📁 آخر الأخبار

 


 آثار وقوع الفسخ

بعد أن أتممنا المبحث الأول وهو دعوى الفسخ باعتباره طريقًا إلى وقوع الفسخ نتكلم في هذا المبحث عن الآثار المترتبة على وقوع الفسخ وصدور الحكم النهائي للفسخ، وحكم الفسخ كأي حكم يكون له حجية الأمر المقضي به وهذه الحجية لا تقتصر على طرفي دعوى الفسخ وهما المتعاقدان، بل يتعداه إلى الغير الذين تعامل معهم المتعاقدان؛ ويسرى أثر حكم الفسخ عليهم أيضًا وسوف نتناول أثر الفسخ في المطلبين التاليين:

 

المطلب الأول   : انحلال العقد والالتزام بالتعويض.

المطلب الثاني   : أثر انحلال العقد بالنسبة للمتعاقدين والغير.


المطلب الأول

انحلال العقد والالتزام بالتعويض

         وانحلال العقد هنا يعتبر أهم أثر لفسخ العقد بل هو الأثر الوحيد، وما جاءت الآثار الأخرى إلا كنتيجة لانحلال العقد، وسوف نتناول انحلال العقد ثم نتناول التعويض عن انحلال العقد إذا رتب ذلك ضررًا على الدائن كما سيأتي.

         الفرع الأول     : انحلال العقد.

         الفرع الثاني     : الالتزام بالتعويض.

 

الفرع الأول

انحــــلال العقــــد

أولا: المقصود بانحلال العقد

         ويقصد بانحلال العقد هنا هو زوال الرابطة العقدية بعد نشوئها صحيحة، وزوال العقد هذا، ينتج عنه زوال الالتزامات الناشئة عنه، ولذا لا يكون العقد أساسًا لمطالبة أحد المتعاقدين بالالتزامات الناشئة عنه، ويتحلل بالتالي الدائن من مطالبة المدين المخل بالتزامه بالالتزامات التي تقع على عاتق الدائن([1])، فإذا كان عقد البيع مثلا بثمن مؤجل ولم يقم البائع بتسليم المبيع، وقضى المشتري بفسخ العقد بسبب إخلال البائع بالتزامه بتسليم المبيع، فإنه لا يحق للبائع مطالبة المشتري بتسليم الثمن، لأن هذا الالتزام يكون قد زال بفسخ العقد، حيث زال العقد وزالت الالتزامات الناشئة عنه، وزال السبب المنشئ للالتزام بعدم وجوده([2]). وانحلال العقد يعتبر أهم أثر من آثار الفسخ، لاسيما إذا كان تنفيذ العقد لم يتم بعد، أو كان التنفيذ مستحيلا بسبب إخلال المدين، كما إذا قام البائع بإهلاك المبيع قبل تسلمه فإنه في هذه الحالة يحق للمشتري المطالبة بفسخ العقد، لكي يزول العقد ولا يكون للبائع الحق في مطالبة المشتري بدفع الثمن، حيث يزول التزامه بدفع الثمن بفسخ العقد وزواله.

وزوال العقد في الفسخ لا يؤثر على الالتزامات الناشئة عنه بل إنه يؤدي إلى زوال التزامات أخرى ناشئة عن عقود فرعية أخرى، تابعة لذلك العقد الذي زال حيث تزول بزوال العقد الأصلي فقد يقوم المدين بالثمن المؤجل مثلا بإبرام عقد رهن للبائع يضمن به البائع حقه في التزام المشتري بدفع الثمن، فإذا زال عقد البيع مثلا بالفسخ فإنه بالتالي يزول عقد الرهن بانقضاء الدين المضمون([3])، ومثله أيضًا إذا برم المدين عقد كفالة يقوم بموجبه شخص ثالث بالالتزام بدفع الدين عن المدين في حالة عدم دفع المدين، فإن هذا العقد يزول بزوال الالتزام المضمون، بزوال العقد فينقضي عقد الكفالة هنا بصورة تبعية([4]).

كما أنه قد تنقضي عقود الشركات التابعة للشركة الأم بزوال تلك الشركة الأم ومثله أيضًا إذا قام المقاول في عقد مقاولة بإبرام عقود فرعية أخرى تساعده لإتمام عقد المقاولة الأصلية فإن هذه العقود تنقضي بزوال عقد المقاولة الأصلي ، إلا أنه يشترط في هذه العقود الفرعية أن يكون المتعاقدين فيها على علم بتبعية تلك العقود للعقد الأصلي،  أما إذا كانوا لا يعلمون بذلك، فإن تلك العقود لا تزول، ويحق للدائن منها أن يطالب بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين، لتسببه في استحالة التنفيذ لعدم تنفيذه للعقد والذي أدى إلى فسخه([5]). إلا أنه يستثنى من ذلك شرط التحكيم حيث يبقى ولا يزول بزوال العقد الذي كان هذا الشرط من بنوده، وسبب استثناء شرط التحكيم هو ما جاء في قانون التحكيم من اعتبار أن شرط التحكيم اتفاق مستقل عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم إذا كان هذا الشرط صحيحًا في ذاته؛ وسبب ذلك هو أن شرط التحكيم يختلف عن الأداءات المتبادلة والناشئة عن العقد بحيث لا يترتب على فصلها عن العقد أو إضافتها إليه المساس بجوهر العقد أو الالتزامات الأساسية الناشئة عنه، كما أن أعمال شرط التحكيم لا يكون إلا عند عدم التنفيذ فهي لا تستهدف سوى تنظيم النتائج القانونية التي ترتبت على عدم التنفيذ([6]).

وانحلال العقد قد يكون كليًا بمعنى زوال كافة الالتزامات الناشئة عن ذلك العقد وكذا زوال كافة العقود الفرعية التابعة لذلك العقد، ويكون ذلك في حالة الفسخ الكلي للعقد، وهذه الصورة الشائعة في فسخ العقد، وقد يكون زوال العقد جزئيًا بمعنى زوال بعض الالتزامات الناشئة عن الجزء الذي زال من العقد، وزوال العقود الفرعية التابعة للجزء الذي زال من العقد، ويتحقق ذلك في حالة الفسخ الجزئي كما سبق، فإذا قضى مثلا بفسخ جزئي لعقد بيع في بعض المبيع فإنه يزول العقد في حدود ذلك المبيع وبالتالي يزول التزام المشتري بدفع ثمن الجزء الذي تم فسخه وتبقى الالتزامات في الأخرى وتزول العقود الفرعية المتعلقة بذلك الجزء فحسب، وتبقى العقود التابعة للجزء الذي لم يفسخ([7]).

وفي مجال الفسخ في إطار المجموعة العقدية، يؤدي فسخ أي عقد منها إلى فسخ المجموعة كلها، ويعلل ذلك بتعليلات مختلفة على حسب ظروف كل مجموعة، فأحيانا يكون التعليل بوحدة الهدف الذي يربط المجموعة بحيث لا يمكن تحقيقه إلا بالتنفيذ الشامل للمجموعة، وأحيانا يكون على أساس أن العقد التبعي يلحق العقد الأصلي في مصيره، فإن فسخ العقد الأصلي لابد أن يفسخ العقد التبعي، مثل العلاقة بين العقد الأصلي والعقد من الباطن، كما يعلل فسخ  كافة عقود المجموعة العقدية على أساس أن الشخص لا يستطيع أن ينقل لغيره أكثر مما يملك، وأخيرا فإن فسخ العقد يؤدي إلى أن يفقد العقد الآخر محله أوسببه، فيزول تبعا لزوال العقد الأول([8])

ثانيا: انحلال العقد بأثر رجعي

كما أن انحلال العقد لا يسرى على المستقبل فحسب، وهو ما يعبر عنه بالأثر الفوري والذي يعني اعتبار العقد منحلا منذ وقوع الفسخ وبالنسبة للمستقبل، ولكنه ينحل في الماضي أيضًا وهو ما يعبر عنه بالأثر الرجعي للعقد، ويعنى هذا انسحاب أثر العقد إلى الماضي أي من حين نشوء العقد([9])، وهو ما عبر عنه المشرع بقوله: "إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد..." والأثر الرجعي للفسخ يستوي فيه إذا ما كان الحكم بالفسخ ذا طبيعة كاشفة للفسخ كما في الفسخ الاتفاقي، أو ذا طبيعة منشئة للفسخ كما في الفسخ القضائي([10]).

وهو ما أكدت عليه محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- بقولها: "ويترتب على القضاء بفسخ عقد البيع انحلاله بأثر رجعي منذ نشوئه..."([11])، وجاء أيضًا "فسخ العقد، أثره. انحلاله بأثر رجعي منذ نشوئه وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه من قبل..."([12]).

فرجعية العقد تعنى اعتبار العقد معدومًا عند نشوئه، فلا ينتج أية آثار قانونية، ويرتد انعدامه إلى حين إبرامه، بحيث تزول كافة الآثار التي رتبها، ويعتبر كأن لم يكن أصلا([13]) ويؤسس الفقه تبرير فكرة الأثر الرجعي إلى نظرية المجاز القانوني، حيث تقوم هذه الفكرة على تقدير وقوع الفسخ في الماضي([14]).

وتظهر أهمية مبدأ الأثر الرجعي للعقد في وجود تأصيل قانوني لإلزام الطرفين بالرد، كما أن المال يعود إلى المتصرف دون حاجة إلى إبرام عقد جديد حيث يعتبر المال كأنه لم يخرج من يد صاحبه، وأخيرًا فإنه يؤدي إلى اعتبار التصرفات التي أبرمها المتصرف إليه غير نافذة في حق المتصرف؛ إذ تعتبر أنها واردة على ملك الغير، وهكذا نجد أن تقرير الأثر الرجعي للفسخ فيه حماية أكيدة للملكية، فالملكية يجب أن تعود خالية من القيود والحقوق([15]).

ثالثا: استثناء العقود الزمنية من الأثر الرجعي

إلا أن مبدأ الرجعية في الفسخ لا يعم كافة أنواع العقود؛ حيث تستثنى العقود الزمنية من مبدأ رجعية الفسخ، فتنحل تلك العقود ويسرى أثر ذلك من وقت فسخها وفي المستقبل ولا يسرى ذلك في الماضي أي من وقت نشوء العقد، ولذا يطلق على فسخ العقود الزمنية بمصطلح "الإنهاء"([16])

والعقود الزمنية: هي تلك العقود الذي يكون الزمن فيها مقصودًا لذاته، فهو عنصر جوهري وأساسي في العقد، مثل عقود الإيجار والعمل والشركات ونحوها، وذلك لاستحالة الأثر الرجعي ويعلل ذلك بأن العقد المستمر ليس عقدًا واحدًا، فهو مجموعة من العقود وكل عقد ينقضي بتنفيذه، ففسخ ذلك العقد لا يؤثر في العقود التي انقضت بتنفيذها، كما أن الزمن في هذه العقود مقصود لذاته، وما انقضى منه لا يمكن الرجوع فيه([17]).

وهو ما أكدته محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- بقولها: "النص في المادة 160 من القانون المدني على أنه (إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد...) قطعى الدلالة على الأثر الرجعي للفسخ، وعلى شموله العقود كافة إلا أنه من المقرر بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر والدوري التنفيذ - كالإيجار- أنه يستعصي بطبيعته على فكرة الأثر الرجعي، لأن الزمن فيه مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذي ينعقد عليه، والتقابل بين الالتزامات فيه يتم على دفعات بحيث لا يمكن الرجوع فيما نفذ منه فإذا فسخ عقد الإيجار بعد البدء في تنفيذه، فإن آثار العقد التي انتجها قبل الفسخ تظل قائمة عمليًا، ويكون المقابل المستحق عن هذه المدة له صفة الأجرة لا التعويض، ولا يعد العقد مفسوخًا إلا من وقت الحكم النهائي الصادر بالفسخ لا قبله ويعتبر الفسخ هذا بمثابة إلغاء للعقد في حقيقة الواقع"([18]).

وينتج عن استثناء العقود الزمنية من مبدأ الرجعية هو أن يعتبر العقد موجودًا في الفترة ما بين انعقاده وفسخه، ومرد ذلك أن آثار هذه العقود تتوزع على الزمن الذي يستغرقه فهناك فترة سابقة، وأخرى لاحقة عليه والآثار تتوزع على هذه الفترة. فبالنسبة لعقد الإيجار ينتفع المستأجر بالعين مدة من الزمن ويتقاضى المؤجر الأجرة عن هذه الفترة، وما انقضى من الزمن لا يمكن رجوعه مرة ثانية، ومن ثم تتحصن هذه الآثار، وبالتالي لا يستحق المؤجر القيمة الإيجارية طالما لم يتحقق الانتفاع لها، وينتج عن هذا أن ما تقاضاه المؤجر من الأجرة في الفترة السابقة يعتبر أجرة وليس تعويضًا مقابل انتفاع، ولذا يبقى لهذه الأجرة امتياز المؤجر ضمانًا خاصًا له([19]).

ويرى بعض الفقه عدم استثناء العقود الزمنية من مبدأ رجعية الفسخ، حيث يسرى تطبيق هذا المبدأ على العقود الزمنية مثل العقود الفورية، فتنحل العقود ويسري ذلك في المستقبل والماضي، ويقررون أنه لا فرق بين العقود الفورية والزمنية في ذلك، وأن استحالة إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل العقد في العقود الزمنية، لا تعد حجة كافية لاستثناء تلك العقود من مبدأ الرجعية، فإن الاستحالة واردة حتى في العقود الفورية وينتج عن هذا الدائن، وجوب إعادة الحال فيجب على المؤجر رد الأجرة، ونظرًا لاستحالة رد المنفعة من المستأجر فإنه بالتالي يقوم بالتعويض عن هذه المنفعة على أساس المسئولية التقصيرية كما هي في العقود الفورية([20]).

رابعا: موقف القانون اليمني

والقانون اليمني كنظيره المصري يقرر أن أثر الفسخ هو زوال العقد بأثر رجعي وهو معنى إعادة الحال إلى ما كان عليه المتعاقدان قبل العقد، إلا أنه يستثني من ذلك العقـود الزمنية؛ حيث يقتصر أثر الفسخ هنا على إنهاء العقد في المستقبل([21]).

وهذا ما نصت عليه المادة 219 مدني يمني حيث جاء فيها: "...وترتب على الفسخ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا علها قبل العقد..."، وجاء أيضًا في المذكرة الإيضاحية تبرير ذلك بزوال العقد: "...ويترتب على فسخ العقد إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد لأن فسخ العقد يترتب عليه زواله وزوال أثره..."([22])، وهو ما أكد عليه القضاء اليمني؛ حيث جاء في الحكم بفسخ عقد البيع ما نصه: "حكمت المحكمة أولا: فسخ عقد البيع المبرم بين المدعي، والمدعى عليه، وإعادة المدعي والمدعى عليه إلى الحالة التي كانا عليها قبل توقيعهما للعقد المشار إليه"([23]).

خامسا: المقارنة بين القانونين المصري واليمني

         مما سبق نجد تشابه  القانونين المصري واليمني في تقرير أن أثر وقوع الفسخ هو إنحلال العقد بأثر رجعي، مع استثناء العقود الزمنية من الأثر الرجعي.

 

الفرع الثاني
الالتزام بالتعويض

أولا: موقف القانون المصري

         والمقصود بالالتزام بالتعويض هنا: هو قيام المدين بدفع مبلغ جبرًا للضرر الذي أصاب الدائن بسببه([24])، وقد أجازت المادة 157 مدني مصري طلب الدائن للتعويض حيث جاء فيها أن: "في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضى"، فمن خلال النص السابق نجد أن الحكم بالتعويض لا يكون إلا بناء على طلب الدائن فلا يحكم به القاضي من تلقاء نفسه وله سلطة تقديرية في ذلك([25]).

         كما أجازت التعويض في حالتي دعوى التنفيذ ودعوى الفسخ إلا أن أساس كل منهما يختلف عن الآخر فهي في دعوى التنفيذ على أساس المسئولية العقدية، بينما التعويض في دعوى الفسخ نجد أساسه في المسئولية التقصيرية؛ لأن العقـد لا يصح أساسًا للتعويض حيث أن العقد يزول من وقت نشوئه بأثر رجعي ([26])، ويرجع سبب جواز الحكم بالتعويض مع الفسخ،  لأن الفسخ يعتبر جزاء لإخلال المدين؛ والدائن قد يرى أن فسخ العقد لا يكون كافيًا لرفع الضرر الناشئ عن إخلال المدين بتنفيذ التزامه، لا سيما إذا كان ذلك في حالة العقود الزمنية حيث لا يكون هناك أثر رجعي وليس فيها رد، كما أنه قد يحدث ضررًا، مع الإجراءات المتعلقة بتأخير التنفيذ؛ بسبب الإعذار ومنح مهلة وكل ذلك يؤدي إلى الإضرار بالدائن بحيث أن الفسخ قد لا يكون جزاء كافيًا له؛ ولذا يلجأ الدائن لطلب تعويض عن ذلك الضرر([27])، ومن خلال النـص السابـق لمادة 157/1 مدني مصري نجدها تشترط للحكم بالتعويض أن يكون له مقتض، والمقتضى هنا هو تحقق شروط المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بين الخطأ والمسئولية، ونجد هنا أن شرط الخطأ وعلاقته بالسببية متوفران؛ حيث قد تحققا من خلال الحكم بالفسخ الذي يشترط فيه إخلال المدين بالتزامه، ويبقى هنا التحقق من شرط الضرر([28])، وهذا ما قضت به محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- من ضرورة التحقق من الضرر كشرط للتعويض بقولها: "...وكان الثابت أن المطعون عليها، طلبت أمام المحكمة الابتدائية الحكم بفسخ عقد البيع الصادر لها من الطاعن وبإلزام هذا الأخير بأن يؤدي لها.. مستحقًا لها من تعويض عما أصابها من ضرر، فقضت المحكمة بفسخ عقد البيع وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليها ما قبضته من الثمن ثم حكمت بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الضرر المطلوب عنه..."([29]).

         والضرر هو الأذى الذي يلحق بالمضرور نتيجة خطأ الغير، والضرر قد يكون ماديًا وهو الإخلال بحق أو مصلحة مالية لمضرور ويشترط فيه أن يكون محققًا([30])، وقد يكون الضرر أدبيا: وهو الذي يصيب الشخص في مصلحة غير مالية، وهو ما يؤذي العاطفة أو الشعور، ولو لم يحصل له ضرر مادي([31]).

         والضرر هنا باعتبار أن أساسه هو المسئولية التقصيرية هو الضرر المباشر متوقعًا أو غير متوقع، ويكون الضرر مباشرًا إذا كان نتيجة مباشرة لخطأ المدين، والضرر المتوقع هو الذي يتوقع طبقًا للسير العادي للأمور، فإن لم يكن يتوقع عادة فهو ضرر غير متوقع([32])، وعلى المضرور وهو الدائن عبء إثبات الضرر لأن الضرر واقعة مادية([33]).

         ويقوم القاضي هنا بتقدير التعويض، فالتعويض هنا تعويض قضائي؛ حيث يقررها القضاء ولا تغني عنها التعويضات القانونية والتي يحددها القانون بالفوائد القانونية، التي يدفعها المدين بالثمن؛ حيث تكون تلك القواعد القانونية من قبيل الالتزام برد الثمن مع فوائده؛ ولذا ذهبت محكمة النقض إلى أن تقرير الخبير أن المشترى لا يستحق تعويضًا عن فسخ عقد البيع لأنه تقاضى فوائد الثمن، يعد خطأ في القانون، لأن الفوائد تعتبر مقابل الثمرات التي ألزم المشتري بردها ولا تحول دون تعويضه عما يكون قد أصابه من ضرر([34]).

         كما أن التعويض الاتفاقي وهو ما يعرف بالشرط الجزائي، وهو اتفاق سابق على وقوع الضرر يحدد قدر التعويض الذي يلتزم به المدين عند عدم تنفيذ الالتزام([35]) على اعتبار أن الشرط الجزائي يكون أساسه هو العقد الذي وجد الفسخ فيه، وبما أن العقد قد زال بأثر رجعي من وقت نشوئه فإنه لا يكون هناك أي قيمة لهذا الشرط الجزائي ولا يصح التعويل عليه في تقدير التعويض([36])، وهذا ما قررته محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- بقولها: "الشرط الجزائي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - التزام تابع للالتزام الأصلي؛ إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال بهذا الالتزام، فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي ولا يقيد بالتعويض المقرر بمقتضاه، فإن استحق الدائن التعويض، تولى القاضي تقديره وفقًا للقواعد العامة التي تجعل عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره على عاتق الدائن"([37]).

         وينتقد بعض الفقه موقف محكمة النقض من زوال الشرط الجزائي تبعًا لفسخ العقد، على اعتبار أن الشرط الجزائي يستهدف تنظيم النتائج التي تترتب على عدم تنفيذ العقد، ويقرر بذلك بقاء الشرط ولا يزول بزوال العقد بفسخه، وبذلك يصح أن يكون الشرط الجزائي أساسًا لتقدير التعويض، ويجعل للشرط الجزائي استقلالا على العقد كما هو في شرط التحكيم؛ فلذا لا يتأثر بزوال العقد في حالة فسخه، وهو لا يختلف عن الاتفاق اللاحق عن الفسخ والذي يستهدف تحديد التعويض، إلا في لحظة انعقاده قبل الفسخ([38]).

ثانيا: موقف القانون اليمني

         أما القانون اليمني فقد نصت المادة 221 مدني بشأن التعويض ما نصه: "عقود المعاوضة الملزمة للعاقدين إذا لم يف أحدهما بالتزامه جاز للآخر بعد اعذاره أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع تعويضه بما غرم في الحالتين..."

         ومن خلال النص السابق نجد أن المشرع اليمني أجاز للدائن طلب التعويض مع الفسخ، وطلب التعويض هنا مشروط بوجود ضرر للدائن من جراء عدم التنفيذ، وهو ما عبر عنه بمصطلح الغرامة([39]).

         ووضحت المذكرة الإيضاحية سبب هذه الغرامة بقولها: "مع تعويضه في الحالتين عما غرم نتيجة التأخير في تنفيذ الالتزام أو عدم تنفيذه"([40]).

وهو نفس ما أكدته محكمة النقض على جواز الحكم بالتعويض مع الفسخ([41]).

         وجاء أيضًا الحكم بالتعويض مع الإلزام بالرد بفارق سعر العملة بالدولار تعويضًا للمدعي([42]).

         كما أن القضاء اليمني قد أجاز مثل ما ذهب إليه بعض الفقه المصري بجواز الحكم بالتعويض على أساس الشرط الجزائي رغم زوال العقد، أي أن الشرط الجزائي يعتبر شرطًا مستقلا عن العقد، فلا يزول بزوال العقد في حالة فسخه، حيث جاء في حكم قضائي: "وبما أن الطرفين قد اتفقا على مقدار التعويض فإن المحكمة تقرر استحقاق المدعي لمبلغ التعويض المتضمن له الشرط الجزائي..."([43])، ويشترط في الحكم بالتعويض أن يكون هناك ضرر محقق الوقوع قد أضر بمصالح الدائن وقت المطالبة بالتعويض([44]).

 ثالثا: المقارنة بين القانونين المصري واليمني

مما سبق نجد توافق القانونين المصري واليمني في  جواز حكم القاضي بالتعويض، إذا طالب به الدائن، إذا كان له مقتض، أي أنه سبّب ضررًا للدائن، ويشترط أن يكون الضرر محقق الوقوع.


 المطلب الثاني
أثر انحلال العقد بالنسبة للمتعاقدين والغير

                                              

بعد الحديث حول انحلال العقد والالتزام بالتعويض في المطلب الأول، يأتي الحديث هنا حول أثر ذلك الانحلال وسنتناول أثر ذلك بالنسبة للمتعاقدين وبالنسبة للغير وحسب الآتي:

         الفرع الأول     : أثر انحلال العقد بالنسبة للمتعاقدين.

         الفرع الثاني     : أثر انحلال العقد بالنسبة للغير.

 

الفرع الأول

أثر انحلال العقد بالنسبة للمتعاقدين

أولا: الالتزام بالرد

         نصت المادة 160 مدني مصري على أنه: "إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض".

         فمن خلال النص السابق نجد أن القانون المصري قد جعل أثر الفسخ بالنسبة للمتعاقدين هو عودة المتعاقدين إلى الحالة قبل العقدية، وهذا قد لا يكون بشأنها أي صعوبات إذا كان ذلك قبل التنفيذ أما إذا كان بعد تنفيذ العقد، فإنه يلزم للعودة إلى الحالة قبل العقدية التزام المتعاقدين بالرد، حيث يقوم كل من الدائن أو المدين، إذا كان قد تم تنفيذ، برد ما يكون قد استلمه من المتعاقد الآخر بسبب العقد، والمدين بهذا الالتزام هو المتعاقد الذي تسلم شيئًا قبل فسخ العقد سواء كان هو المدين في الفسخ أو الدائن.

         وهذا الرد يجد أساسه في الأثر الرجعي للعقد حيث يمتد انحلال العقد إلى وقت نشوئه، كأن العقد لم يحصل، حيث تبين بالفسخ أن هذا المتعاقد الذي استلم هذه الأشياء بسبب العقد، لم يكن يملكها بسبب زوال العقد من وقت نشوئه، فليس للمدين أن يحتفظ بما هو مستحق للدائن، إذ يكون ذلك إثراء بلا سبب، فلذا يلتزم المدين هنا برد غير المستحق([45])، ويرى بعض الفقه أن أساس الالتزام بالرد هنا ليس هو الالتزام برد غير المستحق، بل يكون أساس التزام هذا المتعاقد بالرد هو التزام المتعاقد الآخر بالرد فيكون التزام كل واحد منهما بالرد أساسًا لالتزام الآخر بالرد، فالأساس هنا هو التقابل بين الالتزام بالرد بين المتعاقدين([46]).  

         ويجب في الالتزام بالرد أن يقوم الشخص برد الشيء ذاته، فإذا كان ما تسلمه المتعاقد قبل الفسخ عينًا معينة بالذات – سواء كانت عقارًا أو منقولا- كما لو تسلم منزلا معينًا أو سيارة معين بالذات أو قطعة أثرية معينة.

         فيجب عليه في هذه الحالة أن يرد العين بذاتها، إما بالتسليم في المنقول أو بالتخليه في العقار([47])، ويمكن للدائن أن يرفع دعوى عينية على المدين يطالبه فيه برد العين التي أخذها من دون وجه حق([48]).

         أما إذا كان ما تسلمه المتعاقد قبل الفسخ نقودًا أو أشياء مثلية، فالغالب أنها تختلط بمثيلاتها دون تمييز، فلذا يعتبر من قبيل الدين ولا تكون حقًا عينيًا، فلا يلزم برد ذات الشيء، حيث يكون الرد هنا بالشيء المثيل لها، كما يجوز للدائن في حالة الأشياء المثلية الحصول على مثلها من السوق على نفقة المدين وبإذن من القضاء، فإذا رفض المدين بالرد هنا فإنه يكون للدائن اللجوء إلى التنفيذ الجبري عن طريق الحجز على أمواله([49]).

         وهذا ما أكدته محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- في التزام كل من المتعاقدين برد ما استلمه إعمالا للأثر الرجعي للفسخ حيث نصت على ما يأتي: "يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع انحلاله بأثر رجعي منذ نشوئه لما كانت المادة 160 من القانون المدني تنص على أنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وكان يترتب على الفسخ انحلال العقد بالنسبة للغير بأثر رجعي، فإنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود العين المبيعة إلى البائع، ولا تنفذ في حقه التصرفات التي ترتبت عليها، كما يكون للمشتري أن يرجع على بائعه بالثمن بدعوى مستقلة إذا امتنع هذا البائع عن رده إليه، وذلك كأثر من آثار فسخ العقد."([50]).

ثانيا: مشتملات الرد

         والالتزام بالرد لا يقتصر على رد الشيء ذاته من عين أو دين فحسب بل إنه يشمل -أيضًا – رد ثمرات تلك العين، وفوائده القانونية في حالة الالتزام برد مبالغ مالية، وتحسب تلك الثمار والفوائد من وقت المطالبة القضائية.

         ويرجع أساس رد تلك الثمار والفوائد القانونية على أساس الأثر الرجعي للفسخ كما سبق حيث ترجع تلك العين إلى مالكها قبل العقد، وتبقى الثمار فهل تكون ملكًا للمدين؟ فكيف يملكها وهو لا يملك أصلها، فلذا يرجع ملكها إلى مالكها الأصلي قبل العقد([51]).

         وهو ما أكدته محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- بشمول الرد لثمار الشيء وفوائده، حيث جاء في حكم لها على ما يلي: "المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع انحلاله بأثر رجعي منذ نشوئه، فيرد المشتري المبيع ثماره ويرد البائع ما قبضه من ثمن وفوائده"([52]).

         والالتزام برد ثمار الشيء وفوائده، يستوي في ذلك حالة حسن النية أو سوئها وهذا بعكس الرد في حالة البطلان، حيث يتم التفريق هنا بين حالة حسن النية وسوئها، ففي حالة حسن النية يكون رد الشيء ذاته دون ثماره، بعكس سوء النية، حيث يلزم برد الشيء وثماره وفوائده؛ ويرجع سبب التفريق بين الفسخ والبطلان في رد ثمار الشيء وفوائده – بالرغم من أن البطلان والفسخ يكونان بأثر رجعي- إلى اختلاف طبيعة الأثر الرجعي، بينهما، حيث يعود الأثر الرجعي في البطلان إلى طبيعة الأشياء فالعقد الباطل هو عقد لم يكن له وجود قط أي ولد ميتًا، وبالتالي فإن معنى البطلان يختلف عن معنى الفسخ، لأن الفسخ جزاء عدم تنفيذ التزام صحيح وقائم وواجب التنفيذ من حيث المبدأ. لذلك فإن المنطق النظري كان يقتضي ألا يكون للفسخ من أثر إلا عندما يحكم به القضاء، وبالتالي فإن الأثر الرجعي هو تعبير عن التزام كل طرف أن يرد ما استوفاه من الطرف الآخر ومفاد هذه الملاحظة السابقة أن هناك مفهومين للأثر الرجعي ففي حالة البطلان يكون الأثر الرجعي أمرًا طبيعيًا في حين أنه في الفسخ أمر مصطنع إلى حد ما، ومن هنا كان الأثر الرجعي في الفسخ يختلف أحيانًا في بعض آثاره عنه في حالة البطلان([53]). وبالتالي أيضًا لا يسري استثناء ناقص الأهلية بالنسبة للفسخ([54]).

         كما أن المدين يلتزم برد ما صرفه الدائن من مصروفات العقد، وكذا ما انفقه في المحافظة على العين وصيانتها([55])، إلا أنه لا يكون ملزمًا إلا برد المصروفات الضرورية والنافعة، أما المصروفات الكمالية فليس لمن أنفقها أن يطالب بشيء منها، ومع ذلك يجوز له أن ينزع ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى إلا إذا اختار المالك أن يستبقيها مقـابل دفـع قيمتها مستحقة الإزالة([56]).

ثالثا: استحالة الرد    

         أما إذا استحال الرد، وذلك قد يكون إما بسبب المدين ويتمثل ذلك في إهلاكه للشي بالإتلاف، أو قيامه بأعمال تؤدي إلى تغيير الشيء محل الرد تغيرًا كاملا عما كان عليه ففي هذه الحالة يلتزم المدين بتعويض الدائن عن ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 160 بقولها: "فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويضات" ويكون هذا التعويض على أساس المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية، على اعتبار أن العقد قد انحل فلا يصح أن يكون أساسًا للتعويض([57]). ويرى بعض الفقه عكس ذلك حيث يجيز أن يكون التعويض هنا على أساس المسئولية العقدية وذلك نظرًا إلى ما قام من علاقة بين الطرفين رغم انحلال العقد بالفسخ([58]).

         أما إذا كان سبب استحالة الرد هو السبب الأجنبي- وهذا بالطبع بعد الحكم بالفسخ- لأنه إذا كان قبل الحكم بالفسخ فيكون هذا انفساخا لا فسخا كما سبق، ففي حالة السبب الأجنبي فإنه لا تعويض على المدين إلا بقدر ما انتفع به كأن يستفيد باقي الشيء بعد هلاكه وكذا لا يسأله المدين عن النقص الذي يحدث للعين بسبب استعماله إلا إذا كان استعماله أدى إلى انتفاع بشيء آخر([59]).

وفي مجال الفسخ في إطار المجموعة العقدية، نجد أن المدين- حسب ضوابط المجموعة العقدية-  لا يكون ملزما إلا برد ما استلمه من الدائن( المتعاقد معه) في العقد الذي هو شارك فيه، ولهذا الدائن المتضرر من عدم التنفيذ الرجوع على المدين المتعاقد معه، كما له أن يحتج على الدائن المتضرر من عدم التنفيذ بالعقد الذي شارك فيه ولا يرد له إلا ما أخذه منه المدين المتعاقد معه، ولهذا الأخير الرجوع على الدائن بالباقي ([60]).

رابعا: الالتزام بالرد في القانون اليمني

         وبالمثل تأتي أحكام القانون اليمني مقررة عودة المتعاقدين إلى الحالة قبل العقدية حيث نصت المادة 219 بقولها: "... ويترتب على الفسخ إعادة العاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض ما غرم" ويفسر الفقه بإعادة المتعاقدين بأن يلتزم كل من المتعاقدين برد ما استلمه قبل الفسخ، فيلتزم البائع برد الثمن ويلتزم المشتري برد الثمن فإذا استحال ذلك بخطأ المتعاقد وجب التعويض، كما أنه يجوز لكل من الطرفين الحق في حبس ما يلتزم برده حتى يستوفي ما يحق له استرداده([61]).

         وهذا ما جاءت به أحكام القضاء اليمني، حيث قضت في فسخ عقد البيع بسبب عدم تسلم البائع المبيع، حيث ألزمته برد الثمن([62])، وكما قضت في فسخ عقد المقاولة بإلزام المقاول برد المبلغ الذي دفعه رب العمل كدفعة أولى من قيمة العقد([63]).

         وأخيرًا نجدها قضت في الحكم لها بفسخ عقد بيع مجموعة من الأجهزة الطبية، حيث قضت بإلزام كل من المتعاقدين (المدعي والمدعى عليه) برد ما استلماه قبل العقد، فقد نصت على أنه: "يلزم المدعى عليه بإعادة مبلغ ثلاثة وعشرين ألف دولار أمريكي للمدعي، كما يلزم المدعي بإعادة ثلاثة أجهزة كرموتوجرافي بالإضافة إلى اثنين أفران أسنان للمدعي عليه"([64]).

خامسا: المقارنة بين القانونين المصري واليمني

         مما سبق نجد تشابه القانونين المصري واليمني في الحكم بالالتزام بالرد، إلا أنهما يختلفان أن الرد  في القانون اليمني لا يشمل فوائد الثمن- كما هو في القانون المصري- لأنه يكون من باب الربا المحرم.

 

الفرع الثاني
أثر انحلال العقد بالنسبة للغير

أولا: الأصل سريان الفسخ على الغير

         والمقصود بالغير هنا الأشخاص الذين تصرف معهم المدين، أو هو الطرف الذي تلقى حقـه من الطرف الذي قضي ضده بالفسخ([65])؛ حيث قد يقوم الشخص بإجراء تصرف بالعين - محل الالتزام بالرد-  إلى شخص ثالث، فما هو أثر الفسخ وانحلال العقد على هذه التصرفات؟ أو بمعنى آخر ما هو أثر هذه التصرفات على الالتزام بالرد، وهل تعود هذه العين إلى الدائن محملة بتلك التصرفات؟.

         وللإجابة على هذه التساؤلات يمكننا القول بأن القاعدة العامة هي أن أثر الفسخ يتمثل في انحلاله بأثر رجعي، والأثر الرجعي للفسخ يعتبر العقد كأن لم يكن، وينتج عنه عودة العين إلى مالكها بالحالة قبل العقدية أي خالية من أي حقوق واردة عليها، فعلى هذا نجد أن الأثر الرجعي لانحلال العقد كما يسري على المتعاقدين فإنه يسري أيضًا على الغير الذي تعامل معهم، ويحق للدائن الرجوع على الغير بدعوى مستقلة هي دعوى استحقاق العين وهي دعوى عينية تستهدف استرجاع العين من الغير لأنها مستحقة لمالكها وهو الدائن الذي حكم بالفسخ لصالحه([66]).

         وهذا ما أكدته محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- بقولها: "يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع انحلاله بأثر رجعي منذ نشوئه،" لما كانت المادة 160 من القانون المدني تنص على أنه: إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وكان يترتب على الفسخ انحلال العقد بالنسبة إلى الغير بأثر رجعي، فإنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود العين إلى البائع، ولا تنفذ في حقه التصرفات التي ترتبت عليها، كما يكون للمشتري أن يرجع على بائعه بالثمن بدعوى مستقلة إذا امتنع هذا البائع عن رده إليه، وذلك كأثر من آثار الفسخ"([67]).

ثانيا: استثناء أعمال الإدارة من الأثر الرجعي للفسخ

         وسريان قاعدة الأثر الرجعي بالنسبة للغير ليست على إطلاقها؛ حيث ترد عليها بعض الاستثناءات حسب الشروط الواردة عليها وهي تختلف حول ما إذا كان التصرف إلى الغير من أعمال الإدارة أو من أعمال التصرف في المنقول أو في العقار، فإذا كانت تلك التصرفات التي تصرف بها المدين إلى الغير في العين محل الالتزام بالرد من أعمال الإدارة، وهي التي يراد بها استعمال الشيء أو الانتفاع به واستثماره دون التصرف فيه، مثل عقد الإيجار([68])، كما إذا فسخ العقد وكان المدين قد أجر العين محل الرد إلى شخص ثالث فما هو مصير هذا العقد؟ لا سيما أن الدائن يعتبر أجنبيًا في هذا العقد،  فهل يزول العقد إعمالا للأثر الرجعي للفسخ، أم أنه يبقى؟ فنقول هنا أن أعمال الإدارة تستثني من أعمال الأثر الرجعي للعقد على اعتبار أن البائع عندما سلم المشتري تلك العين التي أجرها، قد ترك حيازة المبيع وإدارته في يد المشتري وعلى هذا فقد أصبح المشتري وكيلا ومأذونًا بأعمال الإدارة، وعلى الأخص عقود الإجارات والتي لولاها لبقيت الأعيان المبيعة معطلة عن الاستغلال والانتفاع بها، فيكون بالتالي مالكًا لها تحت شرط الفسخ وهو بهذه الصفة له حق الإدارة كنائب عن البائع، وهذا يؤدي إلى حماية استقرار المعاملات، إلا أن الاستثناء الوارد على أعمال الإدارة من الأثر الرجعي للفسخ، ليس على إطلاقه، حيث يشترط فيه أن تبرم هذه الأعمال بحسن النية وبدون غش، وحسن النية هنا يعني أن لا يكون الغير عالمًا بما يهدد عقد سلفه من الانحلال بسبب الفسخ وأن تكون المدة معقولة غير طويلة، وما دفعه المستأجر يكون من أعمال الإدارة يملكه المشتري، فيجب على البائع احترامه، وعلى البائع الرجوع على المشتري له وتلك الثمار التي استلمها من المشتري([69]).

ثالثا: استثناء أعمال التصرف في المنقول من الأثر الرجعي للفسخ

         أما إذا كانت التصرفات التي تصرف بها المدين مع الغير من أعمال التصرف، وهي الأعمال التي تستهدف إلى ترتيب حق عيني على العين، وهذا  يختلف فيما إذا كانت تلك العين منقولا أو عقارًا.

فإن كانت تلك العين منقولة، ثم فسخ عقد بيع المنقول وكان المدين قد قام بالتصرف في هذا المنقول لشخص ثالث، فهل يسري الفسخ بالنسبة للشخص الثالث، ويلزم الغير بالتالي برد ذلك المنقول إلى الدائن؟ وهنا يمكننا القول أنه يمكن للغير أن يدفع أمام هذا الدائن بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية على اعتبار أنه حائز لهذا المنقول، وبالتالي لا يكون أمام هذا الدائن إلا الرجوع على المدين بالتعويض على أساس استحالة الرد بسبب استحقاق الغير لها، طبقًا لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، إلا أنه يشترط لإعمال هذه  القاعدة -كدفع يمنع سريان الفسخ في حق الغير- أن تكون الحيازة بسبب صحيح وأن تكون بحسن نية وأن يكون غير عالم بالخطر الذي يهدد سبب تملك سلفه لتلك العين([70]).

رابعا: استثناء أعمال التصرف في العقار من الأثر الرجعي للفسخ

         أما في حالة أعمال التصرف المتعلقة بالعقار فإن الأمر هنا يختلف فإن الدائن يستطيع عن طريق شهر دعوى الفسخ من حماية حقه في العين عن أي تصرف يجري بعد تسجيل دعوى الفسخ والتأشير عليها في السجل العقاري ويكون هذا حجة على الغير ولو كان حسن النية، وبالتالي يسترد الدائن العقار من الغير، أما إذا لم يقم الدائن بحماية حقه بتسجيل دعوى الفسخ وقام الغير بتسجيل ملكية العقار قبل تسجيل دعوى الفسخ فإن حقه في استرداد العقار مرهون بما إذا كان هذا الغير حسن النية أو سيئها فإذا كان سيئ النية فإن الفسخ يسري في حقه ويسترد الدائن العقار منه، أما إذا كان حسن النية فإنه لا يسري في حقه أثر الفسخ كما قرره قانون الشهر العقاري وبالتالي لا يستطيع الدائن استرداد العقـار، وعليـه الرجوع على المدين بالتعويض على أساس استحالة الرد([71]).

         وهذا ما أكدته محكمة النقض-بشأن أحد الطعون المطروح أمامها- بقولها: "النص في المادة 15/1 من قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946م على أنه يجب التأشير في هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التي يكون الغرض منها الطعن في التصرف الذي يتضمنه المحرر وجودًا أو صحة أو نفاذًا كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع فإذا كان المحرر الأصلي لم يشهر تسجيل تلك الدعاوى"، في المادة 17 من هذا القانون على أنه: "يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة الخامسة عشر أو التأشير بها أن حق المدعي إذا تقرر بحكم مؤشر به طبقًا للقانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل الدعاوى أو التأشير بها، ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذي كسب حقه بحسن النية قبل التأشير أو التسجيل المشار إليهما"، يدل على أن المشرع خرج على الأثر الرجعي للفسخ لمصلحة الغير حسن النية الذي تلقى حقًا عينيًا على عقار وشهر حقه قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ أو التأشير بمضمونها على هامش المحرر المسجل، فقرر أن الحكم الذي يصدر بفسخ العقد لا يكون حجة على هذا الغير، ومن ثم يظل حقه قائمًا ويسري في مواجهة المدعي المحكموم له بالفسخ، أما إذا كان الغير سيئ النية فإن حقه طبقًا لنص هاتين المادتين يزول بالحكم بالفسخ ولو كان قد شهر حقه قبل تسجيل صحيفة الدعوى ولو قبل التأشير بها"([72]).

         ولا يختص تطبيق القاعدة السابقة بشأن سريان أثر الفسخ على العقار في حالة تملكه ، بل يسري أيضًا في حالة الرهن الرسمي؛ حيث قضت المادة 1034 مدني مصري على أنه: "يبقى قائمًا لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن"، فهكذا نجد من النص السابق أن الفسخ لا يسري على حق الدائن المرتهن للعقار، وبالتالي تبقى حقوقه مترتبة على العقار رغم فسخه العقد([73]).

خامسا:موقف القانون اليمني مع المقارنة بالقانون المصري

         والقانون اليمني كنظيره المصري يجعل انحلال العقد يسري على الغير طبقًا للأثر الرجعي؛ حيث تزول حقوقه بزوال الفسخ ويسترد الدائن حقه في العين غير محملة بأي حق للغير، والغير هنا هو من تلقى حقه من الطرف الذي قضى ضده بالفسخ، إلا أنه يرد على هذا استثناء في حق حسن النية في عقود الإدارة، وفي حالة الدفع بحيازة المنقول سند الملكية، وكذا في التصرف في العقار قبل تسجيل دعوى الفسخ أو في حالة عدم تسجيلها([74]).

         وبالمقارنة بين القانونين المصري واليمني، نجد أن القانون اليمني يتشابه مع القانون المصري في سريان أثر افسخ على الغير.



([1]) انظر: د. عبد المنعم البدراوي، المرجع السابق، ص480، د. توفيق حسن فرج، المرجع السابق، ص332، د. عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، مرجع سابق، ص372.

([2]) انظر: د. مطهر علامة، المرجع السابق، ص225، د. عبد الفتاح عبد الباقي، المرجع السابق، ص639.

([3]) انظر: المادة 1082 من القانون المدني المصري، د. حسام الدين كامل الأهواني، التأمينات العينية، 2002-2003، ص600.

([4]) د. طلبه وهبه خطاب، عقد الكفالة، مرجع سابق، ص139.

([5])  انظر: د. عبد الوهاب الرومي، الاستحالة وأثرها في الالتزام العقدي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1414هـ- 1999، ص496، د. حسام الأهواني، المرجع السابق، ص591، د. مصطفى عبد السيد الجارحي، عقد المقاولة من الباطن، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1988م،   ص9.

([6]) د. حسام الدين الأهواني، المرجع السابق، ص589، 590.

([7]) انظر: د. حمدي عبد الرحمن، الوسيط، مرجع سابق، ص608، د. جميل الشرقاوي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص395.

([8]) د. مصطفى عبد السيد الجارحي، فسخ العقد، مرجع سابق، ص31.

([9]) انظر: د. مصطفى الجمال، المرجع السابق، ص491، د. محمد إبراهيم دسوقي، المرجع السابق، ص172، د. أحمد شرف الدين، المرجع السابق، ص437، د. سمير تناغو، المرجع السابق، ص174.

([10]) انظر: د. سيف البلعاوي، المرجع السابق، ص348، د. محمد إبرهيم دسوقي، المرجع السابق، ص172.

([11]) جلسة 24/3/1966م، السنة 17، انظر: د. محمد شتا، المرجع السابق، ص1003.

([12]) الطعن رقم 1390 لسنة 69 ق، جلسة 1/7/2000.

([13]) د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص523.

([14]) د. حسن الذنون، المرجع السابق، ص355.

([15]) د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص527.

([16]) انظر: د. عبد الحي حجازي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص373، د. سمير تناغو، المرجع السابق، ص175، د. عبد الفتاح عبد الباقي، المرجع السابق، ص641.

([17])  انظر: د. عبد الودود يحيى، المرجع السابق، ص25، د. نبيل إبراهيم سعد، المرجع السابق، ص58، مصطفى الجارحي، المرجع السابق، ص25، د. جميل الشرقاوي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص401، د. عبد الحي حجازي، عقد المدة أو العقد المستمر الدوري التنفيذي، ص189.

([18]) جلسة 7/2/1979، السنة 30، انظر: د. محمد شتا أبو سعد، ص1010.

([19])  انظر: د. عبد المنعم الصدة، المرجع السابق، ص407، د. سمير تناغو، المرجع السابق، ص175، د. أنور العمروسي، المرجع السابق، ص107.

([20]) د. ياسر أحمد كامل الصيرفي، الأثر الرجعي للفسخ في العقود المستمرة، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، الوادي، ص176.

([21]) انظر: د. محمد حسين الشامي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص329، د. عبد الله الخياري، المرجع السابق، ص145.

([22]) ص191.

([23]) القضية رقم 136 لسنة 1422هـ، جلسة 27/1/2004م، المحكمة التجارية بأمانة العاصمة، حكم غير منشور، كما نجد- أيضا - أن الفقه الإسلامي يقرر أن أثر الفسخ هو زوال العقد؛ ولذا نجدهم يعرفون الفسخ بأنه: "حل ارتباط العقد"، انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي، مرجع سابق، ص217، والأشباه والنظائر لابن نجم، مرجع سابق، ص338، كما أننا نجدهم أيضًا يقررون انحلال العقد بأثر رجعي، فيقررون أن الفسخ لا يكون في المستقبل بل يسري بأثر رجعي حيث يعرفونه بأنه: "رفع للعقد من الأصل وجعله كأن لم يكن"، انظر: بدائع الصنائع للكاساني، مرجع سابق، ص5/181، ثم هم يبررون الأثر الرجعي للفسخ رغم وقوعه ماديًا بقاعدة تقدير ارتفاع الواقعات؛ لأن رفع الواقعات مستحيل عقلا ولا سبيل إلى أن يقع شيء منها في الشريعة، وتظهر أهمية الأثر الرجعي في غلات الشيء فإنها حسب الأثر الرجعي تكون للدائن طالب الفسخ على اعتبار أن العقد مفسوخ من أصله ويرجع المتعاقدان إلى ما كانا عليه قبل العقد، انظر: الفروق للقرافي، مرجع سابق، الفرق رقم 56، ج2، ص241،  كما أن الفقهاء استبعدوا العقود الزمنية كعقود الإجارة – من الأثر الرجعي وقدروا فيها انحلال العقد من حيث وقوعه، ويعللون لذلك بأن هذه العقود تتحقق شيئًا بعد شيء، حيث؛ يرى بعض الفقهاء أن عقد الإجارة على غير القياس لأنها بيع منفعة والمنفعة حال  إنعقاد العقد تكون معدومة القبض، ثم تستوفي شيئًا فشيئًا مع الزمن، ولذا فإنه في حالة الفسخ يستحيل عودة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل العقد، وذلك لاستهلاك تلك المنافع واستحالة عودتها، انظر: بداية المجتهد لابن رشد، مرجع سابق، جـ2، ص218.

([24]) معجم القانون، مرجع سابق، ص14.

([25]) د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص477.

([26]) انظر: د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، مرجع سابق، ص978، د. سمير تناغو، المرجع السابق،   ص175.

([27]) د. أحمد محمود سعد، المرجع السابق، ص785.

([28]) د. عبد الحي حجازي، المرجع السابق، ص370.

([29]) الطعن رقم 280 لسنة 28، جلسة 8/11/1977م، انظر: د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص52.

([30]) انظر:  د. عبد الودود يحيى، المرجع السابق، ص241، محمد إبراهيم دسوقي، المرجع السابق، ص185.

([31]) انظر: د. عبد الودود يحيى، المرجع السابق، ص244، د. محمد لبيب شنب، الوجيز في مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص371.

([32]) معجم القانون، مرجع سابق، ص109، 110.

([33]) د. نبيل إبراهيم سعد، المرجع السابق، ص436.

([34]) انظر: الطعن رقم 59 لسنة 41، جلسة 23/12/1975م، أنور طلبة، المرجع السابق، ص667.

([35]) معجم القانون، مرجع سابق، ص109.

([36]) د. عبد الحي حجازي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص371.

([37]) الطعن رقم 201 لسنة 29، جلسة 18/4/1978م، انظر: عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص506.

([38]) د. حسام الدين الأهواني، المرجع السابق، ص588.

([39]) انظر: د. جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني اليمني، مرجع سابق، ص421، د. أحمد محمود سعد، مصادر الالتزام في القانون المدني اليمني، مرجع سابق، ص785، حسن العنسي، المرجع السابق، ص213. 

([40]) ص191.

([41]) انظر الطعن رقم 30 لسنة 1413هـ، جلسة 6 ربيع ثاني لسنـة 1413هـ الموافـق 4/10/1992م، انظر: د. حسن على مجلى، المرجع السابق، ص190.

([42]) حيث حكمت المحكمة فيه، "فسخ عقد البيع وإلزام المدعي عليه، بإرجاع الثمن المدفوع له من المدعي مع فارق سعر العملة بالدولار وقت تحرير البيع، تعويضًا للمدعي عما لحقه من أضرار وخسائر لعدم تسلم محل البيع ومحتوياته..." انظر الحكم رقم 5 لسنة 1424هـ، جلسة 11/3/2003 الصادر من محكمة استئناف أمانة العاصمة، الشعبة المدنية الثانية، حكم غير منشور.

([43]) القضية رقم 89 لسنة 1412هـ، جلسة 14/7/1993م، الصادرة من المحكمة  التجارية الثانية بلواء صنعاء، حكم غير منشور.

([44]) انظر: د.عبد الكريم يوسف القاضي، نظرية التدليس في القانون المدني المصري واليمني، دراسة مقارنة بأحكام الفقه الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1420هـ- 2000م، ص220، هائل حزام العامري، المرجع السابق، ص160، أما الفقه الإسلامي فالقاعدة العامة عنده هو عدم الجمع بين الفسخ والتعويض، فالتعويض إن كان مقابل ما فات الدائن من ربح، فظاهر أنه لم يثبت في ذمته ثبوتًا ماديًا قاطعًا، فهو على هذا ربا أو شبهة ربا حرمها الشرع الإسلامي، وأما إن كان التعويض مقابل ما لحقه من خسارة، فالفسخ بحد ذاته جزاء كاف في تعويضه عنه، كما أن القاعدة الشرعية أن "الخراج بالضمان" تقتضي أن من انتفع بشيء فليس عليه أن يدفع مقابل انتفاعه به مادام أنه يضمن هلاك ذلك الشيء، كما يرى الحنفية عدم ضمان المنافع مطلقًا، انظر: محمد أحمد السرخسي، المبسوط، مرجع سابق، ح 11، ص79، تبيين الحقائق للزيلعي، مرجع سابق، جـ5، ص234، ولكن إذا كان الفسخ قد تسبب في ضرر، ولم يكن فسخ العقد جزاء كافيًا له، فإنه لا مانع في الفقه الإسلامي من جواز التعويض عنه، وهو ما عبر عنه الفقه الإسلامي بتعويض منفعة انعقد سبب وجودها حيث أجازوا التعويض عن المنفعة إذا انعقد سبب وجودها، إذا طالب به المضرور، واعتبروا تفويت تلك المنفعة من قبيل الإتلاف المادي، والإتلاف كما هو معروف سبب من أسباب الضمان (التعويض)، واعتبروا أن تفويت المنفعة التي انعقد سبب وجودها، يترتب عليه الضرر، وقواعد الشريعة تقضى بالتعويض عن الضرر، وقاسوا ذلك على تعويض منافع المغضوب، ويكون للقاضي سلطة تقديرية في تقدير ذلك التعويض، انظر: د. ناصر بن محمد الجوفان، التعويض عن تفويت منفعة انعقد سبب وجودها، مجلة البحوث ا لفقهية المعاصرة، العدد 65 السنة 17 شوال- ذي القعدة – ذي الحجة 1425هـ، ديسمبر 2004- يناير- فبراير 2005م، ص130، د. طلبه خطاب، أحكام الالتزام في الشريعة والقانون، مرجع سابق، ص75، د. محمد عبد المنعم حبشي، التعدي على المنافع في الشريعة والقانون، مكتب الرسالة، القاهرة، 1998م، 1999م، ص333، د. محمد زكي عبد البر، المرجع السابق، ص65، وبتطبيق ما سبق على فسخ العقد نجد أن الدائن بإخلال المدين بتنفيذ التزامه وتسببه في زوال العقد، قد أدى إلى تفويت منافع العقد المقرره للدائن انعقد سبب وجودها وهو وجود العقد السابق، فلذا لزم التعويض عن ذلك، لاسيما أن الفسخ قد لا يكون كافيًا لرفع ضرر تفويت المنفعة السابقة.

([45]) د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص532.

([46]) د. مطهر علامة، المرجع السابق، ص298.

([47]) د. عبد المنعم الصدة، المرجع السابق، ص407.

([48]) انظر: د. عبد الفتاح عبد الباقي، المرجع السابق، ص639، د. عبد الوهاب الرومي، المرجع السابق، ص522.

([49]) د. مطهر علامة، المرجع السابق، ص295.

([50]) جلسة 24/3/1966م، السنة 17، د. محمد شتا أبو سعد، ص1030.

([51])  انظر: د. عبد الرازق السنهوري، الوسيط، مرجع سابق، ص976، د. توفيق حسن فرج، المرجع السابق، ص333.

([52]) الطعن رقم 1304 لسنة 48ق، جلسة 31/12/1981م، انظر د. أنور طلبه، المرجع السابق، ص661.

([53]) د. حمدي عبد الرحمن، الوسيط، مرجع سابق، ص635.

([54]) د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص523.

([55]) د. حسن على الذنون، المرجع السابق، ص263.

([56]) د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص530.

([57]) انظر: د. سمير تناغو، المرجع السابق، ص175، د. عبد الرازق السنهوري، الوسيط، مرجع سابق، ص977، د. جميل الشرقاوي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص402، د. أحمد شرف الدين، المرجع السابق، ص440.

([58]) د. عبد المنعم الصدة، المرجع السابق، ص407.

([59]) انظر: د. عبد الرازق السنهوري، الوسيط، مرجع سابق، ص977، د. مطهر علامه، المرجع السابق، ص316.

([60]) انظر: د. فيصل ذكي عبد الواحد، المرجع السابق، ص238، د. محمود عبد الحكم الخن، المرجع السـابق، ص190، د. ثروت فتحي إسماعيل، المرجع السابق، ص419 هناء خيري، المرجع السابق، ص291.

([61]) انظر: د. أحمد محمود سعد، المرجع السابق، ص483، د. محمد حسين الشام، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص330، د. حسن العنسي، المرجع السابق، ص206.

([62]) الحكم رقم 5 لسنة 1424هـ، جلسة 11/3/2003م، محكمة استئناف أمانة العاصمة، الشعبة المدنية الثانية، حكم غير منشور.

([63]) القضية رقم 80 لسنة 1412هـ، جلسة 11/5/1993م، المحكمة التجارية الثانية بصنعاء، حكم غير منشور.

([64]) القضية رقم 136 لسنة 1422هـ، جلسة 27/1/2004م، المحكمة التجارية الثانية بأمانة العاصمة، حكم غير منشور، وبالرجوع إلى الفقه الإسلامي نجده كما سبق يقرر الأثر الرجعي للفسخ وبأنه رفع للعقد من أصله؛ ولذا يلزم عودة المتعاقدين إلى ما قبل العقد وهذا لا يصدق إلا برد كل من المتعاقدين ما أستلمه، وتطبيقًا لذلك قرر الفقهاء في الفسخ بخيار العيب، وجوب إرجاع المشتري للمبيع المعيب بذاته إلى البائع، وبالتالي ارجاع البائع ثمن تلك العين إلى المشتري، وبهذا يتم تحقيق رفع العقد من أصله، انظر: بـدائع الصنائع للكاساني، مرجع سابق، جـ5، ص289، التاج المذهب للعنسي، مرجع سابق، جـ2، ص430، أما بالنسبة لثمار المردود وفوائده، فإنه وبلا شك لا يجوز ارجاع البائع لفوائد الثمن لأن هذا ربا محرم، انظر: د. عبد الله العلفي، المرجع السابق، ص555، أما ثمار العين (المبيع مثلا) فإذا كانت تلك الثمار منفصلة غير متولدة فهذه تكون للمشتري؛ لأنه سيضمنها إن حصل لها تلف حسب قاعدة (الخراج بالضمان)، أما الثمار المنفصلة المتولدة مثل نتاج المواشي، وثمار الأشجار، واللبن والصوف، فيجعل البعض اللبن والصوف للمشتري ونتاج الحيوان للبائع، انظر: حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، جـ5، ص9، بداية المجتهد لابن رشد، مرجع سابق، جـ2، ص207، المغنى لابن قدامة، مرجع سابق، جـ4، ص239، التاج المذهب للعنسي، مرجع سابق، جـ2، ص427، ويرى بعض الفقه الحديث أنها كلها للمشتري تعويضًا عن فوائد الثمن في القانون، انظر: د. حسن علي الذنون، المرجع السابق، ص274، د. عبد الله العلفي، المرجع السابق، ص559، د. محمود عبد الحكم الخن، المرجع السابق، ص258، كما أنه إذا استحال الرد فإنه يحكم بالضمان على أساس ضمان اليد لا العقد أي المسئولية التقصيرية، انظر: المجموع شرح المهذب للنووي، مرجع سابق، جـ9.

([65]) د. جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام، مرجع سابق، ص422.

([66]) انظر: د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، مرجع سابق، ص981، د. محمد إبراهيم دسوقي، المرجع السابق، ص172، د. عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، مرجع سابق، ص373.

([67]) جلسة 24/3/1966م، السنة 17، انظر: د. محمد شتا أبو سعد، ص1003.

([68]) معجم القانون، مرجع سابق، ص52.

([69])  انظر: د. سيف البلعاوي، المرجع السابق، ص354، د. عبد المنعم الصدة، المرجع السابق، ص408، د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص354، د. أحمد شرف الدين، المرجع السابق، ص443.

([70])  انظر: د. توفيق حسن فرج، المرجع السابق، ص335، سيف البلعاوي، المرجع السابق، ص355، د. عبد الحكم فوده، المرجع السابق، ص540.

([71]) انظر: د. أحمد السيد الصاوي، أثر الأحكام بالنسبة للغير، مرجع سابق، ص35، د. نبيل صابر فرج عيد، المرجع السابق، ص130، د. جميل الشرقاوي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص404.

([72]) الطعن رقم 894 لسنة 44ق، جلسة 9/1/1979م، انظر: د. أنور طلبة، المرجع السابق، ص663.

([73]) انظر: د. حمدي عبد الرحمن، الوسيط، مرجع سابق، ص639، د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، مرجـع سابق، ص982، د. توفيق حسن فرج، المرجع السابق، ص335.

([74])  انظر: د. محمد حسين الشامي، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص330، د. أحمد محمد سعد، المرجع السابق، ص776، د. جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني اليمني، ص422، د. محمد يحيى المطري، دور الحيازة في المنقول في القانون المدني المصري واليمني، دراسة مقارنة، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، ص208، وبالرجوع إلى الفقه الإسلامي نجد أن مشكلة أثر الفسخ بالنسبة للغير لا تكون موجودة؛ حيث أنه يشترط لجواز الفسخ أن يمكن إعادة الحالة إلى ما قبل العقد كما أن من موانع الفسخ في خيار العيب عدم التصرف في محل العقد للغير، انظر: فتح القدير لابن الهمام، مرجع سابق، جـ5، ص163، روضـة الطالبين للنووي، مرجع سابق، جـ3، ص473، شرح الأزهار لابن مفتاح، مرجع سابق، جـ3، ص112؛ لذا نجد أن حق الغير عندهم هو الذي يؤثر على وجود الفسخ لا العكس.



تعليقات