📁 آخر الأخبار

خصوصيات مسطرة التحفيظ العقاري في ضوء القانون 14.07

بحث من إعداد الطالب: صبير عادل            تحت إشراف الدكتور:  محمد المهدي 



 كرس الدستور المغربي حق التقاضي
، ومنح لكل شخص حرية اللجوء إلى
القضاء للدفاع عن حقوقه التي يحميها القانون، غير أنه إذا كانت غاية كل متقاض من
لجوئه إلى القضاء هي اقتضاء حقه، فإنه ال يكفي أن يكون بحوزته المستندات والحجج
للجزم بأحقيته في الحصول على الحق، وإنما البد من احترام مجموعة من القواعد
اإلجرائية.
2 وإذا كانت هذه القواعد اإلجرائية ترد حسب األصل في قانون المسطرة المدنية
،
باعتباره الشريعة اإلجرائية العامة، فإن ظهير التحفيظ العقاري3 باعتباره قانون
موضوع وشكل قد خص مسطرة التحفيظ العقاري بمجموعة من اإلجراءات4 ،تختلف
عموما عن مثيالتها المتبعة في القضايا العادية، كما أحال على نفس القانون اإلجرائي
العام في أحيان كثيرة5 ،وسكت عن تنظيم مسائل مسطرية أخرى.
وما يهمنا في هذا البحث هو الوقوف على الخصوصيات التي جاء بها ظهير التحفيظ
العقاري وما إذا كانت تساهم في تسريع مسطرة التحفيظ وحماية حقوق األطراف،
وبالتالي تداول العقار ومساهمته في االستثمار والتنمية االقتصادية واالجتماعية أم ال،
ثم بيان مدى جواز االستعانة بالقواعد اإلجرائية الواردة في قانون المسطرة المدنية في
الحاالت التي سكت عن تنظيمها ظهير التحفيظ العقاري، التي فتحت الباب على
مصراعيه للجدال المحتدم في أوساط كل من الفقه والقضاء.
على أن هذه الخصوصيات التي جاء بها ظهير التحفيظ العقاري ال تقتصر على
إجراء معين، وإنما تواكب مسطرة التحفيظ بمرحلتيها اإلدارية والقضائية، وذلك منذ
تقديم دعوى التعرض إلى غاية تنفيذ الحكم الصادر فيها، بل حتى الصعوبات التي
يثيرها هذا التنفيذ ال تخلو هي األخرى من خصوصيات.
ذلك أنه إذا كانت الدعوى العادية6 تنطلق بمقال افتتاحي تحترم فيه الشروط المقررة
قانونا وتقدم مباشرة أمام المحكمة، فإن دعوى التحفيظ العقاري بخالف ذلك، بحيث
يقدم التعرض لدى المحافظة العقارية، ويعمل المحافظ على إعداد االدعاء سواء من
حيث األطراف أو من حيث موضوع النزاع ويقوم بتجهيز الملف وإحالته على المحكمة
المختصة، مما سيطرح مع هذه الوضعية مدى إمكانية جواز مراقبة الشروط
الموضوعية والشكلية لدعوى التعرض من قبل المحكمة.
وإذا كانت مسألة المحكمة المختصة للنظر في نزاع التعرض على مطلب التحفيظ
ال تثير أي إشكال على اعتبار أن المحافظ يتكلف بإحالة الملف عليها7 ،فإن األمر
يطرح إشكاالت عندما تمتد جذور نزاع التحفيظ إلى ما قبل إيداع مطلب التحفيظ، وهذا
النزاع إما أن يكون قد فصل فيه بحكم قضائي، مما يطرح إمكانية االستناد على هذا
األخير أمام محكمة التحفيظ، أو االحتجاج أمامها بسبقية البت، وإما أن يكون النزاع
مازال ممتدا، مما يطرح مدى إمكانية وقف النظر فيه من قبل المحكمة العادية.
وبمناسبة قيام المحافظ على األمالك العقارية بهذه الصالحيات، فقد منحه المشرع
إمكانية إصدار قرارات قد تستهدف إلغاء أو رفض مطلب التحفيظ أو التعرض على
حد سواء، هذه القرارات قد تضر بمصالح أحد األطراف ويقوم بالطعن فيها- باستثناء
بعض القرارات- أمام الجهة المختصة، ولما كانت قرارات المحافظ قرارات إدارية
فإن الجهة المختصة للنظر في هذه الطعون تتمثل في المحاكم اإلدارية، إال أن المشرع
ارتأى أن يخرج عن هذا المبدأ ويقرر استثناءات.




واَخر صالحية للمحافظ خالل المرحلة اإلدارية وقبل إحالة الملف على المحكمة
المختصة تتمثل في تفعيل مسطرة الصلح8 بين طرفي النزاع الواقع بينهما، هذه
الصالحية التي تعتبر من اختصاص القضاء في إطار القواعد العامة، يفرغ بموجبها
المحافظ باعتباره موظفا إداريا اتفاقات األطراف في محضر يحرره يكتسي قوة
المحرر العرفي9.
وإذا فشل المحافظ في وظيفته التصالحية بين األطراف يحيل الملف على قضاء
التحفيظ، لتبدأ مرحلة جديدة من عمر مسطرة التحفيظ العقاري.
وبمجرد إحالة ملف نزاع التحفيظ العقاري على القضاء، يقوم رئيس المحكمة فورا
بتعيين قاض مقرر يكلف بتجهيز القضية للحكم واتخاذ جميع اإلجراءات المناسبة لهذه
الغاية10 ،فمسار تحضير القضية ال يخلو من استثناءات على القواعد اإلجرائية العامة
المفروض سلوكها في األصل، إال أن القاضي أو المستشار المقرر لم يحظ بنفس المهام
المخولة لنظيرهما في القضايا العادية على مستوى إجراءات التحقيق المسطرية، كما
أن المشرع لم يستلزم إجبارية سلوك بعضها مع العلم أن نزاع التحفيظ أولى بها
ويستوجبها حفاظا لحقوق األطراف كإصدار األمر بالتخلي والمداولة...
وزيادة في حماية حقوق بعض الفئات، قرر المشرع إمكانية تدخل النيابة العامة11
في نزاع التحفيظ، غير أن هذا التدخل لم يحظ بنفس التنظيم الوارد في قانون المسطرة
المدنية، مما يطرح إمكانية االستعانة بقواعد هذا األخير، وهذا التدخل ال يخص هذا
الجهاز فقط وإنما يسري حتى على األغيار، إال أن طبيعة نزاع التحفيظ جعلت من
المشرع أن يستبعد هذا النوع من التدخل، نظرا ألن موضوع نزاع التحفيظ وأطرافه
يحددون مسبقا من قبل المحافظ على األمالك العقارية، مما خلق هذا المنع وضعيات
شادة تقتضي ضرورة هذا التدخل لتجاوزها، كما هو الحال بالنسبة للمتعرض على
االيداع والشفيع اللذان فاتهما أجل التعرض، ذلك ما يقتضي منا الوقوف على إمكانية
االستعانة كذلك بمقتضيات قانون المسطرة المدنية لفتح المجال للتدخل خالل المرحلة
القضائية لمسطرة التحفيظ، وإن كان االجتهاد القضائي لمحكمة النقض12 قد ساهم
بشكل جزئي وسمح بالتدخل االنضمامي والتدخل لتصحيح المسطرة.
وعندما تبت المحكمة في نزاع التحفيظ تصدر حكما يجب أن تتوفر فيه بيانات معينة،
إال أن ظهير التحفيظ العقاري لم ينص صراحة على البيانات الواجب توافرها في هذا
النوع من األحكام، عكس ما هو عليه األمر في قانون المسطرة المدنية، حيث نص
بموجب الفصول 50 و 345 و 375 المتعلقة على التوالي بالبيانات اإللزامية الواجب
تضمينها في األحكام االبتدائية والقرارات االستئنافية وقرارات محكمة النقض الصادرة
في القضايا العادية، مما يطرح معه كذلك إمكانية تطبيق هذه المقتضيات على هذا النوع
من األحكام.
وبمجرد صدور هذا الحكم تطرح مسألة التبليغ التي خصها مشرع ظهير التحفيظ
العقاري ببعض الخصوصيات التي تخرج عن المألوف عليه في القواعد العامة.
ولما كانت هذه األحكام والقرارات تصدر عن قضاة ومستشارين وهم بشر قد
يخطئون، أتاح المشرع إمكانية الطعن فيها متى تضرر المتقاضين منها، غير أنه لم
يطلق عنان المتقاضين في سلوك جميع طرق الطعن العادية13 وغير العادية14 ،وإنما
حصر طرق الطعن الممكن ممارستها في نزاع التحفيظ في كل من الطعن باالستئناف
والطعن بالنقض فقط، بل حتى الطعن باالستئناف يجب أن يمارس في إطار القواعد
التي جاء بها ظهير التحفيظ العقاري، مما يستدعي الوقوف على العلة التي جعلت من
المشرع أن يستبعد باقي طرق الطعن، وما إذا كان هذان الطريقان كافيين لتدارك
مصالح األطراف.




وإذا ما استوفى الحكم الصادر في نزاع التحفيظ العقاري طرق الطعن المنصوص
عليها في ظهير التحفيظ العقاري أصبح هذا القضاء قابال للتنفيذ، الذي أسنده المشرع
للمحافظ على األمالك العقارية عكس ما هو عليه الحال في القضايا العادية، غير أن
المحافظ أثناء تنفيذه لهذه األحكام قد تعترضه صعوبات، يثور معها السؤال حول
صالحية هذا األخير في إثارتها، خاصة وأن المشرع في إطار القواعد العامة قد حدد
األشخاص المخول لهم ذلك، والمحافظ ليس من بينهم.

- طرق الطعن العادية تتمثل في التعرض واالستئناف نظمهما المشرع
أوال: أهمية الموضوع
يكتسي موضوع خصوصيات مسطرة التحفيظ أهمية بالغة، بحيث أنه إذا كان يظهر
أن المشرع سن مسطرة خاصة بموجب ظهير التحفيظ العقاري، تحتوي على إجراءات
خاصة يكتفى بها في جوانب معينة دون الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية، وتوحي
بأنها سريعة ومرنة على مستوى فض النزاعات الناجمة عن التعرضات، بدءا بإمكانية
إنهائها إداريا من طرف المحافظ عن طريق الصلح، وانتهاء في حالة عدم نجاحه في
ذلك بسلوك مسطرة قضائية من سماتها إعفاء المتقاضين من العديد من اإلجراءات
الشكلية الواجبة بمقتضى المسطرة العامة للتقاضي، إضافة إلى تميزها بإجراءات
مسطرية ال مثيل لها في القضايا العادية، إال أنه يالحظ كثرة النزاعات المتعلقة
بالتعرضات على مطالب التحفيظ، ويظهر ذلك انطالقا من حجم مطالب التحفيظ
، األمر الذي يقتضي 16 أو لدى مختلف المحاكم 15 الجامدة سواء بالمحافظات العقارية
محاولة البحث عن الخلل في هذه المسطرة.
ثانيا: إشكالية الموضوع
إن ظهير التحفيظ العقاري باعتباره قانون موضوع وشكل، سن مجموعة من
القواعد المسطرية الخاصة بنزاع التحفيظ العقاري، ولهذه القواعد أسبقية في التطبيق
باعتبار النص الخاص أولى بالتطبيق من النص العام، إال أن ظهير التحفيظ العقاري
نظم مسائل مسطرية معينة وأحال على قانون المسطرة المدنية بشأن إجراءات أخرى،
كما سكت عن تنظيم قواعد مسطرية أخرى، األمر الذي يستدعي طرح إشكالية محورية
مفادها: ما مدى خصوصيات مسطرة التحفيظ ودورها في تسريع المسطرة وحماية
حقوق األطراف ؟.
وهذه اإلشكالية تتفرع عنها مجموعة من األسئلة، يمكن رصد أهمها فيما يلي:
- ماهي أوجه التشابه واالختالف بين ظهير التحفيظ العقاري وقانون المسطرة
المدنية على مستوى اإلجراءات المسطرية ؟.
- ماهي فلسفة المشرع من وراء إفراد نزاع التحفيظ بمقتضيات مسطرية
خاصة ؟.
- هل يمكن االستعانة بمقتضيات قانون المسطرة المدنية باعتباره الشريعة
العامة لكل القوانين المسطرية في حالة سكوت ظهير التحفيظ العقاري عن
تنظيم قاعدة مسطرية معينة ؟.
ثالثا: منهجية البحث
إن طبيعة موضوع خصوصيات مسطرة التحفيظ تفرض علينا اتباع المنهج المقارن
كبوصلة تحكم أطوار هذا البحث، للمقارنة بين قواعد الشكل الواردة في ظهير التحفيظ
العقاري مع قواعد الشكل الواردة في قانون المسطرة المدنية، إلبراز الخصوصيات
التي جاء بها ظهير التحفيظ العقاري التي ستمكننا من معرفة فلسفة المشرع من سنها،
وما إذا كانت فعال تخدم نزاع التحفيظ، كما سنعتمد على المنهجين الوصفي
، وذلك من أجل الوقوف على مجموعة من النصوص التشريعية الناظمة 17 والتحليلي
واألحكام والقرارات القضائية وكذا االَراء الفقهية وتحليلها، دون إغفال المنهج النقدي
من أجل استخالص أوجه القصور ومن ثم طرح الحلول البديلة التي من شأنها اإلسهام
في تجاوز اإلشكاالت التي يطرحها هذا الموضوع.
رابعا: خطة البحث
لإلجابة عن اإلشكالية المطروحة وما يتفرع عنها من تساؤالت، حاولنا تقسيم البحث
إلى فصلين، يتم تذييلهما بخاتمة، وذلك على النحو التالي:
الفصل األول: خصوصيات المسطرة خالل المرحلة اإلدارية لمسطرة للتحفيظ
العقاري
الفصل الثاني: خصوصيات المسطرة خالل المرحلة القضائية لمسطرة التحفيظ
العقاري
خاتمة: استنتاجات ومقترحات

تعليقات