القائمة الرئيسية

الصفحات



وظيفة العلماء والدعاة في احتواء السلوك الإرهابي

 




وظيفة العلماء والدعاة   في احتواء السلوك الإرهابي


إعــداد

د. عبدالرحمن بن سليمان الخليفي

الأستاذ المشارك بقسم الدعوة والاحتساب

بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 

 

اللجنة العلمية

للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام

من الإرهاب

1425هـ / 2004م

 

 




بسم الله الرحمن الرحيم

 


المقدمـــة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله e وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإن تاريخ الأمة الإسلامية ليدعو إلى الفخر والاعتزاز إذ لم تكن هذه الأمة بشرعها وتراثها ومثلها العليا ومبادئها العظيمة عاجزة عبر هذا التاريخ الطويل عن إيجاد الحلول المناسبة الناجحة لكل ما يطرأ على المجتمع الإسلامي من انحرافات أو ظواهر دخيلة عليه. فهي أمة قادرة على حسن قيادة الشعوب وسيادة الأمن في المجتمع ، وتملك قلوب الناس بحسن سياستهم والقدرة على تدبير أمورهم وحمايتهم من الرذائل والجرائم بأنواعها. سواء أظهر المسلم أمام السلطة أم اختفى عنها. فأمتنا الإسلامية لها فضل السبق على غيرها في تهيئة الحياة الفاضلة المتحضرة ؛ إذ دينها يدعو إلى التقدم والتعلم في سائر الجوانب التي تخدم الحياة الإنسانية، ويحافظ على مقدراتها، وهذا الدين قد أقام أرقى حضارة عرفتها الإنسانية حتى اليوم. فما أحرانا أن نعود إلى هذا الدين لننهل من معينه؛ لأنه دين يقوم على العلم والخلق معًا، وليس على العلم المادي المجرد عن السمو الأخلاقي .

وبالنظر إلى غايات الشريعة الإسلامية نجد أن هذه الشريعة جاءت لتحقيق غايات نبيلة وجليلة في مقدمتها تعبيد الناس لرب الناس، وتكوين مجتمع صالح نبيل خالٍ من الانحرافات والضلالات، مستقيم على منهج الله – تعالى – في سائر شؤونه. وقد وضعت هذه الشريعة الوسائل الوقائية والعلاجية للانحرافات. فإذا ما اقترف أحد أفراد المجتمع أمرًا يفسد على هذا المجتمع صحته ونقاءه فإن الشريعة قد حملت بقية الأفراد مسؤولية المحافظة على دينهم ومجتمعهم، وأن يتخذوا الوسائل والأساليب الكفيلة بمحاربة هذا الفساد وإقامة ما اعوج. وهذا التكليف شامل للأفراد والأسر والجهات الرسمية والتطوعية كل حسب قدرته. فقد أوجب الشرع أن تقوم فرقة من المسلمين بهذه المهمة، وأن تجدَّ وتحرص على تنقية الأمة من الرذائل وأن تحليها بالفضائل. وهذه الفرقة هم أهل الخير والفلاح بنعت الله تعالى لهم.

وفي هذه المشاركة في هذا المؤتمر المبارك سأجتهد في إلقاء الضوء على وظيفة العلماء والدعاة في التعامل مع الإرهاب ([1]) والعنف والتطرف. كما سأعتني في إبراز الأسس التي تعين على احتواء هذا السلوك الإرهابي وتؤثر في معالجة هذا الانحراف وذلك من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول: استشعار العلماء والدعاة مسؤوليتهم تجاه سلوك الإرهاب.

المبحث الثاني: وظيفة العلماء والدعاة في الاحتواء الحكيم لسلوك الإرهاب.

 


المبحث الأول
استشعار العلماء والدعاة مسؤوليتهم
تجاه سلوك الإرهاب

 

إن على العلماء والدعاة أن يدركوا حقيقة مهمة ثابتة لا يمكن التغافل عنها أو الالتفات عن أهميتها. ألا وهي أن سلوك الإرهاب والعنف والتطرف نتيجة ظاهرة لمرضٍ في قلب من يسعى إليه أو يشارك فيه. فعلى من يتطلع للتصدي لهذا السلوك أن يحدد الداء قبل أن يصف الدواء. وعند ذلك يتيسر أمر علاج هذا الداء ؛ فقد أخبر الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – أن الداء مهما عظم فإن له دواءً وذلك في قوله e : ( ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) ([2]).

فإذا أدرك العلماء والدعاة هذه الحقيقة ولم يسعوا إلى الدواء وعلاج هذا المرض فيخشى أن يكون في هذا إهمال وصدّ عن ترغيب رسول الله e في المداواة والمعالجة ؛ لأن عموم الحديث يقتضي أن جميع الأمراض الباطنة والظاهرة لها أدوية تقاومها، فتدفع ما لم ينزل، وترفع ما نزل بالكلية أو تخففه. والإعراض والصدّ عن ترغيب الرسول e لا يتصور وجوده وليس مستساغا ولا مقبولاً ممن يعوّل عليه في توجيه الناس وإصلاحهم ([3]).

وعند تلمّس أسباب هذا الداء وتيسير استشرائه عند بعض الكتاب فإنه نظري يكمن في التطور الكبير في الثورة المعلوماتية والانفتاح المفاجئ على العالم – دون حصانة مسبقة – عبر المحطات الفضائية والتقدم الهائل في شبكة الاتصال وبروز شبكة الإنترنت بكل ما تحويه من إمكانات وتسهيلات للوصول إلى أي نوع من المعلومات. كما الاتصال المباشر بالصوت والصورة بأي شخص أو جماعة من العالم.

كل هذه التحولات جعلت من السهل على الإنسان الحصول على ما يريد وبشكل سريع ، وأن يتلقى الأفكار والتوجيهات بلا رقيب أو موجه مما يسهل استشراء الداء في قلبه ([4]).

في هذه الحال يجب على العلماء والدعاة أن ينهضوا لتحمل هذه الأمانة العظيمة ، فهم مطالبون ببذل قصارى جهدهم لوصف الدواء الناجع لهذا المرض وهذا مما ائتمنهم الله – تعالى – عليه ليكونوا ورثة الأنبياء .

كما أن عليهم السعي الدؤوب لمعرفة توعيات هؤلاء المتورطين وما يسيطر عليهم من أفكار وأحوال نفسية ؛ لأن هذه المعرفة هي التي تهيئ الأرضية المناسبة للعلاج. فهذه قضية مهمة ترمي بثقل المسؤولية الهائلة على أعناق العلماء والدعاة لأنها تتعلق بأرواح العباد وأمن البلاد وخاصة مقدسات المسلمين فهؤلاء المرضى من المسلمين إما أن يعالجوا بالدواء فيتقبلوه ويسعدوا ، وإما أن يهملوا فتكون تبعة شقائهم وإفسادهم معلقة بأعناق من عرف الدواء ولم يعطه لهم ، فالعلماء والدعاة مكلفون بتحمل المسؤوليات لأنهم على وعي باحتمالات المضار ومظان المنافع. فهو واجب ثقيل تترتب عليه سعادة الأمة في حاضرها ومستقبلها وذلك بحفظ دينها وقيمها وأمنها واقتصادها ووحدتها .

وإن مما يشرح الصدر عند البحث في هذه المشكلة أن حكومة هذه البلاد رعاها الله لم تغفل عن هذه المشكلة أو تتهاون في معالجتها بما يتناسب مع حجمها ، فقد جاء السعي لمعالجتها على جميع المستويات من لدن ولي الأمر حفظه الله إلى كل مســـؤول في هذه البــــلاد فقد أكد خـــــادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – في كلمته السامية أثناء رعايته افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى أن الاهتمام بمعالجة الظاهرة له أولوية في الحديث فيقول في مستهل كلمته: (إن شعبنا السعودي النبيل من منطلق ثوابته الإسلامية وقيمه العربية يرفض الإرهاب بشتى صوره وأشكاله ولن يسمح لفئة من الإرهابيين المنحرفين أن يمسوا الوطن وسلامة أبنائه والمقيمين فيه ، ولن يسمح – إن شاء الله – بوجود فكر ضال يشجع الإرهاب ... .... وأن هذه الأمة قد توحدت على ضرورة القضاء على مظاهر آفة الإرهاب وهي قادرة بحول الله وقدرته وتعاون مواطنيها على تحقيق ذلك) ([5]).

كما أكد صاحب السمو الملكي ولي العهد ذلك بقوله: " إن الشعب السعودي الذي ارتضى القرآن منهجا والشريعة أسلوب حياة، والتف حول قيادته التي التفت حوله لن يسمح لعدد قليل من المفسدين في الأرض بسفك الدماء البريئة التي عصمها الله إلا بالحق، وترويع الأطفال والنساء ، وسوف يكون الشعب السعودي كله لا قوى الأمن الباسلة وحدها في مواجهة القتلة المجرمين "([6]).

وأما في المجال العملي فقد بذلت حكومة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – كل إمكانياتها وطاقاتها ، وقامت بجهد كبير وفاعل في تهيئة مجالات الدعوة، وقدمت لها دعمًا وتأييدًا كبيرين أسهم في قيام هذه المنظمات بالوظائف المناطة بها للتوجيه والإصلاح . ويمكن إبراز هذه المجالات من خلال التصنيف الآتي:

المجال القيادي ويتمثل في:

1 – وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .

2 – المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .

3 – الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

4 – مجلس الدعوة والإرشاد .

 

مجال تأهيل الدعاة :

1 – كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

2 – معهد الأئمة والخطباء .

3 – المعاهد والكليات الشرعية خارج البلاد التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

4 – المتلقيات الدعوية .

مجالات المنشآت الدعوية :

1 – المساجد في كل مكان .

2 – المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية .

3 – الأكاديميات السعودية في الخارج والكراسي العلمية .

4 – الندوة العالمية للشباب الإسلامي .

5 – مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ([7]).

من هنا يتبين أن قيام العلماء والدعاة بوظيفتهم تجاه هذه المشكلة يعد محورًا مهمًا في النهوض والتصدي لهذه الظاهرة وحماية المجتمع من الانهيار بمعاول الفساد التي يحملها المنحرفون الذين يسعون لهدم هيكل المجتمع بوجه عام أو يحدثوا شروخا عميقة فيه ليزعزعوا الأمن ويحدثوا الفوضى فيهلك الحرث والنسل .

 


المبحث الثاني
وظيفة العلماء والدعاة في الاحتواء
الحكيم لسلوك الإرهاب

 

تقدم الحديث في المبحث الأول عن أهمية استشعار العلماء والدعاة لوظيفتهم المهمة في معالجة سلوك الإرهاب. وأن الأمة كلها تعلق آمالاً عريضة عليهم في النهوض وإمكانية التصدي لهذا السلوك أو أي انحراف يطرأ على المجتمع فهم أطباء هذا الداء. خاصة وأن المجالات كلها لهم قد هيئت والإمكانيات الكثيرة قد سخرت، والدعم المعنوي اللازم قد وفّر فلم يبق إلا المسارعة في السعي للتصدي لهذا الانحراف على قواعد شرعية حكيمة وتأمل في التاريخ الإسلامي للاستفادة من التجارب السابقة للعلماء والأئمة والدعاة في أسلوب تعاملهم مع الانحرافات الخطيرة التي قد يقع فيها بعض أفراد المجتمع الإسلامي .

وعلى هذا فإنه يتأكد أن تكون خطة العمل التي يعدها العلماء والدعاة لمواجهة هذا الانحراف مبنية على احتواء حكيم يعمل على وقاية أبناء المجتمع من هذا السلوك ويعالج من تلوث بهذا الداء. وبالتالي تهدم القواعد وتزال الأرضية المناسبة لبذرة الإرهاب ويمنع من تكاثر أفراده وتبادل أفكاره بين الناس .

ومما لا شك فيه أن هذا الاحتواء المقصود لا يكون مبنياً على حكمة مناسبة ما لم يرتكز على أسس مهمة يقوم عليها حتى تتسنى محاصرة هذا السلوك والقضاء عليه في مهده. ولعل من أبرز هذه الأسس في نظري ما يأتي :

الأساس الأول – التخطيط المتقدم لبرنامج احتواء هذا السلوك :

إن من المنطق الحكيم أن يسبق أي عمل تفكير وتأمل فيما يريد أن يفعله الفرد أو الجماعة ليعلموا ما المراد عمله وكيف يؤدى هذا العمل وبواسطة من ، وما الأساليب التي يجب أن  تتخذ والوسائل التي ينبغي أن تستخدم ، وما الموارد المطلوبة لأداء هذا العمل. ونتيجة لهذا يتم بيان الإطار الشامل والتفصيلي للأهداف والخطوات والمراحل والعناصر اللازمة لتحقيق الغاية ومعرفة احتمالات النجاح ومعوقاته ([8]).

إن معنى هذا أن يقر العلماء والدعاة في اجتماعات وحلقات نقاش ومؤتمرات كل الأمور السابقة حتى تتم الاستفادة القصوى من كفاءة جميع العلماء والدعاة في عملهم والاستفادة من كل فرد منهم وعدم إهدار قدراتهم وتشتيتها ؛ فالتخطيط إذن يوضح منهج العمل بكل دقة فتتبين الغاية والأهداف وتسهل عليه الاتصالات بين من يقوم بهذا الجهد ، وتنساب المعلومات اللازمة لمعرفة ما تم إنجازه أو ما أعاق العمل من عقبات. فإذا تم التخطيط المدروس من العلماء والدعاة فإنه يعطيهم الثقة بأنهم يسيرون وفق خطة وضعوها واقتنعوا بها وعرفوا مراحلها واحتمالاتها ، وليس عملهم مبنيا على اجتهادات أفراد متشتتين كل منهم يسير حسب خطة وضعها لنفسه وارتضى السير عليها. أو أنه يسير حسب ما ينقدح في ذهنه ساعة العمل دون نظر لمن يعمل معه لأن هذا يجعل عملهم مضطربا أو متضادًا لاختلاف الفهم بين الناس ، وتباين إدراك مظان المصالح والمفاسد المقدرة.

الأساس الثاني – إعلام الناس بغاية الشريعة الإسلامية :

إن من أول أهداف الخطة التي يضعها العلماء والدعاة لمحاربة سلوك الإرهاب بيان غاية شريعتهم ومراد دينهم منهم أفرادًا ومجتمعا، وأن يشرح العلماء والدعاة هذه الغاية ويلفتوا أنظار الناس إلى جوانبها حتى يدركوها لأنفسهم وينشئوا ناشئتهم عليها. فغاية الشريعة الإسلامية تتمثل في حفظه مصلحة الفرد والمجتمع وهي الغاية نفسها التي جاءت جميع الأديان السماوية بحمايتها ،بل شرعت العقوبات الرادعة لمن أراد أن يمسها أو يفسدها. وأقصد بالمصلحة هنا مقصود الشرع ، فمقصود الشرع من الخلق كما بين العلماء خمسة أمور :

الأول: حفظ الدين .

الثاني: حفظ النفس .

الثالث: حفظ العقل .

الرابع: حفظ النسل .

الخامس: المال ([9]).

وبنظرة سريعة إلى سلوك الإرهاب فإنه يتعرض إلى هذه الأمور الخمسة كلها بالإفساد والهدم. فهو يفسد دين مرتكبه وسالكه بمجانبة الصراط المستقيم وركوب صراط الغلو والتطرف ، وهو ما حذر منه الله ورسوله e ، كما يفسد النفس بقتلها أو ترويعها، كما يفسد العقل بتغيير موازين التفكير وتقدير المصلحة والمفسدة، وهو يهلك النسل ويرهبهم ويتلف المال العام والخاص. ولذا فإن على العلماء والدعاة أن يركزوا على هذا وأن يبينوا حرمة هذه الأمور الخمسة والاعتداء عليها وتجريم من فعل ذلك مهما كانت نيته وغايته ، فالغاية لا تبيح الوسيلة في الفكر الإسلامي الصحيح .

 

الأساس الثالث – إعلام الناس بالمنهج التوجيهي الصحيح :

كما أن من الأهداف المهمة التي ينبغي أن ترسمها خطة البرنامج الاهتمام بأمر المنهج الإصلاحي التوجيهي الذي يسير عليه العلماء والدعاة والذي يجب على الناس اتباع أصحابه والتمسك بتوجيههم وإرشادهم دون من سواهم .

فعند تأمل تاريخ دعوة النبي e نجد أن دعوته قد انطلقت وسط فوضى فكرية وأخلاقية طاغية سماتها القتل والنهب والسلب والإتلاف مما يصدق عليه اسم الإرهاب ، ومع ذلك استطاع النبي e في غضون مدة يسيرة أن يقلب هذه الأفكار ، وأن يغير هذه النفوس الهائجة الفاسدة إلى نفوس مؤمنة مطمئنة مصلحة لا مفسدة رحيمة لا غليظة قاسية ، فتطهرت جزيرة العرب كلها من سلوكها المشين الذي تتعدد صوره وأمثلته.

وهنا يقف المتأمل لهذه الدعوة ليسأل: كيف استطاعت دعوة النبي e أن تقلب هذه الموازين وأن تكون بهذه الفاعلية المتناهية. والجواب على ذلك واضح ونيرّ:

إذ استمدت تلك الدعوة وذاك التوجيه والإرشاد القوة والفاعلية من توفيق الله – تعالى – ورعايته إياها أولاً ، ثم من التمسك بمنهج مستقيم تحركت من خلاله الدعوة النبوية .

إن المنهج الذي سارت عليه الدعوة النبوية والذي يجب لزامًا أن يسلكه العلماء والدعاة في مواجهة سلوك الإرهاب وغيره من الأعمال الدعوية. ذاك المنهج كان مبثقا من كتاب الله – تعالى – وسنة رسوله e ، ثم لينظر المهتمون بالدعوة في طريق السلف الصالح رضي الله عنهم ، إذ ليس في الدنيا منهاج أكثر عظمة وقوة وشمولاً وتكاملاً ولا أشد تأثيرًا من هذا المنهاج .

هذا هو المنهج الواضح الذي يدل الناس إلى الدين من خلاله ، ويحذر الناس من المناهج التي تعتمد على الآراء والأهواء والأغراض دون نظر إلى مراد الشرع ومقصد الحق .

 

الأساس الرابع – تحديد الأسباب التي تشجع على السلوك الإرهابي:

من الأهداف المهمة التي ينبغي أن تسعى إليها خطة العمل احتواء السلوك الإرهابي بالكشف عن الأسباب التي تشجع على هذا السلوك ، ويتسنى ذلك بالوقوف على أنماط شخصيات أصحاب هذا السلوك والفئات التي ينتمون إليها ودراسة هذه الشخصيات لمعرفة ما يسيطر عليها من أفكار وما تردده من آراء لتحديد الدوافع لهذا السلوك ([11]) .

ويتم الكشف المراد في نظري بالحوار معهم ، والاطلاع على منتدياتهم في وسائل الاتصال الحديثة ، ومعرفة الرموز التي يسمعون لها ويطيعونها ماذا تقدم وعلى أي شيء تركز منطلقات حديثها إليهم .

 

الأساس الخامس – توجيه أفراد المجتمع للمحافظة على هويتهم وانتمائهم :

كما أن من الأهداف التي ينبغي أن تبرز في خطة العمل توجيه أفراد المجتمع للمحافظة على هويتهم وانتمائهم لعقيدتهم وقيمهم ووطنهم، انتماء تغمره أحاسيس العزة والتضحية ؛ لأن هذا الانتماء يعيد حياة الفرد في ضميره الذي يشكل أهم أبعاد شخصيته، كما أنه يعيد حياة الفرد في الدولة التي يعيش فيها، ويقوم بدور مهم في إخلاصه وجديته في العمل من أجل إثبات استحقاق نعمة العيش في ظلالها. لذا يمكن المحافظة على الهوية والانتماء من خلال عدة أساليب ترتبط ارتباطاً وثيقًا بتنمية ركائز الشخصية ([12]).

1 – التوجيه الديني الوسطي :

فهو الذي ينظم حياته وعلاقته بخالقه – تعالى – علاقة عبودية وخضوع، وينظم علاقته بالكون المسخر المخلوق لمصلحته وإشباع حاجاته، كما ينظم علاقته بالناس من حوله بدءًا بأفراد أسرته وانتهاء بكل أفراد الجنس البشري. فهو الذي يجب أن يوجه الفرد والمجتمع على أساسه حتى يعرفوا حقيقة الحياة وغرضها ويتبصروا بحقوق الآخرين مهما كان جنسهم أو دينهم ، فيتبين للمسلم بوضوح كامل ما له وما عليه تجاه مجتمعه وإمامه ، فيسير في محيط السلطة التي أمر الله بطاعتها ، وينتظم سلوكه تنظيمًا وسطًا انطلاقًا من توازن فكري لا إفراط وإضاعة لحقوق الله فيه ولا تفريط وإضاعة لحقوق النفس والآخرين .

فالدين إذن يمثل ضرورة حياة سعيدة ولذا اهتمت الشريعة في مقاصدها بالعمل على حفظه وصونه والدفاع عنه. فعلى العلماء والدعاة أن يوصلوا إلى الناس النظرة الوسطية للتمسك بالدين بصورة حكيمة تجعل هؤلاء الناس يتصورون الدين بوضوح يحميهم من الانحرافات والجنوح عن الصراط المستقيم.

2 – التوجيه الاجتماعي :

وأقصد بذلك تنمية جوانب الشخصية للفرد بتعزيز مؤهلاته وقدراته والثقة بالنفس والتوافق مع المبادئ الأخلاقية والدينية لتسود المفاهيم الاجتماعية الرفيعة في المجتمع ([13]). ولذا فقد شغل التوجيه الاجتماعي حيزًا كبيرًا في عملية التوجيه بين الأمم والشعوب منذ زمن بعيد , واجتهدت كل أمة أن تضع لها منهاجاًٍٍٍٍٍٍٍٍٍ تسير عليه ، لأن هذا التوجيه يرتبط ارتباطًا مباشرًا بعدد من العناصر الأساسية في المجتمع كالأمن، وتقدير الذات الاجتماعية، والانتماء، والتماسك الاجتماعي ([14]) ولعل من أبرز ما يستهدفه التوجيه الاجتماعي في هذه المرحلة ما يأتي :

دعم الانتماء الوطني :

فالانتماء الوطني يعد من المشاعر والروابط الفطرية التي ينمو ويكتسب ليشد الإنسان إلى وطنه الذي استوطنه.

وعند تمايز الأوطان رفض الإسلام ابتداءً معيار العرق والقبيلة ، وجعل التقوى والتسابق إلى الخير هو معيار التفاضل بين البشرية. من هنا جاءت ضرورة الوطن لإقامة دين الإسلام ، وضرورة الدين ليكون الوطن إسلامياً ، وضرورة المسلمين لتتحقق إسلامية عمران الوطن . ولذا أصبح الانتماء الوطني درجة من درجات سلم انتماء المسلم إلى الإسلام ([15]).

والانتماء الوطني يقتضي مراعاة ما يرتضيه المجتمع من أسلوب حياة، فإن كان المجتمع متدينا فالانتماء الحق يجعل تعاليم الدين واتباع أوامره واجتناب نواهيه، والعمل الصالح وتشجيع المحسن وتأديب المسيء نبراسًا للمجتمع .

والانتماء الوطني حب فطري تجاه الأرض التي ولد على ترابها ونشأ في جنباتها ، وليس هذا الحب للمكان الجغرافي المادي ما لم يكن مقدسًا وإنما يتعداه إلى الناس المقيمين فيه وعلاقاتهم العاطفية ومبادئهم القيمة التي تحدد سلوكياتهم .

وعند النظر إلى الوطن السعودي فإننا نرى تميزًا يجدر أن يلفت إليه نظر الناس لأن دستوره القرآن الكريم ودينه الإسلام وأبناءه يتميزون بمبادئ وتقاليد عظيمة نابعة من إسلامهم ، فقد أخذوها وتقلدوها لا على أنها عادة ومفخرة بل على أنها عبادة وقربة ، فمثل هذا المجتمع حري بأن ينشأ الناشئة على حبه والتمسك به والدفاع عنه فضلاً عن قدسية أرض الحرمين فيه ومهبط الوحي الإلهي فيه كما ينشأ الناشئة على تحقيق المحبة والأخوة بينهم على هذا الأساس، لأن الأخوة الصادقة مفتاح كل خير، وصمام أمان ضد كل شر ، فهي صفة إيمانية صادقة تولد الشعور بالعاطفة والاحترام والثقة المتبادلة مع أفراد الوطن ، لأن الرابط العقيدة ووشائج التقوى مما يدفع إلى التعاون والرقة والتكافل والدفاع عن الوطن ومواطنيه ومن ارتضى السكن بينهم ولاذ بهم ، كما يدفع إلى الابتعاد عن كل ما فيه ضرر لمواطن سواء في دينه أم نفسه أم عرضه أم ماله أم ما يمس كرامته .

كما أن الأخوة الإسلامية تولد لدى أفراد المجتمع الشعور بوحدة حياة الأمة التي تعيش فيها وترابط مصالحها. وهذه النقطة لها أهميتها في مجال الأمن ، لأنها مما يجعل الفرد في خدمة الجماعة تعبدًا لله تعالى ، ويجعل الجماعة تسهر على راحة الفرد وسلامته لأن الكل يدرك أن أي خلل يصيب فردًا من أفراد الجماعة يعد خللاً في الجماعة وضربة في كيانها ، وقد أشار الصادق المصدوق e إلى هذه الحقيقة في قوله: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد....).

وهذه الحقيقة مما يجعل أفراد المجتمع يتكاتفون على احترام النظام ومراعاة الحقوق، ويتعاونون على محاربة أي فكر دخيل منحرف يهدد دينهم وأمنهم وأموالهم وأنفسهم ونسلهم.

وعلماء الاجتماع يؤكدون أهمية روح الأخوة في استقرار المجتمع وأمنه ، فهم يؤكدون أنه بقدر ما تسود روح الأخوة بين الناس بقدر ما تقل الجرائم، وبقدر ما تقل هذه الروح في المجتمع تزيد الجرائم وتتوتر العلاقات الاجتماعية بصورة عامة([16]).

والخلاصة التي أريد أن أصل إليها من هذا التوجيه هي إرشاد المسلم في المجتمع لأن يكون واعيا أحكام دينه ، صاحب رسالة في الحياة ، ذا اتصال بالناس مخالطاً لهم ، يبادلهم الأخذ والعطاء ، قد كونت شخصيته مجموعة كبيرة جدًا من مكارم الأخلاق لأنه وجه وأرشد على أن التخلق عبادة يثاب عليها ويحاسب على تركها ، فيكون مهذبا تقيا خيرًا نظيفا واقفاً عند حدود الله، لا يعتدي على غيره من الناس ، يزن الأمور بميزان صحيح قامت أركانه على علم وبصيرة وتقدير للمصالح والمفاسد ، لا تسيطر عليه فكرة جزئية لتهدم قاعدة كلية ، أو يسعى سعياً متشددًا فيحارب منكرًا فيحدث هو منكرات أكبر أو يعطي ذريعة لغيره بإحداث منكرات كثيرة.

 

الأساس السادس –  بيان انعكاس السلوك الإرهابي على صورة الإسلام وأهله عند غير المسلمين .

وفي خطة العمل التي يضعها العلماء والدعاة ينبغي أن يبرز هدف مهم يبين الأثر السلبي الذي يحدثه السلوك الإرهابي في الصد عن دين الله تعالى وإقناع غير المسلمين بأن الإسلام لا يصلح ديناً يعتنقونه ، لأنه في نظرهم دين يقوم على القتل والترويع والإتلاف ، فسوء التصرفات هذا هو الذي يشوّه سمعة الإسلام ، فنحن أمة الإسلام ينظر العالم إلينا بعين فاحصة ، حتى إذا ما وجد أعداء الإسلام في هؤلاء المسلمين خللا أو تقصيرًا سعوا جاهدين لاستغلال هذا الخلل في طمس صورة الإسلام الحقيقية وأبرزوا هذا الخلل بكل وسيلة من وسائل الإعلام حقداً وزورا ، وهذا ما يحدث هذه الأيام ونشاهده عبر كل وسيلة إعلامية.

فعلى العلماء والدعاة بيان ذلك للناس حتى لا يحمل أحد معول هدم للدعوة والإسلام وهو يحسب أنه يحسن صنعا ويرفع دين الله تعالى .


 

الخاتمــــة :

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على النبي الأمي إمام العلماء والدعاة التي رفع لواء الدين وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم. أما بعد:

فإذ بلغ البحث نهايته فإن من المناسب أن أوضح بعض الأمور المهمة:

ثانيًا : أن احتواء السلوك الإرهابي يقوم على أسس مهمة يجب أن يراعيها العلماء والدعاة حتى يؤتي عملهم ثمرته ويلتزم بمنهج واضح للجميع دون تقصير أو تهاون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .


قائمة المصادر والمراجع

 

§       القرآن الكريم .

§       برامج التأهيل: عدنان القرشي، ندوة الإصلاح والتأهيل، 1422هـ.

§       التحديات التي تواجه برامج التأهيل: محمد عبدالمحسن التويجري ،ندوة الإصلاح والتأهيل 1422هـ.

§       التربية الإسلامية ودورها في مكافحة الجريمة، مقداد يالجن ، الرياض 1408هـ.

§       الحفاظ على الهوية الإسلامية، محمد شحات الخطيب، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

§       الرعاية الاجتماعية، عبدالعزيز الشثري، ط ندوة الإصلاح.

§       الروح الوطنية، محمد عمارة، الرياض: وزارة المعارف.

§       القلب في القرآن الكريم، سيد ســـاداتي الشنقيطي، الرياض: دار عالم الكتب 1413هـ.

§       مجالات الدعوة ونشر العلم الشرعي، فهد بن عبدالكريم السنيدي، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

§       مجلة الإرهاب الصادرة عن وزارة الشؤون الإسلامية، إصدار خاص 1424هـ.

§       المستصفى، أبو حامد الغزالي، القاهرة: المكتبة التجارية 1356هـ.

§       الموافقات، الشاطبي، بيروت: دار المعرفة .

§       مقدمة في الإدارة، علي محمد عبدالوهاب، معهد الإدارة، 1982م .

§       المنهاج النبوي في دعوة الشباب، سليمان قاسم العيد، الرياض: دار العاصمة، الطبعة الأولى.



تعليقات