القائمة الرئيسية

الصفحات



الجنوب الليبى صراع مستمر ينذر بوقوع حرب أهليه د. لمياء محمد عبد السلام

الجنوب الليبى صراع مستمر ينذر بوقوع حرب أهليه
د. لمياء محمد عبد السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
مقاله بعنوان
الجنوب الليبى صراع مستمر ينذر بوقوع حرب أهليه
تقديم / د. لمياء محمد عبد السلام
دكتور مشارك فى قسم العلوم السياسيه ( كليه الدراسات الاقتصاديه والعلوم السياسيه – جامعه الأسكندريه )
محاضر بكليه الحقوق – جامعه الأسكندريه

شهدا عام 2017  تصاعد لوتيره الصراع المسلح فى الجنوب الليبي ، والذى يعد همزه وصل جيوسياسيه بين ليبيا ودول افريقيا جنوب الصحراء ( تشاد ، السودان ، النيجر ، الجزائر ) . ويبلغ عدد سكانه حوالى 400 ألف نسمه ؛ 97% منهم قبائل عربيه ، 3% الباقيه من مكونى الطوارق والتبو .
حيث بدا الجنوب الليبى أكثر اضطراباً وتوتراً عقب قام اللواء12 مجحفل التابع للجيش الوطنى الليبى بقياده اللواء "خليفه حفتر" يوم الأربعاء الموافق 5 إبريل 2017 بضرب قاعده(تمنهنت )الجويه قرب مدينه سبها بجنوب ليبيا ، فقد قامت القوات بالإشتباك مع القوه الثالثه لتأمين الجنوب الليبى المسيطره عليها منذ عام 2014 ، وتتبع هذه القوه القوات العسكريه لحكومه الوفاق الوطنى"الحكومه الشرعيه الحاليه بالبلاد"  .
فقد اعلن بيان صادر من القياده العامه للجيش الوطنى الليبى بإنطلاق عمليات بريه للسيطره على تلك القاعده كخطوه استراتيجيه بإعتبارها أكبر ثان قاعده فى ليبيا بعد قاعده الجفرهجنوب البلاد .
واشار الجيش الليبى أن سبب هذا الهجوم يرجع إلى تأكده من قيام هذه القاعده بتزويد الميليشيات المسلحه بالأسلحه لمهاجمه الجيش الوطنى فى منطقه الهلال النفطى ، وفى المقابل قامت عدد من الوحدات العسكريه التابعه لحكومه الوفاق الوطنى بالرد على هذا الهجوم جواُ بطائره حربيه اقلعت من مطار "مصراته"، وقامت بقصف قاعده (براك ) الشاطئ الليبيه التى تقع تحت سيطره قوات الجيش الوطنى بقياده اللواء حفتر ، وتم تكليف ست وحدات عسكريه للدفاع عن قاعده (تمنهنت ) واعتراض او تدمير أى طائرات مغايره على القاعده  .
وقد ادان المجلس الرئاسى لحكومه الوفاق الوطنى برئاسه " فايز السراج "هجوم قاعده (تمنهنت)واعتبار ان هذا الهجوم ينذر بوقوع حرب أهليه واسعه النطاق والمدى ،ولا سيما ان الطرفين من الأساس يجمعهما مصالح مشتركه تتمثل فى ؛ التخلص من الجماعات المسلحه المنتشره بالبلاد ، ومحاوله نزع فتيل الحرب الأهليه ، وتوحيد القياده السياسيه والعسكريه .
وقد ادانت كل من ؛ فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبيه الهجوم السابق، وأعلنت الولايات المتحده الأمريكيه دعمها وتأييدها للمجلس الرئاسى لحكومه الوفاق الوطنى .
وعلى الرغم من محاولات التهدئه بين الأطراف والقبائل فى الجنوب خلال عام 2017 ، إلا ان التوتر عاد من جديد القى بظلاله فى الأول من مارس عام 2018 عندما وقع اقتتال شرس بين اللواء السادس مشاه التابع للجيش الوطنى بقياده المشير حفتر ومليشيات قادمه من مدينه مرزق مدعومه من مرتزقه وارهابييين  ، بجانب محاولات داعش للتمركز فى الجنوب ، بإعتباره اكبر منفذ لتوريد الهجره غير شرعيه لأوروبا . الامر الذى اسفر عنه مقتل العديد من المواطنين وقطع للطرقات بين مدن الجنوب ، الامر الذى تطلب معه اعلان حاله الطوارئ فى الجنوب الليبي  واطلاق القياده العسكريه فى ليبيا عمليات فرض القانون فى الأول من مارس من العام الحالى لاستتباب الأمن والسلام فى المنطقه .

-  أساس الصراع واطرافه :-
يمكن القول :  ان الصراع المسلح وتحديداً فى (جنوب ليبيا ) والذى يطلق عليه اسم فزان وعاصمتها الإداريه مدينه سبها ، بدأ ياخذ شكلا مغايراً عما كان من قبل حيث كانت الصراعات تحدث فى الجنوب بين الجماعات المسلحه بعضها البعض ، وأبناء وقبائل الجنوب
( اولاد سليمان ، وقبيله التبو ... وغيرها )، ولا سيما ان منطقه الجنوب منذ ثوره فبرابر 2011 والإطاحه بنظام معمر القذافى مثلها مثل باقى مناطق الدوله الليبيه تعانى من اضطرابات واوضاع اقتصاديه ومعيشيه مترديه ؛ من نقص فى المحروقات ، وانقطاع الكهرباء بشكل دائم ولفترات طويله ، وهو ما جعل  الجنوب  مسرحا للصراعات التى تحدث فى شمال البلاد ، وهو ما دفع عدد من أعضاء مجلس النواب عن منطقه الجنوب فى 16 يناير 2017 بالتهديد بإتخاذ إجراءات تصعيديه ضد الحكومه والبرلمان بسبب تلك الأوضاع .
حيث بات لعدد من مسئولى الجنوب أن القوه الثالثه للتأمين والحاميه للمنطقه تدعم ميليشيات مسلحه ، وان لديها الرغبه فى طرد تلك القوه بمساعده الجيش الوطنى (بقياده حفتر)  وهو ما دفع الأخير إلى توجيه الضربه السابقه والوقوف فى مواجهه الحكومه الحاليه بالبلاد وهو ما أنذر بتطور خطير على الساحه الليبيه ؛ خاصه وان الحكومه الحاليه تدين بالولاء للجيش الوطنى  بدخول البلاد فى حرباً اهليه واسعه  فى ظل غياب سلطه مركزيه متفق عليها قادره على فرض الأمن وإعاده الاستقرار بالبلاد، والسيطره على الوضع الأمنى المتدهور .
وجدير بالذكر ان هناك صراعاً بين الحكومه الحاليه المعترف بها دولياً والمنبثقه عن مجلس  النواب المنتخب عام 2014 ويتخذ مدينه (طبرق ) مقرا مؤقتا له والتى لها الولاء للجيش الوطنى ، والحكومه الإسلاميه التى تقودها جامعه الاخوان المسلمين والتى تتبع المؤتمر الوطنى العام والذى خسر الإنتخابات التشريعيه عام 2014 ويتخذ مدينه ( طرابلس ) مقرا له ومدعوم من عدد من الميليشيات المسلحه مثل ؛ فجر ليبيا،وجماعه أنصار الشريعه ... وغيرها .
والمتعمق فى أحداث الساحه الليبيه: يرى أن الصراع فى ليبيا بوجه عام ليس صراعا سياسيا بحتا أو فكريا أو عقائدياً بقدر ما هو صراع مادى للسيطره على حقول النفط بالبلاد فيما يسمى (بمنطقه الهلال النفطى ) : تلك المنطقه التى تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتمتد على طول 205 كيلو مترات من طبرق شرقا ًإلى السدره غرباً، وتحتوى على 80 % من قطاع الطاقه الليبى المقدره حجمه لأكثر من 45 مليار برميل نفط ، 52 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وتعد الموانئ النفطيه فى تلك المنطقه مثل ؛ ميناء السدره ، رأس لانوف ، الحريقه أهدافاً رئيسيه للصراع الليبي بين قوات الجيش الوطنى ، والتى بدأت تسيطر على منطقه الهلال النفطى منذ 11 سبتمبر 2016 فى عمليه اطلق عليها " البرق الخاطف" والتى لاقت ترحيب دولى واقليمي كبير ، وبين الجماعات أو الميليشيات المسلحه التى تسعى إلى استعاده هذه المنطقه بإعتبارها المورد الحيوى والرئيسى فى البلاد .
لذا يسعى الجيش الوطنى الليبى إلى احكام كامل سيطرته على منطقه الهلال النفطى وتدمير اى منطقه أو قاعده تزود الجماعات المسلحه بالأسلحه أو الدعم ايا ًكان نوعه ، وهو ما اعلنه (المشير حفتر ) مؤخرا بشن عمليه عسكريه واسعه النطاق والمدى للسيطره على هذه المنطقه .
-         الصراع الليبى من حربِ أهليه إلى حربِ بالوكاله :-
لا شك أن ما يحدث فى ليبيا منذ اندلاع ثوره فبراير 2011 سواء فى الجنوب أو فى شمال البلاد وانزلاق البلاد فى صراعات مسلحه متعدده  تهدد دائماً وحده وسلامه الأراضى الليبيه يقلق وبشده دول الجوار الليبى "مصر، السودان ،الجزائر، تونس"  ، وخاصه مصر بإعتبار ليبيا دوله حدوديه معها .
 فإستقرار ليبيا ووحده اراضيها وتحقيق الأمن وتكوين قياده سياسيه وعسكريه موحده ، ودحر الميليشيات المسلحه ونزع أسلحتها مطلب أساسى ورئيسى لا غنى عنه ليس فقط لتلك الدول وانما أيضا لأوروبا ، والتى بدأت منذ عام 2014 تعانى من أفواج الهجره غير الشرعيه من الجانب الليبى وفقا لما جاء فى تقارير المنظمه الدوليه للهجره .
وبالتالى فإن استمرار تردى الأوضاع فى الجنوب ، واحتدام الصراع فى الشمال يصب فقط فى مصلحه الجماعات المسلحه ، ولا سيما أن الولايات المتحده الأمريكيه ليس لديها مايمنع من تقسيم ليبيا إلى ثلاث ولايات؛ ولايه برقه فى الشرق ، وطرابلس فى الشمال الغربى ، وفزان فى الجنوب  وفقا لما جاء على لسان مستشار البيت الأبيض إبان ولايه الرئيس السابق
(اوباما ) ان ذلك هو الحل الأمثل لانهاء الصراع الليبى، وهو ما ترفضه وبشده دول الجوار الليبى لإن من مصلحه ليبيا وتلك الدول أن تظل  ليبيا دوله موحده ذات مؤسسات دستوريه قويه .

ولذلك بدت ليبيا مسرحا لتدخلات عدد من الدول من أجل تغليب اتجاه سياسى على أخر، لرسم معالم تلك الدوله عقب رحيل نظام القذافى ،  لذلك قيل بأن الصراع بها تحول إلى "حرب بالوكاله" ؛ حيث بدت عدد من الدول مثل : تركيا ، قطر ، السودان ، تشاد تدعم الحكومه الإسلاميه الغير معترف بها ومليشياتها فى طرابلس عن طريق تزويد تللك الميلشيات بالأسلحه والأموال عن طريق المثلث الحدودى مع السودان  وأن تلك الدول تدعم حكومه الأخوان المسلمين منذ سقوط القذافى وهو ما اكدته مجله " ديلى ميل البريطانيه "  فى احدى مقالتها .
بجانب اطماع فرنسا فى الجنوب الليبي ورغبتها فى انفصاله لما لها من قواعد عسكريه فى اراضى دول افريقيه ترتبط بحدود مع ليبيا .
وهناك جانب أخر يضم : مصر ، الإمارات ، السعوديه ، ويدعم حكومه الوفاق الوطنى الحاليه ومجلس نوابها ومقره فى (طبرق ) والجيش الوطنى الليبى بقياده حفتر، ويقوم هذا الجانب بتقديم الدعم السياسى والعسكرى والإستخباراتى لمحاربه الجماعات المسلحه ومنع سيطره التيارات الإسلاميه باختلاف تياراتها على الحكم فى البلاد ، ولا سيما أن مصر تسعى إلى الحفاظ على المصدات العسكريه الثلاث فى ليبيا وهم :  درنه، طبرق، بنغازى  حتى لا يتم تسلل عناصر تلك الميليشيات إلى أراضيها .


-  كيفيه انهاء الصراع :-
لمنع تكرار ما حدث فى الجنوب ولحمايه البلاد من الإنزلاق فى فوهالحرب الأهليه ، و فى اطار توحيد الصف الليبى ، ومن منطلق تحمل كل طرف مسئوليته تجاه عدم تدهور الاوضاع فى ليبيا ؛ عقد اتفاق بين كل من "فايز السراج " رئيس المجلس الرئاسى الليبى ورئيس الحكومه الحاليه ، والقائد العام للجيش الوطنى اللواء "خليفه حفتر" فى مدينه أبوظبى برعايه دوله الإمارات ومصر يوم الثلاثاء الموافق 2-5-2017 لتوحيد الصف .
وقد تضمن الأتفاق البنود الأتيه  : -
1-    تحرير الحكومه الليبيه من التيارات الأيدولوجيه والفكريه والميليشيات المسلحه  .
2-    تكوين جسم يمثل رئاسه الدوله ويسمى بمجلس رئاسه الدوله ويضم ؛ رئيس الحكومه الوفاق الوطنى وقائد الجيش الوطنى ورئيس البرلمان .
3-    اجراء انتحابات رئاسيه وبرلمانيه بعد سته أشهر .
4-    الامتثال للأحكام القضائيه التى تصدرها المحاكم الليبيه .
5-    تشكيل مجلس أعلى للدوله الليبيه .
وقد لاقى هذا الاتفاق ترحيب إقليمى ودولى واسع .


وفى الحقيقه :  ان هذا الأتفاق لم يؤتى ثمارهحتى الأن . فيجب  جمع شمل الفرقاء الليبيين على طاوله حوار واحده ، وانهاء الخلافات بين قبائل الجنوب ، وتفعيل اتفاق الصخيرات الذى وقع فى المغرب 17 ديسمبر 2015 برعايه الأمم المتحده، ومساعده الجامعه العربيه فى انجاح عقد اللجنه الرباعيه بشأن ليبيا وذلك منعا من ازدياد الأوضاع سوء، ولا سيما ان الحكومه الحاليه فى ليبيا  تبين اتجاه الاطراف الليبيه  إلى ضروره بناء ليبيا كدوله القانون ومؤسسات .

تعليقات