القائمة الرئيسية

الصفحات



تاريخ النظم القانونية والاجتماعية

 


 المحاضرة الثانية

تاريخ النظم القانونية والاجتماعية


 تدوين القانون :

ما أن اهتدت الشعوب إلى الكتابة حتى بدأت في تدوين أوجه نشاطها الحضاري المختلفة ومن بينها القانون.

المدونات الرسمية والمدونات العرفية :

بعض الشعوب دونت قانونها وأصدرته في صورة تشريع، كما حدث في روما وبلاد الإغريق وبابل ومصر، وهذه هي المدونات الرسمية codes، وبعضها الآخر دونته في سجلات من وضع الأفراد المهتمين بالقانون ولم يصدر به تشريع من السلطة الحاكمة فأخذ صورة السجلات العرفية.

أسباب التدوين: يرجع انتشار ظاهرة تدوين القانون في تاريخ البشرية لعدة أسباب أهمها:

1-     تعدد القضاة :

بعد أن اتسعت رقعة الدولة وازداد عدد سكانها، إذ يستحيل في هذه الحالة انفراد شخص واحد بالقيام بوظيفة القضاء في المجتمع ولذلك يتعدد القضاة. ولابد حينئذ من وجود قواعد قانونية موحدة يطبقها القضاة المتعددون وأيسر سبيل لذلك هو تدوينها

2-      حفظ القواعد القانونية من الضياع والتبديل :

اعتمدت الشعوب قبل الكتابة، على ذاكرة الشيوخ في معرفة التقاليد القانونية السائدة، الأمر الذي يعرضها للنسيان أو التحريف والتبديل، والكتابة هي خير وسيلة لتجنب ذلك.

3-      توضيح القواعد القانونية وتعميم تطبيقها :

إن تدوين القانون هو الوسيلة الفعالة ليس فقط لإثبات القواعد الواجبة التطبيق بل لضمان تعميمها ووضع حد لما قد يثور من خلافات حول وجودها وحول تفسيرها فلا تكون عرضة لتغييرها وتفسيرها طبقاً لأهواء القائمين على تطبيق القانون, الأمر الذي يكفل احترامه.

4-      نشر القانون :

ويتصل بالسبب المتقدم سبب آخر للتدوين هو نشر القانون بين الناس حتى لا يستأثر بالعلم به طائفة معينة منهم تطبقه وتفسره طبقاً لأهوائها ومصالحها الطائفية والطبقية.

 

 

 

مميزات المدونات القديمة: تميزت بعدة مميزات أهمها:

1-      صورة صادقة لمدى تقدم المجتمع:

لا ترجع أهمية المدونات القانونية القديمة إلى دقة صياغتها أو حسن تبويبها فهي كانت بعيدة عن ذلك، فقيمة هذه المدونات ترجع إلى أنها تعطينا صورة صادقة وأمينة لحالة المجتمع الذي ظهرت فيه سواء من النواحي الاقتصادية أم القانونية أم الدينية، أم السياسية..

2-      من حيث صياغتها:

تميزت صياغة المدونات القديمة بصفة عامة باتباعها ترتيباً وتبويباً خاصاً يبعد بها عن المألوف لدينا في الوقت الحاضر، وبصياغة أحكامها في أسلوب موجز، يكاد يكون شعرياً، في جمل شرطية تبدأ كل منها بأداة الشرط مثل « إذا ، إن .. إلخ » وتنتهي بجواب الشرط حيث يظهر الحكم وجزاؤه، وهذه الجمل تصاغ عادة بضمير الغائب. وتتميز هذه الصياغة أيضاً باهتمامها بالفروع والحلول الجزئية، ومن النادر أن تحتوي على مبادئ وأصول عامة.

3-      من حيث مضمونها:

اختلف مضمون المدونات القديمة تبعاً لحالة الشعب الذي صدرت فيه. فبعضها اقتصر على القواعد القانونية وحدها ولم يتعرض للدين أو الأخلاق إلا في القليل النادر لأن المجتمع كان قد وصل – عند التدوين – إلى مرحلة انفصال القانون عن الدين، مثل الرومان والإغريق والبابليين. والبعض الآخر من المدونات ضم خليطاً من القواعد الأخلاقية و الدينيةو القانونية لأن التدوين حدث في وقت كان المجتمع يعيش في ظل التقاليد الدينية ولم يصل بعد إلى مرحلة فصل القانون عن الدين، مثل الهنود واليهود.

 وبعض المدونات، وبصفة خاصة مدونات النوع الأول، لم يكن تقنيناً شاملاً لكل القواعد القانونية السائدة وقت وضعها بل اقتصر على تدوين بعضها سواء لإيضاحها بعد أن كانت غامضة أو لوضع حد لما يثور من خلافات حول تفسيرها ولكنها تركت القواعد المستقرة الواضحة التي لا خلاف حولها إلى العرف، مثل قانون الألواح الإثنى عشر عند الرومان. والبعض الآخر من المدونات – وخاصة مدونات النوع الثاني – اشتمل على كافة قواعد السلوك في المجتمع منذ ولادة الإنسان حتى وفاته، مثل قانون مانو الهندي.

4-      من حيث مدى احترام الناس لها:

اكتسبت القواعد القانونية التي تضمنتها المدونات القديمة قدراً كبيراً جداً من الاحترام. وهذا الاحترام لا يرجع إلى خوف الناس من الجزاء الذي يطبق عليهم عند مخالفتهم إياها بقدر ما يرجع إلى الظروف التي أحاطت بصدورها. فبعضها صدر عن الآلهة « مثل قانون مانو عند الهند »، وبعضها صدر عن مصلح اجتماعي مشهور أو زعيم سياسي ذائع الصيت « مثل مدونة حمورابي في بابل وصولون في أثينا »، وبعضها صدر نتيجة أحداث سياسية واجتماعية هامة فكان الشعب بالغ الحرص في احترامها والحفاظ عليها مثل « قانون الألواح الاثنى عشر في روما ».


أشهر المدونات القانونية القديمة :

لا نستطيع التعرض لكل المدونات القديمة التي صدرت في البلاد بل سنقتصر على دراسة أشهرها وهي مدونة حمورابي في بلاد ما بين النهرين، بوكوخوريس في مصر، ذلك في الشرق ومدونتا دراكون وصولون في بلاد الإغريق وقانون الألواح الإثنى عشر عند الرومان ذلك عند الغرب.

أشهر المدونات القانونية في الشرق

أولاً : مدونة حمورابي :

تاريخ ومكان صدورها : صدرت هذه المدونة في بابل في بلاد ما بين النهرين «العراق حالياً» أثناء حكم الملك حمورابي.

مميزاتها: تميزت مدونة حمورابي بعدة خصائص أهمها:

1-       أهم وأشهر المدونات الشرقية وأقدمها:

ليست هي أول قانون مكتوب ظهر في بلاد ما بين النهرين فقد سبقتها عدة مدونات ولكن مدونة حمورابي ظلت هي أهمها وأشهرها في تاريخ الشرق القديم كله. وترجع أهميتها إلى أنها تعتبر أهم مرجع للقانون الذي ساد بلاد ما بين النهرين فضلاً عن تأثر قوانين البلاد المجاورة بأحكامه، مثل قوانين الساحل السوري والقانون الفرعوني طبقًا لرأي بعض الباحثين.

2-       تحقيق الوحدة القانونية:

في عهد حمورابي ظهرت حكومة واحدة مركزية وقوية قضت على حكومات الإمارات والدويلات، وحل موظفون معينون من قبله محل أمراء الدويلات وأصبحت اللغة الأكادية هي اللغة الرسمية الوحيدة وتحولت اللغة السومرية إلى لغة ميتة، وظهرت ديانة عامة واحدة هي ديانة مزدك إله بابل الذي حل محل آلهة الدويلات. وبذلك أصبحت كل بلاد ما بين النهرين تكون دولة قومية موحدة ذات طابع سامي منذ الألف الثانية قبل الميلاد. واستكمالاً لتحقيق وحدة البلاد اتجه حمورابي إلى تحقيق الوحدة القانونية بين كل أجزاء ما بين النهرين فأصدر مدونته المشهورة باللغة الأكادية.

3-       شكل صدورها:

في أعلى النقش نجد رسماً يصور الإله شمش «القاضي الأكبر للسموات والأرض» ممسكاً بكتاب وأمامه حمورابي ينصت، في خشوع واحترام، إلى ما يليه عليه من نصوص القانون. وفي ديباجة القانون يعلن الملك حمورابي «أنا حمورابي ملك القانون، وإياي وهبني الإله شمش القوانين» ويؤكد، اعتماداً على سلطته الإلهية، عزمه على أداء واجباته بإقامة العدل وحماية الناس. وفي الخاتمة يطالب الملك الناس باحترام قانونه ويعد من ينفذه مثوبة الآلهة ويتوعد المخالفين بعذاب عظيم من الآلهة.

 

 

 

4-       طبيعتها:

وبالرغم من المظهر الديني لمدونة حمورابي إلا أن الرأي السائد بين الباحثين ينفي عنها صفة القانون الديني، فهي تكاد تكون خالية من الأحكام الدينية ولا تخلط بين الجزاء المدني والجزاء الديني في أكثر الحالات.

5-       مضمونها:

لم تتضمن مدونة حمورابي تجميعاً لكل القواعد العرفية وإدخال التعديلات الضرورية عليها ولكنها اقتصرت على تقنين بعض الموضوعات التي تحتاج إلى تعديل في أحكامها أو التي اختلف الرأي حولها وترك بقية الموضوعات للأحكام المستقرة في العرف. فهو يعترف بالملكية الفردية وحرية التعاقد ويقرر للمرأة أهلية كاملة، ويضمن حريات الأفراد. غير أن قانون حمورابي تميز بقسوة أحكامه الجنائية سواء بالمقارنة بما سبقه من مدونات في بلاد ما بين النهرين أم بالمدونات الغربية التي صدرت بعده، فالقصاص والقطع من العقوبات التي تجد مجالاً كبيراً في التطبيق. ويضاف إلى ذلك أنه يقر الفوارق بين الطبقات ولا مكان فيه لنظام الدية الاختيارية فالدولة هي التي تتولى توقيع العقوبة الجنائية.

6-       صياغتها:

تميز قانون حمورابي بأسلوبه الموجز إيجازاً شديداً، وصياغة أحكامه في صورة حالات فردية حقيقية أو مفترضة  وعدم احتوائه على مبادئ وقواعد عامة إلا في القليل النادر. ولعل هذا الأسلوب في الصياغة وطريقة التبويب يرجعان إلى أن الفقهاء البابليين قد انصرفوا عن دراسة القانون كعلم واقتصروا على البحث عن الحلول العملية للمشاكل اليومية دون بذل أي محاولة لاستخلاص قواعد عامة من هذه الحلول الفردية على خلاف مسلك الفقهاء الرومان.

ثانياً : مدونة بوكخوريس

تاريخ ومكان صدورها : صدرت هذه المدونة في عهد الملك بوكخوريس مؤسس الأسرة الرابعة والعشرين في مصر.

خصائصها :

بالرغم من أن التاريخ لم يحفظ لنا النصوص الكاملة لمدونة بوكخوريس إلا أنه أمكنت الوقوف على القانون المصري في عهده عن طريق الوثائق، وعن طريق ما رواه قدامى المؤرخين أمثال هيرودوت «القرن الخامس قبل الميلاد» وديودور الصقلي «القرن الأول قبل الميلاد» أمكن الوقوف على أهم خصائصها وهي:

1)         جمع بوكخوريس العادات والتقاليد القانونية التي سبقت عهده وأدخل عليها من التعديلات ما أزال عنها الصبغة الدينية، مثل حرية التعاقد والإرادة عموماً واعترف بذمة مستقلة لكل فرد من أفراد الأسرة، وجعل العبرة بالكتابة في مجال الإثبات.

2)         تأثر واضع هذه المدونة بقوانين بابل، وخاصة قانون حمورابي ، فيما وضعه من أحكام تتعلق بالالتزامات والعقود.

3)         ومن ناحية أخرى تأثر المشرعون الإغريق أمثال صولون بهذه المدونة فنقلوا عنها – على ما يرويه هيرودوت وديودور –  بعض الأحكام مثل مبدأ عدم التنفيذ على جسم المدين واعتبار ذمته المالية هي الضمان لديونه.

4)         وتظهر أهمية قانون بوكخوريس بالنسبة لتاريخ القانون في مصر في أنه يعتبر خاتمة المطاف في تطور القانون المصري القديم. فهو لم يتطور بعد ذلك إلا بصورة جزئية.

أشهر المدونات القانونية في الغرب

 

أولاً : مدونة دراكون

تاريخ ومكان صدورها : صدرت هذه المدونة في أثينا ببلاد الإغريق حوالي عام 621 ق.م. في عهد حاكمها دراكون ولم يحفظ لنا التاريخ نصوص هذه المدونة، ولكن أمكن معرفة بعض أحكامها من ثنايا كتابات المؤرخين.

مميزاتها: تظهر أهم مميزاتها فيما يلي:

1-    الغرض من صدورها: إنقاذ أثينا وإصلاح نظمها وإعادة النظام إليها وجعل كلمة القانون هي العليا وتحقيق العدالة والمساواة.

2-    وتتميز هذه المدونة من حيث الشكل بأنها من مظاهر الديمقراطية لأن دراكون كان يتكلم باسم الشعب في مدينة أثينا، وليس باسم الآلهة.

3-    وتميزت هذه المدونة من حيث مضمونها بأنها تبنت كثيراً من العادات والتقاليد العرفية التي كانت سائدة وأعادت صياغتها في وضوح حتى لا تفسر تفسيراً طبقياً أو طائفياً ولكنها أدخلت عليها بعض تعديلات أهمها تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون سواء من حيث وحدة القضاء أو وحدة القواعد القانونية الواجبة التطبيق أو تنفيذ الأحكام القضائية. وتضمنت المدونة أيضاً مبدأ هاماً من الناحية السياسية، هو تقرير المساواة بين الناس في الحقوق السياسية فقضى بذلك على احتكار الأشراف للسلطة السياسية بعد أن قضى على احتكارهم لعلم القانون والقضاء.

ثانياً : مدونة صولون

تاريخ ومكان صدورها : أصدر هذه المدونة صولون حاكم أثينا حوالي عام 594 ق.م. ولم تصلنا نصوص المدونة ولكن أحكامها عرفناها من ثنايا الوثائق الأخرى.

مميزاتها: تميزت بعد خصائص أهمها:

1)   الغرض من صدورها: صدرت هذه المجموعة لاستكمال الإصلاح الاجتماعي الذي بدأه دراكون لأن الأشراف عارضوا قانون دراكون ووضعوا العقبات في سبيل تنفيذه، فضلاً عن أن نصوص قانون دراكون لم تحقق المساواة التامة بين الناس ولم تقض على تحكم الأقوياء في الضعفاء ولم تنقذ طبقة العامة من الاسترقاق بسبب الدين. ولذلك أصدر صولون قانونه بقصد تحقيق المساواة والقضاء على امتيازات الطبقات وإعادة السلام والاستقرار لمدينة أثينا فضلاً عن القضاء على تحكم الأقوياء في الضعفاء.

2)   تميزت مدونة صولون من حيث الشكل بصدورها في الثوب الديمقراطي، فهو لم يصدر قانونه باسم الآلهة بل باسم شعب أثينا. وجاء قانونه مستقلا ومنفصلا عن الدين،  فهو ليس وحيا صادرا إليه من الآلهة بل من صنع العقل البشري يستهدف إقرار النظام وتحقيق المساواة.

3)   وتميزت من حيث المضمون بأنها لم تشتمل علي كل القواعد القانونية، فالكثير منها وخاصة المعاملات التجارية ترك أمرها للعرف حيث وجدت مجموعة من القواعد المستقرة الواضحة. ومن ناحية أخري أخذت المدونة بكثير من القواعد العرفية السابقة عليها بعد إدخال التعديلات التي تلائم الإصلاح الاجتماعي كما تأثرت بالقانون الفرعوني. ومن أهم ما أدخله صولون من تعديلات سياسية تقرير المساواة بين كافة الطبقات وإشراك الشعب في شئون الحكم

Û  ومن الإصلاحات الاجتماعية الشهيرة تعديل نظامي الإرث والأسرة حتى يقضي بذلك على امتيازات الأسر الأرستقراطية، وتشجيع الملكيات الصغيرة والقضاء على الملكيات الكبيرة. خفف السلطة الأبوية وحرم على رب الأسرة بيع الأولاد، وسمح بانقضاء السلطة الأبوية عند بلوغ الابن سناً معينة واعترف للابن بذمة مستقلة عن الأب. ألغى القاعدة التي كانت تحصر الإرث في الابن الأكبر وأشرك  معه بقية البناء من الذكور وظلت البنات محرومات من الإرث، فإذا لم يترك المتوفى أبناء آلت التركة إلى العصبات من الذكور، ولا تؤول التركة إلى ذوي الأرحام إلا عند انعدام الذكور من العصبات. ولكن صولون خفف من القاعدة التي تحرم البنت من الإرث بإلزام الوارث من العصبات بالزواج من بنت المتوفى. وأجاز صولون للشخص أو يوصي بماله إذا لم يكن له أولاد.

Û  ومن أهم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية تخفيف الديون، فقد قرر إلغاء التنفيذ على جسم المدين واستبدل به التنفيذ على أمواله، وقرر أيضاً إلغاء الرهون التي تقررت على عقارات صغار الفلاحين. وقد ترتب على هذه الإصلاحات حماية الملكية الصغيرة وتحسن حال الفلاحين في الريف مما أدى إلى نمو طبقة صغار الملاك في القرى.

ثالثاً : مدونة الألواح الاثنى عشر

تاريخ ومكان صدورها : صدرت هذه المدونة في مدينة روما عام 451 ق.م. طبقاً للرأي الراجح بين شراح القانون الروماني، وهي طبقاً لهذا الرأي مدونة رسمية.

 

 

مميزاتها: تميزت هذه المدونة بما يلي:

1)      الغرض من صدورها: صدرت هذه المدونة في ظروف شبيهة بالظروف التي صدرت فيها مدونتا داكون وصولون في أثينا، ولذلك كانت تستهدف نفس الأغراض، أي تحقيق المساواة بين طبقات المجتمع الروماني ونشر القواعد القانونية ومن ثم وضع حد لاحتكار الاقلية للعلم بالقانون وتفسيره وتطبيقه تطبيقاً طائفياً، إذ كان الأشراف وخاصة بعد قيام النظام الجمهوري عام 509 ق.م. يحتكرون السلطة والثروة والعلم بالقانون وتطبيقه.

إذ اتفق الأشراف والعامة على وضع قانون مكتوب يحكم المدينة بغية تحقيق هدفين: ألهما تحقيق المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وثانيهما هو القضاء على الغموض والشك الذي يحيط بالتقاليد العرفية والتخلص من احتكار الكهنة – وهم من الأشراف – لتفسير القانون وتطبيقه.

2)      من حيث الشكل، تعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية لأن لجنة العشرة التي وضعتها لم تتلقاها وحياً عن الآلهة، بل وضعتها بتفويض من الشعب الذي أقرها وأمر بنشرها. والقواعد القانونية صدرت على أنها من صنع العقل البشري وليست من وحي الآلهة، ولذلك لم يتعرض قانون الألواح لأحكام الديانة إلا في قواعد قليلة تتعلق بآداب الديانة ومراسم الجنازات.

3)      وتميز قانون الألواح من حيث صياغته بالإيجاز التام في أسلوب شعري، وبعض قواعده كانت عبارة عن صيغ وأقوال مأثورة، وبعضها الآخر كان في صيغة جمل شرطية.

4)      وتميزت من حيث مضمونها بعدة أمور منها:

‌أ)        اتسمت أحكامها بالشكلية والرسمية، وذلك يرجع إلى أن المجتمع الروماني كان مجتمعاً زراعياً قليل المعاملات ولم يكن قد وصل إلى مرحلة المجتمع التجاري.

‌ب)    لم يعمد واضعو قانون الألواح إلى تدوين كل القواعد القانونية اللازمة لحكم المجتمع الروماني بل اقتصروا على تجميع التقاليد والقواعد العرفية التي كانت غامضة أو محل شك أو مثار نزاع بين طبقة العامة وطبقة الأشراف مع إدخال بعض التعديلات التي اقتضتها روح العصر، وما عدا ذلك فقد استمر محكوماً بالقواعد العرفية القديمة. ولكن مدونة الألواح تعرضت بشيء من التفصيل لنظم العقوبات وإجراءات التقاضي، حتى يحل القانون وقضاء السلطة العامة محل الانتقام الفردي والقضاء الخاص.

‌ج)     ويتميز قانون الألواح أخيراً بأنه، وإن كان قد صدر لتحقيق المساواة بين طبقات المجتمع ورفع الظلم عن الضعفاء إلا أنه لم ينجح في ذلك تماماً فقد بقيت بعض الفوارق في بعض المجالات تكفلت القوانين اللاحقة بالقضاء عليها مثل الزواج بين الأشراف والعامة، توزيع الأراضي العامة، القضاء على احتكار الكهنة للعلم بالقانون، المساواة التامة في الحقوق والواجبات وشئون الحكم.

5)      أما من حيث ترتيبها وتبويبها فليس لدينا أصل هذه المدونة، ولكن الترتيب والتبويب المعروف لنا الآن هو ما تصوره شراح القانون الروماني المحدثون الذين أعادوا صياغتها وتبويبها، وقد تصوروا هذا التبويب على الوجه الآتي:

‌أ)        اختصت الألواح الثلاثة الأولى بنظام الدعاوى، وتنقسم الدعاوى في هذا النظام إلى نوعين: دعاوى تقريرية ودعاوى تنفيذية، أما الدعاوى التقريرية فالغرض منها الحصول على إقرار من الخصم بالحق المدعى به أو الحصول على حكم قضائي يقرر أحقية الشخص فيما يدعيه.  أما الدعاوى التنفيذية فالغرض منها تمكين من صدر حكم لصالحه أو من كان مزوداً بسند تنفيذي من التنفيذ على جسم المدين أو ماله.

‌ب)    تعرض اللوحان الرابع والخامس لبعض قواعد الأسرة كالزواج والطلاق والإرث والوصايا والسلطة الأبوية. ويبين منها أن النظام الذي ساد قام على أساس الاسرة الأبوية حيث يتمتع رب السرة بسلطة مطلقة، كما يبين أن قانون الألواح لا يسمح بالزواج بين العامة والأشراف، ولم يسمح بالزواج بينهما إلا فيما بعد حينما صدر قانون خاص يبيح مثل هذا الزواج.

‌ج)     واختص اللوحان السادس والسابع بنظام الملكية وحقوق الارتفاق. ويتبين منها أن النظام الذي ساد هو نظام الملكية الفردية بصورة مطلقة.

‌د)       والألواح الباقية خصصت لنظم العقوبات. وهي تتميز بشدتها وقسوتها وتطبق مبادئ القصاص والقطع بجانب الغرامة.

وحظيت بعض نظم القانون بقلة نادرة من القواعد.

 

 


تعليقات