القائمة الرئيسية

الصفحات



المغارسة كسبب من أسباب التملك في العقار الغير المحفظ والمحفظ

 



المغارسة كسبب من أسباب
التملك في العقار الغير المحفظ والمحفظ

          

                                                               اعـــداد : ذ/ احمــد جدوي

رئيس المحكمة الابتدائية بايمنتانوت

 

مقــدمـة :

 

إن تراثنا الاسلامي زاخر بكثير من القواعد الفقهية المنظمة للعديد من العقود المسماة يمكن اعتمادها في حل كثير من الإشكالات القانونية والقضائية كما يمكن ان تكون نواة لداسات وابحاث جامعية خصوصا إذا بذلت جهود لجمعها من مصادرها التي تشتت فيها .

ومن ضمن العقود المسماة التي تناولها الفقه الإسلامي بالدرس والتدقيق العقود المنظمة للتعامل في الميدان الفلاحي وهي :

عقد المزارعة ، وعقد المساقاة ، وعقد المغارسة .

ويعد هذا الأخير الذي هو موضوع هذا العرض أشهر هذه العقود وأهمها لما يترتب عليه من آثار أبرزها اكتساب الغارس لجزء من العقار والأشجار مقابل قيامه بعمله.

وهو عقد فلاحي لكونه لا ينصب على سوى العقارات الفلاحية ، وكثير الوقوع في الحياة العملية ، والعمل جار به في أوساط الفلاحين ، والإقبال عليه كثير لكون المغارسة تكسب الغارس ملك جزء من الأشجار والأرض التي غرسها ويصبح من أصحاب الأرصدة العقارية الفلاحية بفضل عمله وكده.

ولما لعقد المغارسة من أهمية وما يطرحه من إشكالات وتساؤلات فإنني سأتناوله ضمن المحاور الآتية :

1)-  تعريفه وشروطه وتكييفه القانوني

2)- المغارسة في العقار العادي

3)- المغارسة في العقار في طور التحفيظ

4)- المغارسة في العقار المحفظ

5)- المغارسة في الأراضي الفلاحية الخاضعة لعملية ضم  الأراضي

6)- المغارسة في أراضي الاحباس

7)- الشفعة في المغارسة

8)- المغارسة الفاسدة وقواتها بالعمل

9)- النزاعات التي يثيرها عقد المغارسة أمام القضاء

تعريف عقد المغارسة وشروطه وتكييفه القانوني :

 
 


1)-

 

عرف فقهاء الشريعة الإسلامية عقد المغارسة بأنه عقد على تعمير أرض بشجر بقدر معلوم كالإجارة أو كالجعالة أو بجزء من الأصل وهذا الحد يجمع أصنافها الصحيحة والفاسدة.

 

 

ومعنى التعريف المذكور أن عقد المغارسة هو اتفاق طرفين على أن يدفع أحدهما أرضه الفلاحية البيضاء إلى آخر ليغرسها بنوع أو عدة أنواع من الأشجار مقابل جزء من الأشجار والأرض كالثلث أو الربع يستحقه العامل عند إثمار الأشجار أو بلوغها طولا معينا أو مرور مدة محددة لا يمكن أن تتجاوز حد إثمار الأشجار ويسمى الغارس عاملا ، ومالك العقار رب الأرض.

وعقد المغارسة شبيه بعقد الإجارة لكونه لازما لمالك الأرض بمجرد العقد وجواز تحديده بالأجل ، كما أنه شبيه بعقد الجعل الذي هو في الاصطلاح القانوني الحديث عقد إجارة الصنع ، لكون الغارس لا يستحق شيئا إلا بعد إتمامه للعمل.

وتكون الأغراس في عقد المغارسة مقدمة من طرف العامل (الغارس) ولكنه أي عقد المغارسة يتميز عن العقدين المذكورين بأن قيمة العمل هي جزء من الشجر والأرض وصيرورة الغرس مالكا في الأرض التي غرسها فينتقل من عامل إلى مالك شريك لرب الأرض ولذلك اعتبره الفقهاء بأنه عقد شركة ولعلهم اعتبروه كذلك بحسب المآل أو بتعبيرهم المشهور " باعتبار ما سيكون ".

ولذلك أجاز بعضهم للغرس بيع نصيبه في الأرض والشجر ولو قبل إتمام العمل فما هو التكييف القانوني لهذا العقد أو بعبارة أخرى ما هي نصوص قانون الالتزامات والعقود التي يمكن تطبيقها على هذا العقد.

من خلال استقراء قانون الالتزامات والعقود يبدو ان العقد يمكن تأطيره في إطار عقد المقاولة الذي عرفه الفصل 760 من ق.ل.ع. بقوله :

" مقاولة البناء وغيرها من العقود التي يقدم فيها العامل أو الصانع المادة تعتبر بمثابة إجارة على الصنع ".

ولا شك أن عقد المغارسة يقدم فيها العامل المادة التي هي الأغراس ويمكن أن يطبق على هذا العقد كثير من النصوص المنظمة لعقد إجارة الصنعة وكثير ما نرى في عقود مقاولات البناء أن المقاولين يتفقون مع أصحاب الأراضي على تجهيزها أو بنائها مقابل جزء منها وهو ما يشبه المغارسة التي يكون فيها أجر الغارس جزءا من الشجر والأرض.

واشترط الفقهاء لصحة عقد المغارسة توفر خمسة شروط إذا اختلت أو اختل واحد منها اعتبر العقد فاسدا يفسد إن اطلع عليه قبل إتمامه وتنفيذه وينتج أثره ان نفذ رغم فساده وسنتعرض لهذا الأثر في المحور التاسع المتعلق بالمغارسة الفاسدة وفواتها بالعمل.

وهذه الشروط هي :

1)- أن يكون العقد محدد المدة إما بمرور عدة سنةات أو بوصول الأشجار إلى طول معين أو بلوغها حد الإطعام والإثمار وتنتهي مدته في جميع الحالات بالإطعام أو الإثمار ولو حدد بمدة معينة أو بطول معين فوصلت الأشجار حد الإثمار قبل هذه المدة .

وإذا سكت العقد عن تحديد المدة فإن المغارسة تنتهي بإثمار الأشجار.

2)- أن يكون الجزء المشترط معلوما كنصف أو ثلث الأشجار والأرض فإن لم يتم تحديد الجزء الذي يستحقه الغارس عند إتمام عمله في العقد فإنه يعتمد على العرف لتحديد الجزء المستحق.

3)- أن يتم الإتفاق في العقد على الشركة في الشجر والأرض معا فإن تم الإتفاق على الاشتراك في الشجر فقط دون الإرض أو العكس أو الاشتراك في الغلة فقط إلى أن تفنى الأشجار أو تهلك اعتبر العقد فاسدا ، فإن سكت العقد عن النص على الشركة في الشجر والأرض اعتبرت الشركة فيهما معا.

أن تكون المغارسة فيما له أصل من شجر كنخل وتين وزيتون وتفاح ورمان ولا تصح في زرع وخضر التي موضوعها عقد المزارعة وليس المغارسة .

 

 

 

ولا يضر السكوت في العقد عن نوع الأشجار المهم هو أن يغرس الغارس أشجارا لها أصول كيفما كان نوعها.

 

5)- ألا يحمل العقد الغارس ما يثقل كاهله أو ما ليس في طاقته كاشتراط تنقية الأرض المحجرة من الأحجار أو قلع ما فيها من أشجار كثيفة أو أي حمل يكلف أموالا باهظة تفوق قيمتها ما سيؤول إلى الغارس من  الأشجار والأرض تحقيقا للتوازن بين طرفي العقد .

وبذلك فإن المغارسة تنتهي بنجاح الغارس في رعاية الأشجار إلى حين إثمارها أو بلوغها طولا معينا أو مرور المدة المتفق عليها ، وبانتهاء مدة المغارسة يصبح الغارس مالكا على الشياع في الأرض والشجر بجزء معين مع رب الأرض وله إن شاء أن يطلب إجراء القسمة معه أو البقاء على الشياع.

فإن لم ينجح الغارس في إتمام الغرس ورعايته إلى حين الإثمار أو مرور مدة معينة حق له بحسب أقوال الفقهاء إعادة عملية الغرس إلى أن ينجح.

وهذا ما لا يتفق فيه مع الفقهاء لما فيه من إجحاف بصاحب الأرض فليس من العدل أن يفشل الغارس في عمله ويعيده عدة مرات ويحرم صاحب الأرض من أرضه واستغلالها سيما إذا كان الفشل راجع إلى تهاون الغارس.

وعليه فالصواب في نظري المتواضع هو تحديد المغارسة بمدة معينة تكون كافية لإثمار الشجر فإذا تمت المدة ولم يتم الغرس عمله حق لرب الأرض طلب الفسخ مع مطالبته بالتعويض طبقا للفصل 737 من ق.ل.ع. وهو ما يوافق قول خليل " وضمن أن فرط " وإذا لم يحدد للغارس في العقد أية مدة طبقت مقتضيات الفصل 763 من ق.ل.ع. التي تخول رب العمل الفسخ بعد إنذار أجير الصنع الذي أرجا تنفيذ العقد أكثر من المدة المعقولة أو ما طل في التسليم .

ونص الفقهاء أيضا على إمكانية إسناد الغارس أعمال الغرس إلى شخص آخر بجزء معين من نصيبه ما لم يختر رب الأرض القيام بذلك بنفسه ، ونرى ألا يسمح للغارس بإسناد أعمال الغرس إلى شخص آخر إلا بإذن رب الأرض ، فإن رفض هذا الأخير الإذن في ذلك خير الغارس بين إتمام العمل بنفسه أو فسخ العقد وإرجاع الأرض إلى صاحبها ، وهو حكم مشابه لما جاء في الفصل 736 من ق.ل.ع. الذي ينص على عدم جواز إسناد العمل للغير ما دام لرب الأرض مصلحة في أن يؤدي الأجير بنفسه التزامه.

نعم يجوز للغارس إسناد العمل إلى غارس آخر مقابل أجر دون إشراكه في الأرض والشجر قياسا على المقاول الفرعي المنصوص عليه في الفصل 780 من ق.ل.ع. الفقرة الثانية .

 

2)- المغارسة في العقار العادي :

 

لم يكن الفقه الإسلامي يعرف من الأنظمة العقارية سوى العقار العادي أما نظام العقار في طور التحفيظ والعقار المحفظ فقد دخلا إلى المغرب مع دخول الاستعمار إليه .

ولذلك فإن المهد الأصلي للمغارسة هو العقار العادي الذي بمجرد إبرام العقد يحوزه الغارس ليعمل على غرسه وتعهد هذا الغرس بالسقي والعلاج إلى غير ذلك مما يحتاجه إلى حين بلوغه الحد المتفق عليه فيصبح مالكا لجزء من الأغراس والأرض على الشياع مع رب الأرض. أو فشله في مهمته وعجزه عن القيام بعمله ، فيخرج خاوي الوفاض ويسترد صاحب الأرض أرضه.

وفي حالة انتقال العقار محل المغارسة قبل تمامها بطريق من طرق التفويت إلى مالك آخر فإنه ينتقل مثقلا بحق المغارسة أي أن حق الغارس يبقى معلقا بالعقار كحق تبعي .

 

 

وبما أن العقار يكون في حيازة الغارس فإنه يثور سؤال حول الطريقة التي يمكن بها تسليم العقار إلى المالك الجديد المفوت إليه هل يكفي في ذلك رضى الطرفين في العقد وإحالة المالك الجديد  على الغارس ليتابع معه تنفيذ عقد المغارسة أم لا بد من التسليم الفعلي وإحلال المشتري في المبيع وهو شيء لا يتأتى مع وجود العقار في حيازة الغارس؟.

أم نقول بأن تصرف رب الأرض في أرضه يتوقف على موافقة الغارس أو على مصير المغارسة كما يمكن طرح تساؤل حول ما إذا كان من حق صاحب الأرض أن يفوت العقار موضوع المغارسة كله أو من حقه أن يفوت فقط الجزء الذي ستسفر عنه المغارسة في حالة نجاحها .

في نظري المتواضع فإنه من الصعب قبول العقار موضوع المغارسة للتفويت قبل انتهاء المغارسة بدون موافقة الغارس، لأن وجود العقار بيد هذا الأخير يجعل تسليمه متعذرا ويمكن أن يكون هذا التسليم محل نزاع وقد نص الفقهاء على أن بيع ما فيه نزاع لا يجوز كما أن ملكية العقار أثناء المغارسة تكون مهددة وغير مستقرة لتوقفها على نجاح عملية المغارسة أو فشلها .

وإذا استحق العقار موضوع المغارسة من يدرب الأرض فما مصير المغارسة اتستمر مع المستحق للعقار أم تنتهي ويرجع الغارس على رب الأرض بقيمة غرسه ومواده أم يرجع بذلك على المستحق؟

اعتقد أنه ليس هناك ما يمنع من تطبيق مقتضيات الفصل 534 من ق.ل.ع. المتعلقة بضمان المبيع في حالة إتمام المغارسة وصيرورة الغارس مالكا لكون المغارسة تعتبر تفويتا أما قبل ذلك فيمكن تطبيق الفصول القانونية المنظمة للإجارة على الصنع في قانون الالتزامات والعقود.

 

3)- المغارسة في العقار في طور التحفيظ :

 

قد يكون العقار عاديا عند إبرام عقد المغارسة ، تم يقدم بعد ذلك مالكه مطلبا لتحفيظه أو تكون مسطرة التحفيظ جارية ويبرم عقد المغارسة أثناءها .

فهل من حق الغارس أن يقدم تعرضا على مطلب التحفيظ في الحالة الأولى ، وأن يقوم بإيداع عقد المغارسة وتقييده بسجل التعرضات في الحالة الثانية طبقا للفصل 84 من ظهير 12/08/1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري ، وهل يحق له كما يحق للمالك أن يتقدم إلى السيد المحافظ بمطلب التحفيظ مع العلم أنه لازال لم يتمم عمله ولم يصبح بعد مالكا ، ولا يرتب له عقد المغارسة سوى حق شخصي.

فما الحل إذن ليحافظ الغارس على حقه العيني الذي يصبح ملكا له بعد إتمام المغارسة لأنه من الممكن أن يحفظ العقار قبل انتهاء المغارسة فيواجه الغارس بمبدأ التطهير بالنسبة للحقوق السابقة على التحفيظ طبقا للفصل 64 من ظهير التحفيظ.

إن الحل في نظري يمكن أن يستمد من الفصل 84 من الظهير المذكور الذي يخول كل صاحب حق خاضع للإشهار نشأ على عقار في طور التحفيظ إيداعه بالمحافظة العقارية وتقييده بسجل التعرضات .

لأن الفصل المذكور عبر بصيغة النكرة التي تفيد العموم فقال : " حق خاضع للإشهار "  دون اشتراط أن يكون الحق عينيا وهو ما يسمح بإدخال الحق الشخصي الخاضع للإشهار ضمن مقتضيات الفصل المذكور.

ومن الحقوق الشخصية الخاضعة للإشهار حق الكراء طبقا للفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري ويمكن لصاحبه طبقا للفصل 84 إيداع عقد كرائه وتحويله إلى تعرض.

 

 

 

 

وإذا جاز تطبيق مقتضيات الفصل 84 بالنسبة للحق الشخصي للمكتري فمن باب أولى وأحرى تطبيقه على حق الغارس الذي وإن كان ابتداء حقا شخصيا فهو في النهاية حق عيني فهو أقوى من حق المكتري لقوة احتمال صيرورته حقا عينيا .

وبناء على ما جاء في الفصلين 84 و 65 الآنفي الذكر، يكون من حق الغارس قبل إتمام المغارسة تقديم تعرضه على مطلب التحفيظ  وممارسة الإيداع المنصوص عليه في الفصل 84.

غير أنه لا حق له في تقديم مطلب التحفيظ لأن نص الفصل 10 من ظهير التحفيظ لا يسمح له بذلك.

 

4)- المغارسة في العقار المحفظ :

 

إن السؤال الذي يفرض نفسه بالنسبة للعقار المحفظ هو إمكانية أو عدم إمكانية تسجيل حق المغارسة بالصك العقاري قبل صيرورة الغارس مالكا أو تقييده تقييدا احتياطيا .

وكذا إمكانية إبرام عقد المغارسة في عقار محفظ مع ترتب حق انتفاع عليه أو حق سطحية أو حق الكراء الطويل الأمد أو رهن رسمي.

فبخصوص تسجيل عقد المغارسة بالصك العقاري كحق عيني قبل إتمام الغارس لعمله نقول بأنه غير ممكن لأنه لم يكتسب بعد الحق العيني الذي يخوله ذلك .

أما بالنسبة للتقييد الاحتياطي للاحتفاظ بحقه إلى حين إتمامه لعمله وتحول حقه الشخصي إلى الحق العيني فإن مقتضيات الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري تسعف على القول بإمكانية ذلك والتي جاء فيها ما يلي :

" يمكن لكل من يدعي حقا في عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق".

فكلمة حق الواردة بصيغة النكرة تقيد العموم لأن النكرة إسم شائع في جنسه أي أن الحق كيفما كان نوعه عينيا أو شخصيا يجوز تقييده تقييدا احتياطيا .

وهذا ما ذهب إليه الأستاذ الكزبري في مؤلفه التحفيظ العقاري والحقوق العينية الجزء الأول ص 138 وما بعدما حيث قال :

" وإننا نؤيد الرأي القائل بعدم حصر نطاق التقييدات الاحتياطية بالحقوق العينية المترتبة على عقار محفظ بل نرى وجوب اعتبار نطاقها عاما شاملا على حد سواء ، الحقوق العينية والشخصية منبهين إلى أن مجال تطبيقها العملي يدور أكثر ما يدور حول الحقوق الشخصية القابلة لأن نتحول بعد تسجيلها إلى حقوق عينية ".

وقد أشار في مؤلفه المذكور إلى قرار محكمة النقض الفرنسية التي ذهبت فيه نفس الاتجاه إبان الحماية.

وعليه فإن من حق الغارس أن يتقدم بطلب التقييد الاحتياطي إلى السيد رئيس المحكمة وإلى السيد المحافظ  بناء على مقال الدعوى للاحتفاظ المؤقت بهذا الحق فإذا أتم عمله تحول حقه الشخصي إلى الحق العيني وسجل بالصك العقاري بالرتبة التي كانت له في تاريخ التقييد الاحتياطي وإن أخفق في إتمام عمله شطب على التقييد الاحتياطي.

لكن التقييد الاحتياطي لا يمكن أن يفيد في المحافظة على حق الغارس إلا إذا كان هناك نزاع معروض على القضاء لكون أمر السيد رئيس المحكمة بالتقييد الاحتياطي لا يتجاوز مفعوله ستة أشهر والمغارسة يمكن ألا تنتهي إلا بعد سنوات.

 

 

فهل يمكن في حالة عدم وجود مزاع تسجيل حق المغارسة كحق شخصي في الصك العقاري إلى حين تحقق شرط صيرورته حقا عينيا بإتمام الغارس لعمله تم يشطب على الحق الشخصي ويسجل الحق العيني؟ مع العلم أن تسجيل الحق الشخصي لا يمنع مالك العقار من تفويته ومن ترتيب أي حق عليه ، ولا يضمن للغارس ما يضمنه له التقييد الاحتياطي من أولوية الرتبة في الحق.

وفيما يرجع لإمكانية إبرام عقد المغارسة في عقار محفظ مثقل بحق انتفاع أو حق سطحية أو حق الكراء الطويل الأمد أو رهن رسمي فإنه يظهر أن عقده يتعارض مع الحقوق المذكورة .

 

وإذا وقع ونزل وأبرم عقد المغارسة في عقار محفظ مثقل بالحقوق المذكورة فإن من حق أصحاب الحقوق المذكورة المطالبة بفسخه قبل تنفيذه.

أما إذا نفذ ، فإنه يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 18 من ظهير 02/06/1915 في شأن الباني والغارس سيء النية وحسن النية ؟.

 

5)- المغارسة في الأراضي الفلاحية الخاضعة لعملية الضم :

 

لقد نص المشرع في ظهير 105-62-1 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض بأن الغاية من هذه العملية هي تحسين أساليب استغلالها بجمع وإعادة ترتيب القطع المبعثرة والمجزاة أو التي ليس لها شكل منتظم لتتكون منها أملاك موحدة الأطراف وأملاك محتوية على قطع أرضية  كبيرة ومنسجمة الشكل مضموم بعضها إلى بعض تساعد على الوصول إليها وريها وصرف المياه منها وبوجه عام تكون صالحة للاستفادة من التحسينات العقارية الممكن إدخالها عليها.

وابتداء من نشر إعلان ضم الأراضي يمنع على أرباب القطع الأرضية أو مستغليها أو كل شخص آخر يهمه الأمر تغيير حالتها بتنقيتها أو غرسها بأشجار ما عدا في حالة إذن مسبق.

وكل حق عيني رتبه المالك على القطع المضمومة غير الخدمات فإنه يجري على القطع الجديدة المكتسبة وعند الاقتضاء على الغبطة التي تنتج عن أعمال الضم.

ويكون لمكتري قطعة تم ضمها الحق  في الحصول من المكري إما على نقل مفعول عقد الكراء إلى القطعة المكتسبة برسم المعاوضة ، وإما إذا نجم عن أعمال الضم نقصان في حقوقه والعمل على فسخ بنود الكراء بدون تعويض فما موقع المغارسة من عملية الضم؟.

لا شك أنه ابتداء من نشر إعلان ضم الأراضي فإنه لا يجوز عقد المغارسة في شأن الأرض موضوع الضم.

لكن يبقى المشكل في حكمها إذا عقدت قبل الضم ثم جاءت عملية الضم قبل انتهاء المغارسة ، هل يعامل الغارس في هذع الحالة معاملة المكتري فتنتقل المغارسة إلى القطعة التي ستعطي لرب الأرض بعد انتهاء عملية الضم سواء كانت اقل أو أكثر ، أم تنتهي المغارسة بإجراء عملية الضم ويبقى من حق الغارس الرجوع على رب الأرض إذا كان عالما بأن الأرض مقبلة على عملية الضم ورغم ذلك أبرم معه عقد المغارسة لكونه سيء البنية هنا.

أرى أنه في حالة إبرام عقد المغارسة قبل الضم تم جاءت عملية الضم قبل انتهائها أن يعطي الخيار للغارس فإن شاء نقل عقد المغارسة إلى الأرض التي ستكون من نصيب المالك بعد الضم أو إذا كان ذلك سيضر به اعتبار عقد المغارسة قد فسخ بسبب خارج عن إرادته وإرادة الطرف الآخر وطلب قيمة ما أنجزه من العمل طبقا للفصل 776 من  ق.ل.ع.

 

 

 

 

6)- المغارسة في أراضي الحبس : 

 

عرف الفقهاء الحبس بأنه هو إعطاء منفعة الشئ مدة وجوده مع إبقاء رقبته في ملك المحبس

ويمنع على المحبس عليه تفويت الحبس بأي نوع من أنواع التفويت ما عدا في حالات استثنائية.

ولما كانت المغارسة تفويتا فإنه لا يجوز عقدها على أراضي الحبس وإن أبرمت فإنها تعتبر باطلة وإن نفذ العقد بإتمام الغارس لعمله فإنه يستحق قيمة اغراسه وعمله فقط ويخلى من العقار.

 

7)- الشفعة في المغارسة :

 

لقد اتفق الفقهاء على أن المغارسة تعتبر تفويتا وتجوز فيها الشفعة إذا تمت فإذا كانت الأرض مشتركة بين عدة أشخاص وأبرم احدهم عقد المغارسة في نصيبه المشاع وفإن من حق باقي الشركاء أخذ النصيب المذكور من يد الغارس بعد إتمام عمله مقابل قيمة الأغراس والعمل التي هي بمثابة الثمن .

كما أن للغارس إذا اصبح مالكا ان يشفع ما باعه رب الأرض .

واختلف الفقهاء حول ما إذا كان من الجائز للغارس ان يبيع حقه في الأرض قبل إتمام عمله فقال رأي بعدم جواز ذلك لأن ملكية الغارس لم تثبت بعد وان حقه ما هو إلا احتمالي وهذا الرأي هو الراجح.

ورأي ثان قال بجواز ذلك وهو في هذه الحالة إنما ينقل الى المشتري مجرد حق احتمالي بحيث لا يصبح المشتري مالكا ملكية تامة لما اشتراه إلا إذا نجح الغرس واطعمت الأشجار.

وتمشيا مع هذا الرأي الأخير فإنه إذا باع صاحب الأرض أرضه فإن العامل يستحق الشفعة سواء أتم عمله أم لا ؟ لأنه شريك يقيني في الحالة الأولى واحتمالي في الحالة الثانية غير أنه لا يحكم له بالشفعة في هذه الحالة الاخيرة إلا بعد إتمام عمله ، فإن لم يستطع إتمامه لم يحكم له بالشفعة .

فإن وقع البيع بعد إتمام المغارسة كان لصاحب الأرض الحق في الشفعة لأنه شريك مع العامل البائع على الشياع.

وإن وقع البيع قبل انتهاء المغارسة فإنه لا شفعة لصاحب الأرض بتعا للقول الذي يقول بعدم صحة البيع لأن العامل باع ما لا يملك.

وإن سايرنا القول الذي يجيز البيع قبل إتمام المغارسة فإن صاحب الأرض يستحق الشفعة ، ولكنها تبقى متوقفة على نجاح الغارس في عمله أو فشله ، فإن نجح ثبت البيع وتبعا له الشفعة ، وإن فشل فلا بيع ولا شفعة وحق للمالك استرداد أرضه والرجوع على المشتري بما دفعه ، كما لهذا الاخير الرجوع على الغارس.   ( انظر كتاب الشفعة ذ/ المزعراني ص 148 وما بعدها ).

 

ويبدو أن النقاش المذكور ليس ذا فائدة عملية ، لأن القضاء لا يقبل طلب الشفعة إلا إذا توفرت عدة شروط في الشفيع والمشفوع منه والبائع وهي لا تتوفر في الغارس في الحالة موضوع النقاش شفيعا كان او مشفوعا منه أو بائعا قبل إنجازه لعمله.

وعلى كل حال فهذه مجرد إشارة إلى الشفعة في المغارسة لا تكفي لتناول جميع جوانبها الواسعة التي تحتاج إلى دراسة معمقة لا يتسع لها سوى وقت الأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين .

 

 

 

8)- المغارسة الفاسدة وفواتها بالعمل أو التنفيذ :

 

إذا انعقدت المغارسة فاسدة وذلك باختلال شرط من شروطها الخمسة المذكورة آنفا ، كما إذا نص العقد على استحقاق الغارس للأشجار دون الأرض ، أو لغلتها دون أصولها وأرضها ، فإما أن يتم الإطلاع على هذا العقد الفاسد قبل تمامه فيفسخ أو لا يتم الإطلاع عليه إلا بعد تمامه وتنفيذه .

 

وقد اتفق الفقهاء على أن العقد الفاسد إذا تم تنفيذه فإنه ينتج أثرا غير أنهم انقسموا في شأن نوع هذا الأثر إلى ثلاثة آراء :

 

الأول : أن المغارسة تمضي لأنها بيع فاسد فاتت بالعمل وبلوغ الإثمار والإطعام ويستحق الغارس نصف الأرض والأشجار على أن يؤدي لصاحب الأرض نصف قيمة أرضه خالية من الأغراس وبقيمتها يوم العقد.

في حين يؤدي رب الأرض للغارس قيمة عمله وأغراسه في النصف الذي صار له إلى أن بلغ حد الإثمار ، كما يؤدي له أي للغارس أجرته من يوم بلوغ الأشجار حد الإثمار إلى يوم الحكم.

وقد أخذت المحكمة الابتدائية بمراكش بهذا الإتجاه في حكمها عدد : 1796/2001 الصادر بتاريخ : 25/04/2001 بعد أن ثبت لها أن المغارسة فاسدة لكون الطرفين اتفقا في العقد على اقتسام الغلة فقط إلى غاية 2006 دون الأشجار والأرض وقد تبنت المحكمة المذكورة الإتجاه المشار إليه في تعليلها ولم تفض به في منطوقها لكون الغارس لم يطلب شيئا وإنما رب الأرض هو الذي طلب فسخ عقد المغارسة لكون الغارس لم يقم بالتزامه .

 

الثاني : إنها بيع فاسد ، وعليه تكون الغلة كلها للعامل ، وعليه نصف قيمة الأرض يوم قبضها وكراء نصفها لربها وخير رب الأرض في نصف الغرس الذي صار له بين أن يعطي الغارس قيمته مقلوعا أو يأمره بقلعه .

إن للعامل قيمة غرسه وقيمة عمله إلى يوم الحكم والغرس كله لرب الأرض ولا شيء فيه للعامل .

وقد رجح الفقيه التسولي الرأي الأول .

ونظرا لما في الإتجاهين الأولين من تعقيد وصعوبة في التطبيق العملي لهما أحبذ الأخذ بالرأي الأخير لسهولته في التطبيق.

 

9)- النزاعات التي يثيرها عقد المغارسة أمام القضاء :

 

 يتخذ النزاع أمام القضاء في شأن المغارسة عدة أشكال فثارة يطرح كدعوى وثارة يطرح في صورة دفع .

فيتخذ شكل دعوى ترمي إلى فسخ عقد المغارسة ترفع من رب الأرض بسبب عدم قيام الغارس بعمله ، أو شكل دعوى القسمة ترفع من أحد الطرفين في العقد أو شكل دعوى الطرد يرفعها رب الأرض ضد الغارس باعتباره محتلا فيدفع بالحيازة المكسبة أو بأنه مغارس .

ومن ضمن قرارات المجلس الأعلى الصادرة في موضوع المغارسة القرار عدد : 1725 بتاريخ 23/11/83  والذي تتلخص وقائع نازلته في أن رب الأرض طلب الحكم على الغارس بإجراء

 

 

 

القسمة بعد إنتهاء مدة المغارسة، فدفع هذا الأخير بأن العقد فاسد لعدم تحديد مدة المغارسة ، كما دفع باكتساب الملكية لحيازته العقار مدة ثلاثين سنة .

فرد عليه المجلس الأعلى بأن المغارسة ليس من شروطها تحديد المدة وبأن حيازته لا تنفعه مهما طالت لمعرفة وجه مدخله إلى الأرض.

وبهذا يكون المجلس الأعلى قد طبق ما سبق أن قلناه من أن عقد المغارسة إذا لم تحدد فيه مدتها لا تفسد وتنتهي بإطعام الأشجار.

ومن القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بمراكش القرار عدد : 1003/98 بتاريــخ 01/12/98 الذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بإتجراء القسمة في المغارسة ورد طلب صاحب الأرض الرامي إلى فسخ المغارسة لعدم ثبوت إخلال الغارس بالتزامه اعتمادا على الخبرة المجراة في الموضوع.

 

وفي الختام اتمنى أن ينال هذا الموضوع الواسع المتشعب من اهتمام الباحثين والدارسين لأن ما تناولته منه ما هو إلا غيض من فيض لا يوفيه حقه من الدراسة والتمحيص.


تعليقات