القائمة الرئيسية

الصفحات



تاريخ النظم القانونية

 





 تاريخ النظم القانونية

الدكتور ايهاب عباس الفراش


المحاضرة الأولى

تمهيد :

§التعريف بمادة تاريخ النظم القانونية والموضوعات التى تهتم ببحثها، ومنهج الدراسة المتبع ، كيف وأنه يشتمل على جزئين:

الجزء الأول :

وهو تكوين الشرائع القانونية وتطورها و ينقسم الى قسمين:-

القسم الأول : يتناول مراحل نشأة القاعدة القانونية ، فيظهر المراحل التى مرت بها القاعدة القانونية فى نشأتها وتطورها حتى وصلت الى الصورة التى عليها  الآن، والنظم القانونية التى كانت مطبقة فى كل مرحلة من هذه المراحل.

القسم الثاني : يتناول تطور القاعدة القانونية فيعكس مراحل تطور القانون ووسائل تطويره.

الجزء الثاني : هو الشرائع السامية ، فيتناول أهم الشرائع القانونية القديمة التى شهدها الوطن العربي قبل الإسلام وهى القانون الفرعوني والقانوني البابلي والشريعة اليهودية. فيتناول خصائص كل شريعة من هذه الشرائع، ودراسة نظم القانون العام "نظم الحكم والإدارة – نظام القضاء، نظام العقوبات "، ونظم القانون الخاص "الشخصية القانونية- نظام الأسرة - نظام الالتزامات".

مقدمة :  - تظهــر:-

(1)                     أهمية القانون فى المجتمع والتلازم بينهما.

(2)                     أهمية تطور القانون مع تطور المجتمع.

(3)                     القانون مرآة تعكس حضارة مجتمع معين فى زمن معين.

نبدأ الدراسة بالجزء الأول : وهو تكوين الشرائع القانونية وتطورها ونبدأ بالقسم الأول وهو مراحل نشأة القاعدة القانونية:

أولا : المراحل التى مرت بها القاعدة القانونية فى نشأتها : - يقسم علماء القانون مراحل نشأته بالنظر الى مصادر القاعدة القانونية وأهمية كل مصدر الى عدة عصور هي:-

(1)                                                                                                                                                                                                                 عهد القوة " الانتقام الفردي أو القضاء الخاص:  وأهم ملامح هذه المرحلة أن حفظ النظام فى المجتمع كان يعتمد على القوة ، فلم يوجد قانون بالمعنى المفهوم لنا الآن. بل مجموعة تقاليد غريزية أو مجرد إحساس وشعور بوجود حقوق وواجبات للناس، والمظهر الخارجي لهذا الإحساس وتلك التقاليد هو استعمال القوة، وارتبطت هذه الملامح بطبيعة حياة الإنسان فى هذه المرحلة حيث عدم الاستقرار والاعتماد على الصيد والصراع مع الطبيعة.

(2)               عهد التقاليد الدينية (الوحي الإلهي) : وهذا العهد ظهرت القواعد القانونية فى صورة أحكام إلهية، إذ كان الدين والوحي الإلهي هو المصدر الوحيد الذي تستمد منه القاعدة القانونية مما جعل لرجل الدين السلطان الأول فى المجتمع، وظهر القانون على هذه الصورة بعد أن عرف الإنسان الاستقرار واعتمد على الزراعة فى حياته.

(3)               عهد التقاليد العرفية: وفى هذه المرحلة انفصل القانون عن الدين وصار العرف هو المصدر الرئيسي للقاعدة القانونية ثم وجدت بجانبه مصادر أخرى كالفقه والتشريع.

(4)               التدوين: وترتبط هذه المرحلة باهتداء الإنسان إلى الكتابة فاتجهت بعض المجتمعات إلى تدوين قانونها ونشره بين الناس أما فى صورة مدونات قانونية يصدرها المشرع وتتضمن كل أو بعض ما ساد لدى الشعب من تقاليد عرفية وما أدخله المشرع من تعديلات إذ أصبح مصدر القانون هو التشريع، أما أن تكون المدونات في صورة سجلات عرفية تدون من قبل الأفراد المتخصصون فى شرح القانون، مع التأكيد فى هذا المقام أنه على رغم أهمية مرحلة التدوين إلا أن التدوين لا يعد مرحلة جديدة فى نشأة القاعدة القانونية وإنما كان بمثابة تسجيل لما كان قائم ومطبق من التقاليد العرفية والدينية.

ثانيا: شرح للأنظمة القانونية التى سادت فى كل مرحلة من مراحل التطور السابق ذكرها:

المرحلة الأولى : مرحلة القوة أو الانتقام الفردي

وتتناول معالم بعض النظم القانونية التى سادت فى هذه المرحلة وهى نظام ( الأسرة – نظام  الملكية – نظام الحكم – نظام العقوبات).

(1)                نظام الأسرة :

ويشمل ( الزواج – الطلاق – الإرث )

( أ ) الزواج :  تعددت صور علاقة الرجل بالمرأة ومن أبرز صورها الزواج ( زواج الخطف أو الأسر – زواج الشغار – زواج التراضي – الأخدان).

موانع الزواج :  اختلف نطاقها من جماعة إلى أخرى وكانت تعتبر من القواعد الماسة بكيان الجماعة بحيث يعاقب من يخرج عليها بأقصى العقوبات.

آثار الزواج : اختلفت حسب سيادة نظام الأسرة الأمية أو الأبوية، ففي الأسرة الأمية ينسب الأولاد إلى الأم وأقاربها ويعتبر الأب أجنبياً عن أولاده، أما فى الأسرة الأبوية فينسب الأولاد إلى الأب وتعيش الزوجة مع عشيرة الأب.

(ب) الطلاق : كانت حالات الطلاق قليلة الوقوع واختلفت الجماعات فى تنظيمه.

(جـ) الإرث : نظراً لقلة الأموال المملوكة ملكية فردية وقتئذ فلم يكن لنظام الإرث أهمية، واختلفت قواعده حسب نظام الأسرة السائد أبويه أم أموية.

(2)                 نظام الملكية :

لم تعرف الجماعات فى هذه المرحلة مدلول الملكية بمعناه الحالي.

فكانت عندهم لا تعني سوى الحيازة، واقتصرت الملكية عندهم على المنقولات أما الأرض فكانت ملكاً للجميع وتستغل لصالح الجميع.

(3)                 نظام العقوبات :

كان الانتقام الفردي وسيلة العقاب السائدة واختلف تطبيقه تبعاً لنوع الجريمة كما يلي:-

( أ ) داخل الجماعة : كان يميز بين الجرائم العامة التى تمس كيان الجماعة وتهدد أمنها كالخروج على تقاليدها ، فتوقع أقصى العقوبات كالإعدام أو النفي وتطبق العقوبة بواسطة شيوخ الجماعة ورؤسائها.

والجرائم الخاصة التى تمس بمصالح الأفراد ، ويترك للمعتدي عليه فيها تقدير ما إذا كان الفعل يستلزم العقاب أم لا وكذلك تقدير نوع العقاب وتوقعيه بنفسه على الجاني.

(ب) خارج الجماعة: إذ كان يمثل الاعتداء على أحد أفراد الجماعة من قبل من ينتمي لجماعة أخرى اعتداء على الجماعة كلها وتنشأ المسئولية التضامنية فى حق جميع أفراد الجماعة التى ينتمي إليها الجاني دون أن تنحصر دائرة الانتقام فى شخص معين أو مال بذاته.

* حلول التصالح محل القوة : مع تطور ظروف الحياة حل التصالح محل القوة غير أن التصالح ظل رهيناً بقبول المتنازعين له.

* أهم صور التصالح :

(1) التحكيم : وتختار هيئة المحكمين من شيوخ القبائل وغالباً يلجأ إليه عندما يكون الخصوم من قبيلتين مختلفتين، وقرار المحكمين له إلزام أدبي.

(2) خلع الجاني :  وصورته أن تقطع الجماعة صلتها بالجاني وتطرده ويصير مهدر الدم.

(3) تسليم الجاني: وصورته أن يقوم أهل الجاني بتسليمه لأهل المجني عليه ويعرف (بالتخلي عن مصدر الضرر).

(4) القصاص : وهو إنزال عقوبة بالفاعل تماثل ما ارتكبه من أفعال ويقوم به فى أهل المجني عليه ، سن بسن وعين بعين.

(5) الدية : هى تعويض مادي يدفعه الجاني وأهله للمجني عليه وأهله بهدف افتداء الجاني نفسه وتعويض المجني عليه عما لحقه وأهله من ضرر وتهدئة لخواطرهم، وكانت فى بداية الأمر اختيارية ثم صارت إجبارية.

 

*  طرق الإثبات : إثبات ارتكاب المتهم للجريمة المنسوبة إليه يحكمها حالتان:-

§       أن يعترف أو يقر المتهم بالفعل المنسوب إليه فيلجأ إلى إحدى صور التصالح.

§       أن ينكر المتهم الفعل فيتم اللجوء إلى عدة طرق لإثبات التهمة أو نفيها كتحليف اليمين أو المحنة أو الاحتكام إلى المصادفة كمراقبة اتجاه الطيور.

-      ظاهرة القوة تنشأ الحق وتحميه : ويقصد بهذه الظاهرة أنه إذا ادعى شخص حقاً قبل الغير استوفاه بنفسه وتحمل عبء الدفاع عنه واستعماله والاحتفاظ به وتتوقف قدرته على استيفاء حقه واستعماله والمحافظة عليه على قوة دفاعه عنه ضد من ينازعه عليه.

-      ويرجع السبب فى هذه الظاهرة إلى سيادة لغة القوة فى المجتمع.

-      وقد وصل المجتمع إلى هذه المرحلة نظراً لعدم وجود سلطة سياسية تتمتع بسيادته تفرض بمقتضاها نظاماً للحياة يكفل حماية المصالح وتنظيم العلاقات.

أثر ظاهرة القوة تنشيء الحق وتحميه فى الشرائع الحديثة والقديمة:

-       ظل للقوة مكاناً بين نظم المجتمع قديماً وحديثاً ومن ذلك:-

1-فى القوانين الحديثة: إذ ما زال القانون الحديث يسمح بالاعتماد على القوة لإنشاء الحقوق وحمايتها فى بعض الحالات أهمها:

-   فالقانون المدني : يعتبر أن الاستيلاء سبب لكسب الملكية ويسمح بتحول الغصب إلى عمل مشروع عن طريق التقادم.

-      القانون الدستوري : يقر حق الشعوب فى القيام بثورات ضد حكامها لتغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

-      القانون الدولي العام : حتى الحرب العالمية الأولى كان يسمح بضم أراضي الدول بطريق القوة "حق الغزو" .

-      القانون الجنائي: يبيح دفع القوة بالقوة فى حالات الدفاع الشرعي.

2-فى القوانين القديمة : من أثر ظاهرة القوة فيها:-

-      نظام الرق:  إذا كان أهم مصادر الرق هو الأسر فى الحرب.

-      الاسترقاق بسبب الدين: كانت بعض الشرائع القديمة تبيح للدائن أن يسترق مدينه أو أي من أفراد أسرته إذا لم يف بدينه حيث كان جسم المدين هو الضامن للوفاء بديونه.

-      فى العلاقات الدولية: كان حق الغزو من المبادئ المسلم بها وقد قامت كثير من الإمبراطوريات القديمة على أساس هذا الحق.

المرحلة الثانية : مرحلة التقاليد الدينية "الوحي الإلهي"

النظم القانونية التى سادت فى هذه المرحلة :

ترتب على التطور الاقتصادي والاجتماعي والديني خلال هذه الفترة تغير واضح فى نظم الأسرة والملكية والعقوبات داخل المجتمع وفيما يلي عرض لكل نظام من هذه النظم:-

(1) نظام الأسرة : ويشمل

( أ ) سيادة نظام الأسرة الأبوية:- فقد أدى الاعتماد على الزراعة والرعي كمصدرين أساسيين للرزق وما يتطلبانه من مجهود بدني لا تقوى عليه المرأة بطبيعتها إلى أن استقل الرجل بالزعامة، كذلك انتشار عبادة الأسلاف جعل عبء أداء شعائرها وطقوسها يقع على الرجل دون المرأة، وهو ما جعل له الزعامة والصدارة.

(ب) تدني مركز المرأة  : نتيجة لما سبق هبطت منزلة امرأة فأصبحت فى حكم المال المملوك لصاحب السلطان عليها كالأب والأخ قبل زواجها والزوج بعد زواجها، فلصاحب السلطان عليها بيعها أو رهنها أو إعارتها، وبزواجها تنسب إلى عشيرة زوجها وتلتزم بالإقامة معهم، ولم يكن هناك من آثار على قرابة الرحم إلا فى حالات محدودة كاعتبار هذه القرابة مانعاً من موانع الزواج.

(جـ) الزواج بالتراضي : تلاشت صور الزواج بالخطف وأصبح زواج الشخار نادر الحدوث، وأصبحت الصورة السائدة للزواج هى الزواج بالتراضي ، كما شاع تعدد الزوجات بهدف زيادة الأيدي العاملة بعد تطور المجتمع اقتصادياً وحاجته للفرد العامل .

( د ) ظهور نظام المهر: لما انتشرت الزراعة وتوفرت الأموال تحولت عادة تقديم الخدمات والأعمال والهدايا إلى أقارب المرأة التى يرغب الرجل الزواج منها إلى نظام أصيل هو ما يعرف بالمهر وكان عادة عدداً من رؤوس الماشية ، ومقدار المهروالملزم بدفع هذا المهر و كان المهر يمثل مظهر  من مظاهر ارتفاع قدر المرأة ، وضماناً لها ضد سوء معاشرة الزوج، إذ يعطي للزوجة حق هجره والاحتفاظ بما دفع من مهر.

(هـ) الإرث والوصية : فسيادة نظام الأسرة الأبوية وتدني مركز المرأة أدى ذلك إلى ظهور أعراف تقضي بحصر حق الإرث فى الأبناء الذكور دون الإناث وفى حالة عدم وجود أبناء ذكور تنتقل التركة إلى العصبات كالأخوة والأعمام أو إلى البنات فى بعض المجتمعات التى حظيت بقدر من المدنية. وكانت التركة تشمل كل السلطات التى كان يتمتع بها المتوفي كسلطاته على زوجاته إذ تعتبر أرملة المتوفي جزءاً من التركة وبذلك ظهر نظام الخلافة على الأرامل.

(2) نظام الملكية :

§       ظهرت أهمية الأرض بعد اكتشاف الزراعة والاعتماد عليها كمصدر للعيش ، وبعد انتظام المجتمع فى قبائل حلت ملكية القبيلة محل الملكية الجماعية ، واعتبر رئيس القبيلة هو المالك لأرضها، يقوم بتوزيعها على الأسر فى قبيلته فقط للانتفاع بها، مع بقاء ملكية الرقبة لشيخ القبيلة.

§       وبعد سيادة نظام الأسرة الأبوية وحلولها محل القبيلة، حلت ملكية الأسرة محل ملكية القبيلة متمثلة فى ملكية رب الأسرة باعتباره مسئولاً عنها، وتحول ملكية الأسرة إلى ملكية خاصة به.

§       كما وجد نوع آخر من الملكية هي ملكية الأرض الموات فالأرض التى لم تستغل ولم توزع على الأسر، تظل ملكاً للجماعة كلها، أما إذا قام أحد بتعميرها فإنه يتملكها ملكية خاصة، وبازدياد تطور المجتمع تلاشت ملكية الأسرة وظهرت الملكية الفردية.

(3) نظام العقوبات: ويشمل:-

( أ ) الجرائم العامة والجرائم الخاصة : مع تطور المجتمع أصبح رؤساء القبائل المختصين بتوقيع العقاب فى معظم الجرائم بدلاً من المجني عليه فقد انتهى عهد الانتقام الفردي، واتسع نطاق الجرائم العامة أي الأفعال التى تعتبر ماسة بكيان المجتمع واختصت السلطة العامة بالعقاب عليها ولا يجوز فيها الصلح ولا الإبراء ومن أمثلة الجرائم العامة – الزنا بالمحارم والخيانة العظمي ، الهروب من القتال ، كما ازدادت أيضاً نسبة الجرائم الخاصة أي التى تمس مصالح الأفراد، و يجوز فيها الصلح والإبراء من جانب المجني عليه ومن أمثلتها: القتل والجرح والسرقة والاتهام الكاذب.

(ب) اختلاف العقوبة باختلاف مركز الجاني والمجني عليه: حيث استقرت واتضحت معالم العقوبة بالنسبة لكل فعل بحيث لا يجوز العدول عنها إلى الانتقام الفردي واتسمت هذه العقوبة بسمات عامة من أهمها:

* أنها لا تقيم وزناً للتفرقة بين الفعل العمد والفعل الخطأ.

* أنها اختلفت باختلاف مركز كل من الجاني والمجني عليه، فالعقوبة التى توقع ضد من يعتدي على حر أشد من تلك التى توقع ضد من يعتدي على رقيق، والتعويض الذي يدفع عن قتل رجل حر أكثر من ذلك الذي يدفع عن قتل امرأة أو طفل أو رقيق، كذلك سرقة الأموال ، كانت عقوبتها مثليين أو ثلاثة أمثال قيمة الشيء المسروق ، غير أنها كانت تزيد عن ذلك إذا كان المال المسروق ملكاً لأحد المعابد أو شيخ القبيلة او أحد الأشراف وتنقص إن كان المال ملكاً لأحد أفراد الطبقة الدنيا.

فوق ذلك فإن العقوبة المالية أصبحت تتضمن معنى العقوبة والضمان فى نفس الوقت، فهي ضمان لأنها تجبر الضرر ولكنها عقوبة لأن مقدارها يزيد عما حل بالمجني عليه من ضرر.

(جـ) المسئولية الجماعية: فى ظل انتشار مبدأ التضامن بين أعضاء الأسرة الواحدة كانت المسئولية جماعية، ومقتضى ذلك أن يقع على أقارب الجاني عبء المساهمة معه فى مقدار الغرامة المالية التى يدفعها ، كما تتحمل أسرته نصيباً كبيراً من مقدار الغرامة المفروضة عليه فى حالة هروبه، ومن جانب آخر لأقارب المجني عليه مشاركته فيما يحصل عليه من تعويض.

( د ) تنفيذ العقوبة : لا يتم تنفيذ العقوبة إلا بعد صدور حكم قضائي، وكانت تتولى تنفيذها السلطة العامة فى بعض الحالات كالتنفيذ على أموال الفرد وفاءاً لغرامة ويترك للمجني عليه وأقاربه فى حالات أخرى كما فى القصاص.

(4) نظام التقاضي:

§       كان رجال الدين هم القضاة المختصون لإلمامهم بالتقاليد واجبة التطبيق، كما كانوا يتولون تنفيذ ما يصدرونه من أحكام، ولم تكن هناك قواعد فنية أو إجراءات للمحاكمة.

§       فكان التنظيم القضائي اقرب الي التحكيم منه الي القضاء بالمعني الفني الدقيق و قد تباين نظام التقاضي تبعاً لطبيعة النزاع فإذا كان النزاع بين أفراد ينتمون لأسرة واحدة، ففي هذه الحالة كان رب الأسرة يتولى بمعونة شيوخ الأسرة حسم النزاع. أما إذا كان النزاع بين عدة أسر من عشيرة واحدة فإن رئيس العشيرة كان هو الذي يتولى حسمه, وبعد ظهور الدولة، كان الملك هو الذي يقوم بنفسه بالفصل فى القضايا الهامة والخطيرة، ويفوض بعض القضاة للفصل فيما دون ذلك من المنازعات وذلك طبقاً للتقاليد والقواعد القانونية المتعارف عليها.

§       ولم يكن الأفراد يتولون بأنفسهم رفع شكاياتهم إلى القضاء فلم يكن للفرد كيان ذاتي داخل أسرته ، إنما كان رب الأسرة أو رئيس العشيرة هو الذي يمثل أسرته أو عشيرته أمام القضاء، وكانت اجراءات التقاضي تتم شفاهة ومن ثم كانت شهادة الشهود الدليل الرئيسي بين أدلة الإثبات، كما كانوا يلجئون أيضا إلى المحنة واليمين.

ثالثا : مرحلة عصر التقاليد ا لعرفية:

§       أي العصر الذي صار فيه العرف المكانة الأولى بين مصادر القانون

ويشمل الحديث عن هذا العصر النقاط الآتية:

أولا - أسباب ظهور العرف كمصدر للقانون : يتلخص سبب ظهور العرف كمصدر للقانون فى انفصال السلطة الزمنية عن السلطة الدينية نتيجة التطور الذي حققه المجتمع بكافة صوره وارتفاع مستوى الوعي والثقافة بين الأفراد أمام تعسف السلطة الدينية واستئثارها بجميع السلطات ورغبة المدنيين فى تغيير هذه الأوضاع لصالحهم فى الغرب والشرق ، فترتب عن ذلك التحول من التقاليد الدينية إلى التقاليد العرفية كمصدر أساسي للقاعدة القانونية.

ثانيا - نتائج ظهور التقاليد العرفية كمصدر للقانون : تترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون عدة نتائج أهمها:

(1)    تعدد مصادر القاعدة القانونية:  فلم تعد الديانة المصدر الوحيد للقانون، ولكن ظهر العرف ومصادر أخرى كالفقه والتشريع.

(2)    القانون تعبير من إرادة الشعب : أدى اعتبار العرف مصدر للقانون أن أصبح القانون يعبر عن إرادة الشعب ويعكس ظروف المجتمع ويتطور مع تطوره بشكل مرن وتلقائي.

(3)    قابلية القانون للتعديل: ترتب على اعتبار القانون تعبيراً عن إرادة الشعب أن أصبح قابلاً للتعديل كلما تغيرت ظروف المجتمع.

(4)    علانية القواعد القانونية : إذ أصبحت القواعد القانونية معلنة وواضحة بعد أن كانت محفوظة فى صدور رجال الدين لا يطلع عليها غيرهم.

(5)    الجزاء : ترتب على انفصال القانون عن الدين واعتبار العرف مصدراً للقانون أن تميز الجزاء الديني عن المدني ، والقضاء الديني عن المدني.

(6)    المساواة بين الناس : أدى التطور الذي لحق المجتمع إلى إزالة الفوارق بين الطبقات (أشراف وعامة ورجال دين).

(7)    سلطة الحاكم : ترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون أن ظهر مبدأ "الديمقراطية" فى الحكم ، وأصبحت السيادة للشعوب.

 ثالثاً : النظم القانونية التى سادت فى مرحلة التقاليد العرفية ، وهي :-

(1)               نظام الأسرة -  ويشمل :

( أ ) تدعيم الأسرة الأبوية: ظل نظام الأسرة الأبوية هو السائد، وتدعمت سلطة رب الأسرة فأصبحت مطلقة تمتد إلى أرواح وأموال الخاضعين لسلطته، ثم خفت حدة هذه السلطة مع تطور المجتمع إذ أصبحت سلطة رعاية وحماية وتأديب واعترف للأبناء بذمة مالية مستقلة.

(ب) الزواج ، ويشمل :-

صور الزواج : ظل زواج التراضي هو الأصل واعتد برضاء الزوجين بجانب رضاء أوليائهما ثم أصبح رضاء الزوجين وحدهما كافياً.

نظام تعدد الزوجات : استمر نظام تعدد الزوجات ولكنه شهد تناقصاً كبيراً أمام الزواج الفردي.

نظام التسري : وهو امتلاك الرجل لعدد من النساء - بدون حد أقصى- بالإضافة لزوجته يعاشرهن معاشرة الزوجة الشرعية، فإن أنجبن منه ، ينسب الأولاد إلى أمهاتهم ما لم يدخلهم رب الأسرة فى أسرته إما بالاعتراف بهم أو تبنيهم.

(جـ) الإرث : حدث تطور هام فى الإرث خلال هذا العصر ومن مظاهر هذا التطور: اشتراك البنات مع الأبناء فى التركة، حيث إذا لم يترك المتوفى أولاداً ذكوراً تؤول التركة إلى بناته غير المتزوجات.

* إذا لم يترك المتوفي أولاداً ذكوراً أو إناثاً آلت التركة إلى أقرب العصبات.

* وبصفة عامة، فقد ميزت الشرائع الشرقية الذكر على الأنثى فى الميراث ، أما الشرائع الغربية فقد قررت مبدأ المساواة بينهما.

* الوصيـــة : اختلفت الشرائع فيما طبقته من قواعد بشأنها، فكانت تتم شفاهة فى بعض الشرائع وكتابة فى بعضها الآخر. وبعض الشرائع أطلقت إرادة الموصي فى وصيته على حين قيدتها شرائع أخرى.

(د) نظام المعاملات -  ويشمل : - الملكية : قد تعددت صور الملكية ، فوجدت ملكية القبيلة أو القرية، وملكية الأسرة متمثلة فى ملكية رب الأسرة، ثم انتشرت الملكية الفردية إلى ازدادت مع تقدم المجتمع على حساب ملكية القبيلة والأسرة.

* العقـــود : ترتب على ا لتطور الاقتصادي والاجتماعي واستعمال النقود المعدنية ، أن ظهرت بعض العقود الجديدة وتغيرت معالم بعض العقود القديمة كعقد المقايضة الذي تحول إلى بيع، وظهر نظام العربون كوسيلة لتأكيد الصفقة أو بديل عن العدول عنها.

* كما ظهرت عقود جديدة فى مجال التعامل كعقد الإيجار ، عقد القرض ، وعقود العارية والوديعة.

-      كذلك ظهرت بعض القواعد التى تكفل علانية التصرفات القانونية ومن أهمها اشتراط وجود شهود عند إبرامها، ومن ناحية أخرى، بدأ الاتجاه نحو تحرير العقود وتوثيقها بعد انتشار الكتابة.

-      وباستمرار تطور المجتمع خفت حدة المبدأ الذي يقضي بأن "جسم المدين ضامن للوفاء بما عليه من ديون" والذي كان بمقتضاه يسلم المدين نفسه أو أحد أقران أسرته للدائن إذا عجز عن الوفاء له بديونه، وللدائن الحق فى أن يتصرف فيه بالبيع أو الاسترقاق أو غيرهما، ثم ألغى هذا المبدأ وأصبح التنفيذ على أموال المدين بدلاً من جسده.

(هـ) نظام العقوبات : - ظلت السمات التى اتسم بها نظام العقوبات فى العصر السابق خلال هذا العصر. إلا أنه قد ظهرت عدة اتجاهات ساهمت فى تحقيق قدر كبير من التطور ومظاهر ذلك:-

-      بالنسبة للجريمة : أصبح ينظر لها باعتبارها فعلا ًيمس بكيان المجتمع كله ويهدد أمنه، الأمر الذي أدى إلى مد صفة الجريمة العامة إلى كثير من الأفعال الجنائية التى كانت تعتبر من الجرائم الخاصة، كبعض جرائم النفس مثل القتل، وجرائم المال كالسرقة.

-      بالنسبة للعقوبات : أصبحت وسيلة لردع الجاني وإصلاحه.

·  الاعتداد بقصد الجاني بحيث تختلف العقوبة تبعاً لذلك ، فعقوبة الجريمة العمدية أشد منها فى حالات الخطأ والإهمال

·  مراعاة الظروف التي احاطت بأرتكاب الجريمة ,في تشديد العقوبة او تخفيفها وفى ظل ذلك اعتبرت حالات الدفاع الشرعي سبباً مخففاً للعقوبة.

·  كما ظهرت أحكام خاصة برجال الدين، لما يتمتعون به من مكانة فمنحوا بعض الامتيازات كعدم تطبيق عقوبة الإعدام عليهم ومحاكمتهم أمام محاكم خاصة.

( و ) نظام التقاضي : مع ازدياد سلطة الدولة لحق نظام التقاضي تطوراً كبيراً وظهر ذلك من خلال :

-      نظمت درجات التقاضي فلم يعد الملك يختص إلا بالقضايا الهامة أو القضايا المستأنفة.

-      وجد قضاء مختلط يتولاه رجال الدين والمدنيون، ثم انفصل القضاء المدني عن الدين، فأصبح القضاة فى المحاكم المدنية موظفين يعينهم الملك، واقتصر اختصاص القضاء الديني على الأمور الماسة بالديانة أو التى ترتبط بها كالزواج والحنث فى اليمين.

-      كما ظهرت قواعد فنيه تبين إجراءات المحاكمة وكيفية رفع الدعوى ونظرها.

-      وقد تصدت الدولة لتنفيذ الأحكام القضائية، وغالباً ما كانت تعهد بتنفيذها للقضاة الذين أصدروها أو معاونيهم.

 



تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. غير معرف18:31

    دكتور ايهاب عباس بيديني حاليا ف سنة اولي من احسن دكاترة حقوق جامعة القاهرة ربنا يكرمه ويوفقه ف حياته

    ردحذف

إرسال تعليق

شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم