومحفوظة في ظروف تضمن سلامتها كما نصت المادة 327/2: "و يعتد بالتوقيع الإلكتروني وفق الشروط المذكورة في المادة 323 مكرر 1 أعلاه" 
ونستنتج من خلال ذلك أن المشرع الجزائري قبل التعامل بالمحررات الإلكترونية و اعترف بها كدليل في الإثبات و ساوى بينها و بين الدليل الكتابي التقليدي بأن منحها الحجية الكاملة ، كما اعترف بالتوقيع الإلكتروني و أعطاه نفس حجية التوقيع التقليدي ، و بناء على ذلك أخذ المشرع بمبدأ التعادل الوظيفي الذي جاء به قانون اليونسيترال النموذجي للتجارة  الإلكترونية ( ) و فيما يلي نحاول مناقشة المبدأ من حيث ما هو كائن و ما هو من المفروض أن يكون :
أولا : مبدأ التعادل الوظيفي:   
      معناه المساواة بين المحرر الإلكتروني و المحرر التقليدي الورقي من حيث حجية الإثبات فبالنسبة للكتابة الرسمية التقليدية نجد أن المشرع يتطلب أن تتمتع الورقة بسلامتها المادية و عدم وجود أي تغيير في محتوياتها و إقامة قرينة قانونية على سلامة المحرر المادية و ذلك بصدوره ممن يحمل توقيعاتهم و سلامة المظهر المادي للورقة و لا يجوز للخصم إثبات عكس ما حرره الموظف العام في حدود اختصاصه إلا عن طريق الطعن بالتزوير.  كما تطلب في المحرر العرفي لكي يكون حجة بالإثبات أن لا يقوم من يحتج عليه إنكار صدور التوقيع منه فعبء الإثبات يقع على من يتمسك بصدور التوقيع من المنكر ( ).
      أما في مجال المحررات و التواقيع الإلكترونية فإن الحجية تعتمد على توافر شروط سبق و أن عرضناها و التي تقوم على استخدام ضوابط و إجراءات إلكترونية و من خلال نص المادة 323 مكرر 1 يمكن استنباط قرينة قانونية على سلامة المحرر المادية إلى غاية إثبات العكس و ذلك من خلال النص على أن منح الحجية الكاملة للمحرر الإلكتروني تكون بشرط إعداده وحفظه في ظروف تضمن سلامته وإمكانية تحديد هوية من أصدره.
و بالرجوع إلى الفقرة (02) من المادة 327 نجدها قد نصت على الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني وفق الشروط المذكورة بالمادة 323 مكرر 1 و بملاحظة هذه الشروط و مقارنتها مع الشروط  التي سبق و أن شرحناها لتوافر صحة التوقيع الإلكتروني نجدها تنطبق على شروط التوقيع الإلكتروني العادي بمعنى آخر أن المشرع الجزائري لم ينص على التوقيع الإلكتروني المحمي كما فعل المشرع الفرنسي و غيره لذلك نتساءل هل أن المشرع قصد إعطاء الحجية الكاملة للتوقيع الإلكتروني البسيط غير الموثق خاصة مع عدم تنظيمه لمسألة التوثيق الإلكتروني؟.
   كما تجدر الإشارة إلى أن المحررات الإلكترونية الرسمية من الصعب التعامل بها بل يمكن القول أن المحررات العرفية تلقى نفس المصير في ظل غياب هيئة معتمدة لمنح التوقيعات و المصادقة عليها و منه ففي ظل الوضع القانوني الحالي لا يتصور الاعتماد على المحررات الإلكترونية إلا كمبدأ ثبوت بالكتابة و ليست كدليل كتابي كامل الحجية .
ثانيا : سلطات القاضي في تقدير الدليل الكتابي
   الملفات المطروحة أمام القضاء مستقبلا يتوقع أن تتضمن أدلة إثبات كتابية ورقية و إلكترونية و في هذه الحالة يجد القاضي نفسه في موقف لم يعهده من قبل فنتساءل عن كيفية تعامله مع مثل هذا النزاع و تحديد المحرر الأكثر مصداقية .بملاحظة التعديل الوارد على قواعد الإثبات نجده انحصر في إعطاء الحجية الكاملة للورقة الإلكترونية دون أن يعالج مسألة المفاضلة بين الأدلة الكتابية لكن بالرجوع إلى القوانين المقارنة نجد أن المشرع الفرنسي بموجب المادة 1316-2 من القانون المدني نص على هذه النقطة و نرى أن الأمر يصلح تطبيقه عندنا نظرا لتقارب قواعد الإثبات في التشريعين و ذلك في ظل غياب نص تشريعي جزائري .
    و على هذا الأساس نحاول فيما يلي تسليط الضوء على هذه المادة و التي جاء في نصها " عندما لا ينص القانون على قواعد أو أصول محددة للإثبات أو عندما لا يكون هناك اتفاق متكافئ في إثبات الالتزامات والحقوق بين الأطراف ، يبث القاضي بالنزاعات القائمة حول الإثبات بالكتابة عبر تحديد السند الأكثر مصداقية ، أيا كانت ركيزته و ذلك عن طريق استخدام كافة الطرق المتوفرة لديه " .
    تحليل المادة يستنتج منه أنها تضمنت مبدأ يتمثل في إعمال القاضي لصلاحياته في البت و تحديد الدليل الأكثر مصداقية دونما تمييز بين أنواع المحررات لكن هناك عوائق و قيود تحد من إعمال هذه السلطة:
    1/ - بموجب هذه المادة تم حفظ حق القاضي بالبت في النزاعات القائمة حول الإثبات بالكتابة فله الصلاحية الكاملة في إعمال سلطته التقديرية في تفحص الشروط القانونية المتطلبة في الدليل و تقدير مدى مصداقيته بمعنى آخر أن القاضي احتفظ بصلاحية تفسير القانون ومراقبة صلاحية الاتفاقيات المتعلقة بالإثبات، فنجد أن المادة نصت على عدم التمييز بين الأدلة على أساس نوع الدعامة، و له في ذلك استخدام كافة الطرق المتوفرة لديه سيما اللجوء إلى الخبرة.
- وهناك من يرى أنه من الأفضل إحالة الأمر على المختصين في مجال المعلوماتية و ذلك باعتماد المعيار الاحتمالي المعتمد في هذا المجال بدلا من معيار المصداقية ( Vraisemblance)  لكن هذا الطرح غير مناسب و لا يمكن اعتماده كمعيار لتقدير دليل إثبات( ) بالمفهوم القانوني كون القاضي في معرض إعماله سلطته التقديرية لا يطلب منه إلا التوصل إلى الحقيقة القضائية.
   2/ - غير أن سلطة القاضي في هذا المجال لم يتركها المشرع الفرنسي مطلقة فأورد قيود تحد منها إلى جانب وجود عوائق تتعلق بالقاضي في حد ذاته.
أ – من ناحية القاضي ذاته:  فإنه من الصعب تصور تعامله مع الأدلة الكتابية المتنازعة في الإثبات على أساس مبدأ التعادل الوظيفي و يرجع ذلك إلى سببين( ):
أولاهما نفسي فالقاضي وإلى غاية تعديل القانون المدني بموجب القانون05/10 لم يكن يتعامل في ملفه إلا مع الأدلة الورقية و التوقيع اليدوي وهو مطالب الآن بالتعامل مع دليل من نوع جديد و له نفس الحجية للدليل التقليدي ، فيخشى بذلك على القاضي انحيازه النفسي و الحكم للدليل الورقي على أنه الأكثر مصداقية من الدليل في الشكل الإلكتروني و منه ترجيحه في الإثبات إلى أن يثبت العكس و هو الأمر الذي لا يتوافق و مبدأ التعادل الوظيفي الذي أقره المشرع في المادة 323 مكرر 1. 
أما عن السبب الثاني فهو تقني فالتأكد من صحة المحرر الإلكتروني أو التوقيع هي من المسائل الدقيقة التي تحتاج إلى اضطلاع بالوسائل الحديثة ، الأمر الذي يصعب على القاضي التحكم فيه، وإن كان هذا العائق يمكن معالجته بإحالة المحرر على ذوي الاختصاص بموجب حكم تمهيدي أو تحضيري إلا أننا نجد أنفسنا مجددا أمام ضرورة معرفة القاضي و اضطلاعه على هذا المجال حتى يمكنه تقدير تقرير الخبرة المقدم له .
ب – إن المادة 1316 –2 عندما نصت على صلاحية القاضي بالبت في التنازع بين وسائل الإثبات اشترطت لذلك عدم وجود قواعد تعطي الأولوية  في الأخذ بدليل دون الآخر ، هذا الأمر يتوقف على وجود نصوص خاصة في القوانين تفضل أو تعطي المصداقية لدليل كتابي ، و إن كان مثل هذا الأمر غير مقنن أصلا في ظل قانوننا إلا  أنه يمكن القول أن مثل هذه النصوص يحتمل ورودها في قوانين الصرف لاعتمادها
على الوسائل الإلكترونية و تقريبا انعدام الوسيلة الورقية في التعامل مما يوحي بترجيح الدليل الإلكتروني على مثيله الورقي.
كما اشترطت المادة عدم وجود اتفاق بين أطراف العلاقة يخالف قواعد الإثبات و بذلك نجد أن المشرع الفرنسي نص صراحة على إمكانية وضع اتفاقات في مجال الإثبات في هذا الصدد تعود لتطرح مسألة تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام من عدمها.
انقسم الفقه فيما يتعلق بصحة اتفاقات الإثبات إلى عدة آراء فقهية كما طرح القضاء رأيه أيضا في المسألة ، فذهب رأي إلى اعتبارها من النظام العام لتعلقها بالنظام القضائي ، فيما ذهب رأي آخر إلى القول أنها لا تتعلق بالنظام العام إلا بالقدر الذي تمس فيه مصلحة أحد أطراف النزاع ، بينما ظهر توجه ثالث واعتمده القضاء ( ) كما نرجحه ومفاده أن قواعد الإثبات الموضوعية لا تتعلق بالنظام العام مما يجيز للأفراد الاتفاق على مخالفتها سواء قبل نشوء النزاع أو بعده ، إلا أن ذلك لا يجب أن يذهب إلى حد حرمان أحد طرفي التصرف من حقه في الإثبات صراحة أو ضمنا فللأطراف الاتفاق على تحديد أدلة الإثبات أو تغيير في قوتها الثبوتية ، بأن يتفقوا على اعتماد الوسائط الإلكترونية دون حرمان الطرف من حقه في الإثبات كلية والمثال على ذلك بطاقات الصراف الآلي . فالبنك يدرج شرطا يعتبر فيه دفاتره حجة على حامل البطاقة ودليلا قاطعا و هذا الشرط يعتبر باطلا. والبعض يرى أن المسألة عادة تكون عقد إذعان ( ).
 وعليه نقول أن المشرع الجزائري ذهب إلى ما ذهب إليه باقي المشرعين إلى الاعتراف بالحجية الكاملة للمحررات الإلكترونية و إن كان قد قصّر في معالجة الموضوع بشكل كاف لكن المهم في المسألة أن الحق المتنازع عليه إثباته هي مسألة هامة لا يمكن الاعتماد فيها على أي وثيقة أو محرر بل أن أدلة الإثبات لا بد من أن تتوافر فيها جملة شروط تضمن صحتها ومصداقية الاعتماد عليها ذلك أن الأمر يتعلق بحقوق أشخاص لا يجب التهاون في التحقق و التثبت قبل الحكم بها لهذا الخصم أو ذاك . لذلك فالقاضي في الوقت الحالي مطالب بتوسيع مداركه في مجال الإعلام الآلي و الإطلاع على كل جديد يتصل بوسائل التكنولوجيا الحديثة.













الخــاتـمـــة

    عرضنا في هذه الدراسة المتواضعة موضوعا ظهر على الساحة القانونية حديثا ويتعلق الأمر بالتعامل باستخدام المحررات الإلكترونية و التواقيع الإلكترونية والتي نجمت عن استعمال وسائل الاتصال الحديثة كالأنترنيت و غيرها.
    و إن كان صلب البحث و الدراسة هو معالجة مسألة الإثبات بالمحرارت الإلكترونية و مدى إمكان قبولها والاعتراف بها كأدلة إثبات و مناقشة حجيتها في ظل القانون رقم 05/10 والقوانين المقارنة. غير أنه عند بداية بحثنا إعترضتنا مسألة فهم المصطلحات المعتمدة في مثل هذه المعاملات و صعوبة ضبط المفاهيم و ذلك راجع لكونها مصطلحات حديثة لذلك ارتأينا تخصيص الفصل الأول من الدراسة لضبط المصطلحات بتحديد عناصر المحرر الإلكتروني من كتابة و توقيع في الشكل الحديث و إبراز ماهية كل عنصر و مناقشة المسائل المتعلقة به من أنواع وتعار يف وبيان ما جاء به التعديل بخصوص هذه العناصر. ولقد اعتمدنا في هذا الفصل على القوانين المقارنة التي نظمت الموضوع بشكل أكثر تفصيل و ذلك بتضمنها التعاريف المتعلقة بعناصر المحرر الإلكتروني و هذا راجع إلي افتقار تشريعنا لمثل هذه النصوص .
    ثم تطرقنا في الفصل الثاني إلي الإثبات باستعمال المحررات الإلكترونية فأوضحنا أن المحرر الإلكتروني يجب أن تتوافر فيه جملة شروط سواء تعلق الأمر بالكتابة أو بالتوقيع و يجب أن يتم استخدام هذا النوع من التكنولوجيا في ظروف توفر الأمان و الثقة في المعلومة الإلكترونية وهذا كله حتى تعطى لها الحجية الكاملة في الإثبات وحرصنا على بيان هذه النقطة بمقارنة ما جاء به المشرع الجزائري بالنصوص الواردة بالقوانين المقارنة و ذلك من خلال التحليل والمناقشة وتوصلنا إلى اعتماد المشرع لمبدأ التعادل الوظيفي مع بعض النقائص.
وباعتمادنا الدراسة المقارنة في موضوع بحثنا و تحليلنا المتواضع للنصوص المدخلة في قانوننا المدني والمتعلقة بقواعد الإثبات اتضحت لنا جملة من الإشكالات والنقائص التي تضمنها و طرحها القانون 05/10 المعدل و المتمم للقانون المدني و آثار ذلك و هو ما نبينه في النقاط التالية :
     أولا: غياب تام لتحديد المفاهيم المتعلقة بالمعاملة الإلكترونية باستثناء التعريف المستحدث للكتابة مما اضطرنا في أغلب الحالات اللجوء إلى القوانين المقارنة لتدعيم عناصر البحث .
     ثانيا: نقص فادح في معالجة حجية المحرر الإلكتروني في الإثبات بالاستناد إلى مادة وحيدة فقط و هي المادة323 مكرر1 و عدم الفصل صراحة في مسألة قبول المحررات الرسمية في الشكل الإلكتروني خاصة مع عدم تعديل قانون مهنة التوثيق بما يتوافق و التطورات الجديدة.
     ثالثا: عدم وضع الآليات القانونية والتقنية اللازمة لضمان تفعيل الاعتراف بالمحررات الإلكترونية.
     رابعا: وضحنا من خلال الدراسة أن التوقيع الإلكتروني تمنحه جهة حكومية أو معتمدة لدى الدولة و تتولى عملية توثيقه عن طريق شهادة المصادقة حتى يعتد بصحته غير أن المشرع بموجب المادة 327/2 من القانون المدني نص على الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني دون النص على كيفية ذلك حتى أنه لم ينص على الهيئة التي تتولى منحه و توثيقه و لم يشر حتى إلى وجود إحالة التنظيم في الوقت الذي من المفروض أن تكون فيه مثل هذه الإحالة.
    وعليه وفي ظل الوضع القانوني الحالي يصعب وجود تعامل بالتوقيع الإلكتروني و منه بالمحرر الإلكتروني ككل لغياب تنظيم أهم شرط في صحة التوقيع الإلكتروني و المحرر على حد سواء ألا و هو التوثيق و يترتب على هذا الأمر الآثار التاليــة: 
   - أ –  مبدأ التعادل الوظيفي المنصوص عليه بموجب التعديل من المستبعد أن يأخذ به القاضي لعدم توفير وسائل الأمان و المصداقية في المعاملة الإلكترونية و ضعف المعالجة القانونية للمسألة و بالتالي فالقاضي سيفضل بلا شك الدليل الورقي على الدليل الإلكتروني.
   - ب - عدم نص المشرع على مسألة التوثيق معناه اعتداده بالتوقيع الإلكتروني البسيط على عكس التشريعات المقارنة التي أعطت الحجية الكاملة للتوقيع الإلكتروني المحمي و المعزز و ليس للتوقيع البسيط ، هذا الأخير يضطر القاضي رغم نص القانون على حجيته الكاملة أن يناقش قيمته القانونية لعدم توفيره للمصداقية الكافية مثل التوقيع المحمي .
   - ج – اعتبار المحرر الإلكتروني مبدأ ثبوت بالكتابة من الناحية العملية رغم النص على حجيته الكاملة في الإثبات بموجب نص المادة 323 مكرر 1.
   - د – سكوت المشرع عن تنظيم شرط التوثيق الإلكتروني قد يوحي بإحالة ضمنية على القواعد العامة في الإثبات أي إتباع إجراءات التوثيق التقليدي و هو أمر غير مقبول في ظل القانون المنظم لمهنة التوثيق حاليا .
    خامسا :  بالنسبة لنطاق التعديل قلنا أنه جاء شاملا للمحررات بنوعيها العرفية والرسمية دون أي استثناء وهي المسألة التي يجب على المشرع مراجعتها و تدقيقها، ذلك أنه لا بد من استثناء بعض التصرفات من التعامل فيها بالشكل الإلكتروني لخصوصيتها وخطورتها وهو الأمر الذي انتهجته سواء القوانين النموذجية أو التشريعات المعتمدة لدى أغلب الدول و من الأمثلة على ذلك التصرفات الواردة على العقارات فمن غير المعقول الاعتراف بالتعامل فيها إلكترونيا خصوصا مع ما يعرفه هذا النوع من منازعات و الأمثلة غيرها عديدة.
     لكن الملاحظ على المستوى العملي غياب كلي للمنازعات الناجمة عن إبرام التصرفات في الشكل الإلكتروني، ونظرا لعدم شيوع مثل هذه التعاملات في مجتمعنا بسبب عدة اعتبارات لكن الأمر لن يبقى هكذا لذلك فالمشرع الجزائري لا زالت أمامه فرصة لتنظيم المسألة بشكل دقيق و واسع لأن المواد التي أوردها التعديل لو تم تفعيلها في الواقع ستؤدي إلى ظهور إشكالات كثيرة .
   و في هذا الإطار نحاول تقديم المقترحات الآتية :
      أولا : ضرورة إصدار قانون خاص بالتوقيعات الإلكترونية يتم من خلالها بيان بشكل مفصل : شروط صحة التوقيع الإلكتروني، تحديد أنواعه و بيان حجية كل نوع ،تحديد الشروط الدنيا على الأقل في المنظومة المستعملة في إنشاء التواقيع الإلكترونية و كيفية استخدامها والأجهزة المستخدمة في ذلك بتنظيم مسألة التشفير.
      ثانيا: إنشاء أو اعتماد هيئة متخصصة في المجال المعلوماتي توكل لها مهمة منح التواقيع الإلكترونية و التزويد بخدمات التصديق و تنظيم كيفية قبول شهادات تصديق هيئات أجنبية معتمدة لدى دولها لتنشيط التجارة و المبادلات.
      ثالثا: النص صراحة على قبول المحررات الرسمية الإلكترونية و الاستخدام الحكومي للمعاملات الإلكترونية مع استثناء بعض التصرفات ذات الشكلية الخاصة من التعامل في الشكل الإلكتروني كما فعل غالبية مشرعو الدول.
     رابع : تجريم الأفعال الواقعة على المحرر الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني سواء تعلق الأمر به في حد ذاته أو بالشهادة الموثقة له .
   خامسا : يتعين على المشرع الجزائري بالموازاة لذلك تحيين جملة من القوانين سيما القانون التجاري لاعتماد قانون بشأن التجارة الإلكترونية لمسايرة التطور الحاصل خاصة مع فتح السوق الوطنية على الاستثمار الأجنبي. وإلى جانب ذلك ضرورة تحيين نظرية العقد لإستعاب إبرام العقود الإلكترونية.
     هذه هي حوصلة الدراسة التي قمنا بها حاولنا طرحها في شكل إشكاليات التي تعترض التعديل الوارد على القانون المدني باعتماد وسائل المعلوماتية في المجال القانوني إلى جانب محاولة بسيطة لعرض بعض المقترحات التي رأيناها ضرورية.
     و ما نختم به هو أن التعديل الوارد بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20/06/2005 و المتضمن الاعتراف بالمحررات الإلكترونية كأدلة إثبات من المتوقع حين تطبيقه أن يطرح عدة صعوبات و إشكاليات و منه فالمشرع الجزائري مطالب أن يلحق هذه الخطوة الأولى بأخرى جبارة تنصب على إعداد ترسانة ضخمة من القوانين و المراسيم لإحاطة الموضوع و معالجته من كل الجوانب مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في تشريع قوانين خاصة بالمعاملات الإلكترونية. 


تعليقات