القائمة الرئيسية

الصفحات



القوانين الأساسية وعلاقتها بالسلطة والحريات

 


القوانين الأساسية وعلاقتها بالسلطة والحريات


مقدمة

موضوع الدراسة وأهميته :

         تتوزع قواعد القانون الدستورى على عدة مصادر منها المكتوب ومنها العرفى ، ومن المصادر المكتوبة لتلك القواعد القوانين العادية متى قامت بتنظيم موضوعات دستورية بطبيعتها أو فى جوهرها ، والتى تعارف الفقه على إطلاق مصطلح القوانين الأساسية عليها تمييزاً لها عن القوانين العادية الأخرى التى لا تنظم موضوعات دستورية .

         ولما كانت الموضوعات الدستورية بطبيعتها أو فى جوهرها محل تنظيم القوانين الأساسية تشمل ، وفقاً لما اتجه إليه غالبية الفقه ، ما يتعلق بالسلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وما يتعلق بالحقوق والحريات ، فإن ثمة علاقة وثيقة تربط بين القوانين الأساسية والسلطة والحريات تتمثل فى قيامها بتنظيم بعض الأمور المتعلقة بها . إلا أن علاقة القوانين الأساسية بالسلطة والحريات لا تقتصر على هذا الجانب فقط ، والذى يعتبر أول ما يتبادر إلى الذهن عند الإشارة إلى هذه العلاقة ، وإنما تتجلى فى بعض الجوانب الأخرى إلى جانبه .

         فمن ناحية ، تختص السلطة العامة متمثلة فى السلطة التشريعية بإصدار القوانين الأساسية ، وذلك إلى جانب دور السلطة التنفيذية فى هذا المجال ، وما قد يعترف به من اختصاص للسلطة القضائية .

         ومن ناحية ثانية ، تقوم السلطة القضائية بفحص ومراقبة مدى دستورية القوانين الأساسية عند اتصالها بها سواء بصفة سابقة باعتبار هذه الرقابة إجراء من إجراءات إصدارها ، أو بصفة لاحقة عند المنازعة فيها أمامها .

         ومن ناحية ثالثة ، تتجلى العلاقة بين القوانين الأساسية وبين السلطة والحريات فى تعريف القوانين الأساسية الذى يحرص الفقه والقضاء فيه على بيان مجالات تطبيقها وطبيعة الموضوعات التى تقوم بتنظيمها .

         ومن ثم تكون علاقة القوانين الأساسية بالسلطة والحريات علاقة مزدوجة ذات وجهين يظهر وجهها الأول من زاوية القوانين الأساسية نفسها ، ليتمثل فى اختصاصها بتنظيم السلطات العامة للدولة والحقوق والحريات ، ذلك الاختصاص الذى يظهر عند تعريفها وعند بيان مجالات تطبيقها . ويظهر الوجه الثانى من زاوية السلطات العامة والحريات ، ليتمثل فى اختصاص كل سلطة من السلطات العامة بإصدار هذه القوانين وفى الرقابة عليها والذى يتقرر وتتحدد ضوابطه بالنظر إلى علاقة القوانين الأساسية بالحقوق والحريات إمعاناً فى حماية وصيانة هذه الأخيرة .

         وأمام هذه العلاقة الوثيقة بين القوانين الأساسية والسلطة والحريات رأينا تخصيص هذه الدراسة لها لبيان معالمها وتحديد ملامحها ، وذلك كمحاولة منا لإلقاء الضوء على مدى الحماية والضمان الذى يمكن أن يضفيه التنظيم الدستورى لفكرة القوانين الأساسية على تنظيم السلطة العامة والحقوق والحريات ، ومن ثم للتأكيد على أهمية هذا التنظيم سواء من حيث أفراد نظام إجرائى خاص لإصدار هذه القوانين ، أو من حيث تحديد مجال تطبيقها ، أو من حيث تحديد مرتبتها ومكانتها فى البنيان القانونى للدولة والاعتراف الرسمى بها .

نطاق الدراسة :

         سيتحدد نطاق دراستنا لموضوع القوانين الأساسية وعلاقتها بالسلطة والحريات باستعراض الأوجة المختلفة لهذه العلاقة ؛ وذلك فى كل من الدستورين الفرنسى والمصرى . ذلك إن ظهر الاهتمام فى ظل النظام الدستورى الفرنسى منذ فترة طويلة بفكرة القوانين الأساسية ، سواء من حيث إطلاق تسمية خاصة عليها أو من حيث محاولة تمييزها إجرائياً إلى أن توج هذا الاهتمام واكتمل بما جاء به دستور عام 1958 من تنظيم متكامل لهذه الفكرة يتضمن تحديد نطاق تطبيقها ووضع نظام إجرائى متميز لإصدارها وتعديلها ، وهو ما كان له صدى فى دساتير بعض الدول الأخرى كالدستور الأسبانى والمغربى .

         ومن ناحية أخرى ، إذا كان الدستور المصرى الحالى ، شأنه فى ذلك شأن الدساتير السابقة عليه ، لم يكن يعترف صراحة بفكرة القوانين الأساسية بالرغم من احالته إليها فى كثير من نصوصه فإنه بموجب التعديلات الدستورية اللاحقة عليه قد أولاها بعض الاهتمام الذى اتضحت معالمه وتأكدت فى تعديله الدستورى لعام 2007 بتحديد نطاق تطبيقها وتدعيم إجراءات إصدارها بما يميزها ، وهو ما انعكس بدوره على الموضوعات محل تنظيمها من سلطة وحريات .

خطة الدراسة :

         إذا كانت علاقة القوانين الأساسية بالسلطة والحريات تظهر من جانبين احدهما نظرى والآخر تطبيقى ، فإننا سنقسم هذه الدراسة إلى قسمين ، كل قسم منهما يتفرع بدوره إلى بابين.

القسم الأول :

نظرية القوانين الأساسية (ماهية وفلسفة وإجراءات القوانين الأساسية) .

         الباب الأول : ماهية القوانين الأساسية وفلسفتها .

         الباب الثانى : إجراءات إصدار القوانين الأساسية .

القسم الثانى :

القوانين الأساسية من حيث التطبيق (تطبيق القوانين الأساسية ودستوريتها) .

         الباب الأول : نطاق تطبيق القوانين الأساسية .

         الباب الثانى : الرقابة على القوانين الأساسية .

         لنشير فى النهاية إلى ما خلصنا إليه من دراستنا لهذه الموضوعات وما نوصى به بصددها فى الخاتمة التى ننهى بها هذه الدراسة .

         على أنه قبل البدء فى هذا البيان نود أن نتعرض فى مبحث تمهيدى إلى مصطلح القوانين الأساسية لنبحث مدى صحته ودلالته على فكرة تلك القوانين .


مبحث تمهيدى
تسمية القوانين الأساسية

         كثيراً ما نجد فى مؤلفات القانون الدستورى ذكر لعبارة « القوانين الأساسية » ويليها القول بأنها المعروفة فى فرنسا تحت مسمى
« les lois organiques » ، فى حين يذكرالبعض إنها التى تناولها الدستور المصرى الحالى فى التعديل الذى أُدخل عليه فى عام 1980 تحت عبارة « القوانين المكملة للدستور » ، كما عبر عنها دستور دولة المغرب بعبارة« القوانين التنظيمية » .

فلماذا الاختلاف فى استخدام تلك العبارات ؟ وهل جميعها تؤدى نفس المعنى ؟ خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن هناك مصطلحات أخرى تستخدم للدلالة على هذه الفكرة سواء من قبل دساتير الدول المختلفة أو من قِبَّلَ بعض الفقه ، كما أن هناك ألفاظاً وعبارات أخرى قد تختلط فى مفهومها بهذه الفكرة من قريب أو بعيد مما يجدر معه التنويه عنها .

         بادئ ذى بدء نود أن ننطلق من حقيقة أوردها بعض الفقه ألا وهى أن « كل دستور ، حتى لو لم يكن مقتضباً وغامضاً فإنه دائماً بحاجة إلى تفسير وتوضيح بواسطة أعمال أدنى منه تضع تفصيلاته وهذا هو دور القوانين العضوية »([1]) .

         «Toute Constitution, meme sans etre «Courte et obscure» a besoin d'etre explicitée par des actes moins solennels qu'elle, moins généraux, plus précis, en un mot par des textes organiques ... »

         بما مؤداه أن الوثيقة الدستورية مهما طالت وحوت من قواعد وأحكام تفصيلية تظل عاجزة عن احتواء جميع المسائل وعن إيراد جميع القواعد الخاصة بتنظيمها ، ومن ثم ضرورة وجود أعمال أخرى تكون أكثر مرونة وأكثر دقة وانضباط فى تنظيماتها إلى جانبها .

         وهذه الحقيقة تعتبر من الأسباب التى دعت معظم الفقه إلى الأخذ بالمعيار الموضوعى فى تعريف القانون الدستورى - الذى يقوم على الجوهر والموضوع - وترجيحه على المعيار الشكلى - الذى يعتمد على الشكل والإجراءات - حيث لا يكون احتواء القواعد الدستورية حكراً على الوثيقة الدستورية وحدها ، وإنما تتوزع تلك القواعد على مصادر أخرى مختلفة منها العرف ومنها القوانين العادية .

         ومن ثم تعتبر القوانين العادية الصادرة عن البرلمان مصدراً من مصادر القواعد الدستورية متى حوت قواعد لها تلك الطبيعة ، مما يحق معه القول بوجود فكرة هذه القوانين - والمتعارف على تسميتها بالقوانين الأساسية لاحتوائها قواعد دستورية بطبيعتها أو فى جوهرها - إلى جانب الدستور فى كل البلاد مهما استخدمت من ألفاظ للدلالة عليها ، وسواء فى ذلك أن اعترفت رسمياً بهذه الفكرة أو لم تعترف ، وسواء إن أفردت لها نظاماً إجرائياً خاصاً بها أو لم تفعل . 

أولاً : فى فرنسا :

فإذا نظرنا إلى الوضع فى فرنسا سنجد أن لفظ la loi organique قد استخدم سواء من جانب النصوص الدستورية أو من جانب الفقه للدلالة على تلك الأعمال ، ولم يكن ظهور هذا اللفظ عارضاً أو طارئاً بل كان نتيجة للتطور فى شكل الدساتير التى أصبحت منذ القرن التاسع عشر أقل جموداً بالنسبة لإدارة وتنظيم أجهزة الدولة ومؤسساتها (des organes d'Etat) ، وهذا نتيجة لاتجاه إرادة واضعى الدستور إلى تحديد المبادئ المعلنة فى النصوص الدستورية بواسطة قوانين قابلة للتطبيق والتنفيذ([2]) .

ومن ثم لم يقتصر ظهور هذا اللفظ فى فرنسا واستعماله على دستور 1958 الحالى ، وإنما ظهر من قبل ذلك حيث استخدمته الدساتير الفرنسية السابقة على هذا الدستور .

فظهر هذا اللفظ أول ما ظهر فى ظل دستور 1848([3]) كما استعمله دستور 1946([4]) .

ولكن إذا كان لفظ loi organique قد ظهر مع دستور 1848 ، فإن الدساتير السابقة عليه قد عرفت فكرة القوانين والأعمال المكملة للدستور حتى لو لم تعطها صراحة هذا اللفظ وأعطت لها مسمى آخر ، ففكرة هذه الأعمال كانت موجودة لكن دون إطلاق أسمها عليها([5]) .

فكما يرى بعض الفقه الفرنسى([6]) « أن فكرة التنظيمات العضوية يعود تاريخها إلى الفترة النابليونية – نسبة إلى نابليون بونابرت - : حيث القوانين المقررة بواسطة مجلس الشيوخ كانت تسمى « Senatus - Consultes » ، وعندما كانت تتعلق بالدستور فكانت تسمى « Senatus Consultes organiques » .

ثم استعمل الفقه لفظ loi organique ليضفيه على le Senatus Cousulte التى تم اتخاذها على أساس الفقرة 2 من المادة 27 من دستور 14 يناير 1852 الصادر بمقتضى السلطات المفوضة بواسطة الشعب الفرنسى إلى لويس نابليون بونابرت بواسطة تصويت 20 و21 ديسمبر 1851([7]) ، والتى ينظم مجلس الشيوخ عن طريقها كل ما لم يكن متوقعاً بواسطة الدستور ويكون ضرورياً لسيره .

 « le Senat regle par un senatus consulte :- .........
2- Tout ce qui n'a pas ete prevu par la constitution et qui est necessaire à sa marche . »

بل لقد تم استعمال لفظ « قانون » هكذا مجرداً للتعبير عن فكرة تلك الأعمال فى بعض الدساتير السابقة . فتوقع ميثاق 1830([8]) فى المادة 69 منه أن تصدر بالتتابع قوانين منفصلة عنه وفى أقل مدة ممكنة فى موضوعات معينة وأخذ فى تعداد تلك الموضوعات فى قائمة من تسع موضوعات ذات طبيعة دستورية([9]) .

 « Il sera pourvu successuvement par des lois separées .... » .                                                  

وتنص المادة 88 من دستور 24 يونيو 1793 على تحديد القانون للدوائر الانتخابية لاختيار قضاة الصلح .

وكذلك الحال فى دستورى 22 أغسطس 1795 و13 ديسمبر 1799([10]). حتى أن الدساتير التى استخدمت مصطلحات « la loi organique »
و
« le senatus consulte » لجأت هى الأخرى إلى استعمال لفظ قانون مجرداً إلى جانبها([11]) .

وبترجمة مصطلح  « la loi organique »إلى اللغة العربية([12]) يتضح أنه من الممكن أن تكون له أربعة معانى :-

المعنى الأول : القانون العضوى .

         وهو ما أيده بعض الفقه([13]) ووجد أنه أكثر تعبيراً من غيره عن هذا المصطلح ، خاصة فى حالة النظر إلى ان les lois organiques يتم تعريفها على أساس قيامها بتنظيم السلطات العامة فى الدولة ، فحسب معناها الاشتقاقى هى قوانين تنظم بشكل أساسى العلاقات بين السلطات العامة([14]).

وينضم إلى ذلك ما ذكره الرأى الذى أوردناه من قبل([15]) من أن نصوص هذه القوانين ، الأقل شكلية والأكثر تحديداً التى يحتاجها الدستور إلى جانبه ، تكون موصوفة بواسطة الفقه بأنها القوانين المُحددة لسير المؤسسات أو إعداد نظم الأجهزة المُنشأة ([16]).

         كما يتدعم هذا المعنى إذا ما عرضنا لمواد دستور 1958 التى أحالت إلى  la loi organique ، حيث إنها قد أحالت إليه بصدد موضوعات متعلقة فى غالبيتها بتنظيم السلطات العامة وأجهزة الدولة كرئيس الجمهورية والبرلمان والمجلس الدستورى و.........

         إلا أنه يحد من إطلاق هذا المعنى ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 34 من دستور 1958 من اختصاص la loi organique بتحديد تنظيمات هذه المادة وتكملتها والمتعلقة ببيان مجالات القانون ، وغيرها من مواد الدستور الأخرى التى من شأنها الإحالة إلى فكرة هذه القوانين لتنظيم بعض الأمور المتعلقة بالحقوق والحريات .

         كما يقف أمام هذا الرأى ويضعف تعليلاته اعتراف دستور 1978 الأسبانى بفكرة la loi organique وتعريفه لها فى المادة 81 منه بأنها القوانين المتعلقة بتطور الحقوق الأساسية والحريات العامة وبتأييد نظام الاستقلال والنظام الانتخابى العام بالإضافة لاختصاصاتها الأخرى المحددة لها بواسطة الدستور ([17]).

         مما سيجعل لـ  Les lois organiques إمكانية التدخل فى مجال الحقوق والحريات ، وبالتالى يشكك فى إطلاق لفظ القانون العضوى عليها ويجعله مرادفاً غير دقيق لها .

المعنى الثانى : القانون النظامى :

         وهو ما استعمله بعض الفقه المصرى([18]) وإن كان لم يقتصر عليه وحده ، بل استعمله إلى جانب لفظ آخر ، وذلك بذكر عبارة « القوانين الأساسية أو النظامية »([19]) .

وقد ظهرت هذه التسمية فى التاريخ الدستورى المصرى باعتبارها تُطلق على الدستور([20]) ، فوجد القانون النظامى المصرى الصادر سنة 1883 والقانون النظامى الصادر فى أول يولية 1913 وكلاً منهما كان يقصد به الدستور .

المعنى الثالث : القانون التنظيمى :

         من ضمن الأفكار التى تأثرت بها دولة المغرب نتيجة للاحتلال الفرنسى لها فكرة الاعتراف والاعتناء بـ Les lois organiques وتحديد مجال لها فى نصوص دستورها فنص عليها دستور 1972 ثم دستور 1996 تحت مسمى القوانين التنظيمية ([21]).

         فالقانون التنظيمى إذن هو المصطلح الذى استخدمه دستور دولة المغرب كترجمة ومعنى مرادف للفظ la loi organique كما ظهر فى فرنسا ، وهو المصطلح الذى يشير إليه كل من يتعرض لفكرة هذه القوانين فى المغرب([22]). بل أنه فى المعجم الدستورى وهو معجم تم طبعه ونشره بلبنان تم استخدام هذا اللفظ أيضاً للدلالة على تلك القوانين([23]) .

         وإذا كانت تلك التسمية قاصرة على بعض الدول فقط كما يبين إلا أن هناك من الفقه([24]) من يدافع عنها بقوله « قد يظهر أن مصطلح «القوانين التنظيمية» غير موفق ، لأن كل قانون ينظم فى الواقع شيئا ما . إلا أن هذه الترجمة العربية للمصطلح الفرنسى تفرض لسببين فهى ، أولاً ، مستعملة فى بعض الدساتير العربية كالدستورين اللذين صدرا فى المغرب عام 1962 وعام 1970 . وأن المصطلح الفرنسى يفرضها ، ثانياً ، لأنه كما يظهر مشتق من فعل « نظم organiser » بحيث أن الصفة « تنظيمى
« Orgnique  قد اشتقت من هذا الفعل » .

         إلا أنه ومع احترامنا للأدلة التى ساقها الرأى السابق للتدليل على رأيه ، فإننا نرى مع ذلك أنها أدلة يمكن دحضها .

فبالنسبة للدليل الأول ، نرى أنه لا يكفى الاستناد إلى دولة عربية واحدة استعمل دستورها هذا اللفظ ، حتى لو كانت دولة قد وقعت لفترة تحت الاحتلال الفرنسى بما يحمله ذلك من إثبات قدرتها على التعامل مع اللغة الفرنسية وبالتالى ترجمة مصطلحاتها الترجمة الدقيقة ، خاصة إذا ظهر لنا أن بعض الفقه([25]) من دولة الجزائر ، وهى دولة كذلك قد عانت من الاحتلال الفرنسى ، بل أنها من أكثر دول المغرب العربى وقوعاً تحت هذا الاحتلال إذ استمر احتلالها من جانب فرنسا مدة مائة واثنين وثلاثين عاماً([26]) من عام 1830 إلى أول يوليو 1962 ، قد قام بالحديث عن هذه القوانين تحت مسمى القوانين الأساسية .

         أما عن الدليل الثانى ، فإذا كانت كلمة « organique » قد اشتُقت من فعل «Organiser » أى ينظم ، فإنه يمكن القول كذلك بأنها كلمة مشتقة من
« Organe » أى عضو وهو ما يتناسب مع سبب نشأتها فى فرنسا ، ومع تحديد مجالها سواء فى الدستور الفرنسى أو المغربى ومن ثم يكون معناها «عضوى» .

المعنى الرابع : القانون الأساسى .

         بالرغم من ظهور مصطلح القانون الاساسى فى التاريخ الدستورى المصرى بمعنى الدستور([27]) كالقانون الأساسى أو قانون السياستنامة لعام 1837 والقانون الأساسى أو اللائحة الأساسية 7 فبراير 1882([28]) . وإطلاق بعض من الدول العربية على دستورها مصطلح القانون الأساسى كالعراق وفلسطين والأردن ([29]) وكذلك بعض الدول الأجنبية كألمانيا ، حيث يسمى دستورها بالفرنسية « la loi fondamentale pour la République fédérale d'Allemagne» و بالإنجليزية  «Basic law».

         كما أنه فى السويد يعنى مصطلح loi organique القانون الأساسى
ومن ثم الدستور بحق ، حيث أن دستورها يسمى بهذا المصطلح ، فنجد فيها
lois organiques du Royaume de Suede وتشمل تحتها :

1- Constitution du 27 fevrier 1974

2- loi de Succession au trone . du 26 Seplembre 1819

3- loi sur la liberté de la presse du 23 mars 1949

4- loi sur la liberté d'expression du 6 novembre 1991 .

         بل أن الدستور الفرنسى كثيراً ما يشير إليه الفقه([30]) تحت عبارة la loi fondamentale وهى تعنى فى اللغة العربية القانون الأساسى ، حيث إن fondamentel معناها أساسى ، جوهرى و loi fandomentale تعنى قانوناً أساسياً ، دستوراً([31]) . مما يعنى أن تعبير القانون الأساسى فى فرنسا يُقصد به الدستور .

         نجد أن معظم الفقه المصرى([32]) قد تعارف وتواتر على إطلاق هذه التسمية على ما يقابل لفظ la loi organique فى مصر من قوانين ، بل يترجم هذا اللفظ نفسه تحت هذه التسمية بالرغم من اعتراض بعض الفقه عليها باعتبارها تسمية « مضللة لأنها تقود إلى فهم غير سليم لطبيعة هذه القوانين » ([33]).

         وعليه ، فإن مصطلح la loi organique المستخدم فى فرنسا سواء من قبل الدستور أو من قبل الفقه يقابله فى اللغة العربية أربعة معان ، وكلاً منها له أنصاره ومستخدميه - سواء من جانب دساتير الدول المختلفة أو من جانب الفقه أيضاً - كما أن كلاً منها صحيح من الناحية اللغوية ، وبالتالى ليس من الخطأ إطلاقه عليه .

         إلا أنه باستعراض مواد الدستور الفرنسى الحالى([34]) التى أحالت إلى la loi organique يتضح أنها تتعلق فى غالبيتها بتنظيم موضوعات تتصل مباشرة بأجهزة الدولة وسلطاتها العامة ، وكذلك نتيجة لإطلاق لفظ القانون الأساسى « la loi fondamentale » فى فرنسا على الدستور ([35])، فإننا مع الرأى فى الفقه([36]) الذى ذهب إلى ترجمة la loi organique بمصطلح القانون العضوى لملائمته لها أكثر من غيره .

ثانياً : فى مصر :

         إذا ما انتقلنا إلى الوضع فى جمهورية مصر العربية سنجد أنه يشبه الوضع فى فرنسا ، ففكرة الأعمال القانونية المُساعدة التى توجد إلى جانب الدستور لتنظيم موضوعات دستورية بطبيعتها أو فى جوهرها لم ترتبط فى ظهورها بدستور معين ، بل وُجدت هذه الفكرة على مر دساتير مصر المختلفة ، سواء التى اعترفت لها بنظام خاص فى الإعداد أو التى ساوت بينها وبين الأفكار والأعمال الأخرى وسواء التى خصتها باسم مميز أو التى أطلقت عليها لفظ « قانون » مجرداً لينفتح المجال أمام الفقه لتحديد مجالاتها التى تصدر فيها .

فأطلق عليها القانون النظامى المصرى الصادر فى أول مايو سنة 1883 لفظ « قانون الانتخاب » حيث تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية والأربعين منه على أن « ويكون انتخابهم بالكيفية والشروط المقررة فى قانون الانتخاب الصادر فى هذا اليوم ... ».

         ويتبنى نفس التسمية القانون النظامى رقم 29 الصادر فى أول
يوليه سنة 1913 لينص فى الفقرة الثانية من المادة الثانية منه على أن
« ... ويكون انتخاب هؤلاء الأعضاء بالكيفية والشروط المقررة فى قانون الانتخاب » .

         ثم يأتى دستور 1923 ليستخدم ألفاظ « قانون الانتخاب » و« قانون خاص »([37]) و« قانون » للتعبير عن تلك الأعمال .

         فتنص المادة 82 منه على أن « يؤلف مجلس النواب من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام على مقتضى أحكام قانون الانتخاب » ، وتنص المادة 131 على أن « يوضع قانون خاص شامل لترتيب المحاكم العسكرية وبيان اختصاصها والشروط الواجب توفرها فيمن يتولون القضاء فيها » ، وتنص المادة 125 منه على أن « ترتيب جهات القضاء وتحديد اختصاصها يكون بقانون » .

         ويلاحظ أنه بالرغم من التنوع فى استخدام تلك الألفاظ ، فان المقصود منها جميعها واحد ، وهو القوانين التى تعالج موضوعات دستورية.

         ويسير دستور 1930 على نفس وتيرة الدستور السابق ليستخدم ذات الألفاظ السابقة ، فتنص المادة 75 منه فى فقرتها الأولى على أن « يؤلف مجلس الشيوخ من مائة عضو يعين الملك ستين منهم وينتخب الأربعون الآخرون طبقاً لأحكام المادة 81 وقانون الانتخاب ... » . وتنص المادة 115 على أن « تعيين القضاة يكون بالكيفية والشروط التى يقررها القانون». وتنص المادة 120 على أن « يوضع قانون خاص شامل لترتيب المحاكم العسكرية و........... » .

         بينما يقتصر دستور 1956 على استعمال لفظ « قانون » فقط  . فتنص المادة 183 منه على أن « ينظم القانون ترتيب المحاكم العسكرية و........ » وهو الدستور الذى خص إصدار بعض القوانين بإجراء خاص ([38]) وهو استلزام موافقة ثلثى الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس الأمة ، مما دعا البعض إلى القول بأن القوانين فى ظل ذلك الدستور تتميز بأنها على درجتين : القوانين العادية ويتم إقرارها « بأغلبية أصوات الحاضرين » والثانية ما اسماه
« بالقوانين العضوية » - وهى ما نقصده فى دراستنا بالقوانين الأساسية - ويجب إقرارها « بأغلبية ثلثى أعضاء (مجلس الأمة) جميعاً » ([39]).

         فبالرغم من تفرد هذا الدستور بالنص على ذلك الإجراء الخاص وتمييز بعض القوانين به ، إلا أنه مع ذلك لم يستخدم فى التعبير عن تلك الأخيرة أى تسمية مميزة .

         ثم يظهر بعد ذلك الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة 1958 ، ليحيل هو الآخر إلى أعمال تشريعية أخرى أقل منه شكلية وأكثر دقة لتنظيم بعض الموضوعات الدستورية مستخدماً فى ذلك لفظ « القانون » مجرداً ودون النص على أية إجراءات خاصة كما فعل سابقه ، فتنص المادة 40 منه على أنه « لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأمة وتولى الوظائف العامة ، ويحدد القانون أحوال عدم الجمع الأخرى » .

         ويتفق معه فى ذلك دستور 1964 الذى تنص المادة 45 منه على أن « الانتخاب حق للمصريين على الوجه المبين فى القانون ، .... » .

         وكذلك دستور 1971 ، فتنص المادة 88 منه على أن « يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فى أعضاء مجلس الشعب ...... » .

         هذا ونود هنا الإشارة إلى أنه بالرغم من استخدام الدساتير المصرية المتعاقبة لتعبيرات مثل « قانون » و « قانون الانتخاب » و « قانون خاص » ، إلا أن الفقه([40]) فى مصر لم يستخدم أى من هذه التعبيرات - للتعبير عن الفكرة المقصودة بها - متجها فى ذلك إلى استخدام تعبير آخر وهو
« القانون الأساسى » ، فنجده يترجم
la loi organique الموجودة فى فرنسا تحت تعبير القانون الأساسى ، ولا يقتصر على ذلك بل يتحدث عن أن la loi organique فى فرنسا تقابلها « القوانين الأساسية » فى مصر ، ويضرب لها أمثلة من تلك القوانين التى أحالت إليها الدساتير عبر موادها المختلفة ، وذلك كقانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923([41]) والقانون رقم 23 لسنة 1972 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية([42]).

         وعودة مرة أخرى إلى المصطلحات المستخدمة من قبل الدساتير المصرية للتعبير عن فكرة القوانين المنظمة لموضوعات دستورية ؛ نلاحظ أنه بعد هذا الاتجاه التذبذبى فى استخدامها ، حيث بدأ الأمر باستخدام مصطلح «قانون الانتخاب» ؛ ثم الصعود باستخدام مصطلحات « قانون الانتخاب » و « قانون خاص » و « قانون » ؛ ثم النزول مرة أخرى بالاقتصار على استخدام مصطلح « القانون » فقط ، يبدأ الاتجاه التصاعدى من جديد بالتعديل الذى أُدخل على دستور 1971 بقرار مجلس الشعب الصادر بجلسة 30 أبريل سنة 1980 ليستحدث الباب السابع تحت عنوان أحكام جديدة الفصل الأول مجلس الشورى ، وينص فى المادة 195 منه على أن « يؤخذ رأى مجلس الشورى فيما يلى:-

         1- ........ 2- مشروعات القوانين المكملة للدستور . 3- ...... 4- ...... 5- ..... 6- ...... » .

         ليظهر بذلك مصطلح « القوانين المكملة للدستور » ، والذى تم استعماله أيضاً فى تعديل الدستور عام 2007 ([43])، للتعبير عن تلك الأعمال إلى جانب مصطلح قانون الذى ظل دستور 1971 يحفل به .

         وبالرغم من ظهور هذا المصطلح ومن وروده فى صلب الوثيقة الدستورية واستعمال القضاء له([44]) عند التعرض لهذه الفكرة ، إلا أن معظم الفقه قد استمر فى استخدام تعبير « القوانين الأساسية » إما منفرداً أو مجتمعاً مع عبارة « القوانين المكملة للدستور » .

         ولا يخفى ما فى عبارة « القوانين المكملة للدستور » التى استخدمها واستحدثها المشرع الدستورى من مآخذ منها :

         أولاً : إنه إذا كان القيام بتكملة الدستور يعتبر وظيفة تقوم بها تلك القوانين لمساعدته وسد ما جاء به من أوجه نقص ، فإنها ليست الوظيفة الوحيدة التى تقوم بها هذه القوانين بالنسبة للدستور ، حيث أنها تقوم بوظائف أخرى إلى جانبها . ومن تلك الوظائف القيام بتنفيذ أحكامه([45]) ، وذلك بتنفيذ إرادة المشرع الدستورى أولاً بالتدخل فى المجال المرسوم لها وثانياً بوضع نصوص الدستور الخاصة بذلك المجال موضع التطبيق بتفصيل الأحكام التى وردت فيه مجملة .

         ثانياً : يؤكد هذا ما ورد من تعريف لمصطلح loi organique فى احدى المعاجم الفرنسية للقانون الدستورى من انه قانون يقوم بتكملة وتحديد الدستور" Une loi organique est une loi qui, à la demande explicite .([46])du constituant, complète et précise la constitution"
وكذلك ما ورد فى مقدمة الكتاب الذى حوى نصوص الدستور الدائم وبعض القوانين الأساسية المكملة له من أن « .... ورغم ما وصف به ذلك الدستور من دوام فقد طرأت عليه من التعديلات ، وصدرت فى كنفه عديد من القوانين الأساسية منها ما جاء مكملاً لأحكامه أو نفاذاً لها . وانطلاقاً من الأهمية القصوى التى يحظى بها الدستور أبا شرعيا لكافة القوانين والقرارات ، وما تحظى به التشريعات المكملة والمطبقة لأحكامه ، فقد رأينا تخصيص هذا الملحق لذلك كله ، مشتملاً على الدستور الدائم فى جمهورية مصر العربية وكذلك القوانين الأساسية المكملة له أو المنفذة لأحكامه .... »([47]).

         ثالثاً : كما أنه بتصفح تلك القوانين التى احتواها ذلك الملحق نجد أن منها ما صدر من تلقاء ذات المشرع دون تكليف مسبق له من الدستور بذلك ، وهو ما يتماشى مع وظيفة تكملة الدستور ومن ثم القوانين الصادرة بهذا الشكل تعتبر قوانين مكملة للدستور . ومنها ما اصدره المشرع بناء على تكليف من الدستور له بذلك وهو ما يجعل تلك القوانين من قبيل القوانين المنفذة لأحكام الدستور([48]).

         وأخيراً : فإن تسمية القوانين المنظمة لموضوعات دستورية بطبيعتها أو فى جوهرها بالقوانين المكملة للدستور إنما يعنى الاعتراف لها بقيمة مساوية لقيمة الدستور وهو ما لم يقل به أحد من الفقه ولم يعترف به الدستور نفسه ([49]).

         ومن ثم فليس من اللائق أو المنطقى أن نطلق على فكرة ما تسمية مشتقة من إحدى وظائفها فقط دون الوظائف الأخرى أو تعطيها قيمة ومرتبة لا يعترف لها بها ، حيث أن اسم أى فكرة لابد أن يشمل ويتسع لكل وظائفها وكل خصائصها وسماتها .

         وليس أدل على قصور هذه التسمية من أن عنوان الكتاب المشار إليه هو « الدستور الدائم والقوانين الأساسية المكملة له » فهو لم يكتف بعبارة
« القوانين المكملة للدستور » وحدها ، مع أنه يتضمن التعديل الذى تم واستُحدث به هذا المصطلح .

إذا كنا قد استعرضنا فيما سبق المصطلحات المختلفة ؛ التى ظهرت سواء فى نصوص دساتير الدول الأجنبية أو العربية أو الدساتير المتعاقبة للدولة الواحدة أو التى ظهرت فى الفقه للتعبير عن القوانين التى تصدر إلى جانب الوثيقة الدستورية لتقوم بتنظيم مسائل دستورية بطبيعتها أو فى جوهرها ، ووجدنا أنها بالرغم من كثرتها وتنوعها فإن جميعها يقوم على نفس الفكرة ويستهدف تحقيق ذات الغرض ، فإنه قد حان الوقت لاختيار إحدى تلك المصطلحات ليقوم دون غيره - بالرغم من صحتها جميعها - بالتعبير عن هذه القوانين .

وقبل أن نقوم بهذا الاختيار - الذى سيحكمه اعتبارات عملية - نود أن نشير إلى مصطلح أطلقه بعض الفقه([50]) ويستحق بحق أن يكون هو المصطلح المختار لصدقه ودلالته على التعبير عن الفكرة محل الدراسة ، بل أنه هو المصطلح الذى يمكن أن تنطوى تحته جميع المصطلحات الأخرى دون أى تنافر أو اختلاف بينها وهو مصطلح « القوانين العادية التى تنظم موضوعات دستورية » .

فبالرغم من تأييدنا لهذا المصطلح إلا أننا سنضطر إلى اختيار مصطلح آخر مكتفين باعتبار هذا المصطلح الأخير تعريفاً لموضوع الدراسة .

أما عن المصطلح الذى نرى اختياره ، فهو مصطلح « القانون الأساسى »([51]) - وذلك بالرغم من ما وجه إليه من انتقادات سبق وأشرنا إليها - معتمدين فى تبرير هذا الاختيار ، وفى قياسه على ما ذكره المرحوم الأستاذ الدكتور عثمان خليل عند ترجيحه لاستعمال لفظ « دستور » من أن
« ولئن كان قد لوحظ أن عبارة « القانون الأساسى » أصح لغة من كلمة
« دستور » وأبعد عن العجمى إلا أننا نفضل كلمة « دستور » لأنها - فوق إيجازها ودلالتها مع شيوع استعمالها فى البلاد العربية - قد ضمنها العرف شيئاً من معنى القدسية الذى يمتاز به الدستور على القوانين العادية فأصبح لفظ « دستور » يشعر بأنه من طبيعة أخرى تخالف طبيعة هذه القوانين وتسمو عليها »([52]) .

فإن شيوع لفظ القانون الأساسى كذلك وتواتر الفقه على استعماله([53]) ، وما يمكن أن يثيره فى الذهن من سمو على القوانين العادية يجعل من الملائم استخدامه للتعبير عن هذه الفكرة .

ولكننا إذ فضلنا تعبير القوانين الأساسية عن غيره من التعبيرات ، فإننا مع ذلك نؤكد على ما سبق وذكرناه من أن مصطلح « القوانين العضوية » يعتبر أقدر من غيره عن التعبير عن فكرة la loi organique فى فرنسا ، لنميز بذلك بين الوضع فى فرنسا والوضع فى مصر ، فنستخدم لفظ
« القوانين العضوية » عند الحديث عن la loi organique فى فرنسا ونستخدم لفظ « القوانين الأساسية » عند الحديث عن « القوانين المكملة للدستور » كما اسماها الدستور فى مصر.



تعليقات