القائمة الرئيسية

الصفحات



تطور المنظور التشريعي لزجر جرائم الشيك

 


تطور المنظور التشريعي لزجر جرائم الشيك

 

الأستاذ محمد مرزوكي

وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالقنيطرة

ان التعامل بالشيك كان وما زال ضرورة  ملحة  لاستعماله  كوسيلة  للاداء  حيث  يلعب  دورا  اساسيا في مختلف المعاملات التجارية والمدنية في صرف الاموال وتداولها بواسطة مختلف البنوك المنتشرة في جميع انحاء المملكة.

وامام  هذا  الدور الفعال  والخطير في  نفس  الوقت   فقد   احاطه  المشرع المغربي  بنظام  زجري  تطور حسب التطور الاقتصادي والاجتماعي للمملكة  السعيدة ،  وذلك  لحمايته  من  كل  تلاعب  أو  تزوير، وللحد  كذلك  من  ظاهرة  اصدار الشيكات بدون رصيد.

 

وفي هذا الاطار فقد كانت اول المقتضيات الزجرية المتعلقة بالشيك هي الواردة في الفصل 70 من ظهير19 يناير1939 المأخوذ من  القانون  الفرنسي  لسنة 1935 والمقتبس بدوره على ضوء اتفاقية جنيف لسنة 1931 المتعلقة بالقانون الموحد للشيك، وقد الغيت هذه المقتضيات الزجرية وعوضت بالفصل 543 ق ج.

وقبل سنة 1939 كان الشيك يخضع لمقتضيات بعض  فصول  قانون الالتزامات والعقود لسنة 1913 وظهير 25 ماي 1927، الا انها لم تكن مجدية.

 

وقد ظل  ظهير 19 يناير1939 وما لحقه  من  تعديلات بموجب  ظهائر 27 مارس1954 و23 غشت 1955 و10 يناير1959، العمود الفقري للشيك.

 

وامام تفاقم وتفاحش ظاهرة الشيكات بدون رصيد حسب الاحصائيات  وعلى  سبيل  المثال،  فسنة 1975 عرفت 250 الف شيك بدون رصيد وسنة1987، 573 الف شيك بدون رصيد.

 

وامام هذه الظاهرة وتاثير العوامل الدولية والحاجة الملحة إلى جلب الاستثمارات الخارجية ومواكبة التطورات الدولية، خاصة بعد ابرام المغرب لاتفاقية الشراكة مع  الاتحاد الأوروبي وتطوير التعاون الاقتصادي وانشاء المنظمة الدولية للتجارة .

 

اصبح من الضروري، وبعد مرور 83 سنة من العمل بالقانون التجاري لسنة 1913 سن تشريع جديد ياخذ بعين الاعتبار هذه العوامل، وبالفعل فقد صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 اكتوبر1996، تشريع جديد تحت اسم مدونة التجارة، والذي اقتبس بدوره من القانون الفرنسي. وبدا تنفيذه في 3 اكتوبر1997.

وما يهمنا في هذه المدونة الان هو الجانب الزجري المتعلق بالشيك.

 

ويظهر من خلال هذه المدونة ان المشرع المغربي اعطى منظورا جديدا ومتطورا لزجر جرائم الشيك حيث لاول مرة تضمنت نصوص زجرية اكثر دقة وضبط، والتي من شأنها ان توفر الثقة اللازمة للمتعاملين بالشيك، الا اننا سنخص بالذكر بعض الإجراءات الشكلية المتعلقة بالدعوى العمومية، ويتعلق الامر على الخصوص بمحضر الاحتجاج  بعدم الدفع ومصير الفصل 543 ق ج ومقتضيات زجرية اخرى والمستجدات الناشئة عن الاختصاص  سواء النوعي أو المكاني للمحكمة الابتدائية.

 

وقد وقع الاختيار على هذا الموضوع لما له من ارتباط وثيق بعملنا اليومي ومحاولة منا لتوحيد هذه الإجراءات بدائرة نفوذ هذه الاستئنافية على الاقل.

وبالرجوع إلى الفصل 474 من قانون التزامات والعقود الذي ينص على ما يلي :  " الا تلغى القوانين الا بقوانين لاحقة، وذلك إذا نصت هذه صراحة على الالغاء، أو كان القانون الجديد متعارضا مع قانون سابق أو منظما لكل الموضوع الذي ينظمه..."

 

وتبعا لذلك فان القانون المغربي يعرف نوعين من الالغاء: الالغاء الصريح والذي يكون شاملا أو جزئيا أو الالغاء الضمني والذي يتحقق في حالة ما إذا تضمن القانون الجديد مقتضيات تتعارض كليا مع تلك التي يتضمنها القانون القديم.

 

لان المنطق يرفض تطبيق جميع المقتضيات المتناقضة في وقت واحد، هنا يجب استنتاج ان القانون الجديد الغى القانون القديم في الحدود الذي يتعارضان فيها.

هناك نوع ثالث من الالغاء والذي لا يعرفه القانون المغربي وهو الالغاء بعدم الاستعمال أو السقوط بعدم الاستعمال، عندما يتعلق الامر بقانون لم يطبق اصلا  أو توقف بشكل غير رسمي.

 

نرجع للفصل 733 من مدونة التجارة، والذي لم يلغى صراحة فـ 543 ق ج والحقيقة ان الامر لا يتعلق فقط بهذا الفصل بل يتعلق ايضا بفصول جنائية اخرى كتلك المتعلقة بالتفالس، وهي الفصول من 556 إلى 569 ق ج 13 فصلا ) وان نفس هذه الجريمة نظمتها من جديد م التجارة في الفصلين 721 ـ 722، والتي لا تفرق بين التفالس البسيط والتفالس التدليسي، كما هو الشان في القانون الجنائي.

 

هناك ايضا الفصل 545 ق ج الخاص بتزوير وتزييف الشيك الذي اخذته الفقرة الثالثة من المادة 316 م التجارة.

اذن نحن أمام الغاء ضمني لهذه المقتضيات للاعتبارات الاتية :

 

1- القول بعدم الغاء فصول القانون الجنائي المتعلقة بجرائم الشيك من شانه ان يؤدي إلى وجود وسيلتين قانونيتين لتنظيم  موضوع واحد الامر الذي لا يقبله المنطق القانوني ولا يسمح بهذه الثنائية في التشريع وإلا ما مصير العقوبات الواردة في الماد 316 من م التجارة إذا لم تنفذ..

 

2- احكام مدونة التجارة الخاصة بجرائم الشيك تشكل القانون اللاحق مما يقتضي تقديمه في التطبيق على القانون السابق المنظم لنفس الموضوع.

 

3- هذه الفصول تشكل كذلك نصا خاصا بالنسبة للقانون الجنائي الذي يعتبر نصا عاما مما يبرر التقديم في التطبيق وليس من المنطق في شيء ان يتضمن الفصل الواحد عدة عقوبات.

 

4- ان المشرع بسنه لعقوبة خاصة بجرائم الشيك المنصوص عليها في المادة 316 من م التجارة يكون قد تغاضى ضمنيا عن العقوبات المنصوص عليها في الفصلين 543 ـ 545 ق ج وباقي المقتضيات الزجرية المتعلقة بالشيك.

 

5- عدم امكانية تمتيع المتهم بإيقاف التنفيذ في جرائم الشيك الا فيما يخص العقوبات الحبسية طبقا للمادة 324 من م التجارة.

ونظرا لهذه الاعتبارات يمكن القول ان الفصلين 543 ـ 547 ق ج، وباقي الفصول الجنائية الخاصة بالشيك، قد الغيت ضمنيا طبقا للفصل 474 من قانون الالتزامات والعقود.

هذا من جهة، ومن جهة اخرى فقد اعتبرت بعض النيابات العامة ان تحريك الدعوى العمومية رهين بالادلاء بمحضر الاحتجاج بعدم الدفع، فيما يخص جنحة اصدار شيك بدون مؤونة، تبعا للمقتضيات الصريحة والالزامية الواردة في المادة 299 من م التجارة والتي تنص انه " لا اجراء من طرف حامل الشيك يغني عن الاحتجاج الا في الحالة المنصوص عليها في المادة 276 وما يليها المتعلقة بفقدان الشيك وسرقته".

هذا الاحتجاج المشار إليه في هذه المادة لا علاقة له بالدعوى العمومية، وانما يتعلق بالدعوى الصرفية فقط وذلك للاعتبارات التالية :

 

1- الاحتجاج بعدم الدفع يعطل الدعوى العمومية في مواجهة الساحب عن طريق اضافة اجل قصير لتقادمها لكون الاحتجاج يجب ان يقام قبل انقضاء اجل التقديم الذي يتحدد اما في 20 يوما أو في 60 يوما بحسب الحالة، وهذا يتناقض مع مبدا التقادم الذي هو من النظام العام ومع إجراءات الدعوى العمومية التي تتسم بالسرعة والفعالية.

 

2-الاحتجاج لا يعتبر من النظام العام لكون المادة286  من م التجارة تنص على انه " يجوز للساحب ولاي مظهر أو ضامن احتياطي ان يعفي حامل الشيك من اقامة احتجاج عند مباشرة حقه في الرجوع إذا كتب على الشيك شرط " الرجوع بلا مصاريف " أو بدون احتجاج أو شرطا مماثلا مذيلا بالتوقيع "...

 

3- لا تأثير لعدم صحة الشيك من زاوية القانون التجاري على الدعوى  العمومية التي تظل قابلة للتحريك ما لم تتقادم.

 

4- الاحتجاج اجراء قانوني لابد منه في حالة عدم الحصول على قيمة الشيك لحامله وإلا اعتبر حاملا مهملا، وقد يفقد حقه في اقامة الدعوى الصرفية ويبقى له الحق في اللجوء إلى القضاء الجنائي لتحريك الدعوى العمومية للمطالبة بحقه.

 

وتعزيزا لهذا الاتجاه، فقد قضى المجلس الأعلى بان الاحتجاج بعدم الدفع مجرد اجراء شكلي لا تأثير له على قيام الجريمة قرار عدد 1089 بتاريخ 3/5/95 ملف جنائي عدد25544/93، كما ذهب في قضية اخرى إلى انه يمكن اثبات التهمة بكل الوسائل لانها مسالة واقع وان الاحتجاج  بعدم الدفع ليس الا احدى هذه الوسائل ـ قرار عدد 102/93 وتاريخ 24/1/91 ملف جنحي عدد27334/90 وهكذا يكون الاحتجاج وسيلة من وسائل الاثبات وليس الوسيلة الوحيدة.

 

اذن الاحتجاج اجراء ضروري جوهري لاقامة الدعوى الصرفية ولا تاثير له على الدعوى العمومية ومقابل هذا فان المشرع قد خلق وسيلة اخرى لاثبات عدم الدفع، وهي وسيلة تتسم بالبساطة والسرعة ويمكن اعتمادها  كحجة لاثبات جريمة الشيك بدون مؤونة فقد نصت مدونة التجارة في المادة 309 على ما يلي " كل مؤسسة بنكية ترفض وفاء شيك مسحوب عليها ملزمة بتسليم الحامل أو وكيله شهادة رفض الاداء تحدد بياناتها من طرف بنك المغرب.

وبالفعل فقد صدرت عن بنك المغرب دورية عدد 5/ج 97 وتاريخ 18/9/97 موجهة إلى كافة الابناك وفروع الخزينة تتضمن البيانات الواجب توافرها بهذه الشهادة واخيرا يبقى لحامل الشيك الخيار في اثبات عدم الدفع، اما بمحضر الاحتجاج أو بشهادة عدم الاداء الصادرة عن البنك المسحوب عليه.

 

اما بخصوص الاختصاص فيما يرجع لجرائم الشيك فان المشرع عمد ضمن قواعد مدونة التجارة إلى توسيع اختصاص المحكمة الابتدائية سواء منها الاختصاص النوعي أو الاختصاص المكاني وهكذا فقد نصت المادة326 في فقرتها الثانية على ما يلي: " يجوز للقاضي الزجري في حالة عدم انتصاب الطرف المدني وعدم استخلاص ما يثبت وفاء الشيك من عناصر الدعوى ان يحكم على المسحوب عليه"  خطا مادي فادح فقد وقع تداركه بالسرعة اللازمة بموجب  الاستدراك المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4493 وتاريخ 23/6/97، ولو تلقائيا بان يؤدي لحامل الشيك اضافة إلى مصاريف تنفيذ الحكم مبلغا ويعادل قيمة الشيك وتضاف عند الاقتضاء الفوائد ابتداء من يوم التقديم وفقا للمادة 288 من م التجارة وكذا المصاريف الناتجة عن عدم الوفاء إذا لم يتم تظهير الشيك ان لم يكن ذلك لتحصيل قيمته، وكان اصله بالملف.

 

وهكذا وسع المشرع مجال الاختصاص النوعي من خلال الصلاحية الواسعة التي اعطيت للقاضي الزجري الذي يمكنه اثناء النظر في الدعوى العمومية ان يحكم على الساحب ولو تلقائيا لحامل الشيك اضافة إلى مصاريف تنفيذ الحكم مبلغا يعادل قيمة الشيك.

 

كما ان المادة 327 من نفس المدونة نصت على انه " بصرف النظر عن تطبيق مقتضيات قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالاختصاص، تنظر المحكمة التي يقع الوفاء بدائرتها في الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب".

وهكذا فقد اضيف اختصاص مكاني رابع للمحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها مكان البنك المسحوب عليه، الذي سوف يؤدي فيه الشيك بعدما كان الامر مقتصرا على محكمة مكان ارتكاب الجريمة واما محكمة مكان اقامة الفاعل وشركائه واما محكمة مكان القاء القبض تبعا للفصل 261 من ق م ج.

 

وفي الأخير تبقى الإشارة إلى ان دعاوي الشيك تتقادم بعد مضي ستة اشهر، ابتداء من تاريخ انقضاء اجل التقديم أو من يوم قيام الملتزم برد مبلغ الشيك أو من يوم رفع الدعوى ضده حسب التفصيل الوارد في المادتين 295 ـ 296 من م التجارة وتتعلق بدعوى الشيك الصرفية ولا علاقة لها بالدعوى العمومية لكون العقوبات الحبسية المنصوص عليها في مدونة التجارة تخضع للتقادم الجنحي الوارد في الفصل الرابع من قانون المسطرة الجنائية.

 

وتبقى المادة 308 من مدونة التجارة والتي تعاقب المسحوب عليه بغرامة 100 درهم عن كل مخالفة يقوم بها بشان تسليم الزبون صيغ شيكات على بياض لا تتضمن اسم الشخص الذي سلمت إليه، فمدة التقادم الواجب مراعاتها بالنسبة لهذه المخالفة تبقى محددة في سنتين طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 271 ق م ج.

 

المراجع

- الأستاذ عبد الله المستاري : اشكالات تجريم الشيك في التشريع الجديد، مجلة المحامي عدد 32/33 يونيه 1998.

- الأستاذ  محمد لفروجي : الشيك واشكالاته القانونية والعملية.

- الأستاذ احمد شكري السباعي : الوسيط في الأوراق التجارية الجزء الثاني.

- الأستاذ محمد الحارثي : الشيك بالمغرب واقع وافاق.

- الأستاذ جلال سعيد : مدخل لدراسة القانون.

- الأستاذ محمد اوغريس : المسؤولية الجنائية عن جرائم الشيك في التشريع الجديد.

- الاستاذة لطيفة الداودي : مظاهر الحماية الجنائية للشيك في ضوء مستجدات مدونة التجارة، مجلة المحامي عدد

   35 يونيه99.

- الندوة الثانية للعمل القضائي البنكي المنعقدة بالمعهد الوطني للدراسات القضائية بتاريخ 20 ـ 21 يونيو1988.

 

مجلة الإشعاع، عدد21، ص 77.


تعليقات