الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الأموال
مداخلة من إعداد: أ.خالدي فتيحة
المقدمة:
جريمة غسيل الأموال من اخطر
جرائم العصر الناتجة عن التقدم الهائل الذي شهده القرن العشرين في السنوات الأخيرة
، وظهور موجة العولمة الذي ترتب عنها إزالة الحدود بين الدول واتجاه اغلبها نحو
انتهاج سياسة الاقتصاد الحر الذي نتج عنه زيادة حجم التبادل التجاري وتدفق رؤوس
الأموال وتشجيع الاستثمار .
وتعتبر جريمة غسيل أو تبييض
الأموال جريمة اقتصادية نظرا لأثارها الوخيمة علي اقتصاديات الدول باعتبارها ترتبط
بأنشطة غير مشروعة تكون في الغالب ناتجة عن الاتجار بالمخدرات أو المتاجرة بالبشر
أو الاتجار غير المشروع بالأسلحة واختلاس الأموال العامة بالإضافة إلي ارتباطها
بجرائم أخري كالجرائم الإرهابية ..........الخ ، ثم يحاول أصحابها تنظيف عائداتها
بتبييضها والعودة بها إلى سوق التداول لتصبح مشروعة بالرغم من مصدرها غير المشروع
، وبالتالي تمويه وتضليل كل متابعة قضائية ضدهم .
فمدلول جريمة غسيل الأموال ينصرف
إلى جميع العمليات والأنشطة التي يتم القيام بها من اجل تمويه أو إخفاء مصدر
الأموال غير النظيفة ومن ثم العمل على شرعنة عائدات الأفعال التي تكون في نظر
القانون جريمة ، وبهذا تعد جريمة غسيل الأموال مخرجا للمجرمين نظرا لصعوبة التعامل
مع حصيلة جرائمهم التي تخلف في الغالب أموالا باهضة .
انطلاقا من
المفهوم السابق فان غسيل الأموال يمر بمراحل متعددة فهي ليست عملا واحدا بل تتضمن
سلسلة من الإجراءات وهي ثلاثة ، قد تحصل دفعة واحدة ، كما قد تنفصل كل واحدة عن
الأخرى ، فالمرحلة الأولى تتمثل في إدخال المال في النظام المالي القانوني أي
التخلص من كمية النقد المتحصل عليها من مصدر غير مشروع وتسمى هذه العملية بمرحلة
التوظيف ، أما المرحلة الثانية فيتم خلالها نقل وتبادل المال غير المشروع عن طريق
النظام المالي الذي ادخل فيه أي إجراء بعض العمليات المصرفية على ودائعهم من اجل
الحصول على مستندات قانونية يتم بها تضليل السلطات وتسمى هذه العملية بالتمويه،أما
المرحلة الأخيرة فهي دمج المال نهائيا في سوق التداول ليصبح مشروع.
وقد تجاوزت جريمة غسيل الأموال
المفهوم التقليدي للجريمة نظرا لارتباطها بالإجرام المنظم واتخاذها شكل الجريمة
العابرة للحدود خاصة عندما ترتكب الجريمة الأصلية أي مصدر الأموال غير المشروعة في دولة أخرى غير الدولة التي تم فيها تبييض
الأموال ، مما يثير مشكلة التكييف القانوني من جهة وإمكانية عدم الاعتراف بحجية
الأحكام الجنائية الصادرة في دولة أخرى من جهة ثانية، مما نتج عنه قصور قواعد
الاختصاص الجنائي الدولي في التحكم في هذه الجريمة .
كما أن الجريمة السابقة توصف
بأنها جريمة لاحقة أي مسبوقة دائما بفعل إجرامي أصلي، أولي ينصب على عائداتها نشاط
التبييض بالإضافة إلى كثرة وتعدد الجناة المساهمين فيها ، الأمر الذي يثير التساؤل
حول الطبيعة القانونية لهذه الجريمة وبالأخص التساؤل حول تبعية أو استقلالية جريمة
غسيل الأموال عن الجريمة الأصلية الناتج عنها المال غير المشروع ؟ وبالتالي
التساؤل حول الآثار القانونية المترتبة عن تبعيتها أو استقلاليتها؟
على هدي ما تقدم تناولت هذا
الموضوع وفق التفصيل التالي :
أولا : التكييف القانوني لجريمة غسيل الأموال
1.
المساهمة التبعية كوصف لجريمة غسيل الأموال
2.
جريمة إخفاء الأشياء كوصف لجريمة غسيل الأموال
ثانيا : البناء القانوني لجريمة غسيل الأموال
1.
أركان جريمة غسيل الأموال
2.
واقع جريمة غسيل الأموال في القانون الجزائري
وخاتمة في الأخير رصدت فيها النتائج المتوصل إليها من خلال تحليل هاته
النقاط.
أولا : التكييف القانوني لجريمة غسيل الأموال
لما كانت جريمة غسيل الأموال هي عملية تحويل الأموال
المتحصل عنها من أنشطة جرميه بهدف إخفاء أو إنكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه
الأموال ، أو هي ببساطة إظهار المال الناتج عن جرائم جنائية - كترويج المخدرات أو الإرهاب
أو الفساد أو غيرها - بصورة أموال لها
مصدر قانوني ومشروع .
أمام هذا التعريف يتفق الجميع على تجريم غسيل الأموال المتأتية من مصدر غير
مشروع ، إلا أن هذا القول لا يستقيم إذا لم يوجد نص في القانون يجرم مثل هذا الفعل
ويرصد له العقوبات المناسبة ، أو بصيغة أخرى يجب أن تتطابق عناصر الركن المادي
للجريمة والنصوص التشريعية العقابية تجسيدا لمبدأ شرعية الجريمة وشرعية العقوبة ،
إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون
، وأيضا وجوب تفسير القاعدة القانونية بشكل ضيق وعدم التوسع في مضمونها.
والتكييف القانوني معناه عملية
ذهنية تعني إعطاء الفعل المرتكب الوصف الذي ينطبق عليه استنادا إلى النص التشريعي
الجزائي، وبالتالي انطباق أوصاف الفعل المرتكب على محتوى النص يجعل منه جريمة
معاقب عليها حسب هذه النصوص.
كما أن عملية التكييف القانوني ليست ركنا في الجريمة ولا عنصرا من عناصر
أركانها وإنما شرط لإسناد الفعل لنص معين في القانون الجزائي(01).
انطلاقا مما سبق فان البحث في
التكييف القانوني لجريمة غسيل الأموال يقتضي البحث في مجموعة من الأوصاف القانونية التقليدية التي
أعطيت لهاته الجريمة ،فقد كيفها الفقه بأنها من قبيل المساهمة الجنائية التبعية التي
تعني تعدد الجناة ووحدة الفعل الإجرامي وتبعيته لجريمة أخرى أولية معاقب عليها
بمقتضى قواعد القانون الجزائي.
كما ذهب فريق أخر إلى أن جريمة غسيل الأموال تكون جريمة إخفاء الأشياء
المتحصل عليها من مصدر غير مشروع أي أنها جريمة تبعية لا تتحقق إلا بتحقق جريمة أخرى
تسبقها .
ولما أثبتت الأوصاف التقليدية قصورها في إعطاء هذه الجريمة الوصف المناسب ،اتجهت
التشريعات الحديثة إلى تجريم غسيل الأموال باعتبارها جريمة قائمة بذاتها لها وصف
خاص،ومنها المشرع الجزائي الجزائري من خلال جملة من القوانين.
1. المساهمة التبعية كوصف لجريمة غسيل
الأموال
ذهب
فريق فقهي إلى تكييف جريمة غسيل الأموال بأنها جريمة تابعة للجريمة الأصلية الناتج
عنها المال غير مشروع والمعاقب عليها طبقا لأحكام القانون الجزائي، مما يعتبر معه
غاسل الأموال شريكا وليس فاعلا أصليا في الجريمة ، إلا انه على الرغم من منطقية
رأي هؤلاء من الناحية النظرية فقد اثبت قصوره من الناحية الواقعية أمام خصوصية
نشاط تبييض الأموال.
1.1.
أسباب وصف جريمة غسيل الأموال بالمساهمة التبعية الجنائية
المساهمة الجنائية هي : " نشاط يرتبط
بالفعل الإجرامي والنتيجة برابطة السببية دون أن يتضمن تنفيذا للجريمة أو قياما
بدور رئيسي في ارتكابها "(02) ، فالمساهمة أو الاشتراك في الجريمة هو تعدد الجناة ووحدة الفعل
الإجرامي ، إذ يشترك أكثر من شخص في اكتمال العناصر المكونة للركن المادي للجريمة
، كما لا يمنع من أن يشترك فيها آخرون عن طريق المساعدة أو الاتفاق أو التحريض ،
ومن هنا تظهر صفة التبعية في جريمة غسيل الأموال ، بحيث أن نشاط المساهم أو الشريك
ليس بالضرورة غير مشروع وإنما يكتسب صفة عدم المشروعية بالتبعية لنشاط الفاعل
الأصلي .
وللمساهمة الجنائية أركان قانونية يجب توفرها لقيامها
، إذ يجب أولا وجود فعل أصلي مجرم طبقا لقانون العقوبات ،وأيضا يجب أن تتبلور
المساهمة في صورة فعل ايجابي بحيث لا تقوم المساهمة في صورة امتناع عن الفعل ، كما
يجب أن يظهر الفعل الايجابي في صورة التحريض أو الاتفاق أو المساعدة
كما انه
لقيام المساهمة التبعية في جريمة غسيل الأموال يشترط شرطين لابد من توافرهما ،
الأول وجوب الاتفاق بين الفاعل أو الفاعلين الأصليين والشريك أو الشركاء وان يكون
هذا الاتفاق سابقا أو معاصرا على ارتكاب الجريمة ، والثاني أن يكون موضوع هذا
الاتفاق قيام الشريك بأحد الأفعال كالإخفاء أو التمويه أو التحويل أو المساعدة…………..الخ(03)
، كقيام البنك بإيداع الأموال غير المشروعة لديه مع علمه بمصدرها ومع ذلك يودعها
لديه .
والمساهمة
أو الاشتراك في جريمة غسيل الأموال يعتبر جريمة في نظر القانون يتطلب لقيامها
ثلاثة أركان (04) ، الركن المادي والركن المعنوي والركن الشرعي ، فأما الركن
المادي للاشتراك فيتمثل في النشاط الايجابي الذي يقوم به الغاسل للمال غير المشروع
ووجود رابطة السببية بين نشاط المشترك والفاعل الأصلي للجريمة ،وبانتفاء هذه
الرابطة تنتفي مسؤولية المساهم ، في حين الركن المعنوي يتمثل في علم المشترك أن ما
يقوم به عملا غير مشروع يتوجب عنه العقاب ومع ذلك ساهم في تحقيق النتيجة الإجرامية
، وأخيرا الركن الشرعي الذي يعني تجريم الفعل الذي يرتبط بنشاط غير المشروع للفاعل
الأصلي.
2.1 قصور المساهمة التبعية كوصف لجريمة غسيل الأموال
أثبت
الواقع أن التكييف السابق قاصر في جوانبه الموضوعية والشكلية، نظرا لخصوصية نشاط
تبييض الأموال خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنوك أو المصارف نظرا للقواعد المعقدة أو
الآليات التي يتم بها العمل المصرفي.
بالنسبة
لأوجه القصور الموضوعية هي الإجابة عن تساؤل مضمونه، هل مرتكب غسيل الأموال هو
المتسبب في وقوع الجريمة الناتج عنها هذا المال ؟، فمن غير الممكن أن يكون غاسلو
الأموال هم السبب ومنه انتفاء علاقة السببية بين نشاط الشريك وبين النتيجة (الجريمة
الأصلية) الذي يتبعه هدم الركن المادي للمساهمة (05).
بالإضافة إلى انه يشترط في المساهمة التبعية أن يكون
نشاط الشريك ايجابيا سابقا أو معاصرا على وقوع الجريمة الأصلية، وان يكون هذا
النشاط سببا في وقوع هذه الجريمة، كحال البنك الذي يمتنع عن القيام بواجب التحري
عن مصدر الأموال المشبوهة المراد إيداعها أو تحويلها ، فلا يعتبر مساهما في
الجريمة الأصلية الناتجة عنها هذه الأموال (06) .
أما أوجه
القصور الشكلية أو الإجرائية فتتمثل في كون تبعية فعل المساهمة للجريمة الأصلية
إنما يضعف ولا يساهم في مكافحة جريمة غسيل الأموال، وصورة ذلك كان ينتفي عقاب
المجرم الأصلي لأي سبب من أسباب الإباحة أو التقادم أو العفو........الخ ، فينتفي
معه بالتبعية مساءلة الشركاء وهم القائمين على نشاط غسيل الأموال.
من جهة أخرى باعتبار جريمة غسيل الأموال من الجرائم
العابرة للحدود الدولية ، فالقول بان القائم بنشاط غسيل الأموال مساهما تبعيا لا
يضمن العقاب على أساس أن الدولة التي يتم فيها غسيل الأموال لا يمنحها نظامها
القانوني الاختصاص بنظر الجريمة ، لكونه فعل من أفعال الاشتراك فقط ، وبهذا يصعب
تعقب وتتبع غاسلي الأموال المشبوهة وضبطها ومصادرتها(07)
و لما كان الأمر كذلك ونظرا لقصور هذا الرأي لوجود
العديد من الثغرات فلا يصلح كوصف لجريمة غسيل الأموال.
2.جريمة إخفاء الأشياء كوصف لجريمة غسيل الأموال
اعتبر فريق أخر تبييض الأموال تكون جريمة أخرى
هي إخفاء الأشياء المتحصل عليها من فعل إجرامي
باعتبار الجريمة الأولية أي مصدر المال غير المشروع تمثل المحرك الأول
لتسلسل حلقات الفعل الإجرامي الذي ينتهي بغسيل الأموال(08) وتتمثل جريمة الإخفاء
في حيازة الأشياء أو الأموال الناتجة من مصدر غير مشروع ، ولا تقوم إلا إذا كان
الفعل المؤدي إلى الإخفاء يشكل جريمة توصف بأنها جناية أو جنحة معاقب عليها قانونا
،ومنه فالإخفاء جريمة تبعية لجريمة أصلية (09) .
وقد كانت
جريمة الإخفاء في ظل التشريع الروماني القديم تقتصر على إخفاء الأموال المتحصل
عليها من جريمة السرقة فحسب ،وهو ما نص عليه المشرع الفرنسي في قانون العقوبات
الصادر سنة 1791، إلا انه بعد صدور التشريع الجنائي الفرنسي 1810 عاقب على الأشياء
المتحصل عليها من أي نشاط جنائي أو جنحي ، وقد توسع في مفهوم الإخفاء إلى درجة
اعتبر مجرد التوسط في تداول أو بيع الشئ المتحصل عليه من جريمة ، صورة من صور
الإخفاء (10)، وينطبق فعل الإخفاء في جريمة غسيل الأموال على العمليات التي تتم
بها كالقبول أو الإيداع أو النقل أو التحويل أو الاستثمار أو الاستخدام أو الانتفاع
، مع علم الشخص بمصدرها غير المشروع سواء كان شخص طبيعي أو معنوي (11).
وعلى العموم فالإخفاء يعني حيازة الشئ بأي شكل من
الأشكال ، سواء كان ظاهريا أو مستترا ،فلا يشترط أن يكون الجاني قد أخفى الأشياء
فعلا ، بل يتحقق حتى ولو كان الجاني يحوز الأشياء حيازة ظاهرة غير مستترة.
و أيضا لا يهم سبب الحيازة حتى ولو كان بطريق مشروع
طالما كان على علم أن مصدر الأموال غير مشروع (12).
ويرى البعض أن البنك لا يعد حائزا حينما تودع لديه
الأموال فقبوله لها لا يعني حيازتها فعليا ،بالإضافة إلى أن حق التصرف في هذا
المال يبقى لصاحبه ، إلا أن الرأي المعارض يرى قيام مسؤولية البنك باعتبار عقد
الوديعة يقوم على الاعتبار الشخصي وبالتالي يجب على هذا الأخير التحري على العميل
ومصدر الأموال المودعة ، ثم أن البنك ينتفع بهذه الأموال في حال استثمارها في
مشاريع مختلفة (13) .
وفيما
يتعلق بمحل جريمة الإخفاء ، فيتمثل في الأموال المتحصل عليها من جناية او جنحة ،
وبالتالي كل ما يحمل معنى المال يصح محلا لجريمة الإخفاء سواء كان مال نقدي أو
أشياء مادية كالمجوهرات عقارات ....الخ ، أما الجريمة الأصلية التي نتج عنها إخفاء
عائدها فتشمل جرائم الأموال كالسرقة والاختلاس وخيانة الأمانة والنصب والاتجار
بالمخدرات وبيع الأعضاء البشرية وجرائم الإرهاب وغيرها (14) .
إن تكييف
جريمة غسيل الأموال باعتبارها تدخل في نطاق جريمة الإخفاء، ليس التكييف الأكثر
ملائمة لنشاط غسيل الأموال، وبالتالي اثبت هذا التكييف قصوره للأسباب الأتي ذكرها:(15)
-
لقيام الركن المادي في جريمة إخفاء الأشياء يجب أن
يقوم الجاني بسلوك ايجابي يتمثل في حيازة الشئ ، وبالتالي فعل الامتناع لا يصلح أن
يكون عنصرا مكونا للركن المادي ،إلا في حالات استثنائية معينة ،وعليه فان امتناع
البنك أو المؤسسة المالية عن التبليغ عن مصدر الأموال لا يرقى إلى مستوى جريمة
الإخفاء وبالتالي لا يعد مرتكبا لجريمة غسيل الأموال.
-
التوسع في مفهوم محل جريمة الإخفاء ، يساهم فعلا في
ملاحقة جرائم غسيل الأموال تحت وصف الإخفاء ، إلا انه من الناحية الواقعية يصطدم
بمبدأ عدم تجزئة الرصيد المالي أي انه لا يمكن فصل احد بنود الحساب الجاري لترتيب
أثار قانونية عليها ، فالقانون يرتب أثاره على كل الرصيد ، ذلك أن أموال العميل
تختلط مع بعضها البعض أي الأموال المشروعة بغير المشروعة مما يصعب الفصل بينهما.
-
اتساع مضمون الجريمة الأصلية جناية أو جنحة، إلى درجة
يمكن القول معه أنها تشمل كل الجرائم المذكورة في قانون العقوبات ، وبالتالي تاتي
على مبدا الشرعية الذي مضمونه " لا جريمة ولا عقوبة الا بنص في القانون
" لذلك يجب ان يرد النص محددا لمجموع الجرائم الأصلية التي يقع عليها نشاط
الإخفاء
-
اختلاف صور الركن المعنوي في جريمة الإخفاء عنه في
جريمة غسيل الأموال ، فإذا كانت جريمة الإخفاء من الجرائم العمدية تتطلب وجود
القصد الجنائي لدى الفاعل بحيث تنصرف إرادته إلى ارتكاب الفعل عن علم بان ما يقوم
بإخفائه متحصل عليه من جناية أو جنحة ، فان جريمة غسيل الأموال قد تقع عمدا أو عن
خطا كصورة البنك الذي لا يتحرى على مصدر الأموال المودعة إذا بلغت نسبة معينة
فيعتبر مرتكبا لجريمة غسيل الأموال بطريق الإهمال .
هكذا،
ونظرا لقصور الأوصاف التقليدية في تكييف جريمة غسيل الأموال نظرا لخصوصيتها ، تدخل
المشرع في اغلب التشريعات الوطنية من خلال استحداث نصوص واضحة الدلالة على تجريم
غسيل الأموال باعتبارها جريمة مستقلة لا تبعية ، ويترتب على ذلك معاقبة القائم بها
، حتى ولو تم إعفاء مرتكب الجريمة الأصلية من العقاب لأي سبب كان .
ثانيا : البنـاء القانـوني لجريـمة غسيـل الأمـوال
باعتبار جريمة غسيل الأموال هي
جريمة مستقلة تتمثل في إخفاء وتمويه المصادر الحقيقية غير المشروعة للأموال
المتحصل عليها من ارتكاب جرائم عديدة كالاتجار بالمخدرات والمتاجرة بالبشر وغيرها
، فهي من الجرائم الاقتصادية الذي تعني فعل أو امتناع يعاقب عليه القانون ويخالف
السياسة الاقتصادية للدولة مما يقتضي أن تتوافر فيها أركان تقوم عليها(16) ، المتمثلة أساسا في
الركن المادي وهو السلوك الخارجي الملموس ، والركن المعنوي ويراد به القصد والنية
الكامنة وراء النشاط الإجرامي
بالإضافة إلى الركن الشرعي أو القانوني الذي لا يتصور
مساءلة المجرم بدونه تطبيقا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون.
1.
أركان جريمة غسيل الأموال
يختلف الفقهاء حينما يتعلق الأمر باركان الجريمة،
فمنهم من يقسمها إلى ركنين، ركن مادي وركن معنوي
ومنهم من يقسمها إلى ثلاثة أركان ، ركن مادي وركن ومعنوي وأخر شرعي يعبر عن
مبدأ شرعية الجريمة وشرعية العقوبة ، وهو الاتجاه الذي جسده المشرع الجزائري من
خلال نص المادة الأولى من تقنيين العقوبات.
1.1 الركـن
المـادي
الركن المادي في الجريمة هو
النشاط الذي يخرجها إلى عالم الوجود والواقع الملموس وهو سلوك محظور يلحق الضرر
بحقوق ومصالح يحميها القانون ، ولدراسة الركن المادي للجريمة يقتضي الأمر التطرق
إلى ثلاثة عناصر يتكون منها، متمثلة في السلوك المادي المجرم والنتيجة الإجرامية
المترتبة على هذا السلوك وعلاقة السببية التي تربط بينهما ، وجريمة غسيل الأموال
لا تخرج على هذا الإطار.
1.1.1 النشاط الإجرامي في جريمة غسيل الأموال
يتم نشاط غسيل الأموال من خلال
القيام بمجموعة من الإجراءات والتصرفات التي تضفي المشروعية على الأموال غير
النظيفة الناتجة عن أفعال مجرمة وبالتالي إدماج هذه الأموال ضمن الأموال المشروعة
بحيث يصعب فصلها عن بعضها البعض(17)
ويتخذ النشاط الإجرامي في جريمة غسيل الأموال عدة صور نظرا لتعدد الطرق
والوسائل الذي يلجا إليها مبيضو الأموال وهي :
1.1.1.1 نقل الأموال
وتحويلها
ونعني بنقل الأموال الانتقال بها من مكان إلى أخر (تهريب الأموال) أي
التدفقات النقدية قصيرة الأجل التي تهرب إلى الخارج بقصد المضاربة ، أما التحويل
فهو تغيير شكل الأموال أو العملة المتحصل عليها من مصدر غير المشروع كالاتجار
بالمخدرات مثلا ، كان يتم تحويل العملة المحلية الضعيفة المتحصل عليها من جريمة
إلى مجوهرات أو لوحات نادرة ثم القيام ببيعها خارج البلاد مقابل مبالغ ضخمة ، أو
التحويل عن طريق بطاقات ائتمان مزورة ،أو تحويلها عن طريق الصيارفة أو بإنشاء فروع
لشركات أجنبية وهمية لتحويل الأموال إلى الخارج وغيرها من العمليات المستحدثة
كالتحويلات الالكترونية للأموال غير المشروعة وهو أسلوب يمتاز بالسرعة والسرية(18) ، وعلى العموم فالتحويل يقصد به إجراء عمليات مصرفية أو غير مصرفية يكون
الغرض منها تحويل شكل الأموال إلى شكل آخر.
والنقل والتحويل قد يتم دفعة واحدة أو بعدة أفعال متعاقبة ومتكررة (الجريمة المتعاقبة) ، وبالرغم من
تكرار سلوك الجاني إلا أن الجريمة تبقى واحدة بالنظر إلى وحدة الحق المعتدى عليه
والمجني عليه والغرض من الفعل(19) .
2.1.1.1. فعل الإخفـاء والتمويــه
يقصد
بالإخفاء التستر على المصدر الحقيقي للأموال المبيضة والقيام بما يلزم لمنع معرفة
ذلك المصدر ، أما التمويه فهو التضليل والكذب للحيلولة دون معرفة مصدر تلك الأموال
ومن ثم إدخالها في الدورة الاقتصادية عن طريق مختلف المشاريع .
وقد نصت على هذه الصورة اتفاقية فيينا لمكافحة
الاتجار غير المشروع بالمخدرات لسنة 1988 حين عرفت جريمة غسيل الأموال في مادتها
الثالثة بقولها " إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة
التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها مع العلم أنها مستمدة من
جريمة أو جرائم ..........".
إذن محل الإخفاء أو التمويه يقع على حقيقة المال أو
مصدره أو مكانه أو طريقة التصرف فيه أو حركته أو الحقوق المتعلقة به أو ملكيته ،
كما يشمل الإخفاء كل عمل من شانه منع كشف حقيقة مصدر المال غير المشروع ،في حين
التمويه يقصد به إعطاء المال غير المشروع مظهر ووصف شرعي زائف(20).
3.1.1.1 حيـازة أو اكتساب أو استخدام الأموال الناتجة عن
مصـدر غيـر مشروع
بالنسبة للحيازة هي موافقة الفاعل
سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا استلام والاحتفاظ بهذه الأموال رغم علمه بمصدرها
غير المشروع ، أما اكتساب الأموال فالمقصود به إغراءات مالية تقدم للأشخاص بهدف
المشاركة في إخفاء وتمويه مصدر هذه الأموال ، ويتم ذلك عن طريق تقديم هدايا ودفع
رشاوى لتسهيل إخفاء مصدر هذه الأموال بشكل متقن(21) ، أما
الاستخدام أو الاستثمار فيشترط علم المستثمر بان مصدر الأموال غير مشروع(22)
2.1.1 النتيجة الإجرامية
النتيجة الإجرامية هي الأثر
المترتب على نشاط او سلوك المجرم يمس بمصلحة محمية قانونا وتتمثل في جريمة غسيل
الأموال في إدخال الاموال غير المشروعة في الدورة الاقتصادية ، وفي هذا الصدد
يتبادر إلى الأذهان تساؤل مهم مفاده ماذا لو لم تتحقق النتيجة ، وبقيت على مستوى
الشروع ؟
فالشروع في هذه الجريمة يتحقق بمجرد القيام ببعض الأفعال تمهيدا لارتكاب
الجريمة التامة شرط أن يكون هدف هذه العمليات هو الإخفاء وتمويه المصدر غير
المشروع لهذه الأموال كأن يضبط الفاعل في مرحلة التوظيف.
وعلى العموم فان صور النشاط الإجرامي الغرض منها إخفاء المال أو تمويه
حقيقة مصدره غير المشروع(23)
3.1.1 علاقـة السببيـة
يقصد بعلاقة السببية الرابط بين
السلوك الإجرامي والنتيجة، أي إثبات أن سبب تحقيق النتيجة وقيام الجريمة هو ممارسة
الجاني لأحد الأفعال المذكورة في النشاط الإجرامي.
أما المشرع الجزائري فقد نص في المادة 389مكرر على أوجه النشاط الإجرامي في
هذه الجريمة بقولها يعد تبييضا للأموال:
-
تحويل الممتلكات ونقلها
-
إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها
-
اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها
وفي هذا الصدد نلاحظ اختلاف التشريعات في وصف الأموال غير المشروعة التي
ينصب عليها فعل التبييض ،فنجد المشرع الجزائري وصفها " بالممتلكات" ، في
حين المشرع المصري وصفها" بالأموال" و"المتحصلات" ، أما
المشرع الفرنسي فقد استعمل عدة مصطلحات "كالأموال" أو"الدخول"
و"رؤوس الأموال " أو "الأصول" ويعود هذا التباين إلى اختلاف
الأصل التي استمدت منه الترجمة(24).
2.1 الركن المعنوي
جريمة غسيل الأموال من الجرائم العمدية ، إذ
يجب لقيامها تحقق القصد الجنائي ، أي العلم والإرادة بان ما يقوم به الجاني جريمة
معاقب عليها قانونا
ونظرا للخصوصية التي تتميز بها جريمة غسيل الأموال فانه يلزم لقيامها قصد
جنائي عام وقصد جنائي خاص ، فأما القصد
العام فهو علم الجاني عن إرادة بحقيقة المصدر غير المشروع للأموال أي علمه بان هذه
الأموال متأتية من مصدر غير مشروع ،
واتجاه إرادته السليمة من أي عيب إلى إتيان فعل التبييض ، في حين القصد الخاص
يتمثل في إخفاء أو تمويه مصدر الأموال غير المشروعة ويتحقق حين التأكد من إرادة
إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال بنية التهرب من المتابعة القانونية (25).
3.1 الركن الشرعي أو القانوني
يشكل فعل غسيل الأموال جريمة في اغلب تشريعات
الدول المعاصرة نظرا لما تشكله من خطر وأضرار بالغة على امن الدول واقتصادها من
جهة ، ومن جهة أخرى استنادا إلى المبدأ المنصوص عليه في اغلب التشريعات العقابية " لا جريمة ولا
عقوبة أو تدبير امن إلا بنص القانون " ، بالإضافة إلى عدم خضوع الفعل إلى سبب
من أسباب الإباحة .
وفي هذا الصدد اتجهت التشريعات
إلى تجريم هذه الجريمة بحيث اعتبرتها جريمة قائمة بذاتها لها أركانها وعقوبتها
الخاصة ، ومنها المشرع الجزائري حيث أدرج في القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم للأمر رقم 66- 156 المؤرخ في
08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات، في الفصل
الثاني منه المتعلق بالجنايات والجنح ضد الأموال ،في قسم سادس مكرر بعنوان
"تبييض الأموال" يتضمن ثمانية مواد جديدة من 389مكررالى 389مكرر7 ، وقد
حدد في المواد 389 مكرر1 الي389 مكرر4 العقوبات الأصلية لجريمة غسيل الأموال وفي
المواد 389 مكرر5 الي389 مكرر 7 حدد العقوبات التكميلية لها .
1.3.1- العقوبات الأصلية
- السجن والغرامة
حيث نصت المادة 389 مكرر1 على
"يعاقب كل من قام بتبييض الأموال بالحبس من خمس سنوات إلى عشر سنوات وبغرامة
من 1000.000 دج الى3000.000 دج" ، وقد تمثلت العقوبات الأصلية طبقا لهذا النص
في الحبس والغرامة
أما المادة 389 مكرر2 فقد نصت على تشديد العقوبة في حالة العود ، أو في الحالة التي
يسهل فيها الجاني هذا الفعل عن طريق الامتيازات التي يمنحها مركزه المهني ، أو
عندما ترتكب هذه الجريمة في شكل جماعي ، بقولها
" يعاقب كل من يرتكب جريمة تبييض الأموال على سبيل الاعتياد أو
باستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة إجرامية ، بالحبس من
عشرة سنوات إلى خمس عشرة سنة وبغرامة من 4000.000 دج الى8000.000 دج"(26)
بالإضافة إلى تطبيق أحكام المادة 60 مكرر على الجريمة المنصوص عليها في
المادة السابقة
وبالنسبة للشخص المعنوي المرتكب لجريمة تبييض الأموال ، فيعاقب تطبيقا لنص
المادة 389 مكرر7 بغرامة لا يمكن أن تقل عن أربع مرات الحد الأقصى للغرامة المنصوص
عليها في المادتين 389مكرر1
و389مكرر2 .
- المصادرة:
طبقا لنص المادة 389مكرر4 و المادة389 مكرر7 تحكم الجهة القضائية المختصة بمصادرة الأملاك موضوع الجريمة ، بما فيها
العائدات والفوائد المتحصل عليها ،في أي يد تكون إلا إذا اثبت مالكها انه يحوزها
بسند شرعي وانه لم يكن يعلم بمصدرها غير المشروع ، بالإضافة إلى مصادرة الوسائل
والمعدات المستعملة في التبييض ، وفي الحالة التي يتعذر فيها تقديم او حجز
الممتلكات ،تحكم الجهة القضائية المختصة بعقوبة مالية تساوي قيمة هذه الممتلكات .
و يجوز الحكم بمصادرة الأموال محل الجريمة في الحالة
التي يكون فيها الجاني أو الجناة مجهولين.
وبالنسبة للشخص الاعتباري ، يجوز الحكم بحله ، وكذلك
المنع من مزاولة أي نشاط مهني او اجتماعي لمدة لا تتجاوز خمس سنوات .
2.3.1- العقوبات التكميلية
ورد النص
عليها في المادة 389مكرر5 بأنه يطبق على الشخص الطبيعي المرتكب لإحدى الجرائم
المنصوص عليها في المادتين 389مكرر1 و389مكرر2 بعقوبة أو أكثر من العقوبات المنصوص
عليها في المادة 9 من قانون العقوبات، ويجوز أيضا طبقا للمادة 389مكرر6 الحكم بالمنع
من الإقامة بصفة نهائية أو لمدة 10 سنوات على الأكثر على كل أجنبي مدان بإحدى
الجرائم المنصوص عليها في المادتين 389مكرر1 و389مكرر2.
وقد نص على معاقبة الشروع أو المحاولة في هذه الجريمة
بمثل العقوبات المقررة للجريمة التامة في نص المادة 389مكرر3.
كما نظم
أحكام هذه الجريمة من خلال إصداره لمجموعة من القوانين التنظيمية لعل من أهمها:
ü
القانون رقم 05-01 المؤرخ في
2005.02.06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما
ü
النظام رقم 05-05 المؤرخ في 2005.12.15 المتعلق بالوقاية من تبييض
الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما
وسوف نتعرض إلى تفصيل محتوي هذه القوانين عند
الكلام عن واقع جريمة غسيل الأموال في القانون الجزائري .
2.جريمة غسيل الأموال في القانون الجزائري
إن غسيل الأموال
المحصل عليها من مصدر غير مشروع ، أدى إلى ظهور طائفة من المجرمين مهمتها تحويل الأموال
من صورتها غير المشروعة إلى صورة مشروعة وإدماجها في الاقتصاد الوطني.
ونظرا
لخطورة الظاهرة باعتبارها صورة من صور الفساد المضرة بالاقتصاد الوطني ، تنبهت
اغلب الدول إلى خطورتها وتصدت لها بسن تشريعات لمكافحتها ،بعد انضمامها الى عدد
هائل من الاتفاقيات الدولية والإقليمية(27)
في هذا الإطار تعتبر الجزائر من
الدول التي سارعت الى المصادقة عل عدد من الاتفاقيات الدولية في هذا المجال كاتفاقية
الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988
واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وأيضا اتفاقية الأمم
المتحدة لمكافحة الفساد.
كما اصدر المشرع استنادا إلى ذلك مجموعة من التشريعات الوطنية منها ما يجرم
الكسب غير المشروع للأموال ومنها ما يجرم غسيل الأموال مباشرة و تتمثل في:(28)
- الأمر رقم 77- 03 مؤرخ في 19/03/1977 يتضمن منع الجمع غير المشروع
للأموال
- القانون رقم 90-10 مؤرخ في
14/04/1990 متعلق بالنقد والقرض
- الأمر رقم 96-22 مؤرخ في
09/07/1996 يتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس
الأموال.
- المرسوم التنفيذي رقم 02 –
127 مؤرخ في 07/04/2002 يتضمن إنشاء خلية معالجة الاستعلام المالي
وتنظيمها وعملها
- القانون رقم 02 -11 مؤرخ في 24/12/2002، يتضمن قانون المالية لسنة 2003
- القانون رقم 04 -15 المؤرخ في
10/11/2004 يعدل ويتمم الأمر رقم 66 -156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون
العقوبات
- القانون رقم 05-01 المؤرخ في
2005.02.06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما
- النظام رقم 05-05 المؤرخ في 2005.12.15 المتعلق بالوقاية من تبييض
الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما
- القانون رقم 06-01 المؤرخ في
20/02/2006 يتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته
- القانون رقم 06-22 المؤرخ في
20/12/2006 المعدل والمتمم للأمر رقم 66 -155 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون
الإجراءات الجزائية
- القانون رقم 06 -23 المؤرخ في
20/12/2006 يعدل ويتمم الأمر رقم 66 -156 المؤرخ في
08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات.
و بما أن ما يهمنا بصدد الكلام على جريمة غسيل الأموال التشريعات الخاصة
بهذه الأخيرة، نتعرض إلى القانون رقم 05-01 المؤرخ في
2005.02.06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما ، حيث
جاء هذا القانون متضمنا في ستة فصول:(29)
يتعلق الفصل الأول بالأحكام العامة لجريمة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
تطبيقا لقانون العقوبات
ويتعلق الفصل الثاني منه بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتم
التأكيد في هذا الإطار على دور البنوك والمؤسسات المالية ، بحيث اسند لها دور
التحري على مصدر الأموال المشبوهة ،وأعطى صلاحيات واسعة للجنة المصرفية التابعة
لبنك الجزائر لإبلاغ خلية الاستعلام المالي عن العمليات المصرفية غير العادية ،
بالإضافة إلى عدة واجبات أخرى ألقيت على عاتق البنوك منعا لجرائم غسيل الأموال.
أما الفصل الثالث فكان تحت عنوان (الاستكشاف) ،إذ خول هيئة مستقلة مهمة تلقي وتحليل
ومعالجة الإخطار بالشبهة حول العمليات البنكية المشكوك فيها ، وإرسالها الملف إلى
وكيل الجمهورية المختص في كل مرة يحتمل فيها أن تشكل هذه الوقائع جريمة تبييض للأموال.
كما حدد الفصل الرابع من هذا القانون طريقة التعاون الدولي في مجال القضاء
على الجرائم السابقة
وتضمن الفصل الخامس بعض الأحكام الجزائية المتعلقة بمخالفة أحكام هذا
القانون
وفي الأخير تناول الفصل السادس أحكام ختامية ، تم بموجبها إلغاء المواد من
104الى 110 من قانون المالية التي عوضت بمواد هذا القانون .
وبهذا يكون
المشرع الجزائري قد ساير اغلب التشريعات العالمية في اتخاذ ما يلزم للحد من
الظاهرة وتوخي أثارها الوخيمة على المجتمع في شتى المجالات.
خاتمــة:
تزداد خطورة غسيل الأموال يوما بعد يوم ، نظرا لخطورتها على اقتصاديات
الدول ، باعتبارها من الجرائم العابرة للحدود ،سيما أنها تتم اليوم بأحدث الطرق
خاصة عبر شبكة الانترنت أين يصعب اكتشاف هذه العمليات لامتيازها بطابع السرعة
والسرية في نفس الوقت.
أمام هذا الواقع تلحق جريمة غسيل
الأموال أضرار بالغة في معدلات النمو الاقتصادي ،ذلك أن شبكات غسيل الأموال لا
يعنيها استثمار أموالها وخدمة الاقتصاد الوطني ، بقدر ما يهمها تصريف متحصلاتها
المالية غير المشروعة.
كما أن هذه الجريمة تزعزع الثقة
بالمصارف والبنوك والمؤسسات المالية نتيجة التواطؤ الذي قد يحصل بين موظفي البنوك
وعصابات غاسلي الأموال ، لهذا يجب على البنوك أو المؤسسات المالية أن تحرص على الفحص
الدقيق للعمليات المالية غير القانونية والامتناع عن إجراء أية عملية يشوبها الشك ومن
ثم إبلاغ السلطات المختصة.
ولا يسعني في هذا المقام سوى أن اعرض مجمل التوصيات والاقتراحات التي توصلت
إليها من خلال دراسة هذا الموضوع:
-
تجريم نشاط غسيل الأموال باعتباره جريمة مستقلة ،نظرا لقصور التكييف
التقليدي كأساس لهذه الجريمة.
-
تكييف جريمة غسيل الأموال باعتبارها جناية وليس جنحة مثلما هو عليه الأمر
في قانون العقوبات الجزائري ، نظرا لخطورة هذه الجريمة على أهم مقوم للدولة
المتمثل في الاقتصاد
إذ بالاقتصاد الحقيقي والقوي تحدد مكانة
الدولة بين الدول الأخرى.
-
تنظيم جريمة غسيل الأموال من حيث الظروف المشددة للعقاب وكذلك المخففة له
،كتخفيف العقوبة على الشريك الذي يبلغ السلطات عن الجريمة ، الأمر الذي يمكن معه
تجنب عواقب كبيرة ووخيمة .
-
باعتبار مكافحة غسيل الأموال مطلب دولي ، فلابد للدول من الاعتراف بحجية الأحكام الأجنبية على
إقليمها لان في هذا الاعتراف ضمانة لملاحقة جنائية فعالة للجرائم العابرة للحدود
-
توعية أعوان الجمارك ومراكز الحدود بخطورة الظاهرة ودورها في هدم الاقتصاد
الوطني وذلك لما لها من دور فعال وقيادي في الحد من الجرائم الأصلية الناتج عنها
المال غير المشروع محل التبييض .
-
التكثييف من الدورات التدريبية والأيام الدراسية لموظفي قطاع البنوك ، وفتح
المجال أمامهم لطرح انشغالاتهم والصعوبات التي تواجههم خاصة فيما يتعلق بتطبيق
التكنولوجيا الحديثة .
-
حماية البنوك من المسؤولية القانونية عند الخروج عن مبدأ السرية المصرفية لاجل
إبلاغ السلطات المعنية عن العمليات المشبوهة حينما يكون التصرف بحسن نية.
-
التعاون الدولي والإقليمي عن طريق عقد اتفاقيات ثنائية أو جماعية في مجال
مكافحة جريمة غسيل الأموال وذلك لتتبع أثار الجريمة وتسليم المجرمين.
وبهذا يمكن الحد من أثار جريمة غسيل الأموال
باعتبارها صورة من صور الفساد ، سيما وان الجزائر لم تبق بعيدة عن أشكال الفساد
مثلها مثل باقي دول العالم عامة ودول العالم الثالث خاصة إذ صنفت سنة 2008 في
المرتبة 88 من مجموع 138 دولة انتشرت فيها جرائم الفساد.
الهـوامش
(01)
سليمان عبد المنعم ،مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة (ظاهرة غسيل الأموال) دار الجامعة
الجديدة للنشر،الإسكندرية 2002 ص37
(02)
محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات /القسم العام،
دار النهضة العربية، القاهرة 1982ص77
(03)
سليمان عبد المنعم، مرجع سابق، ص 41
(04)
محمد علي العريان ،عمليات غسل الأموال واليات مكافحتها ،دار الجامعة الجديدة
للنشر ، الإسكندرية 2005 ص 248
(05)
مفيد نايف الدليمي ، غسيل الأموال في القانون الجنائي ، دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،الطبعة الأولي ،الأردن 2006 ص 94
(06)
جلال وفاء محمدين ، دور البنوك
في مكافحة غسيل الأموال، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2004 ص ص 44- 45
(07)
محمد علي العريان، مرجع سابق، ص251
(08)
سليمان عبد المنعم، مرجع سابق ، ص 59
(09)
محمد علي العريان ، مرجع سابق ،ص 255
(10)
سليمان عبد المنعم، مرجع سابق، ص 60
(11)
عمرو عيسى الفقي ،مكافحة غسيل الأموال في الدول العربية ،المكتب الجامعي
الحديث الطبعة الأولي ،الإسكندرية 2005 ص 22-26
(12)
مفيد نايف الدليمي ، مرجع سابق ، ص 100
(13)
محمود محمد العريان، تحليل وتقييم دور البنك في مكافحة عمليات غسيل الأموال،
دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان 2008 ص 82 وما يليها
(14)
احمد سفر ، غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التشريعات العربية ، المؤسسة
الحديثة للكتاب ،لبنان ، 2006 ص47
(15)
أكثر تفصيل في الجرائم الأصلية التي ينصب عليها غسيل الأموال ومعايير
التقسيم ، انظر: نعيم مغبغب ، تهريب وتبييض الأموال /دراسة في القانون المقارن،
منشورات حلبي الحقوقية ،الطبعة الأولى ،2005 ص 15 وما بعدها.
(16)
امجد سعود قطيفان الخريشة ،جريمة غسيل الأموال،دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي الأردن 2006 ص
130_133
(17)
رمزي نجيب القسوس ،غسيل
الأموال(جريمة العصر) ،دار وائل للنشر،الطبعة الأولي الأردن 2002 ص ص 19 _ 20
(18)
اروي فايز الفاعوري ، إيناس محمد قطيشات ، جريمة غسيل الأموال (المدلول العام والطبيعة
القانونية)،دار وائل للنشر،الطبعة الأولي ،الأردن 2002 ص 149
(19)
مفيد نايف الدليمي ، مرجع سابق ، ص 127
(20)
اروى فايز الفاعوري ، ايناس محمد قطيشات ،مرجع سابق ، ص 151
(21)
خالد سليمان ، تبييض الاموال(جريمة بلا حدود) ، المؤسسة
الحديثة للكتاب ، لبنان 2004 ص 41
(22)
مفيد نايف الدليمي ، مرجع سابق ، ص 128
(23)
امجد سعود قطيفان الخريشة ، مرجع سابق ، ص 104
(24)
عبد الفتاح بيومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين
الوسائط الالكترونية ونصوص التشريع دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2006 ص 127
(25)
لعشب علي، الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال،
ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2007 ص 107
(26)
رمزي نجيب القسوس ، مرجع سابق ، ص32
(27)
القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 يعدل ويتمم الأمر رقم 66- 156
المؤرخ في08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات والقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20/12/2006 يعدل ويتمم الأمر رقم 66 -156 المؤرخ في
08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات
(28)
احمد محمود خليل، الجريمة المنظمة / الإرهاب وغسيل الأموال، دار الفتح
للتجليد الفني، الإسكندرية، 2008 ص 256 وما بعدها
(29)
لعشب علي، مرجع سابق، ص 68
(30)
القانون رقم 05-01 المؤرخ في
2005.02.06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، منشور
في الجريدة الرسمية رقم 11مؤرخة في 09/02/2005
قائمــة المراجع
1/ الكتب
-
احمد محمود خليل، الجريمة المنظمة / الإرهاب وغسيل الأموال، دار الفتح
للتجليد الفني، الإسكندرية ، 2008 .
-
احمد سفر ، غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التشريعات العربية ، المؤسسة
الحديثة للكتاب ،لبنان ، 2006
-
اروي فايز الفاعوري ، إيناس محمد قطيشات ، جريمة غسيل الأموال (المدلول العام والطبيعة
القانونية)،دار وائل للنشر،الطبعة الأولي ،الأردن 2002
-
امجد سعود قطيفان الخريشة ،جريمة غسيل الأموال،دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي الأردن 2006
-
جلال وفاء محمدين ، دور البنوك
في مكافحة غسيل الأموال، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2004
-
خالد سليمان ، تبييض الاموال(جريمة بلا حدود) ، المؤسسة
الحديثة للكتاب ، لبنان 2004 ص 41
-
رمزي نجيب القسوس ،غسيل الأموال(جريمة العصر) ،دار
وائل للنشر،الطبعة الأولي الأردن 2002
-
سليمان عبد المنعم ،مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة (ظاهرة غسيل الأموال) دار الجامعة
الجديدة للنشر،الإسكندرية 2002
-
عبد الفتاح بيومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين
الوسائط الالكترونية ونصوص التشريع دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2006
-
عمرو عيسى الفقي ،مكافحة غسيل الأموال في الدول العربية ،المكتب الجامعي
الحديث الطبعة الأولي ،الإسكندرية 2005
-
لعشب علي،الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال، ديوان
المطبوعات الجامعية،الجزائر2007
-
محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات /القسم العام، دار النهضة العربية،
القاهرة 1982
-
محمود محمد العريان، تحليل وتقييم دور البنك في
مكافحة عمليات غسيل الأموال، دار
الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة
الأولى، عمان 2008.
-
محمد علي
العريان ،عمليات غسل الأموال واليات مكافحتها ،دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية 2005
-
مفيد نايف الدليمي ، غسيل الأموال في القانون الجنائي ،
دار الثقافة للنشر والتوزيع الطبعة الأولي ،الأردن 2006
-
نعيم مغبغب ، تهريب وتبييض الأموال /دراسة في القانون المقارن، منشورات
حلبي الحقوقية
،الطبعة الأولى ،2005
2/ النصوص
القانونية
-
القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 يعدل ويتمم الأمر رقم 66- 156
المؤرخ في08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات
-
القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20/12/2006 يعدل ويتمم الأمر رقم 66 -156 المؤرخ في
08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات
-
القانون رقم 05-01 المؤرخ في
2005.02.06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، منشور
في الجريدة الرسمية رقم 11 مؤرخة في 09/02/2005.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم