الحياد الإنتخابي للإدارة العامة كآلية لمكافحة الفساد
مداخلة من إعداد: أ. رمضان قنفود
مقدمــة:
لكي يؤدي هيئة الناخبين حقهم في التصويت بحرية كاملة يلزم أن تكون السلطة
الحاكمة التي تديـر عمليـة الإنتخاب في حياد تام ، فلا تمارس أي ضغوط على أفراد
الناخبين أو تجامل الحزب الحاكم لإنجاح مرشحيه مستخدمة في ذلك إمكانات الدولة
البشرية والمالية من أجل الحد من قدرة الأحزاب المعارضة التي تنعكس على إرادة
الناخبيـن خاصة في الدول المنتشرة فيها الأمية والدول الفقيرة ، والدول التي لم
تتمكن فيها كل المبادئ الديمقراطية من الإنتشار بين أفراد الشعب (1)، لأنه في مثل
هذه الدول تعتبر شعارا تتناولـه وسائل الإعلام المختلفة دون تطبيق ،وظاهرة تدخل االحكومة
لإنجاح مرشحيها منتشرة في كثير من دول العالم
الأمر الذي يـجعل أحزاب المعارضة تنادي بوجوب وجود هيئات دولية من طرف الأمم
المتحدة تشـرف على الإنتخابات ضمانـا لـحيـاد الحكومة .
ولذلك كل التشريعات تـحذر من وسائـل الضغط على إرادة الناخبين وتوقـيع
العقوبات الرادعـة(2) .
ان عمليـة
تدخل الحكومة أو السلطة الحاكمة للتأثير على إرادة الناخبين من أجل إنجاح مرشحي
الحزب الحاكم لـكي تستمـر الحكومة في الحكم وتحظى بثقة الشعب يجعل الكثير من
الناخبين يمتنعون عن الإشتراك في التصويت مفضليـن البعد عن المشاركة في الحياة
السياسية – وحتى لو تعرضوا لدفع عقوبات مالية أو غيرها حرصا علـى حريتهـم الشخصية
وعدم خضوعهم لرغبات الآخرين حتى ولو كانت من
ــــــــــــــــــــــ
(1) تنص المادة 23 من الستور الجزائري لسنة 1996 المعدل
والمتمم ( عدم تحيز الادارة يضمنه القانون ) ، وتنص المادة 03 من القانون العضوي رقم 04 ـ 01 المؤرخ في 07 فبراير سنة 2004 ( تجري
الاستشارات الانتخابية تحت مسؤولية الادارة التي يلتزم اعوانها التزاما صارما
بالحياد ) .
(2) تنص المادة
209 من قانون الانتخابات الجزائري
( يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة وبغرامة من خمسمائة (500 دج) الى الف
(1000 دج) كل من حمل ناخبا او اثر عليه او حاول التأثير على تصويته مستعملا
التهديد سواء بتخويفه بفقدان منصبه او بتعريضه هو وعائلته او املاكه الى الضرر..)
طرف السلطة الحاكمـة (1).
وتستغل السلطة الحاكمة وسائل الإعلام المتعددة للدعاية لمرشحيها وتستخدم
إمكانات هذه الوسائـل الماديـة والبشرية وتنشر إنجازات الحكومة خلال الفترة
السابقة لكي تقنع أفراد الشعب بدورها الـهام ، ومـما لا شك فيه أن باقي الأحزاب
خاصة أحزاب المعارضة لا تستطيع أن تنافس الحزب الحاكم في وسائل الدعاية المتعددة ،
مما يترتب عليه الإخلال بـمبدأ المساواة في الدعاية الانتخابية (2) ، وهذا ما يجعل
غالبية آراء رجال الفقه يقرون أن حياد الحكومـة التي تشرف على الانتخابات يعتبر
وهما زائفا لأن مجرد وجود الحزب في السلطة يعد دعاية كافية لتعريف الناس بـه وهذا
ما أكده رئيس وزراء فرنسا سنة 1831 أن هناك فـرق شاسع بين ما ينبغي على الحكومة في
إدارة الانتخابات بـحيدة تامة دون تمييز بين الأحزاب السياسية المختلفة وبين تطبيـق
هذا المبدأ بالفعل أن الحكومة التي يفترض أنـها تدير الانتخابات بـحياد تام ترغب
هي الأخرى في الحفاظ على السلطـة والحصول على ثقـة الشعب ، لأن لديها قناعة بأن
برامـجها لتحقيق الإصلاح أفضل من سواهـا وأن وجودها في السلطة لفترة زمنية معينة
قـد كفل لهـا الخبرة والقدرة على تحقيق خيـر الوطــن (3) .
ان هذا الموضوع يعالج بعض ما سبق من مظاهر
الانحياز الذي تكون عليه الادارة العامة او الحكومة القائمة ابان الانتخابات مما
يؤدي الى عدم تحقيق النتائج الحقيقية للزخم الانتخابي والتعبير الحر عن ارادة
الامة، وبالتالي يفتح الباب واسعا امام الفساد خاصة السياسي منه والاداري.
وترتيبا على ما سبق قسمنا الموضوع الى
محورين يتعلقان على الترتيب بــ :
اولا :وسائل الحكومة في التأثير على حرية
الناخبين.
ثانيا :الضمانات المطلوبـة للحيــاد الحكومي.
ـــــــــــــــــــــ
(1) علي عبد القادر مصطفى، ضمانات حرية الافراد في الانتخابات،
جامعة الازهر ،1996 .ص 126
(2) تنص المادة 175/2 من قانون الانتخابات الجزائري ((
..يكون لكل مترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية قصد تقديم برنامجه للناخبين،
مجال عادل في وسائل الاعلام التلفزية والاذاعية...)
(3) راجع الدكتور/ عمر حلمي فهمى ،الانتخابات وتأثيره في
الحياة السياسية والحزبية والمراجع التي أشار إليها ص : 260 .
1 ـ وسائل الحكومة في التأثير على حرية الناخبين:
لا شك أن السلطة الحاكمة تعمل جاهدة من أجل فوز الحزب الذي تنتمي إليـه
بأغلبية عدد المقاعد في البرلمان من أجل استمرارها في الحكم ، ولذلك تبذل أقصى جهد
في سبيل ذلك وتستخدم كل الوسائل التي توصلهـا إلـى أهدافها وهــي تتمثـل فيما
يلــي (1):
1 ـ 1 – التأثير على الموظفين ـ بالقهر الإداري ـ :
وحيث ترتبط الدولة بعلاقات مع موظفيها بـما يسمى
بالولاء السياسي لحزب ما ، فتعيــن في الوظائف القيادية الموظفين المنتمين إلى
الحزب والذين يعملون بجدية داخل الحزب ويلتزمون بتوجيهاته (2) وكل من ينحرف عن
مبادئ وتوجيهات السلطة الحاكمة فإنه يتعرض للإيذاء في عملـه إما بالنقل أوالفصل ،
وعلـى ذلك تقوم الحكومة بتوجيه الموظفين لمساعدة المرشحين المنتمين للحزب الحاكـم
.
وتظهر هذه الظاهرة في النظام الأمريكي حيث تطبق الولايات المتحدة الأمريكية
في قوانينها نـظام الغنائـم أوالاسلاب في الوظيفة العامة للحزب الفائز في
الانتخابات على من ينتمون إلى الحزب أو يسهمون في نجاح أعضائــه و على ذلك فإن
الحزب الحاكم يقوم بفصل الموظفين المعارضين لـه في الإنتخابـات وتعيـين القيـادات
الإدارية من أنصاره دون أي شروط غير الإخلاص والولاء التــام للحزب (3)
ــــــــــــــــــــ
(1) علي عبد القادر مصطفى، ضمانات حرية الافراد في
الانتخابات، المرجع السابق .ص 129
(2) ومن أجل تأكد الحكومة من ولاء هؤلاء الموظفين سياسيا
لها تقوم بإنشاء أجهزة سرية لمتابعة أراء وسلوك وتصرفات الموظفين حسب توجيهاتهم
وتعليمات الحزب وتنتشر هذه الصـورة بطريقة كبيرة في الدول الاشتراكية التي تؤمن
بالفكر الاشتراكي وتعتبره مذهبـا سياسيــا .
(3) راجع الدكتور / محمد حسنين عبـد الـعال الإدارة
العامــة طبعة 1981 ص 35 والدكتور حمدي أمين عبد الهادي نظريـة الكنايـة في الوظيفـة العـامة – ص 46
ويتضح
من ذلك أن جميع النظم السياسيـة على اختلاف أساليـبها تحرص على تعيين أنصارها في
الوظائف الإدارية المحلية على اختلاف مستويـاتـهـا . (1)
1
ـ 2 – السيطرة على وسائل الإعلام :
حيث أن القيادات الإعلامية المتعددة تكون تابعة للحزب الحاكم ومن أنصاره فتعمل
جاهدة على إبراز إنجازات الحكومة التابعة للحزب لتشجيع هيئة الناخبين على مناصره
مرشحي الحزب مما يترتب عليه عدم المساواة في الدعايـة وعدم المساواة بين المرشحين
في الدعاية الانتخابية ، وقد توحى إلى أنصارها بتمزيق إعلانات باقي المرشحين الذين
لا ينتمون للحزب الحاكـم .
ومما يذكر في ذلك ما جرى عليه العمل في فرنسا – منذ عهد ديغول – بقيام رئيس
الجمهورية – وهو رجـل حزبـي – بتوجيه خطاب سياسي للأمة عن طريق الراديو والتلفزيون
قبل انتهاء الحملة الانتخابية وعشية الانتخابات حتى لا تكون أمام أي مرشح للتعليق أو
الرد على ما جاء في الخطاب ، وكذلك القيام بجولات انتخابية في مواقع كثيرة ،كذلك
رئيس الوزراء ، والوزراء الذين يقومون بجولات مماثلة ويعرضون انجازات خلال فترة
عملهم كل هذا من أجل التأثير على إرادة هيئة الناخبين لإنجاح مرشحي الحزب .
وقد وجهت اتهامات للحكومة الفرنسية (2)
لمحاباتها للرئيس " جيسكار ديستان " عندما قامت بتعيين
ــــــــــــــــــــــــ
(1) تستند
الحكومة في تنفيذ رغباتها في اسنـاد الوظائـف القياديـة على أنصارها إلــى نصوص
دستورية بحيث أن الدول التي تأخـذ في دستـورها بالمبادئ الديمقراطيـة التي تنص على
شغل الوظائف القيادية بالانتخاب وهم حكـام الولايـات وقيـادة الإدارة المحلية
فتتدخل الأحزاب الحاكمة مـن أجـل مناصـرة مرشحيهـا ضمانا لتأييدهم فـي الانتخابات
الرئاسية والتشريعية مثل ما هو متبع في أمريكا وفي كثير من الدول .
(2) وقد ظهر الاتهام علانية حيث
قام " السيد جاك شيراك " بتوجيه الاتهام صراحة لجهاز التلفزيون وقد نشر
هذا الاتهام في جريدة لوموند بتاريخ : أول ابريل 1981 حيـث أعلن أن التنافس بين
المرشحين لا يتم وفقا لأي قواعد أخلاقية أو ديمقراطية كمـا وجهت اتهامات أخرى
للتلفزيون بأنه قد زور حرف أقوال وجعلها موجهة إلى ميتران مع أنها كانت مقصود =
أنصاره على القنوات الرئيسية في التلفزيون والراديو ، واختيار نخبة من
الصحفيين الموالين للحكومة للإشراف على المناظرات الحزبية مـما كان له أثر واضح في
التأثير على إرادة الناخبيـن .
1 ـ 3 – المساعدة الماديـــة والفنــيـة :
أن تقوم الحكومة بمساعدة مرشحي الحزب الحاكم عن طريق المساعدات المادية من
المصاريف السرية التي تحصـل عليها من ميزانية الدولة كما تضع السيارات الحكومية
تحت تصرف مرشحي الحزب الحاكم لنقل الناخبين لأماكــن دوائرهم والجولات الانتخابية (1)،
بالإضافة إلى ما تقوم بـه الحكومة من إصدار قوانين وقرارات من شأنها التيسيــر على
الناخبين لتأييدهم لمرشحي الحزب الحاكم ، وهذا ما قامت بـه " مارجريت تاتشر
" رئيسة الوزراء البريطانيـة السابقة
من تـخفيض ضريبة الدخل من 29 %
إلى 27 % وهذا يعني أن الدولة قـد تنازلت من جزء من ميزانيتها للمواطنين
تقدر بنحو أربعة آلاف مليون جنيه استرليني بمتوسط 80 جنيه لكل فرد يستوي في ذلك
الرجـل والمـرأة والطفل ، وهذه الأنباء تقوم بإعلانها
غالبية الحكومات
كدعاية انتخابية لمرشحي الحزب الحاكم (2) وضمانا لـحيدة الحكومة فإنها يجب عليها
أن تمتنع عن هذه المؤثرات التي يكون لـها أثـر في نفوس الناخبين ، لأنها تـخل
بمبــدأ المساواة والتكافـؤ في الدعاية الانتخابية التي بـلا شك يكون لـها أعظم الأثر في توجيه هيئة
الناخبين إلى مرشحين تقصدهم الحكومة مـن وراء هـذه الأعمال من وراء هذه الاعمال
وهم دائما مرشحي الحزب الحاكم ضمانـا لاستمرارهـم في البرلمان .
ـــــــــــــــــــــ
= بها " ديستان " حديث
نشر في جريدة لوموند في فبراير 1981 راجع الدكتــور/ عمر حلمى فهمى السابق ص 267
والمراجــع التي أشار إليها
(1) م 179 ( يمنع استعمال الممتلكات او الوسائل التابعة
للشخص المعنوي الخاص او العمومي او المؤسسات او الهيئات العمومية الا اذا نصت
الاحكام التشريعية صراحة على خلاف ذلك.)
م 180 ( يمنع استعمال اماكن العبادة ومؤسسات التعليم
الاساسي والثانوي والجامعي ومراكز التكوين المهني ،وبصفة عامة اية مؤسسة تعليم او
تكوين عمومية او خاصة لاغراض الدعاية الانتخابية باي شكل من الاشكال )
(2) راجع في تفصيل ذلك
الدكتور / عمر حلمى فهمى – الأسبق – 229
2 ـ الضمانات المطلوبـة للحيــاد الحكومي:
مـما لا يشك فيه أن أهم الضمانات التي تجعل الأفراد يمارسون حريتهم الكاملة
في الاختيار ويقبلـون علـى صناديق الانتخاب دون تعرضهم لأي مؤثرات من طرف السلطة
الحاكمة أو المرشحين وجود حكومة محايدة مهمتها الاشراف فقط على عملية الانتخاب ،
أي حكومة مؤقتـة وإذ لم يتيسر هذا الأسلوب فيمكن انتداب لجان متعددة من الأمم
المتحدة تتولى الاشراف بجانب الهيئات القضائية على عملية الانتخاب حتى نضمن الحياد الكامل ويطمئـن أفراد الشعب
على أنفسهم وعلى اختيارهم ، وقد قامت لجنة من الجامعة العربية بالاشراف على
انتخابات الرئاسة في الجزائر التي تمت في فبراير 1995 وحصل فيها زروال على أغلبية
61 % (1)،وكذا انتخابات الرئاسة لسنة 2009 (2)
وإذا كان من المتعسر اللجوء إلـى الضمانات السابقة لأن بعض الدول قد تستشعر
منها حساسية التدخل في شؤونـها الداخلية أو الشك في حيــدة سلطاتـها العامة فإنه
يمكن وضع الضمانات أخرى تتمثل في ما يلـي :
2 ـ 1 – تشريعات دستورية وعادية:
تكفل ضمانات حرية الأفراد في الاختيار
والذهاب إلى صناديق الاقتراع دون تعرضهم لأي مؤثرات من طرف السلطة الحاكمة أو أي
من طرف آخر يكون لـه مصلحة في فوز أحـد المرشحين أو مجموعة من المرشحين ، ومن ذلك ما اشارت اليه المادة 207 من قانون الانتخابات الجزائري التي قضت بانه
( تطبق العقوبات المنصوص عليها في المادة 129 من قانون العقوبات على كل من قدم
هبات او وصايا نقدا او عينا او وعد بتقديمها وكذلك كل من وعد بوظائف عمومية اوخاصة
اوبمزايا اخرى خاصة قصد التأثير على ناخب اوعدة ناخبين عند قيامهم بالتصويت ،وكل
من حصل او حاول الحصول على اصواتهم سواء مباشرة اوبواسطة الغير،وكل من حمل او حاول
ان يحمل ناخبا او عدة ناخبين على الامتناع عن التصويت بنفس الوسائل ،وتطبق نفس
العقوبات على كل من قبل او طلب نفس الهبات او الوصايا او الوعود ).
ــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مجلة السياسة الدولية عدد رقم : 123
يناير 1996 ص 362 وتعتبر هـذه الانتخابات في الجزائر أول مرحلة يتم فيها اختيار
رئيس الدولة في ظل التعددية الحزبية حيث حصل المرشح الآخر نحناح على 25 % من الأصوات وسعدي على 09 % وبوكروح على04 %
(2) حيث فاز فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
بنسبة اكثر من 90%
وإذا كان قانون الانتخابات في الجزائر لسنة 1997 قد تعدل عدة مرات وأدخل
عليه بعض المواد التي تعالج بعض الثغرات فما زال هناك بعض الثغرات تحتاج إلى
مواجهة بتشريع حاسم وما زالت الضمانات الخاصة بحرية الافراد في الاختيار غير وافية
مما يجعل هيئة الناخبين لا تقبـل علـى الانتخبات وتفضل الغياب خوفـا من الاعتداء
عليها أو عدم احترام رغبتها في الاختيار .
2 ـ 2 – المساواة الكاملة في الدعاية بين
جميع فئات المرشحين:
مما
يكون له أثر على حرية الأفراد في الاختيار فيجب إعطاء الفرصة لكل حزب أو مرشح بأن
يمارس دعايته دون التعرض للآخرين بالاساءة أو الاستغلال النفـوذ من جانب الشخصيات
الموالية للسلطة العامة والتي تمارس ضغوط على الأفراد سواء في مجال عملها أو في
إظهارانجازات غير حقيقية أو الوعود بأشياء غير متوقعة من أجل تعبئة الجماهير لصالح
السلطة العامة.
2 ـ 3 – الثقافة السياسيـة والوعي الوطني:
من أهم ضمانات الانتخابات لأنها تتعلق
بالمسؤوليـة في الاختيار (1) فاختيار شخص غير صالح يؤدي إلـى الإستبداد والفساد ،
فالثقافـة هي المعيار حيث الناخب
ـــــــــــــــــــــــ
(1 ) الدول النامية التي تتفشى فيها الأمية بصورة
وبائية تجعل من ثلاثة أربـاع شعوبها أو ما يزيد جهلاء ينزل بهم الفقر والجهل
ما دون مستوى البشر د عبد الحميد متولي
نظرات في أنظمة الحكم في الدول النامية – اسكندرية 1985 ص 407 . ويلاحظ أن الدساتير
الجزائرية ومنها الحالي نصت على أن التعليم حق تكفلة الدولة وهو إلزامي في المرحلة
الاساسية
كذلك تنص المادة
53 من الدستور إلى أن التعليم مجاني حسب الشروط التي يحددها القانون في مراحلة
المختلفة ومع هذه النصوص الدستورية والتشريعية التي توجب التعليم وتقضي على الجهل
فإن الإحصائيات تشير إلى نسبة الأمية المعتبرة ومما يؤكد ذلك أن قوانين الانتخابات
المتعددة توجب أن يكون لكل مرشح في الانتخابات رمز مثل الهلال – بيت – مركب ––
سيارة حتى يستطيع الناخب الأمي التعرف على المرشح الذي يريد أن يعطيه صوته
ولو كانت التشريعات الدستورية منفذة بدقة
يستطيع التمييز بين المرشحين ويختار أفراد
يعلمون لـلصالح العام أولا ، لأن مصلحة الدولة فوق كل اعتبار ولا يقدر هذا الجانب
إلا أفراد يتميزون بالكفاءة والتعليم والـمقدره الحقيقة في الاختيار دون أهواء أو
مجاملات على حساب مصلحة الدولة أو الحصول على أموال أو مناصب دون وجه حق كل هذا
يرتبط بالوعي السياسي والتربية السياسية للمواطنين سواء بانضمامهم إلـى أحزاب
تـتولى تـوعيتهم وتدريبهم على الممارسة السياسية أو في ظل جمعيات أو هيئات مشروعة
تمارس أنشطة وطنية ، أو في ظل نوادي ثقافية أو اجتماعية أو رياضية تجعل الأفراد
يتعرفون عن قرب على الشخصيات التي يمكن ترشيحها .
2 ـ4– نظم انتخابات واضحة :
يستطيع الأفراد فهمها واستيعابها بسهولة ويسر والبعد عن النظم المعقدة التي
تجعل الأفراد يحتارون فـي اختيـار أفرادها كما أن لجنة الفوز ومعظمهم غير متخصصين
في دراسة نظم الانتخابات المختلفة يحتاجون أيضا إلى أن تكون عملية الفرز واضحة
وسهلة خاصة أن الفترة التي يقومون بها
محدودة ومطلوب منهم تجهيز نتيجة الانتخابات في أقرب فرصة حتى لا تتدخل عوامل تؤدي
إلى الغش والتزوير في الانتخابات ، وهذا الأمر لا يمكن حسمه إلا عـن طريـق
الانتخابات الفرديــة ، خاصة البيئة التي نعيش فيها ، ومعظم هيئة الناخبين من
الأميين سياسيا وعلميا (1).
كذلك مثلا نظام القائمة ( القائمة الحزبية )
التي عارضها كبار أساتذة القانون الدستوري في فرنسا على أسـاس أن الناخب لا يستطيع
أن يفهم برنامج الحزب الذي يعطيه صوته ، وهـذا مــا ذكره الاستاذ
ـــــــــــــــــــــــ
لانحصرت
الأمية. راجع في تفصيل ذلك الدكتورة سعاد
الشرقاوي والدكتور عبد الله ناصف / نــظم الإنتخابات في العالم وفي مصر ص 37 – 38
والدكتور عبد الحميد متولي : نظرات في أنظمة الحكم في الدول النامية – الطبعة
الثانية 1992 – مشأة المعارف الاسكندرية ص 194. 195. 196.
(1) علي عبد القادر مصطفى، ضمانات حرية الافراد في
الانتخابات، المرجع السابق .ص 134
العلامـة ( بارتلمى ) حيث يقول الواقع أن
أقلية ضئيلة هي التي تفهم البرنامــج (1) .فإذا كانت الدول تعتبر أن المقارنة
والمفاضلة بين برامج الأحزاب يعد من الأمور المستحيلة الفهم (2) وإذا كان الغالبية
العظمى من الناخبين في الدول النامية يفاضلون في الاختيار بين الشخصيات الحزبية
والشعبية دون النظر إلـى برامجهم وأهدافهم أو اتجاهاتهم ، إلا أن التطور الحضاري
في المستقبل القريب سوف يشهد تطورا كبيرا في مجال البرامج السياسية التي يجب أن
تكون واضحة ومفهومة لدى جميع الناخبين (3) كما تشهد نظــم نظم الانتخابات أيضا في
العصر الحديث استخدام الكومبيوتر في فرز الأصوات وإعلان الفائزيـن .
2 ـ5 ـ الرقابة القضائية على عملية
الانتخابات
ان استقلال القضاء هدف خالد يسعى لتحقيق العدالة
في المجتمع ، نادت به المجتمعات والشعوب الحرة، التي وقفت بوجه الاستبداد
والطغيان، لتشيد بدلا من الأنظمة الشمولية مؤسسات القانون، فأصبحت العدالة صِنوَّ
القضاء المستقل الذي اقترن بها، وعند التأمل في النظام الدستوري والقانوني لأي
دولة في العالم
ــــــــــــــــــــــ
(1) راجع
في تفصيل هذا الموضوع الدكتور/ عبد الحميد متولى – نـظرات في أنظمة الحكم في الدول النامية السابق
ص 489 ن . 490. 191 –
(2 ) تعنبر
انجلترا من الدول المتقدمة في مجال الوعي السياسي بالنسبــة لجمهـور الناخبيـن فالناخب
عندما يدلي بصوته فإنه يختار برنامج معين ( أي سياسة معينة ) والبرنامج الذي يقدمه
الحزب يلزم به عند فوزه في الانتخابات لأن الجماهير سوف يحاسبونه حسابا عسيرا اذا
لم ينفذ برنامجه السياسي راجع بيـرد – القانون الدستوري والأنظمة السيباسية طبعـة 1976
. 245 ، 247 والدكتور / عبد الحميد متولى – نظرات في أنظمة الحكم فـي الدول
النامية السابق ص 251 .
(3) يلجأ بعض المرشحين وكذلك الأحزاب السياسية في
استخدام وسائل لإبهار وإخفاء الحقائق عن طريق وضع برامج معقدة في السياسة
والاقتصاد والقانون يحتاج فهمها ومتابعتها والمفاضلة بينها إلى متخصصين متعمقين في
هذه الأبحاث وذلك من أجل عدم محاسبة من يقومون بهذه الوسائل لعدم فهمهم لها خاصة
وأن معظم هيئة الناخبين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية أو ممن يرتبطون بنظام سياسي
معين . راجع الدكتورحسن شحاتة سعفان التلفزيون والمجتمع ص 201 طبعة القاهرة 1962
والدكتور عمر حلمى فهمى ، المرجع السابق ص 46. 47.
المتحضر، نجدها تجتمع وتلتئم على مبدأ " استقلال
القضاء "، حتى أضحى مبدأً دستورياً وحقاً أصيلاً يرتبط بحماية حقوق الإنسان ،
حتى الدول ذات الأنظمة الشمولية، أصبحت تنادي به دفعاً للاستنكار الدولي.
وفي دولة القانون والمؤسسات يتمتع القضاء
باستقلالية عن بقية السلطات
وذلك استنادا إلى مبدأ دستوري هو مبدأ الفصل بين السلطات ويعتبر هذا المبدأ من مقومات النظام الدستوري ولا يمكن للقضاء أن
يحقق العدالة وتطبيق وتفسير القانون دون هذه الاستقلالية، غير أنه في ظل الحكم
الفاسد القائم على تحكم السلطة التنفيذية بالسلطتين التشريعية والقضائية وغياب الفصل بين
السلطات والمشاركة والشفافية والمساءلة فان القضاء لا استقلالية له ، ويكون القضاة
موظفين وتتحول المحاكم إلى دوائر خاضعة لسطوة السلطة التنفيذية مما يجعل القضاة عرضة
لممارسات الفساد وتهتز الثقة بالقضاء. إن ظاهرة الفساد المالي
والإداري في المؤسسات الحكومية يمكن أن تأخذ مساحة واسعة وتبلغ مستوياتها في ظل
انعدام استقلالية القضاء فمن أسباب تفشي جرائم الفساد هو ضعف الجهاز القضائي وعدم
استقلاليته مما يؤدي إلى تأخير وعدم حسم قضايا الفساد جزائيا، ويلعب
القضاء دورا أساسيا في تحجيم جرائم الفساد ومراقبة مظاهره ، وهو يشكل قوة رادعة وضرورية
لتعزيز فعالية العملية القانونية في مكافحة الفساد . والفساد إذا ما لحق الجهاز
القضائي فان ذلك يعد سببا رئيسا في تفشي الفساد إلى جميع قطاعات الدولة
ودافعا لانتشاره في جميع المرافق العامة والفساد الذي يلحق الجهاز القضائي يسبب
انهيارا لقيم العدالة ولابد من اخذ الاحتياطات والإجراءات الفعالة للوقاية من الفساد
في المؤسسة القضائية ولا يمكن وضع إستراتيجية لمكافحة الفساد إلا بتامين استقلال
القضاء وتوفير الحماية للقضاة.
ان الرقابة القضائية تعد من الضمانات التي تجعل الأفراد يطمئنون إليها
لـثـقتـهم في حيدة القضاء واستقلاله ، على أساس أن تشمل الرقابة القضائية كل ما
يتعلق بالانتخابات من أعمال مخالفة للقانون ، من عدم القيـد في الجداول الانتخابيـة
أو مخالفة شروط الانتخابات ، أو توفير الحرية الكاملة للأفراد في الاختيار ، أو
وسائل رجال الادارة في التأثيـر علـى حرية الافراد عن طريق الاكراه أو الضغط
المادي والأدبي أو فرز الأصوات ، أو استعمال القوة ، أو الغش أو التدليس الذي يقوم
به أحد المرشحين وبصفة عامة كل ما يتعلق بشرعية الانتخابات يجب أن يكون من اختصاص
السلطة القضائية على أن يشمل ذلك البحث في مسألة سقوط العضوية عن النائب التي تعهد
بها بعض الدول منها مصر إلـى الهيئة النيابية ذاتها لكي تفصل في صحة النائب ، هذا
الأمــر يجب أن يسنـد إلى القضاء .
فالرقابة القضائية بمالها من حيدة واستقلال ونزاهة أعضائها فإن معظم الدول
على اختلاف أنظمتها السياسيــة تأخذ بها سواء كان عن طريق محكمة دستورية عليا أمام
محاكم القضاء الإداري أم محاكم إدارية عليا أم محاكم خاصة بالانتخابات أم المحاكم
العادية مثــل النظام الانجليزي (1)
غير أن بعض الدول تأخذ بها بالرقابة القضائيـة في كل ما يتعلق بالانتخابات
بما فيها البحث في صحة العضوية النائب (2)
والبعض الآخر يترك صحة عضوية النائب للبرلمان ، بحجة أن ذلك يتعارض مع مبدأ
الفصل بين السلطات وللرد على ذلك نقول أن البحث في صحة العضوية من عدمها هي
إجراءات قانونية لائحية يتطلب صحتها قبل بداية الانتخابات ولكن أثرها لم يظهر إلا
بعد إجراء الانتخابات ويصبح المرشح عضوا بالبرلمان معنى ذلك ، أن العضويـة بنيت
على إجراءات غير صحيحة وغير قانونية وقبل أن تتكون السلطة التشريعية ، وعلى ذلك لا
مساس بمبدأ الفصل بين السلطـات في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد أخذ النظام الانجليزي بإسناد عملية الطعون
الانتخابية بعد نهاية المعركة الانتخابية إلى السلطة القضائية لكي تفصل في صحة
عضوية أعضاء البرلمان وقد اشترط التشريع الانجليزي على من يقدم الطعن من أحد أعضاء
البرلمان أن يدفع مبلغ من المال يخسره من يقدم الطعن إذا حكم بعدم صحة الطعن ويحصل
عليه إذا حكم بصحة الطعــن راجع بارتلمى/ المرجع السابق ص 438 الدكتور عبد الحميد
متولى السابق ص 304.
(2) الاتجاه السائد في معظم دول العالم أن السلطة
القضائية تفصل في جميع الطعون المتعلقة بالانتخابات مثل ألمانيا الاتحادية – فنلندا
الكويت – تركيـا ـ الجزائر التي تناول قانون الانتخابات فيها مسالة الرقابة في
المواد : 25، 86، 92، 113، 134.
المراجع
الكتب
1/ علي عبد القادر مصطفى، ضمانات حرية الافراد
في الانتخابات، جامعة الازهر ،1996 .ص 126
2 /عمر حلمي فهمى ،الانتخابات وتأثيره في
الحياة السياسية والحزبية، ط 2 .1991.
3 /الدكتور / محمد حسنين عبـد الـعال
الإدارة العامــة طبعة 1981
4 /الدكتور حمدي أمين عبد الهادي نظريـة الكنايـة في الوظيفـة العـامة
5 /الدكتورة سعاد الشرقاوي والدكتور عبد
الله ناصف / نــظم الإنتخابات في العالم وفي مصر ،ط 1994 ،دار النهضة العربية،
جمهورية مصر العربية
6 /الدكتور عبد الحميد متولي : نظرات في
أنظمة الحكم في الدول النامية – الطبعة الثانية 1992 – منشأة المعارف الاسكندرية
7 /مجلة السياسة الدولية عدد رقم : 123
يناير 1996
الوثائق الرسمية
8 / الدستور لجزائري لسنة 1996 المعدل
والمتمم
9 /الامر رقم 97 ـ 07 المؤرخ في 6 مارس 1997
المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات المعدل والمتمم بالقانون العضوي
رقم 04 ـ 01 المؤرخ في 07 فبراير سنة 2004
)
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم