القائمة الرئيسية

الصفحات



الضرائب وتعبئة رأس المال للتنمية الاقتصادية

 



الضرائب وتعبئة رأس المال
للتنمية الاقتصادية

 

               المبحث الأول: الضريبة وضبط الاستهلاك.

                 المبحث الثاني: الضريبة وتشجيع الادخار.

                 المبحث الثالث: الضريبة كموجه للاستثمار الخاص.

 

 

 


تمهيد:

         ينتج عن الانخفاض في الدخل القومي بالدول النامية، انخفاضا في متوسط الدخل الفردي فيها، ويؤدي هذا إلى انخفاض معدل الادخار والاستثمار، وارتفاع في الميل الحدي للاستهلاك، حيث تعيش نسبة كبيرة من السكان على حد الكفاف، وهذه تشكل المعضلة (المشكلة) التي يجب أن تواجهها الضريبة بالدول النامية بهدف إذلالها ومن ثمة يجب البحث على ذكر معدل ممكن من تكوين رأس المال دون نضج كهدف لها.

 

         لقد سيطرت نظرية نيركس على الفكر التنموي بعد الحرب العالمية الثانية، وترى هذه النظرية حتمية مشاركة رأس المال الأجنبي لتحقيق التنمية في الدول الفقيرة، حيث أن انخفاض مستوى الدخل يؤدي إلى انخفاض مستوى الادخار والاستثمار، وبالتالي انخفاض معدل التراكم الرأسمالي الذي يؤدي ثانية إلى انخفاض مستوى الدخل. فالدول الفقيرة ترزح تحت حلقات مغلقة للفقر، وذلك لتبرير اعتماد هذه الدول على المدخرات الأجنبية في كسر هذه الحلقات الخبيثة للفقر، وعندما لا تفي الموارد المحلية المتاحة بتحقيق الاستثمار المطلوب توجد ثلاثة احتمالات، تتمثل في قبول معدل أقل للتنمية، أو تعبئة الفائض الاقتصادي الكامن في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي، أو اللجوء إلى التمويل الخارجي مثل القروض والمساعدات والاستثمارات الأجنبية لسد فجوة الموارد المحلية(1).

 

        ونتناول بالتحليل لهذا الفصل، كيف تعمل الضريبة على ضبط الاستهلاك ؟ وتشجيع الادخار، وتوجيه الاستثمار ؟.


المبحث الأول: الضريبة وضبط الاستهلاك.

 يحتل تحقيق أعلى معدل ممكن من تكوين رأس المال مكانة هامة على بقية أهداف الدولة الساعية للنمو، وينجر عن ذلك أن تصبح نقطة البدء في السياسة الضريبية لهذه الدولة، هي البحث عن الفائض الاقتصادي الناتج في الاقتصاد، والذي يعتبر مفتاحا للتنمية الاقتصادية، ومن  ثمة فإن تعبئته للتنمية الاقتصادية تعتبر إحدى المهام الرئيسية للسياسة الضريبية.

 يتمثل الفائض الاقتصادي في الفرق بين الإنتاج والاستهلاك والذي يتطابق مع الادخار والتراكم يتوقف استمرار الحياة وتقدمها لأي دولة، بما يمكن أن تحققه من فائض اقتصادي بمعنى بما يفيض من إنتاجها عن استهلاكها الضروري.

 إن من بين العوامل المؤثرة في الاستهلاك، نجد القاعدة الإنتاجية، والأجور ونمط الاستهلاك ودرجة توافر السلع والخدمات، والأسعار، بالإضافة إلى الضرائب.

  وتتباين الضرائب التي يراد منها ضبط الاستهلاك بتباين الفئات التي توجه لضبط استهلاكها، لذلك يمكن التمييز بين تأثير الضريبة المباشرة، وغير المباشرة في ضبط الاستهلاك.

 

المطلب الأول: أثر الضريبة المباشرة في ضبط الاستهلاك:

تؤثر الضرائب على الاستهلاك بصفة مباشرة في توجيه وتهذيب الاستهلاك عن طريق إنقاص أو زيادة القوة الشرائية للأفراد، وبصفة غير مباشرة، عن طريق التـأثير في كمية سلع وخدمات الاستهـلاك [1].

  إن تأثير الضريبة على الاستهلاك يكون من خلال تأثيرها على الدخل، ذلك أنها تؤدي إلى خفض الدخول النقدية، أو رفع أسعار المنتجات، وهو ما ينعكس في انخفاض الدخول المتاحة. فإذا ما فرضت ضريبة على هذا الدخل فأدت إلى إنقاصه كما كان عليه، فإن ذلك يؤدي بالممول إلى إعادة توزيع استعمالات دخله.

  إن الفرد متى حصل على دخله، فإنه يعمل على توزيعه بين الاستهلاك والادخار، فإذا ما فرضت ضريبة على هذا الدخل فادت إلى إنقاصه كما كان عليه، فإن ذلك يؤدي بالممول إلى إعادة توزيع استعمالات دخله.

  يتوقف أثر فرض الضريبة الدخل على نوع الطبقة التي ينتمي إليها الممول كالآتي[2]:

       إذا كان من أفراد الطبقات ذات الدخل المرتفع والتي تحرص أولا على الاحتفاظ بمستواها المعيشي ناظرة إلى الادخار كفائض بعد استيفاء كافة حاجاتها الاستهلاكية، فإن دفع الضريبة، سيتم من الجزء من الدخل الذي كان سيوجه إلى الادخار، أي أن فرض الضريبة على هذا النوع من الممولين سيؤدي إلى نقص الادخار وبقاء الاستهلاك على ما كان عليه من قبل الضريبة.

أما إذا كان الممول من أفراد الطبقات الدنيا التي لا يكاد يكفي دخلها حاجاتها الضرورية، فإنه لابد وأن يدفع الضريبة إذا ما فرضت عليه على حساب إنفاقه الاستهلاكي، ومن الواضح أن مثل هذا الممول لا يقوم بتخصيص أي جزء من دخله للادخار سواء قبل الضريبة أو بعدها.

وإذا كان الممول من أفراد الطبقات المتوسطة التي توزع دخلها بين الاستهلاك والادخار بنظرات متفاوتة حسب طبيعتها، موقعها من طبقات المجتمع والبيئة المحيطة بهم فمنهم من يدخر أقصى ما في وسعه بغية الوصول في الأجل القريب إلى مستوى معيشي معين، ومنهم من يدخر نسبة من دخله الإجمالي كحد أدنى، وبغض النظـر إلى الضريبة ومنهم من يدخر مبلغ محدد بهدف أن يترك لأولاده من بعده ثروة محددة.. الخ.

 

 وعما سبق، فسيكون دفع الضريبة على حساب نقص الإنفاق الاستهلاكي لأصحاب الطبقتين السابقتين، وعلى حساب المدخرات دون الإنقاص في الاستهلاك بالنسبة للأغنياء (مرتفعي الدخل).

         تؤثر الضرائب المباشرة في ضبط الاستهلاك من خلال الضرائب التصاعدية التي تعمل على التقليل من الاستهلاك المسرف، وحيث أن تدعيم حافز الادخار يستوجب إعفاءا ضريبيا لكبار مالكي الفائض الاقتصادي على مدخرات دخولهم فإن الأمر يتطلب من السياسة الضريبية أن تكون محكمة التدبير، بحيث لا تسمح باستثمار هذا الفائض استثمارا غير منتج، كما أن عليها أن تحد من الاستهلاك الترفي المعتاد ممارسته لدى فئة في الدول النامية.

         تعمل الضرائب المباشرة التصاعدية على خفض مستويات الاستهلاك لدى الفئات المرتفعة الدخل. غير أن هذه المعاملة، لا تميز بين الفائض الذي يستخدم في الاستثمار المنتج، وذلك الذي يستخدم في الاستهلاك الترفي.

 

      وفي هذا، فإن جدوى ضريبة الدخل التصاعدية تكون عند استعمالها في الحد من الاستهلاك الترفي والاستثمار غير المنتج لدى أصحاب المداخيل المرتفعة.

تصطدم الضريبة المباشرة بسيطرة أصحاب رؤوس الأموال الذين يعمدون للدفاع على مصالحهم التي قد تتعارض مع فرض هذا النوع من الضرائب. وفي هذا فقد ذكر R.Goode في المؤتمر السنوي الرابع الأربعين للجمعية الأمريكية للضرائب سنة 1951، الشروط الواجب توافرها لضمان نجاح الضرائب على الدخل وحصرها في الشروط الآتية(1) :

– تعميم استعمال النقود في الاقتصاد.

– توفر مستوى مرتفع من الإلمام بالقراءة والكتابة لدى الممولين.

– إمساك دفاتر حسابات منتظمة يتم القيد فيها بأمانة ودقة بحيث يمكن الاعتماد عليها.

– توافر قدر كبير من القبول والاستجابة الاختيارية من جانب الممولين.

– سيادة الديمقراطية السياسية.

– قيام جهاز لإدارة الضريبة وتنفيذها، يتوفر فيه النزاهة والكفاءة.

 تعمل هذه الشروط على شفافية المعاملات، وزيادة فعالية الإدارة الضريبية.

 

  المطلب الثاني:  أثر الضريبة غير المباشرة في ضبط الاستهلاك

         تعمد الدول لفرض ضرائب غير مباشرة على الاستهلاك لتوفير الموارد المالية للخزينة العمومية، وأن اقتصار فرض الضريبة على السلع الكمالية فقط، لا يوفر غزارة الحصيلة، ومن ثمة تعمل الدول على فرض الضريبة على السلع الواسعة الاستهلاك التي يستهلكها ذوي المداخيل المنخفضة.

         يتوقف تأثير الضريبة غير المباشرة في ضبط الاستهلاك، على درجة مرونة الطلب السعرية، فالسلع ذات الطلب المرن يتأثر استهلاكها نتيجة فرض الضرائب أكثر من السلع ذات الطلب غير المرن التي لا يستطيع المكلفون الاستغناء عنها إلا في حدود ضيقة.

         فإذا هدفت الدولة تخفيض الاستهلاك، تقوم بفرض الضريبة على السلع ذات الطلب المرن، بينما فرضها على السلع ذات الطلب غير المرن فلن يقلل من استهلاك هذه السلع إلا في حدود ضيقة، وحسب درجة مرونة الطلب عليها.

 

         تجدر الإشارة إلى أن السلع الضرورية الكمالية تتباين تبعا لعادات المجتمعات ومستوى معيشتها ومن دولة لأخرى، ومن زمن لأخر في الدولة الواحدة.

         تعمل الضرائب غير المباشرة على الواردات، دورا مهما في التخفيض من الاستهلاك، وزيادة حصيلة إيرادات الدولة بالإضافة إلى ما توفره من عملات صعبة التي كانت تصرف في استيراد هذه السلع الاستهلاكية.

إن الدور الأساسي للضرائب على السلع الواسعة الاستهلاك، هو الحد من الزيادة في الاستهلاك لدى الطبقة المنخفضة الدخل، وهذا ما يقتضي من السياسة الضريبية أن تأخذ في الحسبان ما يلي :

أ - إنه لا مبرر لفرض الضريبة من مداخليهم المنخفضة على السلع الضرورية بغرض التحقيق من المساهمة في نفقات التنمية مع اكتفائهم في المساهمة في تمويل الخدمات الضرورية.

ب – إمكانية إخضاع السلع غير الضرورية والسلع الكمالية الشائعة الاستهلاك لضرائب منخفضة.

 كما تجدر الإشارة، إلى أن زيادة الضرائب فيما يخص السلع الكمالية بأسعار تميل إلى الارتفاع مع ضرائب منخفضة نسبيا على السلع الواسعة الاستهلاك ذات الوعاء الواسع يجعل ضرائب الاستهلاك توفر إيرادات ضريبية مرتفعة، و تعمل على إنقاص الاستهلاك وبالخصوص الحد من الزيادة في الاستهلاك.

         وبهذا، فإن دور الضريبة على السلع الضرورية يهدف إلى جعل الزيادة في الاستهلاك أقل من الزيادة في الدخل بفعل الاستثمار السابق، وبذلك تجد الضرائب مبررها في الدول النامية من أجل تعبئتها في التنمية الاقتصادية.

 

 المبحث الثاني: الضريبة وتشجيع الادخار.

       تشكل المدخرات الوطنية أساسا مهما لدى الدول النامية من أجل تمويل تنميتها الاقتصادية، ومن ثم فإن معدلا من تكوين رأس المال يعد ضروريا للتنمية، سيما وإن كانت هذه الأخيرة مراحلها الأولى نتيجة لما تحتاجه من مشروعات أساسية.

 

         تعمل الضرائب على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية، ومن بين هذه الأهداف هو استخدام حصيلة الضرائب كنوع من الادخار الإجباري في عملية التنمية الاقتصادية، نظرا لقلة الموارد المالية اللازمة للتنمية، وكذلك للضريبة دور أساسي في عملية إعادة توزيع الدخل الوطني، حيث تستعمل الضريبة لتمتد إلى دخول كان من الممكن توجيه جزء منها للادخار، إلا أن هذه الدخول تتسرب معظم فوائضها إلى الاستهلاك الكمالي، ولا توجه إلى الوجه الاستثماري السليم.

تلجأ الدولة إلى الضرائب ليس لاعتبارها موردا مالية لتمويل التنمية، وإنما لكونها وسيلة لحسن استغلال الفوائض وتعبئتها في الاقتصاد، ولإعادة توزيع الدخل القومي.

تهدف الدول النامية إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية، ويشكل تحقيق أعلى معدل ممكن رأس المال هدفا أساسيا، وبهذا تتضح أهمية السياسة الضريبية والمتمثلة في البحث عن الفائض الاقتصادي في الاقتصاد القومي، وتعبئته لخدمة التنمية.

 تتوقف طرق تعبئة الفائض الاقتصادي على طبيعة الهيكل الاقتصادي للدول، ففي الدول الرأسمالية تعتمد تعبئة الفائض الاقتصاد على الضريبة والادخار الخاص، وفي الدول النامية، فإن تعبئة الفائض الاقتصادي يعتمد على الضريبة والادخار الخاص والعمومي.

وتعتمد السلطات منطلقات إيديولوجية مختلفة حتى ضمن الفكر الواحد، فمثلا ضمن الفكر الليبرالي هناك الذين يستلهمون آرائهم من الكينزية، وهناك النقدويون وهناك أنصار التوقعات الرشيدة، فضلا عن التباين الواضح بين الفكر الاشتراكي والليبرالي، وموقع الضريبة لدى مختلف التيارات الفكرية ليس واحدا والنظرة إليها متباينة،..الخ.

ولهذا لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن الضريبة هي اقتطاع إجباري في مجتمع معين ذي نهج اقتصادي خاص به، وهذا ما يجعل هناك تباينا في أنواع الضرائب المعتمدة من نظام اقتصادي إلى آخر وتباينا من حيث الأهمية النسبية لكل ضريبة، وتباينا في الأهداف المراد تحقيقها عن طريق الضريبة[3].

وتلجأ الدولة في سبيل تشجيع الادخار إلى ضمان منح مزايا للجزء من الدخل الذي يدخر، وقد يتجاوز سلوكها هذا الحد فتعفي الدخل المتولد عن المدخرات إذا أعيد استثماره من الضرائب، وبذلك تبدأ عملية تراكم تساعد في الإسراع بعملية التنمية الاقتصادية.

 

    المطلب الأول: أثر الضريبة على ادخار الأفراد.

وإلى جانب ذلك، تفرض الدولة ضرائب مرتفعة على الدخول من الاستثمارات غير المرغوب فيها لصالح التنمية، كما قد تشجع على حجز جزء من أرباح الشركات دون توزيع ليعاد استثمارها استثمارا إنتاجيا، وتفرض على هذا الجزء ضرائب مرتفعة إذا أبقي خاملا دون توظيف، ولم يعد استثماره في فترة معينة، أو إذا أعيد استثماره في استثمارات غير مرغوب فيها لصالح التنمية.

وعلى هذا يكون الادخار فعالا، ومنتجا، إذا وجه لشراء الأسهم والسندات، أو استخدم في تمويل الاستثمارات، "ويلاحظ بالدول النامية ضعف وضآلة الادخار، نظرا لانخفاض الدخل وقلة مؤسسات الادخار، وكذلك انخفاض الوعي الاقتصادي والادخاري خاصة، ومحدودية محفزات الادخار، إلى جانب تواجد الادخار السلبي بشكل واسع (الاكتناز)"[4]،ويشكل هذا الشكل العقيم للادخار، عائقا يعترض اقتصاديات هذه الدول.

 

         إن أثر إخضاع، أو إعفاء الدخل على حجم الادخار الفردي عند مستوى معين من الدخل المتاح يختلف باختلاف الدافع وراء هذا الادخار. فإذا كان الهدف من الادخار تأجيل الاستهلاك، بمعنى أن هدف الفرد من الادخار هو الحصول على عائد سنوي يوجهه لأغراض الإنفاق الاستهلاكي، وتم تأجيل إنفاق المبلغ المدخر بعد عدد من السنوات في المستقبل يقدرها الفرد بنفسه.

         يختلف أثر الضرائب على الادخار، حسب نوعها مباشرة أو غير مباشرة. فبالنسبة للضرائب المباشرة، فإن أثرها كبيرا على حجم الادخار، إذ أن الفرد مهما كان دخله يسهر دوما إلى توزيعه بين الاستهلاك والادخار ومع فرض الضريبة على الدخل يقوم بإعادة بناء استعمالات دخله حسب تأثر الدخل بالضريبة.

      فإذا كان الدخل وفيرا تدفع الضريبة في هذه الحالة من ذلك الجزء الذي كان سيوجهه للادخار. وإذا كان الدخل منخفضا، فإن الضريبة ستدفع مقابل انخفاض في الاستهلاك، ومن ثم فإن الفرد لا يوجه شيئا للادخار.

        وعلى ما سبق، يمكن أن نخلص بأن أثر الضريبة المباشرة يكون كبيرا على ادخار الأفراد ذوي الدخول المحدودة على العكس من أصحاب الدخول المرتفعة.

          أما بالنسبة لأثر الضرائب غير المباشرة على الادخار فإنها تخفض من القوة الشرائية للدخل، كنتيجة لارتفاع أسعار السلع والخدمات بفعل ارتفاع أسعار الضرائب على الإنفاق كالضريبة على القيمة المضافة، والرسوم الجمركية. وينتج عن هذا أن الزيادة في الضرائب غير المباشرة، يصيب الاستهلاك الضروري لأصحاب الدخول المنخفضة، وبالتالي لا تترك لهم فرصة للادخار، وأن هذه الضريبة يدفعونها حتما بينما ذوي الدخول المرتفعة، فإنهم ينفقون كثيرا، لكن مع ذلك يدخرون، وهو ما يجعل الضريبة غير المباشرة في هذه الحالة مشجعة للادخار، "وعلى هذا تفضل الضرائب غير المباشرة عن المباشرة في تشجيع ادخار الأفراد بالدول النامية"[5].

 

المطلب الثاني: أثر الضريبة على ادخار المؤسسات.

         يعتبر ادخار المؤسسات، ذلك الجزء من الأرباح غير الموزعة والمحتفظ بها في شكل احتياطي لتمويل الاستثمارات الجديدة، وبهذا يكتسي هذا الادخار أهمية في تكوين رأسمال المؤسسات.

         إن زيادة الادخار تعتمد على تشجيع المؤسسات على حجز جزء من أرباحها دون توزيع، غير أنه لا يضمن أن يعاد استثمار الأرباح المحتجزة استثمارا إنتاجيا وتتحول المؤسسات في هذه الحالة إلى خزائن للاكتناز، لذلك يجب أن يربط الإعفاء بالحجز وإعادة الاستثمار في أوجه النشاط المرغوب فيه، والتي تدخل ضمن برامج التنمية.

         تدخر المؤسسات لعدة عوامل وهي:

-         دافع تمويل الاستثمارات وذلك تفضيلا للتمويل الداخلي عن الخارجي.

-         دافع الحاجة إلى السيولة.

-         الرغبة في التطوير بإعادة استثمار مدخراتها.

-         دافع الحيطة والحذر، نظرا لكون الادخار يشكل ضمانا يوجه للافتراضات المحتملة.

وفي الواقع فإن الادخار يرتبط بعدة عوامل يتمثل أهمها في:

 -    مبلغ الأرباح المحققة.

 -     طريقة توزيع الأرباح بعد اقتطاع الضريبة.

  -     معدل الضريبة على الأرباح.

  -    طريقة الاهتلاك المستعملة.

  وقد يغري إعفاء الأرباح المحتجزة من الضريبة بعض المؤسسات على المبالغة والإفراط في احتجاز الأرباح وعدم توزيعها، فتحجز ما يزيد عن طاقتها وعن حاجتها للتوسع، ويكون ذلك على حساب الاستثمار في أوجه استثمار أخرى قد تكون أكثر فائدة للاقتصاد ككل. وعلى هذا، يتوجب على التشريعات الضريبية في منحها الإعفاءات أن تحدد وتنظم بدقة وحسب حاجة كل قطاع، ونشاط اقتصاديين ونوع المشروع خدمة للتنمية الاقتصادية.

 

         ويمكن الإشارة إلى بعض الأساليب التي تعمدها الدولة الجزائرية في تشريعها الضريبي لتشجيع مدخرات المؤسسات في الآتي:

        أ – حق ترحيل الخسائر إلى الخمس سنوات الموالية.

       ب – السماح بتطبيق نظام الاهتلاك التنازلي المعجل.

يؤدي نمط الاهتلاك الثابت إلى تمويل الإحلال بقدر أدنى، مما يلزم بسبب حركة الأسعار والتقدم الفني، وقد انتقدت هذه الطريقة في البلاد الصناعية، وفضل العديد من بلاد السوق الأوربية المشتركة طريقة الاهتلاك التنازلي المعجل [6].

كما يمتاز الاهتلاك التنازلي بالنسبة للبلاد النامية بصفة خاصة بكونه ينمي إمكانيات التمويل الذاتي للمشروعات، بتحريرها الظروف المضادة لتوسع كبير إذا كانت هذه البلاد لا تتمتع بسوق مالي واسع النشاط [7].

ج – المعدل التفضيلي للأرباح غير الموزعة، أي السماح للمشروعات التي تنوي القيام باستثمارات في المستقبل أن تجنب في سبيل الاحتياط 40 % من إجمالي الأرباح الصافية معفاة من الضريبة على الأرباح بغرض تمويل المشروعات، أو بإخضاع جزء من الأرباح التي سيعاد استثمارها إلى معدل مخفض كما معمول به من طرف النظام الضريبي الجزائري فيما يخص على أرباح شركات الأموال بفرضه ضريبة على أرباح الشركات بمعدل 38 % ويخفض هذا السعر إلى 15 % بالنسبة للأرباح المعاد استثمارها بشروط معينة.

  د – المعاملة الضريبية الخاصة بفوائض القيم المهنية الناتجة عن التنازل عن الاستثمارات.

 

المطلب الثالث: الادخار الموازني (العمومي) أو الفوائض الصافية للخزينة العمومية.

يقصد به فائض الإيرادات العامة عن النفقات العامة للدولة، وما دامت الإيرادات العامة تتكون أساسا من الاقتطاعات الضريبية، فإن الادخار الموازني يتغير بتغير الاقتطاعات الضريبية على الأفراد والمؤسسات.

       يرتبط تمويل الاستثمارات العمومية بحجم الادخار العمومي، والموارد المالية الأخرى من قروض وإعانات كما توضحه العلاقة التالية:

الاستثمار العمومي = الادخار العمومي + الإعانات + القروض.

الادخار العمومي = الإيرادات الضريبية – النفقات الجارية

تكمن أهمية الادخار الموازني في توجيهه إلى تكوين رأس المال  [8] ، وأن فعالية الادخار الموازني تكون لما يوجه لتمويل الاستثمارات. كما أن المغالاة في الاقتطاعات الضريبية بهدف زيادة الادخار، تترتب عليه آثارا سلبية على ادخار الأفراد والمؤسسات.    

وعلى العموم، فإن سياسة التوسع في الادخار الموازني من خلال ضغط الضريبة على حساب الادخار الخاص( الأفراد والمؤسسات)، قد يخفض من الاستثمار الخاص، وقد يشكل خطرا على النشاط الاقتصادي، وقد يعقد الدور التدخلي للضريبة في الحياة الاقتصادية أمام حيادية الدولة في النشاطات الاقتصادية[9].

 

  المبحث الثالث: الضريبة كموجه للاستثمار الخاص.

   لقد شغل الاستثمار حيزا كبيرا من اهتمام الاقتصاديين، والمنشغلين بقضايا التنمية والنمو على مر العصور، فالسياسات الاقتصادية تسعى إلى زيادة فرص الاستثمار والتحفيز عليه، فعلى حجمه ونوعه ومجاله تتوقف أهميته والتي تتجلى في الهدف المنتظر ضمن الخطة التنموية للدولة من توازن جهوي، وتوفير لمناصب الشغل، وخلق وتعظيم الثروة،... الخ.

 

يلعب الاستثمار دورا هاما في اقتصاديات الدول النامية التي تواجه كثير من المشاكل التي تعيق جهودها في سبيل رفع معدلات النمو وتحقيق التنمية بها، ولذلك تسعى الدول إلى تهيئة مناخ استثمارها ومنح التسهيلات والمزايا، والضمانات المتعددة لجذب الاستثمارات إليها لتشارك في عملية التنمية بها، وذلك بتوجيهها رؤوس الأموال المحلية أو الأجنبية للاستثمار في القطاعات المراد النهوض بها، وتنميتها التي تعتبر ذات أهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني.

     يفهم من الاستثمار بأنه "استعمال رأس المال سعيا لتحقيق الربح مثل: إنشاء مصنع فندق،... الخ" ، كما يفهم من الاستثمار بأنه "تيار من الإنفاق على السلع والخدمات الإنتاجية بما يترتب عليه إضافة رأسمالية صافية إلى رصيد رأس المال في المجتمع"[10].  واستنادا إلى هذا المفهوم للاستثمار، فإن مفهوم الاستثمار الخاص يتمثل في التيار من الإنفاق على السلع والخدمات الإنتاجية، يترتب عليه إضافة صافية إلى رصيد رأس المال في المجتمع"[11]   بشرط أن يكون هذا الإنفاق من قبل وحدات إنتاجية مملوكة ملكية خاصة تسمح لها باتخاذ قرار الاستثمار بما يحقق أقصى حجم من الأرباح، أو أقصى حجم من صافي الثروة.

ويفهم من سياسة توجيه الاستثمار "بالسياسة التي تنتهجها الدولة بهدف تحويل النشاط الاقتصادي الاستثماري في الاتجاهات المرغوب في ترقيتها والتوسع فيها"[12] لتشجيع الاستثمار في الأنشطة السياحية أو الصيد البحري بغرض استغلال الثروات المحلية المتاحة، أو النهوض بالمناطق المحرومة والنائية بمنحها تسهيلات مالية ومزايا ضريبية لاستقطاب رؤوس الأموال.

 

المطلب الأول: أهداف وأساليب توجيه الاستثمار.

         أهداف توجيه الاستثمار تهدف الدولة من خلال توجيهها للاستثمار في قطاع أو منطقة معينة، إلى خلق مجموعة من الأهداف المسطرة من قبلها، والتي تتماشى وظروفها الاقتصادية والاجتماعية.

         ويمكن إجمال الأهداف من توجيه الاستثمار فيما يلي:

-         تشجيع الأنشطة ذات النفع والأهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني.

- خلق أشكال جديدة للاستثمار.

-         تشجيع الاستثمارات التي تعمل على إحداث مناصب شغل.

-         تشجيع الاستثمارات نحو المناطق المحرومة.

-         تشجيع الاستثمارات نحو النشاطات ذات الأولوية في المخطط الوطني للتنمية.

-         خلق التوازن الجهوي والقطاعي والنهوض ببعض المناطق.

-         استغلال الموارد الطبيعية والبشرية والمالية المتاحة.

-         تحسين الظروف المعيشية للأفراد بالوصول إلى الاستقرار الاجتماعي.

ـ توجيه الادخار نحو الاستثمار.

 

هناك عدة أساليب تؤدي إلى تحقيق الأهداف المنشودة لتوجيه الاستثمار، ويمكن ذكر أهمها في[13] :

         - الإقناع.

         - المنفعة الشخصية.

فبالنسبة للإقناع، فهو يشمل مساندة سائر مقررات السلطة التي تضع بين يديها وحدها وسائل التدخل في الاقتصاد. ومن أشكال هذا الأسلوب، حمل المواطنين على الاكتتاب الذي لا يكون مغريا في حالة التضخم التي ترافق عادة أوقات الحروب والأزمات، ومن ثم يترتب على السلطة إقناع المستثمرين ،رجال المال  بأن القرار الذي اتخذته للاستثمار في مجال معين، أو في منطقة معينة ليس قرارا اعتباريا، بل هو مبني على دراسة يكون الهدف منها تحقيق الأهداف المرجوة لكل من المستثمرين والدولة، بالإضافة إلى الضمانات التي تمنحها لهذا القطاع وتوفير مناخ الاستثمار الملائم والمشجع لاتخاذ قرار الاستثمار.

ويمكن أن تقنع الدولة المستثمر كأن تنهج أسلوب عقد المؤتمرات، واللقاءات للترويج للاستثمار في بلادها.

      أما فيما يخص المنفعة الشخصية، فيشمل هذا الأسلوب مجموعة من التدابير الاقتصادية الغرض منها تحويل النشاط الاقتصادي في الاتجاهات المرغوبة، وذلك عن طريق منح بعض المنافع، أو بالعكس في حالة الحد من بعض النشاطات غير المرغوب فيها.

    و في هذا، يقتضي في عمل الدولة في سياستها الاقتصادية الرامية إلى تعزيز المنفعة الشخصية، أن تسلك السبل التالية:

  - التسهيلات التمويلية: تتمثل في تقديم سلفيات من الأموال العامة للأعمال الاقتصادية وتبسيط عمليات الحصول على الموارد المالية، أي تقديم امتيازات مالية لتخفيض نسبة الفائدة المتداولة في السوق المالية بمعنى أن تتحمل الخزينة العمومية الفرق بين هذه النسبة والنسبة المعمول بها في السوق، بالإضافة إلى الإعانات التي تمنح دون أن يترتب عليها دفع لفوائد أو خضوع للضرائب.

       - مراقبة العملات الأجنبية: في هذا المضمار نجد أن الدولة بإمكانها تشجيع المصدرين من خلال منحهم حرية التصرف بنسبة معينة من العملات العائدة من عمليات التصدير.

  - الضمانات: تعتبر الضمانات من الإجراءات الهامة المستخدمة في توجيه الاستثمار والتي تظهر في المجال بين القانوني والمالي، كحرية تنقل الأشخاص، وحق الملكية، وحق الامتياز، حرية تحويل رؤوس الأموال،... الخ.

 - السياسة الجمركية: تستعمل السياسة الجمركية في توجيه الاستثمار، وذلك من خلال ما تمنحه التشريعات الجمركية من إعفاءات كلية أو جزئية من الحقوق والرسوم الجمركية، كأن تمنح فرصة استيراد معدات الإنتاج الضرورية للمشروع دون إخضاعها للحقوق والرسوم الجمركية، وهذا الأسلوب يعتبر ركيزة أساسية ترتكز حولها التشريعات الجمركية الحديثة للحث على الاستثمار.

  - السياسة الضريبية: تشكل الضريبة وسيلة أساسية للعمل الاقتصادي والاجتماعي وفي هذا وبغية توجيه الاستثمار، تعمل التشريعات الضريبية على منح مزايا ضريبية لجلب الأفراد المستثمرين للنشاطات ذات الأهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني.

وتشمل هذه المزايا الضريبية مجموعة من التدابير متمثلة في الإعفاءات والتخفيضات في الضرائب والرسوم لتشجيع أعمال، أو منشآت محددة بالذات إذا كان وجودها من متطلبات التعجيل بالتنمية، إذ أن خفض الضريبة على المشروعات المتعلقة بالتنمية يؤدي إلى زيادة الإيرادات الصافية المتوقعة. كما أن إعفاء المواد الأولية والآلات المستوردة يساعد أيضا على تشجيع الاستثمار.

 

تجدر الإشارة هنا، بأن الإعفاء من الضرائب لتوجيه وحفز الاستثمار يجمع في مضمونه الهدف المالي والهدف الاقتصادي (التوجيه)، على عكس ما يبدو من  أن الإعفاء يؤدي بالهدف المالي على حساب الهدف الاقتصادي.

ولإبراز ذلك، نجد أن الإعفاء الضريبي إذا تعارض مع الهدف المالي للضريبة في المراحل الأولى من جراء خفض الحصيلة الضريبة اللازمة إلى الخزينة العمومية، إلا أن إعفاء بعض المشروعات من الضرائب يؤدي إلى نهوض، وإنعاش صناعات أخرى قد تكون متكاملة معها، أو تتمتع بما حققته المشروعات الأولى من وفورات.

كذلك قد يؤدي الإعفاء الضريبية إلى قدر كبير من الحماية للصناعة الوطنية، ذلك أن التضحية بالحصيلة الضريبية يشكل الدعامة الملائمة للصناعة الناشئة، أي المصلحة العاجلة يقابلها مصلحة آجلة تبرز من خلال إنعاش المشروعات ونمو الصناعات الناشئة الوطنية بما يحقق أرباحا كبيرة تمثل وعاءا ضريبيا هاما، بالإضافة إلى نجاح هذه المشروعات يرتبط بارتفاع حجم التشغيل الذي بدوره يؤدي إلى إدخال دخول جديدة وزيادة دخول منخفضة مما يزيد من حجم القوة الشرائية، ويرفع من حصيلة الرواتب والأجور.

 

المطلب الثاني: العوامل المحددة لقرار الاستثمار الخاص.                     

  يعتبر قرار الاستثمار من أخطر القرارات التي يتعرض لها متخذي القرار،ذلك لارتباطه بعملية المفاضلة بين المشروعات الاستثمارية وما يتعلق بها من فرصة استثمارية متاحة.[14]

    يتحدد حجم الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي بالعوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تؤثر بدورها في الرغبة والقدرة على الاستثمار ومن بين هذه العوامل نذكر:

-         الأرباح الصافية المتوقعة.

-         التقدم التكنولوجي وتوفر الخبرات الفنية والإدارية.

-         حجم السوق الفعلي والمحتمل – المتغيرات التسويقية.

-         المناخ الاستثماري.

                                                  

أ – بالنسبة للأرباح الصافية المتوقعة: فيتطلب قرار الاستثمار القيام بتقديرات مرتبطة بأرباح وتكاليف الفرص الاستثمارية المتاحة محل الاختيار، ذلك أن المشروع الاستثماري يتطلب إنفاقا ماليا لتحقيق عوائد مستقبلية، أو مجرد فكرة أو اقتراح باستثمار أموال محددة في فرصة استثمارية لتحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية، فقد يكون المشروع شركة جديدة أو مصنع جديد، أو إضافة خط إنتاج جديد بهدف زيادة الإنتاج، أو إنتاج منتج جديد،.

      وعلى هذا، فإن المشروع الاستثماري له بداية و نهاية، حيث يبدأ بفكرة وينتهي بقرار (قبول أو رفض)، على تقدير التكلفة اللازمة لاستمرار النشاط تتوقف على الاتجاهات المختلفة لتغيرات الأسعار في المستقبل، والتي تتوقف بدورها على العديد من المتغيرات الاقتصادية التي يصعب التحكم فيها، والتنبؤ بسلوكها أحيانا، وبمعرفة النفقات الرأسمالية التي يتطلبها الاستثمار المتاح، والإيرادات والتكاليف المرتبطة بتنفيذه، يمكن حساب الأرباح الصافية المتوقعة لكل استثمار.

         ونظرا للتباين في العمر الإنتاجي المتوقع للاستثمار المتاح، وتباين أسلوب تدفق الأرباح الصافية المتوقعة، واتجاه هذه الأخيرة لبعض الاستثمارات نحو التركيز في السنوات الأولى من عمرها الإنتاجي، وللبعض الآخر في السنوات الأخيرة، فسوف يتوقف الاختيار بين الاستثمارات المتاحة، ليس على أساس مجموع الأرباح الصافية المتوقعة فحسب، وإنما على أساس معدل الخصم الذي يمكن استعماله في خصم تلك الإيرادات بالإضافة إلى طريقة اتخاذ قرار الاستثمار الخاص (طريقة فترة الاسترداد، صافي القيمة الحالية، معدل العائد الداخلي،.. الخ) (1).

         ويمكن الإشارة إلى أن متخذ قرار الاستثمار يواجه حالات متعددة أساسية عند صناعة القرار وهي( 2) :

      أ-1 – حالة التأكد: والتي يستطيع فيها متخذ القرار في حالة ما إذا كان هدفه تعويض الربحية، اختيار البديل الذي يحقق له أكبر عائد من بين البدائل المتاحة، وذلك بعد دراستها بدقة متناهية، أما إذا كان هدفه تخفيض التكلفة فقراره هنا هو اختيار البديل الذي يتحقق بأقل تكلفة ممكنة، وكل ذلك في ضوء معرفة نتائج كل بديل.

    أ-2 – حالة عدم التأكد: يعتمد متخذ القرار على خبرته، وخبرة المتخصصين، وذلك بسبب عدم موضوعية المعلومات والبيانات التي بين يديه، وأيضا عدم وجود حقائق يستند عليها وبثقة في صناعة قراره الأمر الذي يجعل من الصعب معرفته بعوائد كل بديل.

    أ-3 – حالات المخاطرة: حيث يواجه متخذ القرار الاستثماري بحالات يستطيع فيها تحديد العوائد من كل بديل من البدائل المتاحة باحتمال نسبي معين فقط ذلك أنه يواجه مخاطر لا تمكنه من دقة التنبؤ بالعوائد الكلية المحتملة من كل بديل على حدة.

 

         ومما سبق، يمكن القول بأن قرار الاستثمار تكمن خطورته من كونه قرارا غير متكرر ويحدث لمرة واحدة، وأن أي خطأ في اتخاذه سيتحمله المستثمر، ومن ثم ينبغي أن تسبق هذا القرار القيام بدراسة لجدوى المشروعات الاستثمارية بدقة.

 

ب – التقدم التكنولوجي: توفر الخبرات الفنية والإدارية.

         يعتبر التقدم التكنولوجي في مجال إنتاجي معين، أو نشاط اقتصادي ما، عاملا هاما نخلص فرص استثمارية جديدة ونجاح القائمة منها، ذلك أن التقدم التكنولوجي وما يوفره من طرق إنتاجية جديدة، وإنتاج سلع جديدة، فتح أسواق جديدة، وزيادة كفاءة طرق الإنتاج المستعملة،... الخ، سيعمل على زيادة الأرباح التي تزيد من إمكانية المستثمر على التوسع في حجم الاستثمارات القائمة والقيام باستثمارات جديدة، مما يزيد من حجم النشاط الاقتصادي.

         ومن نتائج التقدم التكنولوجي، خلق الظروف المناسبة لنمو الإنتاج، وانخفاض تكاليفه الفعلية وبذلك التأثير على النتائج النهائية لها وإعادة ترتيبها داخل نطاق اختيارات المستثمر، فبعض الاستثمارات التي كانت غير مقبولة اقتصاديا في ظروف معينة، قد تصبح مقبولة اقتصاديا مع حدوث التقدم التكنولوجي والعكس غير أنه من ناحية أخرى فإن حدوث التقدم التكنولوجي في صناعات معينة بمعدلات سريعة نسبيا، وفي فترات زمنية قصيرة نسبيا قد يمثل عائقا أمام الاستثمار الخاص على توجيه أمواله في اتجاه تلك الأنشطة والصناعات وبصفة خاصة في الدول النامية، وذلك مرده الأسباب التالية:

-         عدم توفر الأموال اللازمة لاقتناء التكنولوجيا الجديدة بالإضافة إلى التكنولوجيا الجديدة يتم استيرادها.

-         عدم توافر الخبرات الفنية والإدارية والقادرة على استيعاب التكنولوجيا، وفي هذا الإطار لقد بلغت نسبة الفنين بالدول النامية سنة وبالمقابل ولنفس السنة قدرت بالدول.

 

ج – المتغيرات التسويقية: وهذه تتعلق بظروف العرض والطلب والمنافسة وحجم الطلب المتوقع والتغيرات المتوقعة في الأسعار والتكنولوجيا الجديدة،... الخ.

 

د - المناخ الاستثماري:

         على المستثمر أن يراعي مجموعة من العوامل المؤثرة على الاستثمار كالعامل السياسي والاقتصادي، والاجتماعي ليتجنب المخاطرة بأمواله ويعتبر توفر مناخ استثمار ملائم من أهم العوامل التي يرغب المستثمر في تواجدها سواء كان مستثمر في المجال الصناعي أو الخدمي،  أو الزراعي مما يدل على أهمية المناخ الاستثماري.

ينظر لمناخ الاستثمار من وجهات نظر متعددة، منها وجهة نظر الدولة المضيفة، والتي تقيس آثار هذا الاستثمار من فوائد وتكاليف، وبالتالي تعمل على تجنب التكاليف وزيادة الفوائد ويعتبر هنا بسلوك ترغبه الدولة المستثمرة.

كما هناك وجهة نظر المستثمر الذي يسعى إلى مناخ استثماري مناسب لاستثماراته دون الدخول في مشاكل مع الدولة المضيفة للاستثمار، كما يجد المستثمر في نفس الوقت أن السياسة الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية عامل مؤثر في أداء هذه الاستثمارات لوظيفتها وتؤثر على نشاطها.

مفهوم المناخ الاستثماري:

يوجد أكثر من تعريف للمناخ الاستثماري، فقد عرف المناخ الاستثماري بأنه مجموعة الظروف والسياسات، والمؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في ثقة المستثمر وتقنعه بتوجيه استثماراته في بلد آخر(1). كما ورد في تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 1993 بأنه: "مجمل الأوضاع القانونية، والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تكون البيئة التي يتم فيها الاستثمار، ومكونات هذه البيئة متغيرة ومتداخلة إلى حد كبير"(2).

يتكون مناخ الاستثمار من مجموعة عوامل تحدد مدى ملائمة البيئة السياسة والاقتصادية والاستثمارية والتشريعية في القطر ودرجة جاذبيته لاستقطاب وتوطين الاستثمار وتحقيق معدلات تبادلات تجارية متزايدة في الأسواق المفتوحة ترفع بدورها معدل النمو الاقتصادي وتدفعه نحو الاستدامة التنموية التي تصل بالمجتمعات إلى الازدهار وارتفاع مستوى المعيشة.

كما يفهم من مناخ الاستثمار بأنه: "ينصرف إلى مجموعة سياسات الاستثمار، وهو الذي يعكس سياسات الاستثمار، بالمعنى الواسع ويتضمن كل السياسات والمؤشرات والأدوات التي تؤثر بطريق مباشر أو غير مباشر على القرارات الاستثمارية"(1).

من التعاريف السابقة، يمكن أن نستنتج بأن المناخ الاستثماري هو مجموعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتوجب على المستثمر مراعاتها والتي تشكل في مجملها بالبيئة التي يتم فيها الاستثمار والتي تؤثر بطريق أو بأخرى في اتخاذ المستثمر لقراراته.

 ويمكن ذكر بعض هذه الظروف في الموقع الجغرافي، والأطر القانونية والتنظيمية التي تنظم سير الاقتصاد كالضرائب المستوى العلمي والفني وتقاليد المجتمع المراد الاستثمار فيه، وشفافية القوانين التي تنظم الاستثمار، والاستقرار السياسي والأمني،... الخ.

وفي هذا، لقد جاء في تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 1993، مجموعة من العناصر المحفزة والمعوقة للاستثمار، تبعا للبحث الذي قامت به كل عينة من المستثمرين في الدول العربية وهي[15]:

 

أولا: العناصر المحفزة للاستثمار:

المجموعة الأولى:

1 – تمتع القطر المضيف بالاستقرار السياسي والاقتصادي، ذلك أن استقرار الحالة السياسية، وتوفر الأمن لبلد ما تأثير على قرار الاستثمار سواء بالنسبة للمستثمرين المحليين، أو الأجانب حيث أن توفرها يعتبر عاملا مساعدا لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وعلى المستوى المحلي يسمح لتثبيت تواجد المستثمرين في الأماكن المستقرة عوض الاتجاه إلى الخارج بغرض الاستثمار بحثا عن الاستقرار والأمن.

2 – حرية تحويل الأرباح وأصل الاستثمار للخارج.

3 – استقرار سعر صرف العملة المحلية.

4 – سهولة الحصول على تراخيص الاستثمار والتعامل مع الجهات الرسمية.

 

المجموعة الثانية:

1 – إمكانية تحقيق عائد مرتفع على الاستثمار.

2 – الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية.

3 – وضوح القوانين المنظمة للاستثمار واستقرارها.

4 – توافر البنى الهيكلية وعناصر الإنتاج (الطاقة، المياه، الموانئ، المطارات، الطرق، المواصلات السلكية اللاسلكية،... الخ).

 

المجموعة الثالثة:

1 – توافر شريك محلي من القطر المضيف.

2 – حرية التنقل.

3 – حرية التصدير.

4 – توفر فرص استثمارية.

 

ثانيا : العناصر المعوقة للاستثمار.

المجموعة الأولى:

1 – عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

2- الروتين والبيروقراطية وصعوبة التسجيل والترخيص.

3 – عدم وضوح واستقرار قوانين الاستثمار.

4 – عدم ثبات وتدهور سعر صرف العملة المحلية.

5 – القيود المفروضة على تحويل الأرباح وأصل الاستثمار للخارج.

6 – عدم توافر الكفاءات الإنتاجية لتشجيع الاستثمار.

 

المجموعة الثانية:

1 – عدم توافر مناخ استثماري ملائم.

2 – عدم توافر النقد الأجنبي.

3 – صعوبة التعامل مع الأجهزة المعنية بالاستثمار.

4 – عدم توافر الأيدي العاملة المدربة.

5 – صعوبة التنقل والحصول على تأشيرات الدخول.

6 – عدم وجود جهة واحدة ترعى مصالح المستثمر.

7 – صعوبة تحقيق عائد مرتفع على الاستثمار.

8 – عدم توافر شريك محلي من القطر المضيف.

 

المجموعة الثالثة:

1 – عدم توافر البنى الهيكلية وعناصر الإنتاج.

2 – عدم توافر الاستقرار الأمني.

3 – ازدواجية الضرائب.

4 – ارتفاع معدلات الضرائب.

5 – ارتفاع معدلات التضخم.

6 – تسلط السلطة الحكومية.

7 – عدم توافر خرائط استثمارية.

8 – ضعف البنية الأساسية.

 

المجموعة الرابعة:

1 – غياب الدعم المادي والمعنوي من قبل القطر المضيف.

2 – محدودية السوق المحلية.

3 – حكم القطاع العام لمعظم الأنشطة الاقتصادية.

4 – عدم توفر أنظمة مصرفية متطورة.

5 – تفشي الرشاوى والعمولات.

6 – غياب التكامل الاقتصادي العربي.

7 – القيود المفروضة على رأس المال.

 

المجموعة الخامسة:

1 – عدم توافر بنك للمعلومات.

2 – عدم توافر التنسيق بين الدوائر الرسمية المعنية بالاستثمار.

3 – عدم تنفيذ التزامات القطر المضيف للاستثمار.

4 – عدم وجود سوق مالية متطورة.

5 – عدم ثبات السياسة الاستثمارية.

6 – ارتفاع معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية.

7 – عدم وجود سوق منظمة للأوراق المالية.

8 – عدم كفاية الحوافز للاستثمارات الوافدة.

 

  وقد أوصت دراسة قام بها معهد التخطيط القومي بما يلي:

– يجب أن يلعب الاستثمار العربي والأجنبي دورا هاما في نقل التكنولوجيا بجوانبها المختلفة (معارف، حق المعرفة، وخبرات أجنبية وتدريب) (1).

   – بالنسبة لاستثمارات القطاع العام والخاص الوطني يلزم عدم استيراد التكنولوجيا والتي تتوافر مثيلها محليا، أو تتوافر على الأقل في مدى زمني أقل من سنة، أما بالنسبة لتكنولوجيا الاستثمار العربي والأجنبي، فيجب أن تكون جديدة ومتطورة ومرتفعة التكلفة، بحيث لا يقدر على اقتنائها الاقتصاد القومي وبالتالي تضمن تطور الاقتصاد القومي لكل.

   - يجب مراعاة كل أبعاد التكنولوجيا المختلفة من حيث اختيار العمليات التكنولوجية المناسبة، واحتياجات التشغيل، وخصائص المواد الخام المحلية، وآثارها المختلفة على الصحة العامة، التغذية، التلوث، الجودة.

وعما سبق، يمكن القول بأن رأس المال بطبيعة الحال جبان، ومن ثم فإن توفير الاستقرار السياسي يعتبر شرط أساسي لضمان جذب المستثمر المحلي، والأجنبي

للاستثمار في البلد المضيف وبذلك زيادة الاستثمارات وتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية ذلك لكون الاستثمار المحرك الرئيسي للاقتصاد.

ويتحقق الاستقرار السياسي باستقرار نظام الحكم، وعدم تغييره من فترة لأخرى، بفعل قيام الثورات والانقلابات، بالإضافة إلى ضرورة تعاون أفراد الشعب مع الحكومة نتيجة رضائهم عنها، وكذا وجود حكومة وطنية. وكل هذه الظروف من شأنها أن تعطي صورة وانطباعا حسنين عن الدولة المضيفة.

 

خلاصة واستنتاجات:

   تستخدم الضريبة من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية، كاستخدام حصيلتها في عملية التنمية الاقتصادية، نظرا لقلة الموارد المالية اللازمة للتنمية.

 

  كذلك تلعب الضريبة دورا أساسيا في عملية إعادة توزيع الدخل الوطني، حيث تستعمل الضريبة لتمتد إلى دخول كان من الممكن توجيه جزء منها للادخار، إلا أن هذه الدخول تتسرب معظم فوائضها إلى الاستهلاك الكمالي، ولا توجه إلى الوجه الاستثماري السليم.

 

تصطدم الضريبة المباشرة بسيطرة أصحاب رؤوس الأموال الذين يعمدون للدفاع على مصالحهم التي قد تتعارض مع فرض هذا النوع من الضرائب.

 

تتوقف سبل تعبئة الفائض الاقتصادي على طبيعة الهيكل الاقتصادي للدول، ففي الدول الرأسمالية تعتمد تعبئة الفائض الاقتصادي على الضريبة والادخار الخاص، وفي الدول النامية، فإن تعبئة الفائض الاقتصادي يعتمد على الضريبة والادخار الخاص والعمومي.




تعليقات