القائمة الرئيسية

الصفحات



التدابير العامة والخاصة لحماية جنوح الأحداث، دراسة مقارنة.






التدابير العامة والخاصة لحماية جنوح الأحداث، دراسة مقارنة.


إعداد الطالبة بالباحثة امال الزكاف 





مقدمة عامة

تعد ظاهرة جنوح الأحداث من أبرز الظواهر الاجتماعية المخلة بالنظام الاجتماعي في أي مجتمع كان، فهي باعتبارها مشكلة طالما عانت منها مختلف دول العالم باختلاف مستوياتها وذلك لما تنطوي عليه هذه المشكلة من مضاعفات تساهم في تأخير عجلة تقدم المجتمع وتطوره.
و العالم يشهد أشكالا مستحدثة من الانحراف والإجرام المتميز بتفرد الأحداث بارتكابها، بالنظر للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي أثمرت مجتمعات يتهددها خطر انحراف أطفالها وتهديد رصيدها التنموي والبشري لمستقبل أجيالها، والتي تعد الثروة الحقيقية ومقياس التنمية المستدامة، فلم تعد تنحصر حدود الإصلاح في الإطار القانوني والمؤسساتي، بل تعداه ليشمل التوجهات السياسية والاجتماعية الكبرى المساهمة في تحقيق المواجهة والعلاج الفعالين.
إن مشكلة الأحداث المنحرفين والمعرضين لخطر الانحراف من أهم المشاكل الاجتماعية التي تواجه الدول نظرا لخطورتها المزدوجة على الحدث والمجتمع، ولهذا حرصت الدول على التعامل مع ظاهرة انحراف الأحداث كمشكلة اجتماعية قبل أن تكون قضية جزائية تستحق الوقاية والعلاج والإصلاح أكثر مما تستحق المتابعة بهدف توقيع الجزاء.
فظاهرة جنوح الأحداث تشكل خطورة كبيرة في العالم بأسره، إذ أنها تمثل تهديدا لأمن المجتمع واستقراره ومخططاته التنموية وبنائه الأسري، وذلك نظرا لما أصبحت تشكله شريحة الأحداث الجانحين من خطر على نفسها و على المجتمع برمته لدرجة أصبح من المستحيل استيعابها واحتوائها داخل محيطها الأسري، كما أن للظاهرة أسباب وعوامل متعددة مختلفة ومترابطة أحيانا، تضغط باستمرار وبعنف لتعطي في الأخير إنسانا متذمرا وساخطا على الواقع الاجتماعي المعيش.



و لا يستثنى المغرب من هذا المخاض الاجتماعي والقانوني الذي يؤرق كل الفاعلين الرئيسيين في مجال التشريع وتسيير الشأن العام للدولة، وكذا المهتمين بقضايا الطفولة كفئة هشة معرضة للاستغلال والعبث بحقوقها الأساسية المكفولة لها بموجب القوانين الوطنية والدولية، أو حيثما تؤخذ وضعياتهم في نزاع مع القانون كمؤشر ومعامل إحصائي في احتساب معدلات الجريمة ووضع تصورات ذات أبعاد مختلفة في سن السياسات الجنائية والعقابية، واستباق تطور هذا النوع الجديد من الإجرام المرتبط بفئة عمرية ذات خصوصية لا يفترض من حيث المبدأ مخالفتها للقوانين، بقدر ما تحتاج إلى الرفاه والعناية والطمأنينة والسكينة النفسية وتقدير احتياجاتها وتوفير الحد الأدنى منها.
إن الاعتراف بحقوق هذه الفئة وحده لا يكفي للحديث عن حماية حقيقية دون تحديد الوسائل التي تمكن من بلوغها، كما أن التنشئة الجيدة المبنية على أسس متينة وتكثيف الجهود و الرؤى التشاركية في حماية الطفولة وضبط كفاءاتهم وتوجيههم الصائب خير استثمار نواجه به تحديات العصر ومشاكل جنوح الأطفال، والتي قد تعفينا من سن برامج وخطط استعجالية محدودة الفعالية في الزمن و في النتائج المرجوة، ومن تبعات سياسات جنائية تعجز عن رأب صدع الخلل البنيوي النابع من الأسرة والمدرسة والمجتمع.
الحدث في المفهوم الاجتماعي و النفسي: يراد به الصغير منذ ولادته حتى يتم نضجه الاجتماعي والنفسي وتتكامل لديه عناصر الرشد المتمثلة في الإدراك التام، أي معرفة الإنسان لطبيعة وصفة عمله والقدرة على تكييف سلوكياته وتصرفاته طبقا لما يحيط به من ظروف ومتطلبات الواقع الاجتماعي. 
الحدث الجانح عند علماء الاجتماع أنه: "الشخص الذي يقوم بفعل غير اجتماعي، و يكون مغايرا لما ينتظره المجتمع وما ينص عليه في القانون".
أما علماء النفس فيعرفون الحدث الجانح: هو "ذلك الطفل لذي يعبر عن مشاعره بطريقة يؤذي بها نفسه أو غيره، وهو بسلوكه هذا يخبرنا أنه في حاجة ماسة إلى المساعدة".
و قد عرفت اللجنة التشريعية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التي انعقدت في القاهرة سنة 1953 الحدث المنحرف بأنه: "شخص في حدود سن معينة يمثل أمام هيئة قضائية أو أي سلطة أخرى بسبب ارتكابه جريمة جناية، ليتلقى رعاية من شأنها أن تيسر إعادة تكييفه الاجتماعي".
من خلال الفصول 138و139 من القانون الجنائي، والفصل 458 من قانون المسطرة الجنائية، نجد أن المشرع المغربي ساير المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل 1989، حيث اعتبر الحدث هو: "كل من لم يبلغ ثمان عشرة سنة شمسية كاملة". و بالتالي يمكن القول بشكل عام بأن الحدث الجانح هو كل فرد ذكرا كان أو أنثى لم يتجاوز بعد ثمان عشرة سنة كاملة خالف قاعدة من قواعد القانون الجنائي أو في قوانين خاصة".
هذا يعني، أن الحدث في القانون: هو كل شخص ذكرا كان أو أنثى أتم السن المقررة للتمييز و لم يتجاوز السن المعتبرة لبلوغ الرشد الجنائي بحسب القانون الجاري العمل به، وبهذا فلفظ الحدث يشمل كل من هو في وضعية صعبة أو معرض لخطر الانحراف أو ضحية فعل انحرافي، أو مرتكب جريمة.
أما الحدث الجانح عند فقهاء القانون: فهو مختلف اختلافا بينا، فهو حسب الدكتور منير العصرة "الحدث في الفترة ما بين سن عدم التمييز وسن الرشد الجنائي يثبت أمام السلطة القضائية، أو أي سلطة أو جهة مختصة أنه ارتكب إحدى الجرائم، أو تواجد في إحدى الحالات الخطرة التي يحددها القانون".






  1. أهمية البحث
إن أسلوب الوقاية أنجح من أسلوب المكافحة المباشرة للجريمة و العقاب وذلك بعد فشل ما يسميه مؤسسو مدرسة الدفاع الاجتماعي بثالوث الحلقة المفرغة: رجال الأمن، العدالة الجنائية والسجون، فالوقاية من الجريمة لا ترتكز على العقوبة بقدر ما ترتكز على التدابير والإجراءات والمجهودات المجتمعية المتكاملة لمواجهتها قبل حدوثها، وحقيقة منع وقوع الجريمة تنطبق على الأحداث في مجال تعرضهم لخطر الجنوح.
إن هذا البحث تكمن أهميته في كونه يتصل اتصالا مباشرا ووثيقا بحقوق الطفولة التي ناضلت البشرية ولازالت تناضل من أجلها، حتى يصير شانها مضمونا ومصانا تماما كما هو الأمر بالنسبة لبعض الحقوق الأخرى (كالحق في الاسم والجنسية....).
  1. أسباب اختيار الموضوع
إن أسباب تناول الموضوع لا يحتاج الكثير من التبريرات ،السبب الذي دفعني إلى اختياره هو أن هناك جملة من الأسباب ، وأيضا محاولة الإجابة عن جملة من الأسئلة التي تؤرقني كمهتمة وكباحثة في حقوق الإنسان، ومن هذه الأسباب هناك:
  • كون الأحداث يشكلون الشريحة الهشة والضعيفة بالمجتمع، خصوصا وأن ظاهرة الجنوح في أوساط هذه الفئة الصاعدة تتفاقم سنة على سنة.
  • التعرف على مدى قيام مراكز الحماية والإصلاح والتهذيب بواجبها الوقائي والإدماجي تجاه الأحداث المنحرفين ببلادنا، فضلا عن توفر الإمكانيات المادية اللازمة والموارد البشرية المتخصصة. 
  1. صعوبات الموضوع
من الصعوبات التي واجهتها أثناء كتابة الموضوع، هو تقسيمه ووضعه في إطاره المحدد، و ارتباطه  بجمع المعلومات والتي من شأنها أن تكون إما متوفرة بكثرة أو نادرة.
ومن بين الصعوبات أيضا التي اعترضتنا في هذا الموضوع هو المقصود "بالحدث" و أننا لم نعثر على مفهوم دقيق والذي يليق به.
وحسب رأيي فان مفهوم الحدث حسب ما استنتجته وبعد دراسة مجتمع الأحداث أنه هو:
  • كل ذكر أو أنثى دون سن 18 سنة جانحا أم ضحية لجريمة أو في وضعية صعبة.
  • غالبا ما ينصرف المفهوم إلى الحدث الذي يرتكب جريمة قبل بلوغه سن الرشد الجنائي.
  • يتحدد سن الرشد الجنائي ببلوغ ثمان عشرة سنة ميلادية كاملة.
  • يعتبر الحدث إلى غاية بلوغه سن اثنتي عشرة سنة غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه.
  • يعتبر الحدث الذي يتجاوز سن اثنتي عشرة سنة و إلى غاية بلوغه ثمان عشرة سنة مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه.
  1. إشكالية البحث
إذا كانت المواثيق الدولية، قد وضعت القاعدة والأساس الفلسفي للتعاطي مع مشكلة جنوح الأحداث في احترام تام لحقوقهم وخصوصياتهم العمرية و الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية- وقبلها الفقه الإسلامي والمدارس الفكرية- فإلى أي حد نستطيع محاربة جنوح الأحداث التدابير المتخذة لحمايتهم؟
و تتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل:
  • هل نستطيع ادراك أهمية تطور مفهوم جنوح الأحداث؟و ما هي العوامل والدوافع الأساسية له ؟ هل هناك فعلا مسؤولية جنائية تستوجب عقاب الحدث؟ وهل تستلزم قيام جميع الأركان التي تتطلبها أي جريمة تم ارتكابها؟و كيف عالج التشريع المغربي و الجزائري جنوح الأحداث؟ وما هو الحجم الحقيقي لجنوح الأحداث اليوم؟ ثم كيف استأثرت هذه الظاهرة الشائكة باهتمام الدولي؟ ثم ما هي أشكال العقوبات و التدابير الوقائية المقررة في حق الأحداث الجانحين؟ و أخيرا ما هي المؤسسات القضائية المشرفة على تنفيذ العقوبة في حق الأحداث الجانحين.
  1. المنهج المتبع في البحث
سنعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي ذلك لأن النهج يكشف ويصف الظاهرة كما هي عليه في الواقع كما نحاول تحليل نتائجها وفهمها موضوعيا كما يساعد على ملاحظة وتتبع سلوك الأفراد في مواقف حياتية معينة وجمع المعلومات المتعلقة بشدة ومعرفة الظروف المحيطة بالظاهرة.
و الدراسات الوصفية كما يرى (سكيتس) بأنها: "ما يشمل جميع الدراسات التي تهتم بجمع وتلخيص الحقائق الحاضرة المرتبطة بالطبيعة أو بوضع جماعة من الناس أو عدد من الظروف أو فصيلة من الأحداث أو نظام فكري أو أي نوع آخر من الظواهر التي يرغب الشخص في دراستها".
كما أنه يساعدنا على وصف ظاهرة جنوح الأحداث وصفا عميقا، ودقيقا بهدف إيجاد حلول لها.
وهذا ما سنحاول معالجته في قسمين وذلك على النحو التالي:

  • الفصل الأول: الاهتمام الدولي بظاهرة جنوح الأحداث
  • الفصل الثاني: دور المؤسسات القضائية والإصلاحية في تتبع وتأهيل الحدث الجانح

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم