القائمة الرئيسية

الصفحات



نظام الشهر الشخصي و الوضعية القانونية لعقد الشهرة في ظله

 


نظام الشهر الشخصي و الوضعية القانونية لعقد الشهرة في ظله   


تـــمـــهــيـــــد

نظام الشــــهر الشـــخصي هـــــو أول نـــــظام في العالم الذي نظم الملكية العقارية، و العـــــقار كــان مــثــلـه مــثل المنقــول، تــحــت قاعـــدة الحــيازة سـنــــد الملــكية، الحيازة هــي القــاسـم المـشتــرك بيـــن هذا النظـــام و عقــد الشهــــرة اللّذان أدرســـــهما في هذا الفصل، و الذي قـــسمــته إلى مبحثــين الأول خـــاص بنـــظــام الشــهــر الشخصي و الثاني خاص بعقد الشــهـرة في ظل هذا النظام.

في المبحــث الأول جعــلت العـــنوان عـــام، حاولــت أن ألــــم بكامــــل ماهـــية هذا النظام و أصله، و دراســته في القانـــون المقارن و أيضـــًا مـــوقف المــــشرع الجزائري منه مع الاجــتــهاد القضــائي، و هـــذا من خلال مطلبين، و كذا فرعــــين في كل مطلب.

أما المبحـــــث الــثــــاني من هذا الفصل، أعــــرت اهـــتمـــــام كبـــير لعقد الشهرة، و ما أنــــتج مــــن مــــشاكل تجـــــدر الإشــــارة إلــــيها، و أكـــثــر مـــن ذلـــك دراستها، و تحلــــيلـــها لتوضيــــح الخـــطأ فــــي تفــــسير نصـــوص المـــرسوم المــــنظـــم لعقد الشـــهــرة، و ما وقــع فــيه قــضاة الموضــــوع، كــــل هذا من خلال مطلبين، متفرعين إلى أربعة فروع. 

 

 

المبــــحــث الأول: نظــــــــــام الشـــــهــــــر الشخصـــي

إن نظام الشهر الشخصي طبق في الجزائر، أثناء الفترة الاستعمارية و بعدها و هذا ثابت من خلال المادة 44[1] من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري، فالجزائر لم تطبقه صراحة و لكن انتقاليًا وضعته كحل قانوني للملكية العقارية ، و هذا النظام هو من أقدم الأنظمة كما سنوضح ذلك من خلال هذا المبحث، ففي هذا المبحث نوضح مفهوم نظام الشهر الشخصي و إجراءاته ، و دراسته في الأنظمة المقارنة و موقف المشرع الجزائري منه.

المطلب الأول: مفهوم نظام الشهر الشخصي و إجراءاته

في هذا المطلب نتنـــاول فيه نقطتين هامتين و هما؛ مفهوم هذا النظام في الفرع الأول و إجراءاته و عيوبه في الفرع الثاني.

الفرع الأول: مفهوم نظام الشهر الشخصي

من أقدم أنظمة الشهر العقاري[2] و أصل منشئه هم الأسياد و الإقطاعيين في العصور الحديثة حيث كانت الأرض قـــابلة للتمــــلك من الــكافة كما كانت خاضعة لنـظام العــرض و الطلب و تحرر الملكية من القيود و الإجراءات الشكلية و الطقوس، التي كانت في العهد الروماني و لكن هذا الوضع خلق عدم الاستقرار و اعتبر نظام الشهر الشخصي نظام استبدادي، أين يفعل مالك الأرض بالمتصرف إليه ما يريد حتى و لو كان  مالك ظاهري لهذا العقار، فكانت خدمة الأرض فيها نوع من البخــــل خوفًا من ظهور المالك الحقيقــــي لــها، و قروض الشراء تكاد تنعدم لعدم الثقة في حقيقة بيع العقار، فتدخلت الدولة لتنظيم المعاملات العقارية، و أول نظام شهر شخصي قام في العالم ظهر بروسيا1783  أصدر ملكها فريدريك الثاني إرادة سنية أنشأ بموجبها سجلات عقارية ذات صفائح متعددة، يخصص فيها لكل عقار صحيفة، تدون عليها كل المعاملات الخاصة به، لكن تلك القيود، في بادئ الأمر لم يكن لها سوى مفعول إعلاني، إلا بصدور قانون بسنة 1872 الذي أعطى لقيود السجل العقاري قوة ثبوتية، أما القانون الفرنسي فأول تقنين دوّن نظام الشهر الشخصي، كان في منتصف القرن التاسع عشر، هذا كلمحة تاريخية عن هذا النظام.

هذا النظام ينشئ سجل عام أو عدة سجلات في مركز كل إقليم يوجد فيه إدارة للشهر العقاري و تجرد فيها كل التصرفات الواردة على العقارات باســــــــم الشخص المتصرف في العقار، هذه السجلات منظمة بأسماء المتصرفين حيث أن اسم الشخص هو محل اعتبار فلا يعتد بمواصفات العقار محل التعامل، في موقعه أو حدوده بل ينظر إلى الهوية الكاملة للأشخاص المالكين له أو المتعاملين فيه، و كذا أسماء الأصول و هوياتهم، لكن لا يمكن معرفة ما إذا كان العقار مثقل بالحقوق عليه أم لا.

من خصائص هذا النظام، أنه يعتبر طريقا للعلانية، ولإعلام الجمهور بانتقال الملكية العقارية من جهة، وبما ورد على العقار من جهة أخرى، فيكون الشهر هنا قرينة على الملكية حتى يثبت العكس من صاحب المصلحة الذي يستطيع اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم يقضي ببطلان العقد المشهر المستند إلى عقد باطل أو تقرَر بطلان بالإضافة إلى أنه يساعد الدولة من أجل فرض الضريبة على مجمل التصرفات الواردة على العقار.

يفرق هذا النظام بين الحقوق العينية الأصلية كحق الملكية و الحقوق العينية التبعية كالرهن الحيازي، فالأولى تشهر عن طريق التسجيل، أما الثانية فتشهر عن طريق القيد.

في هذا النظام يكثر بيع ملك الغير، لأن مالك العقار قد يتصرف فيه عدة مرات بالبيع و يسجل تصرفه في السجل و كأنه أول تصرف، ففي هذا النظام، تشهر المحررات التي تحمل معاملات عقارية كما هي، حتى و لو كانت مزورة أو باطلة فإدارة الشهر العــــقاري لا تحقق في هذه السندات حيث أن دورها سلبي، فهو نظام ليست له حجية مطلقة، فـــــــــهو لا يصحح المحررات و العقود، وظيفة هذا الشهر هي فقط إعلام الجمهور بما ورد على العقار من تصرفات أو حقوق، و لا أثر للشهر في إنشاء الحق العيني لأن هذا الأخير ينشأ صحيحاً بمجرد تمام العقد، طبقاً للشكل الذي يقرره القانون و يبقى كذلك حتى يتم إبطـــــاله أو فسخه.

الفرع الثاني: إجراءات نظام الشهر الشخصي و عيوبه:

إجراءات نظام الشهر الشخصي: القائم بالشهر هو موظف تابع لوزارة المالية، يتحقق من هوية الأشخاص و أهليتهم و كذا صحة الوثائق المراد شهرها لكن ليس بصفة دقيقة، يتحقق من شرعية المحل  و التعامل فيه، لكن هذا الموظف ليس لديه تكوين قانـــــــــوني، فهو يقبض سجل ذو ترتيب أبجدي و زمني لأسماء الأشخاص يتضمن خانات تدون فيها معلومات جد بسيطة تقتصر على إعلام الغير.

القوة الثبوتية منعدمة فيه، و العقد يكون باطل و بعد الشهر يبقى باطل، هو لا يصحح و لا يبطل عقد باطل،كما أن التصرفات العقـارية رغم الشهر تبقى دائمًا مهـــددة بالــــزوال، و كل من له مصلحة يطالب بإبطال العقد بكل سهولة، كما أن المصدر هو العقد و ليس الشهر.

عيوب نظام الشهر الشخصي[3]: أول العيوب و أخطرها أنه نظام يقلل من درجة الائتمان في المعاملات العقارية، كما له أثر سلبي على التطور الاقتصادي و الاجتماعي في الدولة و ذلك فيما يلي:

§       المتصرف إليه في العقار، ليست لديه ضمانات كافية لثبوت حقه في ملكيته مما يجعل ذلك مصدر لعدة منازعات قضائية، و زوال حقه في أي وقت.

§       لمعرفة المالك الحقيقي للعقار، يستدعي معرفة هويته الصحيحة و كذا الهوية الكاملة لأصوله، و هوية المالكين السابقين، و هذا تحقيق شاق بالنسبة للمتصرف إليه.

§       عدم تحديد العقار تحديد كافي نافي للجهالة، فتحديده بصورة تقريبية يثير لبس على الأشخاص و تصرفاتهم، كونه نظام يهتم بالأشخاص و ليس بالعقارات.

§       قد يشتري شخص عقـــاراً معينًا، فيسجل العقار باسمه في مكان معيـــــــــن من السجل فإذا باع العقار بعد ذلك إلى شخص آخر، يصبح باسم مالكه الجديد في مكان آخر من السجل و قد ينشئ هذا الأخير حقًا عينيًا لشخص ثالث، فيسجل هذا الحق على اسم هذا الشخص في مكان جديد، و تتوزع الحقوق على نفس العقار في سجل واحد و في أماكن مختلفة منه.

§       هو نظام معلن و ليس منشئ للحقوق العينية العقارية.

المطلب الثاني: نظام الشـــهر الشخصي في القانون المقارن و موقـــف المشـــــرع و القضاء الجزائريين منه

في هذا المطلب نـــدرس نــــظام الشهر الشـخـصي فــي القانون الفرنسي و الذي استمدت منه جل الدول اللاتينية وموقف المشرع و القضاء الجزائريين منه ، من خلال هذين الفرعين؛

الفرع الأول: نظام الشهر الشخصي في القانون الفرنسي

         أول نص كرس نظام الشهر الشخصي في فرنسا[4]، هو القانون الصادر بتاريخ 16 ديسمبر 1851، لكن المشرع الفرنسي قد حاول تنظيم الملكية العقارية فشكل لهذا الغرض لجنة من خارج البرلمان بموجب مرسوم صدر سنة 1891 الذي أوحى إلى تطبيق نظام الشهر العيني و لكن استحال ذلك كون تطبيق هذا النظام يــــؤدي إلى صرف نفقات باهضة، و عليه استمرت فرنسا في تبني نظام الشهر الشخصي.

 يهدف هذا النظام إلى توسيع دائرة الثقة و الأمن في التعاملات العقارية[5]، فهي تمس بالمصلحة العامة في الدولة، و قواعده آمرة، لكن و ما يميز نظام الشهر في القانون الفرنسي، أن الشهر حـــــجة عــــلى الأطــــراف المتـــعاقدة و الغير كما يمكنهم التنازل عن حقوقهم في أي وقت.

         يتضمن القانون الفرنســــــي ثلاثة أنواع من الشهر؛ القيد، التسجيل و التســـــجيل على الهامش. و لكل نوع من الشهر نوع من العـــــقود، فالقيد[6] خاص بعقود الرهن العقاري و كل تصرف يحتاج إلى إثبات كتابي و العقود المنشئة لحقوق عينية عقارية و الحيازة التي تؤدي إلى إنشاء هذه الحقوق، أيضًا حوالات الحق العيني من ذمة مالية إلى أخرى وحتى عقود الزواج، و التسجيل[7] يخص على سبيل المثال عقد بيع العقار و حقوق الميراث الواقعة على عقار، أما التسجيل على الهامش فهو يخص العقود التمهيدية كالوعد ببيع عقار أو العقود التبعية للعقود الأصلية التي يكون محلها عقار أو حق عيني تبعي، و كذا الأحكام القضائية التي تعدل في العقد الأصلي إما بالإلغاء، الإضافة، الإنقاص، الإبطال أو الفسخ.

للتسجيل على الهامش[8] أثر رجعي، كما أن كل أنواع الشهر في القانون الفرنسي تدخل ضمن نظام الشهر الشخصي، الذي يعطي اعتبار كبير للأشخاص، كون النظام القانوني المدني الفرنسي يعيــــر أهمية بالغة لإرادة الأطراف، و سلطتها في تعديل الـــعقد أو التنازل عن حقوقهم، حفاظًا على استقرار المعاملات، و الحد من النزاعات و المنازعات القضائية.     

         لكن ما يميز هذا النظام هو أن كل عائلة من التصرفات القانونية محل الشهر لها سجلات و إجراءات خاصة بها، و مع ذلك و من خلال قانون الرهن العقاري الفرنسي بدأ الميل إلى نظام الشهر العيـني و هذا من خلال إعارة الاهتمام إلى التصرف في حــــد ذاتــــه و أيضًا محل التصرف.

         إن نظــــــام الشهر الشخصي مـــــتبع في معظم الدول اللاتينية مثل بلجيكا و إيطاليا، و من الدول العربية، نجد مصر قد أخذت به.

 

الفرع الثاني: موقف المشرع و القضاء الجزائريين من نظام الشهر الشخصي

الجزائر منذ استقلالها لم تتبنى هذا النظام، لكن في المرحلة الانتقالية إلى نظام الشهر العيني، طبقت نوعاً ما نظام الشهر الشخصي لكن دون الاعتراف به صراحة، و يظهر ذلك كالتالي:

للمادة 27 من الأمر 75- 74 تأمر بتمديد العمل بنظام الشهر الشخصي و بالمرسوم التنفيذي رقم 76- 63 المادة 113 منه تنص على تمديد العمل بــنظام الشهر الشخــــــصي إلى حين التطبيق الكامل لإجراءات نظام الشهر العيني (مسح الأراضي)، و كذا المادة 114 منه التي تتحدث عن كيفية تنظيم عملية الإشهار العقاري في ظل نظام الشهر الشخصي حيث انه عند عدم وجود مخطط مسح الأراضي فكل قرار قضائي أو عقد يكون محل إشهار بالمحافظة العقارية، يجب أن يبــــــــين فيه بالنسبة لكل عقار ريفي: نـــوع العقار، موقــــعه و محتوياته و فضلاً عن ذلك، أرقام المخطط المحتفظ به الموجود بمصالـــح مسح الأراضي و في المحافظات العقارية، و هذا ما يوضح بأن المشرع الجزائري اعتمد النظامين في عملية الإشهار العقاري، نظام الشهر الشخصي للسندات العقارية[9]، كما هو منذ وجــود الاستعمار في أرض الوطن فبقيت الأرقام القديمة مدونة و معمول بها.

ونصت المادة 44 من المرسوم 76-63، على السجل الأبجدي و هو سجل شخصي ينظم بترتيب الحروف الأبجدية، ويفرد فيه لكل مالك بطاقة خاصة يبين فيها الوحدات العقارية التي يملكها داخل حدود محافظة عقارية واحدة.

استمرت الجزائر بالعمل بنظام السجلين[10] و نبين ذلك في ما يلي:

السجل الأبجدي و السجل الزمني.

السجل الأبجدي: و هو السجل الذي تسجل فيه أسماء الأشخاص الملاك للعقار دون تحديد العقار، من حيث الحدود، أو الجوار، بل مجرد ذكر عنوانه. هو على كـــل حال سجل لا يعير اهتمام لمحل التصرف.

         السجل الزمني: تسجل فيه البيوع المتتالية، و بالتالي يمكن بيع نفس العقار عدة مرات إلى عدة ملاك دون معرفة ذلك.

          حجية نظام الشهر في الجزائر منعدمة، و هذا في الأراضي الغير ممسوحة فقط لأنه قد تم استئناف عملية المسح.

          وفي هذا الصدد من التطبيقات القضائية لنظام الشهر الشخصي في الجزائر، القرار رقم 190765 المؤرخ في 29/02/2000  الصادر عن الغرفة العقارية، القسم الثاني بالمحكمة العليا، أن أرض محل النزاع لم يتم فيها مسح الأراضي العام، و عليه فإن إشهار العريضة الافتتاحية للدعوى ليس شرطًا فيه ، و الذي مازال الإشهار فيه شخصيًا اعتمادًا على المادة 27 من الأمر رقم 75- 74  المذكور آنفًا.

         قضاء مجلس الدولة الغرفة الرابعة، في قراره المؤرخ في 08/04/2002 تحت رقم 006426[11]، أنه من المسلمات القانونية أن شهر العقد لا يحول دون فسخه إذا ثبت أن البائع ليس مالكًا للأرض المتنازع عليها أي أن الشهر لا يحصن العقد، و هذا نجده في تطبيق نظام الشهر الشخصي، عكس ما هو في نظام الشهر العيني، و الذي يكون فيه الشهر يلعب دور المطهر للتصرفات القانونية الواقعة على العقار.   

         فإن نظام الشهر الشخــصي، ليست لديه مزايا إلا واحدة، أن إجــــــراءاته بســـــيطة و لا يحتاج إلى نفقات باهضة من طرف الدولـــــة للقــــيام به. ومقارنة بما يحقق من نتائج في سبيل تطوير المعاملات العقارية فهو شكـلي، ظاهري و سطحي، وفـّر فــــقــط ربحًا للوقـت و للتكاليف في المرحلة الانتقالية إلى تطبيق نظام الشهر العيني، و حتى الدول التي تبنت نظام الشهر الشخصي تحاول الآن أن تأخذ من هذا الأخير كون يعود بفوائد هامة من بينها إحكام الدولة رقابتها على العقارات و التصرفات الواردة عليها، وكذا فرض الضرائب عليها.

المبحث الثاني: الوضعية القانونية لعقد الشهرة في ظل نظام الشهر الشخصي

         عــــــقد مـــــــــــن طبيعة خاصة و لأهمـــــــية مكانته في القانون العقاري و خاصـة في نظام الشـــــــــهر الشخصي و نظرًا لعدم استــــــكمال عملية المــــسح، هذا العـــــــقد قنن لتســـــــــــوية وضـــــعية معــــينة و في نفس الوقـــــت طرح عــــــــــدة مشاكل ميـــــــدانية، سوف نذكــــــــر أهمها مــــــــــــن خلال تقـــــــسيــــم هـــــــــذا المبحث إلى مطلبين في المطـــــــلب الأول مفهــــــــــوم عــــــــــقد الشهرة و في الـــــــثاني إشكالاته الميدانية، كما قسمنا كل مطلب إلى فرعين.

المطلب الأول: مفهوم عقد الشهرة

         يستمد عقد الشهرة أساسه القانوني، من نصوص القانون المدني المتعلقة بآثار الحيازة و التقادم المكسب، والمرسوم رقم 83-352 المؤرخ في 21/09/1983، المتعلق بسن إجراء إثبات التقادم المكسب وإعداد عقد الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية، فعقد الشهرة هو عقد توثيقي، لا يمكن حصر مفهومه بسهولة لأنه ليس كباقي العقود، و لذا حـــللت مفــــــهومه في الفرعين التاليين.

         الفرع الأول: تعريف عقد الشهرة و دوره في نظام الحيازة

         لــم يحدد له المشرع تعـريفًا، و ترك ذلك للــفـــقه، فيمكن تعريفه كالتالي:" هو عقد رسمي يعد من قبل الموثق طبقًا للأشكال القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه، يتضمن إشهار الملكية على أساس التقادم المكســـب بناءًا على تصريح طالب العقد[12]" تبناه المشرع الجزائري من أجل تطهير الوضعية العقارية للأملاك.

إذن فهـو عقد أحادي الطرف، لكن مصطلح عقد يفيد توافق إرادتين، من المفروض يسمى محرر شهر التقادم المكسب[13]، في حين أن الموثقين يعتبرونه مصطلح صحيح كون العقود التوثيقية تصنف إلى قسمين تعاقدية؛ و تحمل توافق إرادتين، و تصريحية؛ يستقبل فيها الموثق التصريح الذي يحرر بشأنه عقد رسمي.

 عقد الشهرة يطالب به صاحب الصفة و المصلحة، و يكون دائمًا محله عقار أو حق عيني عقاري و له شروط، فـنجـد أصله في القانون المدني و بالتحديد في المادتين التاليتين:  

المادة 827[14]من القانون المدني، أي في آثار الحيازة و التقادم المكسب، هو عقد يحوّل الحيازة[15] ( الفعلية أي وضــــع اليد) إلى الملكية، كما أن المادة 828[16]من نفس التقنين، أيضًا توحي إلى عقد الشهــــرة، و بالتالي فـــــإن هذا العقــــد يشتــــرط للمطالبة بانعقـــــاده توفر الحيــــازة على العقار المراد امتــــلاكه و نـــــلاحظ اختلاف في المدتين اللاّتي تنـص عليهـما المادتـــــــين المذكـورتــيـــن آنفًــــــا، بالنسـبة لمـدة خـمسة عشر سنة في حالة عدم وجود سند صحيح[17]، أمّا مدة عشرة سنوات في حالة وجود سند صحيح.

يشترط في الحيازة للعقار أن تكون حيازة هادئة و مستمرة و دون انقطاع طيلة المدة[18] المشترطة.

لتطبيق عقـد الشهــرة لا يكون ذلك إلا فـي الأراضي التي لم يمسها المسح و كذا العقارات التي ليس لها عقود أو سندات مشهرة، كما أنه لا يجوز توقيعه على عقار محبس أي يمكن تطبيقه في العقارات الغير ممسوحة و الأملاك الخاصة.

 فهو عقد له صفة تقريرية و تصريحية أي يمكن إثبات عكس ما جاء فيه بكل الطرق كون حجـــيــته مـــحـــدودة في تصريحات الشـــهود و التي يمكن إثبات عكسها كما سنراه في إجراءاته، و كذا توفره على بيانات قابلة للإبطال.

هذا العقد من اختصاص المــــوثق هو الذي يصدره شرط أن يكـون مختـص إقليمـــيًا، و يلجأ إليه صاحب الصفة و المصلحة لاستصداره.

هذا العقد يختلط و عدة مفاهيم القانونية و منها:

عقد الشهرة و الإقرار: طبقا للمادة 341 من القانون المدني، تنص على أن الإقرار هو اعترف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بـــــــها عــــــليه، و ذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بها الواقعة، لكن عقد الشهرة يكون نوعًا ما إقرار لكن أمام الموثق، إقرار يرتب التزام على المقر، في حين عقد الشهرة لا يرتب التزام على ذمة المطالب به.

عقد الشهرة و العقد العرفي: طبقًا للمادة 327 من القانون المدني على أن العقد العرفي هو عقد صادر ممن وقعه، ما لم ينـــــكر صراحة ما هو منسوب إليه، من خط أو إمضاء، فهو دليل لإثبات واقعة قانونية، و بهذا المعنى فهو منشئ لالتزام، بينما عقد الشهرة لا ينشئ التزام.

عقد الشهرة و الإرادة المنفردة: هذه الأخيرة هي مصدر من مصادر الالتزام، لكن عقد الشهرة هو مجرد تثبيت لتصريحات في عقد رسمي.

عقد الشهرة و شهادة الحيازة: هذه الأخيرة تخضع لشكليات التسجيل و الشهر العقاري، و ذلك في المناطق التي يتم فيها إعداد سجل مسح الأراضي، و هي إسمية لا تباع و لا تشترى، و لا تـــــنتـــــقل لا للورثة و لا للشــــركاء، و لا يترتب على تسليمها التغيير في الوضعية القانونية للعقار، كما نصت المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 91-254 المؤرخ في 27/07/ 1991 المتضمن تحديد كيفيات إعداد شهادة الحيازة و تسليمها، المستحدثة بموجب المادة 39 من القانون رقم 90-25 الـــمتضمن قانون التوجيه العقاري على أن المدة اللازمة للحيازة هي سنة، كما أن هذه الشهادة ترد على أرض الخواص الغير ممسوحة و التي لا سند لها، و أن يثبت طـــالبها حيـــــازته للأرض للمدة المذكورة أعلاه، هي شهادة لا تكسب صاحبها العقار، و لا تمـــكـــــنه من التصرف فيه، في حين عقد الشهرة هو سبب من أسباب اكتساب الملكية.

عقد الشهرة و الإعلان: و هذا الأخير هو إما جزء من العمل القانوني و إما هو العمل القانوني كله، و به يتم الإبلاغ عن واقعة ثابتة إلى علم الغير و ذلك بطريقة حددها القانون، خاصة إن كان عنصر جوهري في هذا العمل و يرتب تخلفه البطلان، كإعلان الخصومة، كما يمكن الإعلان عن واقعة ثابتة، و قد تكون هذه الوسيلة هي الكتابة سواء رسمية أم عرفية أو شهادة شهود...، و أهم مكون لعقد الشهرة، هو التصريح بالشرف إذن فهو جزء من العمل القانوني.         

 عقد الشهرة هو عقد يهدف إلى التمليك بعد الحيازة[19] أي الاعتراف بالملكية العقارية على الأراضي التي يحوزها أصحابها دون سندات، يعني ذلك الاعتراف بالملكية و ليس معاينة الحيازة، فوجد هذا العقد لتسوية الوضعية القانونيــــة للعقار للحد من الــــنــــــزاعات و المنازعات عليه، و كل ذلك لتسويه الوضعية القانونية للعقار في الجزائر بعد أن عمّ الاستعمار الفرنسي بالفوضى في الساحة العقارية و وضعه لقوانين تتنافى و المنطق القانوني تدعيمًا لسياسة التعمير، و خاصة أن العقار هو حجر أساس الاستثمار و جلبًا للاستثمار الأجنبي، قنّن عقد الشهرة من بين عدة قوانين لتسهيل التعامل في العقار و حرصًا على تطهيره و تسهيل الانتقال إلى نظام الشهر العيني في إعداد المخططات المستقبلية و مجموعة البطاقات العقارية، و بالتالي فوجوده له خلفيات اقتصادية، تنظيمية و قانونية، لكنه و للأسف لسوء نية الأفراد طرح عدة مشاكل ميدانية ندرسها في المطلب المقبل.

 

 

الفرع الثاني: إجراءات عقد الشهرة

         يشترط في الحائز قبل التطرق إلى إجراءات عقد الشهرة، أن يحوز عقارًا لم تمسه إجراءات المسح[20]، طبقًا لما جاء به الأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12/ 11/ 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري، كما يشترط أن يكون العقار من نوع الملك، و تكون الحيازة مستمرة و غير منقطعة، و غير متنازع عليها، علانية غير مشوبة بلبس، تستمر هذه الحيازة طبقًا للمدد المذكورة في المواد الخاصة بالحيازة من التقنين المدني.

         بتوفر هذه الشروط، يمكن للحائز أن يلجأ إلى الموثق المسؤول عن مكتب التوثيق المختص إقليميًا، لإعداد عقد الشهرة للاعتراف بالملكية.

إن عقد الشهرة له إجراءات خاصة به تميزه عن باقي العقود، و تتمثل فيما يلي:

§       بعد تقدم الحائز إلى مكتب التوثيق، يقدم للموثق كل المعلومات اللازمة عن طبيعة الملكية[21] و موقعها و مشتملاتها، و مساحتها و كذلك الرسوم و التكاليف لمترتبة عليها مع تعيين ذوي الحقوق و المستفيدين منها.

§       و يقدم الحائز الوثائق التالية[22]:

-         الأوراق المثبتة للحالة المدنية الخاصة بالمعني أو المعنيين في حالة تعددهم.

-         الشهادات المكتوبة ( قد يفـــــهم منها إفادات الشهود المكتوبة، لكن يجب الإشارة إلى أمرين؛ الأول أن الموثق ليس بقاض و عليه فلا يحقق في الشهادة المكتوبة، بمفهوم قانون الإجراءات المدنية، أي بتقدير موضوعها، فهو يحرر العقود و يقدم نصائح، و يبدي رأيه مـــــادام العقد المعروض عليه غير مخالف للقانون، الثاني أن هذه الشهادة إن لم يتضمنها الملف المقدم إلى الموثق، فهذا لا يؤدي إلى رفضه لأنها ليست مكون جوهري في عقد الشهرة[23]).

-         مخطط الملكية الذي يعده الأشخاص المعتمدون ( هؤلاء الأشخاص هم إما خبراء عقاريين، مهندسين معماريين، خبراء في القياس، أو مكاتب الدراسات).

-         تصريح شرفي بأن المعني أو المعنيون يمارسون على العقار حيازة تطابق أحكام المادة 827 من القانون المدني، ( عند الاقتضاء، السندات و الشهادات الجبائية التي يمكن للمعنيين أن يدلوا بها).

§       يلتمس الموثق- المقدم إليه الطلب- من رئيس المجلس الشعبي البلــــــدي، و نائب مدير الشؤون العقارية و أملاك الدولة في الولاية[24]، تحديد الوضعية القانونية للــــعقار، في نظر التشريع الساري[25].

§       يقوم الموثق بعدها بنــــشر إعــــلان الطلب بإعداد عقد الشهرة، عن طريق الإلصاق في مقر البلدية لمدة أربعة أشهر، و النشر في الصحيفة الوطنية و الجهوية، قصد اطلاع الغير عليه و تقديم الاعتراضات المحتمل وجودها، وذلك على نفقة الأطراف المعنية.

§       يدعى كل شخـــــــص للإدلاء بمطالبه بشأن العقار أو الحقوق العينية العقارية، التي هي محل الطلب، يقدمها مكتوبة إلى الموثق، في أجل أربعة أشهر ابتداءًا من تاريخ النشر المذكور أعلاه.

§       في نهاية الآجال المذكورة آنفًا (أربــــــــعة أشهر)، و فـــــي حالة عدم وجود اعتراض سواء من الســــلطات العمـــــــومية أو الخواص، يقوم الموثق المسؤول بإعـــــــداد عــــقــــــد الــــــشهرة الـــــــمتضـــــــمن الاعتراف بالملكية باسم المعني أو المـــــعــــنيــــــين دون تعطيل، و فــــــــي حــــــالة الاعتراض على صفة المالك الحائز، يـــــحيل المــــوثـــــــــق الأطراف إلى المعنية على القضاء المختصّ لحل نزاعهم.

§       يودع لدى المحافظة العقارية، قصد النشر عقد الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية مصحوبًا بالوثائق المذكورة أعلاه المرفقة بالطلب، و ذلك بعد تسجيله.  

المطلب الثاني: إشكالاته الميدانية

         هذا المطلب خــــــصصته لتـــــحليل و التعلـــــــيق على العـــــواقب السيئة لعقد الشهرة، و الخلط الذي وقع على الآجال المنصوص عليــــــها في المرسوم الـــــذي نضمه، و عليه قسمت هذا المطلب إلى فرعين، الفرع الأول يخص إشكالات هذا العقد في أملاك الدولة، و الثاني إشكالاته في أملاك الخواص، متذرعة بقرارات مجلس الدولة و المحكمة العليا[26] في ذلك.

الفرع الأول: إشكالاته في أملاك الدولة

لقد أصدر مجلس الدولة قرار تحت رقم 193900 بتاريخ 24/ 04/ 2000، الذي ألغى قرار مجلس قضاء تيزي وزو، حول دعوى رفعها المدعين طالبين إبطال اعتراض البلدية في إعداد عقد الشهرة لصالحهم.

تتلخص وقائع هذه القضية، في أن مدعين رفعوا دعواهم إلى القضاء لإبطال الاعتراض الصادر عن البلدية في إعداد عقد الشهرة، الواقع على أرض من أملاك الدولة، لكن مجــــلس قضاء تيزي وزو، رفض دعوى المــــــدعين على أساس المادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية و التي لا تجيز رفع دعوى إدارية، إلا عن طريق الطعن في القرار الإداري، و اعتبر المجلس اعتراض البلدية بمثابة قرار إداري بأتم معنى الكلمة.

إثر استئناف، ألغى مجلس الدولة هذا القرار، و اعتبر أن دعوى منع الاعتراض، هي دعوى القضاء الكامل، و ليس دعوى إلغاء.

في هذه القضية يوضح مجلــــــس الدولة، أن القــــضاء الإداري قد كرس حق الدولة في اللجوء إلى القضاء لطلب إلغاء عقود الشهرة الغير قانونية المنصبة على أملاكها، حتى بعد شهرها، و أن مدة أربعة أشهر الممنوحة للاعتراض، ما هي إلا آجال لمعارضة تحرير عقد الشهرة، و ليست آجال للطعن القضائي، كما يظـــــــــــن البعض فلا يتقادم حق الدولة في المطالبة بإبطال عقد الشهرة الواقع على أملاكها، إلا بتقادم المطالبة بالحق العقاري المشهر حسب قواعد القانون العام.

تصدى مجلس الدولة، و قبله الغرفة الإدارية للمحكمة العليا، في وجه كل عقود الشهرة المقررة على أملاك الدولة، و إبطالها حتى ولو لم يتم اعتراض البلديات و مديريات أملاك الدولة في مدة أربعة أشهر المنصوص عليها في المرسوم المذكور آنفًا المنظم لعقد الشهرة، كون أنه من المسلم به قانونًا أن أملاك الدولة و خاصة العامة، هي محمية غير قابلة للتملك و لو بالتقادم أو الحجز عليها، فهي أملاك وطنية[27]، و للدولة وحدها حق التصرف فيها، وكذا تطبيقًا للمادة 689[28]من القانون المدني، عملاً بالمرسوم الخاص بعقد الشهرة نفسه، الذي سبقت دراسته في المطلب السابق و الذي حدد العقار الذي يجوز فيه إصدار هذا العقد.

هناك قرار آخر لمجلس الدولة المؤرخ في 24/ 04/ 2000 تحت رقم 1194633 في قضية مدعي ضد برج الغدير بولاية سطيف، أكد هذا القرار الاجتهاد المستقر عليه في هذه المسألة منذ القرار الصادر بتاريخ 09/ 03/ 1998 تحت رقم 129947 و الذي اتخذته المديرية العامة للأملاك الوطنية مرجعًا في تعليمتها المؤرخة في 21/ 12/ 1999، موجهة إلى مدراء أملاك الدولة، و محافظي الشهر العقاري عبر الولايات، لحثهم على التدخل ضد هذه العقود و عدم إشهارها، و طلب إبطالها أمام القضاء و ذلك في أية مرحلة كانت عليها العملية.

تطابق الاجتهاد القضائي مع ما ذهبت إليه الغرفة العقارية بالمحكمة العليا، في قرارها المؤرخ في 29/ 03 /2000 تحـــــــت رقم 190541، و الـــذي جاء فيه؛ أن الاعتراض على إجراءات الشهر أمام الموثق، لا يمنع البلدية من التدخل في النزاع، و طلب إبطال عقد الشهرة، و قاضي الموضوع هو الذي يقدر الأدلة.

كل القرارات القضائية أكدت الصفة التقريرية لعقد الشهرة، و بذلك استرجاع الدولة لعقاراتها المستحوذ عليها عن طريق الغش و تهاون بعض المسؤولين، وفي هذا تحقيق للمصلحة العامة و الخاصة في آن واحد.

فيما يخص القضاء المختص للفصل في طلبات إلغاء عقد الشهرة، و تكون الدولة طرفًا في النزاع، فقد تخلى القضاء الإداري، عن اختصاصه و حول ذلك للقاضي العادي باعتباره بصفته حامي الحقوق الفردية الناتجة عن العقود التوثيقية، و هذا ما أكده قرار مجلس الدولة، الصادر بتاريخ 12/ 06/ 2000 تحت رقم 199294 و الذي جاء فيه أن العقد التوثيقي، تخرج مسألة إلغائه من نطاق صلاحيات القضاء الإداري، مما يتعين التصريح بعدم الإختصاص.

لكن احترامًا للمعيار العضوي، عندما تكون الإدارة طرف في نزاع متعلق بإلغاء عقد الشهرة الواقع على أملاكها، يؤول الاختصاص في الفصل في ذلك النزاع إلى القاضي الإداري وترك هذا النوع من الدعاوى من اختصاص القضاء الكامل.

قرار مجلس الدولة[29]، الصادر عن الغرفة الرابعة بتاريخ 11/ 02/ 2002 تحت رقم 5763، بين مدعين ضد مديرية أملاك الدولة لولاية سوق أهراس، حيث أن في القضية الحال، بالتماس الموثق من رئيس المجلس الشعبي البلدي، و نائب مـــدير الشــؤون العقارية و أملاك الدولة لولاية سوق أهراس تقديم رأيهما حول العقار المراد تحرير عقد الشهرة عليه، أجابوه بأن هذا العقار ذات طبيعة عرش و ليس ملك، بالتالي فهذه الأرض هي ملك للدولة فلا تطبق عليها أحكام المرسوم المنظم لعقد الشهرة، و عليه فإن رفض دعوى المدعين مؤسس قانونًا.

الفرع الثاني: إشكالاته في أملاك الخواص

للأسف أن الموثقين يحررون عقود شهرة حتى في العقارات التي لها سندات مشهرة، كما أصبح هذا العقد يحرر دون تحقق من المستندات من طرف الموثقين، و أملاك الخواص هو المجال الذي تكثر فيه إشكالات عقد الشهرة، و سأوضح ذلك من خلال التطبيقات القضائية، الثابتة من خلال القرارات القضائية التي تعالج هذا الموضوع.

 القرار الصادر عن المحكمة العليا، بتاريخ 07/ 06/ 2000 تحت رقم 224654[30]، في قضية بين الخواص، تتلخص وقائعه في أن المطعون عليهم، قد رفعوا دعوى ضد الطاعنون طالبين إلزامهم بعدم التعرض للأرض التي يستغلونها و التي آلت إليهم عن طريق الميراث من والدهم التي حازها لمدة أكثر من أربعين سنة، و قد تحصلوا على عقد شهرة بتاريخ 27/ 03/ 1993، و تمسك الطاعنون ببطلان عقد الشهرة، استنادًا إلى أن الأرض المتنازع عليها، هي ملك لجدهم و قد صدر حكم لصالحهم بطرد المطعون عليهم، الذين تحصلوا على عقد شهرة دون أن يكونوا حائزين لهذا العقار، فصدر حكم يقضي بإلزام الطاعنون بعدم تعرضهم للمطعون عليهم في أرضهم، لكن الطاعنون يتمسكون ببطلان عقد الشهرة، لوقوعه على عقار في حالة شيوع بين كل الورثة و بعدم صحة الحيازة.

 لكن قضاة الموضوع سببوا قرارهم، على أساس أن آجال الاعتراض في عقد الشهرة محدد في النصوص الخاصة التي تحكمه، و ذلك دون مناقـــــشة الحيازة إن كانت قانـــونية أم لا، و عليه فإن المحكمة العليا قد استقرت على مبدأ وهو؛ أن القضاء بأن عقد الشهرة يخضع لنصوص خاصة، تحكم طرق الاعتراض فيه وفق الآجال المحددة، هو قضاء غير سليم، فلا يوجد أي نص في القانون المدني أو قانون الإجراءات المدنية يحدد أجل رفع دعوى البطلان، المتعلقة بعقد الشهرة، و استنادًا إلى النص العام الذي يقضي بأن كل الأعمال القانونية خاضعة للرقابة القضائية، و أن تلك الآجال المنصوص عليها في المرسوم المنظم لعقد الشهـــرة، هي مواعــــيد ملزمة للموثق فقط، مما يشكل ذلك تقصيرًا و خطأ في تطبيق القانون، و يعرض القرار المطعون فيه للنقض، و في موضوع آجال الاعتراض في عقد الشهرة، صدر قرار بتاريخ 29/ 12/ 2001 تحت رقم 215227[31]، الذي وضع مـــــبدأ، أنه من المقرر قانونًا أن ميعاد الاعتراض على إعداد عقد الشهرة، خلال مدة أربعة أشهر المنصوص عليها في المرسوم المنظم لهذا العقد، تكون إما من تاريخ النشر عن طريق الصحافة، أو من تاريخ اللصق بمقر البلدية، و إن الأخذ بأحدهما من طرف القضاء، لا يؤثر على صحته، و هذه المهلة لا تتعلق بالدعوى المدنية أمام المحاكم لإبطال عقد الشهرة و التي تخضع لمهل التقادم المنصوص عليها في القانون المدني.

قرار المحكمة العليا المؤرخ في 27/ 09/ 2000 تحت رقم 198951[32]، تتلخص وقائع هذه القضية- و التي هي بين الخواص- في ؛ أن الطاعن رفع دعواه لرفع المعارضة التي قامت بها المطعون عليها ضد تقديم عقد الشهرة المتعلق بالاعتراف بملكية القطعة الأرضية المتنازع عليها، فالطاعن لم يثبت الحيازة المستمرة الهادئة العلانية و الغير ملتبسة، طبقًا للمادة الأولى من المرسوم المنظم لعقد الشهرة، و بالتالي فمعارضة المطعون عليها المسجلة لدى الموثق المختص ثابتة و قانونية، و هذا ما ذهب إليه قضاة مجلس قضاء بجاية، و عليه قررت المحكمة العليا، رفض طعن الطاعن لعدم التأسيس، و هذا ما جاء في قرار آخر يوحد الاجتهاد القضائي في هذا المجال المؤرخ في 25/ 04/ 2001 تحت رقم 206394[33]،الذي جاء بمبدأ؛ أنه من المقرر قانونًا، عند وجود عقد الشهرة فإن قضاة الموضوع ملزمين بمراقبة الشروط المتعلقة بالحيازة، للتأكد من وجود تصرفات مادية للحيازة الممارسة طيلة عشر سنوات لتمكين المحكمة العليا من ممارسة رقابتها و اتبعه قرار آخر صدر في  23/ 04/ 2003، تحت رقم 246722[34]، في قضـــية حول القـــسمة و تبين أن القسمة النهائية غير ثابتة في الحقوق الميراثية، فالقضاء ببطلان عقد الشهرة لعدم توفر شروط الحيازة المؤدية إلى التقادم المكسب يعد تطبيقًا سليمًا للقانون.

و قرار آخر للمحكمة العليا تحت رقم 202764[35]، المؤرخ في 27/09/ 2000 تكمن وقائع القضية، في أن؛ الطاعن طعن بالنقض، في قرار صادر عن مجلس قضاء باتنة الذي قضى باعتماد خبرة التي بحسبها تم إلغاء الحكم المستأنف، و الطاعن أسس طعنه على الوجه الوحيد المأخوذ من مخالفة القانون؛ بأن عقد الشهرة، جاء بناءًا على تصريحات الطاعن وهو عقد جديد يعد مخالفًا للمادة 324 مكرر5[36] من القانون المدني معتبرًا عقد الشهرة عقد صحيح شكلاً و مضمونًا و أنه رسمي، له حجية مطلقة إلى أن يثبت تزويره، بذا فالقرار المطعون فيه قد خالف القانون مما يستوجب نقضه و إبطاله.

و أسست المحكمة العليا قرارها، على أن العقد التوثيقي يتضمن نوعين من البيانات؛ أولاً البيانات التي تتعلق بالوقائع التي يباشرها الموثق بنفسه، أو الوقائع المادية التي يقوم بها الأطراف أمام الموثق الذي يعاينها، و هذا النوع من البيانات تكون حجة حتى الطعن فيها بالتزوير، و ثانيًا البيانات المتعلقة بالتصريحات و الاتفاقات التي يتلقاها الموثق من الأطراف تكون حجة إلى أن يثبت العكس، و هذا ما أخذ به المجلس القضائي، في قراره الذي سمح بإثبات عكس ما جاء في عقد الشهرة كونه قائم على مجرد تصريحات الأطراف و بالتالي يتعين التصريح برفض طعن الطاعن لعدم التأسيس.

في الأخير، نلاحظ أن عقد الشهرة أثار عدة مشاكل ميدانية، كما رأيتها في تربصاتي الميدانية، أين درست عدة ملفات خاصة بذلك، فهو يثير مشاكل أكثر من إيجاده للحلول التي قنن لأجلها، و للأسف أصبح مصدر للمشاكل القانونية الغير المتوقعة، كما أسيئ تطبيق المرسوم المنشئ له، ذلك في منحه للمستفيد دون التحقق من شــــروط الحيازة، و اعتبار آجال الاعتــــــراض فيه ( أربعة أشهر) من النظام العــام، في حين هي مواعيد تلزم الموثق فحسب، و حتى الخبرة التي يلجأ إليها الطرف لتحديد العقار و تقديم الوثائق اللازمة للموثق، فالقاضي عليه التحقق منها و من الحيازة لأنه لم يأمر بها قضائيًا، و رفع الدعوى لإبطال عقد الشهرة، يجب شهرها و إلا فلا تقبل شكلاً[37]، ولكن المشرع تدارك الوضع و ألغى عقد الشهرة بموجب القانون رقم 07-02 المؤرخ في 27/02/2007، المتضمن تأســــيس إجراء لمعاينة حق الملكية العقارية، و تسليم سندات الملكية عن طريق تحقيق عقاري و هذا ما سوف ندرسه في الفصل المقبل، بالمبحث الأخير لهذه المذكرة.  

 

   

       



[1]- المادة 44 من المرسوم رقم 76-63 "فضلاً عن سجل الإيداع المنصوص عليه في المادة 41، فإن المحافظ يمسك مجموعة بطاقات حسب الترتيب الأبجـدي لأصــحاب الحقوق التي تم إشهارها، و تشمل كل بطاقة على الخصوص تعيين أصــحاب الحقوق المذكورين و كذلك بالنسبة للأشخاص الطبيعيين شروطهم الشخصية و المراجع الخاصة بالبطاقات العقارية".

[2]- راجع: حسين عبد اللطيف حمدان- نظام السجل العقاري ـ منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، لبنان ـ طبعة 2007- ص 29.

[3]- راجع: مجيد خلفوني ـ نظام الشهر العقاري في القانون الجزائري ـ الطبعة الأولى ـ الديوان الوطني للأشغال التربوية -الجزائرـ طبعة 2003- ص15.

[4]-  راجع: حسين عبد اللطيف حمدان- نظام السجل العقاري ـ منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، لبنان ـ طبعة 2007- ص 36.

[5]  -MICHELE GREGOIRE – Publicité foncière sûretés réelles et privilèges – Bruylant- france- 2006- page 03.

[6]- ملاحظة : القيد في القانون الفرنسي هو نفسه التسجيل على الهامش، لكن بالتداول العرفي أصبح معيار التفرقة فقط في التصرفات التي يتم شهرها و التسجيل على الهامش لا يعد نوع من تصحيح خطأ ما وارد في تصرف بل هو نوع من الشهر قائم بذاته فالتصحيح يكون بتسجيل جديد.

[7]- MICHELE GREGOIRE – Publicité foncière sûretés réelles et privilèges – Bruylant- france- 2006- page . 31

[8]- نفس المرجع الفرنسي، ص 60.

[9]- راجع: حمدي باشا عمر و ليلى زروقي- المنازعات العقارية- طبعة جديدة في ضوء آخر التعديلات و أحدث الأحكام- دار هومه- الجزائر- 2006- ص42.

[10]- راجع: مقال ليلى زروقي المنشور بمدونة الندوة الوطنية للقضاء العقاري- وزارة العدل -مديرية الشؤون المدنية- الجزائر- طبعة 1995 – ص 46.

[11]- مجلة مجلس الدولة- العدد 02 لسنة 2002- الجزائر- ص 202.   

[12]- راجع حمدي باشا عمر- محررات شهر الحيازة- عقد الشهرة و شهادة الحيازة- دار هومه-  الجزائر- طبعة 2001- ص 17.

[13]- رأي الأستاذ حمدي باشا.

[14]- المادة 827 من القانون المدني " من حاز منقولاً أو عقارًا أو حقًا عينيًا منقولاً كان أو عقارًا دون أن يكون مالكًا له أو خاصًا به صار له ذلك ملكًا إذا استمرت حيازته له مدة خمسة عشر سنة بدون انقطاع."

[15]- وما يثير الانتباه أن المشرع لم يشترط في المادة 827 في حائز العقار حسن النية، بل اقتصر فقط على مدة الحيازة، وهي 15 سنة، كما أنه لم يفرق بين العقارات المشهرة سندات ملكيتها والعقارات غير المشهرة سندات ملكيتها بالمحافظة العقارية. وهو ما يتعارض مع نص المادة الأولى من المرسوم83 -352، مما جعل القضاء يختلف في تطبيق هذه النصوص بين قضاء مجلس الدولة والغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا وبين قضاء الغرفة المدنية بالمحكمة العليا وهو ما سنتناوله لاحقا.

[16]- المادة 828 من نفس القانون " إذا وقعت الحيازة على عقار أو على حق عيني عقاري و كانت مقترنة بحسن النية و مستندة في الوقت نفسه إلى سند صحيح فإن مدة التقادم المكسب تكون عشر سنوات."  

[17]- السند الصحيح كما تنص عليه المادة السابقة في فقرتها الأخيرة هو ذلك التصرف الذي يصدر عن شخص لا يكون مالكًا للــــشيء أو صاحبًا للحق المراد كسبه بالتقادم و يجب إشهار السند. 

[18]- مدة الحيازة تختلف حسب نوع الحق ففي الحقوق الميراثية كما تنص المادة 829 من القانون المدني لا تكتسب بالتقادم إلا إذا دامت الحيازة مدة ثلاث و ثلاثين سنة. 

[19]- راجع: التطبيقات القضائية للغرفة العقارية- مديرية الشؤون المدنية- وزارة العدل- الجزائر- 1995.

[20]- أنظر المادة الأولى من المرسوم رقم 83-352 المؤرخ في 21/ 05/ 1983 المتضمن إثبات التقادم المكسب و إعداد عقد الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية.

[21]- المقصود بالملكية هنا هي العقار أو الحقوق العينية العقارية و ليس حق الملكية في حد ذاته.

[22]- على الموثق أن يفحصها و يعيرها أهمية و لا يتعجل في تحرير السند.

[23]- راجع بحث الأستاذ مسعود كمين المنشور بالمجلة القضائية للمحكمة العليا- العدد 02- الجزائر- سنة 2003- ص 59.

[24]- على رئيس المجلس الشعبي البلدي، و نائب مدير الشؤون العقارية و أملاك الدولة في الولاية،  كل ضمن اختصاصه أن يبلغا الموثق  المسؤول المكلف بإعداد عقد الشهرة، آراءهما و ملاحظتهما فيما يخص الوضعية القانونية للعقار محل عقد الشهرة في أجل أربعة أشهر من تاريخ تلقيهما الالتماس.  

[25]- أنظر المادة 03 من المرسوم رقم 83-352 المؤرخ في 21/ 05/ 1983 المتضمن إثبات التقادم المكسب و إعداد عقد الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية.

[26]- قرار الغرفة المدنية بالمحكمة العليا،رقم40187 مؤرخ في 01/07/1987، المجلة القضائية عدد05 سنة 1990، ص20، قرار الغرفة المدنية بالمحكمة العليا ، رقم 068467  مؤرخ في 21/10/1990، المجلة القضائية عدد 1 سنة 1992، ص86، قرار الغرفة الإدارية للمحكمة العليا، رقم 947-129 المؤرخ في 09/03/1998، غير منشور، القضاء العقاري، حمدي باشا عمر، ص 278،  دار هومة 2002.

[27]- راجع القانون رقم 90-30 المؤرخ في 01/ 12/ 1990 المتضمن الأملاك الوطنية، و المرسوم التنفيذي رقم 91-454 المؤرخ  في 23/ 11/ 1991 المحدد لشروط إدارة الأملاك الخاصة، و العامة التابعة للدولة و تسييرها و الضابط لكيفيات ذلك، و كذا الأمر رقم 06-11 المؤرخ في 30/08/ 2006 المحدد لشروط و كيفـــيات منح الامتياز و التنازل، عن الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة و الموجهة لإنجاز مشاريع استثمارية.      

[28]- المادة 689 من القانون المدني" لا يجوز التصرف في أموال الدولة، أو حجزها، تملكها بالتقادم غير أن القوانين التي تخصص هذه الأموال لإحدى المؤسسات المشار إليها في المادة 688، تحدد شروط إدارتها، و عند الاقتضاء شروط عدم التصرف فيها".

[29]- أنظر: مجلة مجلس الدولة- العدد 02 لسنة 2002 - ص 198.

[30]- أنظر: المجلة القضائية- العدد01- لسنة 2002-  الجزائر- ص 147 .

[31]- أنظر: المجلة القضائية- العدد 01- لسنة 2003- الجزائر- ص 317.

[32]- أنظر نفس المجلة القضائية ،ص 305.

[33]- أنظر نفس المجلة القضائية، ص 313.

[34]- أنظر المجلة القضائية- العدد 02- لسنة 2003- ص 239.

[35]- أنظر المجلة القضائية- العدد 01- لسنة 2003- ص 309.

[36]- المادة 324 مكرر من القانون المدني" يعتبر ما ورد في العقد الرسمي حجة حتى يثبت تزويره. و يعتبر نافذًا على كامل التراب الوطني".

[37]- أنظر المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري. 



تعليقات