إفلاس
bankruptcy - banqueroute
الإفلاس
الإفلاس
فاروق أبو الشامات
شهر الإفلاس
الآثار المباشرة للحكم بشهر الإفلاس اتحاد الدائنين
إجراءات الإفلاس الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته
حلول الإفلاس إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات
الآثار المترتبة على عقد الصلح الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي
الأصل أن يحتفظ التاجر بإدارة أمواله وأن يستقل بشؤونه ما دام قائماً بدفع ما عليه من الديون في مواعيد استحقاقها، لكنه إذا توقف عن الدفع وعجز عن الوفاء بديونه عندئذٍ وجب رفع يده عن إدارة أمواله منعاً له من العبث بحقوق دائنيه وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه نظام الإفلاس Bankruptcy. فهو يعمد أولاً إلى حماية حقوق الدائنين وتحقيق المساواة فيما بينهم حتى لا يستوفي بعضهم كل ديونه ويحرم بعضهم الآخر، وثانياً إلى منع المفلس من إدارة أمواله حتى لا يبددها ولا يعبث بحقوق الدائنين.
في سورية ظل قانون التجارة السوري رقم 149 لعام 1949 - الذي كانت أحكامه مستمدة من قانون التجارة الفرنسي - يطبق نظام الإفلاس، واستمر الأمر كذلك حتى صدور قانون التجارة السوري رقم (33) لعام 2007 الذي بحث في الكتاب الرابع الصلح الواقي والإفلاس من المادة 413 إلى المادة 610.
لذلك فإننا سنعرض لنظام الإفلاس بصورة شاملة.
أولاً: شهر الإفلاس:
نصت المادة (443) من قانون التجارة رقم (33) لعام 2007 على أنه «يعتبر في حالة الإفلاس كل تاجر يتوقف عن دفع ديونه التجارية وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به إلا بوسائل يظهر بجلاء أنها غير مشروعة». كما نصت الفقرة (1) من المادة (444) بأنه: «يشهر الإفلاس بحكم من محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لأعمال المدين».
يتبين من نص المادتين السابقتين أنه يجب لشهر الإفلاس أن تتوفر من جهة شروط موضوعية تقضي بأن يكون المدين المراد شهر إفلاسه تاجراً وأن يتوقف عن دفع ديونه التجارية، ومن جهة أخرى شرط شكلي هو صدور حكم قضائي بشهر الإفلاس. لذلك فإننا سنبحث فيما يلي الشروط الموضوعية لشهر الإفلاس ثم الشروط الشكلية لشهر الإفلاس وصدور الحكم به.
1 - الشروط الموضوعية لشهر الإفلاس: اشترطت المادة (443) من قانون التجارة لشهر الإفلاس كما بينا أعلاه شرطين أساسيين هما: أولاً أن يكون المدين تاجراً، وثانياً أن يكون متوقفاً عن الدفع. وهذان شرطان لازمان في الوقت نفسه، فإذا انتفى أحدهما امتنع على المحكمة إصدار حكم بشهر الإفلاس.
أ - توفر صفة التاجر: يجب أن يكون المدين المطلوب شهر إفلاسه تاجراً، وقد عرفت المادة (9) من قانون التجارة بفقرتيها (أ و ب) التجار بأنهم الأشخاص الذين تكون مهنتهم القيام بالأعمال التجارية، والشركات التي يكون موضوعها تجارياً. كما أن الفقرة (2) من المادة (9) المذكورة أضافت أن: «الشركات التي يكون موضوعها مدنياً ولكنها اتخذت صفة الشركات المساهمة أو الشركات المحدودة المسؤولية فتخضع لجميع التزامات التجار المعينة في الفصلين الثاني والثالث الآنفين، ولأحكام الصلح الواقي والإفلاس المقررة في هذا القانون».
ومنه يتبين أن نظام الإفلاس يطبق على التجار الأفراد كما يطبق على الشركات التجارية وعلى الشركات المدنية المتخذة شكل الشركات المساهمة أو الشركات المحدودة المسؤولية.
ويتبين من نص البند 3 من الفقرة (1) من المادة (9) من قانون التجارة أنه يشترط لاكتساب صفة التاجر تحقق ثلاثة شروط وهي:
1) احتراف الأعمال التجارية.
2) أن يمارس التجارة باسمه ولحسابه الخاص.
3) أن تتوفر له الأهلية الواجبة لاحتراف التجارة.
ب - أن يتوقف المدين التاجر عن دفع ديونه التجارية: لم يعرّف قانون التجارة رقم (33) لعام 2007 التوقف عن الدفع؛ فكان لابد إذاً للفقه والقضاء من تعريف مفهوم التوقف عن الدفع وتحديده، وكذلك تحديد الشروط التي يعدّ متحققاً فيها، وذلك نظراً لأهمية ذلك في تطبيق أحكام الإفلاس.
والتوقف عن الدفع المقصود بالمادة (443) من قانون التجارة هو الذي ينبئ عن مركز مالي مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر وتتعرض بها حقوق دائنيه لخطر محدق أو كبير الاحتمال. أي هو عجز التاجر عن وفاء ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها، وهو يختلف عن فكرة الإعسار أو عدم الملاءة الذي عرفه القانون المدني بأنه عدم كفاية أموال المدين الحالية والمستقبلية للوفاء بديون مستحقة الأداء. بمعنى أنه خلل يطرأ على الذمة فيجعل أصولها أقل من خصومها المستحقة الأداء. أما التوقف عن الدفع فهو عجز التاجر عن أداء ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها وبغض النظر عن حالة المدين من حيث العسر أو اليسر؛ إذ قد يتوقف التاجر عن دفع ديونه التجارية وبالتالي يشهر إفلاسه ولو كان غير معسر، أي إن أصوله تزيد على خصومه؛ لأنه ربما لا يتمكن في الحال من استيفاء حقوقه من الغير أو من بيع أملاكه للحصول على المبالغ النقدية اللازمة للوفاء بديونه.
والحكمة من اشتراط التوقف عن الدفع من دون اشتراط الإعسار لأجل شهر إفلاس التاجر هي تفادي المشقة والإجراءات المعقدة الطويلة التي يتطلبها إثبات الإعسار عن طريق جرد أموال التاجر المدين ومقابلة خصومه مع أصوله مما لا يأتلف والسرعة التي تقتضيها إجراءات الإفلاس والحكم به، فاكتفى المشرع بالتحقق من قيام واقعة مادية ظاهرة وقابلة للإثبات بسهولة ألا وهي واقعة التوقف عن الدفع.
ومحكمة الموضوع هي التي تقدر حالة التوقف عن الدفع، أي إن استخلاص الوقائع المكونة لحالة التوقف عن الدفع التي تجيز شهر إفلاس التاجر وتقدير مدى جدية المنازعة في الديون المطلوب شهر الإفلاس من أجلها هو ما تستقل به محكمة الموضوع من دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
وبما أن التوقف عن الدفع هو أحد الشروط التي يتطلبها القانون لشهر الإفلاس؛ لذا وجب أن توضح محكمة الموضوع الوقائع المكونة لحالة التوقف عن الدفع وذلك حتى تستطيع محكمة النقض أن تراقبها في تكييفها القانوني لهذه الوقائع لأن التوقف عن الدفع هو أحد الشروط التي يتطلبها القانون لشهر الإفلاس. فإذا كان الحكم المطعون فيه لم يبين الأسباب التي استند إليها في ذلك -مما يؤدي إلى عجز محكمة النقض عن مراقبة تكييف الوقائع وإنزال حكم القانون عليها في هذا الخصوص- فإنه يكون مشوباً بالتقصير في التسبيب مما يستوجب نقضه.
2 - الشروط الشكلية لشهر الإفلاس وصدور الحكم به
أ - المحكمة المختصة بشهر الإفلاس:
نصت الفقرة (1) من المادة (444) من قانون التجارة على ما يلي: «يشهر الإفلاس بحكم من محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لأعمال المدين». ويستفاد من نص المادة المذكورة أن الاختصاص بشهر الإفلاس إنما هو لمحكمة البداية المدنية وحدها بصرف النظر عن المبلغ الذي من أجله رفعت دعوى الإفلاس؛ إذ إن الإفلاس هو حالة غير قابلة للتقدير. كما أن بعض التشريعات الأجنبية - كالتشريع الفرنسي مثلاً - أنشأت لديها محاكم تجارية خاصة يعود لها مبدئياً اختصاص النظر بدعاوى الإفلاس. في حين لا ينص التنظيم القضائي السوري على وجود للمحاكم التجارية».
لذلك فإن دعاوى الإفلاس طبقاً لأحكام التشريع السوري تدخل في نطاق اختصاص المحاكم العادية على غرار الدعاوى المدنية. وحبذا لو أخذ التنظيم القضائي السوري بإحداث محاكم تجارية في ضوء تطور التجارة في هذا العصر.
إذن فإن شهر الإفلاس يعود الاختصاص به إلى محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لأعمال المدين المطلوب شهر إفلاسه.
ولا يعتد لتعيين المحكمة المختصة بشهر الإفلاس بالموطن الذي يقيم فيه المدين عادة طبقاً للقاعدة العامة في رفع الدعوى التي تجعل الاختصاص في المواد التجارية لمحكمة المدعى عليه أو لمحكمة محل إبرام العقد وتسليم البضاعة أو لمحكمة مكان الوفاء، بل بموطنه التجاري. وإذا كانت للمدين التاجر عدة متاجر تجارية فينعقد الاختصاص للمحكمة التي يوجد في دائرتها المركز الرئيسي؛ لأن هذه المحكمة هي المحكمة الأكثر اطلاعاً من الناحية العملية لتقدير مركز التاجر المدين المالي تمهيداً للنظر في شهر إفلاسه.
والمركز الرئيسي للتاجر المدين هو المركز الذي يقوم فيه التاجر بإدارة أعماله وإبرام العقود وإجراء الدفوعات المتعلقة بتجارته، ومسك الدفاتر التجارية وتنظيم المحاسبة اللازمة لتجارته، أي إنه المركز القانوني لنشاط التاجر بصرف النظر عن مراكز أخرى فرعية.
واختصاص محكمة المركز الرئيسي لأعمال المدين دون سواها من المحاكم يتعلق بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على تعديله وينبغي على المحكمة مراعاته من تلقاء نفسها. كما يكون لمحكمة الإفلاس سلطة اتخاذ التدابير المستعجلة؛ إذ ينتفي اختصاص القضاء المستعجل في ذلك شذوذاً على القواعد العامة.
كما نصت الفقرة (4) من المادة (444) من قانون التجارة: «أن المحكمة التي شهرت الإفلاس تكون ذات اختصاص لرؤية جميع الدعاوى التي يكون منشؤها القواعد المختصة بالإفلاس». أي إن المحكمة التي قضت بشهر الإفلاس تكون مختصة بكل المنازعات المرتبطة بالإفلاس والناشئة عنه سواء أكانت متعلقة بمنقول أم عقار حتى لو كانت هذه المنازعات من اختصاص محكمة أخرى طبقاً لقواعد الاختصاص العامة. والحكمة من تخويل محكمة الإفلاس ولاية الفصل في المنازعات الناشئة عن الإفلاس أن هذه المحكمة أقدر من غيرها على الفصل في هذه المنازعات بحكم إحاطتها بظروف الإفلاس وتصرفات المفلس.
ب - تعيين تاريخ التوقف عن الدفع: نستنتج من أحكام الفقرة (1) من المادة (449) أنه يجب أن يتضمن الحكم بشهر الإفلاس «تعيين وقت التوقف عن الدفع». لكن إذا لم يتوافر لدى المحكمة أدلة كافية لتعيينه فإن الرأي يتجه إلى عدّ تاريخ صدور هذا الحكم نفسه هو تاريخ التوقف عن الدفع.
وهنا تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية واسعة في تعيين تاريخ التوقف عن الدفع. على أن هذه السلطة التقديرية الواسعة قد قيدتها الفقرة (4) من المادة (449) من قانون التجارة بأنه لا يمكن إرجاع تاريخ التوقف عن الدفع إلى أكثر من ثمانية عشر شهراً قبل الحكم بشهر الإفلاس.
ج - طبيعة حكم الإفلاس: لحكم الإفلاس طبيعة خاصة تختلف عن بقية الأحكام القضائية الأخرى في طبيعته، وذلك أن حكم الإفلاس هو منشئ لوضع جديد له آثار قانونية تختلف عن آثار بقية الأحكام الأخرى. كما أنه له حجية مطلقة على خلاف الأحكام الأخرى.
د - الحجية المطلقة لحكم الإفلاس: وفقاً للقواعد العامة في القانون المدني فإن الأحكام الصادرة عن المحاكم لا تسري على من لم يكن طرفاً فيها، إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على الحكم الصادر بإشهار الإفلاس؛ إذ إنه يعدّ حجة على جميع الدائنين سواء أكانوا ممثلين في الدعوى أم غير ممثلين، في حين أن الأحكام الأخرى الصادرة عن المحاكم تتصف عادة بحجية نسبية قاصرة على الخصوم في الدعوى، وعلى ذلك فإن حكم شهر الإفلاس ينتج آثاره في مواجهة المفلس كما في مواجهة الدائنين وغيرهم من أصحاب العلاقة.
وهذه الحجية المطلقة لحكم شهر الإفلاس هي التي تفسر اهتمام المشرع في إعلام الجميع بصدوره عبر نشره في المحكمة والصحف كما سنرى؛ وتفسر جواز الطعن فيه من قبل أشخاص ليسوا طرفاً فيه إنما تتحقق لهم مصلحة في هذا الطعن.
والصفة المطلقة لحكم شهر الإفلاس لا تقتصر على الأشخاص بل تمتد إلى الأموال أيضاً؛ إذ يعد حكم شهر الإفلاس شاملاً جميع أموال المفلس سواء أكانت أموالاً تتعلق بتجارته أم أموالاً خارجة عنها، حتى إنها تشمل الأموال المستقبلية التي ستؤول إليه لاحقاً خلال إجراءات التفليسة عن طريق الإرث مثلاً.
هـ : طرق الطعن في حكم شهر الإفلاس وفي المواد الإفلاسية: نصت الفقرة (1) من المادة (451) من قانون التجارة على أنه: «تقبل هذه الأحكام جميع طرق المراجعة ما لم يكن في هذا القانون نص مخالف». كما نصت الفقرة (2) من المادة نفسها على أنه:
«وتقبل الطرق المذكورة في جميع الأحكام التي تصدر في المواد الإفلاسية». على أن تبدأ المواعيد القانونية لطرق المراجعة من اليوم الذي يلي صدور الحكم، أما المواعيد المختصة بالأحكام الخاضعة لمعاملات الإلصاق ونشر الخلاصة في الصحف اليومية فتبدأ من اليوم الذي يلي إتمام هذه المعاملات.
يتضح من النصوص آنفة الذكر أن حكم شهر الإفلاس وسائر الأحكام الصادرة في مواد الإفلاس تقبل الطعن -من قبل صاحب المصلحة أي الشخص المتضرر- في هذه الأحكام وذلك بالطرق العادية وهي الاستئناف وإعادة المحاكمة والنقض واعتراض الغير. على أنه يجب أن نشير إلى أنه في حال لجوء المفلس إلى أي طريق من طرق المراجعة فإن ذلك ليس له أثر موقف لحكم شهر الإفلاس.
ثانياً: الآثار المباشرة للحكم بشهر الإفلاس
تنشأ عن صدور الحكم بشهر الإفلاس آثار عديدة؛ منها ما يتعلق بالمدين المفلس، ومنها ما يتعلق بالدائنين أو بغيرهم من أصحاب الحقوق، وسنبحث بها تباعاً:
1 - آثار الإفلاس في المدين المفلس:
أ - يدرج اسم التاجر الذي تم شهر إفلاسه ولم يستعيد اعتباره في جدول يلصق على باب كل محكمة وفي لوحة إعلانات سوق الأوراق المالية و«البورصة». الفقرة (1) من المادة (452) من قانون التجارة.
أما إذا كان التاجر متوفى وقت شهر إفلاسه فلا يدرج اسمه في الجدول المذكور أعلاه، لكن يشطب اسمه بعد وفاته بستة أشهر الفقرتين (2 و3) من المادة (452) قانون التجارة.
ويستهدف ذلك معاقبة المفلس باطلاع الكل على شهر إفلاسه وما يترتب على ذلك من مساس بسمعته فضلاً عن حماية الغير من التعامل مع المفلس.
ب - سقوط الحقوق السياسية والمهنية: نصت المادة (453) من قانون التجارة على أنه: «تسقط حقوق المفلس السياسية بشهر إفلاسه، ولا يجوز له أن يكون ناخباً أو منتخباً في المجالس السياسية أو المهنية، ولا أن يقوم بوظيفة أو بمهمة عامة».
يتضح من هذه المادة أن المفلس يحرم من حق الانتخاب ومن حق الترشيح لعضوية المجالس السياسية كمجلس الشعب وكذلك المجالس المهنية مثل غرف التجارة والصناعة، كما يحرم أيضاً من حق التعيين في وظائف الدولة والإدارات والمؤسسات العامة ومن القيام بأي مهمة عامة.
ج - تخلي المفلس لوكلاء التفليسة عن إدارة جميع أمواله: ينشأ عن حكم الإفلاس رفع يد المفلس من تاريخ هذا الحكم عن إدارة جميع أمواله، وكذلك عن إدارة الأموال التي يمكن أن يحرزها في مدة الإفلاس. وتشمل هذه الأموال المنقول والعقار، وكذلك جميع الأموال المتصلة بتجارته وغير المتصلة بتجارته؛ لأن حالة الإفلاس لا تقبل التجزئة. كما أنها تتناول الأموال التي قد تؤول إلى المفلس عن طريق الإرث أو الوصية.
كما أنه لا يجوز للمفلس على الخصوص أن يبيع شيئاً من أمواله، ولا يحق له القيام بوفاء أو قبض إلا إذا كان الوفاء عن حسن نية لسند تجاري، كما لا يمكنه أن يتعاقد ولا أن يخاصم أمام القضاء إلا بصفة متدخل في الدعاوى التي يخاصم فيها وكلاء التفليسة. على أنه يستطيع القيام بجميع الأعمال الاحتياطية لصيانة حقوقه.
يمكن أن نستنتج من هذه المادة أن رفع يد المفلس عن إدارة جميع أمواله يتم بقوة القانون من تاريخ صدور حكم شهر الإفلاس، ويحل وكيل التفليسة محله في إدارة هذه الأموال، ولا حاجة إلى أن يشار إلى ذلك في الحكم الصادر بشهر الإفلاس. ويظل رفع يد المفلس عن أمواله قائماً ما بقيت التفليسة قائمة ولا يزول رفع اليد إلا بانتهاء التفليسة أو بالاتحاد.
ورفع يد المفلس عن أمواله يعدّ بمنزلة منع من التصرف بأمواله لمصلحة الدائنين، وينجم عن ذلك أن المفلس لا يظل مالكاً لأمواله وأن ملكية هذه الأموال تنتقل من المفلس إلى المشتري مباشرة.
على أن الفقرة (1) من المادة (455) من قانون التجارة بينت أنه لا يشمل التخلي - أي رفع يد المفلس عن أمواله - الحقوق التي لا تختص إلا بشخص المفلس أو بصفة رب أسرة، أو الحقوق التي تتناول مصلحة أدبية محضة كالزواج والطلاق والولاية على أموال أولاده القصر، وكذلك التعويضات التي يحكم بها للمفلس عن ضرر أدبي لحقه من الغير.
كما أن الفقرة (3) من المادة (455) بينت أيضاً أنه لا يشمل التخلي الأموالَ التي نص القانون على عدم قابليتها للحجز ولا الأرباح التي يمكن أن يحرزها المفلس بنشاطه أو صناعته وذلك على قدر ما يعد القاضي المنتدب مناسباً حاجة المفلس لإعالة نفسه وأسرته مثل الثياب والمأكولات اللازمة للمدين وعائلته وبعض الآلات والكتب الضرورية لممارسة مهنته.
2- آثار الإفلاس في الدائنين وغيرهم من ذوي الحقوق:
يترتب على ذلك الآثار التالية وذلك استناداً لنص المادة (456) من قانون التجارة.
أ - وقف الدعاوى والإجراءات الفردية:
فقرة (1): يترتب على الحكم بشهر الإفلاس إيقاف حقوق الدائنين العاديين أو الحائزين لامتياز عام في المداعاة الفردية.
فقرة (2): تنحصر الخصومة بعد صدور هذا الحكم في وكلاء التفليسة من غير تفريق بين الديون التجارية والديون المدنية.
يتضح من نص المادة (456) أنه منذ صدور الحكم بشهر الإفلاس يقف حق الدائنين في مباشرة الدعاوى والإجراءات الفردية ضد المدين ويحل محله وكيل التفليسة - الذي يمثل كتلة الدائنين العاديين - في مباشرة الدعاوى والإجراءات الجماعية. أي لا يبقى لكل من الدائنين من أجل الحصول على الوفاء بحقوقه سوى التقدم إلى وكيل التفليسة بهذه الحقوق.
وهذا خلافاً لما عليه نظام الإعسار الذي لا يحول دون حق الدائنين في اتخاذ إجراءات فردية ضد المدين.
والحكمة من منع الدائنين العاديين من مباشرة الدعاوى والإجراءات الفردية ضد المدين منذ صدور حكم شهر الإفلاس هو تحقيق المساواة بين الدائنين حتى لا يتسابقون في مقاضاة المفلس والتنفيذ على أمواله فيتقدم بعضهم على بعضهم الآخر بغير وجه حق. لذلك فإنه يحصر حق المقاضاة واتخاذ الإجراءات اللازمة بوكيل التفليسة الذي يقوم نيابة عن الدائنين العاديين بالإجراءات المطلوبة لتصفية أموال المفلس وتوزيع ثمنها على جميع الدائنين العاديين بالمساواة فيما بينهم.
كما لا يحق للدائنين العاديين متابعة الدعاوى والإجراءات سواء أكانت ديونهم تجارية أم ديوناً مدنية، وسواء أكانت هذه الدعاوى تتعلق بمنقول أم بعقار.
آخذين في الحسبان أن مجرد رفع الدعوى بشهر الإفلاس لا يرتب عليه وقف الدعاوى والإجراءات الضرورية بل لا بد من صدور حكم بشهر الإفلاس.
ب - وقف سريان الفوائد:
نصت المادة (457) من قانون التجارة أنه: «يتوقف الحكم بشهر الإفلاس بالنسبة إلى كتلة الدائنين فقط سريان فوائد الديون غير المؤمنة بتأمين عيني والتي لا يمكن المطالبة بها إلا من أصل الأموال الناتجة عن بيع الأموال المقدمة تأميناً».
يتبين من نص المادة آنفة الذكر أن صدور حكم بشهر الإفلاس يترتب عليه وقف سريان فوائد الديون المستحقة على المفلس، وذلك سواء أكانت هذه الفوائد اتفاقية أم قانونية، ولا يحق للدائن الدخول في التفليسة إلا بأصل الدين وبالفوائد المستحقة حتى تاريخ شهر الإفلاس.
وتهدف هذه المادة إلى تيسير إجراءات التصفية والرغبة في تحقيق المساواة بين الدائنين حتى لا يستفيد الدائنون أصحاب الديون المنتجة للفوائد من بطء إجراءات التفليسة على حساب الباقين.
كما يتبين من نص المادة السابقة أن سريان الفوائد لا يقف إلا عند الدائنين فقط، أما المدين فتستمر الفوائد في السريان، ويمكن مطالبته بها بعد انتهاء التفليسة وإسفار التصفية عن فائض من المال من الوفاء بجميع الديون؛ إذ يحق للدائنين أن يستوفوا حقوقهم من هذا الفائض لأن القانون قد اشترط لرد اعتبار المفلس أن يكون قد أوفى بجميع ديونه أصلاً مع الفوائد والنفقات سنداً لأحكام الفقرة (1) من المادة (595) من قانون التجارة.
كما يتبين من نص المادة السابقة أن الديون العادية هي التي يقف سريان فوائدها، أما الديون المضمونة بامتياز أو برهن فتستمر في إنتاج الفوائد رغم شهر الإفلاس، على أن فوائد هذه الديون لا يجوز استيفاؤها إلا من أصل الأموال الناجمة عن بيع الأموال المقدمة تأميناً.
ج - سقوط آجال الديون: نصت المادة (458) من قانون التجارة على أنه «يسقط الحكم بشهر الإفلاس آجال الديون المترتبة في ذمة المفلس، ولا يشمل هذا السقوط شركاءه في الالتزام على أن يستفيد من سقوط الأجل دائنوه الحائزون على تأمين. ولحاملي أسناد القرض ذات المكافأة عند الوفاء أن يبرزوها حالاً في التفليسة كما جاء في باب الصلح الواقي».
إن الحكمة من استحقاق الديون المؤجلة على الفور وبمجرد الحكم بشهر الإفلاس هي أن منح الأجل مبني على ثقة الدائن بمدينه وأساسه يسار المدين وقدرته على وفاء الدين في مواعيد استحقاقه، فإذا أفلس المدين انهارت هذه الثقة فلا يكون هنالك محل للأجل الممنوح له.
كما يتبين من المادة السابقة أن سقوط الأجل قاصر على الديون التي على المفلس، ومن ثم لا يسقط أجل الديون التي للمفلس على الغير، وأن سقوط الأجل يشمل جميع ديون المفلس سواء أكانت هذه الديون عادية أم مضمونة برهن أم امتياز.
كما يتبين أيضاً أن أجل الديون المترتبة على ذمة المفلس لا تسقط إلا للمفلس نفسه من دون شركائه في الالتزام.
ولأن الأجل لا يسقط إلا تجاه المفلس وحده فإن هذا السقوط لا يرد على الأشخاص الملتزمين معه كالمدينين المتضامنين أو كفلائه. والعلة في ذلك أن مسوغ سقوط الأجل للمفلس لا ينطبق عليهم ولا يلزمون من ثم بالوفاء إلا عند حلول الأجل.
كما نصت الفقرة (4) من المادة (458) من قانون التجارة أنه لحاملي أسناد القرض ذات المكافأة عند الوفاء أن يبرزوها حالاً في التفليسة كما جاء في باب الصلح الواقي.
أي إنه إذا كانت القيمة الاسمية لسند القرض (500) ل.س واستوفت الشركة عند الاكتتاب من المكتتب مبلغ (490) ل.س فعند الاستحقاق تدفع الشركة لحامل سند القرض قيمته الاسمية أي مبلغ (500) ل.س، والفرق بين القيمة الاسمية والقيمة التي استوفتها الشركة من المكتتب يسمى بمكافأة وفاء.
وهذا يتأكد من مضمون المادة (439) التي تنص: «إن أصحاب أسناد القرض المشترط لها أداء مكافأة عند الوفاء لا يقتصرون على المطالبة بسعر الإصدار بل يضيفون إليه الجزء الذي استحقوه من المكافأة عن المدة المنقضية».
د - التأمين الجبري لمصلحة كتلة الدائنين: نصت المادة (459) من قانون التجارة على أنه: «إذا كان للمفلس حقوق عينية أو فكرية أو تجارية خاضعة للتسجيل في سجل خاص وجب على وكلاء التفليسة تسجيل حكم شهر الإفلاس في السجل المذكور». كما يسجل الحكم بشهر الإفلاس في السجل العقاري بواسطة وكلاء التفليسة وينشئ هذا التسجيل من تاريخ وقوعه تأميناً جبرياً لصالح كتلة الدائنين.
يتبين من نص المادة السابقة أن المشرع يهدف إلى تعزيز ضمان حقوق كتلة الدائنين على أموال المفلس بجعل العقارات الداخلة ضمنها محملة بتأمين جبري لمصلحة كتلة الدائنين.
على أن هذا التأمين الجبري لا ينشأ عن مجرد صدور حكم الإفلاس بل يشترط لأجل نشوئه قيد هذا الحكم في السجل الخاص المذكور أعلاه. ويعد ناشئاً من تاريخ هذا القيد.
وتظهر فائدة هذا التأمين بوضوح في حال انتهاء التفليسة بالصلح؛ إذ يكون للدائنين المتصالحين حق استيفاء أنصبتهم المقررة في الصلح من ثمن عقارات المدين بالأولوية على الدائنين الجدد الذين عاملوا المفلس بعد الصلح.
هـ - عدم نفاذ بعض تصرفات المدين حيال كتلة الدائنين: نصت المادة (460) من قانون التجارة على ما يأتي:
1- أن التصرفات التالية لا تكون نافذة حيال كتلة الدائنين إذا قام بها المدين بعد تاريخ توقفه عن الدفع كما عينته المحكمة، أو خلال العشرين يوماً السابقة لهذا التاريخ:
أ- التصرفات والتفرغات المفقرة والضارة بالدائنين باستثناء الهدايا الصغيرة التي تجيزها المحكمة.
ب- وفاء الديون قبل استحقاقها مهما كان شكل وقوعه.
ج- وفاء ديون نقدية مستحقة بغير نقود، أو بأسناد سحب أو أسناد لأمر أو حوالات، وبوجه عام كل وفاء بمؤونة.
د- إنشاء تأمين عيني على أموال المدين تأميناً لدين سابق.
2- إذا حصل الوفاء بمقابل بشكل التفرغ عن عقار فلا يكون لبطلانه أثر إلا تجاه الدائن الذي تعاقد مع المفلس، ولا يمس البطلان حقوق من تلقوا حقهم من ذلك الدائن مقابل بدل بشرط أن يكونوا حسني النية.
مما تقدم نستطيع أن نستنتج أن المشرع خشي من قيام المدين بعد أن يشعر بحرج مركزه المالي أن يبدّد أمواله ذات اليمين وذات اليسار، كأن يقوم ببعض التصرفات التي تضر بمصلحة الدائنين أو وفاء دين لم يحل أجله أو أن يلجأ إلى رهن عقار من عقاراته أو منقولاته إضراراً بكتلة الدائنين وهو الدعامة التي يرتكز عليها الإفلاس.
لذلك فقد عد المشرع أن مثل هذه التصرفات التي تصدر عن المدين بعد تاريخ توقفه عن الدفع أو في العشرين يوماً السابقة لهذا التاريخ باطلة بقوة القانون ومعنى هذا أنه يتعين على القاضي الحكم بها وجوباً متى ثبت أنه ترتب عليها إلحاق الضرر بكتلة الدائنين.
كما أن المادة (461) من قانون التجارة عدت أن كل وفاء لديون مستحقة يقوم به المدين، وكل تصرف يجريه بعوض بعد توقفه عن الدفع وقبل الحكم بشهر الإفلاس يجوز الحكم بعدم نفاذها حيال كتلة الدائنين.
إن الفترة الواقعة بين توقف المدين عن الدفع - التي تحددها المحكمة - وبين صدور الحكم بشهر الإفلاس تسمى هذه الفترة بفترة الريبة، لذلك فقد أعطى المشرع للمحكمة جواز الحكم بعدم نفاذها حيال كتلة الدائنين وذلك حرصاً منه على مصلحة كتلة الدائنين؛ لذلك فقد أجاز المشرع في حال عدم نفاذ هذه الإعمال عند الاقتضاء إقامة دعوى الاسترداد الفقرة (1) من المادة (462) من قانون التجارة.
وقد اشترط المشرع لقيام دعوى الاسترداد أن يكون الشخص الذي يطلب منه الرد عالماً وقت إصدار سند السحب أو «الشيك» بتوقف المدين عن الدفع، كما لا يجوز أن تقام دعوى الاسترداد إلا على الشخص الذي أعطي السند أو «الشيك» لحسابه، كما حرص المشرع على مصلحة الدائنين أيضاً في حال إجراء قيد رهن أو تأمين بعد تسجيل الحكم بشهر الإفلاس يعد هذا التسجيل وهذا القيد غير نافذ تجاه كتلة الدائنين، كما أجاز المشرع الحكم بعدم نفاذ القيود المتخذة بعد التوقف عن الدفع أو في العشرين يوماً التي سبقته إذا مضى أكثر من خمسة عشر يوماً بين تاريخ إنشاء الرهون أو التأمين وتاريخ القيد إذا كان التاجر قد أضر بالدائنين (فقرة 2 مادة 463 من قانون التجارة)، على أن دعاوى عدم النفاذ في تصرفات المدين الواردة في المواد (460 ، 462 ، 463) من هذا القانون تسقط بالتقادم بمرور ثمانية عشر شهراً من يوم شهر الإفلاس مادة (464) من قانون التجارة. وهو تقادم قصير حرصاً من المشرع على استقرار المعاملات.
ثالثاً: إجراءات الإفلاس
بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس وما يترتب عليه من رفع يد المفلس عن إدارة أمواله تبدأ الإجراءات، ومنها أن يعهد بإدارة أموال المفلس إلى وكيل مأجور يدعى وكيل التفليسة، وذلك حتى يصل الدائنون إلى الحل المناسب للتفليسة إما بالصلح مع المفلس وإما بالاتحاد. فإذا لم يحصل الصلح مع المفلس وأصبح الدائنون في حالة اتحاد يقوم وكيل التفليسة - ويسمى عندئذٍ وكيل الاتحاد - ببيع أموال المفلس وتوزيع الثمن على الدائنين كل بحسب نصيبه.
1 - تعيين وكيل التفليسة: تعين المحكمة في حكم شهر الإفلاس وكيلاً أو عدة وكلاء للتفليسة، ويمكن في أي وقت أن يزاد عدد الوكلاء إلى ثلاثة، وتحدد نفقاتهم ومرتباتهم بقرار من القاضي المنتدب، ويمكن الاعتراض على تحديد النفقات والمرتبات إذ يحق للمدين وللدائنين أن يعترضوا على قرار تحديد النفقات في ميعاد ثمانية أيام وتفصل المحكمة الاعتراض في غرفة المذاكرة. ويعدّ وكيل التفليسة العنصر الأساسي في مباشرة إجراءات التفليسة؛ لذلك يجب أن يحسن اختيار هذا الوكيل على أنه لا يجوز أن يعين وكيلاً للتفليسة قريبٌ أو مصاهرٌ للمفلس لغاية الدرجة الرابعة بما فيها هذه الدرجة. وإذا اقتضت الحال أن يضاف أو يبدل وكيل أو عدة وكلاء للتفليسة فيراجع القاضي المنتدب المحكمة وهي تتولى أمر التعيين. ويجوز أخيراً في أي وقت تعيين مراقب أو مراقبين من الدائنين يرشحون أنفسهم لهذه المهمة، ويتم ذلك بقرار من القاضي المنتدب، وإذا تعدد وكلاء التفليسة فيعملون مجتمعين على أنه يحق للقاضي المنتدب أن يعطي وكيلاً منهم أو عدة وكلاء إذناً خاصاً بالقيام على انفراد ببعض الأعمال الإدارية وفي هذه الحالة يكون الوكلاء المأذون لهم مسؤولين وحدهم.
2- عزل وكيل التفليسة: يحق للقاضي المنتدب بناء على الشكوى المقدمة إليه من المفلس أو من الدائنين أو من تلقاء نفسه أن يقترح عزل وكيل أو وكلاء التفليسة بحسب الحال. وإذا طلب المفلس أو الدائنون من القاضي المنتدب ولم يفصل في هذا الطلب في ميعاد ثمانية أيام يمكن رفعها إلى محكمة الاستئناف، عندئذٍ تسمع محكمة الاستئناف في غرفة المذاكرة تقرير القاضي المنتدب وإيضاحات الوكلاء وتصدر حكمها في جلسة علنية مادة (471). على أنه لا يجوز الطعن في الأحكام المتعلقة بتعيين وكيل التفليسة أو عزله.
رابعاً: حلول الإفلاس
1- الصلح البسيط: الصلح البسيط هو عقد بين المدين المفلس وكتلة الدائنين وبموجبه يستعيد المفلس إدارة أمواله للتصرف بها على أن يتعهد بأن يدفع في آجال معينة ديونه كلياً أو جزئياً.
ويستفيد من الصلح البسيط كل من الدائنين والمفلس معاً. أما فيما يتعلق باستفادة الدائنين فإنه قد يسهم هذا الصلح في حصولهم على نصيب أكبر مما لو بيعت أموال المفلس ووزع الثمن الناتج منها عليهم؛ لأن من شروط الصلح أن يكون المدين مكفولاً من شخص موسر. أما فائدة الصلح البسيط للمدين فهو تمكينه من استعادة مركز أمواله وإدارتها واستمراره في نشاطه التجاري وهذه فرصة له حتى يتمكن من تحقيق أرباح تسهم في تسديد ديونه.
- العقد الذي تحدثنا عنه هو عقد من نوع خاص يمتاز بميزتين اثنتين: أولهما أنه عقد يبرم بين المفلس وكتلة الدائنين وبموافقة أغلبيتهم. والثانية أنه يشترط لكي يكون صحيحاً ومقبولاً تصديق القضاء عليه حماية لكتلة الدائنين والمصلحة العامة.
2- شروط انعقاد الصلح البسيط: يشترط لانعقاد الصلح البسيط تحقق الشروط التالية:
أ- أن توافق عليه أغلبية الدائنين.
ب- ألا يكون قد حكم على المفلس بالإفلاس الاحتيالي.
ج- تصديق المحكمة على عقد الصلح البسيط.
خامساً: الآثار المترتبة على عقد الصلح
1- يصبح عقد الصلح بمجرد تصديقه ملزماً لجميع الدائنين سواء أكانوا مذكورين في الميزانية أم لا، وسواء كانت ديونهم مثبتة أم غير مثبتة، وهو نافذ حتى في حق الدائنين المقيمين خارج الأراضي السورية، وفي حق الذين قبل دخولهم مؤقتاً في المذاكرة أياً كان المبلغ الذي سيخصص لهم فيما بعد بمقتضى الحكم النهائي. على أن الصلح لا يسري في حق الدائنين أصحاب الامتيازات والرهون إذا لم يتنازلوا عنها، ولا في حق الدائنين العاديين إذا نشأ دينهم في أثناء مدة التفليسة.
2- يترتب على الصلح إنهاء حالة الإفلاس بجميع آثارها مع الاحتفاظ بسقوط الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (453) من قانون التجارة، لا يستعيدها المفلس إلا بإتباع إجراءات رد الاعتبار الفقرة (1) من المادة (523) من قانون التجارة.
لذلك فإنه يعود للمفلس - بعد اكتساب حكم التصديق قوة القضية المقضية - إدارة أمواله والتصرف فيها، على أن انتهاء رفع اليد لا يكون إلا للمستقبل ولا ينسب أثره إلى الماضي.
3- يترتب على التصديق على الصلح أيضاً أن وكلاء التفليسة تنتهي مهمتهم وعليهم تقديم حسابهم إلى المفلس بحضور القاضي المنتدب فتجري فيه المناقشة ويقر. ثم يسلم وكلاء التفليسة إلى المفلس مجموع أمواله ودفاتره وأوراقه وأشيائه فيعطيهم سند إيصال مقابل تسلمها. ثم ينظم القاضي المنتدب محضراً بكل ذلك وتنتهي وظيفته. على أنه إذا قام نزاع في الحساب المقدم فإن ذلك يعود للمحكمة لتفصل فيه فقرة (4) من المادة (523) من قانون التجارة.
4- كما يترتب على الصلح أيضاً أن يستعيد كل دائن حقه في مقاضاة المفلس والتنفيذ على أمواله. على أنه لا يجوز للدائنين المطالبة إلا بالمبالغ التي تم إقرارها في عقد الصلح وفي المواعيد المحددة فيه.
سادساً: اتحاد الدائنين
نصت الفقرة (1) من المادة (536) من قانون التجارة أنه: «إذا لم يتم الصلح يصبح الدائنون حتماً في حالة اتحاد». وهذا يعني أن الاتحاد يؤدي إلى تصفية أموال المفلس وبيعها وتوزيع ثمنها بين الدائنين، والسند القانوني لحالة الاتحاد هو نص المادة السابقة وهي حالة قانونية تحصل من تلقاء نفسها بقوة القانون بمجرد توفر أحد الأسباب القانونية المعروفة إما لعدم الحصول على صلح مع المفلس وإما لأن الإفلاس احتيالي وإما لعدم موافقة المحكمة على الصلح وهذا يحصل إذا لم يصدق على الصلح الذي شرع أو بدئ فيه من الدائنين والمفلس فهي إذاً نتيجة لعرض الصلح الذي لم يتم.
وفي حال أصبح الدائنون في حالة اتحاد يقوم القاضي المنتدب باستشارة الدائنين فيما يتعلق بأعمال الإدارة وفي شأن إبقاء وكلاء التفليسة أو استبدالهم. وفي هذه الحالة يقبل في المناقشة الدائنون الممتازون أو الحائزون لرهن أو تأمين على عقار أو منقول. إذن فإن رأي الدائنين هنا هو استشاري فحسب.
ثم ينظم بأقوال الدائنين وملاحظاتهم محضراً. وبعد الاطلاع على هذا المحضر تعين المحكمة وكلاء الاتحاد. ويجب على وكلاء التفليسة الذين انتهت وظيفتهم أن يقدموا حساباً للوكلاء الجدد وذلك بحضور القاضي المنتدب وبعد دعوة المفلس على حسب الأصول.
1- منح المفلس إعانة: يمكن منح المفلس إعانة مالية من مال التفليسة وذلك بعد استشارة الدائنين فيما إذا كان المستطاع منحه الإعانة المطلوبة وذلك في حال رضيت أغلبية الدائنين الحاضرين، على أن يقوم وكلاء الاتحاد باقتراح مقدار الإعانة ويتم فيما بعد تحديد هذا المقدار بقرار من القاضي المنتدب. ولا يجوز لغير الوكلاء أن يعترضوا على هذا القرار أمام المحكمة.
2- إفلاس شركة أشخاص: نصت المادة (538) من قانون التجارة على ما يلي: «إذا أفلست شركة أشخاص فللدائنين ألا يقبلوا عقد الصلح إلا مع شريك أو عدة شركاء، وفي هذه الحالة يبقى مجموع أموال الشركة خاضعاً لنظام اتحاد الدائنين باستثناء الأموال الشخصية المختصة بالشركاء الذين عقد معهم الصلح، ولا يجوز أن يتضمن هذا التعاقد الخاص معهم التزاماً يوجب عليه دفع أي معدل إلا من أموال خارجة عن أموال الشركة. ويبرأ من كل تضامن الشريك الذي عقد معه صلح خاص».
3- تشغيل أموال المفلس: كما بينا سابقاً أن حالة الاتحاد تهدف إلى تصفية أموال المفلس وبيعها ومن ثم توزيع ثمنها بين الدائنين، إلا أن السرعة في هذه التصفية قد ينجم عنه خسارة غير متوقعة وخوفاً من تصفية أموال المفلس وبيعها بغير القيمة الحقيقية وهذا يسبب الضرر لكل من المفلس والدائنين؛ لذلك فإنه يجوز للدائنين أن يوكلوا وكلاء التفليسة بمواصلة استثمار الأموال الموجودة. ويشترط لذلك أن يعين الدائنون في قرارهم مدة هذا الاستثمار ومدى اتساعه، كما يعينون المبالغ التي يجوز إبقاؤها بين أيدي الوكلاء من أجل تأمين النفقات والمصاريف.
وكما يشترط أيضاً أنه لا يجوز اتخاذ هذا القرار إلا بحضور القاضي المنتدب وأغلبية تمثل ثلاثة أرباع الدائنين عدداً وثلاثة أرباع الديون التي لهم. على أنه يقبل الاعتراض على هذا القرار من قبل المفلس وكذلك من قبل الدائنين المعارضين. لكن هذا الاعتراض لا يوقف التنفيذ.
4- تصرفات وكلاء التفليسة: إذا أدت تصرفات وكلاء التفليسة إلى التزامات تجاوز قيمتها مال الاتحاد كان الدائنون الذين أجازوا تلك التصرفات مسؤولين وحدهم شخصياً عما يجاوز حصتهم في المال المذكور، ولكن مسؤوليتهم لا تتعدى حدود الوكالة التي أعطوها ويشتركون فيها بنسبة مالهم من الديون.
ثم يشرع وكلاء التفليسة في استيفاء ما لم يوفَ من الديون، ويمكنهم أن يقبلوا المصالحة بالشروط نفسها التي كانت متبعة قبلاً على الرغم من كل اعتراض يبديه المفلس، أما التفرغ عن جميع موجودات التفليسة لقاء مبلغ مقطوع فيجب أن يعرض على هيئة الدائنين في اجتماع يدعوهم إليه القاضي المنتدب بناءً على طلب الوكلاء أو أي دائن من الدائنين، ويجب على الوكلاء أن يحصلوا على إذن من المحكمة بذلك.
5- إجراءات بيع حقوق المفلس:
أ - يجب على وكلاء التفليسة أن يشرعوا في بيع الأموال المنقولة على اختلاف أنواعها ومن جملتها المتجر، تحت إشراف القاضي المنتدب ومن دون حاجة إلى دعوة المفلس وفقاً للإجراءات المنصوص عليها لبيع المنقولات في أثناء المدة الإعدادية.
أما إذا لم تكن هنالك معاملة بيع جبري بوشر بها قبل الاتحاد فيفوض الوكلاء إجراء البيع دون سواهم، ويلزمهم أن يشرعوا فيه خلال ثمانية أيام بترخيص من القاضي المنتدب وبوساطة دائرة التنفيذ الموجودة في موقع العقارات.
يتضح من هذا النص أنه إذا بدئ في إجراءات البيع قبل اتحاد الدائنين ولم تكن قد انتهت بعد هذا الاتحاد فيصير إتمامها في مواجهة وكلاء الدائنين توحيداً للإجراءات واقتصاداً في المصاريف.
ولا يترتب على ذلك حرمان الدائنين المرتهنين أو أصحاب حق الامتياز من استيفاء ديونهم بطريق الأولوية؛ إذ لهم حق اتخاذ الإجراءات المتعلقة ببيع العقار حتى بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس، إنما يشترط أن يكون ذلك قبل أن يصبح الدائنون في حالة اتحاد وألا يكونوا قد تنازلوا عن تأميناتهم.
ب - يضع الوكلاء دفتر الشروط الذي ستجري بمقتضاه المزايدة ويجري البيع وفقاً للأحكام المتعلقة بالبيع الجبري فقرة (1) من المادة (544) من قانون التجارة. مشيرين إلى أن الإحالة القطعية للمزايدة تحرر الملاك من قيود الامتيازات والرهون والتأمينات العقارية.
ثم بعد ذلك يدعو القاضي المنتدب الدائنين الاتحاديين للاجتماع مرة واحدة على الأقل في السنة الأولى وكذلك في السنوات التالية إذا اقتضت الحاجة. ويجب على الوكلاء أن يقدموا في الاجتماعات حساباً عن إدارتهم.
6 - توزيع أموال المفلس:
أ - توزع أموال التفليسة على جميع الدائنين بنسبة الدين المثبت لكل منهم بعد حسم مصاريف إدارة التفليسة والإعانات التي منحت للمفلس أو لأسرته، والمبالغ التي دفعت للدائنين الممتازين.
يلاحظ أنه قبل إجراء التوزيع يجب حسم مصاريف إدارة التفليسة والإعانات التي منحت للمفلس أو لأسرته والمبالغ التي دفعت للدائنين الممتازين. كما أنه لا يتم التوزيع قبل أن يقدم الوكلاء بياناً شهرياً للقاضي المنتدب عن حالة التفليسة والمبالغ التي أودعت المصرف المعين لقبول ودائع الدولة.
ب - يجب حسم مبالغ الديون المعلقة على شرط، وكذلك مبالغ الديون التي حصلت المنازعة فيها حتى يصدر بشأنها حكم قطعي.
ويتم التوزيع بأمر من القاضي المنتدب عند الاقتضاء على الدائنين ويعين مبلغه ويحتم بإبلاغ الأمر إلى جميع الدائنين.
ج - لا يجوز الامتناع عن إجراء التوزيع حتى لو كان المبلغ المتحصل يساوي خمسة في المئة من الديون، كما ليس هنالك ما يمنع من توزيع ثمن المنقول أولاً وقبل ثمن العقار على جميع الدائنين.
د - لا يجوز لوكلاء التفليسة أن يقوموا بأي وفاء إلا مقابل تقديم السند المثبت للدين، ويذكروا على السند المبلغ الذي دفعوه أو أمروا بدفعه، وإذا كان تقديم السند غير ممكن فيجوز للقاضي المنتدب أن يأمر بالدفع بعد اطلاعه على محضر تحقيق الديون. وفي جميع الأحوال يعترف الدائن بالإيصال على هامش جدول التوزيع.
هـ - انحلال الاتحاد: متى انتهت تصفية التفليسة يدعو القاضي المنتدب الدائنين للاجتماع، وفي هذا الاجتماع الأخير يقدم الوكلاء حسابهم ويكون المفلس حاضراً أو مدعواً بحسب الأصول. ثم يبدي الدائنون رأيهم في مسألة عذر المفلس وينظم محضر بذلك يدرج فيه كل دائن أقواله وملاحظاته، وبعد انفضاض هذا الاجتماع ينحل الاتحاد حتماً. ثم يقدم القاضي المنتدب للمحكمة قرار الدائنين المختص بمعذرة المفلس معذوراً أو غير معذور (المادة 550 من قانون التجارة) على أنه لا يعد معذوراً مرتكب الإفلاس الاحتيالي ولا المحكوم عليه لتزوير أو سرقة أو احتيال أو إساءة الأمانة أو اختلاس أموال عامة.
ويترتب على انحلال الاتحاد زوال رفع يد المفلس عن إدارة أمواله، كما يحق للدائنين رفع الدعاوى الانفرادية عليه فيما يختص بباقي ديونهم على أنه لا يحق لهم إعادة شهر إفلاسه لأنه لا يرد الإفلاس على الإفلاس.
أما إذا ظهرت أموال جديدة للمفلس بعد انحلال الاتحاد لم تكن معروفة من قبل فيجب في هذه الحالة افتتاح التفليسة من جديد لأن الانحلال أساسه تصفية جميع أموال المدين، فيجب هنا إعادة الحال إلى ما كانت عليه وترفع يد المفلس عن هذه الأموال.
سابعاً: الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته
يجوز عقد الصلح بالتنازل الكلي أو الجزئي من المفلس عن موجوداته. ويتبع الشروط نفسها المنصوص عليها لعقد الصلح البسيط. على أن رفع يد المفلس فيما يختص بالأموال المتنازل عنها لا ينتهي بعقد هذا الصلح بل تباع هذه الأموال بوساطة وكلاء يعينون كما يعين وكلاء الاتحاد ويخضع البيع والتوزيع المالي للقواعد نفسها المرعية في حالة الاتحاد، ثم يسلم إلى المدين من حاصل بيع الأموال المتنازل عنها ما زاد على الديون المطلوبة منه.
تستطيع شركات الأشخاص الصلح مع الدائنين مع التنازل الكلي أو الجزئي عن موجوداتها. والغرض من هذا التنازل إبراء الشركة نفسها وإبراء الشركاء المتضامنين من الديون التي تزيد على الأموال التي حصل التنازل عنها للدائنين.
ولاحظنا أن المشرع قد طبق الشروط نفسها المنصوص عنها في عقد الصلح البسيط حماية للشركة المفلسة وكذلك حماية للدائنين.
ثامناً: إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات
نصت المادة (553) من قانون التجارة أنه: «إذا حدث في أي وقت قبل تصديق الصلح أو تأليف اتحاد الدائنين أن وقفت إجراءات التفليسة لعدم كفاية الموجودات جاز للمحكمة بناء على تقرير القاضي المنتدب أو من تلقاء نفسها أن تحكم بإغلاق التفليسة ويعود بهذا الحكم إلى كل دائن حق الخصومة الفردية».
يتضح من نص المادة السابقة أن إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات يترتب عليه:
1- زوال إيقاف الدعاوى الانفرادية، فيجوز لكل دائن توقيع الحجز على أموال المفلس ورفع الدعاوى عليه.
2- يتضح من النص السابق أيضاً أن حكم إغلاق التفليسة ليس حكماً صحيحاً بل هو مجرد إجراء إداري يحوز قوة الشيء المحكوم فيه، ويمكن طلب إلغائه في أي وقت من المفلس أو من أحد الدائنين طبقاً لنص الفقرة (1) من المادة (544) من قانون التجارة التي تنص أنه: «يجوز للمفلس ولكل شخص من ذوي الحقوق أن يطلب في كل وقت من المحكمة الرجوع عن هذا الحكم إذا أثبت وجود مال كافٍ للقيام بنفقات التفليسة، أو سلم الوكلاء المبلغ الكافي لها». وفي جميع الأحوال يجب أن توفى أولاً نفقات الدعاوى التي أقيمت عملاً بأحكام المادة السابقة إذا ثبت وجود مال كافٍ لمصاريف التفليسة.
3- يتبين أن الحكم الصادر بإغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات ليس حكماً نهائياً لدعوى التفليسة وحاسماً لإجراءاتها، بل هو إجراء مؤقت بوقف أعمالها إلى أجل حتى يتم إعادة فتح التفليسة من جديد إما بناء على طلب المفلس نفسه وإما بناء على طلب شخص من ذوي الحقوق.
4- كما أن الحكم الصادر بإغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات لا ينهي عمل وكيل التفليسة بل يظل في عمله متربصاً لظهور أموال جديدة للمفلس ليبدأ عمله من جديد.
تاسعاً: الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي
لا يعد الإفلاس بذاته جريمة معاقباً عليها، إلا أن المشرع يقضي بفرض العقوبة متى اقترنت بالإفلاس أعمال تنطوي على احتيال أو تقصير لما تتضمنه هذه الأفعال من إضرار بالدائنين.
والإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي هما جريمتان يرتكبهما المفلس وسنتناول فيما يلي هاتين الجريمتين. عالج المشرع هاتين الجريمتين في المواد (675-684) من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/ تاريخ 22/6/1949 وتعديلاته.
1- الإفلاس التقصيري: يستفاد من نص المادتين (676، 677) من قانون العقوبات أن التاجر يعد مفلساً مقصراً في الحالات التالية:
أ- إذا كان قد استهلك مبالغ باهظة سواء في عمليات الحظ أم في مضاربات وهمية على النقد أو البضاعة.
ب- إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع - في سبيل تأخير الإفلاس- على شراء بضائع لبيعها بأقل من ثمنها، أو عقد للغاية نفسها قروضاً أو حول سندات أو توسل بطرق أخرى بعيدة للحصول على المال.
ج- إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع على إيفاء دائن إضراراً بكتلة الدائنين.
د- إذا كانت نفقاته الشخصية أو نفقات بيته زائدة على الحد.
كما يمكن أن يعد مفلساً مقصراً كلُّ تاجر مفلس في الحالات الآتية:
أ- إذا عقد لمصلحة الغير من دون عوض تعهدات جسيمة بالنسبة لوضعيته عندما تعهد بها.
ب- إذا لم يتقيد بالقواعد المتعلقة بتنظيم سجل التجارة.
ج- إذا لم يقدم في عشرين يوماً من توقفه عن الدفع التصريح اللازم بمقتضى قانون التجارة إلى قلم المحكمة، أو إذا كان هذا التصريح لا يتضمن أسماء جميع الشركاء المتضامنين.
د- إذا لم يمسك دفاتر تجارية أو لم ينظم الجردة بالضبط، أو إذا كانت دفاتره وجردته ناقصة أو غير أصولية أو لا تبين حقيقة ما له وما عليه ولم يكن مع ذلك ثمة غش.
هـ- إذا تكرر إفلاسه ولم تتم شروط عقد الصلح السابق.
والإفلاس التقصيري جنحة يعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة. كما يمكن أن يعاقب بعقوبة الإفلاس التقصيري كل من أقدم من الأشخاص المذكورين أعلاه في إدارة الشركة (وهم الشركاء المضاربون الذين اعتادوا التدخل في إدارة الشركة - مديرو شركة المضاربة بالأسهم والشركات المحدودة المسؤولية، والمديرون وأعضاء مجلس الإدارة والوكلاء المفوضون وأعضاء مجلس المراقبة ومفوضو المحاسبة وموظفو الشركات المذكورة وشركاء المساهمة) أو العمل لمصلحتها على ارتكاب جرم من الجرائم المنصوص عليها في المادة (676) من قانون العقوبات في فقراتها الأولى والثانية والثالثة.
ويلاحظ أن جريمة الإفلاس التقصيري يلزم لقيامها ركن الخطأ، وهذا الخطأ إما أن يكون خروجاً على واجبات التاجر الحريص وإما أن يكون إخلالاً بأحكام الإفلاس.
¯ تنظر المحكمة الجزائية في جرائم الإفلاس التقصيري بناء على طلب وكلاء التفليسة أو أي شخص من الدائنين أو النيابة العامة، وتطبق في هذا الشأن أحكام قانون العقوبات.
¯ إن نفقات الدعوى التي تقيمها النيابة العامة من أجل إفلاس تقصيري لا يجوز في حال من الأحوال أن توضع على عاتق الدائنين، وفي حال عقد الصلح لا يجوز للخزينة العامة أن تطالب المفلس بما أدته من نفقات إلا بعد انقضاء المواعيد الممنوحة بمقتضى العقد المذكور.
¯ تتحمل كتلة الدائنين نفقات الدعاوى التي يقيمها باسم الدائنين وكلاء التفليسة عند تبرئة المفلس، وتتحملها الخزينة العامة إذا حكم عليه، ويبقى لها حق الرجوع على المفلس وفقاً للمادة السابقة.
¯ لا يجوز للوكلاء أن يقيموا دعوى من أجل دعوى إفلاس تقصيري، ولا أن يتخذوا صفة المدعي الشخصي باسم كتلة الدائنين إلا بعد الترخيص لهم بموجب قرار تتخذه الأغلبية العددية للدائنين الحاضرين.
¯ تدفع الخزينة العامة نفقات الدعوى الجزائية التي يقيمها أحد الدائنين إذا حكم على المفلس ويدفعها المدعي الشخصي إذا برئت ساحة المفلس.
وهناك قواعد مشتركة بين الإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي وهي:
في دعاوى الإفلاس الاحتيالي أو التقصيري يفصل القضاء الجزائي حتى في حال التبرئة في الأمور الآتية:
1) يقضي من تلقاء نفسه بإعادة جميع الأموال والحقوق والأسهم المختلسة بطريقة احتيالية إلى كتلة الدائنين.
2) يحكم بما يطلب من بدل العطل والضرر ويعين مبلغه في الحكم الذي يصدره.
3) لا يترتب على الدعوى الجزائية المقامة من أجل الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي أي تعديل في القواعد العادية المختصة بإدارة التفليسة. ويلزم الوكلاء في هذه الحال أن يسلموا إلى النيابة العامة جميع المستندات والصكوك والأوراق والمعلومات التي تطلب منهم.
4) لوكلاء التفليسة الحق في أن يطلعوا متى شاؤوا على المستندات والصكوك والأوراق التي يسلمونها إلى القضاء الجزائي، ويجوز لهم أن يأخذوا خلاصات خاصة عنها أو أن يطلبوا نسخاً رسمية عنها من الكاتب، أما المستندات والصكوك والأوراق التي لم يصدر أمر بالاحتفاظ بها فتسلم بعد الحكم إلى الوكلاء مقابل سند إيصال.
2- الإفلاس الاحتيالي: يستفاد من نص المادة (675) من قانون العقوبات أنه يعد مفلساً محتالاً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات كلُّ تاجر مفلس أخفى دفاتره واختلس أو بدد قسماً من ماله، أو اعترف مواضعه بديون غير متوجبة عليه سواء في دفاتر أم صكوك رسمية أم عادية بموازنته.
كما يستحق عقوبة الإفلاس الاحتيالي:
أ- من أقدم لمصلحة المفلس على اختلاس أمواله أو إخفائها أو كتمها كلها أو بعضها الثابتة منها والمنقولة.
ب- من تقدم احتيالاً باسمه أو باسم مستعار لتثبيت ديون وهمية في طابق الإفلاس.
ج- من ارتكب وهو يتعاطى التجارة باسم وهمي جريمة الإفلاس الاحتيالي.
هذا بقطع النظر عن المسؤولية المترتبة من جراء أعمال التمريض أو الدخل الفرعي مادة (681) من قانون العقوبات.
لا يجوز في حال من الأحوال أن تلقى نفقات دعوى الإفلاس الاحتيالي على عاتق كتلة الدائنين، وإذا اتخذ دائن أو عدة دائنين صفة المدعي الشخصي فإن النفقات في حال البراءة تبقى على عاتقهم.
وكما بينا في الفقرة /1/ أن الإفلاس الاحتيالي جناية يعاقب عليها القانون بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات مادة (675) من قانون العقوبات.
مراجع للاستزادة:
- رزق الله أنطاكي ونهاد السباعي، موسوعة الحقوق التجارية، الجزء الثامن (1955).
- إدوار عيد، أحكام الإفلاس، الجزء الأول (1972).
- مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والإفلاس (1984).
- علي حسن يونس، الإفلاس في القانون المصري (القاهرة، بدون تاريخ).
المصدر: http://arab-ency.com
bankruptcy - banqueroute
الإفلاس
الإفلاس
فاروق أبو الشامات
شهر الإفلاس
الآثار المباشرة للحكم بشهر الإفلاس اتحاد الدائنين
إجراءات الإفلاس الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته
حلول الإفلاس إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات
الآثار المترتبة على عقد الصلح الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي
الأصل أن يحتفظ التاجر بإدارة أمواله وأن يستقل بشؤونه ما دام قائماً بدفع ما عليه من الديون في مواعيد استحقاقها، لكنه إذا توقف عن الدفع وعجز عن الوفاء بديونه عندئذٍ وجب رفع يده عن إدارة أمواله منعاً له من العبث بحقوق دائنيه وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه نظام الإفلاس Bankruptcy. فهو يعمد أولاً إلى حماية حقوق الدائنين وتحقيق المساواة فيما بينهم حتى لا يستوفي بعضهم كل ديونه ويحرم بعضهم الآخر، وثانياً إلى منع المفلس من إدارة أمواله حتى لا يبددها ولا يعبث بحقوق الدائنين.
في سورية ظل قانون التجارة السوري رقم 149 لعام 1949 - الذي كانت أحكامه مستمدة من قانون التجارة الفرنسي - يطبق نظام الإفلاس، واستمر الأمر كذلك حتى صدور قانون التجارة السوري رقم (33) لعام 2007 الذي بحث في الكتاب الرابع الصلح الواقي والإفلاس من المادة 413 إلى المادة 610.
لذلك فإننا سنعرض لنظام الإفلاس بصورة شاملة.
أولاً: شهر الإفلاس:
نصت المادة (443) من قانون التجارة رقم (33) لعام 2007 على أنه «يعتبر في حالة الإفلاس كل تاجر يتوقف عن دفع ديونه التجارية وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به إلا بوسائل يظهر بجلاء أنها غير مشروعة». كما نصت الفقرة (1) من المادة (444) بأنه: «يشهر الإفلاس بحكم من محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لأعمال المدين».
يتبين من نص المادتين السابقتين أنه يجب لشهر الإفلاس أن تتوفر من جهة شروط موضوعية تقضي بأن يكون المدين المراد شهر إفلاسه تاجراً وأن يتوقف عن دفع ديونه التجارية، ومن جهة أخرى شرط شكلي هو صدور حكم قضائي بشهر الإفلاس. لذلك فإننا سنبحث فيما يلي الشروط الموضوعية لشهر الإفلاس ثم الشروط الشكلية لشهر الإفلاس وصدور الحكم به.
1 - الشروط الموضوعية لشهر الإفلاس: اشترطت المادة (443) من قانون التجارة لشهر الإفلاس كما بينا أعلاه شرطين أساسيين هما: أولاً أن يكون المدين تاجراً، وثانياً أن يكون متوقفاً عن الدفع. وهذان شرطان لازمان في الوقت نفسه، فإذا انتفى أحدهما امتنع على المحكمة إصدار حكم بشهر الإفلاس.
أ - توفر صفة التاجر: يجب أن يكون المدين المطلوب شهر إفلاسه تاجراً، وقد عرفت المادة (9) من قانون التجارة بفقرتيها (أ و ب) التجار بأنهم الأشخاص الذين تكون مهنتهم القيام بالأعمال التجارية، والشركات التي يكون موضوعها تجارياً. كما أن الفقرة (2) من المادة (9) المذكورة أضافت أن: «الشركات التي يكون موضوعها مدنياً ولكنها اتخذت صفة الشركات المساهمة أو الشركات المحدودة المسؤولية فتخضع لجميع التزامات التجار المعينة في الفصلين الثاني والثالث الآنفين، ولأحكام الصلح الواقي والإفلاس المقررة في هذا القانون».
ومنه يتبين أن نظام الإفلاس يطبق على التجار الأفراد كما يطبق على الشركات التجارية وعلى الشركات المدنية المتخذة شكل الشركات المساهمة أو الشركات المحدودة المسؤولية.
ويتبين من نص البند 3 من الفقرة (1) من المادة (9) من قانون التجارة أنه يشترط لاكتساب صفة التاجر تحقق ثلاثة شروط وهي:
1) احتراف الأعمال التجارية.
2) أن يمارس التجارة باسمه ولحسابه الخاص.
3) أن تتوفر له الأهلية الواجبة لاحتراف التجارة.
ب - أن يتوقف المدين التاجر عن دفع ديونه التجارية: لم يعرّف قانون التجارة رقم (33) لعام 2007 التوقف عن الدفع؛ فكان لابد إذاً للفقه والقضاء من تعريف مفهوم التوقف عن الدفع وتحديده، وكذلك تحديد الشروط التي يعدّ متحققاً فيها، وذلك نظراً لأهمية ذلك في تطبيق أحكام الإفلاس.
والتوقف عن الدفع المقصود بالمادة (443) من قانون التجارة هو الذي ينبئ عن مركز مالي مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر وتتعرض بها حقوق دائنيه لخطر محدق أو كبير الاحتمال. أي هو عجز التاجر عن وفاء ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها، وهو يختلف عن فكرة الإعسار أو عدم الملاءة الذي عرفه القانون المدني بأنه عدم كفاية أموال المدين الحالية والمستقبلية للوفاء بديون مستحقة الأداء. بمعنى أنه خلل يطرأ على الذمة فيجعل أصولها أقل من خصومها المستحقة الأداء. أما التوقف عن الدفع فهو عجز التاجر عن أداء ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها وبغض النظر عن حالة المدين من حيث العسر أو اليسر؛ إذ قد يتوقف التاجر عن دفع ديونه التجارية وبالتالي يشهر إفلاسه ولو كان غير معسر، أي إن أصوله تزيد على خصومه؛ لأنه ربما لا يتمكن في الحال من استيفاء حقوقه من الغير أو من بيع أملاكه للحصول على المبالغ النقدية اللازمة للوفاء بديونه.
والحكمة من اشتراط التوقف عن الدفع من دون اشتراط الإعسار لأجل شهر إفلاس التاجر هي تفادي المشقة والإجراءات المعقدة الطويلة التي يتطلبها إثبات الإعسار عن طريق جرد أموال التاجر المدين ومقابلة خصومه مع أصوله مما لا يأتلف والسرعة التي تقتضيها إجراءات الإفلاس والحكم به، فاكتفى المشرع بالتحقق من قيام واقعة مادية ظاهرة وقابلة للإثبات بسهولة ألا وهي واقعة التوقف عن الدفع.
ومحكمة الموضوع هي التي تقدر حالة التوقف عن الدفع، أي إن استخلاص الوقائع المكونة لحالة التوقف عن الدفع التي تجيز شهر إفلاس التاجر وتقدير مدى جدية المنازعة في الديون المطلوب شهر الإفلاس من أجلها هو ما تستقل به محكمة الموضوع من دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
وبما أن التوقف عن الدفع هو أحد الشروط التي يتطلبها القانون لشهر الإفلاس؛ لذا وجب أن توضح محكمة الموضوع الوقائع المكونة لحالة التوقف عن الدفع وذلك حتى تستطيع محكمة النقض أن تراقبها في تكييفها القانوني لهذه الوقائع لأن التوقف عن الدفع هو أحد الشروط التي يتطلبها القانون لشهر الإفلاس. فإذا كان الحكم المطعون فيه لم يبين الأسباب التي استند إليها في ذلك -مما يؤدي إلى عجز محكمة النقض عن مراقبة تكييف الوقائع وإنزال حكم القانون عليها في هذا الخصوص- فإنه يكون مشوباً بالتقصير في التسبيب مما يستوجب نقضه.
2 - الشروط الشكلية لشهر الإفلاس وصدور الحكم به
أ - المحكمة المختصة بشهر الإفلاس:
نصت الفقرة (1) من المادة (444) من قانون التجارة على ما يلي: «يشهر الإفلاس بحكم من محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لأعمال المدين». ويستفاد من نص المادة المذكورة أن الاختصاص بشهر الإفلاس إنما هو لمحكمة البداية المدنية وحدها بصرف النظر عن المبلغ الذي من أجله رفعت دعوى الإفلاس؛ إذ إن الإفلاس هو حالة غير قابلة للتقدير. كما أن بعض التشريعات الأجنبية - كالتشريع الفرنسي مثلاً - أنشأت لديها محاكم تجارية خاصة يعود لها مبدئياً اختصاص النظر بدعاوى الإفلاس. في حين لا ينص التنظيم القضائي السوري على وجود للمحاكم التجارية».
لذلك فإن دعاوى الإفلاس طبقاً لأحكام التشريع السوري تدخل في نطاق اختصاص المحاكم العادية على غرار الدعاوى المدنية. وحبذا لو أخذ التنظيم القضائي السوري بإحداث محاكم تجارية في ضوء تطور التجارة في هذا العصر.
إذن فإن شهر الإفلاس يعود الاختصاص به إلى محكمة البداية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي لأعمال المدين المطلوب شهر إفلاسه.
ولا يعتد لتعيين المحكمة المختصة بشهر الإفلاس بالموطن الذي يقيم فيه المدين عادة طبقاً للقاعدة العامة في رفع الدعوى التي تجعل الاختصاص في المواد التجارية لمحكمة المدعى عليه أو لمحكمة محل إبرام العقد وتسليم البضاعة أو لمحكمة مكان الوفاء، بل بموطنه التجاري. وإذا كانت للمدين التاجر عدة متاجر تجارية فينعقد الاختصاص للمحكمة التي يوجد في دائرتها المركز الرئيسي؛ لأن هذه المحكمة هي المحكمة الأكثر اطلاعاً من الناحية العملية لتقدير مركز التاجر المدين المالي تمهيداً للنظر في شهر إفلاسه.
والمركز الرئيسي للتاجر المدين هو المركز الذي يقوم فيه التاجر بإدارة أعماله وإبرام العقود وإجراء الدفوعات المتعلقة بتجارته، ومسك الدفاتر التجارية وتنظيم المحاسبة اللازمة لتجارته، أي إنه المركز القانوني لنشاط التاجر بصرف النظر عن مراكز أخرى فرعية.
واختصاص محكمة المركز الرئيسي لأعمال المدين دون سواها من المحاكم يتعلق بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على تعديله وينبغي على المحكمة مراعاته من تلقاء نفسها. كما يكون لمحكمة الإفلاس سلطة اتخاذ التدابير المستعجلة؛ إذ ينتفي اختصاص القضاء المستعجل في ذلك شذوذاً على القواعد العامة.
كما نصت الفقرة (4) من المادة (444) من قانون التجارة: «أن المحكمة التي شهرت الإفلاس تكون ذات اختصاص لرؤية جميع الدعاوى التي يكون منشؤها القواعد المختصة بالإفلاس». أي إن المحكمة التي قضت بشهر الإفلاس تكون مختصة بكل المنازعات المرتبطة بالإفلاس والناشئة عنه سواء أكانت متعلقة بمنقول أم عقار حتى لو كانت هذه المنازعات من اختصاص محكمة أخرى طبقاً لقواعد الاختصاص العامة. والحكمة من تخويل محكمة الإفلاس ولاية الفصل في المنازعات الناشئة عن الإفلاس أن هذه المحكمة أقدر من غيرها على الفصل في هذه المنازعات بحكم إحاطتها بظروف الإفلاس وتصرفات المفلس.
ب - تعيين تاريخ التوقف عن الدفع: نستنتج من أحكام الفقرة (1) من المادة (449) أنه يجب أن يتضمن الحكم بشهر الإفلاس «تعيين وقت التوقف عن الدفع». لكن إذا لم يتوافر لدى المحكمة أدلة كافية لتعيينه فإن الرأي يتجه إلى عدّ تاريخ صدور هذا الحكم نفسه هو تاريخ التوقف عن الدفع.
وهنا تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية واسعة في تعيين تاريخ التوقف عن الدفع. على أن هذه السلطة التقديرية الواسعة قد قيدتها الفقرة (4) من المادة (449) من قانون التجارة بأنه لا يمكن إرجاع تاريخ التوقف عن الدفع إلى أكثر من ثمانية عشر شهراً قبل الحكم بشهر الإفلاس.
ج - طبيعة حكم الإفلاس: لحكم الإفلاس طبيعة خاصة تختلف عن بقية الأحكام القضائية الأخرى في طبيعته، وذلك أن حكم الإفلاس هو منشئ لوضع جديد له آثار قانونية تختلف عن آثار بقية الأحكام الأخرى. كما أنه له حجية مطلقة على خلاف الأحكام الأخرى.
د - الحجية المطلقة لحكم الإفلاس: وفقاً للقواعد العامة في القانون المدني فإن الأحكام الصادرة عن المحاكم لا تسري على من لم يكن طرفاً فيها، إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على الحكم الصادر بإشهار الإفلاس؛ إذ إنه يعدّ حجة على جميع الدائنين سواء أكانوا ممثلين في الدعوى أم غير ممثلين، في حين أن الأحكام الأخرى الصادرة عن المحاكم تتصف عادة بحجية نسبية قاصرة على الخصوم في الدعوى، وعلى ذلك فإن حكم شهر الإفلاس ينتج آثاره في مواجهة المفلس كما في مواجهة الدائنين وغيرهم من أصحاب العلاقة.
وهذه الحجية المطلقة لحكم شهر الإفلاس هي التي تفسر اهتمام المشرع في إعلام الجميع بصدوره عبر نشره في المحكمة والصحف كما سنرى؛ وتفسر جواز الطعن فيه من قبل أشخاص ليسوا طرفاً فيه إنما تتحقق لهم مصلحة في هذا الطعن.
والصفة المطلقة لحكم شهر الإفلاس لا تقتصر على الأشخاص بل تمتد إلى الأموال أيضاً؛ إذ يعد حكم شهر الإفلاس شاملاً جميع أموال المفلس سواء أكانت أموالاً تتعلق بتجارته أم أموالاً خارجة عنها، حتى إنها تشمل الأموال المستقبلية التي ستؤول إليه لاحقاً خلال إجراءات التفليسة عن طريق الإرث مثلاً.
هـ : طرق الطعن في حكم شهر الإفلاس وفي المواد الإفلاسية: نصت الفقرة (1) من المادة (451) من قانون التجارة على أنه: «تقبل هذه الأحكام جميع طرق المراجعة ما لم يكن في هذا القانون نص مخالف». كما نصت الفقرة (2) من المادة نفسها على أنه:
«وتقبل الطرق المذكورة في جميع الأحكام التي تصدر في المواد الإفلاسية». على أن تبدأ المواعيد القانونية لطرق المراجعة من اليوم الذي يلي صدور الحكم، أما المواعيد المختصة بالأحكام الخاضعة لمعاملات الإلصاق ونشر الخلاصة في الصحف اليومية فتبدأ من اليوم الذي يلي إتمام هذه المعاملات.
يتضح من النصوص آنفة الذكر أن حكم شهر الإفلاس وسائر الأحكام الصادرة في مواد الإفلاس تقبل الطعن -من قبل صاحب المصلحة أي الشخص المتضرر- في هذه الأحكام وذلك بالطرق العادية وهي الاستئناف وإعادة المحاكمة والنقض واعتراض الغير. على أنه يجب أن نشير إلى أنه في حال لجوء المفلس إلى أي طريق من طرق المراجعة فإن ذلك ليس له أثر موقف لحكم شهر الإفلاس.
ثانياً: الآثار المباشرة للحكم بشهر الإفلاس
تنشأ عن صدور الحكم بشهر الإفلاس آثار عديدة؛ منها ما يتعلق بالمدين المفلس، ومنها ما يتعلق بالدائنين أو بغيرهم من أصحاب الحقوق، وسنبحث بها تباعاً:
1 - آثار الإفلاس في المدين المفلس:
أ - يدرج اسم التاجر الذي تم شهر إفلاسه ولم يستعيد اعتباره في جدول يلصق على باب كل محكمة وفي لوحة إعلانات سوق الأوراق المالية و«البورصة». الفقرة (1) من المادة (452) من قانون التجارة.
أما إذا كان التاجر متوفى وقت شهر إفلاسه فلا يدرج اسمه في الجدول المذكور أعلاه، لكن يشطب اسمه بعد وفاته بستة أشهر الفقرتين (2 و3) من المادة (452) قانون التجارة.
ويستهدف ذلك معاقبة المفلس باطلاع الكل على شهر إفلاسه وما يترتب على ذلك من مساس بسمعته فضلاً عن حماية الغير من التعامل مع المفلس.
ب - سقوط الحقوق السياسية والمهنية: نصت المادة (453) من قانون التجارة على أنه: «تسقط حقوق المفلس السياسية بشهر إفلاسه، ولا يجوز له أن يكون ناخباً أو منتخباً في المجالس السياسية أو المهنية، ولا أن يقوم بوظيفة أو بمهمة عامة».
يتضح من هذه المادة أن المفلس يحرم من حق الانتخاب ومن حق الترشيح لعضوية المجالس السياسية كمجلس الشعب وكذلك المجالس المهنية مثل غرف التجارة والصناعة، كما يحرم أيضاً من حق التعيين في وظائف الدولة والإدارات والمؤسسات العامة ومن القيام بأي مهمة عامة.
ج - تخلي المفلس لوكلاء التفليسة عن إدارة جميع أمواله: ينشأ عن حكم الإفلاس رفع يد المفلس من تاريخ هذا الحكم عن إدارة جميع أمواله، وكذلك عن إدارة الأموال التي يمكن أن يحرزها في مدة الإفلاس. وتشمل هذه الأموال المنقول والعقار، وكذلك جميع الأموال المتصلة بتجارته وغير المتصلة بتجارته؛ لأن حالة الإفلاس لا تقبل التجزئة. كما أنها تتناول الأموال التي قد تؤول إلى المفلس عن طريق الإرث أو الوصية.
كما أنه لا يجوز للمفلس على الخصوص أن يبيع شيئاً من أمواله، ولا يحق له القيام بوفاء أو قبض إلا إذا كان الوفاء عن حسن نية لسند تجاري، كما لا يمكنه أن يتعاقد ولا أن يخاصم أمام القضاء إلا بصفة متدخل في الدعاوى التي يخاصم فيها وكلاء التفليسة. على أنه يستطيع القيام بجميع الأعمال الاحتياطية لصيانة حقوقه.
يمكن أن نستنتج من هذه المادة أن رفع يد المفلس عن إدارة جميع أمواله يتم بقوة القانون من تاريخ صدور حكم شهر الإفلاس، ويحل وكيل التفليسة محله في إدارة هذه الأموال، ولا حاجة إلى أن يشار إلى ذلك في الحكم الصادر بشهر الإفلاس. ويظل رفع يد المفلس عن أمواله قائماً ما بقيت التفليسة قائمة ولا يزول رفع اليد إلا بانتهاء التفليسة أو بالاتحاد.
ورفع يد المفلس عن أمواله يعدّ بمنزلة منع من التصرف بأمواله لمصلحة الدائنين، وينجم عن ذلك أن المفلس لا يظل مالكاً لأمواله وأن ملكية هذه الأموال تنتقل من المفلس إلى المشتري مباشرة.
على أن الفقرة (1) من المادة (455) من قانون التجارة بينت أنه لا يشمل التخلي - أي رفع يد المفلس عن أمواله - الحقوق التي لا تختص إلا بشخص المفلس أو بصفة رب أسرة، أو الحقوق التي تتناول مصلحة أدبية محضة كالزواج والطلاق والولاية على أموال أولاده القصر، وكذلك التعويضات التي يحكم بها للمفلس عن ضرر أدبي لحقه من الغير.
كما أن الفقرة (3) من المادة (455) بينت أيضاً أنه لا يشمل التخلي الأموالَ التي نص القانون على عدم قابليتها للحجز ولا الأرباح التي يمكن أن يحرزها المفلس بنشاطه أو صناعته وذلك على قدر ما يعد القاضي المنتدب مناسباً حاجة المفلس لإعالة نفسه وأسرته مثل الثياب والمأكولات اللازمة للمدين وعائلته وبعض الآلات والكتب الضرورية لممارسة مهنته.
2- آثار الإفلاس في الدائنين وغيرهم من ذوي الحقوق:
يترتب على ذلك الآثار التالية وذلك استناداً لنص المادة (456) من قانون التجارة.
أ - وقف الدعاوى والإجراءات الفردية:
فقرة (1): يترتب على الحكم بشهر الإفلاس إيقاف حقوق الدائنين العاديين أو الحائزين لامتياز عام في المداعاة الفردية.
فقرة (2): تنحصر الخصومة بعد صدور هذا الحكم في وكلاء التفليسة من غير تفريق بين الديون التجارية والديون المدنية.
يتضح من نص المادة (456) أنه منذ صدور الحكم بشهر الإفلاس يقف حق الدائنين في مباشرة الدعاوى والإجراءات الفردية ضد المدين ويحل محله وكيل التفليسة - الذي يمثل كتلة الدائنين العاديين - في مباشرة الدعاوى والإجراءات الجماعية. أي لا يبقى لكل من الدائنين من أجل الحصول على الوفاء بحقوقه سوى التقدم إلى وكيل التفليسة بهذه الحقوق.
وهذا خلافاً لما عليه نظام الإعسار الذي لا يحول دون حق الدائنين في اتخاذ إجراءات فردية ضد المدين.
والحكمة من منع الدائنين العاديين من مباشرة الدعاوى والإجراءات الفردية ضد المدين منذ صدور حكم شهر الإفلاس هو تحقيق المساواة بين الدائنين حتى لا يتسابقون في مقاضاة المفلس والتنفيذ على أمواله فيتقدم بعضهم على بعضهم الآخر بغير وجه حق. لذلك فإنه يحصر حق المقاضاة واتخاذ الإجراءات اللازمة بوكيل التفليسة الذي يقوم نيابة عن الدائنين العاديين بالإجراءات المطلوبة لتصفية أموال المفلس وتوزيع ثمنها على جميع الدائنين العاديين بالمساواة فيما بينهم.
كما لا يحق للدائنين العاديين متابعة الدعاوى والإجراءات سواء أكانت ديونهم تجارية أم ديوناً مدنية، وسواء أكانت هذه الدعاوى تتعلق بمنقول أم بعقار.
آخذين في الحسبان أن مجرد رفع الدعوى بشهر الإفلاس لا يرتب عليه وقف الدعاوى والإجراءات الضرورية بل لا بد من صدور حكم بشهر الإفلاس.
ب - وقف سريان الفوائد:
نصت المادة (457) من قانون التجارة أنه: «يتوقف الحكم بشهر الإفلاس بالنسبة إلى كتلة الدائنين فقط سريان فوائد الديون غير المؤمنة بتأمين عيني والتي لا يمكن المطالبة بها إلا من أصل الأموال الناتجة عن بيع الأموال المقدمة تأميناً».
يتبين من نص المادة آنفة الذكر أن صدور حكم بشهر الإفلاس يترتب عليه وقف سريان فوائد الديون المستحقة على المفلس، وذلك سواء أكانت هذه الفوائد اتفاقية أم قانونية، ولا يحق للدائن الدخول في التفليسة إلا بأصل الدين وبالفوائد المستحقة حتى تاريخ شهر الإفلاس.
وتهدف هذه المادة إلى تيسير إجراءات التصفية والرغبة في تحقيق المساواة بين الدائنين حتى لا يستفيد الدائنون أصحاب الديون المنتجة للفوائد من بطء إجراءات التفليسة على حساب الباقين.
كما يتبين من نص المادة السابقة أن سريان الفوائد لا يقف إلا عند الدائنين فقط، أما المدين فتستمر الفوائد في السريان، ويمكن مطالبته بها بعد انتهاء التفليسة وإسفار التصفية عن فائض من المال من الوفاء بجميع الديون؛ إذ يحق للدائنين أن يستوفوا حقوقهم من هذا الفائض لأن القانون قد اشترط لرد اعتبار المفلس أن يكون قد أوفى بجميع ديونه أصلاً مع الفوائد والنفقات سنداً لأحكام الفقرة (1) من المادة (595) من قانون التجارة.
كما يتبين من نص المادة السابقة أن الديون العادية هي التي يقف سريان فوائدها، أما الديون المضمونة بامتياز أو برهن فتستمر في إنتاج الفوائد رغم شهر الإفلاس، على أن فوائد هذه الديون لا يجوز استيفاؤها إلا من أصل الأموال الناجمة عن بيع الأموال المقدمة تأميناً.
ج - سقوط آجال الديون: نصت المادة (458) من قانون التجارة على أنه «يسقط الحكم بشهر الإفلاس آجال الديون المترتبة في ذمة المفلس، ولا يشمل هذا السقوط شركاءه في الالتزام على أن يستفيد من سقوط الأجل دائنوه الحائزون على تأمين. ولحاملي أسناد القرض ذات المكافأة عند الوفاء أن يبرزوها حالاً في التفليسة كما جاء في باب الصلح الواقي».
إن الحكمة من استحقاق الديون المؤجلة على الفور وبمجرد الحكم بشهر الإفلاس هي أن منح الأجل مبني على ثقة الدائن بمدينه وأساسه يسار المدين وقدرته على وفاء الدين في مواعيد استحقاقه، فإذا أفلس المدين انهارت هذه الثقة فلا يكون هنالك محل للأجل الممنوح له.
كما يتبين من المادة السابقة أن سقوط الأجل قاصر على الديون التي على المفلس، ومن ثم لا يسقط أجل الديون التي للمفلس على الغير، وأن سقوط الأجل يشمل جميع ديون المفلس سواء أكانت هذه الديون عادية أم مضمونة برهن أم امتياز.
كما يتبين أيضاً أن أجل الديون المترتبة على ذمة المفلس لا تسقط إلا للمفلس نفسه من دون شركائه في الالتزام.
ولأن الأجل لا يسقط إلا تجاه المفلس وحده فإن هذا السقوط لا يرد على الأشخاص الملتزمين معه كالمدينين المتضامنين أو كفلائه. والعلة في ذلك أن مسوغ سقوط الأجل للمفلس لا ينطبق عليهم ولا يلزمون من ثم بالوفاء إلا عند حلول الأجل.
كما نصت الفقرة (4) من المادة (458) من قانون التجارة أنه لحاملي أسناد القرض ذات المكافأة عند الوفاء أن يبرزوها حالاً في التفليسة كما جاء في باب الصلح الواقي.
أي إنه إذا كانت القيمة الاسمية لسند القرض (500) ل.س واستوفت الشركة عند الاكتتاب من المكتتب مبلغ (490) ل.س فعند الاستحقاق تدفع الشركة لحامل سند القرض قيمته الاسمية أي مبلغ (500) ل.س، والفرق بين القيمة الاسمية والقيمة التي استوفتها الشركة من المكتتب يسمى بمكافأة وفاء.
وهذا يتأكد من مضمون المادة (439) التي تنص: «إن أصحاب أسناد القرض المشترط لها أداء مكافأة عند الوفاء لا يقتصرون على المطالبة بسعر الإصدار بل يضيفون إليه الجزء الذي استحقوه من المكافأة عن المدة المنقضية».
د - التأمين الجبري لمصلحة كتلة الدائنين: نصت المادة (459) من قانون التجارة على أنه: «إذا كان للمفلس حقوق عينية أو فكرية أو تجارية خاضعة للتسجيل في سجل خاص وجب على وكلاء التفليسة تسجيل حكم شهر الإفلاس في السجل المذكور». كما يسجل الحكم بشهر الإفلاس في السجل العقاري بواسطة وكلاء التفليسة وينشئ هذا التسجيل من تاريخ وقوعه تأميناً جبرياً لصالح كتلة الدائنين.
يتبين من نص المادة السابقة أن المشرع يهدف إلى تعزيز ضمان حقوق كتلة الدائنين على أموال المفلس بجعل العقارات الداخلة ضمنها محملة بتأمين جبري لمصلحة كتلة الدائنين.
على أن هذا التأمين الجبري لا ينشأ عن مجرد صدور حكم الإفلاس بل يشترط لأجل نشوئه قيد هذا الحكم في السجل الخاص المذكور أعلاه. ويعد ناشئاً من تاريخ هذا القيد.
وتظهر فائدة هذا التأمين بوضوح في حال انتهاء التفليسة بالصلح؛ إذ يكون للدائنين المتصالحين حق استيفاء أنصبتهم المقررة في الصلح من ثمن عقارات المدين بالأولوية على الدائنين الجدد الذين عاملوا المفلس بعد الصلح.
هـ - عدم نفاذ بعض تصرفات المدين حيال كتلة الدائنين: نصت المادة (460) من قانون التجارة على ما يأتي:
1- أن التصرفات التالية لا تكون نافذة حيال كتلة الدائنين إذا قام بها المدين بعد تاريخ توقفه عن الدفع كما عينته المحكمة، أو خلال العشرين يوماً السابقة لهذا التاريخ:
أ- التصرفات والتفرغات المفقرة والضارة بالدائنين باستثناء الهدايا الصغيرة التي تجيزها المحكمة.
ب- وفاء الديون قبل استحقاقها مهما كان شكل وقوعه.
ج- وفاء ديون نقدية مستحقة بغير نقود، أو بأسناد سحب أو أسناد لأمر أو حوالات، وبوجه عام كل وفاء بمؤونة.
د- إنشاء تأمين عيني على أموال المدين تأميناً لدين سابق.
2- إذا حصل الوفاء بمقابل بشكل التفرغ عن عقار فلا يكون لبطلانه أثر إلا تجاه الدائن الذي تعاقد مع المفلس، ولا يمس البطلان حقوق من تلقوا حقهم من ذلك الدائن مقابل بدل بشرط أن يكونوا حسني النية.
مما تقدم نستطيع أن نستنتج أن المشرع خشي من قيام المدين بعد أن يشعر بحرج مركزه المالي أن يبدّد أمواله ذات اليمين وذات اليسار، كأن يقوم ببعض التصرفات التي تضر بمصلحة الدائنين أو وفاء دين لم يحل أجله أو أن يلجأ إلى رهن عقار من عقاراته أو منقولاته إضراراً بكتلة الدائنين وهو الدعامة التي يرتكز عليها الإفلاس.
لذلك فقد عد المشرع أن مثل هذه التصرفات التي تصدر عن المدين بعد تاريخ توقفه عن الدفع أو في العشرين يوماً السابقة لهذا التاريخ باطلة بقوة القانون ومعنى هذا أنه يتعين على القاضي الحكم بها وجوباً متى ثبت أنه ترتب عليها إلحاق الضرر بكتلة الدائنين.
كما أن المادة (461) من قانون التجارة عدت أن كل وفاء لديون مستحقة يقوم به المدين، وكل تصرف يجريه بعوض بعد توقفه عن الدفع وقبل الحكم بشهر الإفلاس يجوز الحكم بعدم نفاذها حيال كتلة الدائنين.
إن الفترة الواقعة بين توقف المدين عن الدفع - التي تحددها المحكمة - وبين صدور الحكم بشهر الإفلاس تسمى هذه الفترة بفترة الريبة، لذلك فقد أعطى المشرع للمحكمة جواز الحكم بعدم نفاذها حيال كتلة الدائنين وذلك حرصاً منه على مصلحة كتلة الدائنين؛ لذلك فقد أجاز المشرع في حال عدم نفاذ هذه الإعمال عند الاقتضاء إقامة دعوى الاسترداد الفقرة (1) من المادة (462) من قانون التجارة.
وقد اشترط المشرع لقيام دعوى الاسترداد أن يكون الشخص الذي يطلب منه الرد عالماً وقت إصدار سند السحب أو «الشيك» بتوقف المدين عن الدفع، كما لا يجوز أن تقام دعوى الاسترداد إلا على الشخص الذي أعطي السند أو «الشيك» لحسابه، كما حرص المشرع على مصلحة الدائنين أيضاً في حال إجراء قيد رهن أو تأمين بعد تسجيل الحكم بشهر الإفلاس يعد هذا التسجيل وهذا القيد غير نافذ تجاه كتلة الدائنين، كما أجاز المشرع الحكم بعدم نفاذ القيود المتخذة بعد التوقف عن الدفع أو في العشرين يوماً التي سبقته إذا مضى أكثر من خمسة عشر يوماً بين تاريخ إنشاء الرهون أو التأمين وتاريخ القيد إذا كان التاجر قد أضر بالدائنين (فقرة 2 مادة 463 من قانون التجارة)، على أن دعاوى عدم النفاذ في تصرفات المدين الواردة في المواد (460 ، 462 ، 463) من هذا القانون تسقط بالتقادم بمرور ثمانية عشر شهراً من يوم شهر الإفلاس مادة (464) من قانون التجارة. وهو تقادم قصير حرصاً من المشرع على استقرار المعاملات.
ثالثاً: إجراءات الإفلاس
بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس وما يترتب عليه من رفع يد المفلس عن إدارة أمواله تبدأ الإجراءات، ومنها أن يعهد بإدارة أموال المفلس إلى وكيل مأجور يدعى وكيل التفليسة، وذلك حتى يصل الدائنون إلى الحل المناسب للتفليسة إما بالصلح مع المفلس وإما بالاتحاد. فإذا لم يحصل الصلح مع المفلس وأصبح الدائنون في حالة اتحاد يقوم وكيل التفليسة - ويسمى عندئذٍ وكيل الاتحاد - ببيع أموال المفلس وتوزيع الثمن على الدائنين كل بحسب نصيبه.
1 - تعيين وكيل التفليسة: تعين المحكمة في حكم شهر الإفلاس وكيلاً أو عدة وكلاء للتفليسة، ويمكن في أي وقت أن يزاد عدد الوكلاء إلى ثلاثة، وتحدد نفقاتهم ومرتباتهم بقرار من القاضي المنتدب، ويمكن الاعتراض على تحديد النفقات والمرتبات إذ يحق للمدين وللدائنين أن يعترضوا على قرار تحديد النفقات في ميعاد ثمانية أيام وتفصل المحكمة الاعتراض في غرفة المذاكرة. ويعدّ وكيل التفليسة العنصر الأساسي في مباشرة إجراءات التفليسة؛ لذلك يجب أن يحسن اختيار هذا الوكيل على أنه لا يجوز أن يعين وكيلاً للتفليسة قريبٌ أو مصاهرٌ للمفلس لغاية الدرجة الرابعة بما فيها هذه الدرجة. وإذا اقتضت الحال أن يضاف أو يبدل وكيل أو عدة وكلاء للتفليسة فيراجع القاضي المنتدب المحكمة وهي تتولى أمر التعيين. ويجوز أخيراً في أي وقت تعيين مراقب أو مراقبين من الدائنين يرشحون أنفسهم لهذه المهمة، ويتم ذلك بقرار من القاضي المنتدب، وإذا تعدد وكلاء التفليسة فيعملون مجتمعين على أنه يحق للقاضي المنتدب أن يعطي وكيلاً منهم أو عدة وكلاء إذناً خاصاً بالقيام على انفراد ببعض الأعمال الإدارية وفي هذه الحالة يكون الوكلاء المأذون لهم مسؤولين وحدهم.
2- عزل وكيل التفليسة: يحق للقاضي المنتدب بناء على الشكوى المقدمة إليه من المفلس أو من الدائنين أو من تلقاء نفسه أن يقترح عزل وكيل أو وكلاء التفليسة بحسب الحال. وإذا طلب المفلس أو الدائنون من القاضي المنتدب ولم يفصل في هذا الطلب في ميعاد ثمانية أيام يمكن رفعها إلى محكمة الاستئناف، عندئذٍ تسمع محكمة الاستئناف في غرفة المذاكرة تقرير القاضي المنتدب وإيضاحات الوكلاء وتصدر حكمها في جلسة علنية مادة (471). على أنه لا يجوز الطعن في الأحكام المتعلقة بتعيين وكيل التفليسة أو عزله.
رابعاً: حلول الإفلاس
1- الصلح البسيط: الصلح البسيط هو عقد بين المدين المفلس وكتلة الدائنين وبموجبه يستعيد المفلس إدارة أمواله للتصرف بها على أن يتعهد بأن يدفع في آجال معينة ديونه كلياً أو جزئياً.
ويستفيد من الصلح البسيط كل من الدائنين والمفلس معاً. أما فيما يتعلق باستفادة الدائنين فإنه قد يسهم هذا الصلح في حصولهم على نصيب أكبر مما لو بيعت أموال المفلس ووزع الثمن الناتج منها عليهم؛ لأن من شروط الصلح أن يكون المدين مكفولاً من شخص موسر. أما فائدة الصلح البسيط للمدين فهو تمكينه من استعادة مركز أمواله وإدارتها واستمراره في نشاطه التجاري وهذه فرصة له حتى يتمكن من تحقيق أرباح تسهم في تسديد ديونه.
- العقد الذي تحدثنا عنه هو عقد من نوع خاص يمتاز بميزتين اثنتين: أولهما أنه عقد يبرم بين المفلس وكتلة الدائنين وبموافقة أغلبيتهم. والثانية أنه يشترط لكي يكون صحيحاً ومقبولاً تصديق القضاء عليه حماية لكتلة الدائنين والمصلحة العامة.
2- شروط انعقاد الصلح البسيط: يشترط لانعقاد الصلح البسيط تحقق الشروط التالية:
أ- أن توافق عليه أغلبية الدائنين.
ب- ألا يكون قد حكم على المفلس بالإفلاس الاحتيالي.
ج- تصديق المحكمة على عقد الصلح البسيط.
خامساً: الآثار المترتبة على عقد الصلح
1- يصبح عقد الصلح بمجرد تصديقه ملزماً لجميع الدائنين سواء أكانوا مذكورين في الميزانية أم لا، وسواء كانت ديونهم مثبتة أم غير مثبتة، وهو نافذ حتى في حق الدائنين المقيمين خارج الأراضي السورية، وفي حق الذين قبل دخولهم مؤقتاً في المذاكرة أياً كان المبلغ الذي سيخصص لهم فيما بعد بمقتضى الحكم النهائي. على أن الصلح لا يسري في حق الدائنين أصحاب الامتيازات والرهون إذا لم يتنازلوا عنها، ولا في حق الدائنين العاديين إذا نشأ دينهم في أثناء مدة التفليسة.
2- يترتب على الصلح إنهاء حالة الإفلاس بجميع آثارها مع الاحتفاظ بسقوط الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (453) من قانون التجارة، لا يستعيدها المفلس إلا بإتباع إجراءات رد الاعتبار الفقرة (1) من المادة (523) من قانون التجارة.
لذلك فإنه يعود للمفلس - بعد اكتساب حكم التصديق قوة القضية المقضية - إدارة أمواله والتصرف فيها، على أن انتهاء رفع اليد لا يكون إلا للمستقبل ولا ينسب أثره إلى الماضي.
3- يترتب على التصديق على الصلح أيضاً أن وكلاء التفليسة تنتهي مهمتهم وعليهم تقديم حسابهم إلى المفلس بحضور القاضي المنتدب فتجري فيه المناقشة ويقر. ثم يسلم وكلاء التفليسة إلى المفلس مجموع أمواله ودفاتره وأوراقه وأشيائه فيعطيهم سند إيصال مقابل تسلمها. ثم ينظم القاضي المنتدب محضراً بكل ذلك وتنتهي وظيفته. على أنه إذا قام نزاع في الحساب المقدم فإن ذلك يعود للمحكمة لتفصل فيه فقرة (4) من المادة (523) من قانون التجارة.
4- كما يترتب على الصلح أيضاً أن يستعيد كل دائن حقه في مقاضاة المفلس والتنفيذ على أمواله. على أنه لا يجوز للدائنين المطالبة إلا بالمبالغ التي تم إقرارها في عقد الصلح وفي المواعيد المحددة فيه.
سادساً: اتحاد الدائنين
نصت الفقرة (1) من المادة (536) من قانون التجارة أنه: «إذا لم يتم الصلح يصبح الدائنون حتماً في حالة اتحاد». وهذا يعني أن الاتحاد يؤدي إلى تصفية أموال المفلس وبيعها وتوزيع ثمنها بين الدائنين، والسند القانوني لحالة الاتحاد هو نص المادة السابقة وهي حالة قانونية تحصل من تلقاء نفسها بقوة القانون بمجرد توفر أحد الأسباب القانونية المعروفة إما لعدم الحصول على صلح مع المفلس وإما لأن الإفلاس احتيالي وإما لعدم موافقة المحكمة على الصلح وهذا يحصل إذا لم يصدق على الصلح الذي شرع أو بدئ فيه من الدائنين والمفلس فهي إذاً نتيجة لعرض الصلح الذي لم يتم.
وفي حال أصبح الدائنون في حالة اتحاد يقوم القاضي المنتدب باستشارة الدائنين فيما يتعلق بأعمال الإدارة وفي شأن إبقاء وكلاء التفليسة أو استبدالهم. وفي هذه الحالة يقبل في المناقشة الدائنون الممتازون أو الحائزون لرهن أو تأمين على عقار أو منقول. إذن فإن رأي الدائنين هنا هو استشاري فحسب.
ثم ينظم بأقوال الدائنين وملاحظاتهم محضراً. وبعد الاطلاع على هذا المحضر تعين المحكمة وكلاء الاتحاد. ويجب على وكلاء التفليسة الذين انتهت وظيفتهم أن يقدموا حساباً للوكلاء الجدد وذلك بحضور القاضي المنتدب وبعد دعوة المفلس على حسب الأصول.
1- منح المفلس إعانة: يمكن منح المفلس إعانة مالية من مال التفليسة وذلك بعد استشارة الدائنين فيما إذا كان المستطاع منحه الإعانة المطلوبة وذلك في حال رضيت أغلبية الدائنين الحاضرين، على أن يقوم وكلاء الاتحاد باقتراح مقدار الإعانة ويتم فيما بعد تحديد هذا المقدار بقرار من القاضي المنتدب. ولا يجوز لغير الوكلاء أن يعترضوا على هذا القرار أمام المحكمة.
2- إفلاس شركة أشخاص: نصت المادة (538) من قانون التجارة على ما يلي: «إذا أفلست شركة أشخاص فللدائنين ألا يقبلوا عقد الصلح إلا مع شريك أو عدة شركاء، وفي هذه الحالة يبقى مجموع أموال الشركة خاضعاً لنظام اتحاد الدائنين باستثناء الأموال الشخصية المختصة بالشركاء الذين عقد معهم الصلح، ولا يجوز أن يتضمن هذا التعاقد الخاص معهم التزاماً يوجب عليه دفع أي معدل إلا من أموال خارجة عن أموال الشركة. ويبرأ من كل تضامن الشريك الذي عقد معه صلح خاص».
3- تشغيل أموال المفلس: كما بينا سابقاً أن حالة الاتحاد تهدف إلى تصفية أموال المفلس وبيعها ومن ثم توزيع ثمنها بين الدائنين، إلا أن السرعة في هذه التصفية قد ينجم عنه خسارة غير متوقعة وخوفاً من تصفية أموال المفلس وبيعها بغير القيمة الحقيقية وهذا يسبب الضرر لكل من المفلس والدائنين؛ لذلك فإنه يجوز للدائنين أن يوكلوا وكلاء التفليسة بمواصلة استثمار الأموال الموجودة. ويشترط لذلك أن يعين الدائنون في قرارهم مدة هذا الاستثمار ومدى اتساعه، كما يعينون المبالغ التي يجوز إبقاؤها بين أيدي الوكلاء من أجل تأمين النفقات والمصاريف.
وكما يشترط أيضاً أنه لا يجوز اتخاذ هذا القرار إلا بحضور القاضي المنتدب وأغلبية تمثل ثلاثة أرباع الدائنين عدداً وثلاثة أرباع الديون التي لهم. على أنه يقبل الاعتراض على هذا القرار من قبل المفلس وكذلك من قبل الدائنين المعارضين. لكن هذا الاعتراض لا يوقف التنفيذ.
4- تصرفات وكلاء التفليسة: إذا أدت تصرفات وكلاء التفليسة إلى التزامات تجاوز قيمتها مال الاتحاد كان الدائنون الذين أجازوا تلك التصرفات مسؤولين وحدهم شخصياً عما يجاوز حصتهم في المال المذكور، ولكن مسؤوليتهم لا تتعدى حدود الوكالة التي أعطوها ويشتركون فيها بنسبة مالهم من الديون.
ثم يشرع وكلاء التفليسة في استيفاء ما لم يوفَ من الديون، ويمكنهم أن يقبلوا المصالحة بالشروط نفسها التي كانت متبعة قبلاً على الرغم من كل اعتراض يبديه المفلس، أما التفرغ عن جميع موجودات التفليسة لقاء مبلغ مقطوع فيجب أن يعرض على هيئة الدائنين في اجتماع يدعوهم إليه القاضي المنتدب بناءً على طلب الوكلاء أو أي دائن من الدائنين، ويجب على الوكلاء أن يحصلوا على إذن من المحكمة بذلك.
5- إجراءات بيع حقوق المفلس:
أ - يجب على وكلاء التفليسة أن يشرعوا في بيع الأموال المنقولة على اختلاف أنواعها ومن جملتها المتجر، تحت إشراف القاضي المنتدب ومن دون حاجة إلى دعوة المفلس وفقاً للإجراءات المنصوص عليها لبيع المنقولات في أثناء المدة الإعدادية.
أما إذا لم تكن هنالك معاملة بيع جبري بوشر بها قبل الاتحاد فيفوض الوكلاء إجراء البيع دون سواهم، ويلزمهم أن يشرعوا فيه خلال ثمانية أيام بترخيص من القاضي المنتدب وبوساطة دائرة التنفيذ الموجودة في موقع العقارات.
يتضح من هذا النص أنه إذا بدئ في إجراءات البيع قبل اتحاد الدائنين ولم تكن قد انتهت بعد هذا الاتحاد فيصير إتمامها في مواجهة وكلاء الدائنين توحيداً للإجراءات واقتصاداً في المصاريف.
ولا يترتب على ذلك حرمان الدائنين المرتهنين أو أصحاب حق الامتياز من استيفاء ديونهم بطريق الأولوية؛ إذ لهم حق اتخاذ الإجراءات المتعلقة ببيع العقار حتى بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس، إنما يشترط أن يكون ذلك قبل أن يصبح الدائنون في حالة اتحاد وألا يكونوا قد تنازلوا عن تأميناتهم.
ب - يضع الوكلاء دفتر الشروط الذي ستجري بمقتضاه المزايدة ويجري البيع وفقاً للأحكام المتعلقة بالبيع الجبري فقرة (1) من المادة (544) من قانون التجارة. مشيرين إلى أن الإحالة القطعية للمزايدة تحرر الملاك من قيود الامتيازات والرهون والتأمينات العقارية.
ثم بعد ذلك يدعو القاضي المنتدب الدائنين الاتحاديين للاجتماع مرة واحدة على الأقل في السنة الأولى وكذلك في السنوات التالية إذا اقتضت الحاجة. ويجب على الوكلاء أن يقدموا في الاجتماعات حساباً عن إدارتهم.
6 - توزيع أموال المفلس:
أ - توزع أموال التفليسة على جميع الدائنين بنسبة الدين المثبت لكل منهم بعد حسم مصاريف إدارة التفليسة والإعانات التي منحت للمفلس أو لأسرته، والمبالغ التي دفعت للدائنين الممتازين.
يلاحظ أنه قبل إجراء التوزيع يجب حسم مصاريف إدارة التفليسة والإعانات التي منحت للمفلس أو لأسرته والمبالغ التي دفعت للدائنين الممتازين. كما أنه لا يتم التوزيع قبل أن يقدم الوكلاء بياناً شهرياً للقاضي المنتدب عن حالة التفليسة والمبالغ التي أودعت المصرف المعين لقبول ودائع الدولة.
ب - يجب حسم مبالغ الديون المعلقة على شرط، وكذلك مبالغ الديون التي حصلت المنازعة فيها حتى يصدر بشأنها حكم قطعي.
ويتم التوزيع بأمر من القاضي المنتدب عند الاقتضاء على الدائنين ويعين مبلغه ويحتم بإبلاغ الأمر إلى جميع الدائنين.
ج - لا يجوز الامتناع عن إجراء التوزيع حتى لو كان المبلغ المتحصل يساوي خمسة في المئة من الديون، كما ليس هنالك ما يمنع من توزيع ثمن المنقول أولاً وقبل ثمن العقار على جميع الدائنين.
د - لا يجوز لوكلاء التفليسة أن يقوموا بأي وفاء إلا مقابل تقديم السند المثبت للدين، ويذكروا على السند المبلغ الذي دفعوه أو أمروا بدفعه، وإذا كان تقديم السند غير ممكن فيجوز للقاضي المنتدب أن يأمر بالدفع بعد اطلاعه على محضر تحقيق الديون. وفي جميع الأحوال يعترف الدائن بالإيصال على هامش جدول التوزيع.
هـ - انحلال الاتحاد: متى انتهت تصفية التفليسة يدعو القاضي المنتدب الدائنين للاجتماع، وفي هذا الاجتماع الأخير يقدم الوكلاء حسابهم ويكون المفلس حاضراً أو مدعواً بحسب الأصول. ثم يبدي الدائنون رأيهم في مسألة عذر المفلس وينظم محضر بذلك يدرج فيه كل دائن أقواله وملاحظاته، وبعد انفضاض هذا الاجتماع ينحل الاتحاد حتماً. ثم يقدم القاضي المنتدب للمحكمة قرار الدائنين المختص بمعذرة المفلس معذوراً أو غير معذور (المادة 550 من قانون التجارة) على أنه لا يعد معذوراً مرتكب الإفلاس الاحتيالي ولا المحكوم عليه لتزوير أو سرقة أو احتيال أو إساءة الأمانة أو اختلاس أموال عامة.
ويترتب على انحلال الاتحاد زوال رفع يد المفلس عن إدارة أمواله، كما يحق للدائنين رفع الدعاوى الانفرادية عليه فيما يختص بباقي ديونهم على أنه لا يحق لهم إعادة شهر إفلاسه لأنه لا يرد الإفلاس على الإفلاس.
أما إذا ظهرت أموال جديدة للمفلس بعد انحلال الاتحاد لم تكن معروفة من قبل فيجب في هذه الحالة افتتاح التفليسة من جديد لأن الانحلال أساسه تصفية جميع أموال المدين، فيجب هنا إعادة الحال إلى ما كانت عليه وترفع يد المفلس عن هذه الأموال.
سابعاً: الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته
يجوز عقد الصلح بالتنازل الكلي أو الجزئي من المفلس عن موجوداته. ويتبع الشروط نفسها المنصوص عليها لعقد الصلح البسيط. على أن رفع يد المفلس فيما يختص بالأموال المتنازل عنها لا ينتهي بعقد هذا الصلح بل تباع هذه الأموال بوساطة وكلاء يعينون كما يعين وكلاء الاتحاد ويخضع البيع والتوزيع المالي للقواعد نفسها المرعية في حالة الاتحاد، ثم يسلم إلى المدين من حاصل بيع الأموال المتنازل عنها ما زاد على الديون المطلوبة منه.
تستطيع شركات الأشخاص الصلح مع الدائنين مع التنازل الكلي أو الجزئي عن موجوداتها. والغرض من هذا التنازل إبراء الشركة نفسها وإبراء الشركاء المتضامنين من الديون التي تزيد على الأموال التي حصل التنازل عنها للدائنين.
ولاحظنا أن المشرع قد طبق الشروط نفسها المنصوص عنها في عقد الصلح البسيط حماية للشركة المفلسة وكذلك حماية للدائنين.
ثامناً: إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات
نصت المادة (553) من قانون التجارة أنه: «إذا حدث في أي وقت قبل تصديق الصلح أو تأليف اتحاد الدائنين أن وقفت إجراءات التفليسة لعدم كفاية الموجودات جاز للمحكمة بناء على تقرير القاضي المنتدب أو من تلقاء نفسها أن تحكم بإغلاق التفليسة ويعود بهذا الحكم إلى كل دائن حق الخصومة الفردية».
يتضح من نص المادة السابقة أن إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات يترتب عليه:
1- زوال إيقاف الدعاوى الانفرادية، فيجوز لكل دائن توقيع الحجز على أموال المفلس ورفع الدعاوى عليه.
2- يتضح من النص السابق أيضاً أن حكم إغلاق التفليسة ليس حكماً صحيحاً بل هو مجرد إجراء إداري يحوز قوة الشيء المحكوم فيه، ويمكن طلب إلغائه في أي وقت من المفلس أو من أحد الدائنين طبقاً لنص الفقرة (1) من المادة (544) من قانون التجارة التي تنص أنه: «يجوز للمفلس ولكل شخص من ذوي الحقوق أن يطلب في كل وقت من المحكمة الرجوع عن هذا الحكم إذا أثبت وجود مال كافٍ للقيام بنفقات التفليسة، أو سلم الوكلاء المبلغ الكافي لها». وفي جميع الأحوال يجب أن توفى أولاً نفقات الدعاوى التي أقيمت عملاً بأحكام المادة السابقة إذا ثبت وجود مال كافٍ لمصاريف التفليسة.
3- يتبين أن الحكم الصادر بإغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات ليس حكماً نهائياً لدعوى التفليسة وحاسماً لإجراءاتها، بل هو إجراء مؤقت بوقف أعمالها إلى أجل حتى يتم إعادة فتح التفليسة من جديد إما بناء على طلب المفلس نفسه وإما بناء على طلب شخص من ذوي الحقوق.
4- كما أن الحكم الصادر بإغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات لا ينهي عمل وكيل التفليسة بل يظل في عمله متربصاً لظهور أموال جديدة للمفلس ليبدأ عمله من جديد.
تاسعاً: الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي
لا يعد الإفلاس بذاته جريمة معاقباً عليها، إلا أن المشرع يقضي بفرض العقوبة متى اقترنت بالإفلاس أعمال تنطوي على احتيال أو تقصير لما تتضمنه هذه الأفعال من إضرار بالدائنين.
والإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي هما جريمتان يرتكبهما المفلس وسنتناول فيما يلي هاتين الجريمتين. عالج المشرع هاتين الجريمتين في المواد (675-684) من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/ تاريخ 22/6/1949 وتعديلاته.
1- الإفلاس التقصيري: يستفاد من نص المادتين (676، 677) من قانون العقوبات أن التاجر يعد مفلساً مقصراً في الحالات التالية:
أ- إذا كان قد استهلك مبالغ باهظة سواء في عمليات الحظ أم في مضاربات وهمية على النقد أو البضاعة.
ب- إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع - في سبيل تأخير الإفلاس- على شراء بضائع لبيعها بأقل من ثمنها، أو عقد للغاية نفسها قروضاً أو حول سندات أو توسل بطرق أخرى بعيدة للحصول على المال.
ج- إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع على إيفاء دائن إضراراً بكتلة الدائنين.
د- إذا كانت نفقاته الشخصية أو نفقات بيته زائدة على الحد.
كما يمكن أن يعد مفلساً مقصراً كلُّ تاجر مفلس في الحالات الآتية:
أ- إذا عقد لمصلحة الغير من دون عوض تعهدات جسيمة بالنسبة لوضعيته عندما تعهد بها.
ب- إذا لم يتقيد بالقواعد المتعلقة بتنظيم سجل التجارة.
ج- إذا لم يقدم في عشرين يوماً من توقفه عن الدفع التصريح اللازم بمقتضى قانون التجارة إلى قلم المحكمة، أو إذا كان هذا التصريح لا يتضمن أسماء جميع الشركاء المتضامنين.
د- إذا لم يمسك دفاتر تجارية أو لم ينظم الجردة بالضبط، أو إذا كانت دفاتره وجردته ناقصة أو غير أصولية أو لا تبين حقيقة ما له وما عليه ولم يكن مع ذلك ثمة غش.
هـ- إذا تكرر إفلاسه ولم تتم شروط عقد الصلح السابق.
والإفلاس التقصيري جنحة يعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة. كما يمكن أن يعاقب بعقوبة الإفلاس التقصيري كل من أقدم من الأشخاص المذكورين أعلاه في إدارة الشركة (وهم الشركاء المضاربون الذين اعتادوا التدخل في إدارة الشركة - مديرو شركة المضاربة بالأسهم والشركات المحدودة المسؤولية، والمديرون وأعضاء مجلس الإدارة والوكلاء المفوضون وأعضاء مجلس المراقبة ومفوضو المحاسبة وموظفو الشركات المذكورة وشركاء المساهمة) أو العمل لمصلحتها على ارتكاب جرم من الجرائم المنصوص عليها في المادة (676) من قانون العقوبات في فقراتها الأولى والثانية والثالثة.
ويلاحظ أن جريمة الإفلاس التقصيري يلزم لقيامها ركن الخطأ، وهذا الخطأ إما أن يكون خروجاً على واجبات التاجر الحريص وإما أن يكون إخلالاً بأحكام الإفلاس.
¯ تنظر المحكمة الجزائية في جرائم الإفلاس التقصيري بناء على طلب وكلاء التفليسة أو أي شخص من الدائنين أو النيابة العامة، وتطبق في هذا الشأن أحكام قانون العقوبات.
¯ إن نفقات الدعوى التي تقيمها النيابة العامة من أجل إفلاس تقصيري لا يجوز في حال من الأحوال أن توضع على عاتق الدائنين، وفي حال عقد الصلح لا يجوز للخزينة العامة أن تطالب المفلس بما أدته من نفقات إلا بعد انقضاء المواعيد الممنوحة بمقتضى العقد المذكور.
¯ تتحمل كتلة الدائنين نفقات الدعاوى التي يقيمها باسم الدائنين وكلاء التفليسة عند تبرئة المفلس، وتتحملها الخزينة العامة إذا حكم عليه، ويبقى لها حق الرجوع على المفلس وفقاً للمادة السابقة.
¯ لا يجوز للوكلاء أن يقيموا دعوى من أجل دعوى إفلاس تقصيري، ولا أن يتخذوا صفة المدعي الشخصي باسم كتلة الدائنين إلا بعد الترخيص لهم بموجب قرار تتخذه الأغلبية العددية للدائنين الحاضرين.
¯ تدفع الخزينة العامة نفقات الدعوى الجزائية التي يقيمها أحد الدائنين إذا حكم على المفلس ويدفعها المدعي الشخصي إذا برئت ساحة المفلس.
وهناك قواعد مشتركة بين الإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي وهي:
في دعاوى الإفلاس الاحتيالي أو التقصيري يفصل القضاء الجزائي حتى في حال التبرئة في الأمور الآتية:
1) يقضي من تلقاء نفسه بإعادة جميع الأموال والحقوق والأسهم المختلسة بطريقة احتيالية إلى كتلة الدائنين.
2) يحكم بما يطلب من بدل العطل والضرر ويعين مبلغه في الحكم الذي يصدره.
3) لا يترتب على الدعوى الجزائية المقامة من أجل الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي أي تعديل في القواعد العادية المختصة بإدارة التفليسة. ويلزم الوكلاء في هذه الحال أن يسلموا إلى النيابة العامة جميع المستندات والصكوك والأوراق والمعلومات التي تطلب منهم.
4) لوكلاء التفليسة الحق في أن يطلعوا متى شاؤوا على المستندات والصكوك والأوراق التي يسلمونها إلى القضاء الجزائي، ويجوز لهم أن يأخذوا خلاصات خاصة عنها أو أن يطلبوا نسخاً رسمية عنها من الكاتب، أما المستندات والصكوك والأوراق التي لم يصدر أمر بالاحتفاظ بها فتسلم بعد الحكم إلى الوكلاء مقابل سند إيصال.
2- الإفلاس الاحتيالي: يستفاد من نص المادة (675) من قانون العقوبات أنه يعد مفلساً محتالاً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات كلُّ تاجر مفلس أخفى دفاتره واختلس أو بدد قسماً من ماله، أو اعترف مواضعه بديون غير متوجبة عليه سواء في دفاتر أم صكوك رسمية أم عادية بموازنته.
كما يستحق عقوبة الإفلاس الاحتيالي:
أ- من أقدم لمصلحة المفلس على اختلاس أمواله أو إخفائها أو كتمها كلها أو بعضها الثابتة منها والمنقولة.
ب- من تقدم احتيالاً باسمه أو باسم مستعار لتثبيت ديون وهمية في طابق الإفلاس.
ج- من ارتكب وهو يتعاطى التجارة باسم وهمي جريمة الإفلاس الاحتيالي.
هذا بقطع النظر عن المسؤولية المترتبة من جراء أعمال التمريض أو الدخل الفرعي مادة (681) من قانون العقوبات.
لا يجوز في حال من الأحوال أن تلقى نفقات دعوى الإفلاس الاحتيالي على عاتق كتلة الدائنين، وإذا اتخذ دائن أو عدة دائنين صفة المدعي الشخصي فإن النفقات في حال البراءة تبقى على عاتقهم.
وكما بينا في الفقرة /1/ أن الإفلاس الاحتيالي جناية يعاقب عليها القانون بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات مادة (675) من قانون العقوبات.
مراجع للاستزادة:
- رزق الله أنطاكي ونهاد السباعي، موسوعة الحقوق التجارية، الجزء الثامن (1955).
- إدوار عيد، أحكام الإفلاس، الجزء الأول (1972).
- مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والإفلاس (1984).
- علي حسن يونس، الإفلاس في القانون المصري (القاهرة، بدون تاريخ).
المصدر: http://arab-ency.com
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم