القائمة الرئيسية

الصفحات



اعادة الاعتبار بين النظرية والتطبيق

 


 

اعادة الاعتبار بين النظرية والتطبيق

 

الأستاذ رشيد مشقاقة

قاضي بالمحكمة الابتدائية بسلا

 

يثير موضوع رد الاعتبار بمفهومه القانوني والقضائي عدة اشكاليات على مستوى التطبيق وتتضح اهميته في كونه منفذا للتاهيل الاجتماعي بمحوه لسوابق المرء الجنحية او الجنائية. وقبل ان نعرض لمختلف الاشكاليات التطبيقية التي يفرزها هذا الموضوع يجدر بنا بدءا ان نعطي تعريفا موجزا لرد الاعتبار بشقيه القانوني والقضائي.

 

ان رد الاعتبار القضائي هو نظام يسمح لمن حكم عليه، بعقوبة بالحصول لحسن سلوكه على محو الحكم القاضي بادانته بحكم قضائي. اما اعادة الاعتبار بحكم القانون فتكسب بمجرد مرور زمن معين من تاريخ انقضاء العقوبة أو سقوطها بالتقادم إذا لم يصدر اثناء تلك المدة حكم عقاب جديد.

 

وقد عرض المشرع المغربي لموضوع رد الاعتبار في الجزء الثالث من قانون المسطرة الجنائية وخصص له بابا مستقلا انفردت به الفصول من 731 إلى 747 من نفس القانون.

ففي ضوء الفصول، واقتداءا بما توخاه المشرع ومعه الفقه والاجتهاد المقارنين يمكننا ان نقف على العديد من الثغرات التي سار عليها العمل بالرغم من مخالفتها الصريحة لنصوص قانون المسطرة الجنائية وكذا الغرض من مؤسسة رد الاعتبار وسنقتفي اثر كل اشكالية  في ضوء المنهج التالي :

 

أولا : اشكالية رد الاعتبار القانوني

ان اول  ما يلفت نظر الباحث عندما يسمع عبارة  " بقوة القانون" أو " بحكم القانون" هو العناية الفائقة التي اصبغها المشرع على سلوك المرء الذي لم يات أي جرم خلال فترة زمنية معينة،  فرده إلى المجتمع نقيا مفرعا من كل سابقة، ولم يجسمه مشقة المطالبة باعادة اعتباره  قضائيا ما دام المجتمع في شخص القانون  قد حباه هذا الحق، وهذا ما نص عليه الفصل 731 من ق م ج عندما قال :  يكتسب قانونيا المحكوم عليه رد الاعتبار الذي حرم  منه ما لم يصدر عليه  داخل الاجال المنصوص عليها اسفله أي حكم جديد بالسجن أو بعقوبة اخطر مما سبقها من اجل جناية أو جنحة". وقد حدد المشرع المدد التي تتغير بتغيير الفعل ومدى خطورته. وما يستشف من هذا الفصل انه وعلى سبيل المثال إذا مضت عشر سنوات من يوم انتهاء العقوبة السجنية التي لا تتجاوز ستة اشهر أو من يوم انصرام امد التقادم فيجب ان يكون سجل الجاني المتعلق بسوابقه القضائية فارغا، ولا يحتاج إلى أية مطالبة قضائية باعادة اعتباره،لاننا متى قلنا بعكس ذلك افرغنا مؤسسة رد الاعتبار القانوني من محتواها وتساوت مع رد الاعتبار القضائي على حد سواء. وهذا الراي سارت عليه العديد من المحاكم بدعوى ان قانون المسطرة الجنائي لا يتضمن في طياته أي مسطرة خاصة برد الاعتبار القانوني فكان لا بد من ادماجه مع رد الاعتبار القضائي، والحقيقة ان قراءة متأنية لبعض فصول المسطرة الجنائية تفصح عن إرادة المشرع الرامية إلى ضمان استقلال رد الاعتبار القانوني عن الاعتبار القضائي ويتجلى ذلك فيما يلي : ينص الفصل 703 من قانون الإجراءات الجنائية : ان كاتب الضبط بمحكمة دائرة الازدياد أو القاضي المكلف بمصلحة السجل العدلي المركزي يسحب البطاقة رقم 1 من السجل العدلي ويتلقاها في الاحوال الاتية... ويتعين على كاتب الضبط زيادة على ذلك بمجرد ما يتاكد من اعادة الاعتبار قد اصبحت حقا مكتسبا بصفة قانونية ان ينص على ذلك في البطاقة رقم1".

 

فالمستفاد صراحة من هذا الفصل ان المهمة المنوطة بكاتب الضبط أو من يقوم مقامه أو يراقب بتمعن البطائق رقم 1 ونظائرها التي في حوزته، ومراقبته تلك تنصرف بالاساس إلى ضبط تاريخ الحكم بالادانة وتاريخ تمتع الجاني برد الاعتبار القانوني، ولا مانع يحول دون التأكد من ذلك مادام لديه من الوسائل ما يمكنه من الوقوف على ما قام به الجاني خلال تلك الفترة، اذ ان البطاقة رقم 1 حسب مقتضيات الفصل 697 و699 من ق م ج تتضمن كل الاحكام بالادانة الصادرة عن جهة قضائية أو إدارية، وعليه فمتى قام كاتب الضبط بمهمته هاته وفقا للقانون امكنه ان يتخلص من العديد من البطائق التي بحوزته، واعفى ايضا ذي المصلحة ومعه المحكمتين الابتدائية والاستئنافية من كثرة الإجراءات المسطرية. فمجرد مثول طالب رد الاعتبار لدينه يمكنه ان يخبره بتمتعه قانونا برد الاعتبار ولا حاجة بعد ذلك لاية مسطرة قضائية.

 

ورب قائل يقول : ان المشرع المغربي لم يحط هذا الفصل باية ضمانات تحول دون الوقوع في الخطا خصوصا فيما يتعلق باحتساب المدة.

وعلى العكس من ذلك تماما فقد ورد ضمن الفصل717 من قانون المسطرة الجنائية ما يلي : " تطبق الإجراءات المنصوص عليها في الفصل715 ان حدث نزاع في شان اعادة الاعتبار بحكم القانون..." ومعنى ذلك فمتى احتدم النقاش حول مدى تمتع ذي المصلحة برد الاعتبار من عدمه، فان المسطرة الواجب اتباعها  ليست هي مسطرة رد الاعتبار القضائي بل متى تعلق الامر بجنحة وجب رفع الالتماس إلى رئيس المحكمة أو إلى الرئيس الأول متى تعلق الامر بجنحة وجب رفع الالتماس إلى رئيس المحكمة، أو إلى الرئيس الأول متى تعلق الامر بجناية. ويتم اشعار وكيل الملك أو الوكيل العام حسب الاحوال ويعين في ذات الوقت قاضيا مقررا ويمكنه ان يستدعي لديه الشخص المعني بالامر ويصدر الحكم بغرفة المشورة.

 

ان من شان تطبيق هذه المسطرة اعفاء المحاكم من الكثير من حالات رد الاعتبار القانوني، فمسطرة الفصل 715 لا يلجا إليها الا بعد وقوع نزاع حقيقي.

اما الأصل فيخبر كاتب الضبط الطالب بانه متمتع برد الاعتبار بقوة القانون ويمكنه ان اقتضى الحال ان يسلمه شهادة بذلك.

 

وفي جميع الاحوال، فان غرفة المشورة سواء على مستوى المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف لا يكون للحكم الصادر عنها صفة انشائية بل مقررة لوضعية قانونية سابقة، ومن شان هذه المسطرة ايضا ان تعفي الطالب من التنقل بين محكمة الدرجة الأولى ومحكمة الدرجة الثانية.

 

ثانيا : اشكالية رد الاعتبار في العقوبات الموقوفة التنفيذ

عندما يصدر القاضي في حق الجاني حكما موقوف التنفيذ، فانه بذلك قد توخى عدة اعتبارات اجتماعية وشخصية للجاني متمثلة في عدم سوابق هذا الأخير وحسن سلوكه إلى غير ذلك من الأسباب التي تدخل حتما في قناعة القاضي الوجدانية. ومعنى وقف التنفيذ واضح وجلي، والحكم الصادر به يعتبر بمثابة العدم متى مر امد خمس سنوات وليس في حاجة إلى صدور حكم قضائي بذلك لانه لا يحكم برد الاعتبار الا إذا توافرت شروط منها ان تكون العقوبة نفذت أو اعفي منها وبغير هذين السببين لا يمكن تطبيق مسطرة رد الاعتبار القضائي. فالمحكوم عليه بعقوبة موقوفة التنفيذ لا يكون طيلة مدة خمس سنوات محروما من حقوقه ومعدومة أهليته بل ان هذه الفترة هي فقط للاختبار، وعليه فانه إذا اقترف جرما خلال امد الخمس سنوات نال جزاء الفعلين معا، على ان بعض الاراء ومعها بعض المحاكم سارت في غير هذا الاتجاه ورخصت  للمحكوم عليه بعقوبة موقوفة التنفيذ ان يتقدم خلال امد الخمس سنوات بطلب رد الاعتبار القضائي قياسا على المحكوم عليه جنحيا بعقوبة نافذة، فكيف يمكن تطبيق عقوبة صدرت خلال الثلاث السنوات الأولى من تاريخ ارتكابها. ان هذا النوع من الادماج يمكنه ان يفقد الغاية التي رغب فيها المشرع المغربي من خلال انشائه مؤسسة وقف التنفيذ، وهذه الغاية تتاكد من خلال ما ياتي :

 

أ ـ ان المحكوم عليه بعقوبة موقوفة التنفيذ لا يحرم من اهليته وحقوقه خلال فترة الخمس سنوات ولا داعي لكي نطالب برد الاعتبار القضائي،  وعليه فمتى رغب في الحصول على جواز سفر أو غيره فلا يمكن ان يواجه بالعقوبة السابقة لانها ستغدو والعدم بقوة القانون ولا سبيل لمطالبته بضرورة الحصول على رد الاعتبار القضائي لان مجال  رد الاعتبار القضائي هو العقوبة النافذة لا الموقوفة.

 

ب ـ ورد ضمن مقتضيات الفصل 707 من قانون المسطرة الجنائية : " تتضمن البطاقة رقم 3 بيان العقوبات الصادرة بالحرمان من الحرية من لدن احدى محاكم مملكتنا من اجل جناية أو جنحة وينص فيها بصفة صريحة على ما ذكر ولا تندرج فيها الا العقوبات التي هي من النوع المشار إليه والتي لم يقع محوها بسبب اعادة الاعتبار ولم يامر القاضي في شانها بتاجيل التنفيذ.

 

واضاف الفصل 710 قائلا : في حالة عدم وجود البطاقة رقم 1 في السجل العدلي لشخص من الاشخاص أو إذا كانت البيانات التي تتضمنها  البطاقة رقم 1 هي مما لا يجوز ادراجه في البطاقة رقم 3 سطر على هذه الاخيرة بخط منحرف.

ان هذين الفصلين صريحان في ضرورة التاشير على البطاقة رقم 3 بخط منحرف متى كانت العقوبة موقوفة التنفيذ، وعليه فاذا كان العمل جرى على جواز سلوك مسطرة رد الاعتبار القضائي خلال اجل الثلاث سنوات بالنسبة للعقوبات الموقوفة التنفيذ قياسا على العقوبات النافدة، فانه بذلك يفقد هذه المسطرة محتواها ويدمج المسطرتين معا في نظام قضائي واحد هو رد الاعتبار القضائي.

 

سوف اكتفي في هذه العجالة بهذين النموذجين من الاشكاليات المتعددة التي تعرفها هذه المسطرة على  ان تناول في موضوع لاحق ثلاث نقط قانونية ذات اهمية بالغة، وأتمنى ان تكون هذه الاشارات مثار جدل مفيد غايته ضمان تطبيق النصوص القانونية حسب ما تتوخاه من غايات وافكار سامية.

 

ثالثا : اشكالية رد الاعتبار للحدث الجانح

قد يستدعي جنوح الحدث صدور حكم في حقه يقضي عليه بتدبير الحماية أو اعادة التهذيب وقد يرغب بعد مضي فترة معينة في محو تلك السابقة، فيطلب منه ضرورة الحصول على رد اعتباره، لكننا متى عدنا إلى مقتضيات قانون المسطرة الجنائية الفينا ان المشرع المغربي عرض ايضا للحالات التي تمر فيها فترة معينة عن تاريخ صدور حكم في حق الجاني، وكيف تزول تلك العقوبة تلقائيا أو بناء على طلب دونما حاجة إلى سلوك مسطرة رد الاعتبار القضائي المنصوص عليه في الفصل السالف الذكر ويتضح ذلك من خلال ما ياتي :

 

ينص الفصل 698 من قانون المسطرة الجنائية " تستوجب اقامة البطاقة رقم 1 الامور التالية :

....2 ... الاحكام الصادرة تطبيقا للفقرة الثانية من الفصل 534 و546 و541 المتعلقة بالمجرمين الأحداث، وورد ضمن الفصل 543 من نفس القانون... إذا اثبتت المناقشات ادانة الحدث ينص قاضي الأحداث على ذلك أو للوصية أو الحاضنة أو لشخص جدير بالثقة، فان كان الحدث مهملا وله ان يامر علاوة على ذلك وضع الحدث تحت نظام الحرية المحروسة اما مؤقتا لفترة اختبار واحدة أو اكثر يحدد مدتها واما بصفة نهائيا إلى ان يبلغ سنا لا يمكن ان يتجاوز 18 سنة". وحسب مقتضيات الفصل 541 " إذا ثبتت التهمة ثبت للمحكمة بحكم معلل باسباب بشان التدابير المنصوص عليها في الفصل 516 وان اقتضى الحال بشان العقوبات التي يامر بها الفصل 517 ومقتضيات الفصل517 هي التي تجيز استثنائيا ـ بالنظر إلى الظروف ولشخصية المجرم ـ امكانية ادانته بالغرامة أو السجن حسب التفصيلات الواردة به، وقد تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجنا.

 

ان هذه الفصول في مجملها تبين التدابير والعقوبات التي قد تصدر في حق الحدث الجنح فاذا رغبنا في معرفة كيفية محوها من بطاقته الأولى وجب علينا الا ان نطالبه بسلوك مسطرة رد الاعتبار القضائي كما تذهب بعض الاراء ومعها بعض المحاكم بل يحق تطبيق مقتضيات الفصل 563 من قانون المسطرة الجنائية الذي جاء فيه : " إذا برهن الشخص المعني بالامر بصورة قاطعة عن تحسن سيرته يسوغ  لمحكمة الأحداث عند انصرام اجل قدره خمس سنوات من يوم انتهاء مدة تدبير الحماية أو اعادة التهذيب ان تامر بالتماس من الشخص المذكور أو من النيابة العامة أو تلقائيا الغاء البطاقة رقم1 التي تنص على التدبير المتخذ في حقه، وتختص بالنظر في ذلك كل من المحكمة التي اجرت المتابعة الأولى التي يوجد في دائرتها الموطن الحالي للشخص أو المحكمة التي كان ازدياده بدائرتها ولا يقبل مقررها أي وجه من وجه الطعن، فان صدر الامر بالالغاء اتلفت البطاقة رقم 1 المتعلقة  بالتدبير المذكور.

 

لا جدل اذن في ان العديد من طلبات رد الاعتبار القضائي التي يتقدم بها الرشداء عن افعال أتوها وهم احداث يجب ان لا تقبل، لان النص القانوني يقضي صراحة على ان المحكمة ـ تلقائيا ـ يجب عليها بعد فوات امد خمس سنوات من تاريخ انتهاء التدبير ان تتلف البطاقة1 ـ وامكانية الاتلاف هذه ليست مستعصية عليها، اذ ان كاتب الضبط أو من يقوم مقامه يجب عليه ان يراقب بدقة البطاقة الموجودة لديه. فمتى استنفذت مدة الخمس سنوات دون اية اشارة لعقوبة لاحقة تعين اتلاف البطاقة رقم 1 الخاصة بالحدث، بعد ان تخبر بذلك القاضي المكلف بالاحداث الذي يصدر امره تلقائيا بهذا الاتلاف، ولم يكتف المشرع المغربي اناطة هذه المهمة المحكمة في شخص قاضي الأحداث لتحويلها ايضا للنيابة العامة، فقد كلفها بضرورة تقديم ملتمس تلقائيا وغايته اتلاف بطاقة حدث مر عن انتهاء التدبير المتخذ في حقه امد الخمس سنوات والنيابة العامة بدورها لها من الامكانيات ما يمكنها من تنفيذ هذا الالتزام الملقى على عاتقها. فاذا لم تقم الجهتان  المختصتان قانونا بهذه المهمة، كان لذي المصلحة ان يتقدم بطلبه هذا إلى المحكمة التي يقطن بها أو التي اجرت المتابعة الأولى، ويصدر المقرر بصفة نهائية غير قابلة لاي طعن.

 

ان الاقتداء بمسطرة الفصل 563 يمكنه ان يعفي المحامي من العديد من طلبات رد الاعتبار القضائي التي تطبق فيها مسطرة طويلة الإجراءات وموزعة بين محكمتين، ويتجلى ذلك من خلال ما ياتي : ان يعمد كاتب الضبط أو من يقوم مقامه بالاتلاف التلقائي للبطائق التي مر عليها  الاجل القانوني السالف الذكر، وفي حالة عدم قيامه بذلك لذي المصلحة ان  يتقدم لدى محكمة موطنه الحالي بطلب الاتلاف لطلب رد الاعتبار، وتصدر المحكمة مقررها بصفة نهائية بدون أي طعن. ومتى حرصت المحاكم على التقيد بهذا الفصل امكن للطالب ان يقتضي حقوقه الوطني اسهل الطرق وابسطها، وامكن ايضا للمحاكم ان تتخلص من العديد من طلبات رد الاعتبار التي قد يستمر فيها الاجراء مدة طويلة. وتتجلى ميزة هذه المسطرة ان المقرر الصادر بشانها نهائيا بنيما يخضع رد الاعتبار القضائي للطعن النقض.

 

رابعا : اشكالية العقوبة المزدوجة

تحتل هذه الاشكالية اهمية خاصة تتجلى في ان اغلب النصوص الجنحية القانونية تعاقب بالحبس والغرامة معا. ان مقتضيات الفصل 735 من قانون المسطرة الجنائية تنص على انه لا يمكن تقديم طلب رد الاعتبار الا بعد انصرام اجل قدره  ثلاث سنوات، ويرفع هذا الاجل إلى خمس سنوات في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية ويبتدئ الاجل من يوم السراح من السجن في حق المحكوم عليهم بعقوبة تقضي بالحرمان من الحرية ومن يوم الاداء في حق المحكوم عليهم بالغرامة، امكننا ان نتساءل عن مصير الشخص المحكوم عليه مثلا بشهر واحد حسبا نافذا وغرامة نافذة قدرها 500 درهم، فمن اين يا ترى يبتدئ الاجل، هل من تاريخ ادائه الغرامة، ولنفترض جدلا انه لم يؤد الغرامة الا يوم تقديم طلبه برد الاعتبار فهل تطلب منه ثلاث سنوات اضافية ليغدو الاجل في مجموعه هو ست سنوات فتصير العقوبة الجنحية في امدها اطول من العقوبة الجنائية التي لا تشترط سوى اجل الخمس سنوات ؟ ان حجم هذه الاشكالية يتسع في الحالة التي لا يطلب من المحكوم عليه بالغرامة ضرورة  تأديتها، وهذا ما يقع عمليا، فكيف يمكن اذ حل هذا الارتباط المضطرب بين الحبس والغرامة.

 

وان الخروج من هذا الغموض الذي افرزته العقوبة المزدوجة يقتضي منا قراءة " متأنية لبعض فصول قانون المسطرة الجنائية. فالفصل 707 من قانون المسطرة الجنائية ينص على ما يلي :   " تتضمن البطاقة رقم 3 بيان العقوبات الصادرة بالحرمان من الحرية من لدن احدى محاكم مملكتنا من اجل جناية أو جنحة وينص فيها بصفة صريحة على ان غايتها تنحصر فيما ذكر ..." اما الفصل 737 من نفس القانون فقد ورد : " يتعين على المحكوم عليه باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفصل 738 ان يدلي بما يثبت اداء المصاريف القضائية والغرامة والتعويض عن الضرر أو بما يثبت اعفاءه مما ذكر"

 

فمن خلال هذين الفصلين تتجلى بوضوح ارادة المشرع الذي أولى العقوبة السالبة للحرية اهمية خاصة فلم يعرض اطلاقا للغرامة ضمن مقتضيات الفصل 707، ان البطاقة رقم 3 التي تسلم للمواطنين لاقتضاء حقوقهم تتضمن فقط العقوبة السالبة للحرية، وهي المعول عليها في احتساب الاجل اما إذا اصطحبتها غرامة معينة فنطبق آنذاك الفصل 737 أي نكلف طالب رد الاعتبار القضائي باداء المصاريف القضائية والغرامة والتعويض دون ان نشترط عليه ضرورة مرور امد ثلاث سنوات من تاريخ الاداء. وتعليلنا في ذلك ان نية المشرع غير ما قلناه، لاشترطنا ايضا ضرورة مرور ثلاث سنوات بداية من تاريخ اداء المصاريف القضائية والتعويض. وهذا ما لا يستسيغه المنطق القانوني السليم، ويؤكد مذهبنا هذا ما أوردته الفقرة الثانية من الفصل 737 التي جاء فيها : فان لم يدل بشيء تعين عليه ان يثبت انه قضى مدة الاجبار بالسجن أو ان الفريق المتضرر تخلى عن التنفيذ بهذه الوسيلة. فمن خلال هذا الفصل يتضح ان المشرع المغربي اجاز امكانية استدلال طالب الاعتبار لما يفيد اعفاءه من غرامة المشرع فقط اعفاء العقوبة السالبة للحرية ولا اهمية للغرامة المرفقة بها التي اداها طالب رد الاعتبار لاحقا.

 

ان من شان حل هذه الاشكالية بالطرق المبينة ان يشجع طالبي رد الاعتبار على اداء الغرامة بدلا من انتظار مرور فترة تقادمها لكي لا يطالبوا بضرورة مرور اجل ثلاث سنوات عن تاريخ الاداء كما ان الجهة المكلفة بتحصيل الغرامات سوف لن تتوانى في المطالبة بها في اقرب الاجال ما دام ان المحكوم عليه لا يلجا إليها للاداء بل ينتظر مرور اجل التقادم، هذا فضلا عن ان المحاكم سوف توحد رايها بان العقوبات المزدوجة لا تشترط أمدين متساوين بل تكتفي بامد واحد هو ثلاث سنوات بداية من تاريخ قضاء العقوبة الحبسية على ان تكلف ذي المصلحة بضرورة اداء مبلغ الغرامة وبقية التاليف.

 

خامسا : اعادة الاعتبار بدون قيد أو شرط

قليلا ما تطرح المحاكم قضايا تتعلق بتطبيق مقتضيات الفصل 738 من قانون المسطرة الجنائية، وهي مقتضيات راعى فيها المشرع المغربي رعاية فائقة، واجزل العطاء لاولئك الذين يقدمون خدمات سنية للبلاد في مختلف الميادين، مخاطرين بحياتهم من اجل رفعة الوطن، وعزته، فكان  جزاؤهم ان أعفاهم من كل القيود والشروط والاجال التي تطلبها رد الاعتبار متى ارتكبوا فعلا مجرما قبل تلك الخدمات الجليلة التي قدموها. فجاءت صياغة الفصل كالاتي : ان ادى المحكوم عليه خدمات سنية للبلاد مخاطرا بحياته عند ارتكاب الجريمة لم يتقيد طلب رد الاعتبار باي شرط من حيث الاجال أو تنفيذ العقوبة. ان هذه العناية التشريعية تخيم بظلالها على كل الذين قدموا خدمات جليلة ايا كانت المجالات التي يمارسون فيها مهامهم وكذا التضحيات التي بذلوها حفاظا على وحدة البلاد وصيانة المقدسات.

 

سادسا : اشكالية رد الاعتبار القضائي في العقوبات المالية

غالبا ما يتطلب من المرء ضرورة الحصول على رد الاعتبار القضائي فيما حكم عليه به من غرامة مالية، ومعلوم ان البطاقة رقم 3 لا تتضمن سوى العقوبات الصادرة بالحرمان من الحرية. وقد دأبت المحاكم خاصة اقسام التنفيذ على عدم تضمين الغرامات في البطاقة المذكورة تمشيا مع النص المذكور. لكن مقتضيات الفصل 735 من قانون المسطرة الجناية تنص صراحة على ضرورة مضي امد ثلاث سنوات من تاريخ الاداء حتى يكون المرء محقا في اعادة اعتباره. فكيف يمكن ان نوفق بين هذين الفصلين، وخاصة متى علمنا ان المرء قد لا يلجا إلى مسطرة رد الاعتبار القضائي إذا حصل على البطاقة رقم3 خالية من اية اشارة، وكثيرا ما يحصل ان زاول؟ وظيفته الجديدة ثم يفاجأ بان عليه ان يستصدر حكما برد ا لاعتبار القضائي بخصوص عقوبة مالية، لان سلطة القاضي التقديرية قد تنزل بالعقوبة الحبسية إلى حدود الغرامة البسيطة. فكيف يمكننا ان نضع حدا لهذه الاشكالية ؟ ان مهمة كاتب الضبط وما لديه من وسائل تمكنه من مراقبة البطاقة رقم1 ورقم 2 التي تتضمن ملخصا للعقوبات بكاملها، وعليه متى الغي بها حكما قضى بالغرامة ان يمتنع عن تسليم البطاقة رقم 3 التي لا تتضمن سوى العقوبات السلبية للحرية، وبهذه الوسيلة يمكن ان يراقب العديد من الاحكام التي منحت فيها ظروف التخفيف واقتصر فيها القاضي على الغرامة مع انها قانونا معاقب عليها بالحبس أو السجن.

امل من خلال طرح هذه الافكار القانونية ان اكون قد اثرت موضوعا يرتبط ارتباطا وثيقا بالمرء وحالته المدنية واقترحت حلولا لن يدعمها الا النقاش المفيد.

 

مجلة الإشعاع، عدد13، ص 83.


تعليقات