القائمة الرئيسية

الصفحات



ملاحظات حول قانون محاربة العنف ضد النساء عدنان بوشان باحث في العلوم القانونية

ملاحظات حول قانون محاربة العنف ضد النساء عدنان بوشان  باحث في العلوم القانونية.




  أخيرا وبعد نظال طويل لا طالما ترددت معالمه في بعض المظاهرات واللقاءات الحقوقية، تحقق بعض الكثير الذي ناشدته وتناشده الجمعيات النسائية، بغرض تحقيق مبدأ المناصفة (النساء شقائق الرجال) ولا زال هناك الكثير لتحقيقه كتشريع العلاقات الجنسية الرضائية والمساواة في الإرث وتعديل مدونة الشغل وغيره من المطالب، يثمتل هذا الذي تحقق في المصادقة على القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والذي سيدخل حيز التنفذ بتاريخ 12 شتنبر 2018، هذا الأخير الذي جاء في 18 مادة موزعة على ستة أبواب وقد تضمن مجموعة من المستجدات بعضها يتعلق بالقواعد العامة للقانون الجنائي والبعض الآخر يتعلق بالقسم الخاص منه كإضافة بعض الجرائم والتشديد في البعض الآخر، إلى جانب إحداث لجان وطنية وجهوية ومحلية ستعمل على التكفل بالنساء ضحايا العنف، لكن الأهم من كل ذلك هل كان هذا النص مجرد رد فعل فقط على الحاح الجمعيات النسائية ومحاولة إرضاء هذه الأخيرة أم كان الأمر تعبيرا عن تفشي ظاهرة العنف ضد النساء وبعد تفكير ودراسات قانونية واجتماعية وتوصيات أهل الاختصاص (رجال علم القانون رجال علم الاجتماع رجال علم النفس) للبحث عن الحلول المثلى للظاهرة، خاصة وأن الإقرار بهذا النص ماهو إلا تأكيد لما يعانيه المجتمع المغربي من اضطراب وفقدان الثقة بين أفراده خاصة جنسيه، كما أن في ذلك تأكيد لبأس وقساوة الجنس الذكوري في مواجهة جنس الإناث.
من خلال كل ما سبق لا يسعنا إلا تقديم بعض الملاحظات حول هذا القانون وستكون على الشكل التالي:
أولا: جرائم العنف ضد النساء: التشديد (الفصول 400 إلى 404 م ق ج):
  لقد تناول المشرع المغربي الجرائم المتعلقة بالعنف ضمن مقتضيات الفصول المشار إليها أعلاه من مجموعة القانون الجنائي، فميز بذلك بين العنف الخفيف والعنف الذي ينتج عنه عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما، والعنف الذي ينتج عنه عجز تتجازو مدته عشرين يوما، والذي ينتج عنه عاهة دائمة، والعنف الذي يفضي إلى الموت دون نية إحداثه، وتتحدد العقوبة طبعا تبعا لنتيجة العنف المرتكب ضد الشخص ضحية هذا العنف،
  وقد جعل المشرع ظرف تشديد صفة الضحية فيما إذا كانت أحد أصول الجاني أو كافله أو زوجه، حيث ترفع العقوبات المقررة في الفصول السابقة إلى الضعف،
  والجديد حسب قانونا موضوع هذه القراءة هو أنه أضاف صفات جديدة للمجني عليه تعتبر ظرف تشديد لرفع العقوبة إلى الضعف، خاصة المرأة بسبب جنسها، المرأة الحامل، المرأة في وضعية إعاقة أو المعروفة بضعف قواها العقلية، والملاحظ من خلال ذلك أن الجاني كلما كان ذكرا إلا وكانت عقوبته أشد خاصة إذا ارتكب العنف ضد امرأة أما في حالة العكس فلا يتصور ذلك إلا في حالة واحدة إذا كانت هناك علاقة زوجية بين الضحية والجاني، مما يطرح معه التساؤل أو لا يمكن  أن نتصور ارتكاب المرأة للعنف ضد الرجل خاصة في الحالات التي يكون فيها هذا الأخير ضعيف الحال أو مصاب بإعاقة أو ضعف في قواه العقلية ؟.



ثانيا: التدابير الوقائية الشخصية: نوع جديد (الفصل 61 م ق ج):
  تستند فلسفة التدابير الوقائية على فكرة جعل الجزاء متناسبا مع خطورة الجاني وتأسيس المسؤولية على المصلحة الاجتماعية، فغاية هذه التدابير غالبا ما تهدف إلى جلب النفع للمجتمع بدفع كل خطر مستقبل لم يتحقق بعد، وهي إما شخصية أو عينية، وما يهمنا نحن في هذا الإطار هو التدابير الوقائية الشخصية والتي نص عليها المشرع المغربي في الفصل 61 من م ق ج وهي كالتالي: الإقصاء، الإجبار على الإقامة بمكان معين، المنع من الإقامة، الايداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج، الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية، عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية، المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن، سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء.
  الملاحظ إذا على هذه التدابير الوقائية الشخصية أنها تنقسم بين ما هو سالب للحرية وبين ما هو سالب للحقوق، كما أنها تطبق في مواجهة الجاني بغض النظر عن جنسه ذكرا كان أو أنثى، غير أن مستجد القانون رقم 103.13 أبى إلا أن يضيف لنا نوعا آخر من هذه التدابير هي التدابير الشخصية الخاصة بالرجال وتتمثل في منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية ولا ندري قصد المشرع من مصطلح الاتصال هل المقصود التواصل مع الضحية سواء من خلال التواصل المباشر أو التواصل الالكتروني، أم أن مقصوده يتعدى ذلك إلى الاتصال الجنسي خاصة إذا كانت الضحية زوجة المجني عليه، أم أن مقصود المشرع كلا الفرضين أو المفهومين.
  وهو ما يجعلنا نتساءل معه خاصة في الحالة التي يكون العنف بين الزوجين أليس في هذا التدبير تشجيعا على الفرقة وتشتيت الأسر أليس في ذلك تشجيعا على الفساد وعلى إتيان جرائم أخرى، أليس في الأمر زيادة تنفير الشباب من مؤسسة الزواج على حساب علاقات رضائية قد يحين وقت تشريعها. 
  إلى جانب هذا التدبير هناك تدبير آخر يتمثل في إخضاع المحكوم عليه لعلاج نفسي ملائم وهو بذلك ينظاف إلى تدبير الايداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية إلا أن الفرق بين التدبيرين أن الأول خاص بجنس الذكور الذين يرتكبون أحد جرائم العنف ضد النساء أو التحرش الجنسي أو الاستغلال الجنسي، أما الثاني فهو عام يتعلق بالحالة التي يكون فيها الجاني وقت ارتكاب الفعل في حالة خلل عقلي.
ثالثا: جرائم السب والقذف ضد النساء: تشديد وتشتيت (الفصول 1-444 و 2-444)
  لقد تناول المشرع المغربي جريمتي السب والقذف ضمن مقتضيات قانون الصحافة والنشر رقم 88.13، فعرف "السب" بكونه كل تعبير شائن أو مشين أو عبارة تحقير حاطة من الكرامة أو قدح لا تتضمن نسبة أية واقعة معينة، فيما عرف "القذف" باعتباره إدعاء واقعة أو نسبتها إلى شخص إذا كانت هذه الواقعة أو نسبتها تمس شرف أو اعتبار الشخص الذي نسبت إليه،
  فعاقب بذلك على الجريمة الأولى (السب) بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم بغض النظر عن صفة مرتكب الجريمة أو ضحيتها، لكن مستجد القانون رقم 103.13 هو أنه رفع من العقوبة كلما كانت الضحية امرأة وكان السب بسبب جنسها حيث تكون الغرامة من 12.000 إلى 60.000 درهم،
  أما بخصوص جريمة القذف فقد خص لها قانون الصحافة والنشر غرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم، لكن إذا كانت الضحية امرأة ترفع الغرامة من 12.000 إلى 120.000 درهم كمستجد قانون محاربة العنف ضد النساء،
  وما يمكن ملاحظته هو أن المشرع قد أحال بخصوص هاتين الجريمتين على مقتضيات قانون الصحافة والنشر وذلك بموجب الفصل 444 من م القانون الجنائي، ليعود من جديد من خلال قانونا موضوع هذه القراءة وينص على هاتين الجريمتين بموجب الفصلين 1-444 و 2-444 لكن متى ما كانت ضحيتها امرأة، الأمر الذي سيخلف تشتتا في النصوص بالنسبة لنفس الجريمة فقانون ينظم جريمتي السب والقذف ضد الأفراد (ذكورا) وقانون ينظم نفس الجريمتين لكن فقط متى ما كانت الضحية امرأة.   




رابعا: جرائم الأنظمة المعلوماتية: رفع الحرج (الفصول 1-447 إلى 3-447)
  سبق للمشرع المغربي أن جرم مسألة التدخل في الحياة الخاصة للأشخاص وكذلك المس بالحق في الصورة، وذلك بموجب قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 15 غشت 2016 أي أنه لا زال قانونا جديدا، ويعد تدخلا في الحياة الخاصة حسب هذا القانون كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص أو تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو الرأي العام، والملاحظ على المشرع أنه جرم فعل التدخل في الحياة الخاصة إذا تم النشر في هذه الحالة دون موافقة الشخص المعني بالأمر، أو إذا كان ما تم نشره من معلومات يقصد منه المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، وقد عاقب المشرع على هذه الجريمة بالغرامة ففي الحالة الأولة (النشر دون موافقة المعني بالأمر) الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم أما الحالة الثانية (النشر دون موافقة المعني بالأمر بقصد المس بالحياة الخاصة والتشهير) الغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم.
  وما دام أن هذه المقتضيات جاء التنصيص عليها ضمن قانون الصحافة والنشر وهو قانون خاص يخضع من حيث المبدأ لقاعدة النص الخاص يقيد العام، فأحكامه بذلك تبقى قاصرة على فئة الصحافيات والصحافيين والمؤسسات الصحفية حسب ما جاء في المادة الأولى من قانون الصحافة والنشر، وبذلك كان الإشكال يطرح أمام القضاء بشأن الأفعال من هذا القبيل التي يرتكبها أشخاص عاديين في بعض وسائل التواصل الاجتماعي ذات الطبيعة التواصلية، أمام ما تعرفه قواعد القانون الجنائي من تصلب خاصة مبدأ الشرعية و قاعدة عدم التوسع في تفسير النص، وقاعدة الشك يفسر لمصلحة الجاني كما أن هذه الوسائل باتت تشكل حرجا للدولة ورجالاتها وبعض المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية لما لها من تأثير على الرأي العام،
  فكان ولابد من إيجاد وسيلة للردع تكلف بها قانون محاربة العنف ضد النساء من خلال الفصول 1-447 و 2-447 و 3-447 فما هو مضمون هذه الفصول؟.
  أول ما يلاحظ على هذه الفصول أنها جاءت أكثر اتساعا من حيث نطاق التجريم وأشد عقابا، محاولة من المشرع تغطية جميع ما يمكن تصوره في هذا الإطار سواء من حيث الوسائل أو الفعل المجرم أو طبيعة محل هذا الفعل أو القصد من الفعل المجرم.
فنجد بذلك تجريم المشرع للأفعال التالية:
-         التقاط (أخذ) أو تسجيل (نقلها في شريط) أقوال أو معلومات تكون صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها.
-         بث (النشر) أو توزيع (نقل على صعيد واسع) أقوال أو معلومات تكون صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها.
-         تثبيت (وضع) أو تسجيل صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته.
-         بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته.
-         بث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
-         بث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
   وذلك كيفما كانت الوسيلة المستخدمة لذلك آلة تصوير هاتف ذكي حاسوب لوحة الكترونية الأنظمة المعلوماتية.
   ويصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لهذه الجرائم إلى ثلاث سنوات مع الغرامة التي يصل حدها الأقصى إلى 20.000 درهم، وقد تصل هذه العقوبة إلى خمس سنوات إذا كانت الضحية امرأة أو قاصر.


تعليقات