📁 آخر الأخبار

التشريعات والقوانين المتعلقة بالإنترنت في الدول العربية

 


 

ورقة عمل

 

"التشريعات والقوانين المتعلقة بالإنترنت
 في الدول العربية "

 

 

المحامي

يونس عرب Younis Arab

 

 

مقدمة الى

مؤتمر ومعرض التكنولوجيات المصرفية العربية والدولية – اتحاد المصارف العربية -  28-29 تشرين اول 2002  - فندق الميريديان – عمان – الاردن


تمهيد :-

 

تتجه غالبية الدراسات البحثية والاستراتيجية  الاقتصادية والاجتماعية والقانونية - الى اسباغ وصف ( عصر المعلومات ) على الحقبة الزمنية الممتدة منذ سبعينات القرن العشرين وحتى الان ، فيما يتجه البعض الى اعتبار مطلع الثمانينات مدخل الحقبة الزمنية لعصر المعلومات ، وبالرغم من ان المادة محل الوصف هي المعلومات الا ان المراد بالتعبير وسائل معالجة وتخزين ونقل وتبادل المعلومات ، أي انظمة الحوسبة ( نظم الكمبيوتر بمكوناتها المادية - الاجهزة ، والمعنوية - البرمجيات والمعطيات )  وانظمة الاتصالات ( ايضا بمكوناتها المادية والمعنوية ) ، وما نتج عن الدمج بينهما فيما عرف بشبكات المعلومات وابرزها الشبكة العالمية - الانترنت ، والمعبر عنها جميعا بالتقنية العالية ( High  Technology  ) . ولان النظام القانوني كائن حيوي يعكس ميول واتجاهات واحتياجات المجتمع ونزعاته للتنظيم لجهة حماية الحقوق الفردية والجماعية عبر قواعد التشريع في فروعه المختلفة  ، فمن الطبيعي ان تتاثر علاقاته وقواعد ومرتكزات التشريع فيه بما خلفته التقنية العالية من آثار وما انتجته من انماط جديدة للعلاقات القانونية ، ومن الطبيعي ايضا ان تتجه النظم القانونية المختلفة لمعالجة هذه الاثار عبر حركة تشريعية تعكس استجابة التشريع للجديد والمستجد في هذا الحقل .

والانترنت ، الاكثر اثارة للجدل منذ اختراع الهاتف ، عالم متداخل ومتشابك من العلاقات والمسؤوليات والالتزامات والفرص ، وكاي مستجد تطرح التساؤل الاهم ، هل تحتاج الانترنت الى اطار قانوني ينظم شؤونها وتحدياتها ؟ ام هي تعبير وصورة جديد لمجتمع لم تتكامل عناصره بعد مما يتعين التريث في تنظيمه؟؟ هل نحن امام مفهوم جديد للمدينة ؟؟ المجتمع ؟؟ ديمقراطية التخاطب والعمل ؟؟ هل الرقميات بيئة مغايرة عن عالم الجغرافيا والكيانات الملموسة ؟؟ وان كان ثمة حاجة للتنظيم القانوني للانترنت فما الذي انجزته حتى الان دولنا العربية وما المطلوب منها ان كان ثمة مهام لم تنجز بعد ؟؟ هذا ما تهدف الى مناقشته هذه الورقة من بين اوراق عمل مؤتمر التكنولوجيات المصرفية العربية والدولية 2002 .

 

1.   القانون وتقنية المعلومات ( اطار التاثر واحتياجات التدخل )

 

التقنية العالية  High Technology ، تقنية المعلومات  Information Technology ، عصر المعلومات Information Era  ، طريق المعلومات السريع Superhighway   Information  تعبيرات لعصر الاعتماد على المعلومات كمحدد استراتيجي للاعمال والانتاج والقرار في الدولة الحديثة [1] ،  وليس المراد المعلومات بذاتها ، انما القدرة على توفيرها ، ومعالجتها [2] وتخزينها ، وتبويبها ، واستعادتها ، ونقلها ، وتبادلها ، والتوثق الشامل من دقتها والافادة منها.

وانجاز ذلك كله لا يتحقق دون اعتماد نظم الحوسبة ( الكمبيوتر ) بمكوناته المادية والمعنوية  فهو يتيح ادخال البيانات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها . لكن هذا الجناح من جناحي التقنية العالية لا يحقق سائر متطلبات عصر المعلومات ، وتحديدا نقلها وتبادلها واتاحة الوصول اليها في كل وقت ، وتحديدا بالنسبة لقواعد المعلومات  من هنا تدخلت نظم الاتصال لتحقيق ذلك ، فمثلت الاتصالات الجناح الثاني للتقنية العالية حيث اتاحت الربط بين نظم الكمبيوتر المختلفة وقواعد البيانات ، ليفرز الدمج بين الحوسبة والاتصالات ، ما يعرف بشبكات المعلومات  والتي تقع الانترنت في مقدمتها لما تتميز به من شمول وسعة ، لا في المحتوى فقط ، بل بعدد مشتركيها وبروتوكولات تبادل النصوص والمعلومات ، وما تحققه يوما بعد يوم من الدمج الرهيب بين الوسائل المرئية والسمعية ، وسائل الصوت والصورة ، الاداء والحركة ، وسائل الحصول على المعلومة التي تتجه نحو المطلق في المدى  ، واللامتناهي  في الخيارات لاتاحة توفير المعلومة للراغب بها في كل وقت وفي أي مكان .

وعليه فان التقنية العالية او تقنية المعلومات هي النظم الالية او الالكترونية للتعامل مع المعلومات وتشمل وسائل الحوسبة والاتصال وما نتج عن اندماجهما من وسائط تقنية عالية يعبر عنها بالعموم بنظام الكمبيوتر  Computer System .

ان كل اختراع او فتح علمي يفرز واقعا جديدا ويرتب آثار ما كانت قائمة قبل وجوده وشيوعه ، فاختراع الطائرة مثلا خلق آثارا جديدة في حقل نقل الافراد والبضائع ، فالطائرة تجوب العديد من الاقاليم اثناء ترحالها في الفضاء الجوي الذي يعلو هذه الاقاليم ، والطائرة قد تكون وراء ضرر يلحق بالركاب على متنها وقد تعرض سطح الارض وما عليه من املاك واشخاص للخطر ، والطائرة وسيلة نقل هامة تتطلب اموال هائلة للاستثمار وتتطلب ان تلحقها خدمات عديدة غير متصلة بالطائرة ذاتها وانما تتعلق بخدمات المسافرين والمطارات وخدمات الفضاء الجوي ، والطائرة فيما تملكه من قدرات التنقل والاختراق قد تعرض امن الدولة للخطر ،، ولضمان سلامة الطيران ورعاية قواعده وتوحيدها نشات الهئيات والمنظمات الدولية والاقليمية والمتخصصة في حقل الطيران . هذه الاثار وغيرها افرزها هذا الاختراع العلمي المميز ، وتطلب التعامل معها حزمة من التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والاقليمية والثنائية ، عالجت وتعالج النظام القانوني للطائرة والمطارات وخدمات الركاب والشحن وما ينشا في بيئتها من علاقات قانونية وتعالج المسؤولية عن الاضرار اللاحقة بالركاب وبالاشخاص والممتلكات على سطح الارض وغيرها العديد من المسائل فيما اصبح يعرف بالقانون الجوي ، وبايجاز فالطائرة خلقت فرعا جديدا من فروع القانون تتكامل فيه النظريات والقواعد وتمتد من النطاق الوطني الى النطاقين الاقليمي والدولي .  وذات الامر يقال بشأن اختراع السيارة والقطار واختراع نظم الاتصال واكتشاف الكهرباء وغير ذلك .

وبذات المنطق وربما بمدى اوسع افرزت تقنية المعلومات – وتحديدا الانترنت - آثارا شاملة على البناء الاداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والقانوني للدولة ، لقد اثرت على مختلف مناحي النشاط الانساني ، فما الذي اثارته وتثيره تقنية المعلومات  في حقل القانون ، ما هي آثاراها على قواعد القانون وفروع التشريع :-

1-  تأثير التقنية العالية على العلاقات التعاقدية والاثبات ( القانونين المدني والتجاري ) :- امكن استغلال وسائل تقنية المعلومات وفي طليعتها الانترنت في ابرام العقود المختلفة ، واتيح بفضل ربط الحواسيب وشبكة الانترنت ، التعاقد الفوري بين شخصين غائبين ، واذا كانت التشريعات المدنية والتجارية  قد وقفت فيما سبق امام فكرة التعاقد بواسطة التلكس اوالهاتف ، فانها مدعوة للوقوف امام استخدام نظم الكمبيوتر و شبكات المعلومات في التعاقد ، والوقوف امام طبيعة هذه التعاقدات ، واحكام التعاقد ، والوقوف امام مسائل الاثبات فيما انتجته الحواسيب والانترنت من مخرجات ، وبحث مدى حجية مستخرجات الحاسوب والبريد الالكتروني وقواعد البيانات المخزنة داخل النظم وغيرها . واذا كان البعض يرى ان التقنية ليست اكثر من تحقيق لفكرة التعاقد بين غائبين ، فان ذلك ينطوي على نظرة قاصرة ، لان هناك ابعادا تنظيمية فيما افرزته وسائل التقنية من انماط جديدة للعلاقات القانونية -  وتحديدا في حقل التجارة الالكترونية والخدمات على الخط والتعاقد الالكتروني في الاسواق المالية -  فقد انتجت وسائل التقنية العالية انماط جديدة للتعاقد مستغلة ما وفرته من قدرات اتصالية للاشخاص المتباعدبن مكانا ، اثارت وتثير العديد من الاشكالات حول مدى اعتراف القانون ، وتحديدا قواعد التعاقد  بهذه الاليات الجديدة للتعبير عن الايجاب والقبول وبناء عناصر التعاقد  كما اثارت وتثير اشكالات في ميدان الاثبات بكون النظم القانونية قد حددت الادلة المقبولة وحددت قواعد الاحتجاج بها وسلامة الاستدلال منها . وفي خضم البحث في قانونية التعاقد بالطرق الالكترونية وحجية مستخرجات الوسائل التقنية في الاثبات ، ظهرت التجارة الالكترونية كنمط جديد من انماط التعامل التجاري ، لا في ميدان البيع والشراء وانما في ميادين التعاقد كافة ، كعقود التأمين والخدمات وغيرها . واثارت وتثير التقنية العالية وتحديدا محتواها الفني والمعرفي تحديات كبيرة في ميدان نقل التكنولوجيا والتبادل الفني والمعرفي والتزام مورد التكنولوجبا ومتلقيها . وقد اثرت الانماط المتطورة من تقنيات المعلومات على البناء التقليدي لعقود نقل التكنولوجيا المعروفة منذ منتصف القرن الماضي ، واظهرت التقنية تحديات قانونية تستلزم التنظيم بالنسبة لعقود تقنية المعلومات ، التوريد والبيع والصيانة والتطوير ورخص الاستخدام ، وبالنسبة لعقود الوكالات التجارية والتوزيع ، وعقود اشتراكات المعلوماتية وخدمات الاتصال ، وكان - وسيبقى الى حين - اوسع اثر لها في حقل التجارة الالكترونية والتعاقد الالكتروني .

2-    تأثير التقنية العالية على  العمل المصرفي ( تشريعات البنوك والاسواق الخدمات المالية ) :- افرزت تقنية المعلومات وسائل حديثة لتقديم الخدمات المصرفية وادارة العمل البنكي ، ابرزها ظهر في حقل انظمة الدفع الالكتروني والدفع على الخط وادارة الحسابات عن بعد ، كما حدث بفعل التقنية شيوع بطاقات الدفع والائتمان المالية ، ويشيع الان مفهوم المحفظة والبطاقة الماهرة التي تمهد الى انتهاء مفهوم النقد الورقي والمعدني وتفتح الباب امام مفهوم النقد الالكتروني او الرقمي او القيدي . الى جانب ذلك تطورت وسائل تداول الاوراق المالية وخدماتها ، فظهرت فكرة التعاقد الالكتروني والتبادل الالكتروني للاوراق الى جانب الاعتماد شبه الكلي في اسواق المال على تقنيات الحوسبة والاتصال في ادارة التداول وقيده واثبات علاقاته القانونية .

3-     تأثير التقنية العالية على الحقوق المعنوية (( تشريعات الملكية الفكرية فيما يتعلق بحماية حقوق المؤلف على البرمجيات وقواعد المعلومات والدوائر المتكاملة والنشر الالكتروني وعناوين المواقع  في بيئة الانترت )) ولان المعلومات ذات طبيعة معنوية ، وبالرغم من اعتراف النظم القانونية منذ فترة طويلة بالحقوق المعنوية لمؤلفي المصنفات ذات المحتوى الفكري ، فان ما انتجته التقنية من ابداعات لا تنتهي في حقل البرمجيات المستخدمة للتشغيل وتنفيذ التطبيقات والمهام ، وما افرزته انشطة بناء قواعد المعلومات من ابداعات في حقل تبويبها وآليات استرجاعها وتبادلها ، والجهد الخلاق في ميدان تصميم المواقع على الانترنت ، والقيمة العالية لاسم الموقع على الانترنت ، واهمية محتواه ، والاتجاه نحو النشر الالكتروني للمعلومات ، كل ذلك ادى الى ايجاد اهتمام – هو الاوسع – في ميدان حماية مبدعي عصر التقنية فيما ينتجوه من برمجيات وقواعد معلومات وفيما تنتجه الشركات الصانعة من دوائر طوبغرافية واشباه موصلات تحتوي اوامر تشغيل  وهو ما ادى الى تطور نظام حماية الملكية الفكرية بتوسيع دائرة المصنفات محل الحماية وايجاد قواعد تتفق مع عناصر حماية الحق تبعا للنمط والمحتوى المستجد للمصنفات الناشئة في عصر تقنية المعلومات، من هنا اوجدت تفنية المعلومات انماط جديدة من المصنفات المستوجبة للحماية :-  برامج الكمبيوتر  ، قواعد المعلومات  الدوائر المتكاملة او طبوغراتفيا اشباه الموصلات ، عناوين مواقع الانترنت ، مادة النشر الالكتروني .

 

4-    تأثير التقنية العالية على القواعد الجزائية الموضوعية والاجرائية ( قوانين العقوبات والاجراءات الجنائية ) ان الكمبيوتر من حيث الوجه المظلم لاستخدامه - لعب ادوارا ثلاثة  في حقل الجريمة ، فهو اما وسيلة متطورة لارتكاب الجرائم التفليدية بفعالية وبسرعة اكبر من الطرق التقليدية ، او هو الهدف التي تتوجه اليه الانماط الحديثة من السلوك الاجرامي التي تستهدف المعلومات ذاتها ، او هو البيئة التي تسهل ارتكاب الجرائم خاصة العابرة للحدود بما اتاحه من توفير مخازن للمعلومات والانشطة الجرمية . ومع دخول الشبكات الاستخدام الواسع وتوفير البيئة التقنية لاقتحام النظم اينما وجدت، ومع شيوع الانترنت ، تزايدت جرائم الكمبيوتر واستغلال الكمبيوتر والشبكات في الانشطة الاجرامية .  اضف الى ذلك ان كشف الجرائم استلزم استخدام التقنيات الحديثة في عمليات التحري والتحقيق والكشف عن الادلة الجرمية . ومن الطبيعي في ظل نشوء انماط جرمية تستهدف مصالح معترف بحمايتها ، وتستهدف محلا ذات طبيعة مغايرة لمحل الجريمة فيما عرفته قوانين العقوبات القائمة ان يتدخل المشرع الجزائي لتوفير الحماية من هذه الانماط الخطرة من الجرائم لضمان  فعالية مكافحتها سيما وان نظام العقاب الجزائي محكوم بقاعدتين رئيستين هما مبدا الشرعية الموجب لعدم امكان العقاب على أي فعل دون نص قانوني محدد ، وقاعدة حظر القياس في النصوص التجريمية الموضوعية . كما انه وبفعل الطبيعة الخاصة لانماط الجريمة والقدرة على ارتكابها عبر الحدود والقدرة على اتلاف ادلة الجرمية ، فان القواعد الاجرائية الجنائية في ميدان التفتيش والضبط والتحقيق والاختصاص القضائي يتعين ان تواكب هذا التغير وتضمن تحقيق التوازن بين حماية الحق في المعلومات وبين متطلبات فعالية نظام العدالة الجنائي في الملاحقة والمساءلة ، من هنا كان تأثير التقنية العالية او تقنية المعلومات  على قواعد القانون الجنائي الموضوعية والاجرائية الاميز والابرز من بين تأثيراتها على بقية فروع القانون .

 

5-    تاثير التقنية العالية على حقوق الانسان ( تشريعات الخصوصية والتشريعات الادارية التنظيمية ذات العلاقة بالبيانات الشخصية ) يعد الحق في الخصوصية او الحق في حماية الحياة الخاصة واحدا من بين حقوق الانسان المعترف بها ، وقد اثرت تقنية المعلومات على هذا الحق على نحو اظهر امكان المساس به اذا لم تنظم انشطة تجميع ومعالجة وتبادل البيانات الشخصية ، واظهر الواقع العملي وجوب التدخل التشرعي لتنظيم انشطة معالجة البيانات المتصلة بالشخص وتنظيم عمليات تخزينها في بنوك وقواعد المعلومات وعمليات تبادلها ، وهذا التنظيم التشريعي ليس مجرد افراد قواعد ذات محتوى تنظيمي بل امتد الى اقرار قواعد تتصل بالمسؤولية المدنية والجزائية عن انشطة مخالفة قواعد التعامل مع البيانات الشخصية سواء ما يرتكب من قبل القائمين على هذه الانشطة ام من قبل الغير ، اضافة الى التدخل التشرعي لتنظيم استحدام ونقل وتبادل وكشف المعلومات المتصلة بالمصالح الحكومية  ومثل هذا الاثر لم يقتصر على البيانات الشخصية بل تعداه الى تنظيم المعلوماتية ومعاييرها في المصالح والمؤسسات الحكومية . ويتصل بهذا الموضوع التحديات المثارة بشان تشفير البيانات اثناء نقلها وما نشهده في الوقت الحاضر من حركة تشريعية لتنظيم معايير سرية البيانات والانماط التفنية المفترحة او المستخدمة لضمان السرية والخصوصية .

6-    تأثير التقنية العالية على ادارة ومحتوى انشطة التجارة والاستثمار ( تشريعات الصناعة والتجارة وتشجيع الاستثمار والجمارك والضرائب والمناطق الحرة ) ، ان تقنية المعلومات امست مرتكزا رئيسا لادارة النشاط التجاري والاستثماري الدولي ، اذ مكنت بشكل او بآخر من اسناد التوجهات الدولية في ميدان تحرير التجارة والخدمات ، وامست تقنية المعلومات احدى متطلبات التنافس في هذا الحقل ، وكان من افرازاتها على المستوى الحكومي ما يعرف باسم الحكومة الالكترونية  ، اما اهم افرازاتها في القطاع الخاص شبكات الاعمال الالكترونية واعتماد تحقيق عناصر اساية من معايير الجودة الشاملة في الادارة والانتج والخدمات على تقنية المعلومات ، وكان لا بد من ان تمتد تأثيرات تقنية المعلومات على المحتوى التنظيمي الذي تتضمنه قواعد تشريعات الجمارك والاستثمار والمناطق الحرة وغيرها اضافة الى تأثيرها المباشر على محتوى المشروعات التجارية ، ولعل المتتبع للنشاط التجاري والاستثماري الدولي يجد صناعة البرمجيات ووسائل الاتصال وتجهيزات الحوسبة في قمة هرم انشطة الانتاج والتجارة والاستثمار ومن الطبيعي ان يكون لهذا الاتجاه اثره على البناء القانوني لتشريعات الاستثمار والتجارة سواء القواعد التنظيمية والاجرائية ام القواعد ذات المحتوى الموضوعي .

7-   التنظيم الاداري والمعايير والمواصفات  ( التشريعات الادارية وانظمة الواجبات والسؤولية والمعايير في قطاعات تقنية المعلومات الحوسبة والانترنت والاتصالات  ) ان سوق تقنية المعلومات  ، سوق انتاج وسائل الحوسبة والاتصال ، وسوق خدمات الاتصال والاتمتة ، يشهد اتساعا هائلا سواء من حيث  نطاق السوق ام المشروعات اومن حيث العائدات ورؤوس الاموال المستخدمة ، اضافة الى تزايد اعداد مستحدمي التقنية ومشتركي شبكات المعلومات . سوق بهذه الاوصاف يستلزم تنظيما اداريا وتحديدا للمعايير والمواصفات ، ووسائل واغراض التنظيم وادواته مختلفة ومتععدة في هذا الحقل ، فمن جهة اوجبت تقنية المعلومات تنظيم القواعد المعيارية والمقاييس لمنتجاتها وخدماتها ، كما اوجبت بيان المسؤوليات على جهات تقديم الحدمة وجهات الانتاج وبيان حقوقها ايضا في مواجهة الجهات الاشرافية او المركزية او الجهات الحكومية . ومن جهة اخرى ، فان حقوق ومصالح المستخدم تتطل ب تنظيما وتحديدا وهو يقع ضمن ما يعرف بتشريعات حماية المستهلك . ومما يتصل بهذا البعد النشاط التشرعي الحديث في حقل الحماية من المحتوى الضار لمواقع المعلوماتية على شبكة الانترنت ، وقواعد المواصفات المعيارية لوسائل التقنية الموردة للمصالح الحكومية والمباعة للمستهلك . الى جانب هذين البعدين فان الاتجاه نحو تحرير قطاعات تفنية المعلومات والاتجاه نحو الخصخصة اظهر تحديات قانونية عديدة كانت وما تزال محلا لانشطة التنظيم القانوني لمشروعات التخاصية وتحرير الخدمات التقنية .

8-  تأثير التقنية العالية على ادارة نظم القضاء واعمال المحاماة ( المعلوماتية القانونية ) تأثر الاداء الاداري بوجه عام باستخدام واتساع استخدام وسائل تقنية المعلومات ، وافادت قطاعات الاعمال والانتاج المختلفة من اثر التقنية على الاداء والسرعة وشمولية الخدمة او جودة الانتاج . ولم ينحصر ذلك في قطاع دون غيره ، فالاثر والاعتمادية الكبيرة على التقنية شمل القطاعين العام والخاص  الانتاج والخدمات ، انشطة الادارة والانشطة الفنية . وكان من الطبيعي ان تتجه الجهات القائمة على ادارة نظم القضاء  في العديد من الدول الى ادخال التقنية في انشطة التقاضي وفي نظام ادارة المحاكم ومراكز التحكيم ، وكذا اتجهت نظم العدالة الجنائية الى الاعتماد على تقنية المعلومات في تنفيذ وتسيير مهامها وزيادة فعاليتها وتضيق وقت انجازها للمهام لمواجهة مشكلات تراكم الاعمال وتزايدها . ولان مكاتب المحاماة تتولى ادارة الانشطة القانونية للموكلين ، سواء الاستشارات او العقود او الدعاوى ، ولحاجة هذه المكاتب الى توفير عناصر الاداء المميز للخدمة القانونية مترافقة مع تحقيق عنصر السرعة والجودة في المخرج ، وللتزايد الهائل في حقل معلومات القانون وتنامي فروعه والحاجة الى المعرفة القانونية المتجاوزة النظام الوطني الى النطاقين الافليمي والدولي ، ولما تتطلبه االانشطة القانونية في عصر تحرير الخدمات والتجارة من المام بالنظم القانونية المقارنة والتعامل مع لغات المواد والدراسات القانونية الاجنبية ، فان الاثر الطبيعي لكل ذلك تنامي انشطة المعلوماتية القانونية والاتجاه نحو اتمتة النشاط القضائي واعمال المحاماة ، وان نشوء فرع المعلوماتية القانونية في حقل تقنية المعلومات يثير التساؤلات حول مدى الحاجة الى قواعد تشريعية تنظم هذا الحقل وتنظم التعامل مع وسائله ومخرجاته ، وبالفعل بوشر في عدد من الجامعات وكليات الحقوق تدريس فرع جديد من الدراسات القانونية عرف بالمعلوماتية القانونية . 



2.   الاطار القانوني لتنظيم الانترنت  .

 

اذا كان منطقيا ان كل مستجد يتعين ان يدرس في ضوء احتياجات تنظميه قانونيا ، واذا كان منطقيا ايضا ان القواعد القانونية لا تقرر الا بصدد احتياجات يقدرها المشرع في مجتمع معين وليس لامور افتراضية لم تحدث اثرها بعد على الانسان وعلاقاته وعلى المجتمع وقطاعاته وعلى الدولة وبنائها ، فان هاتين الحقيقتن تتطلب استنتاجا فيما يتعين علينا ان نقرره بشان النظام القانوني للانترنت ..

وفي هذا الاطار ثمة آراء متحفظة ترى انه للان لم يتكرس الاثر واضح المعالم للانترنت على نحو يوجب التدخل التشريعي لتنظيم المسائل المتعلقة بها ، وثمة راي آخر ، ونحن من دعاته منذ سنوات ، ان الانترنت تسابق العصر بل سبقته ، وان التاخر في تنظيم مسائلها الرئيسة ادى الى حدوث التاثيرات دون ان يكون ثمة اطار قانوني نهتدي به في الموقف من هذه التاثيرات ..

ودون تضييع جهدنا هنا في بحث مبررات واسانيد ومرتكزات كل موقف من هذين الموقفين ، فان ما يلمسه مستخدم الانترنت ، فردا كان ام مؤسسة ، وما يلمسه الراغب باستثمار فضاءاتها في انشطته الخدمية والانتاجية او تحقيق منافع منها ، انها عالم مختلف الادوات يطرح في كل استخدام تحديا جديدا ويثير تساؤلا قانونيا ..

§        هل النشر الالكتروني على الانترنت من قبيل النشر الصحفي المنظم في تشريعات الصحافة والمطبوعات ؟؟

§        هل ابرام العقد عبر الانترنت تتوفر فيه سلامة وصحة التعبير عن الارادة بذات القدر الذي يوفره التعاقد الكتابي او الشفهي  في مجلس العقد ؟؟

§        هل توقيع العقود والمراسلات الكترونيا معادل لتوقيعها ورقيا ؟؟

§        هل ما يعتد به من دفوع واحتجاجات بشان التزامات اطراف التعاقد او علاقات الدفع  التقليدية متاح بذاته او اقل منه او اكثر في البيئة الرقمية ؟؟

§        هل رسائل البريد الالكتروني حجة وذات قيمة معادلة للمراسلات الورقية ؟؟

§        هل اعتداءات الاشخاص على الاموال في البيئة الحقيقية يمكن تطبيق مفهومها على اعتداءات المجرم المعلوماتي .. بل هل المعلومات بذاتها مال ؟؟ ام هي كذلك عندما تمثل اصولا او حقوقا ؟؟

§        كيف يمكن حماية السر التجاري او الاسرار الشخصية وبيانات الحياة الخاصة من اعتداءات المجرم المعلوماتي او المتطفل دون تصريح واذن ؟؟

§        هل ثمة معايير تحكم مقدمي خدمات الانترنت بانواعها ؟؟ وهل ثمة قدرة للمستخدم ان يطالب بحقوق في مواجهة الطرف الوسيط في كل تعامل او استخدام نتج عنه مساسا بحق من حقوقه ؟؟

§        من هو حاكم الانترتنت وما الدستور الذي يحكمه ؟؟

§         من هو الشرطي الذي يهرع له المستخدم ان تعرض لاعتداء سافر على حقوقه او بيانته او محتوى موقعه او رسائله او خصوصيته ؟؟ 

§        هل الانتخاب الالكتروني تصويت صحيح ومقبول لمن اخترناه ممثلا لنا في عالم المكان والجغرافيا؟؟

§        هل العلامة التجارية محمية من ان تكون اسم نطاق لطرف آخر ؟؟

§         ماذا عن تصميم الموقع ، هل ثمة قدرة على منع الاخرين من سرقته واستخدامه ؟؟

§         ماذا ان تم ربط موقعك على الانترنت مع موقع لا ترغب ان يكون بينهما رابط ؟؟

§        ماذا عن فرض المحتوى على المستخدم ،، هل يظل المستخدم عاجزا لا حول له ولا قوة امام تدفق مواد لا يرغبها او لا يطلبها على صندوق بريده او خلال تصفحه المواقع التي يريد ؟؟

§        هل اغلاق المواقع ذات المحتوى غير المشروع في بعض النظم والمشروع في غيرها تجاوز على ديمقراطية العالم الخائلي ؟؟

§         ومتى ما نشا النزاع ، ايا كان وصفه او مصدره ، فمن هو القاضي الرقمي وما هو القانون الذي سيحكم النزاع ؟؟ من هي المحكمة ومن هو المحكم ؟؟

§        ما هي اخلاق المجتمع الرقمي وقواعد السلوك فيه ؟؟ هل هي ذاتها اخلاق العالم الحقيقي ام ثمة تباين في المفهوم والقيود ؟؟

§        هل ... هل .. وهل

§        ولا يزال ثمة عشرات الاسئلة ..

وبالطبع لا تجيب هذه الورقة على هذه التساؤلات ، وهي ما اجتهدنا في بحثه على مدى سنوات ضمن موسوعتنا " القانو ن وتقنية المعلومات " ، ولكنها – واقصد التساؤلات – مدخل لرسم الاطار القانوني للانترنت ..

 

ان التنظيم القانوني للانترنت بمكوناته الفرعية المتشعبة يقع في ثلاث مناطق رئيسة .

 

المنطقة الاولى : تنظيم العلاقة القانونية بين فرقاء الانترنت ذاتها ( البيئة والادوات ) .

اي تنظيم اطار الحقوق والالتزامات بين مستخدمي الانترنت ( الشريحة الواسعة ) وجهات تقديم خدمات الانترنت ( المختلفة والمتباينة ومنها جهات تسجيل المواقع وجهات استضافتها ومزودي الخدمة وجهات المعايير وجهات تصمييم المواقع وتطويرها و... الخ ) وجهات استثمار الانترنت ( المواقع بانواعها غير الربحية والربحية ، الخدمية والاستثمارية ، المعلوماتية والاعلانية ... الخ ) .

 

المنطقة الثانية :- تنظيم الحماية القانونية للرقميات من الانشطة غير المشروعة :-

وفي نطاق هذه المنطقة تقع مسائل  امن المعلومات ، والخصوصية ، وحماية عناصر الملكية الفكرية الرقمية ، وحماية المستخدم الرقمي ( المستهلك ) .

 

المنطقة الثالثة :- تنظيم الاطار القانوني للاستثمار المعلوماتي ( اعمال وتجارة وعلاقات تعاقدية )

وفي نطاقه تقع المسائل القانونية للتجارة الالكترونية والاعمال الالكترونية والبنوك الالكترونية وانظمة الدفع .

 

وهنا يرد التساؤل .. ما الذي تحقق في البيئة العربية في هذه المناطق الثلاث ؟؟

 

3.   مواقف الدول العربية من تشريعات الانترنت.

 

من اسف انه وحتى الان لم يتم في البيئة العربية رصد كافة مناطق الاهتمام القانوني المتعلقة بالانترنت ، ولا اقول اتخاذ التدابير بشانها فتلك مسالة لم تنجز علميا للان ، لكن القصور في رصد الواقع وتوفير رؤية استراتيجية للمطلوب الان ومستقبلا  .

ومن اسف ان ما تحقق في التعامل مع آثار التقنية العالية بقي محصورا بزوايا محددة ، وجاء ضمن رؤى قاصرة عن الاحاطة بمتطلبات مواجهة هذه الاثار المتزايدة والمتنامية بل والمتغيرة للكمبيوتر والاتصالات على العلاقات القانونية والقواعد القانونية للنظام القانوني المعني .

ومع ذلك فلا ينتقص الجهد الطيب في عدد من مناطق الاهتمام والتي يمكن تلخيصها بما يلي:-

 

1-  في نطاق التجارة الالكترونية تم اقرار ثلاث تشريعات في الاردن وتونس ودبي ، وثمة نحو خمسة مشاريع قوانين ابرزها مشروع القانون المصري .

2-  في نطاق حماية المصنفات الرقمية تم توفير الحماية للبرمجيات وقاعد البيانات في مختلف الدول العربية ، وثمة توفير حماية لطوبغرافيا الدوائر اتلمتكاملة في الاردن وتونس .

3-   على صعيد قوانين جرائم الكمبيوتر تم اقرار مواد معدلة في قانون الجزاء العماني جرمت عددلا من صور جرائم الكمبيورت ويجؤري الان اعداد مشروع قانون اردني في اذت الحقل ونفس الخطوة تتم في الامارات العربية ، اضافة الى ان هناك مشروع قانون نموذجي شرعت بوضعه جامعة الدول العربية .

4-   ليس ثمة اي قانون للان في حقل الخصوصية وحماية البيانات الشخصية .

5-   لا يوجد اي قانون يتعلق بالبنوك الالكترونية والاتمتة المصرفية عدا عدد من النصوص التي تضمنتها  قوانين التجراة الالكترونية المذكورة .

6-  اما على صعيد الاثبات فثمة تعديل لقانون البينات الاردنية وهناك مشروع قانون معدل للقانون اللبناني في حقلب حجية البريد الالكتروني ومستخرجات الحاسوب .

7-   على صعيد المعايير المقايسس التقنية لم يوضع للان اية تشريعات تضبط مستويات التزامات جهات خدمات الانترنت ، وثمة جملة من التعلمات المنظمة لبعض الخدمات العامة للانترنت كمقاهي الانترنت ، لكنها تعلمات ادارية لا تتصل بالجوانب التقنية ، ومن اشملها التعلمات المقلاررة في الاردن لتنظمي مقاهي الانترنت لعام 2001 .

8-  على مستوى الاجهزة الشرطة تم استحداث قسم جرائم الكمبيورت في الاردن عام 1998 وثمة استخحداث لوحدات تتعلق بتقنية المعلومات في السعودية والامارات وتونس .

9-   لم يجر اي تدخل للان في تشريعهات الاصول الجزائية بشان تنظيم عمليات ضبط وتفتيش نظم المعلومات وقواعد البيانات .

10-        ليس ثمة اية اتفاقية تعاون او تنظيم للاختصاص او القانون الواجب التطبيق او نقل التحقيق خارج الحدود بالنسبة لمسائل وقضايا الانترنت  بين الدول العربية او بينها وبين دول العالم .

11-         الحاجة لا تزال قائمة بل ومستعجلة في بعض النواحي لتنظيم قطاع تقنية المعلومات ( تشريعات تنظيمية / معاييرالحوسبة في القطاعات العامة والشركات ذات الخدمات الاسترتاتيجية ، تنظيم قواعد السلوك في ميدان الانترنت ، مقاهي الانترنت ، البرمجيات ، الصناعة ، ، مقاييس اطلاق التقنية ، القواعد التشريعية لنقل التكنولوجيا ، التراخيص ، الاستثمار ، الضرائب ) ، تنظيم حجية ومقبولية مستخرحات الحاسوب ووسائل الاثبات التقنية ( الاثبات والمدني ) ، تنظيم الصور الاجرامية في ميدان الكمبيوتر والانترنت ،  تنظيم التجارة الالكترونية . ( تشريعات التجارة )  ، تطوير تشريعات الضريبية لتغطية المباديء الخاصة بالضريبة في ميدان صناعة البرمجيات والاعمال على الانترنت والتجارة الإلكترونية ، ) تنظيم انظمة الدفع النقدي الالكتروني . ( تشريعات البنوك ) التشريعات الخاصة بالملكية الفكرية فيما يتعلق باسماء مواقع الانترنت وعناصرها ومحتواها والنشر الالكتروني ، وفي حقل التنظيم الصحفي للنشر الالكتروني .  

 

واذا اردنا ان نصدق انفسنا في تبين الواقع الحقيقي في التعامل التشريعي مع الانترنت ومسائل تقنية المعلومات ، لا من باب الانتقاد بقدر ما هو من باب سلامة التقييم وامانة بيان الاحتياجات ، فانه يمكننا القول ان ثمة تخبط واضح في التعامل مع المتطلبات التشريعية لتقنية المعلومات ، لا على العربي بل حتى المستوى العالمي والذي قد نستثني منه التجربة الأوروبية فقط . وفي هذا السياق ، يلمس المتابع عدم وضوح الرؤية ، ويلمس اتجاه المؤسسات التشريعية في الدول النامية – ومنها العربية - الى حلول مبتسرة وليست حلولا كافية تدرك التحديات التقنية ذاتها وتدرك حالة التغير والتطور في الاحتياجات القانونية لمواجهة العصر الرقمي  ، وتدرك اكثر ان الحلول المقتبسة دون اعادة تواؤم واعي ومدروس على الاقل ، حلول معطلة وليست فاعلة لاعتبارات اجتماعية وسياسية واقتصادية وقانونية ، حتى اننا لا نكون مبالغين ان قلنا ان هذه الحلول الجزئية المقتبسة تزيد التحديات ولا توفر حلولا لها ، كما انها في بعض الاحيان تقيم مزيدا من العوائق نحو الاهداف النبيلة في خطط توظيف التقنية بدلا من ان تذلل هذه العوائق . فشيوع الكمبيوتر وفيما بعد الاتجاه نحو التشبيك عبر مختلف انواع شبكات المعلومات وفي مقدمتها الانترنت وبناء شبكات وقواعد المعلومات المحلية التفاعلية ، افرز حاجة ملحة للتدخل من اجل حماية امن المعلومات وحماية الخصوصية والتنظيم الصحيح لحماية الملكية الفكرية ومراعاة اثارها على المجتمع ،  ومن اجل حماية المستهلك والاعتراف بالحجية وملاءمة الوسائل الإلكترونية للتصرفات القانونية بنفس القدر من الملاءمة المقبولة والمعترف بها للوسائل غير الإلكترونية ، الى جانب اهمية تنظيم معايير ومقاييس التقنية وحماية المستخدم في نطاقها وتنظيم البنى التحتية ضمن تدابير تكفل نماء توظيف التقنية بشكل صحيح وملائم لحاجات المجتمع .

ان اخطر ما يواجه فعالية نظم حماية المعلومات وفعالية الادوات التشريعية لتنظيم استخداماتها وتطبيقاتها وصورها المعالجات الجزئية للتحديات القانونية المتصلة بتقنية المعلومات ، تلك المعالجات التي يظن البعض انها الحل القانوني الكامل ، في حين انها قطعة فسيفسائية من لوحة قانون تقنية المعلومات ، والاخطر انها حلول لم تدرك عاملين رئيسيين ، الاول ، اننا نتحدث عن تنظيم مسائل اثيرت منذ منتصف الستينات تقريبا ، ودراسة مسيرتها التاريخية يدلنا على اتجاهات تطورها مستقبلا ، فان لم يدرك الماضي ولم يستشرف المستقبل اصبحنا كاننا ننظم الحاضر فقط ، فان اضفنا انه حاضر غيرنا لا حاضرنا اصبحت المخاطر اكثر عمقا واكثر احتمالية للتحقق واصبح التدبير غير ذي اثر . والثاني ، انها مسائل تعرضت للتشوه او على الاقل غياب المقاييس العلمية لتبيان الصواب والخطا بشانها ، وكبديل على اعادة التقييم الواعي من قبل الجهات المتخصصة في هذا الحقل ، اعتمدنا فكرة الثقة بتقدير جهات خارجية اقل ما توصف انها ذاتها لا تزال تعاني تحديات الصواب والخطا وتجرب وتعيد التجربة ، مما يعني ان ما نثق به محل شك ، ولهذا يصبح التدبير ذاته محل شك .

وفي هذا السياق لن يكون كافيا القول في نظام قانوني ما ان قانون التواقيع الرقمية مثلا قد حل مشكلة التجارة الالكترونية او حل مشكلات وتحديات الحكومة الالكترونية او الاعمال المصرفية الالكترونية ، او انه فعلا سيحل مشكلة الاعمال اللاسلكية الخلوية الاخذة في النماء على نحو افرز مفهوما جديدا لتبادل المعطيات واداء الخدمات عن بعد ، فتنظيم حجية المعاملات الالكترونية مثلا مجرد جزئية في فضاء تملؤه التحديات ، تلك التحديات التي تمتد الى مسائل التنظيم القانوني لامن المعلومات التي تنتمي بدورها الى تجربة تاريخية وتشريعية لها مزاياها ومتطلباتها ، وتمتد لمسائل الخصوصية التي اصبحت تنظم ضمن ادوات تتعدد طبيعتها تمتاز بالشمولية وكثرة المسائل محل التنظيم التي تفوق تدبيرا تشريعيا جزئيا ، وكذلك مسائل الملكية الفكرية للعناصر الرقمية ومسائل التقاضي واجراءاته في هذه البيئة وغيرها الكثير الكثير من التحديات .

ليس ثمة احد يشكك في ان المعرفة قوة ، وان انتاج المعرفة ، وفي مقدمتها المعرفة القانونية ضمانة الوجود الفاعل والمميز على خارطتي العالم الحقيقي والعالم الافتراضي ، وهذه رسالة الى كل من يهمه الامر ، ان ثمة اخفاق حقيقي في ادراك دورنا كعرب في انتاج المعرفة القانونية ، وان كان احد لا يتفق مع هذا القول او لا يهمه فعلى الاقل ومن الناحية العملية علينا ان ندرك ان الحاجة للدخول السلس الى العصر الرقمي واحتلال مكانة حقيقة فيه وانجاز خططنا الطموحة في حقل تقنية المعلومات عموما والاعمال الالكترونية خصوصا  وفي مقدمتها الحكومة الالكترونية تتطلب حزمة معتبرة وواعية لتشريعات تقنية المعلومات وهي حزمة اقل ما يتعين ان تتصف به انها وليدة رؤية شمولية متوازنة مدركة لما لدى الاخرين ومبدعة في الاخذ بالاعتبار ما لدينا نحن ، وان تكون وليدة ابداع وطني شانها شان  التقنية ذاتها القائمة على الابداع ، وان كنا نتعثر في اختراق عوالم التميز التقني من النواحي التجارية او التوظيفية او التسويقية ، فعلى الاقل دعونا نمثل نموذجا لانتاج المعرفة القانونية المميزة ، ونقدم لغيرنا مشروعا فعليا ومرجعية صحيحة لقانون تقنية المعلومات .

 

 

4.    الخلاصة والتوصيات   ( مبادرة )

 

وحتى يكون للقول انتاجيته فانني اكتفي في هذا المقام برفع توصية واحدة وهي ان يتصدى  اتحاد المصارف العربية  ومؤسساته الى تقديم الاطار القانوني للعمل المصرفي في بيئة الانترنت ، وذلك عبر وضع اداة قانونية شمولية تساهم في توحيد الرؤيا العربية القانونية في هذا الحقل ، ولتكون اداة مساهمة العرب في انتاج معارف العصر الرقمي القانونية .

 



تعليقات