📁 آخر الأخبار

تداخل عقوبة مقدمات الحد في الحد

تداخل  عقوبة مقدمات الحد في الحد





تداخل  عقوبة مقدمات الحد في الحد


تداخل  عقوبة مقدمات الحد في الحد


إعداد:
نايف بن علي القفاري

ربيع الثاني 1433





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: 
فمن المسائل التي يختلف فيها اجتهاد القضاة: إفراد مقدمات الحدود بعقوبة مستقلة عن عقوبة الحد، وهم بين راءٍ إفرادها، وبين ذاهبٍ إلى سقوطها اكتفاءً بعقوبة الحد.
وهذا بحث لطيف في هذه المسألة انتظم فيما يلي: 
أولاً: مقدمات الحد إذا انفردت استحق فاعلها التعزير.
ثانياً: مقدمات الحد السابقة هل تفرد بعقوبة أو تدخل في عقوبة الحد.
ثالثاً: مقدمات الحد اللاحقة هل تفرد بعقوبة أو تدخل في عقوبة الحد.
رابعاً: نظام مكافحة المخدرات وتداخل عقوبة مقدمات الحد في الحد.

والله أسأل أن يلهمني وقارئه السداد والرشاد، وأن ينفع به..وبالله التوفيق.


أولاً: مقدمات الحد إذا انفردت استحق فاعلها التعزير

الأصل أن المقدمات إذا انفردت في الإتيان استحق فاعلها العقوبة، فلا إشكال في أن المقدمات في حالة لم تفض إلى موجب الحد مطلقاً أنها تفرد بعقوبة؛ ولهذا ينص الفقهاء على تعزير من أتى أسباب المعصية ومقدماتها، كالجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر، وكالخلوة بالأجنبية، والإتيان بمقدمات الزنى ونحو ذلك.
وهذه جملة من نصوص الفقهاء في تقرير ذلك: 
الحنفية : قال السرخسي : (قلت: والرجل يوجد في بيته الخمر بالكوفة , وهو فاسق , أو يوجد القوم مجتمعين عليها , ولم يرهم أحد يشربونها غير أنهم جلسوا مجلس من يشربها هل يعزرون قال : نعم ; لأن الظاهر أن الفاسق يستعد الخمر للشرب , وأن القوم يجتمعون عليها لإرادة الشرب , ولكن بمجرد الظاهر لا يتقرر السبب على وجه لا شبهة فيه , فلا يمكن إقامة الحد عليهم , والتعزير مما يثبت مع الشبهات , فلهذا يعزرون , وكذلك الرجل يوجد معه ركوة من الخمر بالكوفة , أو قال ركوة , وقد كان بعض العلماء في عهد أبي حنيفة رحمه الله يقول : يقام عليه الحد كما يقام على الشارب ; لأن الذي يسبق إلى وهم كل أحد أنه يشرب بعضها, ويقصد الشرب فيما بقي معه منها إلا أنه حكي أن أبا حنيفة رحمه الله قال لهذا القائل لم تَحده قال : لأن معه آلة الشرب , والفساد قال : رحمه الله , فارجمه إذا , فإن معه آلة الزنا , فهذا بيان أنه لا يجوز إقامة الحد بمثل هذا الظاهر , والتهمة , والله أعلم)([1])، وجاء في العناية: (قوله ( ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج ) أي في غير السبيلين كالتفخيذ والتبطين ( عزر لأنه فعل منكر ليس فيه شيء مقدر ))أهـ.([2]).




المالكية :يقول الحطاب رحمه الله: (من تغامز مع أجنبية أو تضاحك معها ضربا عشرين, عشرين إذا كانت طائعة , فإن قبلها طائعة ضربا خمسين , وإن لم تطعه ضرب وحده خمسين, ومن حبس امرأة ضرب أربعين فإن طاوعته ضربت مثله )([3]). ويقول أيضاً: (وقال في المسائل الملقوطة يلزم التعزير لمن سرق مالا قطع فيه, والخلوة بالأجنبية)([4])، وجاء في تبصرة الحكام لابن فرحون: (مسألة : قال مطرف : وسمعت مالكا يقول : وسئل عن الرجل يوجد مع القوم عند الشراب ولم يشرب , ولم يوجد منه رائحة ولعله يقول : إني صائم , فقال مالك : ما للصائم يدخل في مثل هذا فأرى أن يعاقب بحضرة ذلك)([5]).
الشافعية :يقول النووي رحمه الله: (المفاخذات ومقدمات الوطء، وإتيان المرأة، لا حد فيها، ولو وجدنا رجلا وامرأة أجنبيين تحت لحاف، ولم يعرف غير ذلك لم نحدهما، ويجب التعزير في هذه الصور)([6]).
الحنابلة : يقول البهوتي رحمه الله: (فلا حد بتغييب بعض الحشفة , ولا بتغييب ذكر خنثى مشكل , ولا بتغييب في فرجه , ولا بالقبلة والمباشرة دون الفرج , ولا بإتيان المرأة المرأة ,  ويعزر في ذلك كله) أهـــ.([7])
وقال ابن تيمية: ( بل مجرد الحضور عند أهل الميسر كالحضور عند أهل شرب الخمر , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر " . وقد رفع إلى عمر بن عبد العزيز رضي اللهعنهم قوم يشربون الخمر , فأمر  بضربهم , فقيل له : إن فيهم صائما , فقال : ابدءوا به , ثم قال : أما سمعت قوله تعالى : {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } . فاستدل عمر بالآية([8]) , لأن الله تعالى جعل حاضر المنكر مثل فاعله، ...وإذا كان كذلك فهذا الذي يحضر مجالس الخمر باختياره من غير ضرورة ولا ينكر المنكر كما أمره الله هو شريك الفساق في فسقهم فيلحق بهم)([9]).
وقال ابن تيمية : (ولهذا حرمت الخلوة بالأجنبية ; لأنها مظنة الفتنة , والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز , فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة , ولهذا كان النظر الذي يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لمصلحة راجحة , مثل نظر الخاطب)([10]).





ثانياً: مقدمات الحد السابقة هل تفرد بعقوبة أو تدخل في عقوبة الحد.

ومع أن مقدمات الحد إذا انفردت استحق فاعلها التعزير إلا أنَّ الشخص إذا أتى بالمقدمات حتى أفضت به إلى فعل موجب الحد، اُكتفي بعقوبة الحد للجميع – الحد ومقدماته –.
قال النفراوي المالكي : (مقدمات الزنا تدرج في حد الزنا , والأطراف تدرج في القتل)([11]).
وقال الرافعي: (سبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد: ألا يرى أن مقدمات الزنا لو تجردت أوجبت التعزير وإذا أفضت إلى الزنا لم يجب التعزير مع الحد)([12])، والنووي في المجموع نقل عبارة الرافعي ([13]).

والأصل في ذلك :
استقراء النصوص التي جاء فيها إقامة النبي صلى الله عليه وسلم الحدود وكذا خلفائه من بعده، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاقب على ما دون الزنا عند وقوع الزنا، مع أنه معلوم عقلاً وحساً بأن الزنا لا بد له من مقدمات توجب العقوبة لو انفردت كالخلوة والقبلة والضم والملامسة ونحو ذلك. 
وأيضاً فإن السرقة تتضمن غالباً دخول ملك الغير بغير إذنه وتتضمن أيضاً الاطلاع على العورات، وهذان موجبان للعقوبة لو انفردا إلا أنه لم ينقل إفرادهما بالعقوبة.
وكذلك شرب الخمر فإنه يتضمن مقدمات ولا بد؛ كحيازته وحضور مجالسه وتصنيعه أو التستر على بائعه ومع ذلك لم ينقل إفراد هذه المقدمات بعقوبة([14]).
وقد قرر الفقهاء قاعدة فقهية في هذا وما شابهه نصها : "أن ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه" وهذه القاعدة ذكرها السبكي ([15]) والزركشي([16]) والسيوطي ([17])، ويعنون بها:أنه إذا اجتمع سببان أحدهما داخلٌ في الآخر؛ لكون الأعلى منهما متضمناً للأدنى ،لم يترتب على مجموعهما إلا ما يترتب على أعلاهما([18]).
ومثل لها السبكي والسيوطي بمقدمات الزنا مع الزنا فقالا: (لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة، فإن أعظم الأمرين وهو الحد قد وجب)، وصاغ الزركشي المثال عينه بعبارته وأضاف عليه فقال :(وكذلك زنى غير المحصن يوجب الجلد وتحصل معه الملامسة وذلك يقتضي التعزير فلا يجب معه، ...، وكذلك الجناية على الأطراف إذا أفضت إلى الموت توجب دية النفس ولا تجب معها دية الأطراف).
وهذا أمرٌ متقررٌ يجزم المرء بحكاية الإجماع عليه أو يكاد؛ فليس أحد من الفقهاء ينص على معاقبة الزاني أو السارق أو الشارب بمقدمات فعله ، ولم أقف على أحد نص على إفراد المقدمات بعقوبة إذا اجتمعت مع الحد.
قال الشاطبي رحمه الله: ( الممنوعات في الشرع إذا وقعت، فلا يكون إيقاعها من المكلف سبباً في الحيف عليه بزائدٍ على ما شُرعَ له من الزواجر أو غيرها، كالغصب مثلا إذا وقع، فإن المغصوب منه لا بد أن يوفى حقه، لكن على وجه لا يؤدي إلى إضرار الغاصب فوق ما يليق به في العدل والإنصاف، فإذا طولب الغاصب بأداء ما غصب أو قيمته أو مثله، وكان ذلك من غير زيادة، صح، فلو قصد فيه حمل على الغاصب، لم يلزم؛ لأن العدل هو المطلوب، ويصح إقامة العدل مع عدم الزيادة، وكذلك الزاني إذا حد لا يزاد عليه بسبب جنايته؛ لأنه ظلم له، وكونه جانياً لا يُجنى عليه زائداً على الحد الموازي لجنايته، إلى غير ذلك من الأمثلة الدالة على منع التعدي [على المتعدي] أخذاً من قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] ،وقوله: {والجروح قصاص} [المائدة: 45] .ونحو ذلك)([19]).
إذا ثبت هذا فهل المقدمات تندرج في الغايات إذا كانت سابقة لها فقط أو تندرج فيها مطلقاً. هذا ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . 






ثالثاً:مقدمات الحد اللاحقة هل تفرد بعقوبة أو تدخل في عقوبة الحد.

إذا أتى موجب حدٍ ثم شرع في موجبه مرة أخرى فهل يفرد الشروع بعقوبة مستقلة لكونه تالٍ للأول أو يدخل فيه؟.
ومثاله: من حاز خمراً ثم شربه، وبعد الشرب حاز خمراً مرة أخرى فقبض عليه قبل شربه، فهل تفرد الحيازة الثانية بعقوبة مستقلة لكونها تالية للشرب الأول أو تدخل في حد السكر مثلها مثل الحيازة الأولى التي قُرر فيما سبق أنها داخلة في الحد لا يصح إفرادها بعقوبة؟.
وإنما أفردت هذه الصورة؛ لكونها هي عين النزاع بين القضاة.
وللجواب على سؤال العنوان نقول -وبالله التوفيق-: 
ثمت نظران في المسألة: 
النظر الأول: يصح إفراد المقدمات اللاحقة بعقوبة مستقلة عن عقوبة الحد، لما يلي : 
       أن عقوبة الفعل التام -وهي الحد هنا- استقرت بإتيان موجبه، ومتى شرع مرة أخرى في مقدمات الحد – كالحيازة اللاحقة للتعاطي- فقد شرع في معصية أخرى منفكة عن الأولى يستحق لشروعه فيها عقوبة منفردة عن العقوبة الأولى. مثاله ما لو أتى بمعصيتين من جنسين –خلوة بأجنبية وسكر- فلا تدخل عقوبة جنس في آخر، وكذلك ما نحن فيه: فلا تدخل عقوبة الشروع في عقوبة الفعل التام.

       أنه جاء في جملة من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه أمر بكسر دنان الحائز للخمر([20])، وهذه عقوبة لأجل الحيازة، فإذا اجتمعت الحيازة مع السكر استحق كل منهما عقوبة منفردة، وإذا ثبت التعزير ابتداءً لأجل الحيازة، جاز تبديله إلى غيره من العقوبات كالحبس والجلد.

       أن جملة من الفقهاء نصوا على جواز التعزير إضافة للحد في معاصٍ شتى، وهذه جملٌ منها:
فعند الحنفية : يجوز للإمام أن يغرب في زنى غير المحصن إضافة على جلده، وهذا بناءً على رأيهم في أن التغريب عقوبة تعزيرية راجعة لاجتهاد الإمام([21]).
وكذلك عندهم وعند الشافعية والحنابلة: تعلق يد السارق في عنقه إلا أنها عند الحنفية جوازاً([22])، وعند البقية استحباباً([23]).
وعند الحنفية والحنابلة: من سكر في نهار رمضان فإنه يعزر بعشرين سوطاً علاوة على الحد([24]).
وعند المالكية: إذا أخذ السكران من الأماكن العامة وآذى الناس وروعهم يزاد عليه عقوبة أخرى إضافة للحد، وتكون الزيادة على قدر جرمه([25]).
وعند المالكية والشافعية: يجوز تعزير الشارب بالقول زيادة على الحد([26]).
وعند الشافعية أيضاً: أن حد السكر أربعون ويجوز الزيادة عليه تعزيراً أربعون أخرى([27]).
والأصل في جواز اجتماع التعزير والحد في بعض المعاصي: خبر أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتي برجل قد شرب فقال:"اضربوه"، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "بكتوه"، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله، وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوه.
وكذلك خبر عبد الرحمن بن محيريز قال: سألنا فضالة بن عبيد، عن تعليق اليد في العنق للسارق، أمن السنة هو؟ قال: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق، فقطعت يده، ثم أمر بها، فعلقت في عنقه"([28]). 
إضافة لخبر مشاورة عمر رضي الله عنه الصحابة في زيادة جلد شارب الخمر من أربعين إلى ثمانين([29])، وزيادة علي رضي الله عنه عشرين جلدة على حد الخمر لما شرب النجاشي الخمر في نهار رمضان([30])
فإذا جاز الجمع بين التعزير والحد على معصية واحدة ، فلنجوز فيمن أتى بالمقدمات بعد إتيانه موجب الحد: أن يُجمع عليه بين الحد والتعزير.

       ونقول بأن المقدمات اللاحقة تندرج في الحد متى أفضت إلى موجبه مرة أخرى، فإذا أتى موجب الحد ثم أتى مقدماته بعد ذلك استحق عقوبتين، عقوبة للحد وعقوبة للمقدمات اللاحقة، ثم إذا أفضت المقدمات اللاحقة إلى الحد مرة أخرى لم يجب عليه إلا عقوبة واحدة، وهذا وإن كان فيه علو في قدر العقوبة إذا خفت ونزول إذا عظمت فله نظير في الشريعة، وهو ما جاء في دية جراح المرأة، فديتها كدية الرجل إلى الثلث ومتى زادت عن الثلث رجعت إلى النصف([31]). وكذلك الرجل إذا أتى بالمقدمات بعد الحد استحق عقوبة منفردة للمقدمات، فإذا أتى بالحد مرة أخرى رجع إلى عقوبة واحدة.





النظر الثاني: لا يصح إفراد المقدمات اللاحقة بعقوبة مستقلة عن الحد لما يلي: 
       لما ذكرنا فيما مضى من أن المقدمات السابقة لا تفرد ، فكذا اللاحقة؛ إذ لا فرق ! فكلاهما مقدمة، شُرع لها العقوبة ردعاً عن إتيان الحد، فإذا وقع فيه لم يكن لإفراد أحدهما بالعقوبة معنى. 

       ولأن المقدمات سواء كانت سابقة للحد أو لاحقة له لا تعدو أن تكون معصية صغرى بالنسبة لارتكاب الحد، والأصل أنه إذا اجتمعت معصيتان من جنس واحد صغرى وكبرى دخلت عقوبة الصغرى في عقوبة الكبرى مطلقاً([32]) من غير تفريق بين السابقة واللاحقة.

       ولأن المقصود من العقوبات الزجر والردع، وهما متحققان في دمج العقوبة وتوحيدها، ولهذا كان مبنى العقوبات على التداخل([33])، فالزنى الواحد غالباً ما يتضمن عدة زنيات، فكل إيلاجة في الفرج موجبة للحد لو انفردت، وكذلك السكر فإنه يتضمن حسوات كل واحدة منها موجبة للحد لو انفردت، ومع هذا تداخلت؛ فلأن تتداخل المقدمات ولو فصل بينها حدٌ أولى. يقول العز بن عبد السلام: (والأصل تعدد الأحكام بتعدد الأسباب، وأولى الواجبات بالتداخل الحدود لأنها أسباب مهلكة والزجر يحصل بالواحد منها، ألا ترى أن إيلاج الحشفة في الفرج موجبٌ للحد، ولو تعدد الحد بالإيلاجات الواقعة بعد الإيلاجة الأولى لوجبت عليه حدود متعددة بوطأة واحدة!
فإن قيل: لم كررتم الحد إذا تخلل بين الزنيتين؟ والقطع إذا تخلل بين السرقتين؟ 
قلنا: لمـّا علمنا أنَّ الحد الأول لم يزجره حين أقدم على الجريمة ثانياً، جددنا عليه الحد إصلاحاً له بالزجر وفطاماً له عن المعاودة، إذ لا يمكن إهماله بغير زاجر، فإن إهماله مؤد إلى تكثير جرائمه وتفويت مصلحة الزجر)([34]).

       ولأن المقدمات اللاحقة إذا أفضت إلى الحد مرة أخرى قبل إقامة الحد الأول، لم يجب على مرتكبهما إلا حد واحدٌ للفعلين بالإجماع([35])، وهذا مندرج في القاعدة الفقهية: "إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً" ذكرها ابن نجيم([36]) والسبكي([37]) والسيوطي([38])، ومثلوا له بما لو زنى بكر أو شرب خمراً أو سرق مراراً فإنه يكفيه حد واحد.
فإذا كان من وصل إلى فعل موجب الحد مرتين لا يعاقب على فعل الجميع إلا مرة واحدة مع أن الجميع يتضمن أربعة أشياء جملة ( 1-مقدمات الحد الأول.2-موجب الحد الأول. 3-مقدمات الحد الثاني. 4- موجب الحد الثاني).
فمن باب أولى ألا يعاقب من فعل ثلاثة أشياء منها بعقوبتين. فإن عُوقب من فعل ثلاثة من أربعة بعقوبة تزيد على من فعل الأربعة كلها كان هذا قدحاً في العقل والشرع ! 
ووجهه: أنا إذا أوجبنا دخول المتساوي في المتساوي فأغنى إقامة أحد الحدين عن الآخر –الحد الأول يدخل في الحد الثاني- ، ومنعنا في نفس الوقت دخول الأدنى في الأعلى – المقدمات اللاحقة لا تدخل في الحد الأول- كان هذا قدحاً لما فيه من زيادة التنكيل فيما حقه التخفيف ! 
فالأول عوقب على فعل أربعة أشياء بعقوبة واحدة، والثاني عوقب على فعل ثلاثة أشياء بعقوبتين !
مع أن الأولى أنه إذا لم يُساوى بينه وبين من فعل الأربعة، أن يحط عنه بحيث تكون عقوبته دون عقوبة من أتى بالأربعة كلها. 
ذكر أحد الزملاء قضية وقعت، مفادها: شخصان ابتداء الشرب سوياً في مخطط قريب من الرياض، أحدهما ضخم ومعه قاروة حجم 600مل تقريباً ، والثاني نحيف ومعه قاروة حجم 400مل تقريباً، الأول شرب الكمية في لحظات، والثاني قبض عليه قبل أن يُكمل شرب نصفها، فأحيلا مع الإدعاء العام، وأقيم على الأول: دعوى سكر، والثاني: أقيم عليه دعوى سكر وحيازة !
قال ابن القيم: (وإذا تأملت أسرار هذه الشريعة الكاملة وجدتها في غاية الحكمة ورعاية المصالح لا تفرق بين متماثلين ألبتة ولا تسوى بين مختلفين ولا تحرم شيئا لمفسدة وتبيح ما مفسدته مساوية لما حرمته أو رجحته عليه، ولا تبيح شيئاً لمصلحة وتحرم ما مصلحته تساويه لما إباحته البتة ولا يوجد فيما جاء به الرسول شيء من ذلك البتة ولا يلزمه الأقوال المستندة إلى آراء الناس وظنونهم واجتهاداتهم ففي تلك من التفريق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات وإباحة الشيء وتحريم نظره وأمثال ذلك ما فيها)([39]).
وقال ابن تيمية:( الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والعدل وضع كل شيء في موضعه وهو سبحانه حكمٌ عدلٌ يضع الأشياء مواضعها ولا يضع شيئاً إلا في موضعه الذي يناسبه وتقتضيه الحكمة والعدل، ولا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة والعدل)([40]) وقال أيضاً: (وبالجملة فالشارع حكيم لا يفرق بين متماثلين إلا لاختصاص أحدهما بما يوجب الاختصاص ولا يسوي بين مختلفين غير متساويين بل قد أنكر سبحانه على من نسبه إلى ذلك وقبح من يحكم بذلك فقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} وقال تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، وقال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} {ما لكم كيف تحكمون} وقال تعالى: {أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر} وقال تعالى: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} . وإنما يكون الاعتبار إذا سوى بين المتماثلين)([41]).





       بل إن الفقهاء ذهبوا إلى أبعد من هذا حتى قالوا: إنه لو شرُع في تنفيذ الحد الأول ثم في أثناء التنفيذ تعذر إتمامه؛ كما لو هرب أو مرض ونحو ذلك، ثم أتى موجب الحد مرة أخرى بعد تعذر إتمام الأول ، حد للثاني ودخل باقي الحد الأول في الحد الثاني([42])، فالتداخل عندهم لا يقف عند الحكم وإنما يستمر إلى تنفيذه. فأيهما أولى بالدخول: المقدمات اللاحقة أو الحد اللاحق بعد الحكم وقبل تنفيذه؟!

       ولو فرقنا في مقدمات الحد في مسألتنا –حيازة الحشيش والسكر- للزم أن نفرق أيضاً في بقية مقدمات الحدود الأخرى، فنفرق بين أن يزني ويُخرج المرأة من داره مباشرة وبين أن تمكث عنده بعد الزنى لحظات؛ إذ الصورة الثانية ارتكاب لمقدمات الزنى بعده - الخلوة بالأجنبية- فلا بد أن تفرد بعقوبة مستقلة عن الحد. وكذلك نفرق بين القبلة إذا كانت قبل الزنى وبعده، ونفرق أيضاً بين الملامسة إذا كانت قبل الزنى وبعده !

ويمكن أن يجاب عن أدلة النظر الأول بما يلي : 
أما أن الشروع في المقدمات بعد الحد يعد شروعاً في معصية أخرى منفكة عن الأولى فتفرد بعقوبة قياساً على ما لو أتى بمعصيتين من جنسين. فيجاب: بأنه استدلال بمحل النزاع ، كما أنه يتضمن الاستدلال باستصحاب حال الإجماع وهو مختلف فيه ، ويمكن أن يعارض بمثله، فيقال: بأن الشروع في المقدمات بعد الحد مندرجٌ في عقوبة الحد لا يفرد بعقوبة ، قياساً على ما لو أتى الحد مرتين، فإن الحد الأول يندرج في الحد الثاني.

وأما أنه جاء في جملة من الأحاديث الأمر بكسر دنان الحائز للخمر، فيقال : الأحاديث تصلح دليلاً على أن المقدمات تفرد بعقوبة إذا لم تفضِ إلى حد. وليس فيها ألبته دلالة على أن الذي كسرت دنانه كان سكراناً ليصح الاستدلال بها على إفراد المقدمات بعقوبة مستقلة عن الحد، فغايتها كسر دنان حائز الخمر ونحن نسلم بأن المقدمات إذا انفردت لا بد لها من عقوبة ، ومحل البحث هو في المقدمات اللاحقة للحد وهذا ما ليس في الأحاديث دلالته عليه.

وأما تخريج إفراد المقدمات بعقوبة مستقلة على ما ذكروه من جواز التعزير إضافة على الحد، فلا يسلم طرده في مسألتنا لما يلي: 
أن جملة الفروع التي ذكرت إما معتمدة على نص ، وإما أن المعصية اجتمع فيها موجبان للعقوبة لا يتداخلان.
فالمبنية على نص: قول الحنفية في التغريب والجمهور في تعليق يد السارق والشافعية في تعزير الشارب أربعين بناءً على أن الحد أربعون فقط. فالتغريب في الزاني غير المحصن سواء قيل إنه من ضمن الحد أو أمر زائد عليه فمبناه النص.
وأيضاً تعليق يد السارق، فالذي قال به عمدته خبر عبد الرحمن بن محيريز.
وكذلك يقال في حد الخمر –على القول بأن الحد أربعون والأربعون الأخرى زيادة على الحد تعزيراً-، فإن مبنى هذا القول فعل عمر رضي الله بعد مشورة الصحابة رضي الله عنهم وإجماعهم، فيصدق على من جلد أربعين بأنه اقتدى بسنةٍ، كما أنه يصدق الاقتداء بسنةٍ على من جلد ثمانين؛ ولهذا قال عليٌ رضي الله عنه - لما بلغ عبد الله بن جعفر أربعين جلدة في خبر جلد الوليد بن عقبة- : أمسك، ثم قال: "جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌ سنة، وهذا أحب إليَّ"([43]).
ومثله تجويز تعزير الشارب بالقول، فمبناه النصُ. ثم إن حديث الأمر "بالتبكيت" يعارضه أحاديث أخر جاء النهي فيها عمّا هو داخل في التبكيت أو قريب منه، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان"([44])، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله"([45])، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر"([46])، وفي خبر الغامدية لما أقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: "مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له"([47]). 
قال القاري الحنفي عند "ولا يثرب": (فيه أنه لا يجمع بين الحد والتثريب)([48])
وقال ابن بطال عندها: (يدل أن كل من وجب عليه حد وأقيم عليه أنه لا ينبغي أن يثرب عليه ولا يعدد، وإنما يصلح التثريب واللوم قبل مواقعة الذنب للردع والزجر عنه)([49]). وابن الملقن الشافعي نقل عبارة ابن بطال من غير تصريح بالمنقول عنه([50]).
وقال ابن الجوزي: (لا يعيّرها بعد إقامة الحد عليها، وذلك لستة أشياء: أحدها:..، والثالث: لأن الحد حد عقوبتها الشرعية، فلا يزاد عليها ما لم يشرع،..)([51])
وقال الشوكاني :(والمراد أن اللازم لها شرعاً هو الحد فقط، فلا يضم إليه سيدها ما ليس بواجب شرعاً وهو التثريب،) ثم قال بعد أن نقل فحوى عبارة ابن بطال: (ولهذا لم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - سب أحداً ممن أقام عليه الحد)([52]).
ثم على إعمال الأمر بتبكيت الشارب: فغاية الحديث أنه زِيدَ في عقوبة الشارب لأجل ارتكابه موجب الحد لا لأجل إتيانه بمقدماته، فالتبكيت لم يكن عقوبة زائدة تقابل الحيازة أو الجلوس على مائدة خمر؛ بل كان زيادة على الحد لذات الحد لا لمقدماته !
وكذلك يقال في عموم المسألة على فرض التسليم بطردها؛ فيقال: إذا أردنا الزيادة في العقوبة استناداً لمسألة الإضافة على الحد تعزيراً: فإن الزيادة ينبغي أن تكون على عقوبة الحد نفسه لذات الحد لا لمقدماته، ومتى أضفنا عقوبة على الحد لأجل المقدمات فقد خالفنا المسألة التي بنينا عليها أصلنا.





الحاصل أن جملة الفروع المبنية على النص فيما ذُكِر دليلاً لتجويز الجمع بين التعزير والحد: ينبغي أن تقف عند وقائع النص ولا تطرد إلا فيما طابقه، ولا تُعدّى إلى غيره؛ لأنه لا مدخل للمصالح المرسلة في المقدرات، ومن المقدرات الحدود. ورعاية عموم قوله تعالى :{تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وما في بابها من الآيات([53]): يقتضي ألا يتعدى في المقدرات لا بزيادة عليها ولا نقصان.
ولهذا ينص الفقهاء من حيث الأصل على أنَّ التعزير مدخله في غير العقوبات المقدرة: قال الطرابلسي الحنفي : (التعزير تأديب استصلاح وزجره عن ذنوب لم تشرع فيها حدود ولا كفارات)([54]).
وجاء في منح الجليل لعليش : ( وعزر ) بفتحات مثقلا , أي أدب وعاقب (الإمام ) أي الحاكم خليفة كان أو نائبه ( لمعصية الله ) تعالى معصية لا حد فيها ولا حق لآدمي فيها، ..)([55]).
وجاء في مغني المحتاج للشربيني: (الأمر الثاني : أنه متى كان في المعصية حد كالزنا , أو كفارة كالتمتع بطيب في الإحرام ينتفي التعزير لإيجاب الأول للحد والثاني للكفارة . ويستثنى منه مسائل) وذكر سبع مسائل مستثناه من هذا الأصل الذي قرره([56]).
وفي حاشية ابن قاسم على الروض: ( وأما ما فيه حد أو كفارة كالزنا والسرقة والظهار والإيلاء فلا تعزير)([57]).

وفرق بين أن يُخرم أصل كلي مراعاة لأصل آخر أو لتحقيق المناط الخاص في شخص أو واقعة استحساناً–كما في حد من زنى بمحرم يقتل مطلقاً، أو المصر كما في تكرار الشرب على قول-. وبين أن يخرم في القضايا كلها، فالأول سائغ شرعاً والثاني لا؛ إذ فيه مناقضة لحفظ ضرورة الدين، فما معنى أن يبين الشارع الحدود وينوعها ويقدرها ، ثم يُجّوز لنا في كل القضايا الخروج عن تقديره زيادة أو نقصاناً؟!.
ولا يصح الزيادة على مقدرات الشارع بحجة فساد أهل الزمان وكثرة الشر وغلبته؛ لما يتضمنه من تجويز الخروج على مقدرات الشارع، ومتى جوزنا الزيادة بحجة غلبة الشر وأنه لم يعد كافياً في العقوبة ما كان كافياً للعصر الأول، فقد جوزنا ضمناً النقص والتبديل في العقوبة المقدرة، فالمستغربون يحتجون في تبديل العقوبات المقدرة أو تخفيفها بأن الحدود كانت تصلح للعصر الأول لغلبة الجفاء والغلظة على الأعراب فكان لا بد من زيادة في التنكيل لحصول الردع، بخلاف عصرنا الذي غلب على أهله رقة الطبع! 

وأما المبنية على اجتماع موجبين: فكقول المالكية في السكران إذا أُخذ من الأماكن العامة وآذى الناس وروعهم، فهذا جمع في فعل واحد بين معصيتين من جنسين: 
الأولى: السكر. 
والثانية: إيذاء الناس وترويعهم. 
وكلٌ منهما موجب مستقل للعقوبة، فلهذا جاز تعزيره لا زيادة على الحد، وإنما لموجب آخر وهو الإيذاء.
ومثله قول الحنفية والحنابلة في تعزير من سكر في نهار رمضان، فمن سكر في نهار رمضان جمع بين معصيتين: 
الأولى: الفطر في نهار رمضان بلا عذر. 
والثانية: السكر. 
وتعزيره لا يعد زيادة على الحد؛ وإنما لكونه أفطر في نهار رمضان بلا عذر، وهذا موجب للعقوبة مستقل، وجنسه مختلف عن جنس السكر، فلو تناول مباحاً في نهار رمضان بلا عذر لوجبت عقوبته، ويؤكد هذا أن علياً رضي الله عنه في الخبر الذي استدل به الحنابلة قال للنجاشي الشاعر بعد أن زاده العشرين: "إنما جلدتك هذه العشرين لجرأتك على الله، وإفطارك في رمضان"([58]). 
واجتماع موجبين في فعل واحدٍ نظيره ما يُعرف عند القانونين بالتعدد الصوري([59])، ومفهومه عندهم: أن يرتكب الجاني فعلاً واحداً؛ ولكنه يكون جرائم متعددة تقع تحت طائلة نصوص قانونية مختلفة. 
وإنما سمي صورياً؛ لأنه في الواقع لا تعدد مادي في الجرائم، وإنما التعدد في تطبيق بعض نصوص قانونية، ومثلوا له: بمن يستولي على مبلغ من النقود بوساطة استعمال سند دين مزور، فإنه يعد مرتكباً لجريمة نصب وجريمة استعمال ورقة مزورة([60]).




ونصوغ بعبارة أخرى ما يعرف عند القانونين بالتعدد الصوري مقارناً بألفاظ الشرعيين: 
المثال الذي مثل به للتعدد الصوري تضمن موجبين للعقوبة اجتماع في فعل واحد، وكل منهما مقصود بالنهي قصداً أولياً، فالتزوير محرم تحريم غاية، والنصب أيضاً محرم تحريم غاية، فكان لا بد لكل منهما من عقوبة مفردة، لأن ما حرم تحريم غاية لا يباح مطلقاً ولهذا لم يتداخل مع غيره.
ومثله مثال المالكية: فترويع الناس محرم تحريم غاية، والسكر محرم تحريم غاية، فإذا اجتماع في فعل واحد انفرد كل منهما بعقوبة؛ لأنه لا تلازم بينهما حتى يتداخلا، فيمكن ترويع الناس بلا سكر، كما يمكن السكر بلا ترويع. وهكذا في مثال الحنابلة: فالفطر في رمضان بلا عذر ولو بمباح محرم تحريم غاية، والسكر محرم تحريم غاية، فإذا اجتماع في فعل واحد انفرد كل موجب بعقوبة، ولا تلازم بينهما حتى يتداخلا، فيمكن الفطر في نهار رمضان بغير المسكر، كما يمكن السكر في ليل رمضان من غير إبطال للصيام.
أما مسألتنا- تداخل المقدمات في الحدود- فإن مقدمات الحدود محرمة تحريم وسيلة لا غاية، ولهذا تباح عند الضرورة أو الحاجة، فالخلوة بالأجنبية تباح مثلاً لمن انقطعت في برية كما في خبر عائشة وصفوان بن المعطل رضي الله عنهما في قصة الإفك([61])، وكذلك مس المرأة الأجنبية والنظر لعورتها تباح عند الضرورة أو الحاجة كما في التطبيب([62])، وكما في مواراة الأجنبية في قبرها لخبر دفن أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم([63])، وكذلك حيازة الخمر والمخدرات تباح إذا قصد من حيازتها إتلافها، فلا زالت الجهات القابضة تحوزها أولاً ثم تتلفها بعد ذلك بفترة. 
الحاصل أنَّ المقدمات مقصودة بالنهي قصداً تبعياً لا أولياً، ولهذا إذا اجتمعت مع الحدود دخلت عقوبتها في عقوبة الحد ولم تفرد بعقوبة، لأن المقدمات لازمة للحد غالباً، ولا يمكن الوصول إلى فعل موجب الحد إلى بسلوك دهليزها، فالزاني لا يصل إلى الزنى إلا بالإتيان بمقدماته غالباً، فلا بد أن يخلو بالأجنبية، وغالباً ما يستمتع بها قبل الوقاع وبعده بأنواع الاستمتاع كلها أو بعضها. وكذلك في المخدرات والشرب لا بد وأن يحوزها قبل أن يتعاطها. 
هذا هو الفرق بين التعدد الصوري ومثال المالكية والحنابلة من جهة وبين مسألتنا.

وأما القياس على دية المرأة في أنه قد يكون ما حقه الزيادة أقل عقوبة مما حقه التخفيف، فإنما قيل به هناك في الديات لأجل النص ولا موضع للأقيسة متى وجد النص. ولهذا قال ابن قدامة بعد أن ساق الخبر الذي فيه أن دية المرأة كدية الرجل حتى يبلغ الثلث: (وهو نص يقدم على ما سواه. وقال ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال : عشر . قلت : ففي إصبعين ؟ قال: عشرون . قلت : ففي ثلاث أصابع ؟ قال : ثلاثون . قلت : ففي أربع ؟ قال : عشرون . قال : قلت : لما عظمت مصيبتها . قل عقلها , قال : هكذا السنة يا ابن أخي . وهذا مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه سعيد بن منصور)([64]).
ولا يسلم مقايسة مسألتنا على مسألة دية المرأة، لأن العلة فيها غير منصوصة حتى يستقيم القياس عليها، ولو وجدت علة مستنبطة فإن مقايسة مسألتنا على تداخل الحدود من جنس واحد أقرب من قياسها على مسألة في الديات([65])، ويؤكده أن الأصل في باب الديات عدم التداخل وإن توحد محل  الجناية([66])؛ لأنها حقوق آدميين مبنية على المشاحة، بخلاف الحدود فالأصل فيها التداخل؛ لأنها حقوق الله تعالى، وهي مبنية على المسامحة وهذا هو الحال في حقوق الله تعالى الأخرى كالكفارات والنذور فإنها تتداخل إذا كانت من جنس واحد.

فإن قيل: تفرد المقدمات اللاحقة بعقوبة لأنه ربما قصد بها أمراً لا يصح إدراجه، كما لو قصد بيع الخمر المتبقي بعد سكره، وكما لو قصد بخلوته بالأجنبية بعد أن زنى بها أن يجرَّ عليها، ولأجل مثل هذا الاحتمالات نفرد المقدمة اللاحقة بعقوبة. 
جوابه فيما يلي: 
1-أن "ربما" لا مدخل لها في الأحكام، فالمجازاة لا تجوز على الافتراضات العقلية المجردة، فلا يصح أن يقال: ربما أراد السرقة، وربما أراد السكر.
2-أن الأصل حمل النيات على أقل ما يوجب العقوبة؛ لأن الأقل هو المتيقن وما عداه يحتاج إلى دليل، فمن وجد معه خمر فالأصل أنه لانتفاعه، ومن ادعى قصداً فوق الانتفاع كالترويج ونحوه فعليه الدليل، ومن وجدت معه امرأة فالأصل أنه يريد الاستمتاع بها لنفسه، ومن ادعى أنه يجر عليها فعليه الدليل.
3- وعليه فإما أن يثبت بالبينة وقرائن الأحوال هذا القصد المحتمل أو لا، وإذا لم يثبت لم يجز أن يعاقب على أمر غير متحقق، إذْ الأصل البراءة([67]).


هذا وإذا أمعنا الفحص في مآل النظر الأول- إفراد المقدمات اللاحقة بعقوبة- تجلى لنا أنه يعارض مقاصد الشارع في العقوبات ! 
فإن أحد مقاصد الشريعة من العقوبة "الزجر عن إتيان المعصية" ، وإذا كان من فعل الحد التام مرة وشرع فيه أخرى ولمَّا يبلغ بعد تمامه: نعاقبه بعقوبتين، ويخفف عنه إذا فعل الحد التام مرتين، أخْرَجَنا ذلك عن مقصود العقوبات و أَوْقَعنا في نقيضه، فبدل أن تكون العقوبة رادعة عن تقحم المعصية تغدو داعية ودافعة إلى ارتكابها خاصة إذا جمع العاصي بين الفقه ورقة الديانة ، فيتحقق له نيلُ مبتغاه من اللذة مع خفة العقوبة!
والتائب أو الجاهل الذين لم يتقحم في الذنب مرتين لظنه أن عقوبته أخف: لسان حاله كلسان الإخوة الإشقاء في الحمارية، فهو يقول: هبوا أني فعلت موجب الحد مرتين، وقد رضيت لنفسي أن تنزلوني منزلته ! 
يقول الشاطبي رحمه الله: (النظر في مآلات الأفعال معتبرٌ مقصود شرعاً، كانت الأفعال موافقةً أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعلٍ من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدامِ أو بالإحجامِ إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، [فقد يكون] مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأُ، ولكن له مآل على خلاف ما قُصِدَ فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحةِ فيه إلى المفسدةِ تُساوي المصلحةَ أو تزيدُ عليها، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدةِ إلى مفسدةٍ تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية)([68])، ثم أورد أدلة اعتبار النظر في المآلات وذكر منها: ما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: (حين أشير عليه بقتل من ظهر نفاقه: "أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، وقوله: "لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم". بمقتضى هذا أفتى مالك الأمير حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم، فقال له: لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله. هذا معنى الكلام دون لفظه. وفي حديث الأعرابي الذي بال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه حتى يتم بوله وقال: "لا تزرموه".وحديث النهي عن التشديد على النفس في العبادة خوفا من الانقطاع.
وجميع ما مر في تحقيق المناط الخاص مما فيه هذا المعنى حيث يكون العمل في الأصل مشروعا؛ لكن ينهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة أو ممنوعا؛ لكن يترك النهي عنه لما في ذلك من المصلحة، وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز، إلى عمل غير جائز فالأصل على المشروعية، لكن مآله غير مشروع، والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها، فإن غالبها سماح في عمل غير مشروع في الأصل لما يؤول إليه من الرفق المشروع، ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها)([69]).







نظام مكافحة المخدرات وتداخل عقوبة مقدمات الحد في الحد

نورد في البداية المواد التي لها صلة بموضوعنا من نظام مكافحة المخدرات: 
المادة (38): (1-يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة , وبالجلد بما لا يزيد على خمسين جلدة في كل مرة , وبغرامة من ألف ريال إلى خمسين ألف ريال - كل من حاز مادة مخدرة أو بذورا أو نباتا من النباتات التي تنتج مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو باع شيئا من ذلك أو اشتراه أو موله أو مون به أو أحرزه أو سلمه أو تسلمه أو نقله أو بادل به أو قايض به أو صرفه بأي صفة كانت أو توسط في شيء من ذلك , وكان ذلك بقصد الاتجار أو الترويج بمقابل أو بغير مقابل , وذلك في غير الأحوال المرخص بها في هذا النظام .
2 -تشدد العقوبات المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة في الحالات الآتية :
أ- إذا توافرت في الجاني إحدى الحالات المبينة في البند (ثالثا) من المادة (السابعة والثلاثين) من هذا النظام .
ب -إذا ارتكب الجاني جريمته أو جزءا منها في أحد المساجد أو دور التعليم أو المؤسسات الإصلاحية , وفقا لما تحدده اللائحة .
ج- إذا كانت المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية - محل الجريمة - من الهروين أو الكوكايين أو أي مادة مماثلة لها نفس الخطورة بناء على تقرير فني معتمد من وزارة الصحة , على أن تكون ضمن المواد المدرجة في الجدول المرافقة لهذا النظام .
د- إذا استغل الجاني في ارتكاب جريمته أحدا ممن يتولى تربيتهم أو ممن له سلطة فعلية عليه أو استخدم في ذلك قاصرا , أو قدم لقاصر مخدرا أو باعه إياه أو دفعه إلى تعاطيه بأي وسيلة من وسائل الترغيب أو الترهيب.
و -كل من هيأ مكانا بمقابل أو أداره لتعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية).
المادة (41): (1- يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين , كل من ارتكب أحد الأفعال الجرمية المنصوص عليها في المادتين (السابعة والثلاثين) و (الثامنة والثلاثين) من هذا النظام ,وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها نظاما .
2- تشدد العقوبة في الحالات الآتية :
أ - إذا كان المتعاطي من المنوط بهم مكافحة المخدرات أو المؤثرات العقلية أو الرقابة على حيازتها أو تداولها , أو الذين لهم صلة وظيفية بأي نوع من أنواع المخدرات أو المؤثرات العقلية .
ب- إذا تعاطى المادة المخدرة أو المؤثر العقلي أو استعملها أو كان تحت تأثيرها أثناء تأدية عمله).
المادة (62): (1-إذا ارتكب شخص عدة جرائم معاقب عليها بموجب أحكام هذا النظام قبل صدور حكم نهائي بحقه عن أي واحدة منها، وجب محاكمته على الجريمة ذات العقوبة الأشد، والحكم بعقوبتها دون غيرها.
2-إذا كانت الجريمة معاقب عليها بموجب هذا النظام ونظام آخر فتطبق العقوبة الأشد).

هذه هي النصوص التي لها صلة بمسألتنا، ويلاحظ أن النظام لم يغفل جانب التداخل من حيث الأصل فأفرد له مادة خاصة، بين فيها التداخل بإجمال. 
وإذا أردنا مقارنة موضوع التداخل في نظام مكافحة المخدرات بما ذكرناه سابقاً – تداخل المقدمات السابقة واللاحقة فقهاً- فإنا نقول: 
  النظام في المادة 62 فقرة 1: علق التداخل على صدور حكم نهائي، فقبل أن يصدر حكم نهائي تتداخل العقوبات، أما بعد صدوره فلا تداخل، وهذا يخالف ما عليه المذاهب الأربعة، فهم يرون العبرة في التداخل: وقت التنفيذ، فكل عقوبة قبل التنفيذ تتداخل -بشرطها-. هذا ما عليه المذاهب الأربعة خلافاً لابن حزم الذي يرى أن العبرة بالتداخل صدور الحكم لا التنفيذ. 
  النظام في المادة 62 فقرة 2: ذكر أنه في حال اجتماع أكثر من عقوبة تطبق العقوبة الأشد، إلا أنه لم يشرح ما مقصوده بالأشد؟
فهي تحتمل الأشد جنساً، وتحمل الأشد واقعاً وحقيقة. 

الاحتمال الأول: حمله على الأشد جنساً.
فإذا رجحنا أن مقصوده في "تطبق العقوبة الأشد" : الأشد جنساً، تداخلت العقوبات التعزيرية في العقوبات الحدية؛ لأن جنس الحدود أشد عقوبة من جنس التعازير، ووجه كونها أشد ما يلي([70]): 
o     أن الحدود يجب على الحاكم إقامتها ولا مدخل فيها للعفو، بخلاف التعازير فيراعى فيها المصلحة الشرعية إقامةً وعفواً على خلاف.
o     أن الحدود لا يراعى فيها منزلة الفاعل أياً كانت-"لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، بخلاف التعازير فيراعى فيها شخص الفاعل كما لو كان من ذوي الهيئات.
o     أن الحدود لا مدخل فيها للشفاعة إذا بلغت السلطان، بخلاف التعازير التي يجوز الشفاعة فيها في أي مرحلة من المراحل.
o     أن الحدود يتشدد الشارع في إثباتها ولا تقام مع الشبهة، بخلاف التعازير.
o     أن الحدود لا تسقط بالتوبة عند الأكثر إلا في الحرابة والردة فتسقط بالتوبة إجماعاً لنص الآية، بخلاف التعازير فالإجماع منعقد على سقوطها بالتوبة.
o     أن الحدود تولى الشارع تقدير عقوبتها بنفسه، بخلاف التعازير التي أرجع تقديرها لاجتهاد الحاكم.
o     أن الحدود المقدرة لم توجد في الشرع إلا في معصية ، بخلاف التعزير فإنه تأديب يتبع المفاسد وقد لا يصحبها عصيان في كثير من الصور؛ كتأديب الصبيان والمجانين استصلاحاً لهم([71]). 

وعلى هذا الفهم- المقصود الأشد جنساً- فإن عقوبة مقدمات التعاطي كالحيازة تدخل في العقوبة الحدية؛ لأن عقوبة الحيازة من جنس التعازير، وعقوبة التعاطي من جنس الحدود، والحدود أشد من التعازير.
وهذا الفهم يوافق ما قُرر سابقاً من تداخل المقدمات –سابقة أو لاحقة- في الحدود، وعليه: فلا تعارض بين المقرر نظاماً والمقرر فقهاً.


الاحتمال الثاني: حمله على الأشد حقيقة.
وإذا رجحنا أنَّ مقصود النظام في قوله "تطبق العقوبة الأشد": الأشد حقيقة، فإن عقوبة الحيازة في الواقع- حسبما يريده النظام- أشد من عقوبة الحد ! 
فمن مجموع المادتين (38) و (42) يستفاد أنَّ عقوبة الحيازة بقصد التعاطي لا تقل عن سجن ستة أشهر، ولا يشك أحدٌ أن هذه المدة أشد إيلاماً من جلد حد السكر 80 جلدة.
وإذا أردنا على هذا الفهم إعمال المادة 62 فإنه يلزمنا : إسقاط عقوبة الحد الشرعي والاكتفاء بعقوبة الحيازة- المقدمات-؛ لأن عقوبة الحيازة أشد من عقوبة الحد، والنظام نص على وجوب "محاكمته على الجريمة ذات العقوبة الأشد". 
وهذا اللازم في غاية الفساد ، إذ كيف يعاقب العاصي على الممنوع منع وسيلة ولا يعاقب على الممنوع منع غاية؟ 
وكيف يُقلب رأس الهرم: فتسقط الغاية-الحد- وتثبت الوسيلة-المقدمات-؟ 
إن فساد لوازم هذا الفهم كافٍ في بطلانه.

فإن قيل: إن النظام قصد الجمع بينهما، بحيث يعاقب مرتين، مرة على الحد، ومرة على الحيازة. 
فالجواب: 
1- أن هذا يعارض القواعد الشرعية المقررة سابقاً من تداخل مقدمات الحدود في الحدود مطلقاً من غير تفريق بين المقدمات السابقة واللاحقة. 
ومراعاة قواعد الشريعة أولى من مراعاة نصوص النظام من وجهين: 
•       الوجه الأول: لأنه لا يقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم شيءٌ أياً كان مَصدَره أو مُصدِره، { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}، { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}.
•       والوجه الثاني: أن النظام الأساسي للحكم نص في المادة (46) على القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، ونص في المادة 48 على أن المحاكم تُطبق على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يُصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة. ومتى ما خالف نظامٌ نصوص الشريعة أو قواعدها فلا قدسية له.

2- هل يقبل شرعاً وعدلاً وعقلاً أن تكون عقوبة وسائل الشيء أشد من عقوبة الشيء نفسه مع أنه المقصود غاية بالمنع! فهل يعقل أن يعاقب من حاز حشيشاً بقصد التعاطي بسجن لا يقل عن ستة أشهر، في حين أنه إذا تعاطاها يجلد ثمانين جلدة ! 
فإن قيل: يعقل تخريجاً على قول مالك في مسألة أكثر التعزير([72])،فمالك رحمه الله يرى أنه يجوز الزيادة في جلد التعزير بحيث يتجاوز أكثر المقدر شرعاً.
لكن إذا فحصنا هذا التخريج، نصل إلى أنه غير مقبول فقهاً، لأنَّ الأدلة التي استدلوا بها كلها في معاصٍ ليس لها جنس مقدر شرعاً، فهم يستدلون: بإجماع الصحابة في شأن معن بن زائدة لما زور كتاباً على عمر رضي الله عنه ونقش خاتماً مثل نقش خاتمه، فجلده عمر مائة ثم مائة ثم مائة.
وكذلك يوردون خبراً عن مالك أنه أمر بضرب رجل وجد مع صبي قد ضمه إلى صدره فضربه أربعمائة فانتفخ ومات ولم يستعظم مالك ذلك([73]).
فالتزوير أولاً مقصود بالتحريم قصد غاية، كما أنه ليس له عقوبة مقدرة شرعاً حتى يصح التفريع على أنه تجاوز فيه عقوبة الحد من جنسه.
وأما ضرب الرجل الذي وجد مع صبي، فالمالكية يرون أن عقوبة اللواط لو ثبت القتل مطلقاً من غير تفريق بين المحصن وغيره، وحينئذٍ يكون ضربه أربعمائة دون جنسه المقدر.
على أن هذا التخريج يعارض مقاصد الشريعة في العقوبات، فمن مقاصد العقوبة -كما ذكرنا سابقاً-: الردع، ومتى كانت عقوبة المقدمات أشد من عقوبات الحد نفسه، ستصبح العقوبة دافعة إلى تقحم المعصية الحدية؛ خاصة إذا اجتمع في العاصي الفقه ورقة الديانة.




كما أن هذا التخريج يعارض العدل: فالشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تساوي بين المختلفات، ولا ترفع ما شأنه الخفض، ولا تخفض ما شأنه الرفع، وإذا رفعنا عقوبة الوسيلة –المقدمات- على عقوبة الغاية خالفنا العدل الذي قامت عليه الشريعة.

هذا وقد أفادني أحد الزملاء بأنه سبق وأن حكم في عدة قضايا بدخول عقوبة الحيازة في الحد، وصدق من الاستئناف.
وأختم هذا البحث بفائدة ذكرها ابن القيم، قال رحمه الله: 
( ثبت في " الصحيحين " من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزل قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، في عبد الله بن حذافة السهمي، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية.
وثبت في " الصحيحين " أيضا من حديث الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي - رضي الله عنه - قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأنصار على سرية، بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، قال: فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار، فسكن غضبه وطفئت النار، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا ذلك له، فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف"،...)([74]) وذكر جملة من الفوائد، إلى أن قال رحمه الله معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم " لو دخلوها ما خرجوا منها": (فإذا كان هذا حكم من عذب نفسه طاعة لولي الأمر، فكيف من عذب مسلماً لا يجوز تعذيبه طاعة لولي الأمر)([75]).

وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



________________________________________
([1]) المبسوط 24/37.
([2]) العناية 5/262.
([3]) مواهب الجليل 6/303.
([4]) مواهب الجليل6/320. وانظر : تبصرة الحكام 2/290.
([5]) 2/184
([6]) روضة الطالبين وعمدة المفتين 10/91.
([7]) شرح المنتهى 3/346.
([8]) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة 5/473.
([9]) مجموع الفتاوى 28/221-222.
([10]) الفتاوى الكبرى 1/287. وانظر : عبد القادر عودة التشريع الجنائي 1/343 وما بعدها.
([11]) الفواكه الدواني 1/81
([12]) فتح العزيز بشرح الوجيز أو الشرح الكبير للرافعي2 / 178. 
([13])المجموع شرح المهذب2 / 194 وعبارته : ( وسبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد ولهذا لو انفردت مقدمات الزنا أوجبت تعزيراً فإذا انضمت إليه لم يجب التعزير مع الحد). 
([14]) يراجع القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 352-353، 
([15]) الأشباه والنظائر للسبكي 1/94.
([16]) المنثور في القواعد الفقهية 3/131.
([17]) الأشباه والنظائر للسيوطي 149. وانظر : موسوعة القواعد الفقهية للبورنو 1/314، 9/51.
([18]) القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 351.
([19]) الموافقات 5/188-190.
([20]) نيل الأوطار (5 / 394) :باب ما جاء في كسر أواني الخمر2448 - (عن أنس عن أبي طلحة أنه قال: «يا رسول الله، إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري، فقال: أهرق الخمر واكسر الدنان» رواه الترمذي والدارقطني) .2449 - (وعن «ابن عمر قال: أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن آتيه بمدية وهي الشفرة، فأتيته بها، فأرسل بها فأرهفت، ثم أعطانيها وقال: اغد علي بها، ففعلت، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها، وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته، ففعلت، فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته» رواه أحمد)2450 - (وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: «كان عبد الله يحلف بالله إن التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حرمت الخمر أن تكسر دنانه وأن تكفأ لمن التمر والزبيب» رواه الدارقطني)
([21]) جاء في درر الحكام شرح غرر الأحكام 2/64 : (( ولا ) في البكر بين ( جلد ونفي ) والشافعي يجمع بينهما فيجلد مائة ويغرب سنة لقوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ولنا قوله تعالى { فاجلدوا } حيث لم يذكر التغريب والسكوت في موضع الحاجة إلى البيان تمام البيان كما تقرر في الأصول وما رواه منسوخ ( إلا سياسة ) فإن الإمام إذا رأى فيه مصلحة غرب بقدر ما يرى لأنه يفيد في بعض الأحوال)اهــ. وجاء في البحر الرائق5/11: (قالوا إلا إذا رأى الإمام مصلحة فيغربه على قدر ما يرى وذلك تعزير وسياسة ; لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي فيه إلى الإمام وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم كذا في الهداية وهو المراد بقوله في المختصر،...، . وظاهر كلامهم هاهنا أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها , وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي)أهــ.
([22]) جاء في البحر الرائق 5/66: (والمنقول عن الشافعي وأحمد أنه يسن تعليق يده في عنقه ; لأنه عليه السلام أمر به رواه أبو داود وابن ماجه وعندنا ذلك مطلق للإمام إن رآه ولم يثبت عنه عليه السلام في كل من قطعه ليكون سنة)أهــ.
([23]).جاء في مغني المحتاج 5/524 : (الأمر الثاني : أنه متى كان في المعصية حد كالزنا , أو كفارة كالتمتع بطيب في الإحرام ينتفي التعزير لإيجاب الأول للحد والثاني للكفارة . ويستثنى منه مسائل . الأولى : إفساد الصائم يوما من رمضان بجماع زوجته أو أمته فإنه يجب فيه التعزير مع الكفارة . الثانية : المظاهر يجب عليه التعزير مع الكفارة . الثالثة : إذا قتل من لا يقاد به كولده وعبده قال الإسنوي : نعم يجاب عنه بأن إيجاب الكفارة ليس للمعصية , بل لإعدام النفس بدليل إيجابها بقتل الخطأ , فلما بقي التعمد خاليا عن الزجر أوجبنا فيه التعزير . الرابعة : اليمين الغموس يجب فيها الكفارة والتعزير كما ذكره في المهذب الخامسة : الزيادة على الأربعين في شرب المسكر إلى الثمانين تعزيرات على الصحيح كما سبق في كلام المصنف . السادسة : ما ذكره الشيخ عز الدين في القواعد الصغرى أنه لو زنى بأمه في جوف الكعبة في رمضان وهو صائم معتكف محرم لزمه العتق والبدنة , ويحد للزنا , ويعزر لقطع رحمه , وانتهاك حرمة الكعبة . السابعة : ما ذكره الفوراني أن السارق إذا قطعت يده يعزر . قال في الذخائر : إن أراد به تعليق يده في عنقه فحسن , أو غيره فمنفرد به , وتعليق يده في عنقه ضرب من النكال , نص عليه , وليس من الحد قطعا إذ لم يقل بوجوبه أحد ).
وجاء في المغني 9/107: (( 7278 ) فصل : ويسن تعليق اليد في عنقه ; لما روى فضالة بن عبيد , { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق , فقطعت يده , ثم أمر بها فعلقت في عنقه } . رواه أبو داود وابن ماجه . وفعل ذلك علي رضي الله عنه ; ولأن فيه ردعا وزجرا )اهـــ.
([24]) جاء في المبسوط للسرخسي24/32-33: (إذا شرب الخمر في نهار رمضان حد حد الخمر , ثم يحبس حتى يخف عنه الضرب , ثم يعزر  لإفطاره في شهر رمضان ; لأن شرب الخمر ملزم للحد , ومهتك حرمة الشهر , والصوم يستوجب التعزير , ولكن الحد أقوى من التعزير , فيبتدأ بإقامة الحد عليه , ثم لا يوالي بينه , وبين التعزير لكي يؤدي إلى الإتلاف , والأصل فيه حديث علي رضي الله عنه أنه أتي بالنجاشي الحارثي قد شرب الخمر , فحده , ثم حبسه حتى إذا كان الغد أخرجه , فضربه عشرين سوطا , وقال : هذا لجراءتك على الله , وإفطارك في شهر رمضان .
وجاء في الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل 4/ 269: (ويعزر بعشرين سوطاً بشرب مسكر في نهار رمضان بفطره؛ كما يدل عليه تعليلهم مع الحد فيجتمع الحد والتعزير في هذه الصورة).
([25])جاء في تبصرة الحكام2/182-183 : (قال مطرف : وكان مالك يرى إذا أخذ السكران في الأسواق والجماعات , قد سكر وتسلط بسكره وآذى الناس أو روعهم بسيف  شهره أو حجارة رماها وإن لم يضرب أحدا , أن تعظم عقوبته يضرب حد السكر ثم يضرب الخمسين وأكثر منها على قدر جرمه , قال فضل بن سلمة : وقد حكى عن مطرف عن مالك في واضحته أنه يضرب الخمسين والمائة والمائتين ونحو ذلك , ويكون الحد منهما وفيهما , قال فضل : وحكى أبو زيد بن إبراهيم عن أصبغ مثله , إذا كان مثله يحمل ذلك في فوره , وزاد عن مطرف أنه إذا فعله قبل ذلك فأدبه أشد من الذي لم يفعله إلا مرة).
([26]) جاء في الأحكام السلطانية للماوردي 284:(والحد : أن يجلد أربعين بالأيدي وأطراف الثياب ويبكت بالقول الممض والكلام الرادع للخبر المأثور فيه). وراجع تبصرة الحكام 2/289.
([27])جاء في نهاية المحتاج 9/178: ( وقد يجامع [يريد التعزير] الحد وحده أو مع الكفارة كتعليق يد السارق في عنقه ساعة زيادة في نكاله وكالزيادة على الأربعين في حد الشرب وكمن زنى بأمه في الكعبة صائما رمضان معتكفا محرما فيلزمه الحد والعتق والبدنة ويعزر لقطع رحمه وانتهاك حرمة الكعبة قاله ابن عبد السلام )أهــ.
([28]) أخرجه أبو داود ح: 4411 ، والترمذي ح: 1447 وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن علي المقدمي، عن الحجاج بن أرطاة وعبد الرحمن بن محيريز هو أخو عبد الله بن محيريز شامي، والنسائي ح: 4983 وقال: (الحجاج بن أرطاة ضعيف، ولا يحتج بحديثه).والحديث ضعفه الألباني. وفي مصنف ابن أبي شيبه 6/585 من فعل علي رضي الله عنه أنه علق يد سارق في عنقه. 
([29]) أخرجه مسلم ح : 1706
([30]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 13556 ، وابن أبي شيبه ح: 17042، والبيهقي في الكبرى ح: 17546.
([31]) جاء في المغني 8/314-315: (مسألة : قال : ( وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى ثلث الدية , فإن جاوز الثلث , فعلى النصف ) وروي هذا عن عمر , وابن عمر , وزيد بن ثابت . وبه قال سعيد بن المسيب , وعمر بن عبد العزيز , وعروة بن الزبير , والزهري , وقتادة , والأعرج , وربيعة , ومالك . قال ابن عبد البر : وهو قول فقهاء المدينة السبعة , وجمهور أهل المدينة .  وحكي عن الشافعي في القديم . وقال الحسن يستويان إلى النصف . وروي عن علي رضي الله عنه أنها على النصف فيما قل وكثر . وروي ذلك عن ابن سيرين . وبه قال الثوري , والليث , وابن أبي ليلى , وابن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه , وأبو ثور , والشافعي في ظاهر مذهبه . واختاره ابن المنذر؛...)أهـ.
([32]) ينظر: المغني 5/348.
([33]) ينظر: المبسوط 9/102، نهاية المحتاج 7/467.
([34]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/ 252. 
([35]) قال ابن قدامة في المغني9/74 : (ما يوجب الحد من الزنا , والسرقة , والقذف , وشرب الخمر , إذا تكرر قبل إقامة الحد , أجزأ حد واحد . بغير خلاف علمناه . قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم, منهم عطاء , والزهري , ومالك , وأبو حنيفة , وأحمد , وإسحاق , وأبو ثور , وأبو يوسف . وهو مذهب الشافعي . وإن أقيم عليه الحد , ثم حدثت منه جناية أخرى , ففيها حدها . لا نعلم فيه خلافا . وحكاه ابن المنذر عمن يحفظ عنه ).
وجاء في المبسوط 9/102: (وإذا زنى الرجل مرات أو قذف مرات أو سرق مرات أو شرب مرات لا يقام عليه إلا حد واحد; لأن مبنى الحدود على التداخل لما أن المقصود بها الزجر وذلك يحصل بحد واحد , ولأن المقصود إظهار كذب القاذف لدفع العار عن المقذوف وذلك يحصل بإقامة حد واحد , ولأن المغلب في حد القذف حق الله تعالى عندنا على ما نبينه في بابه).
وجاء في المدونة 4/485: (قلت : أرأيت إن أقر أو شهدت عليه الشهود أنه زنى بعشر نسوة واحدة بعد واحدة ؟ قال : قال مالك: حد واحد يجزئه). وجاء في الشرح الكبير للدردير 4/347: (( وتداخلت ) الحدود على شخص ( إن اتحد الموجب ) بفتح الجيم وهو الحد ( كقذف ) أي كحد قذف ( و ) حد ( شرب ) إذ موجب كل منهما ثمانون جلدة فإذا أقيم عليه أحدهما سقط الآخر ولو لم يقصد إلا الأول أو لم يحصل ثبوت الآخر إلا بعد الفراغ من الأول وكذا لو جني على إنسان فقطع يمينه ثم سرق أو العكس فيكفي القطع لأحدهما ( أو تكررت ) موجباتها بالكسر كأن يسرق مرارا أو يقذف أو يشرب مرارا فيكفي حد واحد عن الجميع , ولو لم يثبت الثاني إلا بعد الحد لأحدهما ما لم يعد بعد الحد , فإن عاد بعده عيد عليه ).
وجاء في نهاية المحتاج 7/467( ومن سرق مرارا بلا قطع ) لم يلزمه سوى حد واحد وإنما ( كفت يمينه ) عن الكل لاتحاد السبب فتداخلت لوجود الحكمة وهي الزجر , وكذا لو زنى بكرا أو شرب مرارا ... ولو سرق بعد قطع اليمنى مرارا كفى قطع الرجل عن الكل , وهكذا على قياس ما تقرر).
وجاء في المحلى لابن حزم 12/28: (إن الله تعالى أوجب على من زنى مرة , أو ألف مرة - إذا علم الإمام بذلك - جلد مائة , وعلى القاذف , والسارق , والمحارب , وشارب الخمر , والجاحد مرة , وألف مرة حدا واحدا , إذا علم الحاكم ذلك كله ).
([36]) الأشباه والنظائر لابن نجيم 112.
([37])الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 95. 
([38]) الأشباه والنظائر للسيوطي 126. وانظر : المنثور للزركشي 1/269-271 تحت عنوان التداخل يدخل في ضروب. وابن رجب في تقرير القواعد ص23 قصرها على العبادات فقال: القاعدة الثامنة عشر: (إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما، واكتفى فيهما بفعل واحد). 
([39]) بدائع الفوائد 3/141. 
([40]) جامع الرسائل لابن تيمية 1/123-124.
([41]) مجموع الفتاوى 17/127.
([42]) وهذا منصوص الحنفية والشافعية والحنابلة وهو المفهوم من إطلاق المالكية : جاء في حاشية ابن عابدين 4/43: (قوله ولو شرب أو زنى ثانيا ) أي قبل إكمال الحد كما هو صورة المتن أو قبل إقامة شيء منه . ففي الصورتين يحد حداً كاملا بعد الفعل الأخير , ويدخل ما بقي من الأول في الثاني , بخلاف ما إذا أقيم عليه حد الشرب فشرب ثانيا أو حد الزنا فزنى ثانيا فإنه يحد للثاني حدا آخر , وبخلاف ما إذا اختلف الجنس وسيجيء تمام الكلام على ذلك في باب القذف)أهــ. وفي الفتاوى الهندية 2/165: (من قذف غير مرة أو زنى غير مرة أو شرب غير مرة فهو لذلك كله كذا في الكافي،...، لو ضرب للزنا أو للشرب بعض الحد فهرب ثم زنى أو شرب ثانيا حد حدا مستأنفا  ولو كان ذلك في القذف ينظر فإن حضر الأول إلى القاضي يتمم الأول ولا شيء للثاني وإن حضر الثاني وحده يجلد جلدا مستأنفا للثاني وبطل الأول)أهـــ.
وجاء في مغني المحتاج 5/506: (وإن جلد للزنا ثم زنى ثانياً قبل التغريب أو جلد له خمسين ثم زنى ثانيا كفاه فيهما جلد مائة وتغريب واحد, ودخل في المائة الخمسون الباقية , وفي التغريب للثاني التغريب الأول)أهـــ. وفي الأشباه والنظائر للسيوطي126: (ولو زنى أو شرب، فأقيم عليه بعض الحد. فعاد إلى الجريمة، دخل الباقي في الحد الثاني)أهـــ.
كشاف القناع 6/92:( وإذا زنى الغريب غرب إلى بلد غير وطنه ) ليكون تغريبا ( وإن زنى ) المغرب ( في البلد الذي غرب إليه غرب إلى غير البلد الذي غرب منه , وتدخل بقية مدة ) التغريب ( الأول في ) التغريب ( الثاني لأن الحدين من جنس فتداخلا ) كما سبق انتهى )أهـــ.
وأما ابن حزم فالعبرة عنده ببلوغ الحاكم، فإذ بلغ الحد الأول الحاكم وجب تنفيذه مطلقاً ولا يتداخل مع حد آخر. جاء في المحلى 12/28: (وأما إن وقع على من فعل شيئا من ذلك تضييع من الإمام , أو أميره لغير ضرورة , ثم شرع في إقامة الحد فوقعت ضرورة منعت من إتمامه فواقع فعلا آخر من نوع الأول , فقولنا , وقول أصحابنا سواء : يستتم عليه الحد الأول , ثم يبتدئ في الثاني ولا بد)أهــ. 
([43]) جاء في المغني 9/173: ( الفصل الثالث: في قدر الحد وفيه روايتان , إحداهما : أنه ثمانون . وبهذا قال مالك , والثوري , وأبو حنيفة , ومن تبعهم ; لإجماع الصحابة , فإنه روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر , فقال عبد الرحمن بن عوف : اجعله كأخف الحدود ثمانين . فضرب عمر ثمانين , وكتب به إلى خالد , وأبي عبيدة بالشام . وروي أن عليا قال في المشورة : إنه إذا سكر هذى , وإذا هذى افترى . فحدوه حد المفتري . روى ذلك الجوزجاني , والدارقطني , وغيرهما . والرواية الثانية , أن الحد أربعون . وهو اختيار أبي بكر , ومذهب الشافعي ; لأن عليا جلد الوليد بن عقبة أربعين , ثم قال : { جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين , } وأبو بكر أربعين , وعمر ثمانين , وكل سنة وهذا أحب إلي . رواه مسلم . , وعن أنس قال : { أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر , فضربه بالنعال نحوا من أربعين } , ثم أتي به أبو بكر , فصنع مثل ذلك , ثم أتي به عمر , فاستشار الناس في الحدود , فقال ابن عوف : أقل الحدود ثمانون . فضربه عمر متفق عليه , وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه بفعل غيره , ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي , وأبي بكر وعلي رضي الله عنهما , فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير , يجوز فعلها إذا رآه الإمام).
([44]) أخرجه البخاري ح: 6777.
([45]) أخرجه البخاري ح: 6780 باب : ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة. قال الحافظ في الفتح12/76: (وعبر بالكراهة هنا إشارة إلى أن النهي للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الإبعاد عن رحمة الله فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن كهذا الذي يحب الله ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه بل يندب الدعاء له بالتوبة والمغفرة كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله في الكلام على حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب وبسبب هذا التفصيل عدل عن قوله في الترجمة كراهية لعن شارب الخمر إلى قوله ما يكره من فأشار بذلك إلى التفصيل وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لمنع لعن الفاسق المعين مطلقا وقيل إن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الإنكار أنه مستحق لذلك فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه وإلى ذلك الإشارة بقوله في حديث أبي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم وقيل المنع مطلقا في حق من أقيم عليه الحد لأن الحد قد كفر عنه الذنب المذكور وقيل المنع مطلقا في حق ذي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين وصوب بن المنير أن المنع مطلقا في حق المعين والجواز في حق غير المعين لأنه في حق غير المعين زجر عن تعاطي ذلك الفعل وفي حق المعين أذى له وسب وقد ثبت النهي عن أذى المسلم واحتج من أجاز لعن المعين بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لعن من يستحق اللعن فيستوي المعين وغيره وتعقب بأنه إنما يستحق اللعن بوصف الإبهام ولو كان لعنه قبل الحد جائزا لاستمر بعد الحد كما لا يسقط التغريب بالجلد وأيضا فنصيب غير المعين من ذلك يسير جدا والله أعلم قال النووي في الأذكار وأما الدعاء على إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي فظاهر الحديث أنه لا يحرم وأشار الغزالي إلى تحريمه وقال في باب الدعاء على الظلمة بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز قال الغزالي وفي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء حتى على الظالم مثل لا أصح الله جسمه وكل ذلك مذموم انتهى والأولى حمل كلام الغزالي على الأول وأما الأحاديث فتدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه وسلم للذي قال كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا استطعت فيه دليل على جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ومال هنا إلى الجواز قبل إقامة الحد والمنع بعد إقامته وصنيع البخاري يقتضي لعن المتصف بذلك من غير أن يعين باسمه فيجمع بين المصلحتين لأن لعن المعين والدعاء عليه قد يحمله على التمادي أو يقنطه من قبول التوبة بخلاف ما إذا صرف ذلك إلى المتصف فإن فيه زجرا وردعا عن ارتكاب ذلك وباعثا لفاعله على الإقلاع عنه ويقويه النهي عن التئزيب على الأمة إذا جلدت على الزنا كما سيأتي قريبا واحتج شيخنا الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وهو في الصحيح وقد توقف فيه بعض من لقيناه بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها والذي قاله شيخنا أقوى فإن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع والبحث في جواز لعن المعين وهو الموجود
([46]) أخرجه البخاري ح :6839، ومسلم ح : 1703.
([47]) أخرجه مسلم ح: 1695.
([48]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 6/ 2339.
([49]) شرح صحيح البخارى لابن بطال8/ 474 . وابن حجر في الفتح أورد نقل عن ابن بطال قوله لكن مع اختلاف يسير ونص نقله من الفتح : (يؤخذ منه أن كل من أقيم عليه الحد لا يعزر بالتعنيف واللوم وإنما يليق ذلك بمن صدر منه قبل أن يرفع إلى الإمام للتحذير والتخويف فإذا رفع وأقيم عليه الحد كفاه). وقال ابن بطال في موطن آخر من شرحه للبخاري 6/283 :(لا يلومن ولا يعددن بعد الجلد، ويؤيد هذا أن توبة كعب بن مالك ومن فر يوم حنين حين تاب الله عليهم كانت شرفًا لهم، ولم تكن لهم ملامة، فبان بهذا أن اللوم والتثريب لا يكون إلا قبل التوبة أو الحد). وقال في 8 / 402: (فدل هذا الحديث أن التثريب واللعن إنما يكون قبل أخذ الحد وقبل التوبة). 
([50]) التوضيح لشرح الجامع الصحيح31/252.
([51]) كشف المشكل من حديث الصحيحين3 / 415. 
([52]) نيل الأوطار 7/145-146.
([53]) كقوله: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مهِينٌ) وكقوله: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) .قال ابن القيم في الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه ص 14 :(فالعدوان: هو تعدي حدود الله التي قال فيها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .وقال في موضع آخر: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} فنهى عن تعديها في آية وعن قربانها في آية وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه وتارة لا تكون داخلة فيه فتكون لها حكم المقابلة فالاعتبار الأول نهى عن تعديها، وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها).وانظر: جامع المسائل لابن تيمية عزيز شمس 1/410. 
([54]) معين الحكام 194.
([55]) منح الجليل شرح مختصر خليل 9/355.
([56]) مغني المحتاج 5/524.
([57]) حاشية الروض المربع 7/346. وابن القيم في الطرق الحكمية ص 93 حكى الاتفاق فقال:( ( فصل ) التعزير واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية , ليس فيها حد). وقال في إعلام الموقعين 2/76: (وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع : نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ; فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف , والثاني : - كالوطء في نهار رمضان والوطء في الإحرام , والثالث - كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية والخلوة بها ودخول الحمام بغير مئزر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك ; فأما النوع الأول : فالحد فيه مغن عن التعزير , وأما النوع الثاني : فهل يجب مع الكفارة فيه تعزير أم لا ؟ على قولين : وهما في مذهب أحمد , وأما النوع الثالث : ففيه التعزير قولا واحدا , ولكن هل هو كالحد ; فلا يجوز للإمام تركه , أو هو راجع إلى اجتهاد الإمام في إقامته , وتركه كما يرجع إلى اجتهاده في قدره ؟ على قولين للعلماء , الثاني قول الشافعي , والأول قول الجمهور . وما كان من المعاصي محرم الجنس كالظلم والفواحش فإن الشارع لم يشرع له كفارة , ولهذا لا كفارة في الزنا وشرب الخمر وقذف المحصنات والسرقة , وطرد هذا أنه لا كفارة في قتل العمد ولا في اليمين الغموس كما يقوله أحمد وأبو حنيفة ومن وافقهما , وليس ذلك تخفيفا عن مرتكبهما , بل لأن الكفارة لا تعمل في هذا الجنس من المعاصي،...).
([58]) سبق تخريجه.
([59]) راجع:نظريات في الفقه الجنائي الإسلامي للدكتور أحمد بهنسي 123.
([60]) يراجع: نظريات في الفقه الجنائي الإسلامي دراسة فقهية مقارنة للدكتور: أحمد بهنسي ص 120-121. وذكر أن تعدد الجرائم عند القانونين إما تعدد صوري وهو ما ذكرناه في الصلب، وإما تعدد مادي، وهو أن يرتكب الجاني عدة أفعال يُكّون كل منها على انفراده جريمة؛ كمن يسرق ويقتل ويزني..إلخ. 
وذكر أن التشريعات اختلفت في معالجة هذا موضوع التعدد المادي إلى ثلاثة آراء: 
الأول: طريقة الجمع: بأن يوقع على الجاني مجموع العقوبات الخاصة لكل جريمة. وهذا هو المتبع في إنجلترا.
الثاني: طريقة الجب، بأن يوقع على الجاني أشد العقوبات المقررة للجرائم المتعددة، وتجب الأشد ما خف من العقوبات. وهذا هو المتبع في فرنسا.
الثالث: الجمع بين الجمع والجب، بحيث لا يتجاوز مجموع العقوبات حداً معيناً. وهذا هو المتبع في مصر، ويرى بهنسي أن هذا عالج الإفراط في العقاب، كما عالج التفريط في تغليظ العقوبة الأشد التي يحكم بها على المجرم دون غيرها. 
وذكر أن المادة 32 من قانون العقوبات المصري تنص على : (إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد، والحكم بعقوبتها دون غيرها. وإذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة، والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم).وذكر المواد33-38 والتي تؤكد ما ذكره عن النظام المصري. 
([61]) جاء في مواهب الجليل 2/526: ( السادس عشر ) يستثنى مما تقدم ما إذا وجد الرجل المرأة في مفازة ومقطعة وخشي عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها معه وأن يرافقها وإن أدى إلى الخلوة بها لكن يحترس جهده والأصل في ذلك قضية السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك قال القاضي عياض في الإكمال : فيه حسن الأدب في المعاملة والمعاشرة مع النساء الأجانب لا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة كما فعل صفوان من تركه مكالمة عائشة وسؤالها وأنه لم يزد على الاسترجاع وتقديم مركبها وإعراضه بعد ذلك حتى ركبت ثم تقدمه يقود بها وفيه إغاثة الملهوف وعون الضعيف وإكرام من له قدر كما فعل صفوان في ذلك كله والله أعلم).
وقال العراقي في طرح التثريب8/54 : (وقولها { ولا سمعت منه كلمة : } ليس تكرار , فإنه قد لا يكلمها ولكن يكلم نفسه أو يجهر بقراءة أو ذكر بحيث يسمعها فلم يقع منه ذلك بل استعمل الصمت في تلك الحالة أدبا وصيانة ولهول تلك الحالة التي هو فيها وفيه إغاثة الملهوف وعون المنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام ذوي الأقدار وحسن الأدب مع الأجنبيات لا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها كما فعل صفوان من إبراكه الجمل بغير كلام ولا سؤال وأنه ينبغي أن يمشي قدامها لا بجانبها ولا وراءها واستحباب الإيثار بالركوب).
([62]) جاء في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي 2/21-22: (فصل: يطب الرجل الأنثى , والأنثى الرجل للضرورة . وإن مرضت أنثى ولم يجدوا لها طبيبا سوى فحل أجزه ومهد ( وإن مرضت أنثى ) داوتها وطبتها أنثى مثلها , ولو كافرة فيما يظهر ( و ) إن ( لم يجدوا لها ) أي الأنثى ( طبيبا سوى فحل ) , يفهم من نظامه أنه إن وجد خصي يقدم على الفحل ويتجه , وكذا خنثى , فإن عدمنا الأنثى , والخصي , والخنثى بمعنى تعذر تأتي المقصود منهم , ولم يتأت إلا من ذكر فحل ( أجزه ) ولا تمنعه ( ومهد ) جواز ذلك للضرورة , وحيث جاز ذلك , فإنه يجوز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره حتى الفرج , وكذا اللمس للضرورة , وكذا الرجل مع الرجل . قال ابن حمدان : وإن لم يوجد من يطبه سوى امرأة فلها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منه حتى فرجه قال القاضي : يجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى العورة عند الحاجة إليها نص عليه , وكذلك يجوز للمرأة والرجل أن ينظرا إلى عورة الرجل عند الضرورة نصا , وكذلك تجوز خدمة المرأة الأجنبية ويشاهد منها العورة في حال المرض إذا لم يوجد محرم نصا . وكذلك يجوز لذوات المحارم أن يلي بعضهم عورة بعض عند الضرورة نصا , وحيث جاز للطبيب مداواة المرأة الأجنبية , فلا تجوز له الخلوة بها في بيت أو نحوه قال المروذي : قلت لأبي عبد الله الكحال : يخلو بالمرأة , وقد انصرف  من عنده النساء هل هذه الخلوة منهي عنها ؟ قال : أليس هو على ظهر الطريق قيل : بلى قال : إنما الخلوة تكون في البيت).
([63]) البخاري ح: 1285. ونصه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟" فقال أبو طلحة: أنا، قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها. وأبو طلحة ليس من محارم أم كلثوم رضي الله عن الجميع.
([64]) المغني 8/315. 
([65])المهذب في علم أصول الفقه المقارن (5 / 2154 : العِلَّة قسمان: عِلَّة منصوصة، وعلة مستنبطة.أما العلة المنصوصة، فلا يمكن أن تتعارض مع غيرها من العلل؛لأن العِلَّة المنصوصة يجب الأخذ بها واتباعها، فلا يصح الانتقال منها إلى مجموع العلل المستنبطة التي يمكن أن يعلل بها الحكم؛ لأن المنصوصة ثبتت بالنص، والمستنبطة ثبتت بالاجتهاد، فكانت المنصوصة أَوْلى من المستنبطة بالاعتبار، وكذلك الأمر في العلَّة المجمع عليها لا يجوز الانتقال منها إلى غيرها.أما العِلَّة المستنبطة فإنه يمكن أن يقع بينها وبين غيرها تعارض:فإن عارضتها عِلَّة أخرى مستنبطة فإنا ننظر:
إما أن تكون غير صالحة لتعليل الحكم بها، وهذا نعرفه عن طريق السبر والتقسيم - الذي سبق بيانه -: فالعلة غير الصالحة للتعليل لا يتصور أن تعارض العِلَّة الصالحة.
وإما أن تكون العلة المعارِضة - بكسر الراء - صالحة لتعليل الحكم بها: فهذه العِلَّة المعَارضة - بكسر الراء - لها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون العلتان متساويتين، أي: لا تتميز إحداهما عن الأخرى، فإن المجتهد في هذه الحالة يختار أي العلتين شاء 
الحالة الثانية: أن تكون إحدى العلتين أرجح من الأخرى، ففي هذه الحالة تقدم الراجحة على المرجوحة.وهذا ما قاله كثير من العلماء)أهــ. 
([66]) كما لو جنى على اليد اليمنى ثم على اليسرى فكلاهما يد، وكلاهما طرفٌ علويٌ.
([67]) هذا الإشكال وجوابه مستفاد من القرار رقم 189/4 في 6/11/1430 الصادر من فضيلة القاضي بالمحكمة الجزئية بمكة المكرمة فضيلة الشيخ عبد الرحمن الجاسر.
([68]) الموافقات 5/177-178.
([69]) الموافقات 5/180-182.
([70]) يراجع : الفروق للقرافي الفرق (246) 4/177وما بعدها ، نظريات في الفقه الجنائي الإسلامي لبهنسي ص173 وما بعدها، التشريع الجنائي لعبد القادر عودة 1/686-687، التعزير لعامر 68-72.
([71]) وذكر فضيلة القاضي الجاسر أيضاً : 
o       أنّ الحدود في كل جنس هي العقوبة الأشد في ذلك الجنس.
o       أنّ الحدود لها عقوبات تبعية مثل الفصل من الوظيفة، بخلاف العقوبات التعزيرية.
([72]) جاء في مواهب الجليل 6/315: (قدر الضرب موكول إلى اجتهاد الإمام كما في نص المدونة الذي ذكره ابن عرفة وقال أبو الحسن في شرح قوله : ولكن يجتهد الإمام في ضربه ونفيه أما في ضربه فعلى قدر جرمه وكثرة مقامه في فساده وأما في نفيه فإن كان كثير الفساد نفاه إلى بلد بعيد وإن كان قليل الفساد فإلى بلد قريب وأقله ما تقصر فيه الصلاة وهو يوم وليلة انتهى . وقال في التوضيح قال ابن القاسم في الموازية وليس لجلده حد إلا الاجتهاد من الإمام انتهى).
([73]) يراجع :بهنسي 173-174، 
([74]) زاد المعاد3/325.
([75]) زاد المعاد 3/326.

تعليقات