القائمة الرئيسية

الصفحات



حق المسجون في معاملة انسانية الدكتور محمد ثامر.







        
حق المسجون في معاملة انسانية


الاستاذ المساعد الدكتور محمد ثامر







الفصل الاول
النصوص الدولية والاقليمية


       لم يتضمن ألاعلان العالمي لحقوق الانسان نصا بشأن معاملة المسجون معاملة أنسانية ولكن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نص على هذا الحق في المادة العاشرة وكما يلي : ـ
(( 1 ـ يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة أنسانية ، تحترم الكرامة ألاصيلة في الشخص الانساني .
أ ـ يفصل الاشخاص المتهمون عن الاشخاص المدانون ألا في ظروف أستثنائية ويكونون محل معاملة على حدة تتفق مع كونهم أشخاص غير مدانيين .
ب ـ يفصل المتهمون ألاحداث عن البالغين ، ويحالون بالسرعة الممكنة الى القضاء للفصل في قضاياهم .
2 ـ يجب أن يراعي نظام السجون معاملة المسجونين معاملة يكون هدفها ألاساسي أصلاحهم وأعادة تأهيلهم ألاجتماعي ، ويفصل المذنبون ألاحداث عن البالغين ويعاملون معاملة تتفق مع سنهم ومركزهم القانوني ."
    وركزت أتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 على حقوق الاحداث في حالة القبض عليهم أو أحتجازهم حيث يتمتع ألاحداث بنفس حقوق البالغين الذين القي القبض عليهم أو أحتجزوا أذ يجب أبلاغهم فورا بأسباب القبض عليهم وبالتهم الموجهة ضدهم ويجب بعد ألقاء القبض على الحدث أخطار والديه المسؤولين عنه بذلك . وعندما يتعذر تفادي أحتجاز ألاحداث قبل محاكمتهم يجب أن تكون فترة الاحتجاز اقصر ما يمكن ، وذلك بأعطاء ألاولوية للنظر في القضية على وجه السرعة . ويجب فصل الاحداث المحتجزين البالغين كما يجب فصل الاحداث المدنيين عن الاحداث المتهمين . وقد عرف دليل الخدمة والحماية لقوات الشرطة وألامن السجين بأنه الشخص الذي يحرم من حريته الشخصية نتيجة لأدانته بسبب أرتكابه جريمة [i].
وكان المؤتمر الاول للامم المتحدة بشأن الوقاية من الجرائم ومعاملة المعتقلين الاحداث قد وضع جملة من القواعد المتعلقة بمعاملة السجناء صدرت في كيوتر ( الاكودار ) في 30 أب 1955 وأقرها المجلس الاجتماعي والاقتصادي في 31 تموز 1957 بوصفها الشروط الدنيا اللازمة للسجون والمعتقلات لكي تكون متمشية مع القواعد الانسانية المعقولة في معاملة المسجونين والمحبوسين وتنحصر أهم هذه القواعد في : ـ
1 ـ السجل : في أي مكان يوجد فيه مسجونون ، يجب مسك سجل مجلد ومرقوم الصفحات ، تورد به المعلومات التالية بشأن كل معتقل :
(أ) تفاصيل هويته .
(ب) أسباب سجنه والسلطة المختصة التي قررته .
(د) لا يقبل أي شخص في أية مؤسسة جزائية دون أمر حبس مشروع تكون تفاصيله قد دونت سلفا بالسجل .
2 ـ توفر لجميع الغرف المعدة لاستخدام المسجونين ، ولا سيما حجرات النوم ليلا ، جميع المتطلبات الصحية ، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية . وخصوصا من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والاضاءة والتدفئة والتهوية .
3 ـ يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة .
4 ـ يجب أن تتوفر منشأت الاستحمام والاغتسال بالدش بحيث يكون في مقدور كل سجين أن يستحم أو يغتسل بدرجة متكيفة مع الطقس ، وأن يتوفر الماء وما تتطلبه الصحة والنظافة من أدوات .
5 ـ يزود كل سجين بثياب مناسبة ، ويوفر له سرير فردي ولوازمه .
6 ـ توفر لكل سجين في الساعات المعتادة وجبة طعام ذات قيمة غذائيةكافية للحفاظ على صحته وقواه ، وماء صالح للشرب .
7 ـ لكل سجين غير مستخدم في عمل في الهواء الطلق حق في ساعة على الاقل كل يوم يمارس فيها التمارين الرياضية المناسبة في الهواء الطلق أذا سمح الطقس بذلك ، مع توفير تربية رياضية وترفيهية .
8 ـ يجب أن توفر في كل سجن خدمات طبيب مؤهل واحد على الاقل يكون على بعض الالمام بالطب النفسي ، وطبيب أسنان مؤهل ، وأن توفر في سجون النساء المعدات الخاصة بالرعاية والعلاج قبل الولادة وبعدها ، وأذا ولد الطفل في السجن فلا ينبغي أن يذكر ذلك في شهادة ميلاده ، وأن توفر بالسجن دار حضانة ملائمة يوضع فيها الرضع خلال الفترات التي لا يكونون أثناءها في رعاية أمهاتهم .
9 ـ يقوم الطبيب بفحص كل سجين في أقرب وقت ممكن بعد دخوله السجن ، ثم يفحصه بعد ذلك كلما اقتضت الضرورة ، واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعلاجه . وعلى الطبيب أن يقابل يوميا جميع السجناء المرضى ، وعليه أن يقدم تقريرا الى المدير كلما بدا له أن الصحة الجسدية أو العقلية لسجين ما قد تضررت أو ستتضرر من جراء سجنه أو من جراء أي ظرف من ظروف السجن ، وعلى الطبيب أن يقوم بصورة منتظمة بمعانية الجوانب التالية ، وأن يقدم النصح الى المدير بشأنها .
(أ) كمية الغذاء ونوعيته وأعداده .
(ب) مدى أتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن ولدى السجناء .
(ج) حالة المرافق الصحية والتدفئة والاضاءة والتهوية في السجن .
(د) نوعية ونظافة ملابس السجناء ولوازم أسرتهم .
(ه) مدى التقيد بالقواعد المتعلقة بالتربية البدنية والرياضية .
ويضع المدير في أعتباره التقارير والنصائح التي يقدمها له الطبيب ، فأذا التقى معه في الرأي عمد فورا الى أتخاذ التدابير اللازمة لوضع هذه التوصيات موضع التنفيذ ، أما أذا لم يوافقه على رأيه أو كانت التوصيات المقترحة خارج نطاق أختصاصه ، فعليه أن يقدم فورا تقريرا برأيه الشخصي مرفقا بأراء الطبيب الى سلطة أعلى .
10 ـ يكون لكل سجين حق أعلام أسرته فورا بأعتقاله أو بنقله الى سجن أخر .
11 ـ الموقوفون والمحتجزون رهن المحاكمة يفترض فيهم البراءة ويعاملون على هذا الأساس ، ويتمتعون بمعاملة خاصة تتحدد بما يلي :
(أ) يفصل المتهمون عن السجناء المحكوم عليهم .
(ب) يسمح للمتهم بارتداء ثيابه الخاصة أذا كانت نظيفة ولائقة .
(ج) يرخص للمتهم بما يشاء من الكتب والصحف وأدوات الكتابة وغيرها من وسائل قضاء الوقت .
(د) يرخص للمتهم بأن يقوم فورا بأبلاغ أسرته نبأ أحتجازه وأن يستعين بمحام [ii].



الفصل الثاني
الاراء الفقهية

          ويذهب جانب من فقهاء القانون الجنائي الى أنكار فكرة الجزاء برمتها حيث يذهب الاستاذ جراماتيكا وهو احد مؤسسي نظرية الدفاع الاجتماعي الى أنكار الحق بالجزاء أو أنكار الجزاء نفسه فمحور نظرية الدفاع الاجتماعي هو شخصية المجرم بجوانبها الاجتماعية والبيولوجية والسكولوجية . وحيثما لم تعد (( مادية الجريمة )) هي التي تدفع الفاعل بوصفه مركز الثقل في النظرية القانونية فإنه لا يمكن سؤاله بالنظر إلى فعل الجريمة فقط ، ومعاقبته بسبب ذلك الفعل أو الضرر الناتج عنه .                                         
     وهكذا ظهرت ضرورة إلغاء فكرة المسئولية الجنائية المرتبطة بالفعل واستبدل بها فكرة أعم وأقرب إلى الواقع الإنساني والاجتماعي وهي فكرة التكييف الاجتماعي أو مناهضة المجتمع من جانب الفاعل ، وأن إلغاء المسئولية الجنائية وإبدالها بالمناهضة الاجتماعية الذاتية يسستتبع إلغاء العقوبات ( باعتبارها أساسا وسيلة للإرهاب والقصاص ) ومعايير تطبيقها ، كما يستتبع ظهور إجراءات جديدة للدفاع الاجتماعي وقائية وعلاجية وتربوية ، وهكذا نصل إلى تأكيد المبدأ القائل بالأ عقوبة بعد الآن لكل جريمة ، بل إجراء يتكيف تبعا لكل فرد . ففي مجال مكافحة الإجرام يكتفي بسياسة اجتماعية صرفة محورها دراسة شخصية كل منحرف اجتماعيا دراسة شاملة على هدى منطويات العلوم التجريبية لتحديد أسباب انحرافه وتقرير المعاملة المناسبة له بهدف علاجه أو تقويمة وإعداده للتآلف الاجتماعي ، فلا جريمة إذن ولا مجرم ولا عقاب كما هو الحال عند المدرسة التقليدية ، بل لا جبرية ولا انسياق إلى الإجرام ، ولا مرضى أو خطرين كما ذهبت المدرسة الوضعية في رسم سياستها الجنائية ، وإنما هو انحراف اجتماعي لا ينبغي أن تهدر بسببه آدمية الإنسان .                                        
       ولكن الأستاذ جراماتيكا يظل يحتفظ في مذهبه بذكرى من كل من المدرستين التقليدية والوضعية . فعن المدرسة التقليدية السجونية يأخذ فكرة الاهتمام بشخص المجرم لمحاولة تقويمة وتأهيلة اجتماعيا ، وعن المدرسة الوضعية يأخذ فكرة التدابير ونظرية التفريد الملازمة لها كوسيلة لبلوغ تلك الغاية الإنسانية .                                                      
وقد وضع جراماتيكا المبادئ الأساسية الآتية لهذه النظرية : ـ                                      
1 ـ يجب على الدولة أن تأخذ على عاتقها القضاء على أسباب قلق الفرد وضيقه بالمجتمع .   
2 ـ لتحقيق النظام الذي ينشده القانون ، ليس من حق الدولة أن تعاقب بل من واجبها أن تكيف الفرد مع المجتمع .                                                                                     
3 ـ وعملية تكييف الفرد مع المجتمع لا ينبغي أن تتم بوساطة (( الجزاءات )) بل عن طريق إجراءات الدفاع الاجتماعي الوقائية والتربوية والعلاجية .                                         
4 ـ يجب أن يتمشى إجراء الدفاع الاجتماعي مع كل فرد ، وفقا لمقتضيات شخصيته (( مناهضة المجتمع الذاتية )) وليس بالنسبة (( المسئولية )) للضرر الناتج (( الجريمة )) .     
5 ـ تبدأ قضية الدفاع الاجتماعي بتقدير طبيعة ودرجة مناهضة الفرد للمجتمع ، وينتهي ـ قضائيا ـ باختفاء الحاجة إلى تطبيق الإجراء مثلما ينتهي العلاج بشفاء المرضى .               
6 ـ إن عملية تكييف الفرد مع المجتمع تدخل في إطار أوسع لسياسة الدفاع الاجتماعي .         يقول جراماتيكا :                                                                                           
إن العقوبة اليوم ترتبط بالجريمة . والسلطة التقديرية المتروكة للقضاء لتقدير الفاعل محدودة جدا ، فهي تمارس داخل نطاق الحدين الأقصى والأدنى الموضوعين لكل عقوبة ، وعلى أساس بعض المعايير الواردة في أحكام خاصة من القانون كالظروف المخففة .                        
(( والتفريد )) يعتبر في أيامنا مجرد أمنية وطموح ، وغالبا ما يكون سببا لتقدير الظلم البشري أو عدم تناسب العقوبة .                                                                        
فسياسية الدفاع الاجتماعي عند جراماتيكا لا تعتمد في تحديد وسائل الدفاع الاجتماعي على فكرة حرية الاختيار أو الحتمية بل إنها على العكس من ذلك ، تعتمد على ما لدى الفرد من إمكانات ذاتية للانحراف الاجتماعي للتوصل إلى تقرير عدم اجتماعيته . ولعله من الواضح أن نقطة البداية التي اعتمد عليها جراماتيكا في رسم سياسته الجنائية لتلقي الضوء على المعنى الذاتي لفكرة الأهلية في هذه السياسية الجنائية .                                                      
    لقد رفض جراماتيكا مبدأ قانون العقوبات مستبدلا فكرة اللا اجتماعية بفكرة الجريمة ، أي أن العبرة لديه هي بالانحراف الاجتماعي لا بالسلوك الإجرامي . ولما كان البحث في حرية الاختيار أو الحتمية هو أمر لصيق الصلة بفكرة السلوك الإجرامي ، فإن رفض هذه الفكرة يستتبع بطبيعة الحال عدم الحاجة إلى الاستعانة بمبدأ الاختيار أو الحتمية .                        
          ويرفض (( مارك آنسل )) المستشار بمحكمة النقض الفرنسية فقه البروفيسير جراماتيكا الذي يقوم على إلغاء قانون العقوبات ، ويعتبر أن هذا الفكر المتطرف يعدالخطوةالأولى نحو انتحار النظام القانوني الذي يقوم أساسا على حماية حقوق الإنسان .            وقد قدر (( مارك آنسل )) الدوافع الإنسانية التي حملت جراماتيكا على الثورة ضد عقوبة الإعدام أو أي تدبير استئصالي ، وعلى مبدأ الجبرية الوضعي في تفسير ظاهرة الإجرام ، ذلك المبدأ الذي جر الدول التسلطية إلى إهدار آدمية الإنسان في معسكرات الاعتقال والإبادة . ولكنه من ناحية أخرى لم يقنع بأن مأساة الانحراف في تطبيق السياسة الجنائية تستدعي المناداة بإلغاء القانون الجنائي جملة و تفصيلا . وفي نظره أن الدفاع الاجتماعي في اعتماده على قانون العقوبات يرى أن الغرض الأساسي لهذا القانون ليس هو تصحيح الوضع غير شرعي        المترتب على الجريمة .                                                                                 وأنه يتعين معاملة المجرمين وفقا لمنهج ايجابي لا سلبي ، وأنه من الضروري انتهاج موقف إيجابي وأكثر فاعلية . فهو ينادي بعدم انتظار حلول الخطر حتى يجابهه ، وإنما يتعين مواجهة هذا الخطر ومقاومته حتى يختفي إلى الأبد ، وذلك باتخاذ التدابير التي ترمي إلى تأهيل المجرم اجتماعيا ، واستعادته إلى حظيرة المجتمع بمختلف الوسائل العلاجية والتعليمية .                
وتسلم نظرية (( مارك آنسل )) بمبدأ حرية الاختيار كأساس للمسئولية الجنائية على عكس سابقه الذي لم يؤمن بمبدأ الاختيار أو الحتمية .                                                      
وأفكار (( مارك آنسل )) وإن أبقت على الجزاءات الجنائية إلا أنها تصورت أن هذه الجزاءات ليست مجرد شر مقابل للجريمة التي ارتكبها المجرم ، وإنما هي عمل اجتماعي لحماية المجتمع ضد ما يقع عليه من الأفعال الإجرامية ، فهي لا تهدف إلى المعاقبة عن خطأ ما ؛ وإنما إلى حماية المجتمع ضد ما يقع عليه من جرائم .                                                 
وعلى ذلك فإن (( مارك آنسل )) يؤمن بمبادئ ثلاثة لمذهبه (( الدفاع الاجتماعي الجديد )) :  
ويصف مارك آنسل فكرته بأنها اتجاه نحو سياسة جنائية إنسانية ، وهي في حقيقتها لا تعدو أن تكون القانون الجنائي التقليدي مصبوبا في صيغة إنسانية قوامها التركيز مضاعفا على ما سبق أن أوصت به المدرسة الوضعية قبل ثلاثة أرباع القرن ، من ضرورة العناية بفحص المجرم أملا في بلوغ أقصى درجات التفريد في المعاملة الجنائية .                                  
فيكون الجديد عند (( مارك آنسل )) ـ إذن ـ هو إضافة وصف (( الإنسانية )) إلى هذه المعاملة الجنائية إلى القانون الجنائي التقليدي .                                                                  
وقد ذكر البعض بأن أسلوب التفريد الذي تعتمد عليه سياسة الدفاع الاجتماعي الجديد سوف يؤدي إلى تحكم القضاة والمساس بالحرية الفردية ، وذلك لأن قيام هذا التفريد على فكرة الخطورة الإجرامية سوف يسمح بإعطاء كل الحرية للقاضي الجنائي في تقدير مدى توافر هذه الخطورة مما يعرض القضاة للتحكم الذي يهدد حرية الفرد .                                         
إلا أن المستشار (( مارك آنسل )) رد على هذا النقد وغيره في حجج منها :                      
1 ـ أن نظرية الدفاع الاجتماعي الجديدة لا ترفض مبدأ العقوبة كجزاء جنائي .                  
2 ـ الردع العام يتحقق بغير العقوبة فإن حمل المجرم على الحضور أمام سلطات التحقيق والضبط قد يتحقق من ورائه الزجر ، وبقدر ما قلت الثقة بجدوى العقوبة في القضاء على الإجرام في العصر الحديث زادت الثقة في تدابير الدفاع الاجتماعي .                              
وهذا ما يعلل إلى حد ما اشتراط العلانية في المحاكمات الجنائية ، ويبرر كذلك ، القول الشائع بأن الخوف من الشرطة هو بداية التبصر .[iii] 







الفصل الثالث
التطبيقات القضائية
                                                           
         لقد أيدت المحكمة العليا للولايات المتحدة الامريكية الرأي القائل بأنه ليس من حق المسجونين أن يشهدوا على التفتيش . ومع ذلك فالرقابة القضائية على التفتيش داخل السجون تقوم للتأكد من : 1 ـ وجود مبررات مقبولة لهذا الاجراء . 2 ـ طريقة تنفيذ التفتيش . هذه الطريقة يتعين أن تكون أنسانية .
وتبدو أهمية التنصت على المحادثات الخاصة التي تجرى في السجن ، سواء بين المسجون وزميله أو بين المسجون وزائره كوسيلة للكشف عن خطط الهروب من السجن أو الخطط تهريب المخدرات الى داخل السجن أو المساهمة في جرائم ترتكب خارج السجن .
يجب بادئ ذي بدء أيضاح أمرين بالنسبة لهذا الموضوع : الاول : أن المحادثات التي تتم بصوت مرتفع لا تصبح محادثة خاصة وليس لها حرمة الحياة الخاصة التي يحميها الدستور . الثاني : أن المحادثات التي تتم بين المسجون والمدافع عنه لا يجوز أن تكون محلا للتنصت من أي نوع ، سواء عن طريق وجود حارس أو مسجون أخر يعمل مرشدا أو عن طريق وضع وسائل الكترونية في الزنزانة لتسجيل المحادثة بين المسجون والمدافع عنه .
وعن مدى مشروعية التنصت على المحادثات الخاصة التي تجري في السجون في غير الحالتين السابقتين ، قالت المحكمة العليا للولايات المتحدة الامريكية أن السجن ليس مكانا يحمي القانون حرمة الحياة الخاصة للموجودين به . وبناء عليه أجازت المحكمة ، وقد تبعتها في ذلك سائر المحاكم الامريكية ، تسجيل المحادثات التي تجري داخله . بل أن المحكمة الفدرالية الامريكية أجازت وضع (( ميكرو )) داخل الزنزانة لتسجيل محادثات المسجون . وقضى بأنه لا يلزم سبق الاعلان بأن المحادثات الخاصة في زنزانة السجن يمكن أن تخضع للتسجيل . كما قضى بأن تنصت الحارس على المحادثة الخاصة بين المسجون وزائره جائز ، بل أن الحارس له أن يأمر المسجون وزائره أن يتحدثا بلغة يفهمها الحارس ، وألا أنهى الزيارة أو أنهى المحادثة أذا كانت تتم عن طريق الهاتف . كذلك قضى بجواز تسجيل المحادثة بين المسجون الذي يشتبه بارتكابه جريمة داخل السجن والزائر .
وتبدو النتائج التي أليها القضاء الامريكي منطقية ومترابطة ، ذلك أن أدارة السجن لها أن تراقب المسجون داخل الزنزانة من خلال فتحات أعدت لذلك في باب الزنزانة دون أن يعلم المسجون بذلك . وهذا الحق في الرقابة ينتمي الى الادارة أن تمارسه في أي وقت ، ليلا أو نهارا . هذا يدعو الى الاعتقاد بأن الزنزانة ليس لها حرمة المكان الخاص .
يضاف الى ذلك أن المسجون نفسه لا يتمتع بحق في الحياة الخاصة داخل السجن . أية ذلك أن تفتيشه جائز وبشكل دوري بباعث من المحافظة على الامن داخل المنشأة العقابية وبدون أذن من قاض مختص أو عضو للنيابة العامة  التفتيش الاداري . كما أن مراسلاته الخاصة ليس لها حرمة ويمكن أن تفتح من جانب أدارة السجن ، بأستثناء المراسلات التي تجري بين المسجون والمدافع عنه .
أستنادا الى نفس المنطق ، رفضت اللجنة الاوربية لحقوق الانسان دعوى رفعها أحد المسجونين يدعي أن أجباره على ارتداء ملابس السجن يخالف الحق الذي تضمنته الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان في الحياة الخاصة . وقد لاحظت اللجنة ، بحق ، أن حرمة الحياة الخاصة حق تحميه الاتفاقية ولكنه يخضع لقيود يمكن أن يضعها المشرع وفقا للقانون ما دام ذلك ضروريا في مجتمع ديمقراطي لحماية الامن العام أو الصحة العامة أو لحماية المصالح الاقتصادية للبلاد أو لمنع وقوع أضطرابات أو جرائم أو لحماية الأخلافيات أو حماية حقوق وحريات الأخرين . ويعني ذلك بأستخدام تعبير الدستور المصري أن (( لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون )) ( مادة 45  ) ، أي أن القانون يمكن أن يضع قيودا على هذا الحق . وبالمثل فأن الدستور الكويتي نص في مادته 38 على أن (( للمساكن حرمة ، فلا يجوز دخولها بغير أذن أهلها ، ألا في الأحوال التي يعينها القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه )) . كما أن الدستور الكويتي قد نص في مادته 39 على أن (( حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة ، وسريتها مكفولة ، فلا يجوز مراقبة الرسائل أو أفشاء سريتها ألا في الأحوال المبينة في القانون وبالأجراءات المنصوص عليها فيه )) . وأذا كان القانون المصري في شأن تنظيم السجون والقانون الكويتي بتنظيم السجون قد أجازا مراقبة الرسائل وتفتيش المسجون والزنزانة دون أذن بذلك ، فأن هذا يتمشى مع الدستور[iv]  .                                     
والمفرج عنه هو إنسان أخطأ في حق نفسه وأسرته ومجتمعه واقتص المجتمع منه بالحكم عليه بالعقوبة المناسبة ، ولما كان الغرض الأساسي الذي ينبغي أن تهدف إليه أي سياسة إصلاحية سليمة تتمثل في إعادة إدماج المفرج عنه في المجتمع ، وذلك عن طريق العمل على تجنب عودته إلى الجريمة مرة أخرى . وتقع مسئولية ذلك على عاتق المجتمع الذي يجب أن يمده بالمساعدة والتوجيه والتشجيع والرعاية كحق من حقوقه كإنسان ، وفي هذا الإطار سوف نعرض موجزا لفلسفة الرعاية اللاحقة وأهدافها ومبادئها على النحو التالي :
وتستند الرعاية اللاحقة في فلسفتها إلى عدة حقائق هي :
ـ أن المفرج عنهم من السجون يعتبرون قطاعا من البشر دفعتهم ظروف معينة لا رتكاب الجريمة ، ويمكن مساعدتهم لكي يتكيفوا مع المجتمع ، ولكي يصبحوا مواطنين صالحين يشاركون في تقدم المجتمع .
ـ أن أفضل وسيلة لحماية المجتمع من قيام المفرج عنهم بالعود إلى الجريمة هي توفير الإشراف الواعي على أنماطهم السلوكية بصورة تختلف عن مراقبة الشرطة مع منحهم المعونة الأدبية والمساعدة المالية التي تمكنهم من التغلب على مشاكلهم .
ـ أن رعاية أسرة المحكوم عليه خلال فترة العقوبة وبعد الإفراج عنه تعتبر بمثابة إجراء وقائى على درجة كبيرة من الأهمية من أن تدفع الظروف الاجتماعية القاسية أحد أفراد الأسرة إلى دائرة الانحراف .
ـ أن واجب المجتمع لا ينتهي بالإفراج عن النزيل ، وإنما يستلزم الأمر أن يقوم المجتمع من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية بالتأهيل الاجتماعي الفعال داخل السجن وخارجه .
ـ أن الأنماط السلوكية قابلة للتعديل والتغيير إذا ما أتيحت فرص التغيير أمام أولئك الذين يتسمون بالأنماط السلوكية غير السوية .
ـ أن السلوك الإنساني معقد ويكتنفه الكثير من الغموض ، ولا يمكن إرجاعه إلى عمل معين فقط ، ولكنه محصلة التفاعل بين العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية .
وتهدف الرعاية اللاحقة إلى :
ـ إعداد المحكوم عليه سواء قبل الإفراج أو بعد الإفراج عنه لكي يسهل إعادة اندماجه في المجتمع ، وذلك بمحاولة تذليل كافة المشكلات والصعوبات التي قد تواجهه في هذا الشأن .
إعادة التأهيل الاجتماعي للمفرج عنهم ،  وذلك بمساعدته على تعديل اتجاهاته وأنماطه السلوكية ، وأيضا مساعدة الفئات التي لم تحظ بالفرص الاجتماعية والاقتصادية الكافية والتي أدت ظروفهم السيئة المحيطة بهم إلى التردى في السلوك الانحرافى وذلك بتوفير فرص عمل متزايدة أمامهم للرقى بمستوياتهم المادية .
ـ حماية المجتمع من العودة إلى الجريمة ذلك لأن الرعاية اللاحقة تعتبر التنمية الطبيعية لجهود التهذيب والتأهيل التي بذلت أثناء التنفيذ العقابي ، وهذا من شأنه تقليل معدلات الجريمة وبالتالي صيانة الأمن الاجتماعي والحفاظ على ممتلكات المواطنين وسلامتهم البدنية .
ـ التأهيل المهنى للمحكوم عليهم داخل السجن ولمن يرغب من أفراد أسرهم خارج السجن ، وبذلك تحفظ للمفرج عنه كرامته بممارسة حياة سوية والعمل على تهيئة فرص العمل الشريف لهم حتى لا يؤدي عدم إشباع الاحتياجات الأسرية إلى انزلاق قدم أحد أفراد الأسرة في دائرة الانحراف . 
  وللرعاية اللاحقة مجموعة من المبادئ تستند اليها وهي :
أ ـ مراعاة صالح المجتمع وصالح المفرج عنه في نفس الوقت ، لذلك يجب ان تبدأ منذ بداية العقوبة في المؤسسة العقابية .
ونجد ان المادة 16 من اللائحة الداخلية للسجون المصرية تنص على ان (( يخصص لكل مسجون سجل يتضمن بحثا شاملا عن حالته من النواحي الاجتماعية والطبية والنفسية وما يطرأ عليه من تحسن او انتكاس . ويسجل هذا البحث وكذا ابحاث التتبع في استمارات خاصة مع مراعاة الاحتفاظ بسرية هذه الابحاث سرية تامة )) .
ب ـ تحقيق الجانب الاكبر من الرعاية اللاحقة خلال فترة السجن ، والوقت السابق مباشرة على الافراج . ويجب ان تتميز مرحلة المعاملة السابقة على الافراج بالتدريج طبقا لما يرد على شخصية المحكوم عليه من التطوير ، كما يجب الاجتهاد في الكشف للمحكوم عليه عن طبيعة الحياة التي تنتظره عقب الافراج .
ج ـ يراعى انتقاء العنصر البشري القائم على الرعاية وموالاته بالتدريب المستمر لرفع كفاءته حيث ان الرعاية اللاحقة تقوم على اساليب عملية فهي تعتمد مثلا على البحث الاجتماعي وتقرير المعاملة والتوجيه والاشراف . ويلزم حسن اختيار من يقومون به . لذلك يجب ان تستند عمليات الرعاية اللاحقة لاشخاص مؤهلين متخصصين ومدربين على اساليبها الحديثة .
ونجد ان المادة 18 من اللائحة الداخلية للسجون تنص على ان (( يقسم العمل بين الاخصائيين الاجتماعيين في السجن على النحو التالي :
ـ اخصائي اجتماعي او اكثر لبحث الحالات .
ـ اخصائي اجتماعي للعمل مع الجماعات .
ـ اخصائي اجتماعي للرعاية الخارجية عن طريق الاتصال بالهيئات والمؤسسات المختلفة .
والحقيقة ان الاصل في الرعاية اللاحقة ان تكون عامة تمتد الى جميع المفرج عنهم ،ولكن الاصل العام ترتبط به مجموعة من الاعتبارات اهمها ما يتطلبه ذلك من الجهد والمال ما يصعب على المجتمع توفيره في صورة مجدية لكل مفرج عنه فضلا على ان بعض المفرج عنهم قد لا يكونون في حاجة اليها ، كما ان البعض الاخر قد يسيئون استغلال المزايا التي تخولها هذه الرعاية لهم .
ونجد ان حقوق الانسان متمثلة في قواعد الحد الادنى لمعاملة السجناء والتي اقرها المؤتمر الدولي الاول لمكافحة الجريمة ومعاملة المذنبين (( جنيف 1955 )) تفرد ثلاث قواعد اساسية لبرنامج الرعاية اللاحقة هي :
قاعدة 79 وتنص على انه (( يجب ان يوجه اهتمام خاص نحو المحافظة على صلات المسجون بأسرته وتحسين هذه الصلات وفق ما تقتضيه مصلحة الطرفين )) .
القاعدة 80 وتنص على انه (( يجب ان توجه العناية اعتبارا من تنفيذ العقوبة الى مستقبل المسجون عقب الافراج عنه . كما يجب ان يشجع ويساعد على توطيد صلاته بالاشخاص او الهيئات الخارجية التي عليها افادة مصالح أسرته وتأهيله اجتماعيا او انشاء صلات من هذا القبيل )) .
القاعدة 81 وتنص على انه :
أ ـ يجب على المصالح والهيئات الحكومية وغير الحكومية التي تعنى بمساعدة السجناء المفرج عنهم لاعادة اندماجهم واستقرارهم في المجتمع ان تكفل بقدر الامكان تزويدهم بالمستندات واوراق اثبات الشخصية الضرورية لهم وحصولهم على المساكن والعمل والملابس اللائقة والمناسبة لحالة الطقس والموسم وكذلك الوسائل اللازمة لوصولهم الى حيث يرغبون في الاقامة ، وتهيئة من يقوم بأمرهم خلال الفترة التالية مباشرة للافراج عنهم .
ب ـ يجب ان يكون للممثلين المعتمدين من هذه الهيئات حق دخول المؤسسات والاتصال بالسجناء . كما يجب ان يؤخذ رايهم في مستقبل المسجون منذ بداية تنفيذ عقوبة .
ج ـ من المرغوب فيه ان يتمركز نشاط مثل هذه الهيئات او يتسق على قدر المستطاع حتى يمكن استغلال جهودها على احسن وجه .
وتبدأ الرعاية اللاحقة منذ بدء تنفيذ العقوبة في المؤسسة العقابية وتحقق خدمات الرعاية اللاحقة مجموعة من الوظائف الاجتماعية تتمثل في :
أ ـ اعادة التأهيل الاجتماعي للمفرج عنهم وذلك لمساعدتهم على تعديل اتجاهاتهم وانماط سلوكهم .
ب ـ رعاية اسر السجناء ( الزوجة و الابناء ) حتى يستطيعوا مواصلة الحياة الكريمة دون الاحساس بالمرارة على ما وصل اليه عائلهم ويجب ان يكون ذلك النتيجة الطبيعية لجهود التهذيب والتأهيل التي بذلت اثناء تنفيذ العقوبة داخل المؤسسة العقابية . وهذا شأنه التقليل من معدلات ارتكاب الجرائم وبالتالي صيانة الامن الاجتماعي والحفاظ على ممتلكات المواطنين وسلامتهم البدنية .
وهذا الدور للرعاية اللاحقة في منع او تقليل نسبة العودة الى الجريمة يفوق في الاهمية دور جهود الشرطة وغيرها من الوقاية من الاجرام لاول مرة ، وذلك لان المجرم العائد هو اشد خطورة من الشخص الذي يرتكب الجريمة لاول مرة .
مساعدة المفرج عنهم للتواصل الى وسيلة للكسب المشروع مع التأكيد على التزامهم بالسلوك القويم ، والابتعاد عن الانشطة الاجرامية ، مما يحقق البعدين الامنى والاجتماعي وذلك عن طريق تهيئة فرص العمل الشريف للمفرج عنهم وتوفير فرص الكسب الشريف للقادرين من افراد اسرهم حتى لا يؤدي عدم اشباع الاحتياجات الاسرية الى وقوع احد افراد الاسرة في دائرة الانحراف .
التأهيل المهنى للمفرج عنهم داخل السجون ولمن يرغب من افراد اسرهم خارج السجن وبذلك تحفظ للمفرج كرامته ومعاونته على ان يندمج مرة اخرى في مجتمعه كما يؤدي ذلك الى زيادة القوى العاملة المدربة بالمجتمع مما يزيد معدلات التنمية ويزيد الانتاج .
فخدمات الرعاية اللاحقة تسعى جاهدة الى اعادة التأهيل الاجتماعي للمفرج عنهم لحماية المجتمع .[v]




























21 ـ اللجنة الدولية للصليب الاحمر ، مصدر سبق ذكره ، ص18 .                                                                                   
22 ـ د .محمد بشير الشافعي ، مصدرسبق ذكره ، ص 244ـ246 .                                                                                      
2323 ـ د . احمد فتحي بهنسي ، موقف الشريعة من نظرية الدفاع الاجتماعي ، ط2 ، دار الشروق ، القاهرة ، 1980 ، ص17 .       
، مدى حق المسجون في حرمة الحياة الخاصة ، مجلة الحقوق  ، العدد 1 و 2 ، الكويت ، 1993 ، ص308       24 ـ د . غنام  محمد 
[v] 25 ـ د . سيد محمدين ، حقوق الانسان والرعاية اللاحققة  ، القاهرة ، 2006 ، ص70 ـ 75 .                                              

تعليقات