القائمة الرئيسية

الصفحات



الإعسار أحمد الشيخ قاسم

إعسار

insolvency - insolvabilité

الإعسار

الإعسار

أحمد الشيخ قاسم

حالة إشهار الإعسار القانوني

آثار شهر إعسار المدين

آثار شهر الإعسار بالنسبة إلى الدائنين

انتهــاء حالـة الإعسار

ما يترتب على حالة إنهاء الإعسار




ميز التشريع السوري بين حالة الإفلاس التجاري وبين حالة الإعسار القانوني المدني، فخص الحالة الأولى بالتاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه ويحكمها قانون التجارة (المادة 443)، وخص الحالة الثانية بالمدين المدني الذي يتوقف عن دفع ديونه المستحقة الأداء ويحكمها القانون المدني (المواد 250-264)، غير أنه لم يضع تعريفاً قانونياً لحالة الإعسار القانوني، وإنما وضع لها نظاماً قانونياً خاصاً حدد بموجبه حالة نشوء الإعسار القانوني؛ إذ نص في المادة (250) مدني على أنه «يجوز أن يشهر إعسار المدين إذا كانت أمواله لا تكفي لوفاء ديونـه المستحقة الأداء». وحاولت محكمــة النقض أن تضع ملامح لهذه الحالة بقرارها رقم (108) تاريخ 20/2/1963 بقولها بأنها عبارة عن حالة قانونية تجيز للقاضي أن يقررها إذا تحقق لديه أن أموال المدين لا تكفي لوفاء ديونه المستحقة الوفاء، وقد تبنى القانون المدني السوري «نظام الإعسار المدني القانوني» وميــزه عن «حالــة الإعسار المدني الفعلـي»، وميز بين الحالتين:

¯ ففي حالة الإعسار القانوني فإنها تتوفر إذا لم يتمكن المدين من الوفاء بديونه المستحقة (المادة 250) منــه، وهي تخضع للشهر بدءاً من تسجيل صحيفة الدعـوى وانتهـاء بصدور حكم قضائي (المادة 253) منه.

¯ أما حالة الإعسار الفعلي فهي حالة واقعية تكون فيها التزامات وديون المدين المستحقة وغير المستحقة تزيد على حقوقــه الموجودة، وهي لا تخضع للشهر وإنما تخضع للدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية والدعوى الصورية (المادة 264) منه.

وحالة الإعسار القانوني ليست دائمة؛ لأنها تنتهي - خلافاً لحالة الإفلاس - بتحقق بعض الشروط القانونية.

أولاً: حالة إشهار الإعسار القانوني

لم يضع القانون المدني تعريفاً لحالة الإعسار، وإنما وضع نظاماً قانونياً يحكم شؤونها، فاقتصرت أحكامه على حالة الإعسار القانوني، في حين أخضع حالــة الإعسار الفعلي لوسائل التنفيذ الأخرى التي ترك استعمالها بيد الدائنين للطعن بتصرفات المدين المعسر الفعلي باستخدام إحدى الدعاوى الثلاث المار ذكرها وهي: الدعوى المباشرة والدعوى البولصية والدعوى الصورية حسب توافر شروط كل منها وانطباقها على تصرف المدين المطعون فيه عملاً بالمادة (264) مدني. وإذا كانت المادة (250) مدني قد وضعت الأسس القانونية لتحديد حالة الإعسار القانوني، إلا أنه يستنتج من النص أن توقف المدين عن الدفع لا يحقق حالة الإعسار كما هو عليه الحال في الإفلاس (المادة 443 تجارة)، وإنما اشترط القانون وجوب توافر الشرطين التاليين:

الأول: أن تكون الديون الموجبة للإعسار مستحقة الأداء وقت المطالبة.

الثاني: أن تكون أمواله الموجودة لا تكفي لوفاء الدين المستحق الأداء.

فإذا كان الدين المتوقف عن الوفاء به غير مستحق الأداء به بعد، أو كان المذكور مستحق الأداء، وأثبت المدين أن لديه أموالا تكفي للوفاء فلا يجوز شهر إعساره، ولو كانت هذه الأموال غير كافية للوفاء بجميع الديون الحالة والمؤجلة حتى لو توقف المدين عن الدفع. وقد قضت محكمة النقض السورية بهذا الخصوص، «بأنه إذا ادعى الدائن إعسار المدين وطلب عدم نفاذ تصرفه، انتقل إلى المدين عبء إثبات يساره، وإذا تقرر عدم نفاذ تصرفه دخل العقار المتصرف به في الضمان العام للدائن. وإذا تصرف المدين ورفع الدائن دعوى بعدم نفاذ التصرف وعرض المدين عقارات بديلة وكافية يعتبر غير معسر، وشروط دعوى عدم التصرف غير متوفرة». يستنتج من ذلك أن حالة توقف المدين عن الدفع ليست قرينة قانونية لاعتباره معسراً؛ لأن بامكانه أن يثبت أن الدين لم يستحق بعد أو أن لديه أموالاً تكفي لوفاء الدين المستحق، خلافاً لحالة التاجر الذي يتوقف عن الدفع فيعتبر في حالة إفلاس. وإذا استطاع الإفلات من الوقوع بحالة شهر الإعسار القانوني وما يترتب عليه من آثار؛ فإنه يمكن أن يقع في نطاق حالة الإعسار الفعلي ويتعرض للطعن بتصرفاتـه بإحدى الدعاوى الثلاث المار ذكرها استناداً إلى المادة (264) مدني.

والسؤال كيف يتم شهر حالة الإعسار، ومتى يبدأ، ومن هي أطرافه؟

عدّ القانون المدني تاريخ بدء إشهار الإعسار من تاريخ تسجيل استدعاء دعوى الإعسار (المادة 257)، ويكون شهر الإعسار بحكم تصدره محكمة البداية المدنية التي يتبعها المدين، بناء على طلب المدين نفسه أو طلب أحد دائنيه، وتنظر الدعوى على وجه السرعة (المادة 251).





1- المحكمة المختصة

حدد القانون المدني «محكمة البداية المدنية التي يتبعها المدين» المرجع المختص للنظر بدعوى الإعسار، وهذا يتطابق وحكم المادة (81/1) من قانون الأصول باعتبار أن طبيعة الدعوى تتعلق بتنفيذ الالتزامات المتعلقة بالحقوق الشخصية. وللأهمية التي أعطاها المشرع لهذه الدعوى أوجب على المحكمة فتح سجل خاص تسجل فيه طلبات الإعسار والتأشيرات والأحكام الصادرة بشأنها، وربط هذا السجل بسجل عام يفتح لدى وزارة العدل بقرار من السيد وزير العدل تسجل فيه جميع التسجيلات والتأشيرات التي تتم في السجل الخاص، ويعدّ هذا السجل بمنزلة سجل لإشهار الإعسار (المادة 253 مدني).

2- أطراف دعوى الإعسار

حصر القانون المدني أطراف الدعوى بأحد الدائنين أو أكثر (المادة 251)، وفي الحالة الأخيرة يجوز أن ينفرد كل منهم بإجراء فردي ليحافظ على حقوقه خلافــاً لقواعد شهر الإفلاس التي توجب أن ترفع من كتلة الدائنين مجتمعين. كما أجاز أن ترفع من المدين نفسه بدعوى مستقلة أو بادعاء متقابل في دعوى شهر إعساره؛ وقاية له من الدائنين أو بهدف تسوية وضعه بالحصول على آجال أخرى للوفاء؛ أو للحصول على نفقة خاصة به نتيجة حجز جميع إيراداته (المادتان 251 و259 مدني).

وإذا رفعت الدعوى من الدائن فإن قواعد الإثبات توجب عليه أن يثبت إعسار المدين بجميع طرق الإثبات لأن الإعسار واقعة مادية. ويكفي أن يثبت الدائن وجود دين له في ذمة المدين مستحق الأداء، فإذا أثبت هذه المسألة فإن ذلك يشكل قرينــة قضائية بأن المدين معسر، وهذه القرينة تقبل إثبات العكس بأن يثبت المدين بأن لديه مالاً يكفي لوفاء الدين المستحق أو أن شروط الدعوى غير متحققة، إما لأن الدين لم يستحق بعد، أو أنه متنازع على وجوده أو معلق على شرط واقف أو فاسخ أو مؤجل الدفع أو غير مقدر.

وأناط المشرع بالمحكمة سلطة تقديرية واسعة لتقدير شروط وظروف الإعسار والدفوع المرفوعة من الطرفين (المادتان 252 و255) مدني.

3- إجراءات الدعـــوى

تنظر محكمة البداية بطلب إشهار الإعسار بوصفها محكمة للموضوع، وعلى وجه السرعة حسب النص (المادة 252 مدني)، ومعناه تقصير أمد جلسـات المحاكمة واعتبارها من الدعاوى البسيطة غير الخاضعة لتبادل اللوائح (المادة 100) قانون الأصول، خلافاً للنص في قانون المرافعات المصري الذي أضفى عليها طابع الاستعجال وأن تنظر على وجه السرعة (المادة 118).

والحكم في القانون السوري هو حكم موضوعي يخضع لطرق الطعن العادية وغير العادية، لذلك يعدّ حكم الإشهار منشئاً للحق وليس كاشفاً له؛ لأنه ينشىء حالة قانونية جديدة، وعليه يعدّ حجة على الجميع، وهو علني (المادة 253 مدني) وتتمثل العلانية بوجود السجل الرسمي الخاص الذي تسجل فيه صحيفة الدعوى، ويؤشر فيه على صدور الحكم، ويرسل صورة عن التسجيل والتأشير إلى ديوان وزارة العدل لتثبيتها في سجل رسمي عام ينظم لهذا الغرض بقرار من وزير العدل.

ثانيــاً- آثار شهر إعسار المدين

1- من الناحية المدنيــة

أ- رتب القانون المدني في مواده (257-260) عدة أثار على المدين أهمها «عدم نفاذ تصرف المدين بحق الدائنين بمجرد تسجيل صحيفة الدعوى في السجل الخاص المنظم من المحكمة المختصة». إذ اعتبر تاريخ تسجيل استدعاء الدعوى هو بدء شهر الإعسار وميعاداً لبدء عدم نفاذ التصرف، فإذا أنقص من حقوقه كالبيع أو الهبة، أو زاد في التزاماته عن طريق القرض، أو أوفى ديناً ولو كان حالاً، أو فضل دائناً على آخر بالوفاء له قبل حلول دينه أو بعد حلول الدين، أو أعطى ضماناً لدين يكون هذا التصرف غير سار في حق الدائنين، وذلك دون حاجة لإثبات إعسار المدين، فهو ثابت بطلب شهر الإعسار من دون الحاجة لإثبات سوء نية المدين أو المتصرف إليه ولو كان المتصرف معاوضة (المادة 257) مدني.

ب- وإذا صدر حكم إشهار الإعسار فإن ذلك يسهل على الدائن أن يطلب إلغاء التصرف، فلو نفذ الدائن على العين المتصرف بها جاز للمتصرف له الرجوع على المدين.

ج- غير أن القانون أجاز استثناء للمدين التصرف في ماله بدون رضاء الدائنين شريطة أن يكون ذلك بثمن المثل وأن يودع الثمن في صندوق المحكمة كي يوزع علـى الدائنين، فإذا نقص عن ثمن المثل كان التصرف غير سار بحق الدائنين، إلا إذا أودع المشتري فوق الثمن الذي اشترى به ما نقص من ثمن المثل (المادة 258) مدني.

د- أما إذا لم يكن قد تم شهر إعسار المدين جاز لدائنيه منفردين أن يحجزوا على جميع إيراداته، وكان لرئيس المحكمة المختصة بشهر الإعسار أن يقرر للمدين - على عريضة يقدمها - نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة، ويقبل هذا القرار الاعتراض من المدين في مدة ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، ومن الدائنين من تاريخ تبلغهم لــــه (المادة 259) مدنــي.

2- من الناحية الجزائيــة

لم يكتف القانون بترتيب آثار مدنية على المدين الذي يشهر إعساره، بل رتب آثاراً جزائية أيضاً، فقد نصت المادة (260) مدني على أن المدين يصبح بعد شهر إعساره عرضة لعقوبة الاحتيال:

أ- إذا رفع دائن عليه دعوى بالدين قبل أن يشهر إعساره، ثم حكم عليه بالدين، فتعمد قبل الحكم بالدين أو بعده أن يعسر بقصد الإضرار بدائنيه تهرباً مــن تنفيذ الحكم.

ب- إذا حكم على المدين المعسر بشهر الإعسار فعمد إلى الإضرار بدائنيه عن طريق إخفاء بعض أمواله أو اصطنع ديوناً ضرورية أو مبالغاً فيها، وذلك بقصد الإضرار بدائنيه.

ثالثـاً- آثار شهر الإعسار بالنسبة إلى الدائنين

رتب القانون آثاراً على شهر الإعسار تجاه الدائنين، أهمها:

1- إسقاط آجال جميع ديون الدائنين وتصبح حالة ومستحقة، وهذا يحقق المساواة بين الديون الحالة والديون المؤجلة، وفي هذه الحالــة يحسم من هذه الديون مقدار الفوائد الاتفاقية والقانونية عن المدة التي سقطت بسقوط الأجل (المادة 255/1).

2- لكن هذا الإسقاط لا يحجب عن القاضي السلطة بأن يحكم بناء على طلب المدين، وبمواجهة ذوي الشأن من دائنيه بإبقاء الأجل أو مده بالنسبة إلى الديون المؤجلة إذا رأى أن الظروف تبرر ذلك، وأن التأجيل خير وسيلة تكفل مصالح المدين والدائنين معاً (المادة 255/2).

3- عدم نفاذ حقوق الاختصاص التي تقع على عقارات المدين بعد تسجيل استدعاء دعوى الإعسار، كما لا يجوز أن يحتج على الدائنين الذين يكون لهم حقوق سابقة على ذلك التسجيل (المادة 256/2).

4- رغم ذلك فإن تسجيل استدعاء الإعسار والذي يعتبر إشهاراً له لا يحول دون الدائنين باتخاذ إجراءات فردية ضد المدين كي يحافظوا على حقوقهم (المادة 256/1) .

وبناء على ذلك فقد أكد الفقه أن شهر الإعسار لا يكون نافذاً بحق الدائنين ذوي الحقوق الثابتة التواريخ قبل تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، أما إذا كان حق الاختصاص سابقاً على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار؛ فإنه ينفذ بطبيعة الحال في حق جميـع الدائنيــن.

رابعاً- انتهــاء حالـة الإعسار

فرق المشرِّع بين حالة الإفلاس وبين حالة الإعسار المدني، فجعل الحالة الأولى دائمة في حين جعل الحالة الثانية مؤقتة تنتهي بتوافر أسبابها. فقد رسم طريقين لانتهاء حالة الإعسار في المادتين (261 و262):

الأول: يكون بحكم قضائي تصدره محكمة البداية المدنية التي يتبعها موطن المدين، يقضي بانتهائها بناء على طلب المدين في الحالتين الآتيتين:

1- إذا أثبت أن ديونه أصبحت لا تزيد على أمواله.

2- إذا أثبت أنه قام بوفاء ديونه التي كانت حالة وقت طلب إنهاء حالة الإعسار، سواء كانت هذه الديون ديوناً حالة وقت شهر الإعسار أو حلت بعد ذلك بانقضاء أجلها. أما الديون التي اعتبرت حالة عن طريق إسقاط أجلها بسبب إشهار الإعسار، ولم يكن الأجل قد انقضى وقت طلب إنهاء حالة الإعسار فإنها لا تدخل في الحساب؛ لأنها تعود إلى أجلها(المادة 263).

الثاني: ويكون بقوة القانون بانقضاء خمس سنوات. وتبدأ هذه المدة من تاريخ التأشير بالحكم الصادر بشهر الإعسار (المادة 262)، وتتم هذه الحالة بدون الحاجة إلى استصدار حكم بذلك من المحكمة المختصة الأنفة الذكر.

خامساً: ما يترتب على حالة إنهاء الإعسار

رتب القانون آثار عدة أهمها:

1- زوال الآثار التي تترتب على شهر حالة الإعسار.

2- رجوع آجال الديون بعد سقوطها.

3- خضوع المدين بعد زوال حالة إعساره لإحدى الدعاوى المنصوص عليها في المادة (363).

وبناء على ذلك فإن المدين الذي زالت حالة إعساره بحكم قضائي أو بقوة القانون يعود إليه حق التصرف بأمواله، ولكن يمكن أن يبقى هذا المدين بعد ذلك في حالة إعسار فعلـي، ففي هذه الحالة فإنه يخضع للدعاوى التالية:

1- للدعوى غير المباشرة وفيها يستعمل الدائنون حقوق مدينهم (المادة 236).

2- للدعوى البولصية وفيها يطعن الدائنون بتصرف مدينهم (المادة 238).

3- للدعوى الصورية وفيها يطعن الدائنون والخلف الخاص بصورية العقد أو التمسك فيه (المادة 245).



مراجع للاستزادة:



- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الجزء الثاني.

- رزق الله الأنطاكي، الحقوق التجارية (طبعة أولى 1950).

- شفيق طعمه، مجموعة اجتهادات التقنين المدني، الجزء الثالث.

- مجلة المحامون السورية، صادرة عن نقابة المحامين.
المصدر: http://arab-ency.com

تعليقات