المملكـة العربية السعوديـة
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
وظيفة القضاء في التعامل
مـع الإرهـاب
إعــداد
د. ناصـر بن
إبراهيم المحيميد
رئيس محاكم منطقة عسير
خبير الفقه
والقضاء بجامعة الدول العربية
اللجنة العلمية
للمؤتمر العالمي
عن موقف الإسلام
من الإرهاب
1425هـ / 2004م
بسم
الله الرحمن الرحيم
المقدمــة :
الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :
فإن
القضاء من أجّل الوظائف وأسمى الأعمال ، وهو من أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله
تعالى ، وقد قام الله به جل جلاله ، وبعث به رسله ، فقاموا به صلوات الله وسلامه
عليهم أتم قيام ، وقام به من بعدهم أئمة العدل امتثالا لأمره سبحانه وتعالى : { إِنَّا
أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ
الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا
اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا
النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } " المائدة
الآية :44" ، وقوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ
لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً } " النساء الآية :1.5" فوظيفة القضاء وظيفة
سامية يراد منها إقامة العدل بين الناس ، ولا يستقيم حالهم إلا به دفعاً للظلم
وكبحاً للشر ، لأن الظلم في الطباع ، فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم ،
ويسعى لإقامة العدل الذي هو قوام الأمر وحليته، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
" النحل : الآية 9" .
فبالقضاء
تُعصم الدماء وتُسفح ، والأبضاع تَحْرمُ وتُنكح ، والأموال يثبت ملكها ويسلب ،
والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب ، لذا فإن أمر الناس لا يستقيم
بدونه([1]).
فإذا
وجد الخلل والخروج عن دائرة العدل إلى
دائرة الجور والظلم ، فإنه لا بد من السعي لإقامة الخلل ، والسعي لما يصلح العباد
في أمر معاشهم ومعادهم، وقد يكون الخلل في دين أو نفس أو عرض أو عقل أو مال ، وقد
يكون عاماً أو خاصاً ، وربما اجتمعت هذه الأمور في نوع من أنواع الخطأ والخلل ،
وقد جاء القضاء الإسلامي المُستمد من الشريعة الإسلامية الخاتمة بالمعالجة الشافية
الوافية لجميع أنواع القصور والخلل ، لأن الشريعة الإسلامية شريعة إلهية سماوية من
لدن خالق البشر سبحانه وتعالى الذي خلق الخلق وأوجد لهم ما يصلح شأنهم، قال تعالى
: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } " الملك :
الآية 14 " .
والجرائم
تتنوع من زمن ومكان إلى آخر ، لذلك يشرع لكل جريمة ما يناسبها مما يكون سبباً
لقطعها ودفعها عن المجتمع والأفراد ، وفي هذا الزمن وجدت جريمة حديثة المسمى
ولكنها قديمة المعنى وهي ما يسمى بجريمة الإرهاب، حيث تم الاصطلاح الحديث على
قصرها على نوع من الجرائم تتم على وفق فهم لحقيقتها وتوجيه لها بحسب توجه من
يُوصّف هذه الجرائم ويقومها ومن هذا المنطلق اجتمع العالم بأسره على التعاون
لمكافحة الإرهاب بمصطلحه وتسميته الحديثة، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا وافق الواقع
والحقيقة وعقدت لذلك المؤتمرات
والاجتماعات والمعاهدات والاتفاقات المحلية والإقليمية والعالمية ومن ذلك المؤتمر
العالمي الذي تنظمه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان " موقف
الإسلام من الإرهاب " خلال الفترة من
23 ــ 25/2/1425هـ، وقد طلب مني معالي وزير
العدل - وفقه الله - بموجب الخطاب
رقم 8788/25 في 29/1/1425هـ عطفاً على خطاب معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية رقم 192/ص في 17/12/1424هـ المتضمن طلب مشاركة بعض المختصين من وزارة
العدل .
وقد
طلب أن تكون مشاركتي بورقة عمل تحت عنوان " وظيفة القضاء في التعامل مع
الإرهاب " فاستعنت بالله للقيام بذلك على وفق ما هو محرر في هذه الأوراق
المشتملة على :
أولاً
: توصيف الواقعة الإرهابية .
ثانياً
: الدلائل القضائية لتجريم العمليات
الإرهابية .
ثالثاً
: القواعد والأحكام القضائية للوقائع الإرهابية .
وهذا
جهد المُقل على ضيق من الوقت وهي نواة لدراسة بحثية أسأل الله أن ييسر جمعها والله
سبحانه وتعالى أجل وأعلم وأحكم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم حرر في 14/2/1425هـ .
كـتـبـه
د.
ناصر بن إبراهيم المحيميد
رئيـس
مـحـاكـــم مـنطـقــة عسـيــر
خبير
الفقه والقضاء بجامعة الدول العربية
المبحث الأول
توصيف الواقعة الإرهابية
إن من
المقرر عقلاً وشرعاً أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فتصور الأمور وبيان
حقيقتها يعطي قناعة بمعرفتها ومن ثم إنزال الحكم المناسب لهذه الواقعة ، وبما أن
الإرهاب مصطلح حادث نُزّل في وقتنا الحاضر على نوع من القضايا تختلف وجهات النظر
في تقرير وصفها ثم الحكم عليها فلا بد من التوصيف الشرعي الموضح لهذا المسمى ،
والإرهاب شأنه شأن كثير من القضايا التي ينبغي أن تكون لها الضوابط الشرعية
واللغوية والقانونية بما يميز هذا المصطلح ويوضح ماهيّته .
فأهل
اللغـــة : يقولون إن الإرهاب أصله من الفعل - رَهِبَ على وزن طَرِبَ - أي خاف ، وأرهب : أي أخاف وأفزع ([2]).
وأما
أهل الاصطلاح الشرعي : فيرون أن الإرهاب هو : " العدوان الذي يمارسه أفراد أو
جماعات أو دول ، بغياً على الإنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه ، ويشمل صنوف
التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور إخافة السبيل وقطع الطريق
، وكل فعلٍ من أفعال العنف أو التهديد ؛ يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي
ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم
أو أمنهم أو أحوالهم للخطر "([3]).
وأما أهل الاصطلاح القانوني : فيرى القانون
المصري بأنه :" كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ، يلجأ إليه
الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، بهدف الإخلال بالنظام العام أو
تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر ، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء
الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة
، أو بالاتصالات أو بالمواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو
الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها ، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة
أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها ، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو
اللوائح "([4]).
وفي
القانون الجزائري يُعرّف الإرهاب بأنه : ( كل مخالفة تستهدف أمن الدولة والسلامة
الترابية ، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي عن طريق أي عمل غرضه ما يأتي :
بث
الرعب في أوساط السكان وخلق جو انعدام الأمن من خلال الاعتداء على الأشخاص ، أو
تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ، أو المس بممتلكاتهم ، عرقلة حركة
المرور أو حرية التنقل في الطرق والساحات
العمومية ؛ الاعتداء على المحيط وعلى وسائل المواصلات والنقل والملكيات العمومية
والخاصة ، والاستحواذ عليها دون مسوغ
قانوني ، وتدنيس القبور أو الاعتداء على رموز الجمهورية ؛ عرقلة عمل
السلطات العمومية أو حرية ممارسة العبادة والحريات العامة وسير المؤسسات المساعدة
للمرفق العام ؛ عرقلة سير المؤسسات العمومية أو الاعتداء على حياة أعوانها أو
ممتلكاتها ، أو عرقلة تطبيق القوانين والتنظيمات ) ([5]).
وفي
الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عُرِّف الإرهاب بأنه : ( كل فعلٍ من أفعال
العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه ، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي
أو جماعي ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم
أو حريتهم أو أمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك
العامة أو الخاصة ، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها ، أو تعريض أحد الموارد
الوطنية للخطر ) ([6]).
وجاءت
هذه الاتفاقية بتوصيف للجريمة الإرهابية على أنها أي جريمة أو شروع فيها ترتكب
تنفيذاً لغرض إرهابي في أيِّ من الدول المتعاقدة ، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو
مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي .
واستثنت
من ذلك حالات الكفاح بمختلف الوسائل ، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال
الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير ، وفقاً لمبادئ القانون الدولي ،
ولا يعد من هذه الحالات كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأي من الدول العربية([7]).
ومما
سبق يظهر لنا أن الإرهاب له توصيف حديث يراد به الأعمال المتصلة بالجور والاعتداء
والظلم ، وهو ما يقوم به المجرمون والمعتدون لترويع الآمنين ، وإزهاق أرواح
المسالمين ، وزعزعة أمن المطمئنين بأي أسلوب وطريقة من فعل أو قول أو إجراء وهو ما
قرره علماء الشريعة تحت مسمى" الإفساد في الأرض"، وهذا هو الوصف الذي
طغى في هذا الزمن وأصبح مصطلحاً متعارفاً عليه وهو الذي يُعد جريمة يعاقب عليها من
أسهم في تحقيقه في نفسه أو لدى الآخرين ، وهو المقصود معنا في هذا البحث([8]).
وإذا
ظهر هذا التوصيف والبيان لحقيقة الجريمة الإرهابية التي يراد إيجاد العلاج المناسب لها ، فإن جهة التحقيق القضائي هي التي
تقوم بهذا الإجراء على وفق ما جُعل لها من الصلاحيات المنصوص عليها في نظام
الإجراءات الجزائية ومن ذلك التحقيق في الجرائم التي تقع ضمن اختصاصها والعمل على
الاستدلال([9])
للأمور التي ثبتت هذه الواقعة وتقرير وصفها الجرمي على وفق ما يأتي :
أولا
- جمع المعلومات وضبطها :
إن
أول إجراءات الاستدلال في الجرائم الإرهابية هو البحث عن مرتكبي هذه الجرائم
وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام([10]).
ويمكن
أن يكون ذلك من خلال ما يأتي :
§ قبول
البلاغات والشكاوى التي ترد في الجريمة ، والقيام بفحصها وجمع المعلومات المتعلقة بها([11]) .
§ الانتقال
إلى محل الحادث للمحافظة عليه ، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة .
§ الاستماع
إلى أقوال من لديه معلومات عن الواقعة ومرتكبها ، ومساءلة من نسب إليه ارتكابها ،
والاستعانة بأهل الخبرة في ذلك([12]).
§ الانتقال
فوراً إلى مكان وقوع الجريمة ومعاينة آثارها المادية ، وإثبات حالة الأماكن
والأشخاص ، والاستماع إلى أقوال الحضور ، إذا كان ذلك في حالة التلبس بالجريمة([13]).
ثانياً
- القبض على المتهم وتفتيشه :
ومن
إجراءات الاستدلال القبض على المتهم الحاضر في حال التلبس بالجريمة الذي توجد أدلة
كافية على اتهامه ، والاستماع إلى أقواله ، وتفتيش جسده وملابسه وأمتعته ، وتفتيش
منزله وضبط ما فيه من الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة([14]).
ثالثا
- ضبط الرسائل ومراقبة المحادثات :
وكذلك
من إجراءات الاستدلال ضبط الرسائل والخطابات والمطبوعات والطرود ، ومراقبة
المحادثات الهاتفية وتسجليها إذا كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في الجريمة
الإرهابية ([15]).
المبحث الثاني
الدلائل القضائية لتجريم العمليات
الإرهابية
الوقائع
الإجرامية تتنوع بحسب أحوالها وقد ذكر أهل العلم أنواعاً لها مما لها حدود منصوص عليها وهي كما يأتي :
أولا : جنايات
على الأبدان والنفوس والأعضاء وهو المسمى (قتلاً وجرحاً) .
ثانياً : جنايات
على الفروج وهو المسمى ( زنى وسفاحاً ) .
ثالثاً : جنايات
على الأموال ، وهذه ما كان منها مأخوذ بحرب سمي حرابة إذا كان بغير تأويل ، وإن
كان بتأويل سمي بغياً ، وإن كان مأخوذاً على وجه الخفية من حرز سمي سرقة ، وما كان مأخوذاً بعلو مرتبة وقوة
سلطان سمي غصباً .
رابعا : جنايات
على الأعراض ، وهو المسمى ( قذفاً ) .
خامساً: جنايات بالتعدي على استباحة ما حرمه الشرع من
المأكول والمشروب، كحد شرب الخمر ([16]) .
والوقائع
الإرهابية قد تندرج تحت أحد هذه الأنواع وقد تقترن بأكثر من نوع، فتكون ممتزجة من
عدة وقائع إجرامية ، ومما لا شك فيه أن الواقعة الإجرامية إذا حصل لها التوصيف
القضائي السليم وأصبحت تندرج تحت الوقائع المؤاخذ عليها فإن دلائل التجريم بها
تكون ظاهرة وواضحة ، وواقعة الإرهاب
العدواني الجائر ودخوله في دائرة التجريم ظاهر لاشتماله على أمور متعددة من أظهرها
ما يأتي :
أولاً
: انعدام المشروعية للفعل ، لأن هذه الأعمال الإجرامية تتضمن أنواعاً من المحرمات
في الشريعة الإسلامية كالغدر ، والخيانة ، والعدوان ، والبغي ، والإثم ، والظلم ،
وقد حرّم الله الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً وأمر بالعدل يقول الله تعالى
: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ } " النحل: الآية9. ".
ويقول
سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته
بينكم محرماً فلا تظالموا )) ([17]).
كما
أن هذا الفعل يعد من الإفساد في الأرض الذي نهى الله عنه يقول تعالى : { وَلا تُفْسِدُوا فِي
الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا } " الأعراف الآية : 56" قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " ينهى تعالى عن الإفساد في
الأرض وما أضره بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع
الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك([18]).
وقال
القرطبي : " نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد ، قلَّ أو كثر ، بعد صلاح قلَّ أو
كثر ، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال([19]) ،
فكل فعل من الأفعال الإرهابية اقترن بجانب الفساد وتحقق به عدم المشروعية فإنه يعد
عملاً إجراميا يجب التعامل معه تعاملاً يحقق القضاء عليه .
ثانياً
: السعي لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين سواء كان ضرراً مباشراً أو بواسطة ،
فالواقعة الإرهابية المتقرر خللها تقترن بإلحاق الضرر والأذى بما يكون متعرضاً
للمقاصد الضرورية التي جاءت الشرائع السماوية بحفظها وهي الدين والنفس والعرض
والعقل والمال .
ثالثاً
: استخدام العنف العدواني والمقترن بالتخويف والترويع فنجد من يقوم بالواقعة
الإرهابية لا يفرق بين مواجهة محارب ومسالم آمن ، لأن غرضه الوصول إلى هدفه وهو
إشاعة الفوضى والتخويف والترويع ولا ينظر إلى الطرق التي تُحقق ذلك ،فتجده يقصد
الأطفال والعجزة في حين ، وفي حين آخر يقصد المنشئات الحيوية والمجالات التطويرية
، ولا يشك أحد بأن فعله هنا هو من باب العدوان ، لأنه نفذ جريمته من خلال استهداف
قنوات مسالمة ومواقع نافعة، ولكن عدوانه ورغبته في تحقيق هدفه الباطل أعمى بصيرته
عن عظم جريمته .
رابعاً
: إلحاق الضرر بالأمة التي ينتمي إليها وتشويه صورتها ، فمثلاً في وقتنا الحاضر
أُلصقت التهمة والتبعية بالإسلام والمسلمين من قبل فئام من الناس لهم مقاصد باطنة
، فألصقوا تهمة الإرهاب والاعتداء بالإسلام والمسلمين من أجل تشويه صورته ، وكان
لبعض أهل الإسلام سبب رئيس في إلحاق هذه التهمة بهم وبدينهم وذلك لرعونة التصرف
وسوء الفعل ، فأفعال من ينتسب إلى دين ؛ يلحقها الآخرون بهذا الدين ، ومما لا شك
فيه أن الوقائع الإرهابية التي وقعت في هذا الزمن قد جرّأت أعداء الديـن على
محاربتــه ، وحرصت على تنفير الناس منه ، وفتحـــت الأبواب للطعن فيه ، فتجرأ
هؤلاء الأعداء على حروب وإبادات وقتل وترويـع وســلــب لــمــدخـــرات شعوب
إسلامية، ما كانوا ليفعلوها لولا وجود المسوغ الظاهري من قبل من ينتمي لهذا الدين
الإسلامي الخالد الذي أنزله الله ديناً خاتماً صالحاً لكل زمان ومكان .
ويقع
عب إثبات الدعوى الإرهابية ودلائل تجريمها على الإدعاء العام ، لأن إقامة الأدلة
على وقوع الجريمة وذكر أسباب تجريمها تقع مسؤوليته على الادعاء العام بالتنسيق مع
جهات التحقيق ، فهي الجهة التي تقيم الدعوى وتجمع الأدلة المعينة لها وتقرر انعدام
الموانع من إيقاع العقوبات وتطلب إنزال العقوبة المناسبة لهذه الواقعة ، وقد يقترن
بهذه الواقعة حقان عام وخاص فيطالب المدعي العام بالحق العام ويطالب صاحب الحق
الخاص بحقه الذي اعتدي عليه به ، وقد نص نظام الإجراءات الجزائية في الباب الثاني
الفصل الأول على ما يأتي :
المادة
السادسة عشرة : تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وفقاً لنظامها بإقامة الدعوى
الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة .
المادة
السابعة عشرة : للمجني عليه أو من ينوب عنه ، ولوارثه من بعده ، حق رفع الدعوى الجزائية
في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص ، ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة
، وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور .
المادة
الثامنة عشرة : لا تجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراءات التحقيق في الجرائم
الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه أو
وارثه من بعده إلى الجهة المختصة ، إلا إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة
عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم .
المادة
التاسعة عشرة : إذا ظهر للمحكمة تعارض بين مصلحة المجني عليه أو وارثه من بعده
وبين مصلحة نائبه فيُمنع النائب من الاستمرار في المرافعة ويقام نائب آخر .
المادة
العشرون : إذا تبين للمحكمة في دعوى مقامة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت
الدعوى عليهم ، أو وقائع أخرى مرتبطة بالتهمة المعروضة فعليها أن تحيط من رفع
الدعوى علماً بذلك ، لاستكمال ما يلزم للنظر فيها والحكم فيها بالوجه الشرعي ،
ويسري هذا الإجراء على محكمة التمييز إذا ظهر لها ذلك .
المادة
الحادية والعشرون : للمحكمة إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها أو
بالاحترام الواجب لها ، أو التأثير في أحد أعضائها أو في أحد أطراف الدعوى أو
الشهود ، وكان ذلك بشأن دعوى منظورة أمامها ، أن تنظر في تلك الأفعال وتحكم فيها
بالوجه الشرعي([20]).
إجراءات
التحقيق في الجرائم الإرهابية :
§ الاستعانة
بالخبراء لإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بالتحقيق المجرى([21]).
§ انتقال
المحقق فور الإبلاغ بالجريمة إلى مكان وقوعها لإجراء المعاينة اللازمة قبل زوالها
أو طمس معالمها أو تغييرها ([22]).
§
تفتيش
المساكن التي يقيم فيها الشخص المتهم بارتكاب الجريمة ، وكذلك تفتيش المتهم نفسه([23]).
§ الاستماع
إلى أقوال الشهود الذين يطلب الخصوم سماع أقوالهم ما لم ير المحقق عدم الفائدة من
سماعها (4) .
§ استجواب
المتهم والتثبت من شخصيته وإحاطته بالتهمة المنسوبة إليه ، ومواجهته بغيره من
المتهمين أو الشهود([24]) .
§ توقيف
المتهم إذا تبين بعد استجوابه أن الأدلة كافية ضده في الجريمة ، أو كانت مصلحة
التحقيق تستوجب توقيفه([25]) .
§ إذا
كانت الأدلة كافية ضد المتهم ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة ، ويكلف المتهم
بالحضور أمامها ، وذلك بعد انتهاء التحقيق([26]) .
فإذا
وجد الفعل المقترن بالمظاهر الإجرامية المذكورة واقترن بذلك أركان الجريمة التي
تكتمل بوجودها منظمة الجريمة لينطبق عليها هذا الوصف وهي كما يأتي :
أولاً
: الركن الشرعي الذي يبين الجريمة ويُحرم ارتكابها ويحدد عقوبتها .
ثانياً
: القصد الجنائي ، أهلية التكليف لإيقاع
العقوبة .
ثالثاً
: التنفيذ أو الشروع في إحدى مراحله .
فإنه
يعد القائم بهذه الواقعة مداناً بها ويتم إيقاع العقوبة المناسبة لجريمته مما يحقق
العدالة ويحفظ للمجتمع مصلحته .
المبحث الثالث
القواعد والأحكام القضائية للوقائع
الإرهابية
إن
وظيفة القضاء في التعامل مع الإرهاب هي من أهم الوظائف العلاجية والوقائية لهذه
الواقعة التي تعتبر مخلة بالأمن وتستهدف مدخرات الأمة وثرواتها، وإذا اجتمعت
المنظومات العلاجية المتنوعة التي تحقق المعالجة السليمة لهذه الظاهرة فإنه يتم
إيجاد الحلول المناسبة لدفع شر هذه الظاهرة ، وإذا لم تجتمع فإنه يصعب القضاء على
هذه الوقائع الإرهابية وإن تحقق تحجيمها أو تقليل شرها .
والعقوبات
القضائية لا بد أن تشتمل على جانبين مهمين هما :
§ الجوانب
الوقائية .
§ والجوانب
العلاجية .
ولذلك
قال أهل العلم : إن العقوبات الشرعية يجب أن تكون رادعة للجاني عن العود إلى
جنايته ، وأن تكون زاجرة لغيره عن سلوك هذا الطريق والمضي فيه . .
وأما
ما يتعلق بالأحكام التي يجب أن تنزل على الجاني فإنها تختلف باختلاف ما اقترن
بجنايته من الخلل ، ولذلك لا بد من النظر إلى حال الجاني ، وإلى جنايته ، وإلى
وَقْع هذه الجناية في المجتمع ، فإن كان الجاني ممن تأصل الإجرام في نفسه فإن
عقوبته تختلف عن المُبتدئ وعن المُغرر به ، وكذلك الجناية التي تقع منهما ، فليس
إزهاق الأنفس البريئة والاعتداء عليها كالجنايات الصغيرة ؛ وكذلك حال المجتمع فإن
المجتمع المختل من الجوانب الأمنية له من المعالجة ما يختلف عن المجتمع الذي تقع
فيه الحادثة بقلة وأمنه لم يتأثر بهذه الواقعة .
وإنني
في هذا المقام أتعرض لأهم التدابير القضائية العلاجية والعقوبات الرادعة العامة
وإلا فإنه يصعب حصر هذه القواعد وذلك لأن الوقائع تختلف ، ويحدث للناس من القضاء
على وفق ما أحدثوه من الوقائع ، والقاضي كالطبيب يضع لكل علّة ما يناسبها من
الأدوية مما يناسب الحال والمقام .
أولا
- التدابير الوقائية والعلاجية للوقائع الإرهابية :
1-
نشر الوعي
القضائي والفقه الجنائي بين الناس ليظهر أن لكل جناية ما يناسبها من العقوبات
وليتم تعاون المواطنين معها على أتم أسلوب وأقوى داعم .
2-
الاهتمام بالجانب
الإصلاحي لمن وقعت منه الجناية لأن الوقائع الجنائية وقطع أسبابها قبل وقوعها مقدم
على رفعها عند وقوعها .
3-
توجيه العقوبات
إلى أفضل الطرق التي تعين على دفع الجرائم وقطعها من أصولها .
4-
إيقاع العقوبات
المناسبة المؤثرة للوقائع الجنائية حتى ولو كانت صغيرة وليس لها اتصال مباشر
بالوقائع الإرهابية ، لأن الجرائم والمعاصي يجر بعضها بعضاً .
5-
التشديد في
العقوبات على الوقائع الجنائية العامة إذا اقترنت بالشبهة الإرهابية لأن الاقتران
يعظم الواقعة المقترنة بها .
6-
إيجاد العقوبات
المساندة للعقوبات الأساسية بحسب ما يقتضيه الحال ، كالتشهير والإعلان ونحو ذلك .
7-
تطبيق العقوبات
الشرعية الإلهية على وقائعها الإجرامية بدقة وحرص وعدم تنحيتها عن الوقائع الخاصة
بها ، لأن الله جلّ وعلا قد شرعها لإصلاح شأن العباد وهو سبحانه وتعالى خالق الخلق
الذي يعلم ما يصلح شأنهم وما يناسب حالهم . قال تعالى : { أَلا يَعْلَمُ مَنْ
خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } " الملك الآية : 14 " .
8-
تطوير الأجهزة
القضائية والأمنية التي تتعقب الجريمة قبل وقوعها وتباشر تمحيص أصولها ، وتقترح
التوصيات الشرعية والمعالجات العلمية والاجتماعية والإعلامية المناسبة والسعي
لتنفيذها على أكمل وجه .
ثانياً
- العقوبات القضائية على الوقائع الإرهابية :
يمكن
تقسيم العقوبات القضائية على الوقائع الإرهابية إلى أقسام متعددة بحسب هذه الجناية
، وقد ذكرت في بداية هذا المبحث أن الأحكام التي توقع على الجاني تختلف باختلاف ما
اقترن بجنايته من الخلل ، وهذه العقوبات إما أن تكون عقوبة مقدرة من الشارع
كالحدود والقصاص ، وإما أن تكون غير مقدرة ويترك تحديدها للقاضي ليوقع من العقوبة
ما يوافق الجناية ويناسبها وهي عقوبة التعزير بأنواعه ، وإنني هنا أتطرق إلى
العقوبات بحسب الفعل الذي صدر من الجاني وهي كما يأتي :
1-
العقوبة على
التخطيط .
2-
العقوبة على
التحريض .
3-
العقوبة على المساعدة
والإعانة " الردء " .
4-
العقوبة على
الشروع في الجناية وعدم إتمامها .
5-
العقوبة على
التنفيذ .
6-
العقوبة على
العلم وعدم الإبلاغ " التستر "
.
فيجب
أن يكون لكل فعل ما يناسبه من العقوبة وليس ترتيبها هنا بناءً على ترتيب عقوبتها
فرب محرض أو مخطط يستحق من العقوبة أكثر ممن نفذ أو باشر، وكذلك لا بد أن تكون
العقوبة المقررة مما يجوز إيقاعها شرعاً على الجاني فالعقوبة لابد أن تكون جائزة
شرعاً ، وكذلك لا بد أن تكون العقوبة منحصرة على المجرم ولا تتعداه إلى غيره ممن
لم يسهم معه في جنايته .
هذا
ما يسر الله تحريره في هذه الأوراق المقدمة والتي تم إعدادها في حال ضيق من الوقت
، وأسأل الله أن يجعلها نواة بحثية لهذا الموضوع المهم الذي يجب أن تجتمع الجهود
لدراسته وبحثه ، والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم وأحكم وبالله التوفيق .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم
حرر في 14/2/1425هـ ...
كــتـبـــه
د .
ناصر بن إبراهيم المحيميد
المصادر والمراجع
§ الإجراءات
الجنائية في المملكة العربية السعودية ، د / سعد بن محمد بن علي بن ظفير ـــ
الرياض 1424هـ .
§ التعريفات
، علي بن محمد الجرجاني ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ــ 14.5 هـ تحقيق إبراهيم الأبياري .
§ تيسير
الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، عبدالرحمن بن ناصر السعدي ، تحقيق عبدالرحمن
اللويحق ، مكتبة الرشد ، الرياض الطبعة الأولى 1421هـ .
§ سنن
أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد
، دار الفكر .
§ سنن
البيهقي الكبرى : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، تحقيق : محمد عبدالقادر عطا ،
دار الباز ــــ مكة المكرمة ــــ 1414هـ .
§ السنن
الكبرى : أحمد بن شعيب بن علي النسائي ، تحقيق : د / عبدالغفار سليمان البنداري ،
سيد كسروي حسن ، دار الكتب العلمية ـــ بيروت ـــ الطبعة الأولى ـــ 1411هـ .
§ صحيح
البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري ، تحقيق : د / مصطفى ديب البغا ، دار ابن كثير
، بيروت ، الطبعة الثانية ــــ 14.7هـ .
§ صحيح
مسلم : مسلم بن الحجاج القثيري ، تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقي ، دار إحياء التراث
العربي ـــ بيروت .
§ لسان
العرب ، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر بيروت ط3 ، 1414هـ .
§ مجلة
الإرهاب ، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .
§ محاضرات
في أصول المحاكمات الجزائية ، د / نائل عبدالرحمن صالح ، دار الفكر ــ عمان ، الطبعة
الأولى 1417هـ .
§ المحاكمة
في جريمة القتل في الفقة والنظام ، د / سامي بن محمد العبد القادر ، دار اشبيليا
ـــ الرياض ــ الطبعة الأولى 1424هـ .
§ مصنف
ابن أبي شيبة : أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي ، تحقيق : كمال يوسف
الحوت ، مكتبة الرشد ـــ الرياض ـــ الطبعة الأولى ـــ 14.9هـ .
§ المغني
: عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر ـــ بيروت، الطبعة الأولى ـــ
14.5هـ.
§
مواجهة
الإرهاب ، د / أسامة محمد بدر ، 2...م ، النسر الذهبي للطباعة .
§ موسوعة
نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم ""e
"" ؛ أشرف على التأليف د/ صالح
بن حميد ، دار الوسيلة ، جده ــ الطبعة
الأولى 1418هـ .
§ موقف
الإسلام من الارهاب ، د / عبدالله بن عبدالمحسن التركي ، ورقة عمل مقدمة لندوة
موقف الإسلام من الإرهاب بالجنادرية عام 1423هـ .
§ نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية
، الصادر برقم (م/39) وتاريخ 28/7/1422هـ
.
§ نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام بالمملكة العربية السعودية ، الصادر برقم م/65 وتاريخ 24/1./14.9هـ .
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم