القائمة الرئيسية

الصفحات



البت القضائي في التعرضات على مساطر التحفيظ

البت القضائي في التعرضات على مساطر التحفيظ
  علي  الهلالي                                                          

 رئيس غرفة بمحكمة النقض




مقدمة

لقد أصبح الشعور بتحفيظ الأملاك العقارية، هدفا راسخا وأمرا مرغوبا فيه  لدى المجتمع المغربي، لفائدته الجليلة القدر، ولما يضفيه ويضيفه من قيمة غالية فائقة على الملكية العقارية سواء من حيث التحصين أو من حيث اعتبارها سندا من سندات الائتمان التي تساهم في إنماء الاقتصاد الوطني بتشجيع مبادرات الاستثمار الداخلي والخارجي.

وإن شعورا كهذا، لمن شأنه أن يجعل الإقبال على أبواب المحافظات العقارية متناميا سنة بعد أخرى لتقديم مطالب جديدة للتحفيظ. وإن هذا الشعور قابله إحساس عميق لدى المحافظة العامة للأملاك العقارية عندما كانت وراء إصدار التعديلات الجديدة على قانون التحفيظ العقاري، من شأنها وضع إطار حضري لضبط إجراءات التحفيظ وترسيم العقار ضمن زمن محدد وملائم، وحصر الجهة المؤهلة لتلقي التعرضات في المهندس المكلف بالتحديد، والمحافظة، بدلا مما كان عليه الأمر في السابق، إلى غير ذلك من التعديلات المهمة سواء على صعيد التحفيظ الاختياري أم الإجباري.

غير أن الإقبال على التحفيظ بشكل هائل جر وراءه بالمقابل سيلا كبيرا من المنازعات التي يتعين الفصل فيها عن طريق القضاء. وإن القصد من هذه المداخلة يرمي إلى التذكير بالمسطرة الواجب اتباعها أمام المحكمة من يوم إحالة النزاع عليها، إلى يوم الحكم النهائي فيه. وأعتبر أن هذه الندوة العلمية التي اختيرت إقامتها في أعقاب صدور القانون الجديد للتحفيظ العقاري، وغيره من القوانين ذات الصلة، لها دلالات تندرج ضمن فلك الإصلاح القضائي والإداري على السواء. ومداخلتي هذه أتناول فيها كيفية تسيير المسطرة بواسطة القاضي أو المستشار المقرر اللذين يعتبران بمثابة صمام الأمان الذي يمد هيئة المحكمة بكل ما تحتاجه لإصدار حكمها في القضية دون غموض أو إبهام أو حاجة لإعادة الإجراء بسبب نقص أو استزادة بيان. وإن شئت لقلت، إن حكمة القاضي المقرر، أو المستشار المقرر، وإلمامهما بكيفية إدارة وتسيير المسطرة إلى حين وضعها بين يدي الهيئة الحاكمة، لمن شأنه أن ينتج حكما، وإن لن يرضى عنه الجميع، فإنه يحقق الإنصاف الذي هو أساس العدل. وفي هذه المداخلة سأقسم الكلام فيها عبر ستة فروع، أتناول في الأول خصائص المسطرة، وفي الثاني تحضير القضية وفي الثالث أطراف القضية الرئيسيين، وفي الرابع الحكم في القضية، وفي الخامس إحالة القضية على الجلسة العلنية، وفي السادس تحضير القضية أمام محكمة الاستئناف والحكم فيها، وأخيرا أختم بالإشارة إلى بعض النزاعات ذات الصبغة العامة.

       الفرع الأول:

      أ- خصائص مادة البت في التعرضات

1- خصائص قبل الحكم:

فمنها أن النزاع يثار أولا أمام المحافظ لا أمام المحكمة، وأن هذه الأخيرة لا تضع يدها على النزاع إلا بعد أن يحيله عليها المحافظ، بالصورة التي حددها. وأنه لا يمكن للمنازع أن يخلق إطارا جديدا للنزاع مخالفا للإطار الذي أحيل به على المحكمة من المحافظ، غير أنه بإمكانه أن يقلص منه. وأن المحكمة المحال عليها البت في التعرض، لا يمكنها أن تناقش قرار المحافظ في مدى قبوله التعرض خارج الأجل، أو في قبوله من غير ذي صفة، للقول بعدم قبوله في الشكل. إذ كل ذلك يقع على عهدة المحافظ، وتحت مسؤوليته، والمحكمة مطالبة بالحكم إما بصحة التعرض أو عدم صحته، ولو تعلق الأمر بانعدام صفة المتعرض في النزاع، ولو أن هذا الأمر يستحيل صدوره من المحافظ، خاصة في ظل القانون الجديد. ومن خصائص المادة، أن المسطرة فيها شفوية مما يتطلب من القاضي أن يكون متحركا لا جامدا، وأن الأطراف ليسوا ملزمين بتنصيب محام، غير أن تنصيبه يفيد الخصوم كثيرا ويخفف على المحكمة  العناء، وأن مقال الاستئناف يمكن تقديمه بأي شكل، ولا يقيد تقديمه، وبالضرورة، بمقتضيات الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية، ومن ذلك أن المتعرض هو المطالب بإثبات ما يدعيه ضد طالب التحفيظ، ولو كانت حجة هذا الأخير تظهر أنها غير منطبقة على محل النزاع. وأنه لا يحق للمحكمة أن تحكم بعدم صحة مطلب التحفيظ لكونه مثلا واقعا على أرض محبسة، إذ مرد ذلك أخيرا إلى المحافظ. ومن ذلك أيضا أن أطراف النزاع محددة قانونا في طالب التحفيظ والمتعرض، أو خلفائهما العامين فقط، والمودع إن تم التعرض عليه، أو الخلفاء العامين لهذا المودع.

       2- خصائص بعد الحكم 

ومن هذه الخصائص، أن المحكمة، سواء الابتدائية أو الإستئنافية، ملزمة عندما يظهر لها أن طلب  التحفيظ أو التعرض عليهصدر عن تعسف أو كيد أو سوء نية وجب عليها أن تحكم ضد طالب التحفيظ أو التعرض بغرامة لا يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقار أو الحق المدعى به، وذلك لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. "الفصل 48 من قانون التحفيظ العقاري". وهذا الأمر يجب الاهتمام به جيدا في الوقت الراهن. ذلك أن تطبيقه سيلعب دوره استقبالا في التقليل من التصرفات التي قد لا يكون أساسها إلا الأحقاد والنزعات القبلية أو الحزبية أو النقابية أو الإبتزازات المادية، أو غير ذلك من الأمور التي تخرج عن قواعد العدالة والإنصاف، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن هذه الغرامة أراد لها القانون - وعن صواب - أن تكون من جملة الموارد المالية لمؤسسة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، التي تقوم بدور كبير ذي نفع عام أساسه التنمية الاقتصادية الوطنية بمختلف مجالاتها. ولابد في هذا الصدد من إبداء بعض الملاحظات:

الأولى: أن الحكم بالغرامة المذكورة واجب، فلا خيار فيه للمحكمة، إذا كان سببه قائما.

الثانية: الحكم به يجب أن يتم تلقائيا، أي دون أن يكون قد تقدم به أحد.

الثالثة: أصبح من اللازم على النيابة العامة، أن تثير انتباه المحكمة إلى الحكم بالغرامة كلما كان موجبها ثابتا.

الرابعة: إن مبلغ عشرة في المائة إنما هو الحد الأدنى الذي لا يجوز النزول عنده، وبالتالي يجوز الحكم بأكثر منه، تبعا لظروف كل نازلة.

الخامسة: يجب على المحكمة عند الحكم بالغرامة أن تورد في حكمها تعليلا مستقلا تبرز فيه، العناصر القانونية الموجبة للحكم بالغرامة ضد المخالف.

السادسة: الغرامة المذكورة يمكن تطبيقها على طالب التحفيظ فقط أو على المتعرض فقط أو عليهما معا، ويمكن تصور ذلك على الأقل، في أن طالب التحفيظ كان يعلم أن مساحة عقاره هو هكتار واحد ومع ذلك طلب أن يمتد التحديد إلى عقار جاره، وهذا الأخير بدوره بدل أن يحصر تعرضه في إطار الجزء المتجاوز عليه بمقتضى مطلب التحفيظ، تعرض مطالبا بكافة الملك موضوع تحديد عقار المطلب. هذا وإن الغرامة المذكورة، لا تطبق لا ضد المودع ولا ضد من تعرض عيه.

ومن خصائص مسطرة التحفيظ، أن الحكم الصادر يبلغ تلقائيا إلى الأطراف، فور وقوعه، إذا كان جاهزا وإلا فيبلغ فقط ملخصه، وإن هذا التبليغ يتم إلى جميع الأطراف سواء الذين صدر لفائدتهم أم أولئك الذين صدر ضدهم، غير أن الأهم هو هؤلاء الأخيرون. وأن الحكم الصادر لا يجوز الطعن فيه بالتعرض أو إعادة النظر، أو تعرض الخارج عن الخصومة، (الفصل 109 ).




الفرع الثاني:

أ- تحضير القضية في المحكمة الابتدائية:

يقصد بتحضير القضية في هذه المرحلة، تجهيزها بواسطة القاضي المقرر. إذ بمجرد تعيينه مقررا من طرف رئيس المحكمة، يكون مسؤولا ومؤهلا للإضطلاع بمسؤوليته الكاملة. وعليه أن يفحص وثائق الملف المحالة من المحافظ، وإذا تبين أن بعض الوثائق ناقصة يراجع المحافظ بشأنها حالا، كما أنه في بعض الأحيان يتوقف البحث، على بعض الوثائق المشار إليها في صلب الحجج، ولم يتم الإدلاء بها أمام المحافظ، مثلا يشار في عقد الشراء إلى ملكية البائع، أو إلى إراثة معينة أو أن بعض الوثائق تصعب قراءتها ويجب الإدلاء بنسخ منها تسهل قراءتها على القاضي وغيره، ففي كل هذه الأحوال وما شابهها يجب على القاضي المقرر أن يسجل في مذكرته كل ما يراه ضروريا ليعمل في جلسة البحث الأولى، على إنذار الأطراف بالإدلاء به، داخل أجل يحدده. وأن القاضي المقرر قبل استدعاء الأطراف لهذه الجلسة أيضا، عليه أن يتعرف بكل دقة وإلمام بموضوع النزاع ليكون سيد العارفين به، لا مسودا فيه. إذ هذه المكانة هي التي تساعده على تقديم القضية إلى الهيئة الحاكمة في أبهى حلتها والتي لا تحتاج معها لا إلى إجراء تكميلي بكامل هيئتها ولا إلى إرجاعها إلى القاضي المقرر للمزيد من البحث، إذ لا يخفى ما لمثل هذه الحالة من انعكاس سلبي على الهيئة وعلى القاضي المقرر نفسه، وحتى على الأطراف، بعد أن اعتبر الجميع أن ملف القضية أوشك على نهايته.

وإن أهمية عقد جلسة أولى بمكتب القاضي المقرر تكمن في فهم ما قد يكون غامضا في موضوع النزاع، وهل أن الأطراف متفقون على أن كل الحجج تنصب على موضوع النزاع، أو أنهم غير متفقين على ذلك، وهل أن الحيازة توجد بيد أحدهم ومنذ متى، إلى غير ذلك من النقط التي إذا توفرت بمجرد اتفاق الأطراف عليها، من شأنها أن تغني عن الوقوف على محل النزاع وتوفر بالتالي أعباء وعناء التنقل على القاضي وعلى الأطراف على حد سواء.

كما أن بعض النزاعات الناتجة عن التعرض لا يتوقف حلها دائما على الوقوف على المدعى فيه، إذ لا تعدو أن تكون مجرد نزاع في نقطة قانونية، كالتعرض المؤسس على المطالبة بالشفعة، أو ادعاء الإرث، أو عدم التسليم بالصفة الإرثية، أو المنازعة في مقدار حظوظ الشركاء، أو المنازعة في صحة التفويت المدعى به، إلى ما شابه ذلك. وعلى العكس من ذلك، إذا ما كانت هناك ضرورة للانتقال إلى عين المكان فلا يمكن التردد في ذلك، بواسطة القاضي المقرر شخصيا، وكاتب الضبط، الذي يتعين على القاضي أن يتأكد من أنه مؤد لليمين القانونية، حتى لا تتعرض في الأخير جميع المجهودات التي تم القيام بها إلى الطعن بالإبطال. وإن الوقوف على موضوع النزاع قد يحتم الاستعانة بمهندس، وقد لا يحتاج إلى ذلك، غير أن القاضي هو الذي يقدر ما إذا كان لا بد من الاستعانة به أم لا. وإنه في جميع الأحوال فإن الاستعانة بمهندس إذا طلبها أحد الأطراف ، فإن القاضي العازم على معاينة محل النزاع، يجب عليه أن يعين مهندسا يستعين به، ولو كان يرى عدم الضرورة إلى ذلك، ما دام  طالب الاستعانة هو الذي يؤدي مصاريفها.

إذا عزم القاضي المقرر على الاستعانة بخبير، فمن هو الخبير الذي يتعين الاستعانة به، وما هي طريقة تعيينه؟

ينص الفصل 34 من قانون التحفيظ العقاري على أن القاضي المقرر يمكنه " إما تلقائيا وإما بطلب من أحد الأطراف أن ينتقل إلى عين العقار موضوع النزاع ليجري بشأنه بحثا أو يطبق عليه الرسوم. ويمكنه إن اقتضى الحال، طلب مساعدة مهندس مساح طبوغرافي محلف من جهاز المسح العقاري، مقيد في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين، بعد الاتفاق مع المحافظ على الأملاك العقارية على تعيينه وعلى تاريخ انتقاله إلى عين المكان، ويحدد من جهة أخرى، المبلغ الذي يجب أن يودعه المعني بالأمر حسب الأشغال التي ستنجز والتعويضات التي تقتضيها "  

فبمقتضى هذا الفصل، إذا تطلب النزاع إجراء بحث بعين المكان، فعلى القاضي أن يقوم بذلك تلقائيا، وإذا كان النزاع لا يتوقف على ذلك، فبإمكانه أن لا يقوم به ولو طلبه أحد الأطراف، إذا تأكد له بكامل اليقين، أن لا ضرورة تدعو إليه. ومن جهة أخرى، فإن القاضي المقرر لا يجوز له أن يعهد بالأبحاث المشار إليها في نفس الفصل، إلى شخص آخر، خبيرا كان، أو قاضيا من نفس المحكمة وإنما عليه أن يتولى ذلك شخصيا، إلا فيحالتين: حالة الانتداب المنصوص عليها في نفس الفصل، وحالة الضرورة القصوى الثابتة لرئيس المحكمة، والذي يعتمدها في تعيين قاض مقرر بدل الأول في القضية. وعلى القاضي الجديد مع ذلك أن يشير في طليعة المحضر، الذي سيعد في عين المكان، إلى الأمر الصادر باستبداله بالقاضي المقرر، تفاديا لكل تفسير مفترض. كما أن الجهة التي يتم تعيينها للمساعدة، هي المشار إليها بمقتضى الفصل المذكور.

كيف يتم تعيين المهندس المساح؟

قد يقول قائل إن ربط تعيين المساح لمساعدة القاضي المقرر، بالاتفاق مع المحافظ، يحمل دلالة تمس باستقلال القضاء. غير أن الحقيقة خلاف ذلك. إذ أن المساحين المقيدين في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين، أصبحوا معتمدين لدى المحافظة العقارية، للقيام بأعمال التحديد التي تعهد بها إليهم، وتبعا لذلك فإن المحافظ تكون لديه معرفة كاملة بالبرامج اليومية لهؤلاء المهندسين، بحكم تتبعه لأشغالهم، تفاديا لتعيين أحدهم في يوم يصادف تكليفه بمهمة أخرى مما يتسبب في عرقلة المسطرة القضائية. فما كيفية هذا الإتفاق إذن؟

عندما يعزم القاضي المقرر على الانتقال إلى عين المكان بمساعدة مهندس مساح، يصدر أمرا بذلك دون أن يشير فيه إلى اسم المهندس ولا إلى تاريخ الخروج، وإنما يحدد فيه المبلغ الذي يتعين إيداعه بصندوق المحكمة من طرف المعني بالأمر، وفق الفقرة الثالثة من الفصل المشار إليه أعلاه، وبعد أن يتأكد القاضي من هذا الإيداع، يوجه كتابا، مسجلا بكتابة الضبط، إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية، الذي أحال مطلب التحفيظ محل النزاع، يمكن صياغته كما يلي:

المحكمة الابتدائية ب

رقم القضية بالمحكمة....

رقم مطلب التحفيظ .....

القاضي المقرر.........

      

في .............                                                                                                                             

من القاضي المقرر في القضية طرته،

إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية ب

الموضوع: طلب مساعدة مهندس مساح

سلام تام بوجود مولانا الإمام

وبعد، يشرفني أن أخبركم بعزمي على معاينة العقار موضوع مطلب التحفيظ رقم............ الواقع ب....... ولأجل هذه الغاية أقترح تعيين المهندس المساح " فلان" للقيام صحبتي بالأشغال الآتية: 

........................................................................................................   وذلك في أحد التواريخ الثلاثة التالية على الساعة التاسعة صباحا:

 1)....................

2).....................

3).....................

وعليه، وتطبيقا للفصل 34 من قانون التحفيظ العقاري، أطلب منكم موافاتي بملاحظتكم، بشأن المهندس وتاريخ القيام بالمهمة المذكورة، وفق المشار إليه، في أقرب الآجال، مع الإشارة إلى أن مبلغ الأشغال التي سينجزها المهندس حددت في....

                                                                                                               وتقبلوا تحياتي

القاضي المقرر

وبعد أن يجيب المحافظ على الرسالة المشار إليها، يوجه القاضي المقرر إشعارا يتضمن تاريخ الانتقال ومكانه، إلى المهندس والأطراف ووكلائهم.

هذا، وكما سبق القول، فإن النزاع الذي عزم القاضي المقرر على معاينته، قد يكون بسيطا، وقد يكون معقدا بسبب تداخل عدة مطالب للتحفيظ مع بعضها البعض، والعديد من التعرضات قد يكون بعضها واقعا على مطلب دون الآخر وقد تكون واقعة على كل المطالب وفي حدود معلم معين منه أو جزء من هذا المعلم فقط، وقد يشير المحافظ إلى أن أحد التعرضات تم نقله تلقائيا إلى مطلب أو عدة مطالب أخرى أو تم تسجيل انعكاسه عليها، إلى غير ذلك من الحالات التي يمكن ورودها مقيدة من طرف المحافظ. فإذا كان النزاع في مستوى هذا التعقيد، يجب على القاضي أن يعمل على تهيئ  "ملف خاص " يجسد فيه لنفسه نطاق كل تعرض على حدة ومن هو المتعرض ومن هو طالب التحفيظ وما هو العقار المتعرض عليه، وما هي الحجج التي يتعين تطبيقها بادئا بأصحاب المطالب المتداخلة ثم باقي التعرضات، ذلك أن عدم التخطيط المسبق للنزاع سيخلق ارتباكا خلال الوقوف بعين المكان، لدى القاضي خاصة عند الاستماع إلى الشهود، أو يكون سببا في نسيان أو إهمال التحقيق في أحد التعرضات، وقد يصدر الحكم مع ذلك على هذا الشكل فيضطر المحافظ بعد عدة سنوات إلى إرجاع ملف التحفيظ إلى المحكمة للبت في التعرض الذي تم إهماله مع ما يصاحب ذلك من تذمر الأطراف من العودة إلى ردهات المحاكم و إعادة التقاضي مجددا مما يفقد القضاء هيبته واحترامه.

الفرع الثالث

من هم الخصوم الذين يتعين على القاضي المقرر استدعاؤهم لحضور الإجراءات التي ينوي القيام بها؟

لهذا السؤال نصيب من الأهمية، ذلك أن المعروف في مادة التحفيظ العقاري، أن أطراف النزاع محددون في طالب التحفيظ والمتعرض، وخلفائهما العامين " الورثة ". وبمقتضى الفصل 24 من القانون الجديد للتحفيظ أصبح المودع في عداد أطراف هذا النزاع في حالة ما إذا ما تم التعرض عليه أمام المحافظ. وللإشارة فإنه حتى قبل صدور هذا القانون، فإن من ينازع في الإيداع كان بإمكانه أن يطلب من المحافظ تقييد المودع كمتعرض على مطلب التحفيظ حتى يتسنى له مقاضاته وإصدار حكم في شأن الحق الذي اعتمد في الإيداع.فمن هو المودع ومن يحق له التعرض عليه؟    

المودع هو الذي يدعي حقا نشأ له خلال إجراءات التحفيظ، من طالب التحفيظ نفسه إما عن طريق انتقال الحقوق بين الأحياء، أو عن طريق الإرث. فالحق إذن نشأ خلال مسطرة التحفيظ، لا قبلها. وأنه انجر من طالب التحفيظ، لا من غيره. ولذلك فإن الحق الذي انجر من المتعرض لا يمكن لصاحبه إيداعه، ما عدا إذا كان المتعرض في نفس الوقت طالبا للتحفيظ، وكان الحق الذي فوته إلى الغير ليس هو محل التعرض من طرفه. فإذا ثبت ذلك، فإن صاحب الحق إذا لم ير ضرورة ليحل محل طالب التحفيظ سلفه بمقتضى خلاصة إصلاحية، يمكن له أن يكتفي بإيداع مستند التفويت الذي يقيد في السجل المسمى " سجل التعرضات"، قصد تقييده في الرسم العقاري إن تم إنشاؤه لفائدة طالب التحفيظ، وإلا فسيكون مآله نفس مآل هذا الأخير.

وأما من يحق له التعرض على الإيداع، فإنه أولا هو طالب التحفيظ نفسه الذي ادعى المودع أنه فوت إليه الحق، إذا كان ينكر – مثلا - صدور هذا التفويت عنه، أو ينازع في مقدار النصيب المفوت إلى المودع. ثانيا باقي طلاب التحفيظ الراغبين في شفعة ما باعه شريكهم في نفس المطلب، أو إنكارهم صفة الإرث أو الحظ الإرثي الذي ادعاه المودع عن طريق إيداع إراثة أحد طلاب التحفيظ الذي توفي. ثالثا الخلف العام لمن ذكر. 

وعلى هذا الأساس فإن المودع الذي قيد المحافظ التعرض عليه يصبح طرفا رئيسا في الدعوى، غير أن النزاع يبقى منحصرا بينه وبين من تعرض عليه فقط. كما أنه يحق له الطعن في الحكم في هذا الإطار، ولا يتعداه إلى غيره. وعلى العكس من ذلك، فإن المودع الذي لم يقيد أي تعرض ضده لا يعتبر طرفا رئيسيا في الدعوى وبالتالي لا يحق له الطعن في الحكم الذي صدر ضد طالب التحفيظ الذي تلقى الحق منه. و إن " المجلس الأعلى " سابقا ومحكمة النقض حاليا درج قديما وحديثا على أن المودع  ليس طرفا حقيقيا في الدعوى وإنما هو مجرد تابع، فلا يحق له الطعن على وجه الاستقلال ضد الحكم الذي صدر ضد متبوعه. غير أن بعض المحاكم مع ذلك، لا تزال تعتبر المودع طرفا في الدعوى باعتباره خلفا لطالب التحفيظ وتقبل استئنافه على هذا الأساس. غير أن محكمة النقض تعاكس هذا الاتجاه، وفي رأيي أن موقفها سليم لما يلي:

1- إن طرفي النزاع هما طالب التحفيظ والمتعرض، أو خلفاؤهما العامون " الورثة".

2- إن المودع لو رغب في أن يكون طرفا في الدعوى لاستعمل أحد الطريقين المنصوص عليهما في قانون التحفيظ العقاري، وهما التعرض على مطلب التحفيظ طبقا للفصل 24، أو متابعة مسطرة التحفيظ باسمه بناء على مطلب إصلاحي.

3-  إن طالب التحفيظ وعلى افتراض أنه فوت جميع العقار موضوع المطلب، فهذا الأخير مع ذلك ما زال مقيدا في اسمه، ولا يمكن للمحكمة أن تعتبره سلفا للمودع، إذ بإمكانه أن يجادل مستقبلا في العقد المودع حتى بعد أن ينشأ الرسم العقاري ويقيد فيه، وذلك بأن يطلب التشطيب عليه منه لسبب من الأسباب، وبذلك تصبح " الخلفية " التي قطعت بها المحكمة منازعا فيها من طالب التحفيظ.

4- إن الحكم الصادر في القضية إنما يبلغ إلى طالب التحفيظ لا إلى المودع، وإذا بلغ إلى المودع وحده، فإن طالب التحفيظ يبقى على حقه في الاستئناف، والمحافظ لا يعتمد إلا التبليغ الحاصل لطالب التحفيظ.

5 ـ إذا قبل استئناف المودع باعتباره خلفا لطالب التحفيظ، وصدر القرار في الدعوى ضد المستأنف المودع، ثم بعد ذلك استأنف طالب التحفيظ الحكم، هل يقبل استئنافه أم يرد، على أساس أن الطعن لا يمارس إلا مرة واحدة، ما دام المودع باعتباره " خلفا " سبق له أن استأنف نفس الحكم؟ والجواب أن طالب التحفيظ لا يواجه بالطعن الذي سبق للمودع أن قدمه وقبلته المحكمة خطأ.

  هذا، وإذا اعتبرنا المودع " غير المتعرض عليه " ليس طرفا رئيسيا في النزاع، فهل يمكن أن يكون له دور ما؟           

إن طالب التحفيظ الذي فوت جميع حقوقه إلى الغير، و اكتفى هذا الأخير لحفظ رتبته فقط بالإيداع، قد لا تصبح لطالب التحفيظ رغبة في مواصلة الإجراءات أمام المحكمة مما قد يكون له أثر سلبي على المودع، ولذلك من المستحسن جدا عند استدعاء الأطراف الرئيسية في الدعوى، أن يتم أيضا إخطار المودع، وكذا المشتري من المتعرض إن وجدت هذه الحالة. وإن هذا الإخطار لا يعني أن من تم إخطارهم، لهم الحق في مواصلة الدعوى باسمهم، وإنما فقط لإعلامهم بذلك، ومن خلاله يمكن لهم اتخاذ كافة التدابير التي تحث من تلقوا الحق عنهم مواصلة الإجراءات بكل جدية، ومساءلتهم قانونا عن كل تقصير. كما إن بإمكانهم أداء مصاريف الانتقال اختيارا منهم، أو إحضار الشهود بعين المكان.

الإجراءات قبل التاريخ المعين للخروج إلى عين المكان:

قبل التاريخ الذي تم تحديده للانتقال بعشرة أيام على الأقل، يجب تفقد شهادات تسليم الإشعارات التي وجهت إلى الأطراف وكذا وكلائهم، وذلك للتأكد من التوصل، مع اتخاذ كل التدابير لإعادة التبليغ- عند الاقتضاء -.

وأثناء الوقوف على عين المكان أذكر ببعض النصائح، وهي:

1- الحرص على تسجيل الحاضرين من الأطراف وصفاتهم، وكذا المحامين، وتسجيل من تخلف بعد توصله.

2- مطالبة المهندس بتعيين محل كل نزاع على حدة، مع بيان مساحته وحدوده، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المحكمة مطالبة ببيان الجزء الذي تحكم به، مساحة وحدودا. وهذا يقتضي تبيان ذلك على الخريطة التي يعدها في عين المكان، المهندس المساعد للقاضي المقرر، وعلى هذا الأخير أن يطلب من المهندس في عين المكان، وأمام الحاضرين،الإشارة إلى كل البيانات التي تساعد في معرفة الجزء محل النزاع، والذي ثبتت حيازته المادية وانطبقت عليه الرسوم، معرفة ترفع معها كل جهالة. وغني عن البيان أن المحكمة إذا لم تبين في حكمها الجزء المحكوم به حدودا ومساحة، فإن ذلك يؤدي إلى إلغاء الحكم أو نقض القرار لخرقه الفقرة الثالثة من الفصل 37 كما تم تعديله.

3- الاعتناء بالمحضر الذي ينجز في عين المكان، وذلك بترتيب مختلف التصريحات فيه أولا بأول، مع الدقة في تحريرها بخط مقروء لا يحتاج إلى عناء في فهمه، لأنه الحجة التي يرجع إليها سواء قبل الحكم أو أثناءه وكذلك بعده. وإن كانت هناك فقرة تؤدي إلى الاختلاف في فهمها، يتعين إضافة فقرة بعدها لرفع كل احتمال. وإن كل هذه المسؤولية تكون على عاتق القاضي المقرر.

4- لا يكلف المهندس بإعداد تقرير مستقل، وإنما تضمن تصريحاته في محضر الوقوف، كما أن الخريطة البيانية لما تمت معاينته وتم الاستماع بشأنه إلى المصرحين، يحررها بعين المكان وتضم في حينه إلى محضر الوقوف.

5- يتضمن المحضر أيضا ما شاهده القاضي المقرر، وطريقته في تطبيق حجج الأطراف. وبذلك يكون الانتقال إلى عين المكان عملا إيجابيا لا سلبيا.

الفرع الرابع:

عرض نموذجين لبعض التعرضات:

أ- التعرض المؤسس على المطالبة بالشفعة فقط:

الأصل في الشفعة أن يبت فيها خارج مسطرة التحفيظ، غير أنه لما كانت هذه المسطرة مقيدة بأجل تحت سقوط جميع الحقوق، كان لابد من التعرض بسبب ذلك. والنزاع المتعلق بهذا الحق، لا يتطلب في الغالب إجراء بحث في عين المكان. وإنما يبحث فيه فقط بالمكتب. وللتذكير فإن مدونة الحقوق العينية التي على وشك العمل بمقتضياتها، سوت بين العقار المحفظ وغيره بخصوص تبليغ الرغبة في الشفعة إلى المشتري وعرض مبلغها عليه وإيداعه داخل الأجل، في حالة الرفض. ( الفصل 306 ). وإن تطبيق هذه المقتضيات يجري العمل به  ابتداء من تاريخ 24/5/2012. 

وإن البحث في التعرض المؤسس على الشفعة لا يخلو من ثلاث فرضيات:

الأولى: أن يحتويملف الدعوى على ما يفيد قيام الشفيع بالإبلاغ والعرض الحقيقي أو الإيداع، ففي هذه الحالة ينظر في باقي الشروط، الأجل وحالة الشياع.

الثانية: ملف الدعوى خال مما يفيد القيام بالإجراءات المذكورة، ففي هذه الحالة يتم إنذار المتعرض للإدلاء بذلك داخل أجل يحدده، تحت طائلة إحالة القضية على الجلسة العلنية، إذا كان هذا التعرض هو الوحيد في الدعوى.

الثالثة: أن يدلي المتعرض بما يفيد قيامه بدعوى تصحيح العرض العيني أمام نفس المحكمة أو أمام محكمة أخرى. فإذا كانت الدعوى معروضة أمام نفس المحكمة فإنه يستحسن ضمها إلى ملف التعرض على التحفيظ. أما إذا كانت معروضة على محكمة أخرى، فإن القاضي المقرر ينذر المتعرض بالإدلاء بما يفيد قيامه بالإجراءات المنصوص عليها في الفصل المذكور، ويواصل المسطرة في جميع الأحوال.

ب - التعرض المؤسس على الشفعة والاستحقاق أيضا:

قد يكون أحد الشركاء غير حائز لنصيبه حيازة مادية على العقار المطلوب تحفيظه. ففي هذه الحالة فإن الشريك الذي لم يدرج اسمه ضمن طلاب التحفيظ، بإمكانه أن يتعرض على مطلب التحفيظ للمطالبة بواجبه استحقاقا، والمطالبة بشفعة ما باعه شريكه لنفس أحد طلاب التحفيظ أو لأجنبي أودع شراءه في سجل التعرضات، وتم التعرض عليه.

فإذا تضمن ملف التحفيظ مثل هذه الحالة، فإن القاضي المقرر يجري المسطرة على مقتضاها، كالحالة السابقة المتعلقة بالتعرض المؤسس على الشفعة فقط. ويجري الأبحاث المتعلقة بالاستحقاق كما لو أن الأمر لا يتعلق إلا بالاستحقاق، ويبقى للمحكمة أخيرا حق الفصل في النزاع برمته استحقاقا وشفعة. فقد تحكم بصحة التعرضين معا، أو بعدم صحتهما معا، وقد تحكم بصحة التعرض المؤسس على الاستحقاق فقط وبعدم صحة التعرض المؤسس على الشفعة.

ج - التعرض المؤسس على المطالبة بحق المرور:

في بعض النزاعات المثارة بمناسبة إيداع مطلب للتحفيظ يتعرض شخص عليه بسبب حق المرور الذي يتمثل في عدة أنواع، أهمها نوعان حسبما يتبين من الملفات المعروضة على القضاء، أحدهما الممر الذي كان مستعملا منذ مدة تساوي أو تفوق مدة الاستحقاق، وثانيهما المطالبة بممر كان مستعملا ولكن لمدة لم تبلغ مدة الاستحقاق غير أن فقدانه يجعل عقار المتعرض محاصرا لا منفذ له إلى الطريق العمومي أو له منفذ غير كاف لاستغلال عقاره. وفي بعض الملفات يلاحظ أنها لا تتضمن التدقيق في طبيعة الممر موضوع التعرض، ولذلك يقتضي الموقف من القاضي المقرر في جلسة البحث الأولى أن يستوضح المتعرض عن طبيعة الممر الذي يطالب به، حتى يتسنى له اتخاذ الإجراء المناسب لكل حالة. فإذا تبين له أن حق المرور المطالب به هو عبارة عن ممر كان قديما غير أن طالب التحفيظ يحاول بمطلبه إزالته كليا أو تضييقه، فالعمل – عند إنكار طالب التحفيظ – الوقوف على عين العقار لتطبيق الحجج ومعاينة محل النزاع والاستماع إلى شهود الطرفين هناك، إما بمساعدة مهندس مساح، إذا لم يكن وعاء الممر المدعى به محددا من ذي قبل، من طرف المحافظ، أما إذا كان محددا فلا يتوقف الأمر على مساعدة المهندس. وإذا تبين أن الممر المطالب به لا يعدو أن يكون حديثا وأن المتعرض يدعي محاصرة عقاره لكونه لا منفذ له إلى الطريق العمومي، أو أن له منفذا لا يكفي لاستغلاله ، ففي هذه الحالة يسأله القاضي عن مدى استعداده لأداء التعويض المناسب لطالب التحفيظ صاحب العقار المرتفق به، فإن أبدى استعداده لذلك وقف القاضي على عين العقار بمساعدة مهندس مساح، الذي تنحصر مهمته ـ وتحت إشراف القاضي ـ في الإفادة بما إذا كانت هناك محاصرة فعلا، وما سببها؟ ثم رسم ممر على سبيل الاحتياط، في المكان الذي لا يسبب للأرض المرتفق بها إلا أقل ضرر (الفصل 34من مدونة الحقوق العينية ). وعلى المهندس أن يحدد التعويض المناسب الذي يكون على المتعرض أن يودعه مسبقا بصندوق المحكمة بعد أن يأمره القاضي بذلك عند الاقتضاء. وإذا لم يبد المتعرض استعداده في جلسة البحث لأداء التعويض المناسب، فعلى القاضي أن يحرر محضرا بذلك يتضمن أن المتعرض إنما يطالب بحق المرور لأجل المحاصرة، وأنه غير مستعد لأداء التعويض عن الضرر الذي سيلحق بطالب التحفيظ.

الفرع الخامس:

إحالة القضية على الجلسة العلنية والحكم فيها:

        أ- إحالة القضية على الجلسة:

يعني ذلك أن القاضي المقرر ألم بالنزاع واستنفد فيه كل الأبحاث الضرورية وقدم إلى المحكمة في طي أبحاثه ما يمكنها به تعليل حكمها الذي ستتخذه في الموضوع وأحال ملف القضية على النيابة العامة لتقديم مستنتجاتها إذا كانت فيها إحدى الحالات المنصوص عليها في الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية. وللإشارة أن النيابة العامة إذا قدمت ملتمسا له من الوجاهة ما يبرره، فعلى  القاضي القيام به. وعلى المحكمة في الجلسة العلنية أن تتأكد من توصل الأطراف بالإعلام للجلسة بثمانية أيام على الأقل إذا لم يحضروا وإلا أعيد إعلامهم بها، لأن ذلك من صميم حق الدفاع، إذ بإمكانهم في الجلسة أن يقدموا دفوعا مؤثرة أو حججا من نفس القبيل، كما يمكن للمحكمة أن تكلفهم بأمر ما عند الاقتضاء. وعلى القاضي أن يعرض القضية طبقا للفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري، وعلى المحكمة قبل جعل القضية في المداولة أن تحيل الملف أيضا على النيابة العامة للإطلاع إن كان ما يدعو إلى ذلك حسبما سلف.

ب-  الحكم في القضية:

قبل الإشارة إلى ما يتعين أن يتضمنه الحكم الإبتدائي، تجب الإشارة إلى أن ملفات مطالب التحفيظ التي تتبادل التعرض فيما بينها يجب ضمها إلى بعضها لإصدار حكم واحد فيها، إذ ما يلاحظ على صعيد بعض المحاكم، أنها تصدر حكمين مستقلين في ملفين تبادل مطلباهما التعرض، والحال أن المسطرة تقتضي إصدار حكم واحد فيهما، فإذا كان إصدار حكمين من شأنه أن يبين مجهود القاضي على صعيد الإحصاء، فإن ذلك وحده غير كاف لتفريق المسطرة ذات الموضوع الواحد.

ج- ما يجب أن يتضمنه الحكم الابتدائي:

يبين في منطوقه حدود ومساحة الجزء المحكوم بصحته لفائدة كل متعرض على حدة، وفي حالة الشياع يبين نصيب كل واحد منهم ( الفقرة الثالثة من الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري ).

الحكم في مادة التحفيظ العقاري، ينص فيه على صحة أو عدم صحة التعرض، وبالتالي فإن صيغة رفض التعرض أو عدم قبوله لا محل لها في هذه المسطرة، ولو تعلق الأمر بانعدام صفة المتعرض، على الفرض والاحتمال.

التنصيص على الحكم بالغرامة وعلى المحكوم عليه بها ومقدارها، كل ذلك عند الاقتضاء.

الإشارة إلى إيداع مستنتجات النيابة العامة أو تلاوتها بالجلسة، وذلك عندما تتوفر إحدى الحالات المنصوص عليها ضمن الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية. مع العلم أن الإخلال بذلك يجعل الحكم باطلا، ولا يصحح هذا الإخلال أمام محكمة الاستئناف ( عدة قرارات لمحكمة النقض) أسماء الهيئة الحاكمة المشار إليها في ديباجة الحكم هي نفس الأسماء المذكورة في محضر الجلسة التي جعلت فيها القضية للمداولة.

هذا، وأنه بمجرد صدور الحكم الابتدائي، وفور صدوره، يبلغ تلقائيا ملخصه إلى طالب التحفيظ وإلى جميع المتعرضين وفق الشكل المحدد في قانون المسطرة المدنية. وإذا كان هذا الإجراء لم تكن بعض المحاكم تلتزم به لسبب من الأسباب، فإن تكريسه بمقتضى القانون الجديد له دلالة خاصة، تكمن في رغبة المشرع في توحيد الرؤى بين تطلعات الجهاز المكلف بالتحفيظ من تفادي كل تعثر من شأنه تأخير إجراءات التحفيظ العقاري بالنسبة للعقارات التي دخلت في هذا النظام من جهة، ومساهمة السلطة القضائية إلى جانبه في تحقيق هذه التطلعات بإنهاء النزاعات المحالة عليها بخصوص هذه المساطر، ضمن سقف زمني مقبول. وعلى هذا الأساس، يكون على عاتق السادة المسؤولين القضائيين الإشراف المباشر على تنفيذ هذه المقتضيات بكل الدقة اللازمة.

الفرع السادس:

تحضير القضية أمام محكمة الاستئناف والحكم فيها:

لا يختلف دور المستشار المقرر أمام محكمة الاستئناف عن دور القاضي المقرر أمام المحكمة الابتدائية، بخصوص تحضير القضية، إذ على المستشار المذكور أن يتخذ جميع التدابير التكميلية للتحقيق في الدعوى المنصوص عليها في الفصلين 34 و 43 من قانون التحفيظ العقاري، إذا كان فيها ما يدعو إلى ذلك، حتى ولو لم يطلبه الأطراف، إلا أن من بين ما يجب الاهتمام به في هذه المرحلة، هو التأكد مما إذا كان الحكم المستأنف بين في منطوقه حدود ومساحة الجزء المحكوم بصحته، أو الأجزاء المحكوم بها في حالة الشياع، وإلا تولى تحضير القضية على هذا الشكل. كما عليه، عند اعتبار القضية جاهزة لإحالتها على الجلسة العلنية، أن يحيل الملف على النيابة العامة، وذلك في جميع الأحوال، لتقديم ملتمسها. وعليه أيضا أن يلاحظ ـ وفي بداية المسطرة ـ ما إذا كان الحكم المستأنف أشار إلى إيداع مستنتجات النيابة العامة، أو تلاوتها بالجلسة، في الحالة التي يستوجب القانون فيها ذلك، وإلا اقتصر على إدراج القضية في الجلسة العلنية، قصد الحكم فيها بما يقتضيه القانون.

ولا يفوتني أن أشير إلى ما يلاحظ من خلال بعض القرارات الاستئنافية، أن محكمة الاستئناف عاكست الحكم الابتدائي الذي اعتمد المعاينة، استنادا منها فقط إلى تقرير خبير، والحال أن الأمر كان يقتضي منها – إذا رأت خلاف الحكم المستأنف أن تعتمد سندا أقوى مما اعتمده هذا الأخير، وذلك باتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق، الموصلة إلى حل النزاع بطريقة صحيحة وقانونية وتحقق العدل والإنصاف، ويتبين منها أن محكمة الاستئناف فعلا أضافت مجهودا يمكن معه سد الثغرات أو النقائص التي اعترت الحكم الابتدائي والظروف التي صدر فيها.

ومن غير حاجة إلى التذكير بأن القرارات الصادرة في موضوع التحفيظ العقاري، يجري عليها ما يجري على الأحكام الابتدائية حسبما سبق القول، من حيث التنصيصات اللازم بيانها ووضوح منطوقها، والتنصيص على الغرامة عند الاقتضاء إلى غير ذلك، وأن أجل الطعن فيها بالنقض أصبح ثلاثين يوما بدلا من شهرين وأريد أن أضيف بخصوص هذه المرحلة شيئا آخر قلما يتم التنبه إليه، وهو أن محكمة الاستئناف، إذا كانت تنظر في القضية بعد النقض، عليها أن تراعي الدفوع التي سبق للأطراف أن أثاروها سواء قبل النقض أو بعده، كما أنه من المستحسن الإطلاع على الوسائل المثارة أمام محكمة النقض، لأن ذلك سيساعد المحكمة على القضاء على مختلف الدفوع التي يمكن رجوع الطاعن إليها خاصة إذا كانت المحكمة ستصدر قرارها ضده باعتباره المستفيد من النقض السابق.  

خاتمـة: أود أن أختم هذه المداخلة بالكلام على نقطتين رأيت من المفيد التطرق أليهما باختصار، وهما التعرض المنصب على الأراضي التي شملتها عملية الضم، والأراضي ذات الصبغة العمومية.

1) الأراضي المشمولة بعملية الضم

إن الأراضي التي شملتها عملية الضم تتغير وضعية الأملاك فيها موقعا وحدودا ومساحة، بسبب العملية المذكورة، ولذلك لا تبقى في الأغلب الأعم مجال للقيام بتطبيق الحجج في عين المكان. والحل أن التطبيق إذا دعت الضرورة إليه يبحث فيه على صعيد الخرائط المودعة لدى المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي والمحافظة على الأملاك العقارية بمساعدة المسؤول التقني بالمكتب المذكور وكذا الاستماع إلى الشهود إن كان مفيدا. ومن جهة أخرى فإن مساعدة مهندس مساح يضحى مع ذلك ضروريا لتحديد مساحة وحدود نطاق التعرض إذا لم يكن محددا من طرف المحافظ، أو كان محددا ولكنه يفوق ما أثبته البحث المجرى، لأن المحكمة، وكما سبق القول، ملزمة ببيان حدود ومساحة الجزء المحكوم به. كل هذا إذا لم يكن نطاق التعرض كليا حسبما أسفر عنه البحث.

  2) الأراضي ذات الصبغة العمومية

   وأقصد بذلك الأراضي التابعة للملك الغابوي، أو الجماعات السلالية، أو الملك الخاص للدولة، أو الأحباس العامة، أو الأراضي المسترجعة طبقا لمقتضيات الظهير الشريف الصادر بتاريخ 1973، وكذا الأملاك المصادرة بناء على أحكام لجنة البحث المشكلة سنة 1958. فإن ما يلاحظ أن النزاعات التي تطرح أمام المحاكم، والتي تتعلق بهذه الأراضي، كثيرا ما تحير، أو إن لم أكن خجولا، تقلق بال القضاة عند البحث فيها بعين المكان، وحتى على مستوى محكمة النقض. ومرد ذلك إلى عدم قيام بعض المسؤولين على هذه المؤسسات بالإدلاء بالحجج  القانونية واللازمة، ويقتصر فيها في الغالب على مجرد الإدعاء أو اعتماد حجج لا يلقى لعيوبها بال، أو في بعض الحالات يراد لنتيجة الحكم أن تسير في الواقع عكس المطلوب، كما يستشف من بعض النزاعات المتعلقة بأراضي الجماعات السلالية والتي يشرف عليها نواب هذه الجماعات، وبالتالي يكون الغرض من الدعوى بخصوص هذه الجهة مجرد " ذر الرماد في العيون ". وهكذا يكون الخاسر دائما هو "القضاء" لما يلقى عليه من وابل الانتقاد والسخط من هذا الجانب أو ذاك. وبخصوص الأحباس العامة تعتمد في الغالب الحوالات الحبسية المسجلة لدى مختلف النظارات، والحال أن هذه الحوالات غالبا ما يستحيل تطبيقها على محل النزاع، لإشارتها إلى حدود فضفاضة أو لا وجود لهذه الحدود بالمرة في الواقع. وقد كان على هذه الجهة لما فرطت في حيازة الملك الحبسي منذ عشرات السنين، ـ وعليها عهدة هذا التفريط ـ أن تعمل على إقامة بينة تامة الشروط بالصبغة الحبسية  للمشهود فيه. وبخصوص الدولة " الملك الغابوي " تعتمد قرينة الأعشاب الطبيعية النبت أو الأشجار " الغابوية " والحال أن هذا يمكن وجوده في أي مكان. والغريب أن الأرض المدعى غابويتها عليها بناء قديم شيده ساكنه منذ سنين. وأنه إذا كانت الأملاك ذات الصبغة العمومية لا تنفع حيازتها، فإنه كان على المؤسسة أن تتخذ ضد من يشرع في الاحتلال ولو إجراء من الإجراءات قصد الاحتجاج به عليه عند الضرورة. وما يقال عن هذا، ينطبق أيضا على الأراضي التي تدعي الدولة استرجاعها طبقا لظهير 1973، ذلك أن القرار المشترك إذا تعلق بملك معروف فلا إشكال في تطبيق أثره على الكافة، كالعقارات المحفظة أو التي في طور التحفيظ، عندما يشار في القرار إلى رقم الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ. ويستشكل الأمر عندما يتعلق الاسترجاع بأرض في غير ما ذكر ولا ينص القرار المشترك على حدود ومساحة الأرض المسترجعة ولا ينص أيضا محضر الحيازة على هذه البيانات ولا على إشعار الحائز الفعلي للعقار، بحيازة الدولة، حتى يمكنه الطعن في القرار الوزيري. فمثل هذه الإشكالات تعيق عمل القضاء والحل في اعتقادي أن تعتبر هذه المؤسسات نفسها أن مركزها مساو لمركز الأشخاص الطبيعيين في مجال التقاضي وبالتالي يجب عليها أن لا تتقاضى بدون حجة مستوفية للشروط القانونية، وعليها أن تتحمل وزر تقصيرها في المحافظة على الملك ذي الصبغة العمومية، وكل ذلك متوفر لديها و خاصة على صعيد الكفاءات البشرية. وبخصوص الأراضي الجماعية، على سلطة الوصاية أن تنكب على تدبير هذه الأراضي بدل ترك أمرها على الحالة الراهنة والأطماع عليها تتزايد سنة بعد أخرى، أو على الأقل اتخاذ الإجراءات القانونية لتحديد ما تبقي منها بغير تحديد. إذ الموقف يتطلب من الجميع في الوقت الراهن الانخراط في موكب الإصلاح وذلك باتخاذ كل التدابير لجعل هذا النوع من الممتلكات واضح المعالم والتحصين تماما بالقدر الذي يطلب من الخواص تحصين حقوقهم وإثباتها أمام القضاء، وسيكون ذلك مساهمة في التقليل من المنازعات التي تعرض عليه، ويزيد من قناعة الجميع بالدور الذي يقوم به، لا أن يكتوي بنار لم يتسبب في إيقادها، وما ذلك بصعب المنال. 
المصدر: http://www.sejdm.com

تعليقات