القائمة الرئيسية

الصفحات



الإرهاب والمواثيق الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب

 


المملكـة العربية السعوديـة

وزارة التعليم العالي

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



  الإرهاب والمواثيق الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب


إعــداد

د.  صالح بن بكر الطيار

 رئيس مركز الدراسات العربية الأوربية 

 بباريس



اللجنة العلمية

للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام 

من الإرهاب

1425هـ / 2004م





بسم الله الرحمن الرحيم

 


مقدمــة :

إن الحديث عن " الإرهاب والمواثيق الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب الدولي : نظرة تحليلية " يستدعي بالضرورة بداية التمييز ما بين المقاومة وما بين الإرهاب نظراً للتضارب الحاصل في تعريف هذين المفهومين .

فبعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م تفجرت موجة عارمة من الإرهاب الدولي لم تقتصر علي استهداف الدول الغربية بل تعدتها لتطال أيضاً الدول العربية والإسلامية بحيث بات من الممكن القول إن هناك "عولمة "للإرهاب أسوة بالعولمة الاقتصادية التي ظهرت ملامحها في بداية التسعينات مع سقوط جدار برلين وتفكك جمهوريات الاتحاد السوفياتي وتقهقر الايديولوجية الاشتراكية بالمفهوم الشيوعي .

وظن الإرهابيون الأصوليون أنهم عبر اللجوء إلى العنف والتدمير والقتل والتفجير إنما يؤرخون لمرحلة جديدة من الصراع الدولي حيث اعتبروا أن القوى الرأسمالية تقف في خندق ، ويقف في مواجهتها في الخندق المقابل دعاة الإسلام من الذين فسروا تعاليم وشرائع هذا الدين الحنيف بما يخدم توجهاتهم وتطلعاتهم وبما يحقق مآربهم وغايتهم الذاتية .

ولقد سمح هؤلاء لأنفسهم أن يصنفوا دول العالم كما يشاؤون ما بين عدو وصديق وعمدوا عبر بياناتهم وأطروحاتهم الأيديولوجية وأنشطتهم الإعلامية إلى تكريس هذا التصنيف مستهدفين من وراء ذلك التأثير على العامة من المسلمين ممن يملكون ثقافة دينية محدودة .

وللدلالة علي ما يعيش هؤلاء الإرهابيون من ضياع وتشتت في الفكر والعقيدة فقد رفعوا شعارات غير متناسقة ولا متوافقة ولا تحمل في طياتها أي نضج ديني أو سياسي أو اجتماعي بدليل أنهم تارة كانوا يحاربون الغرب لأنه "مسيحي كافر " ، وتارة لأنه يعادل المسلمين ويستأثر بمصالحهم .

وتارة كانوا يرفعون شعارات تدعو إلى تطهير العالم الإسلامي من الأجانب وتارة يميزون ما بين غربي من أهل الكتاب وما بين غربي ملحد .

وهذه التصنيفات طالت أيضاً الدول العربية والإسلامية علماً أن هذه القوى الإرهابية التي تتستر بالإسلام لم تقم بأي هجوم على أشخاص أو مصالح صهيونية ، ولم توظف أدنى ما تملك من طاقات وإمكانيات للدفاع عن الاقصى الشريف الذي تنتهك يومياً حرماته . 

بل جل ما فعلته أنها خططت لتقتحم بواسطة الطائرات المدنية برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك فقتلت آلاف الأبرياء ، ومن ثم عمدت بدءاً من منتصف التسعينات وحتى الأمس القريب من العام 2004 إلى تفجير مساكن آهله في الخبر ومجمع المحيا في الرياض ، وحي شعبي في تركيا ، وحي مليء بالمطاعم في إحدى مدن المملكة المغربية ، وقطارات مليئة بالمواطنين في اسبانيا ، وفندق الماريوت في ماليزيا ، وخطف السياح على يد جماعة أبو سياف في الفليبين وفي اليمن .

واستغلت القوى الإرهابية الحالة الاقتصادية المزرية لبعض الدول الإفريقية فأقامت فيها خلايا إرهابية عمدت إلى مهاجمة السفارات الأجنبية ليس نتيجة قناعة ايديولوجية بل لقاء الأموال الهائلة التي دُفعت .

وهذه الموجه هي نفسها التي عانت منها مصر والجزائر والسودان وحتى لبنان وسورية في فترة الثمانيات .

وكان من المفترض أن تشكل هذه التطورات حالة قصوى من الاستنفار على المستوى الدولي ولكن بقيت الدول العظمى متخلفة عن مواكبة هذه التحديات بدليل أن الولايات المتحدة الأمريكية أفشلت بسبب حسابات ضيقة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته مصر في التسعينات في شرم الشيخ .

ورغم الدعوات المتكررة التي صدرت من معظم العواصم العالمية ، ورغم أن الإرهاب بات يهدد كل القوى الكونية دون استثناء فإن أي مؤتمر جدي لمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي لم ينجح في الإلتئام لأن عواصم صناعة القرار في العالم أغرقت نفسها عن عمد في لعبة المفاهيم بحيث مزجت  ما بين المقاومة وما بين الإرهاب رغم أن الفارق بينهما واضح ولا يحتاج لكثير من الدلائل أو من البراهين .

فلقد أكدت قرارات الجمعية العامة وأعمال اللجنة الخاصة المعنية بالإرهاب على شرعية الكفاح المسلح لحركات التحرير الوطني ، وقد تم تدعيم هذا المبدأ القانوني والتمييز بينه وبين الإرهاب الدولي في الاتفاقيات الدولية . فقد اعتبرت الاتفاقية الدولية المناهضة أخذ الرهائن التي أقرتها الأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1979م أن أي شخص يقبل على شخص آخر ( الرهينة ) ويحتجزه ويهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث سواء أكان دولة أو منظمة دولية حكومية ، أو شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً ، أو مجموعة من الأشخاص ، على القيام أو الامتناع عن القيام بفعل معين كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة ، يرتكب جريمة أخذ الرهائن بالمعنى الوارد في هذه الاتفاقية .

انطلاقاً من هذا يتضح أن الأمم المتحدة لم تحرز أي تقدم نحو تعريف الإرهاب الدولي أو التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية مواجهة الأعمال الإرهابية ومكافحتها . فقد تضمنت قرارات الجمعية العامة للأم المتحدة ذات الصلة عبارات عامة لا يمكن بموجبها التوصل إلى صيغة مشتركة لتوحيد الإجراءات التي يجب اتخاذها في مواجهة الإرهاب . ولعل ذلك يرجع إلى التباين الشديد في وجهات نظر الدول فيما يتعلق بالجوانب القانونية للإرهاب الدولي ،وعدم اتفاقها على العناصر المكونة لتلك الجريمة .

هناك إذاً انقسام عميق في المجتمع الدولي حول تعريف الإرهاب الدولي ، فعلى الرغم من أن الأفعال الإرهابية تشمل تهديداً لأمن وسلامة واستقرار المجتمع الدولي ، واستفزازاً خطيراً لمشاعر الإنسانية والضمير العالمي ، وعاملاً من عوامل التوتر في العلاقات الدولية مما يجعل من الضروري اعتبار هذه الأفعال بمثابة جرائم دولية ضد أمن وسلامة البشرية ، إلا أنه ما زال هناك تباين شديد في وجهات النظر بين أعضاء المجتمع الدولي حول تعريف المقصود بمصطلح الإرهاب الدولي .

إلا أنه مع ذلك يمكن تصنيف دوافع الإرهاب الدولي وأسبابه إلى اتجاهات  رئيسية أهمها الدوافع السياسية والاقتصادية والإعلامية .

وغالباً ما يعتمد الإرهاب في تحقيق أهدافه على عنصر هام وهو نشر الأفكار التي يعمل من أجلها وطرحها أمام الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية للحصول على دعمها وتأييدها لقضيته .

أما عن تحديد المسؤولية عن أعمال الإرهاب الدولي فإن النظام القانوني الدولي يتكون من مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية التي تحدد حقوق وواجبات الدول ، وتنظم سلوكها .

أما عن المواثيق الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب فمنذ بداية القرن العشرين انشغل العالم بإعداد المواثيق لمكافحة الإرهاب وصاغ الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب كما صاغ بهذا الصدد عدة اتفاقيات أبرزها اتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937م .

وتتميز اتفاقية جنيف بأنها تتناول بالتحديد مجموعة الأفعال المكونة للإرهاب والتي تشكل جرائم معاقب عليها ، طبقاً لنصوصها . كما توضح الاتفاقية هذه الجريمة ، والتدابير الوقائية والإجراءات الجنائية لمنع الإرهاب ومعاقبة مرتكبيه .

ولم تدخل اتفاقية جنيف حيز التنفيذ بسبب عدم التصديق عليها من جانب الدول الموقعة ، ولم يصدق عليها إلا دولة واحدة هي الهند . ومع ذلك فالاتفاقية تعد أول محاولة جادة لمعالجة ظاهرة الإرهاب على المستوى الدولي .

ثم هناك الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب لعام 1977 ، والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن الموقعة في نيويورك في 17 ديسمبر 1979م .

وهناك أيضاً الاتفاقية المتعلقة بقمع التدخل غير المشروع في خدمات الطيران المدني الدولي ، بعد أن تزايدت أعمال العنف ضد الطيران المدني منذ العام 1948م .

وفيما يتعلق بالتعـــاون العربي في مجال مكافحة الإرهاب فقد جـــاء التعاون في مجال مكافحــــة الإرهاب ، في إطار إدراك العديــــد من الدول العربيـــة لأهمية مواجهة هذه الظاهرة بشكل جماعي ، وأن المواجهة الفردية لن تكون ذات أثر فعال . وقد بدأت ملامح هذا التعاون في الظهور خلال عام 1993م ، ثم تدعم هذا التوجه خلال العام التالي 1994 ، وتعمق واتخذ أبعاداً جديدة أكثر فعالية خـــــلال عامي 1995 و 1996م ويتخذ التعاون العربي في مجال مكافحة الإرهاب أكثر من مستـــوى وزراء الداخلية ، ووزراء الإعلام ، ووزراء العدل .

وفي نهاية المطاف يمكن القول إن مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة الذي عقد بالقاهرة في إبريل 1995م . يعد من أهم التجمعات الدولية التي شهدت تحركاً سعودياً وعربياً للتصدي لقضية الإرهاب فقد نجح العرب خلال هذا المؤتمر في تدويل الاهتمام بقضية الإرهاب ، وكللت جهودهم الرامية إلى جعل الإرهاب أحد أنواع الجريمة المنظمة بالنجاح .

وهذا بحد ذاته لا يكفي إذ المطلوب أن تتضافر اليوم الجهود الدولية لصياغة طريقة بشأن كيفية مكافحة الإرهاب والحد من شيوعه والسعي جدياً إلى اقتلاعه من جذوره .


تعليقات