القائمة الرئيسية

الصفحات



 


الحيازة وشروطها

 

قال الله عز وجل: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون} صدق الله العظيم سورة الأنبياء، آية 104 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحيا أرضا ميتة فهي له)). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعثمان وحذيفة عامليه على العراق: "انظرا لا تكونا حملتما الارض ما لا تطيق، اما لئن بقيت لأرامل اهل العراق، لأدعهن لا يحتجن لأمر بعدي".

 إن ارتباط البشر بالارض نشأ يوم وجد الانسان فوق هذا الكون، واصبح متعدد الجوانب والاطراف، تبعا لتعدد الأغراض والأهداف. لذلك كثر الجدال والنقاش منذ القديم، واصبحت الخصومات والنزاعات حول ملكية الأراضي واستغلالها، تكتسي طابعا يختلف من عصر لآخر. وفي المجتمع الإسلامي، منذ عهد الرسول(ص) والخلفاء الراشدين(ر) إلى الآن، كانت الأرض بجميع أنواعها محط الاهتمام من عامة المسلمين وخاصتهم، بما فيهم الولاة وكافة اولي الامر، والفقهاء والقضاة. وهذا الاهتمام بالأرض واستغلالها، انتج احكاما تختلف باختلاف الاراء يمكن القول بانها أغنت الفقه الاسلامي بالحلول المناسبة لكل حالة بعينها. وهكذا وجدت أحكام خاصة بملكية رقعة الارض وعينها، وأحكام تتعلق بحق المنفعة والاستفادة من ثمار تلك الأرض فقط. وتبعا لذلك تنوعت طرق اكتساب ملكية الارض بعينها ورقبتها او ملكية منفعتها، واكتساب ثمارها، والخيرات التي تستخرج منها، واصبحت الحيازة طريقة من طرق اكتساب الأصل أو استمرار حق المنفعة ووضعت من اجل ذلك نصوص خاصة لحماية هذه الحيازة.

         والحيازة التي ترتب اثر على الحقوق او تصبح حجة للحائزة مؤثرة على النزاع مكسبة الحق لصاحبها لابد فيها من توفر شروط وقواعد اعتنى الفقهاء ببحثها وتخصيصها، وحللوا احكامها بحسب كل نازلة  بعينها، حتى اثروا هذا الباب واصبح لا ينقصه الا العناية به، ونشره على كل المهتمين بشؤون الفقه والقضاء من اساتذة المعاهد والكليات وطلبتها، وحتى على القضاة في مختلف المحاكم والمتقاضين وهيئات المحامين، وإبرازه في شكل جديد يغري المهتمين بمثل هذه الدراسات من المعاصرين، ويضاف له ما استجد من آراء تبعا لما استجد من نزاعات وقضايا. وان إلقاء نظرة بسيطة على كتب النوازل ومدونات الاجتهادات القضائية تعطينا دليلا قاطعا على كثرة تشعب دعاوي الحيازة، ومدى العناية بفقهها واهتمام المتقاضين بدعاويهم حولها وذلك بالبحث عن كل ما يؤيد دعاويهم او يزكي دفوعاتهم بشانها من فتاوى قديمة وحديثة، وقرارات وأحكام كذلك، وهذا هو الذي حذا بالأستاذ الكبير عبد الرزاق السنهوري بان يقول: " فللحيازة شان كبير في الفقه الاسلامي وهي منتشرة في جوانبه يعوزها التجميع".

         وتجدر الإشارة في هذا الصدد الى ان المجلس الاعلى في حكمه المدني عدد 275 الصادر بتاريخ 18 ربيع الأول 1389 (4/6/1969) اعتبر اهمية الحيازة لما جعلها قرينة تدل على الملك بقوله: "حيث ان مسالة قرينة الحيازة تدل على الملك لا على اداء الثمن عند التبايع". وبذلك ادخلها ضمن القرائن الواقعية لاثبات التملك، واعتبرها كما هي لدى عدد من الفقهاء وسيلة من وسائل الشيء لحائزه. كما اعتبرها حجة قوية في الدعوى، ولو أدلى المدعى تأييدا لدعواه بما يثبت انه اشترى العقار المطلوب، وقرر بانه لا ينتزع الملك من يد الحائز بمجرد ادلاء المدعي برسم شرائه غير المبني على ملكية البائع له، (القرار عدد 271 في الملف المدني رقم 3326). كما قرر أهميتها في اثبات بعض التصرفات حتى بالنسبة لمن صدرت منه مصرحا بانه لا توجد التبرعات الا اذا توفر شرط صحتها، وهي الحيازة فقال: "حيث ان شرط صحة التبرعات هو ثبوت حيازة المتبرع عليه بما وقع التبرع به عليه قبل حدوث المانع للمتبرع" (ق 264 ملف الاحوال الشخصية والميراث ع 34237).

 ولشدة تمسك الحائزين بحيازتهم واعتقادهم بقوتها، وكثرة اهتمامهم بالاثار والنتائج التي تترتب عنها، تنوعت -تبعا لذلك النزاعات حولها، وتشعبت لدى مختلف طبقات المقاضين، حتى اختلطت دعاويها في أذهان بعضهم أحيانا بدعاوي الاستحقاق وكثر عرض تلك الدعاوي على المحاكم، بل عرضت حتى على غير القضاة من اعوان السلط الأخرى، واستفتي الفقهاء بشأنها في امور تعد في بعض الاحيان من بسيطة تافهة من حيث قيمتها المادية، وطلب منهم إبداء راي الفقه والشرع فيما عرض على غير القضاة من النزاعات حولها، من ذلك ان الفقيه العلامة الرهوني سئل عن رسم يتضمن "أن الشيخ محمد الزواق أمر ابن سليمان ان يرفع زربه الذبي هو على الزيتونة المتنازع فيها مع العربي المساري على وجه المخزن، وان لم يرفعه فحكم المخزن يلحقه والشريعة بينهما، بعد رفع الزرب المذكور عن الزيتونة المذكورة"، فأجاب رحمه الله: "إذا لم تكن الزيتونة المذكورة قبل النزاع في حوز العربي المذكور فيجب ان يبقى زرب ابن سليمان عليها، وتبقى الزيتونة بحوزه، ويكلف العربي باثبات ملكيته لها، فان اثبت ذلك بلا مطعن، وعجز ابن سليمان امر حينئذ بإزالة ما يضر بها وان لم يثبت ذلك فلا حظ له في الزيتونة، فضلا عن التكلم  في الزرب، وحكم (امر الشيخ لا عبرة به لكونه صادرا عن غير متولي الاحكام الشرعية. ( نوازل الوزاني  الجزء الرابع ص 208 مطبعة فاس الحجرية ).

الباب الأول:
 تعريف الحيازة أقسامها ومحلها
الفصل الأول: تعريف الحيازة

عرف الفقهاء الحيازة، بانها وضع اليد على عقار او منقول، وهذا التعريف باعتبار أثرها الخارجي الذي لا يمكن مع تصورها دون وجود حيازة مادية فعلية من طرف حائز قائم الذات، اما مباشرة او بواسطة؛ وبهذا الاعتبار تصبح وسيلة من وسائل الاثبات. كما عرفت من طرف رجال القانون المعاصرين بانها السلطة الواقعية والسيطرة الفعلية على منقول او عقار، او على حق عيني، او على منقول او على عقار؛ واشترط هؤلاء في الاعمال التي تنم عن تلك السيطرة او السلطة الا تكون من قبيل ما يأتيه المرء على انه مجرد عمل يباح القيام به عادة في اماكن عمومية كالتنزه في الحدائق العامة، والسير او الوقوف بالسيارات وغيرها في الطرقات العمومية او على جوانبها، او من قبيل ما يتحمله الغير على سبيل التسامح، كتحمل مالك ارض، مرور جاره لعقاره، لتعطل طريق الجار العادية. والمفروض ان كل حائز لعقار يحوزه لنفسه، الا انها تكون صحيحة بواسطة الغير، متى كان ذلك الغير يقوم بها باسم الحائز قانونا، يأتمر بامره، كوكيله والقائم بشؤونه. وتقع الحيازة صحيحة، ويكسب غير المميز بها العقار وغيره اذا وقعت بواسطة من ينوب عنه شرعا كولي الصغير ووصيه.

وان القول بعدم صحتها من فاقد الاهلية لعدم تأتي عنصر السيطرة المادية غير وجيه، وخاصة بالنظر الى التطور الحاصل على حق الملكية والدور المطلوب ان تقوم به في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية، ولما هو معروف من امكانية حيازة الشخص المعنوي بواسطة ممثله القانوني، الذي يتصرف باسمه ولصالحه.

الفصل الثاني: أقسام الحيازة

والحيازة إما استحقاقية واما عرضية ( تصرفية)، وسنتكلم على التصرفية اولا، ثم على الاستحقاقية ثانيا.

 أ‌-  الحيازة التصرفية: يمكن تعريفها بانها وضع اليد على العقار بطريقة قانونية والتصرف فيه باستغلال منفعته دون امكانية تملكه بتلك الحيازة، ولو طالت مدتها واستمر استغلالها. وابرز مجال للحيازة التصرفية، هو المجال الراجع لحيازة :

1-أراضي الجماعات: التي يجوزها ويستغلها افراد القبائل والجماعات المختلفة الساكنون بعين المكان، والمقيمون اقامة دائمة بتلك الجماعة او القبيلة. ويتم استغلال هذه الأراضي حسب النظام المحلي لتلك القبائل والجماعات والاعراف التقليدية المتبعة منذ اجيال ( يراجع ظهير 27 ابريل1919 مع تغييراته وتعديلاته).

 2-أراضي الكيش: الخاصة بالقبائل المعروفة بقبائل الكيش بالمغرب الموجودة خاصة بنواحي فاس، والقنيطرة، مراكش، بجهات اخرى بالجنوب المغرب. وكل من حاز عن طريق الجماعة او بواسطة قبيلة الكيش، قطعة ارضية راجعة لتلك الجماعة، او تخص هذه القبيلة، له حق التصرف فيها بالغرس والبناء البسيط وحفر الابار للسقي والشرب دون ما حق في تلك الرقبة، مالكا لما قام بإنشائه فوقها بما يعرف بالزينة. وهذه الحيازة لا تكسب حقا على عين العقار لصاحبها ولو طالت المدة واستمر التصرف ووضع اليد، طبقا للفصل الرابع من ظهير 27/4/1919 المشار له اعلاه بشان الوصاية على ارضي الجماعات، وطريقة تسييرها. ولا يعلم ان هناك نصا يحكم نظام تسيير واستغلال الاراضي الراجعة لقبائل الكيش، ولهذا فلا شك ان ذلك يتم وفق عادات واعراف محلية. وستقع زيادة من الكلام على هذين النوعين من الأراضي في الجزء المتعلق بالعقارات التي لا يمكن ان تكسب ملكيتها بطول حيازتها.

3-الحقل العقاري: وتكون بواسطة عقود عادية كالكراء والمنفعة، والعارية التي يقوم بإنشائها مختلف الافراد في ميادين عديدة تبعا لرغباتهم ولحاجياتهم: وهكذا يكون الحائز يستغل العقار بمقتضى عقد يعطيه حق الاستغلال فقط، دون ان يكون لهذا الحائز نية التملك بناء على ذلك العقد، ولذلك تبقى حيازته للعقار الذي هو تحت يده، حيازة تصرفية، أي تمكنه وتعطيه حق التصرف القانوني في ذلك العقار.

 فالحيازة التصرفية إذن اذا كانت توفر العنصر المادي للحيازة، الذي هو وضع اليد، فانها لا تتوفر فيها جميع الشروط الاخرى المكسبة للحق، ولذلك فكلما اختل شرط من شروط الحيازة الاستحقاقية الا ولا تكون هناك الا حيازة مجردة (تصرفية)، لا يثبت الملك بها للحائز، ولكن يثبت له حق التصرف في المنفعة دون ما حق في التصرف في الرقبة، وان الفرق واضح بين حائز يملك الرقبة والتصرف فيها، وبين حائز لا يملك الا حق المنفعة فقط.

 خصائص هذه الحيازة: تمتاز الحيازة العرضية او التصرفية، بانها لا تكون الا مطابقة للقانون بخلاف

 الحيازة الاستحقاقية، فقد تكون بيد السارق والمغتصب، لان كلا منهما يدعي حق ملكية الشيء، ولان الحائز العرضي يحوز الشيء الذي بيده بمقتضى سند كعقد الكراء، الا بمقتضى ترخيص من القانون، كالحائز لأرض جماعية مثلا، وهكذا فالمستأجر حائز عرضي، حيازته مقتصرة في الشيء الذي بيده لمدة محددة. كما ان الحائز العرضي (حيازته تصرفية) ملزم برد الشيء في الاجل المحدد بمقتضى العقد أو بنص القانون او بحكم القضاء. ويدخل في الحيازة العرضية الحائز بمقتضى ترخيص من القانون، او بحكم القضاء كحيازة ولي القاصر لهذا الاخير، والحارس للاموال المكلف بحراستها بحكم القضاء.

 كما يعتبر من المميزات الاساسية للحيازة التصرفية (العرضية) تخلف العنصر المعنوي للحيازة الحقيقية (الاستحقاقية) بسبب ما يتضمنه عقد هذه الحيازة من اعتراف لحائز بحق المالك الحقيقي للعقار، وهذا العقد هو ما يمنع الحائز تصرفيا من ان يظهر بسبب وضع يده على الشيء بمظهر المالك او صاحب الحق العيني على الشيء وهذا العقد ايضا هو الذي يكون الحاجز المانع من ملكية العقار بطول مدة حيازته، وتقادمها، بسبب اعتراف الحائز نفسه بحق غيره على العقار الذي يحوزه في العقد الذي يربط بينهما.

 ب‌- الحيازة الاستحقاقية: وهي التي تتعلق بوضع اليد وادعاء صاحبها ملكتيه لعين العقار ورقبته، وبذلك تختلف عن الحيازة التصرفية (العرضية) اختلافا بينا، بخلاف الحيازة الثانية، فهي مجردة من هذا الادعاء لتعلقها بحائز يرمي من ورائها الى استغلال ما بيده والتمتع بمنفعته وثماره، ويطلق عليها ايضا الحيازة المجردة أي المجردة عن ادعاء الحائز اصل الملك لنفسه، لكون السبب الذي اكتسب به الحق على العقار لا يرجع للتملك، ولكن يهدف فقط الى المنفعة، هو اما العقد الذي أنشأها كعقد الكراء و العارية او القانون الذي اباح حق التصرف في العقار الذي بيده كما في حيازة اولياء السفهاء، او حكم القضاء، كما في حيازة الحارس القضائي اذ ان هؤلاء لا يتصرفون الا بمقتضى عقد للعارية او الكراء، او بسبب تلك الولاية القانونية على السفيه، او بمقتضى ذلك الحكم القضائي بالنسبة للحارس.

 ونتيجة الحيازة الاستحقاقية، اذا توفرت شروطها المعروفة، وبحسب طول زمنها، وهي ان يكتسب صاحبها ملكية عين العقار ورقبته، وكل ثماره الطبيعية والمدنية، وبذلك يستطيع ان يتصرف فيه بكافة انواع التصرفات والاستفادة من منافعه كلها، ويتمتع بثماره جميعها، كما بامكانه ان يتصرف في رقبته بسائر انواع التصرفات، بما في ذلك التفويت للعقار بالبيع والهبة من انواع التصرفات القانونية التي تقع عادة على مثل العقار محل الحيازة، كما سياتي ذلك في الفصل المتعلق باثار الحيازة.

 ولقد قسم الفقهاء الحيازة الاستحقاقية بحسب العقار المنصبة عليه إلى:

1-  حيازة تثبت التملك: أي تجعله مستحقا لمن هو بيده، مصدقة لادعائه اياه، وهذا يكتفي فيها لمدة السنة أو العشرة اشهر.

 2-   حيازة قاطعة للنزاع : وهي الحيازة المبطلة لحق القائم، وهذه لابد فيها من عشر سنين فاكثر بالنسبة للأجنبي، والقريب الذي بين وبين الحائز تشاحن، او ما فوق الاربعين عاما اذا لم يكن بين الأقربين تشاحن.

ونظرا لكون صاحبها يكون قد استحق الشيء بها، واصبح مالكا له بسببها، لتوفر الشروط المكسبة لملكية العقار المتنازع على حيازته، ولوجود العناصر المثبتة لادعائه، يعتبر كل من النوعين حيازة استحقاقية؛ الا ان نوع الحيازة الاولى انما تكفي لحيازة ما جهل اصله، أي لمن كان مملوكا قبل هذا الحائز، واما اذا علم اصل الملك أي عرف بكونه كان مملوكا للغير، فلا بد من الحيازة الثانية؛ ثم ان الحيازة الثانية المشروط فيها توفر طول مدتها، كعشرة اعوام لا تنفع حائزها ولا تفيده، الا اذا جهل سبب مدخل الحائز، اما اذا علم سبب مدخله وكان من الاسباب التي لا تكسب بها الملكية، ولا ينتقل بها العقار من صاحبه كما اذا كان الحائز توصل الى وضع يده على الملك المحوز بسبب الكراء والاعارة فلا تنفعه هذه الحيازة ولو طالت لمدة تفوق العشر سنين، وبذلك تبقى حيازته هذه حيازة تصرفية، أي لا تفيده الا بان يبقى له حق التصرف في الملك المحاز بسبب الكراء او العارية، طول مدة العقد ان كان او العرف المعمول به كما سبقت الاشارة الى ذلك.

 ويظهر مما سبق أن المراد بعبارة جهل اصله في الحيازة الاولى هو جهل اصل الملك لمن كان قبل الحائز، ون المراد بعبارة جهل اصله هو جهل اصل مدخل الحائز في الحيازة الثانية، اما اذا علم اصله وكان مما لا ينقل الملك، فلا ينتفع بها الحائز ولو طالت مدة حيازته كما تقدم.

 وهكذا فالحيازة الاستحقاقية هي المستجمعة لوضع اليد على العقار وحيازته بقصد التصرف في عينه ورقبته بجميع انواع التصرفات المباحة قانونا من بيع وكراء وعارية، وهبة، غير ذلك، مع طول التصرف العلني الذي يظهر نية الحائز بكونه يباشر سلطته الفعلية وسيطرته الواقعية على شيئه، ونسبته لنفسه، والناس ينسبونه اليه كذلك دون منازع ينازع او معارض يعارض، وهذا ما يكسب  الحائز حقه على اصل العقار المحوز، وتملكه له ليتصرف فيه بجميع انواع التصرفات، بما في ذلك التصرفات التي تؤدي الى تفويته بالبيع او غيره.

 أما الحيازة التصرفية او المجردة، فلا يتأتى بها كسب عين العقار وأصله بل إن أثرها مقصور على حق التصرف في ثماره، جني المنفعة منه، ويعبر عنها بالحيازة المجردة لتجردها عن ادعاء الملكية لاصل العقار، رغم توفر مباشرة السيطرة الواقعية والسلطة الفعلية على الشيء، وهكذا فكلما اختلت شروط الحيازة المكسبة للملك واستحقاق عينه، تصبح حيازة تصرفية مجردة، لا يثبت بها للحائز الا حق التصرف في المنفعة دون ما حق في التصرف في عين الملك ورقبته، و لا يحق بسببها تفويته لغيره ببيع ومثله.

 والخلاصة ان الحيازة الاستحقاقية لابد لوجودها من توفر :

1- العنصر المادي: الذي هو وضع اليد، ومباشرة السلطة الفعلية على العقار والتصرف فيه مباشرة أو بواسطة الغير بكل التصرفات القانونية.

2-العنصر المعنوي: وهو نية تملك رقبة العقار وعينه، واظهار هذه النية بالافعال الخارجية التي تؤكد هذه النية، الشيء غير المطلوب في الحيازة التصرفية او ما يدعونها بالحيازة المجردة.

الفصل الثالث محلها  ضمن أبواب الفقه والقانون

 عند الفقهاء للحيازة المنتجة اثر كالبينة لصاحبها، تصدق دعواه وتؤيدها عند توفر شروطها، ولذلك ذكر بعض المؤلفين قواعدها في باب البينات والشهادات، كما ذكر احكامها الآخرون بين وسائل الاثبات وخاصة عند الكلام على اثر التقادم بالنسبة للحقوق المدعى بها؛ وهكذا ذكرها الشيخ خليل صاحب المختصر من اشهر من الف وجمع القواعد الفقهية في المذهب المالكي آخر باب الشهادات. ومثله الزقاق في لاميته، والفاسي في عملياته، وابن ابي زيد القيرواني في رسالته؛ أما ابن عاصم في تحفته، فلقد خصص للحيازة فصلا مستقلا بذاته سماه: "فصل في حكم الحوز" قبل "فصل الاستحقاق" وأثر "فصل الإرفاق". أما ظهير الالتزامات والعقود، فقد أشار إلى بعض ما يترتب من مسؤوليات عن حيازة العقارات، مبينا ان الحائز حسن النية هو من يحوز الشيء بمقتضى حجة يجهل عيوبها في الفصول 101 و102 و105 من الباب الثالث الذي عنوانه، "الالتزامات الناشئة عن الجرائم وشبهها" كما ذكر في الفرع المتعلق بحق الحبس إمكانية مباشرة حق الحبس  بالنسبة للحائز حسن النية في الفصل 192 دون بيانات كافيات لمسائل الحيازة، وأحكامها ومجالاتها وشروطها، وان كان الظهير الصادر بشان التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12/8/1913 بين في الفصل63 منه ان التقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ في مواجهة المالك المسجل اسمه، ولا يزيل أي حق من الحقوق العينية المسجلة برسم الملك، ولعل ذلك يرجع لكون العقارات التي تكثر حولها النزاعات هي العقارات غير المحفظة، وتبقى خاضعة في مجملها لتطبيق قواعد الفقه الاسلامي، وهو يشتمل على ما يكفي لحل أي مشكل يمكن ان يثار حول مسائل  الحيازة.  كما وقع النص على الدعاوي الحيازية في الفصول 166-170 من قانون المسطرة المدنية لعام 1974.

الباب الثاني:

شروط الحيازة

 لا بد لكل تصرف كي ينتج اثره القانوني من توفر شروط وجوده، وعناصر تكوينه، والحيازة الاستحقاقية  من تلك التصرفات التي يلزم ان تتوفر فيها الشروط التي تثبت وجودها، والعناصر التي ينبني عليها تكوينها، لكي تصبح دليلا قاطعا في ذاته من غير حاجة الى ما يعضده من السندات والبينات الاخرى وتكاد الدراسات الفقهية تجمع على ان للحيازة  المعتبرة منتجة، خمسة شروط وتعتبر في مجملها مثبتة لحق تملك العقار واكتسابه قاطعة للنزاع بشأنه، وهي :

 1) وضع اليد على العقار وحيازته.

 2) التصرف فيه تصر المالك في ملكه.

 3) من غير منازع ولا معارض يعارض.

 4) ونسبة الملك الى نفسه والناس ينسبونه اليه كذلك.

 5) طول مدة الحيازة لذلك العقار.

ويضيف آخرون: مع الحضور بمكان العقار محل الحيازة، والعلم بها، والسكوت عن المطالبة دون عذر ولا مانع.

 وتعتبر الشروط المذكورة كافية، وحجة على صحة ادعاء الملك بسبب الحيازة، كما سبق القول، ولو لم يكن هناك ما يعضده من البيانات الأخرى. ولابد من ذكر كلمة مختصرة تبين أهمية كل واحد من الشروط، وبيان حكم الحضور والعلم والسكوت، مع الاشارة الى احكام وقرارات المجلس، وعند الاقتضاء الى نصوص الفقهاء حولها. ويجدر التنبيه هنا الى ان بعض الفقهاء، فرق بين الحوز والملكية والحيازة في مدلولها، تبعا لتغيير ألفاظها، وقال : ·الحوز هو وضع اليد على الشيء، سواء كان بطريقة شرعية ام لا، كان اغتصبه او سرقه، كما يطلق الحوز على كون الشيء بيد المدعى عليه. اما الملكية فهي اثبات الملك بشروطه  المذكورة فيما قبل، ويكفي في حوزه عشرة اشهر، اذا جهل اصله ولم يعرف لمن كان الملك قبل ان يحوزه المدعي ملكيته، واذا علم اصله لغير الحائز فلا تكفي  الملكية وحدها، بل لابد  معها من الحيازة الاتية :

 والحيازة هي وضع اليد على الشيء، مع ادعاء تملكه والتصرف فيه عشرة اعوام فاكثر، بمحضر المدعي الان ملكيته، وسكوته من غير عذر، ومحلها ما جهل اصل مدخل الحائز، أو علم وكان ينقل الملك عن الاول مثل الشراء  او التبرع به على موروثه، أي وضع اليد، والتصرف دون منازع، والنسبة، وطول المدة عشرين سنين فاكثر. ( شرح الوثائق لابي الشتاء الغازي الحسيني ج 1 ص: 152).

الفصل الاول: وضع اليد

 وضع اليد ويراد به في كلام الفقهاء والموثقين، وحتى في الأحكام القضائية السيطرة الفعلية والسلطة الواقعية على العقار. ووضع اليد الذي ينتفع به الحائز هو الذي يكون مع باقي شروط الحيازة الاخرى المعتبرة شرعا، وهي طول المدة دون منازع، والنسبة، والتصرف العلني الهادئ وهذا ما قرره المجلس في الحكم الشرعي عدد 151 الصادر بتاريخ 13 شوال عام 1386 (24 يناير1967)، اذ صرح بان محكمة الدرجة الاولى بينت في إجراءاتها ان لفيفية طالب النقض عدد 194 ليس فيها من شروط التملك الا اليد.  ولقد اعتبر أهميته مرة اخرى، عندما توفر في النازلة ما يؤيده ولو بطريقة الترجيح بين الحجج، وقرر بان المحكمة ركزت حكمها على غير اساس لما عللت عدم اعتبار ملكية المدعيتين رغم وضع اليد، وذلك كما يلي في الحيثيتين الآتيتين: " حيث إن عدم اعتبار الملكية بما علل به قسم الاستئناف من كون المشهود بتقاعده (على الأملاك المدعى فيها) في الملكية، لا ذكر له في مقال الدعوى، ولخلوها من معرفة شهودها لذلك المتقاعد، لم يبق له أي اثر ولا يضر الملكية في شيء، حينما صرح المدعى عليه بان الاملاك  المذكورة في الملكية هي تحت يده، وقصرت المدعيتان  عليه الدعوى، وهي لا تكون الا على من الشيء بيده.

 حيث إن قسم الاستئناف بصنيعه هذا قد خرق قواعد الاثبات،  وخرق القواعد الجوهرية للمرافعات، (الحكم الشرعي عدد 311 الصادر بتاريخ 2 ذي الحجة عام1386 (14/3/1967).

 كما قرر بأنه ما دامت الحيازة  بيد المدعى عليه طبق حجته، لا يضره ما جاء في مقال المدعي وحجته،

ولا يبقى إلا سلوك الترجيح لاحدى الحجتين المدلى بهما من طرفي النزاع، وترجح حجة من بيده الحيازة

على من له حجة على الاستحقاق، تبعا لما هو المعمول به، وقال :

         ·حيث إن طالب النقض يعيب على الحكم المطعون فيه نقصان التعليل، ذلك بان المحكمة لم تجب على الملكية عدد 306 المتوفرة الشروط.

         ·وحيث يتجلى من نسخة الحكم المطعون فيه صحة ما نعاه طالب النقض على الحكم المذكور، ذلك ان المحكمة أثبتت وحدة المتنازع فيه مع تصريح جل شهود محضر الوقوف المؤرخ بيوم 29 مارس1972، بان اسم بقعة النزاع هو المنصوص عليه في حجة المدعى عليه، سيما والمدعى عليه ما دامت بيده الحيازة طبق حجته، لا يضره ما جاء في مقال المدعى وحجته، الأمر الذي يقتضي سلوك الترجيح لإحدى الحجتين،  طبق المعمول به في ميدان الاستحقاق الشيء الذي لم تقم به المحكمة، مما كان معه الحكم ناقص التعليل، ويتعين نقضه ( القرار عدد 221 في الملف المدني رقم 44859)، وفي هذا الحكم تطبيق للمبدا المنصوص عليه لدى الزقاق في قوله : " وان يعدم الترجيح فاحكم لحائز".

الفصل الثاني تصرف الحائز

 يقصد بتصرف الحائز تصرفه في العقار، تصرف المالك في ملكه، والظهور في كل ذلك بمظهر المالك الشرعي الذي يباشر عملا مبنيا على اساس قانوني بطريقة علنية لا خفاء فيها ولا التباس، كما هو الشان في جميع التصرفات السالمة من جميع العيوب، وغير المشوبة باي شيء يجعلها  منعدمة  القيمة، والفائدة. على ان يستمر هذا التصرف  بحسب الملك المحاز فيما جهل اصله عشرة اشهر او سنة كما مر، او عشر سنين فيما علم  اصله، أي اصل الملك لمن كان قبل حيازته من طرف هذا الحائز الذي بيده الان.

 فإذا توفرت للحائز شروط الحيازة  كلها، والتي من بينهما تصرف الحائز تصرف المالك في ملكه، اكتسب العقار، واصبح صاحبه الشرعي، بشرط ان لا يكون ذلك العقار من العقارات التي لا تحاز ولو تم التصرف فيها اكثر من عشر سنين واستمرت حيازتها مدة طويلة.

 والعقارات التي لا تحاز رغم طول مدة التصرف ووضع اليد هي اراضي الجماعات وعقارات الاحباس، والملك العمومي، وهذا ما عبر عنه صراحة المجلس الاعلى في عدة قرارات منها:

 1) القرار المدني عدد 165-20 حجة 1378 ( 20/3/1958) الذي ينص على انه: " يكون على صواب الحكم الذي لا يعتبر افعال التصرف التي لا يمكن ان يترتب عليها أي مفعول فيما يتعلق بالاراضي  الجماعية التي لا يمكن حيازتها عملا بالفصل الرابع من ظهير 26 رجب1337 ( 27/ 4/1919).

 2) القرار عدد 221- 10 صفر1388 (8/5/1968) وان كان في شكل اخر، حيث قال: "على قضاة الموضوع ان يبينوا العناصر التي استنتجوا منها الطابع الجماعي لارض النزاع"، أي يجب على القضاة لكي يصرحوا بعدم امكان حيازة تلك الأرض او تفويتها تلبية للوسيلة التي اثارها الطاعن، والتي تتضمن: "ان الحكم المطلوب نقضه اقتصر على التصريح بان ارض النزاع هي ارض جماعية، دون بيان للمبرر الذي جعل المحكمة تصرح بكون الارض جماعية، او ذكر للحجة التي اعتمدت عليها في تصريحها بذلك".

الفصل الثالث دون منازع بنازع، او معارض يعارض

 والتصرف المعتبر شرعا هو التصرف الذي يتسم بالعلانية من جهة والهدوء من جهة اخرى، أي التصرف الذي لا يتخلله النزاع، ولا يحيط به خفاء يعيبه. فإذا ما تم حدوث نزاع اثناء ذلك التصرف او وجد عيب من العيوب التي تؤثر في ذلك  التصرف كالخفاء او الالتباس، فانه يفقد قيمته، ويصبح لا عبرة بوجوده، ولا تاثير لطوله. ولقد اكد المجلس الاعلى بان الحيازة القاطعة المعتبرة في الفقه الاسلامي تستلزم التصرف بدون منازع مدة  عشرة سنوات فيما اذا علم اصل الملك لمن كان قبل الحيازة، والحكم الذي لم يجب على دعوى المعترضين بشان العيوب التي تشوب التصرف يكون غير مبني على أساس (القرار عدد 250- 21 ربيع الاول1390 (27/5/1970). كما ان التصرف المشوب بالالتباس، مع عيب  اخر في التصرف كقطعه بمنازعة قانونية لا يفيد أيضا، وعلى القاضي ان يتاكد من كون التصرف المحتج به لم يقطعه نزاع، ولا شاب تلك الحيازة التباس، وهكذا  فلقد صرح المجلس الاعلى " فاذا اعتبرت المحكمة ان هناك نزاعا في التصرف او التباسا في الحيازة وقررت عدم قبولها له، تكون قد صادفت الصواب"، حكم المجلس الاعلى عدد 217  بتاريخ 10 صفر1388 (8/5/1968).

 ويحب التنصيص هنا بان خوف المنازع من الحائز لسطوته لاستناده على ذي سطوة وسكوته بسبب ذلك يفيده في الإبقاء على حقه في القيام به متى زال الخوف بزوال صاحب السلطة.

 كما يعتبر مانعا من القيام بالنزاع الصغر والسفه، فاذا كبر الصغير ورشد  السفيه،  فانه يبقى على حقه بعد زوال المانع، وله القيام به، كما نص عليه الشيخ الوزاني وقال: " إذا خاف المدعي من الذي في يده العقار لكونه ذي سلطان او مستندا لذي سلطان، فان سكوته لذلك لم يبطل حقه، كما يدخل في المانع اذا كان  المدعي صغيرا او سفيها".

 وتعتبر من الموانع المقبولة بعد زوالها غيبة الشهود الذين يعرفون حق القائم بالحيازة، واعتبروا ذلك عذرا يفيد القائم بحقه عند حضورهم ولو بعد عشر سنوات، وهذا ما انتصر له الشيخ التسولي في بهجته، والعلمي في نوازله بشان دعوى المطالبة بالحق من طرف قائم، حاضر، ساكت، عالم لكن مع غيبة شهوده ضد حائز طالت حيازته، ووضع يده.

الفصل الرابع نسبة الملك لنفسه والناس ينسبونه اليه كذلك

 ان الحائز الذي توفرت له شروط وضع اليد، بتمكنه من السلطة  الفعلية والسيطرة الواقعية على العقار، وتصرف فيه تصرف المالك في ملكه دون منازع ينازعه او معارض يعارضه في ذلك، وهو ينسب  الملك لنفسه والناس ينسبونه اليه كذلك يكون قد حصل على ما يؤيد دعواه الحيازة التي تكسبه حقا على العقار المحوز. ويظهر اثر النسبة لنفسه في اقواله واقوال الناس، وتسميتهم للمتنازع عليه بارض فلان أو دار فلان على ما هو شائع بين المالكين المجاورين له، خاصة والنسبة هذه  لا تكون بواسطة سماع الناس منه ان  ينسبها لنفسه فقط، بل قالوا: لابد ان تكون نسبة الناس الملك له بكيفية مستفيضة  تفيد العلم للشاهدين بها. وهذا هو ما دفع القضاة في هذا الباب الى ان يحتاطوا كثيرا ولم يكتفوا بمجرد  الاشهاد بالحيازة، بل استحدثوا شهادة تعرف بعقد الاشهاد على شاهدي الملك او شهوده بالتحويز، ولا يتم الا بوقوفهم على عين العقارات، او البناءات المشهود بها، والطواف عليها، ومعاينة الحيازة المذكورة محاولة لقطع النزاع استقبالا بشأنها. كما وقع الإفتاء بعدم جدوى نسبة المال الملك لنفسه من طرفه فقط.

 وهذا ما يتعين معه التاكيد على ان شرط ذكر نسبة الملك للحائز امر ذو أهمية في هذا الشان، اذ ليس من المستبعد ان يكون الملك لشخص هو مع الناس ينسبونه لاخر، وهذا ما  جعل علماء التوثيق يضيفون لكلمة "ملكه" " ومالا من ماله"، حتى يقع التنصيص المفيد للتحقيق من كون الملك المنسوب لفلان هو مال من امواله التي يحق له التصرف فيها، لكونه مالكا  حقيقيا لها.

 ولقد قرر بعض الفقهاء بان التصريح بذكر الملك في عقد الاستحقاق اصل ينبني عليه الحكم، لان ذكر الحوز لا يغني  عن ذكر الملك، اذ  قد يكون الحوز بغير الملك ، وكذلك  ذكر النسبة، اذ كثيرا ما يكون الملك لشخص وتكون النسبة لغيره.

 وقالوا لا بد من ذكر الملك والمال، لانه أوضح من الملك وحده ولا عمل  لما يقوم به بعض الورثة أو بعض الشركاء من نسبة  ما بيدهم لهم وحدهم فاذا حصل ان حاز احد الورثة او الشركاء ونسب الملك لنفسه دون بقية الورثة او الشركاء فلا يعتبر كلامه، ولا تفيده نسبته الملك لنفسه وادعاؤه اختصاصه به.

ويعتبر حائزا ولباقي من له الحق معه من الورثة والشركاء رغم نسبة الملك لنفسه، وادعائه الاختصاص به من غير ان يؤيد تلك النسبة له، وذلك الادعاء بالاختصاص بمؤيدات اخرى من بين شروط كسب الملكية المعتبرة. وهذا ما اكده المجلس الاعلى (قرار رقم113 بتاريخ13 ذي القعدة1389 (21/1/1970).

الفصل  الخامس طول مدة الحيازة

 يقولون في طول مدة الحيازة، بان تكون قدر ما  يرى التصرف، ويظهر وضع اليد، ويعرف الناس العقار الواقع عليه الحيازة ليصح الاشهاد بها. واقل طول هو عشرة اشهر، او سنة  للعقار المجهول اصله، وعشر سنين فيما  يرجع للعقار المعلوم اصله، او اكثر من اربعين سنة اذا كانت الحيازة بين الاقارب الذين لا تشاحن بينهم ولا تشاجر. فاذا لم يثبت بصفة كافية اصل  الملك لمن هو، ونوزع الحائز في حيازته فان ثبوت مطلق الحيازة تكفي لرد دعوى القائم، ولقد قرر المجلس، "حيث لم يثبت اصل الملك لمن هو فيما يتعلق بالقطعة الموجودة شمال الخط19 ب11 من الأرض المطلوب تحفيظها، اذ ان طالب  التحفيظ لم يثبت شراءه سوى فيما يخص القطعة الواقعة جنوب الخط المذكور، فلم يكن والحالة هذه من الواجب على المحكمة ان تنص على شروط الحيازة القاطعة، بل صادفت الصواب لما اقتصرت على مطلق الحيازة، وعللت حكمها بذلك تعليلا كافيا، ( قرار عدد 374 25 صفر1386 15/6/1966).

 أما اذا كان اصل الملك معروفا لمن هو قبل حيازته، فلا يخلوا إما ان يكون النزاع بين الاجانب أو بين الاقارب.

 أ‌-حيازة الأجانب: فإذا كان النزاع على الحيازة بين الاجانب، وتبين ان الحيازة الشرعية طالت اكثر من عشر سنين، مع تصرف الحائز تصرف المالك لملكه ونسبة الملك إلى نفسه والناس ينسبونه إليه كذلك بدون منازع، فيكفي ذلك لعدم سماع نزاع القائم، ويجب رده، ولا تسمع دعواه، تطبيقا للنصوص الفقهية في الباب، والتي تكاد تتفق جلها على هذا المبدا، ومشى على هذا المجلس الاعلى في بعض قراراته المتضمنة: "إن دعوى استحقاق العقار لا يمكن سماعها ولا تقبل البينة المؤيدة لها بعد مرور سنين"، والاجنبي غير الشريك يتصرف المالك في ملكه مع حضور القائم بها وسكوته على المطالبة بحقه بلا مانع طول المدة المذكورة (قرار مدني عدد 11 بتاريخ 11 رجب 1386 (26/10/1966)، وقرار 217 بتاريخ 10 صفر 1388 (8/5/1968). وسواء كان الاجبني شريكا أو غير شريك، كما اشار لذلك شراح التحفة لدى قوله:  والأجنبي إن يحز أصلا بحق            عشر سنين فالتملك استحق

والشيخ خليل عند وقوله : " وان حاز اجنبي غير شريك عشر سنين".  وابن ابي زيد القيراوني عند قوله : ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين.

 ب‌-    حيازة الأقارب:

         ·الإخوة والأعمام والأصهار :

 أما إذا كان النزاع الرائج على الحيازة بين الاقارب والاصهار، فانه يكاد يقع الاتفاق أيضا على انه لا حيازة بين الاقارب إلا بعد مرور اربعين سنة، وانقصتها بعض القوانين المدنية العربية الحاضرة، وجعلتها خمسة وثلاثين سنة، وقيدوا ذلك فيما اذا لم يكن بين اولئك الاقارب مشاحنة أو عداوة تجعل دعوى المسامحة في التصرف عديمة الاثر، والا فيطبق عليهم حكم الحيازة بين الاجانب.

 وهذه الأحكام هي مضمن ما عند ابن عاصم في مسالة الحيازة بين الاقارب، حيث قال :

والأقربون حوزهم مختلــف

فان يكن بمثل سكنى الــدار

فهو ما يجوز الأربعيــــن

وفيه بالهدم والبنيـــــات

بحسـب اعتمارهم يختلــف

والزرع للأرض والاعتمــار

وذو تشاجر كالأبعديــــن

والغرس أو عقد الكراء قولان

ويعتبر من الأقارب الاصهار، حيث تجرى عليهم احكام واحدة في الحيازة دون فرق بينهما على الأصح؛ وهكذا فلقد قرر المجلس الاعلى في حكمه عدد 113 بتاريخ 13 قعدة1389 (21/1/1970) المحكمة قد اجابت جوابا كافيا عن الوسيلة المثارة امامها، والمتعلقة بالنتائج القانونية للتصرف، وبررت تبريرا قاطعا ما قضت به تمهيديا باليمين على المتعرضات، وورد في حكمها " يتعلق الأمر بحيازة عائلية" فهذه الحيازة تنفي الاختصاص وينتج عن ذلك ان الحائز كان حائزا لنفسه ولغيره وقد حكمت باليمين لاتمام الحجة، وبذلك تكون المحكمة قد اجابت جوابا كافيا عن الوسائل المثارة امامها، بررت تبريرا كافيا بما قضت به .

 كما نص المجلس الاعلى في حكمه عدد 317 27/4/1966، بان القاعدة الفقهية تنص على ان امد الحيازة بين الاقربين هو اربعون عاما، فما دام لم يكن بينهم تشاجر ولا عداوة، ولهذا تكون محكمة الموضوع قد خرقت القاعدة الفقهية عندما رفضت تطبيق مبدا التقادم باربعين سنة بين الاقربين، لعلة ان حقوق الفريقين غير مشاعة بينهم.  وبذلك تأكد المبدأ الفقهي بعمل المجلس الاعلى، واصبح العمل به قضائيا حاليا.

 ومما تجدر إثارته في هذا الباب (حيازة القريب والصهر الشريك)  ولقد لخص وحصل هذه المسالة الشيخ الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير لدى قول الشيخ خليل : " وفي الشريك القريب قولان" ما مضمنه باختصار وتصرف الاقارب والاصهار لا حيازة بينهما إلا بمضي الاربعين عاما، مع تصرفهم بجميع انواع التصرفات والاصهار هم من تزوجت منهم وتزوجوا منك.

 وفي الاصهار الذين لا قرابة بينهم ثلاثة اقوال، كلها لابن القاسم :

         ·اولها : انهم كالاقارب، فلا تحصل الحيازة بينهم إلا مع الطول جدا بان تزيد مدتها على اربعين سنة، كيفما كان التصرف إلا بالتفويت وهذا ما رجحه الشيخ الدردير.

         ·ثانيها: انهم كالاجانب غير الشركاء، فتكفي حيازتهم عشر سنين مع التصرف مطلقا.

         ·ثالثها: انهم كالاجانب الشركاء، فيكفي حيازتهم عشر سنين مع التصرف.

         ·حيازة الآباء والأبناء:

 من هذا العنوان يظهر ان الاقارب الذين سبق الكلام عليهم يقصد بهم غير الاباء والابناء، اذ ان حيازة هؤلاء اشار لها الشيخ خليل بقوله: " لا بين اب وابنه إلا كهبة إلا ان يقول معهما ما تهلك البينات وينقطع العلم". أي لا تعتبر حيازة بين الاباء والابناء، ولا يصح حوز احدهما ضد الاخر بمثل المدد والسنوات السابقة، إلا في حالتين :

 1) إذا تصرف احدهما في الشيء المحوز بالتفويت له للغير، كالهبة والبيع، أما الهدم والبناء ومثلهما فلا اثر لهما، ولا حيازة لاحدهما بذلك.

 2) إذا طالت مدة الحيازة طولا تهلك فيه البينات، وينقطع معه العلم وقدر الفقهاء ذلك الطول بنحو الستين عاما فما فوق.

 فاذا حاز واحد من الاباء أو الابناء مدة ستين سنة، والاخر حاضر ساكت بلا مانع فلا قيام له، وليس له بعد ذلك كلام.

 ولقد لخص الشيخ الدسوقي في حاشيته على الدردير عند قول الشيخ خليل " لا بين اب وابنه ." المسالة فقال: " والحاصل ان الحيازة لا تعتبر بين الاب وابنه إلا إذا كان تصرف الحائز منهما بما يفوت الذات، أو كان بالبناء أو الهدم أو ما ألحق بهما وطالت مدة الحيازة جدا كالستين سنة، والاخر حاضر ساكت عالم طول المدة بلا مانع له من التكلم. (ج 4. ص : 209)".

 الفصل السادس  موانع القيام بالمطالبة

 أ‌-      الغيبة :

 أما إذا كان القائم غائبا عن محل العقار، فيبقى دائما على حقه في المطالبة به إلى ان تمر المدة الشرعية المعتبرة مكسبة للحائز  حق التملك، ومسقطة حق القائم بالمطالبة، ابتداء من تاريخ حضوره، وهي إما عشرة اشهر أو سنة، أو عشر سنين، أو اربعون بحسب العقار محل النزاع، وعلاقة الحائز القائل إما قريب أو اجنبي، وهذا الحكم هو الذي اشار له صاحب التحفة بقوله:

وقائم ذو غيبة بعيدة                حجته باقية مفيدة

  أي ان غيبة القائم عن البلد الذي وقع فيه الحوز تفيده في قطع حيازته خصمه بعده عن محل العقار المحاز عليه.

 ولا تخلو الغيبة إما ان تكون قريبة أو بعيدة أو متوسطة :

  ·فان كانت الغيبة قريبة، فان لم يعلم بحيازة الاجنبي، فهو على حقه طال الزمن أو قصر، وان علم، فلا مقال له.

  ·أما الغيبة المتوسطة، فلا خلاف في ان صاحبها على حقه اذا لم يعلم بالحوز في قول " ولا تنقطع حجته ولو علم" على القول الراجح، كما عند الشيخ الرهوني، وفي التحفة اشارة لهذا حيث قال صاحبها : "وفي التي توسطت قولان".

 والبعد المعتبر هو مسافة سبعة أو ثمانية أيام، كما قال صاحبها أيضا " والبعد كالسبع وكالثمان".

 ب‌-    القصور:

 يعتبر الصغر والسفه من المبررات المقبولة، لتجعل صاحبها على حقه في المطالبة عند ازالة هذا المانع، فلو فرضنا ان حائز العقار نوزع في حيازته له بسبب انها كانت منصبة على عقار قاصر، فاذا ثبت القصور، يعتبر عذرا لصاحبه في سكوته عن القيام بالمطالبة، ويتاثر الحائز في حيازته بسبب القصور، ولو توفرت الشروط الاخرى وطالت المدة، كان القصور لصغر أو سفه.

ج‌-      الخوف من الحائز:

تعتبر حالة الخوف التي تصيب القائم صاحب من الحائز عذرا يبيح القيام بالمطالبة عند زواله ولو طالت مدة الخوف مع حضور وعلم القائم، إذ يجب ان يكون سكوت القائم خاليا من خوف الحائز لسطوته أو لاعتماده على ذي سطوة .

 والى كل هذه الاحكام اشار الشيخ التاودي بن سودة ( مع بعض التصرف).

 عند قول صاحب التحفة:  وانقطعت حجة مدعيه              مع الحضور عن خصام فيه

 بما مضمنه : " فاذا خاصم الحائز اثناء مدة الحيازة، أو كان غائبا على حجته ولابد أيضا ان يكون سكوته من غير عذر، مانعا له من الكلام كخوف سطوة الحائز أو صغر القائم أو سفهه، وبهذا يكون الصغر والسفه عذرا يبقى صاحبه على حقه كالخائف، حتى يزول المانع بالنسبة لكل ذلك".

 والخلاصة ان الحيازة المتوفرة على شروطها المستجمعة لكل اركانها تعتبر قوية تفيد صاحبها، وتؤدي به إلى  تملك العقار إذا طال امدها بحسب العقار والمتنازعين حوله، وتعطيه حق التصرف في عينه ورقبته بكافة أنواع التصرفات كما يؤدي إلى ابقاء العقار بيد حائزه إذا كان حقه لا يتعلق برقبته، ولكن باستغلاله والتصرف في منافعه حتى نهاية مدة عقد الانتفاع، ان كان أو نهاية المدة المتعارف عليها.

 ويستنتج مما سبق ان الاشهار بثبوت ملكية الحائز لا قيمة لها ولا اعتبار لمضمونها اذا لم تكن مشتملة على الشروط الخمسة المذكورة، مضاف لها حضور القائم بمكان العقار، وعلمه، دون ان يكون له عذر شرعي مقبول يمنعه من القيام كالصغر والسفه، والخوف من ذي سطوة أو مستند على صاحبها، وان العقار المحاز لم يخرج من يد حائزه ولم يفوته بأي نوع من انواع التفويتات.

 وتعتبر الشهادة باثبات الملك قرينة واقعية على حق الحائز يقبل اثبات العكس بشانها، كما اعتبرها عدد من فقهاء الشريعة الاسلامية بينة وحجة لصاحبها وقالوا انها كسائر الشهادات، تفيد غلبة الظن، ولا تفيد القطع وبسبب ذلك لم تكن الحيازة قاطعة في كل الظروف والاحوال، حتى تستوفي جميع الشروط والاركان وتخلوا من سائر العيوب والشوائب.

 وعلى كل فالحيازة الشرعية تؤدي إلى كسب الملكية بالتقادم الطويل في العقار والمنقول.

 فاذا اقترنت بحسن نية واستندت إلى سبب صحيح، فانها تؤدي إلى كسب ملكية العقار بالتقادم القصير، وملكية المنقول في الحال، كما تؤدي إلى كسب الثمار في هذه الحالة. ( د. الصدة ص 69 المحاضرات).

 والحيازة التي هي وضع اليد على الشيء قبل حدوث النزاع والتصرف فيه، تنقسم بحسب المحل التي تقع عليه إلى قسمين :

 1-     حيازة لما هو مجهول أصله لمن كان قبل وضع اليد من طرف حائزه الحالي.

 2-     حيازة لما هو معلوم أصله من كان قبل وضع اليد عليه من طرف الحائز الحالي.

 وتصح الاولى وتكون مفيدة لصاحبها في كسب ملكية الشيء المحوز بمضي مدة عشر اشهر كاقل مدة إذا كان الشيء المحوز عقارا، ومن وضع اليد وحيازته إذا كان منقولا.

 أما الثانية فلا بد من العقار لاجل اعتبارها صحيحة ومنتجة، مفيدة لصاحبها من مرور عشر سنين إذا كان النزاع بين الاجانب، أو الاربعين عاما فاكثر إذا كان بين الاقارب واكثر منها بين الاباء والابناء أو عام على الاقل في غير ذلك من المنقولات.

 والشهادة المعتبرة فقها لمن يتمسك بها في هذا الميدان لابد من ان تكون منصبة على معرفة الشهود بكون المشهود له:

 1) حائزا للعقار وواضعا يده عليه( السيطرة الفعلية).

 2) يتصرف فيه تصرف في ملكه ( السيطرة الفعلية).

 3) من غير علم منازع ينازع، ولا معارض يعارض ( الهدوء).

 4) وان الحائز ينسب الملك لنفسه والناس ينسبوه إليه كذلك ( العلنية وعدم الالتباس).

 5) طول مدة وضع اليد، ( والامر على تلك الحال) اكتساب الملك بالتقادم كما يضيف اخرون بانه لابد من زيادة.

 6) علم الشهود بعدم تفويت المشهود له للشيء المحاز.

 7) وانه كان يعده  مالا من جملة أمواله.

8) مع حضور القائم وعلمه دون عذر يمنعه من القيام بحقه.

 فاذا توفرت هذه الشروط في الشهادة بالحيازة، ولم يوجد مطعن يبطل مضمونها كانت حجة مبطلة للقيام بالحق في حيازة القسم الاول، وحجة قاطعة للحق في حيازة القسم الثاني، ونتيجة لذلك يتملك المشهود له العقار أو الشيء المحوز ويسقط حق الطرف الاخر في المطالبة به، ويبقى بيد حائزه ان كانت الشهادة لصالح الحائز أو تنزع من يده ان كانت الشهادة المتوفرة على الشروط المذكورة لصالح غير الحائز.

 ولذلك، فان ثبتت الحيازة لشخص ما بالقيود المذكورة، اصبحت مستوفية لشروطها عامة ولا تقطعها إلا حيازة أخرى بعدها، بشروطها الكاملة أيضا إلا إذا ثبت بان سببها كان بما يقطع الحق ككونها بنيت على الكراء مثلا، وحينئذ تعتبره كالعدم لما هو معروف من كون مجرد الحيازة لا ينقل اصل الملك، ولكن يدل عليه كما لابن رشد وبالاحرى إذا كان سببها لا يعتبر ناقلا لاصل التملك.

الفصل السابع الحيازة المتفرقة المدد

 في ميدان الحيازة تعتبر المدد المتفرقة صحيحة، وتجدر الاشارة إلى انه يجب تلفيفها وضمها لبعضها لينتفع بها من ضمنت لمصلحته، بشرط ألا يقع قطعها بنزاع وشبهه.

 لذلك اصبح من الاكيد في الوقت الحاضر، ألا تكتب رسوم الاكرية إلا بعد ان يحرر قبل كل شراء وسم ثبوت ملكية البائع لذلك العقار، زيادة في الاحتياط وصيانة للحقوق من الضياع، وتقليلا من المنازعات بازالة اسبابها واثباتا للحقوق المتعامل بشانها فيما بين الناس.

 فإذا تحققت تلك الشروط، واجتمعت للحيازة عناصرها، اصبحت حجة لصاحبها، واستحق الواضع يده على العقار الذي يحوزه ويتصرف فيه بدون منازع المدة المطلوبة شرعا، وتملك جميع الحقوق التي تكون له بسببها من غير اضرار بحقوق الاخرين التي يمكن ان تكون لغيره، ولا تعارض حق مالك الرقبة كالكراء مثلا، واصبحت حيازته حيازة استحقاقية قاطعة للنزاع عن صاحبها، وسقطت جميع الحقوق المدعى بها في مواجهة الحائز، وذلك اعتبارا للقيام الذي يحمي جانبه.

 وهذا كله فيما يتعلق بالحيازة المستوفية للشروط، بان كان القائم على الحائز، حاضرا، ساكنا، عالما، دون منازع.

 أما اذا كان القائم على الحائز ممنوعا من القيام بالمطالبة بحقه إما بسبب كونه غائبا، أو قاصرا دون ولي، أو ممنوعا من الاسباب، فلابد من اعتبار عذره كما  تقدم توضيح ذلك.

 الفصل الثامن  التقادم

 تتوفر الحيازة على آثارها القانونية وتصبح حجة لصاحبه، تكسبه ملكية العقار الذي تحت يده بسببها، إذا كانت قديمة وطالب امدها، ولذلك يتعين الاشارة إلى بعض أحكام التقادم المرتبطة بباب الحيازة.

 والتقادم نوعان، مكسب، ومسقط، فالمكسب وسيلة من وسائل الاثبات تفيد الحائز وتكسب ملكية العقار الذي يحوزه، ويعتبر وسيلة إيجابية لمن يتمسك به ليرد بها على القائم عليه في النزاع، كما استفاد منه عند التصرف في الشيء باخذ المنافع.

 أما التقادم المسقط فيعتبر وسيلة سلبية، ثبت انقضاء حق بسكوت صاحبه عن المطالبة به أو بعدم استعماله طبقا للقانون.

والتقادم المكسب المفيد هو الذي لم يقع قطعه بما يجب للاحتفاظ بالحق، ولهذا يتعين على القاضي ان يتحقق من عدم قطعه وان يتمكن من بقائه متصلا والا فيتعين اعتبار قطعه بموجب قانوني.

 ولقد صرح المجلس الاعلى بان محكمة الموضوع قد صادفت الصواب عندما اعتبرت انه  وقع قطع التقادم ما دام الطالب بكل ما يجب للاحتفاظ بحقه( القرار 22 بتاريخ 2 نوفمبر1966).

 وتختلف مدته حسب موضوعه  طبقا للفصول 371  وما بعد من ق ل ع.

 أما في مجال الحيازة،  فهو إما:  عشرة اشهر أو سنة أو  عشر سنين أو ما فوق الاربعين بحسب نوع العقار، والحائز له والقائم عليه كما تقدم تفصيل ذلك فيما قبل.

 واساس التقادم  هو مراعاة المصلحة العامة للجميع، اذ يتعين وضع الحد للمنازعات بطول المدة عن المطالبة بالحقوق، ويعللون ذلك بكون المراكز القانونية تصبح مزعزعة لو سمح بالمطالبة بالحقوق مهما طال الزمن، وذلك ما يبعث على الفوضى ويقوض النظام الاجتماعي  د. فرح الصدة - المحاضرات ص:

 ويتفق فقه الشريعة الاسلامية المالكي المعمول به خاصة في مجال الحيازة مع عدد من القوانين المدنية  في  عدم اعتبار التقادم، من النظام العام، حيث لا يجوز في كل منهما اثارته تلقائيا من القضاء، ويعمل بقبول اقرار من بيده الشيء بحق القائم، كما في الزقاق: " أو للذي يقر له اجعلا" وكما نص الفصل 732 من ق  ل ع على انه ليس للقاضي ان يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه، ولا بد لمن يتمسك به ان  يثيره.

 ويرى الدكتور فرح في المدة ان التقادم في حقيقته سبب لكسب الملكية والتمسك به مفيد في كسب الحق، لا معفيا من اثبات الحق، ولهذا فالمشرع المصري لما تكلم عليه جعله من بين  اسباب كسب الملكية في الفصلين 968-969- من القانون المدني المصري ( د. الصدة  المحاضرات).

 أما مجاله فهو الحقوق كلها التي يمكن ان تكسب بالتقادم بين جميع الاشخاص الذين تطبق عليهم احكام التقادم في مجال الحيازة والاشخاص القائمين بالنزاع ضد الحائز، وهكذا فلا اثر له فيما نص القانون صراحة على عدم جدواه كالتقادم بالنسبة للاملاك العامة والاملاك المحفظة طبقا للفصل 63 من ظهير التحفيظ مثلا، اذ لا اثر للحيازة عليها كما سنذكر ذلك عند الكلام على مجالات الحيازة والعقارات التي قد تكون محلا لها، والعقارات التي لا تتاثر بالتقادم، ولا تكسب ملكيتها بحيازتها.  

الحيازة وعيوبها

الحيازة وضع مادي ينجم عن أن شخصا يسيطر سيطرة فعلية على حق سواء كان هذا الشخص هو صاحب الحق أو لم يكن صاحباً له، والسيطرة الفعلية على الحق تكون باستعماله عن طريق الأعمال المادية ويقتضيها مضمون هذا الحق وهي الأعمال التي يقوم بها المالك عادة عند استعماله لحق الملكية فيستعمل الشيء ويستغله ويتصرف فيه تصرف المالك في ملكه فإذا كان هذا الشيء منزلاً مثلاً كان للحائز أن يسكنه بنفسه وأفراد أسرته أو عن طريق تأجيره للغير، كذلك الحال إذا كان الشيء أرضاً زراعية كان يزرعها بنفسه أو أن يؤجرها إلى الغير أيضا ويحوزه وينفع به بحسب تقضية طبيعية وتصرف فيه بالبيع أو بالهبة وذلك كله إذا كان هذا الحائز يملك الشيء حقيقة أو لا يملكه.

ولا تقوم الحيازة ولا تنتج آثارها القانونية إلا إذا توافر لها عنصران «المادي والمعنوي» وهي وضع مادي يسيطر به الشخص على شيء يجوز التعامل فيه ويتمثل العنصر المادي في السيطرة المادية على الشيء الذي ترد عليه الحيازة كما يتمثل العنصر المعنوي في نية ظهور الحائز على هذا الشيء بمظهر صاحب الحق فيه وتختلف السيطرة المادية على الشيء محل الحيازة تبعاً لاختلاف هذا الشيء فإذا كانت واردة على أرض زراعية فإن السيطرة المادية عليها تكون بزراعتها أو تأجيرها للغير حيث إن الغير لا يضع اليد على هذا الشيء لحساب نفسه وإنما يضع يده عليه لحساب الأصيل وكذلك الأمر إذا كان هذا الشيء منزلاً فتكون السيطرة الفعلية عليه عن طريق سكناه أو تأجيره إلى الغير وهذه السيطرة قد تتحقق ابتداء وقد تنتقل من الحائز إلى الغير وذلك عندما يتصرف الحائز بالبيع في قطعة الأرض أو في هذا المنزل مثلاً فتنتقل هذه الحيازة إما بتسليم هذا الشيء تسليماً فعلياً أو بوضعه تحت تصرف المشتري مع إخطاره بذلك حتى يتمكن من الانتفاع به دون عائق وعادة ما يكون حائز الشيء إنما يحوزه لحساب نفسه وهذا هو الأصل ما يفترض عند الشك. يقول الدكتور عبدا لرزاق السنهوري في هذا الصدد: يخلص من هذا النص أن الأصل في الحائز أن يباشر السيطرة المادية بنفسه أي أنه يستعمل بنفسه استعمالاً فعلياً على الوجه الذي قدمناه الحق الخاضع لحيازته. حق سواء كان حق ملكية أو كان حقاً آخر، ولكن يقع مع ذلك أن يباشر هذه السيطرة المادية بالوساطة فيباشرها باسمه وسيط يكون متصلاً به اتصال التابع بالمتبوع، ويأتمر بأوامره فيما يتعلق بهذه السيطرة المادية ويجتمع عند الحائز في هذه الحالة عنصرا الحيازة والعنصر المعنوي وهو القصد وسيأتي بيان ولا ينوب عنه فيه أحد والعنصر المادي وهو السيطرة المادية ويباشرها بالوساطة، ومن ثم يبقى الحائز الأصلي هو الحائز، وتنتج الحيازة آثارها القانونية في شخصه، أما الوسيط في السيطرة المادية فليس بحائز لديه إلا السيطرة المادية، وهذه السيطرة أيضا لا يباشرها باسمه وإنما يباشرها باسم الحائز الأصلي أما عيوب الحيازة فهي:

أولاً العيوب التي تلحق بالعنصر المادي

1 - عيب عدم الاستمرار: تكون الحيازة غير مستقرة إذا كانت متقطعة، حيث إن تقطع الحيازة يعيبها وتكون كذلك إذا كان الشخص يباشرها بشكل غير عادي وعندما أسبغ المشروع حمايته على الحائز كان ذلك انطلاقاً من فكرة الحائز عادة ما يحوز لحساب نفسه مثال ذلك المالك الذي يسيطر على ما يملك بشكل منتظم فإذا كان الشيء محل الحيازة منزلاً أو أرضاً فيجب على الحائز حتى تتوافر لحيازته طابع الاستمرار أن يقوم بسكنى هذا المنزل بشكل منتظم ودائم تماماً وإلا كانت حيازته معيبة.

2 - عيب الإكراه : والحيازة كما يجب أن تكون مستمرة وغير متقطعة يجب أن تكون عند بدئها غير مصحوبة بإقرار أي أن تكون قد بدأت هادئة حيث إن هذا الإقرار يعيد الحيازة ويختلف الإكراه الذي يعيب الحيازة عن التعرض الذي يحدث للحائز أثناء حيازته وإذا اقترنت بإكراه أو بدأت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عنه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب.

عيوب الإخفاء:  ولا يكفي الحائز أن تكون حيازته للشيء المستمر وغير متقطعة أو غير مصحوبة بإكراه عند بدئها ولكن يجب أيضا أن يتوافر لهذه الحيازة ركن الظهور والعلانية وعدم الخفاء بحيث تكون السيطرة ظاهرة. والخفاء عيب مؤقت مثله في ذلك مثل الإكراه ولا ينتج تبعاً لذلك، فإذا مازال عيب الخفاء تحولت الحيازة منذ ذلك الوقت إلى حيازة صحيحة.

ثانياً: العيوب التي تلحق بالعنصر المعنوي

عيب اللبس أو الغموض: يشترط في التقادم المكسب أن يتوافر لدى الحائز الحيازة بعنصريها حتى تكون حيازة قانونية صحيحة ومن ثم فإن وضع اليد لاينهض بمفرده سبباً للتملك ولا يصلح أساساً للتقادم إلا إذا كان مقروناً بنية التملك وكان مستمراً هادئاً ظاهراً.

وهذا الأمر يعني أنه لا يعول قانوناً على السيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة إلا إذا كانت هذه السيطرة مقرونة بالعنصر المعلوم والعنصر المعنوي في الحيازة هو نية الظهور على الشيء بمظهر صاحب الحق فيه، فإذا كان غرض الحائزة هو التملك وجب عليه أن يسيطر على الشيء ويظهر عليه بمظهر المالك وتكون الحيازة معيبة بعيب اللبس إذا ما حاز الشريك على الشيوع المال الشائع كله إذ أن في هذه الحالة تكون الملكية ليست مقصورة عليه حيث إنه يشاركه في ملكيتها باقي الشركاء المشاعين فيلحق لهذه الحيازة عيب الغموض.

وقد نص القانون القطري في المادة 935 من القانون المدني على أن الحيازة وضع مادي يسيطر به الشخص على حق يجوز التعامل فيه بأن يباشر عليه الأعمال التي يقوم بها عادة صاحب الحق.

وتنص المادة 936 على أنه لا يعتد بحيازة الغير لأموال الدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية العامة ولا بحيازة الأموال الموقوفة وقفاً خيرياً ولا بحيازة أي حق عيني عليها إلا في الأحوال وبالشروط المقررة قانوناً كما جاء بالمادة 937 بأنه لا تقوم الحيازة على عمل يأتيه شخص على أنه مجرد رخصة من المباحات أو عمل يتحمله الغير على سبيل التسامح.

وتنص المادة 938: تصح الحيازة بالوساطة متى كان الوسيط يباشرها باسم الحائز وكان متصلاً به اتصالاً يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة.

وتنص المادة 940: لا يجوز لمن يحوز باسم غيره أن يدعي الحيازة على خلاف سنده فلا يستطيع أن يغير لنفسه صفة حيازته وإنما تتغير صفة الحيازة بفعل الغير أو بفعل من الحائز يعتبر معرضه لحق من كان يحوز باسمه ولا تبدأ الحيازة بصفتها الجديدة إلا من وقت الفعل الذي أحدث التغير.

وتنص المادة 941: لا تقوم الحيازة على أعمال متقطعة وإذا اقتربت بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب.. وللحديث بقية في الحيازة وإثباتها وحسن وسوء نية الحائز.

 



تعليقات