القائمة الرئيسية

الصفحات



التطليق بسبب سجن الزوج قراءة في العمل القضائي المغربي

 



التطليق بسبب سجن الزوج قراءة في العمل القضائي المغربي

 

الأستاذ هشام ملاطي:

طالب باحث بكلية الحقوق اكدال- الرباط-

- وحدة القانون المدني المعمق-

 

     نشرت جريدة العلم في عددها 19901 ليوم الأربعاء 4 شوال 1428 الموافق ل17 نونبر 2004 في صفحتها السادسة تساؤلا حول حكم يخص التطليق لضرر الزوجة من سجن الزوج، وجاء طرح السؤال على الصيغة التالية: " هل طلاق الزوجة للضرر بسبب سجن الزوج ينبني على حكم نهائي أم أن الطلاق للضرر يكون بعد الحكم الابتدائي او الاستئنافي؟".

    إن هذا السؤال بقدر ما يطرح لنا إشكالا قانونيا مهما حول مدى اشتراط المشرع المغربي للأحكام النهائية لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج فان الصيغة التي ورد بها تجعلنا نطرح تساؤلات أخرى سوف نعمل على اغناء النقاش وتوضيح بعض النقط القانونية خصوصا حول الأساس المعتمد من طرف القضاء من اجل قبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج؟ ومدى اعتداده بالأحكام الأجنبية القاضية بإدانة الزوج عند الحكم بالتطليق؟

                الفقرة الاولى: أساس دعوى التطليق بسبب سجن الزوج:

    *اولا: في ظل مدونة الاحوال الشخصية:

 حددت مدونة الاحوال الشخصية المغربية أسباب التطليق حصرا ضمن الفصول 53 إلى 58 لعدم الإنفاق، التطليق للعيب، التطليق للايلاء والهجر، التطليق للضرر، وأقصت التطليق بسبب سجن الزوج بعدما كان منصوصا عليه في مشروع مدونة الاحوال الشخصية من خلال المادة 57 و التي ورد فيها" لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية من ثلاث سنوات فاكثر ان تطلب الى القاضي بعد مضي سنة من حبسه، التطليق عليه بائنا للضرر ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه".

  امام غياب النص التشريعي رفض القضاء المغربي بداية قبول دعاوى التطليق بسبب سجن الزوج على اساس ان الفصل 57 من م ح ش لا يشمل السجين وان غيابه يعتبر عذرا قاهرا وغير اختياري(1) ، بل ابعد من ذلك ذهبت المحكمة الابتدائية ببني ملال في حكمها رقم 125/88 الصادر بتاريخ 6/3/1989 الى ان غياب الزوج عن بيت الزوجية واخلاله بالمساكنة الشرعية هو سبب غير كاف للحكم بتطليق الزوجة من زوجها للضرر اذ جاء في احدى حيثياته:" ان حبس المدعى عليه مدة أربع سنوات ليس بالامر الشاق على المدعية خصوصا وقد قضى منها المدعي حوالي سنتين تقريبا ولم يبقى الا سنتين مما يجعل طلبها غير مبرر بالشكل الكافي و المنسجم مع مقتضيات الفصل 56 مما يتعين معه التصريح بعدم قبوله" الا ان اتجاه القضاء المغربي في أواخر الثمانينات بدا يلين الى حد ما ويعتبر سجن الزوج مبررا للتطليق رغم الاختلاف بين المحاكم في اعتماد الاساس ما بين الضرر و الغيبة.

              أ)- الضرر كاساس لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج: لم يحدد المشرع المغربي مفهوما تابتا للضرر مما جعل القضاء يتمتع بسلطة تقديرية في تحديده تماشيا مع توسع الفقه المالكي في مفهوم الضرر الذي يلحقه الزوج بالزوجة وما يخول لها من حق في طلب التطليق، فقد ورد عن الامام مالك:" وليس عندنا في قلة الضرر وكثرته شيء معروف" مما حدا بالقضاء الى اعتماد الضرر كاساس لقبول دعوى التطليق بسب سجن الزوج طبقا للفصل 56 من مدونة الاحوال الشخصية(2).

              ب)- الغيبة كاساس لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج: ذهب هذا الاتجاه القضائي الى اعتماد الغيبة كاساس لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج طبقا للفصل 57 من م ح ش اذ جاء في قرار للمجلس الاعلى( غرفة الاحوال الشخصية) عدد 881 بتاريخ 21/7/1992" ان الطاعن لما كان غائبا بمقتضى حكم جنائي قضى عليه بعشر سنوات سجنا، وقد بنت المدعية مقالها على طلب التطليق للضرر الحاصل لها من هجرها وهجر فراشها وعدم الانفاق عليها فان محكمة الاستئناف لما قضت بتاييد الحكم الابتدائي بالتطليق لثبوت الضرر بالغيبة حسب الحكم النهائي عدد....... تكون قد طبقت الفصل 57 من المدونة مم يجعل قرارها معللا تعليلا سليما".(3)

   هكذا يظهر لنا ان التطليق بسبب سجن الزوج قد اختلف اساسه في العمل القضائي نتيجة سكوت م ح ش مما جعل الاستاذ " عبد المجيد اغميجة" يرى بشان هذا الاختلاف انه يبقى في جميع الاحوال اجتهادا في الموضوع من طرف القضاء سواء من حيث غيبة الزوج القسرية نتيجة السجن او من حيث ضرر السمعة الذي يلحق الزوجة من جراء سجن الزوج، كما ذهب الى امكانية اعتباره الاخذ من الاحكام الفقهية من غير المذهب المالكي او من التشريعات العربية التي تخول لزوجة السجين طلب التطليق كالقانون المصري( المادة 14 من ق ح ش) ، و المشرع السوري ( المادة 129 من ق ح ش) والمشرع الجزائري( المادة 53 من قانون الاسرة)(4).

                  * ثانيا: في ظل مدونة الأسرة الجديدة:

 ان مسالة اختلاف الاساس الذي ينبغي ان ينبني عليها التطليق لسجن الزوج قد وجدت حلها بصدور مدونة الاسرة الجديدة التي نصت في مادتها 106 على ان :" اذا حكم على الزوج المسجون باكثر من ثلاث سنوات سجنا او حبسا جاز للزوجة ان تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله، وفي جميع الاحوال يمكنها ان تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله"، ونرى ان ادراج هذه المادة ضمن الفرع الثالث المخصص للغيبة تبرز وبجلاء نية المشرع في اعتماد الغيبة كاساس عند التطليق بسبب سجن الزوج، كما انه عند الرجوع الى الدليل العملي لمدونة الاسرة الذي هو بمثابة المرجع لتقريب المفاهيم وتوحيد التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة نجده ينص عند شرحه للمادة 106 على ما يلي:" اذا صدر على الزوج حكم نهائي بالحبس او السجن اكثر من ثلاث سنوات جاز لزوجته ان تطلب التطليق بسبب ذلك بعد انصرام سنة من اعتقاله، و العبرة في ذلك هو تضررها من بعده عنها، ولم يفرق المذهب المالكي بين البعد الاختياري و البعد القهري او القسري، كالاعتقال و السجن لان العبرة في ذلك هو تضرر الزوجة من البعد عنها". 

 وتجدر الاشارة الى ان اعتبار الغيبة كاساس للتطليق بسبب سجن الزوج ينتج عنه حسب مقتضيات المادة113 من مدونة الاسرة الجديدة استثناء اجراءات محاولات الصلح في حالة التطليق بسبب سجن الزوج لكونها مندرجة ضمن حالة الغيبة من جهة، ولتعذر اجراء الصلح فيها في الغالب من جهة ثانية(5) ،كما ان التطليق يكون بائنا قياسا على حالة الغيبة وصريح المادة 57 من مشروع مدونة الاحوال الشخصية.

        الفقرة الثانية: الحكم او القرار المعتمد به من اجل قبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج:

 ان قبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج يجد مناطه في وجود حكم او قرار يقضي بادانة الزوج عن فعل جرمي مغين يكون قد اقترفه، الا ان هناك سؤالين اساسيين يفرضان نفسهما بقوة لدى الباحث عند دراسته لمقتضيات المادة 106 من مدونة الاسرة، ولدى القاضي عند بثه في نازلة معروضة عليه تتعلق بالتطليق بسبب سجن الزوج هما:

-          هل تطليق الزوجة بسبب سجن الزوج يتطلب وجود حكم نهائي يقضي بادانة الزوج؟ 

-          هل يشترط في الحكم او القرار القاضي بادانة الزوج ان يكون صادرا عن هيئة قضائية مغربية، ام يعتد حتى بالحكم الاجنبي؟

الجزء الثاني

" التطليق بسبب سجن الزوج قراءة في العمل القضائي المغربي:"

 

الأستاذ هشام ملاطي:

طالب باحث بكلية الحقوق اكدال- الرباط-

- وحدة القانون المدني المعمق-

 

    *اولا: الحكم او القرار النهائي كشرط لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج:

   لقد ذهبت المحكمة الابتدائية بمراكش في حكمها رقم 1410 الصادر بتاريخ 26/6/1989 في القضية عدد 1869/88 الى عدم قبول طلب التطليق للضرر من الزوج السجين لعلة ان الزوجة لم تدلي بما يثبت ان الاحكام الصادرة بحق الزوج اصبحت نهائية وغير قابلة للطعن(6)، ونحن بدورنا نعزز هذا الاتجاه للاسباب التالية:

           أ)- ان التنصيص على التطليق بسبب سجن الزوج ضمن مدونة الاسرة الجديدة يجد في حقيقة الامر اصله في المادة 57 من مشروع مدونة الاحوال الشخصية قبل حذفها من الصيغة النهائية للمدونة، والتي كانت تشترط في الحكم القاضي بادانة الزوج بعقوبة مقيدة للحرية ان يكون نهائيا وذلك حسب الصيغة التالية:" لزوجة المحبوس المحكوم عيه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية من ثلاث سنوات فاكثر ان تطلب من القاضي بعد مضي سنة من حبسه التطليق عليه بائنا للضرر ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه" في حين اغفل المشرع المغربي التنصيص على هذا الشرط ضمن مدونة الاسرة الجديدة.

          ب)- نظرا للاهمية البالغة لقضايا الاسرة باعتبارها الاساس المتين لاي مجتمع عملت وزارة العدل على اصدار دليل عملي لمدونة الاسرة تلبية للتوجيهات الملكية السامية فصد ايجاد ارضية متينة لتطبيق القضاة لاحكام مدونة الاسرة وفق الروح التي ابتغاها المشرع في الحفاظ على التعايش الاجتماعي و الاستقرار الاسري، حيث ذهب الدليل اثر شرحه لمقتضيات المادة 106 من مدونة الاسرة الجديدة- رغم عدم الزاميته- الى اشتراط الحكم النهائي لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج.

         ج)- عمل قانون المسطرة الجنائية الجديد النافذ ابتداء من فاتح اكتوبر 2003 على الاعتراف صراحة بقرينة البراءة، اذ جاء في مادته الاولى بان" كل متهم او مشتبه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية". وهكذا فان افتراض البراءة في المتهم يعتبر بقوة القانون وصفا ملازما له خلال جميع المراحل التي تجتازها التهمة، ولا يزول هذا الوصف الا بحكم الادانة الحائز لقوة الشيء المقضي به(7). ومن ثم كان لزاما اشتراط الاحكام النهائية لقبول دعاوى التطليق بسبب سجن الزوج احتراما لقرينة البراءة وتجنبا للاخطاء القضائية، وحفاظا على كيان المؤسسة الاسرية.

                      ثانيا: الجهة المصدرة للحكم القاضي بسجن الزوج:

   ان الحكم القاضي بفرض عقوبة مقيدة لحرية الزوج يعتد به عند البث في دعوى التطليق بسبب سجن الزوج سواء كان صادرا عن هيئة قضائية مغربية او اجنبية وسندنا في ذلك:

       أ)- اعتماد مقتضيات الفصل 418 من ق ل ع المغربي التي تنص على ان الاحكام الصادرة من المحاكم المغربية او الاجنبية يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ ان تكون حجة على الوقائع التي تثبتها ، وهذا ما اكده المجلس الاعلى في قراره عدد 452 في الملف الشرعي عدد 257/2/1/2002 والصادر بتاريخ 15/10/2003 حيث جاء في احدى حيثياته: " .....وبالتالي فان المحكمة باستبعادها الحكم الاجنبي المذكور لاثبات دعوى الطالبة تكون قد خالفت مقتضيات الفصل 418 من ق ل ع مما يجعل قرارها معرضا للنقض"(8).

      ب)- اعتراف الاجتهاد القضائي المغربي بان مضمون الحكم الاجنبي يشكل وقائع مادية يعتمد عليها في اثبات الوقائع المتنازع حول صحتها، وهذا ما ذهب اليه قرار المجلس الاعلى عدد 988 في الملف الشرعي عدد 98/1/2/482 والصادر بتاريخ 18/10/2000 عندما اعتمد الحكم الجنحي الصادر عن القضاء الفرنسي والقاضي بادانة الزوج بسنتين سجنا نافذا من اجل الاتجار في المخدرات كاساس لقبول دعوى التطليق للضرر مؤكدا ان مضمون هذا الحكم يشكل وقائع مادية يعتمد عليه في إثبات الضرر للتطليق(9).

    اقول قولي هذا بين بداية المجتهد و نهاية المقتصد، راجيا من الله العزيز ان اكون قد لامست الصواب عند دراسة هذا الموضوع او على الاقل فتحت بابا للنقاش من اجل تبادل الاراء ووجهات النظر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- يراجع الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بتاريخ 13//2/1985 اورده الاستاذ عبد المجيد اغميجة في اطروحته:" موقف المجلس الاعلى من ثنائية القانون والفقه في الاحوال الشخصية" ص 218 الهامش 560.

2- يراجع بصدد هذا الموقف القضائي:

+حكم ابتدائية الصويرة عدد 47 بتاريخ 3/2/1992 منشور بمجلة المحامي عدد 25-26 ص 181

+ حكم ابتدائية مراكش عدد 896 بتاريخ 12/4/1993 منشور بمجلة المحامي عدد 25-26- ص 183.

+ حكم ابتدائية طنجة عدد 500 بتاريخ 5/5/1993 منشور بمجلة الندوة عدد11 السنة 1996

+ قرار المجلس الاعلى عدد 973 بتاريخ 18/10/2000 في الملف الشرعي عدد 400/2/1/98 عبد العزيز توفيق قضاء المجلس الاعلى في الاحوال الشخصية والعقار ص 376-377.

+ قرار المجلس الاعلى ( غرفة الاحوال الشخصية) عدد 594 بتاريخ 27/7/1993 منشور بمجلة المحامي عدد 25-26 ص 232.

+قرار المجلس الاعلى 988 بتاريخ 18/10/2000 في الملف الشرعي عدد 482/2/1/1998 عبد العزيز توفيق المرجع السابق ص 385 الى 387

+ قرار المجس الاعلى عدد 237 بتاريخ 27/3/2002 في الملف الشرعي عدد 56/2/1/2002 عبد العزيز توفيق – المرجع السابق- ص 456 الى 458.

3- اورده الاستاذ إدريس بلمحجوب في مؤلفه الاجتهاد القضائي في مدونة الاحوال الشخصية ص 43-44 

4- يراجع راي الاستاذ عبد المجيد اغميجة – المرجع السابق- ص 220 و 221.

5- يراجع المقتضيات الجديدة لمدونة الاسرة من خلال اجوبة السيد وزير العدل والسيد وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية من الاسئلة و الاستفسارات المثارة اثناء مناقشة مشروع المدونة امام مجلسي البرلمان – منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية    و القضائية- سلسلة الشروح و الدلائل- العدد 4-2004 الطبعة الاولى ص 139.

6- اوردت هذا الحكم الاستاذة فريدة بناني في رسالتها" تقسيم العمل بين الزوجين في ضوء القانون المغربي و الفقه الاسلامي- الجنس معيارا- سلسلة منشورات كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية- مراكش- رقم 9- 1992/1993 ص 240 الهامش 168.

7- يراجع: - الحبيب بيهي:" شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" الجزء الاول منشورات المجلة المغربية الادارة المحلية و التنمية- سلسلة مؤلفات و اعمال جامعية.

8- منشور مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 61- السنة 25- ص 69 الى 71.

9- منشور بمجلة قصاء المجلس الأعلى العددان 59و 60 السنة 24 الصفحات 178 الى 181. 

تعليقات